محمد شتيوى
مستشار سابق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إليكم أيها الأخوة الكرام " نونية القحطانى "
وهى قصيدة نونية (1) لأبى محمد بن عبد الله بن محمد الأندلسي القحطانى المالكي الفقيه الحافظ
وهى من درر الشعر الإسلامي بها الكثير من الأبيات المشهورات التي سارت بها الركبان وتناشدها الأقوام في مجالسهم
والقصيدة في مجملها تشرح شرائع الإسلام وتبين أحكامه وعقائد أهل السنة والجماعة , وتخصص جانبا كبيرا منها للرد على الفرق الضالة والمبتدعة
وسأقوم بأخذ جولة في بستان تلك القصيدة الرائعة مقتطفا من زهورها أينعه , ومن ثمارها أطيبه , مختصرا ما تنبوا الأفهام عن سماعه , جاعلا غرضي في ذلك أن أُتجول بذهن القارئ في ثنايا القصيدة , مانحا إياه رحيقها ورضابها وخلاصتها
والقصيدة طويلة جدا , تبلغ 686 بيتا , أخذت منها ما راق ذوقي , وظننت به الجودة والإتقان
وأتمنى أن يحوز إعجابكم جهد المقل , وتقصير صاحب الشغل
************
ويبدأ الشاعر قصيدته بمقدمة يتحدث فيها عن القرآن ويدعوا فيها الله أن يغفر له ذنوبه مقسما على الله بصفة من صفاته وهو " القرآن " كلام الله تبارك وتعالى
يقول :-
يا مَنزل الآياتِ وَالفُرقانِ ... بيني وَبينَك حرمةُ القرآنِ
اِشرَح به صَدري لمعرفةِ الهُدى ... واِعصم بِهِ قَلبي مِن الشيطانِ
يَسِّر بِهِ أَمري وَأَقضِ مآربي ... وَأَجرِ به جَسَدي مِنَ النيرانِ
واحطُط بِهِ وِزري وَأَخلِص نِيَّتي ... واِشدُد به أَزري وأصلح شاني
واكشُف به ضُرّي وَحَقِّق تَوبتي ... واربح بِهِ بَيعي بِلا خُسراني
طَهِّر بِهِ قَلبي وَصَفِّ سَريرَتي .... أَجمِل به ذِكري واعلِ مَكاني
واِقطَع بِهِ طَمَعي وَشَرِّف هِمَّتي ... كَثِّر بِهِ وَرَعي واحيِ جَناني
أَسهِر به لَيلي وأظمِ جَوارحي ... أَسبِل بِفَيضِ دَموعها أَجفاني
أُمزُجهُ يا ربِّ بِلَحمي مَع دَمي ... واِغسِل بِهِ قَلبي مِنَ الأضغانِ
ويعترف بفضل الله تعالى عليه ويعدد نعمه :
أَنت الَّذي صَوَّرتَني وَخَلَقتَني ... وَهَدَيتَني لِشَرائِعِ الإِيمانِ
أَنتَ الَّذي عَلَّمتَني وَرَحمتَني ... وَجَعَلتَ صَدري واعيَ القُرآنِ
أَنتَ الَّذي أَطعَمتَني وَسَقَيتَني ... مِن غَيرِ كَسبِ يَدٍ وَلا دُكّانِ
وَجَبَرتَني وَسَتَرتَني وَنَصَرتَني ... وَغَمَرتَني بالفَضل وَالإِحسانِ
أَنتَ الَّذي آويتني وَحَبَوتني ... وَهَدَيتَني من حَيرَةِ الخِذلانِ
وَزَرَعتَ لي بَينَ القُلوبِ مَوَدَّةً ... وَالعَطف منك بِرَحمةٍ وَحَنانِ
ومن اعظم النعم نعمة الستر :
وَنَشَرتَ لي في العالمينَ محاسناً ... وَسَتَرتَ عَن أَبصارِهِم عِصياني
وَاللَه لَو عَلِموا قَبيحَ سَريرَتي ... لأَبي السَلامَ عَلَيَّ مَن يَلقاني
وَلأَعرَضوا عَنّي وَمَلّوا صُحبَتي ... وَلَبُؤتُ بَعدَ كَرامَةٍ بِهَوانِ
لَكِن سَتَرتَ مَعايبي وَمَثالي ... وَحَلمتَ عَن سَقَطي وَعَن طُغياني
فَلَكَ المَحامِدُ وَالمَدائِحُ كُلُّها ... بِخَواطِري وَجَوارِحي وَلِساني
ويتحدث بعد ذلك عن بعض صفات الله ومنها صفة الكلام نثبتها لله عز وجل بما يليق بجلاله ولا نشبه الله بأحد من خلقه لأنه ( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ) :
فاللَهُ رَبّي لَم يَزَل مُتَكَلِّماً ... حَقّاً إِذا ما شاءَ ذو إِحسانِ
نادى بِصَوتٍ حينَ كَلَّمَ عَبدَهُ ... موسى فأَسمَعَهُ بِلا كِتمانِ
وَكَذا يُنادي في القيامَةِ رَبُّنا ... جَهراً فَيسمَعُ صَوتَهُ الثَقَلانِ
أَن يا عِبادي أَنصِتوا لي واِسمَعوا ... قولَ الإِلَهِ المالكِ الدَّيّانِ
هَذا حَديثُ نَبيِّنا عَن رَبِّهِ ... صِدقاً بِلا كَذِبٍ وَلا بُهتانِ
لَسنا نُشَبِّهُ صَوتَهُ بِكَلامِنا ... إِذ لَيسَ يُدرَكُ وَصفُهُ بِعيانِ
والقرآن كلام الله الذي تكلم به حقيقة وليس مخلوقا :
وَكَلامُهُ القُرآنُ أَنزلَ آيَهُ ... وَحياً عَلى المَبعوثِ مِن عَدنانِ
اللَهُ فَصَّلَهُ وأَحَكَمَ آيهُ ... وَتَلاهُ تَنزيلاً بِلا أَلحانِ
هُوَ قَولُهُ وَكَلامُهُ وَخِطابُهُ ... بِفَصاحَةٍ وَبَلاغَةٍ وَبيانِ
مَن قالَ إِنَّ اللَه خالِقُ قَولِهِ ... فَقَدِ اِستَحَلَّ عِبادَةَ الأَوثانِ
من قالَ فيه عِبارَةٌ وَحِكايَةٌ ... فَغَداً يُجَرَّعُ مِن حَميمٍ آنِ
مَن قالَ إِنَّ حُروفَهُ مَخلوقَةٌ ... فالعَنهُ ثم اِهجُرهُ كُلَّ أَوانِ
ثم يعرض لبعض معتقدات أهل السنة والجماعة فى الموت والقبر والحشر , وعن يوم القيامة يقول :
يَومُ القِيامَةِ لَو عَلِمتَ بِهَولِهِ ... لَفَرَرتَ مِن أَهلٍ وَمِن أَوطانِ
يَومٌ تَشَقَّقَتِ السَماءُ لِهَولِهِ ... وَتَشيبُ فيهِ مَفارِقُ الوِلدانِ
يَومٌ عَبوسٌ قَمطَريرٌ شَرُّهُ ... في الخَلقِ مُنتَشِرٌ عَظيمُ الشانِ
وَالجَنَّةُ العُليا وَنارُ جَهَنَّمِ ... دارانِ لِلخَصمَينِ دائِمَتانِ
ويتحدث عن بعض فرائض الإسلام كالصلاة والصيام والزكاة , وبعدها يحذر من دين الرافضة (2) الذين كفروا الصحابة ولعنوهم فيقول :
لا تَعتَقِد دينَ الروافض إِنَّهُم ... أَهلُ المَحالِ وَحِزبَةُ الشَيطانِ
مَدَحوا النَبيَّ وَخوَّنوا أَصحابه ... وَرَموهُمُ بالطُلمِ وَالعُدوانِ
حَبّوا قَرابَتَهُ وَسَبّوا صَحبَهُ ... جدلان عند اللَه منتقضان
فَكأَنَّما آلُ النَبيِّ وَصَحبُهُ ... روحٌ يَضُمُّ جَميعَها جَسَدانِ
ويدافع عن الصحابة الأبرار ومنهم أبو بكر وعمر رضى الله عنهما :
قُل إِنَّ خَيرَ الأَنبياءِ مُحَمَّدٌ ... وَأَجَلَّ مَن يَمشي عَلى الكُثبانِ
وَأَجَلَّ صَحبِ الرُسلِ صَحبُ مُحَمَّدٍ ... وَكَذاكَ أَفضَلُ صَحبِهِ العُمَرانِ
رَجُلانِ قَد خُلِقا لِنَصرِ مُحَمَّدٍ ... بِدَمي وَنَفسي ذانِكَ الرَجُلانِ
فَهُما اللَذانِ تَظاهَرا لِنَبيِّنا ... في نَصرِهِ وَهُما لهُ صِهرانِ
وَهُما وَزيراهُ اللَذانِ هُما هُما ... لِفَضائِل الأَعمالِ مُستَبِقانِ
وَهُما لِأَحمَدَ ناظِراهُ وَسَمعُهُ ... وَبِقُربِهِ في القَبرِ مُضطَجِعان
ويدعوا إلى السكوت عما شجر بين الصحابة من فتنة بين على ومعاوية فإن ذلك من الأدب في التعامل مع الصحابة كما أن الصحابة كلهم رضى الله عنهم وسيدخلهم الجنة أجمعين وينزع من صدورهم الغل على بعضهم فهم إخوان على سرر متقابلين :
قُل خَيرَ قَولٍ في صَحابَةِ أَحمَدٍ ... وامدَح جَميعَ الآلِ وَالنِسوانِ
دَع ما جَرى بَينَ الصَحابَةِ في الوَغى ... بِسيوفِهِم يَومَ التَقى الجَمعانِ
فَقَتيلُهُم مِنهُم وَقاتِلُهُم لَهُم ... وَكِلاهُما في الحَشرِ مَرحومانِ
وَاللَه يَومَ الحَشرِ يَنزِعُ كُلَّ ما ... تَحوي صُدورُهُم مِنَ الأَضغانِ
ويعود فيهاجم الروافض :
لا تَركَنَنَّ إِلى الروافِضِ إِنَّهُم ... شَتَموا الصَحابَةَ دونَ ما بُرهانِ
لَعَنوا كَما بغضوا صَحابَةَ أَحمَد ... وَوِدادُهُم فَرضٌ عَلى الإِنسانِ
حُبُّ الصَحابَةِ وَالقَرابَةِ سُنَّةٌ .... أَلقى بِها رَبّي إِذا أَحياني
ويتحدث عن بعض أمور الفقه - ويطيل فى ذلك - كقوله فى جواز الوضوء من ماء البحر :
وَالبَحرُ اجمَعُهُ طَهورٌ ماءُهُ ... وَتَحلُّ مَيتَتُهُ مِنَ الحيتانِ (3)
وعن رمضان يقول :
رَمَضانُ شَهرٌ كامِلٌ في عقدنا .. ما حلَّه يَوم وَلا يَومان
إِلّا المُسافِرُ وَالمَريضُ فَقَد أَتى ... تأخيرُ صَومِهِما لِوَقتٍ ثانِ
وَكَذاكَ حَملٌ وَالرِضاعُ كِلاهُما ... في فِطرِهِ لِنِسائِنا عُذرانِ
عَجِّل بِفِطرِكَ وَالسُحورُ مُؤَخَّرٌ ... فَكِلاهُما أَمرانِ مَرغوبانِ
حَصِّن صِيامَكَ بِالسُكوتِ عَن الخَنا ... أَطبِق عَلى عَينَيكَ بِالأَجفانِ
ويدلى ببعض النصائح ويحث على بعض الفضائل :
لا تَمشِ ذا وَجهَينِ مِن بَينِ الوَرى ... شَرُّ البَريَّةِ مَن لَهُ وَجهانِ
لا تَحسُدن أَحَداً عَلى نَعمائِهِ ... إِنَّ الحَسودَ لِحُكمِ رَبِّكَ شانِ
لا تَسعَ بَينَ الصاحِبينِ نَميمَةً ... فَلأَجلِها يَتَباغَضُ الخِلّانِ
وَتَحَرَّ بِرَّ الوالِدَينِ فَإِنَّهُ ... فَرضٌ عَلَيكَ وَطاعَةُ السُلطانِ
لا تَخرُجَنَّ عَلى الإِمامِ مُحارِباً ... وَلَو أَنَّهُ رَجُلٌ مِن الحُبشانِ
وَمَتى أُمِرتَ بِبِدعَةٍ أَو زَلَّةٍ ... فاِهرب بِدينِكَ آخِرَ البُلدانِ
وفى شأن التعامل مع النساء يقول :
لا تَخلُ بِامرأَةٍ لَدَيكَ بريبَةٍ ... لَو كُنتَ في النُسّاكِ مِثلَ بَنانِ
إِنَّ الرِجالَ الناظِرينَ إِلى النِسا ... مِثلُ الكِلابِ تَطوفُ بِاللُحمَانِ
إِن لَم تَصُن تِلكَ اللُحومَ أُسودُها ... أُكِلَت بِلا عِوَضٍ وَلا أَثمانِ
واِغضُض جُفونَكَ عَن مُلاحَظةِ النِسا ... وَمَحاسِن الأَحداثِ وَالصِبيانِ
ويحذر من الجدال فى الباطل :
لا تُفن عُمرَك في الجِدالِ مُخاصِماً ... إِنَّ الجِدالَ يُخِلُّ بالأَديانِ
واحذَر مُجادَلَةَ الرِجالِ فَإِنَّها ... تَدعو إِلى الشَحناءِ وَالشَنآنِ
وَإِذا اِضطَرَرتَ إِلى الجِدالِ وَلَم تَجِد ... لَكَ مَهرَباً وَتَلاقَتِ الصَفّانِ
فاِجعَل كِتابَ اللَهِ دِرعاً سابِغاً ... وَالشَرعَ سَيفَكَ وابدُ في المَيدانِ
ويحذر من كثرة الطعام :
لا تَحشُ بَطنَكَ بِالطَعامِ تَسَمُّناً ... فَجُسومُ أَهلِ العِلمِ غَيرُ سِمانِ
لا تَتَّبع شَهواتِ نَفسِكَ مُسرِفاً ... فاللَهُ يُبغِضُ عابِداً شَهواني
اقلِل طَعامَكَ ما اِستَطَعتَ فَإِنَّهُ ... نَفعُ الجُسومِ وَصِحَّةُ الأَبدانِ
وَاملِك هَواكَ بِضَبطِ بَطنِكَ إِنَّهُ ... شَرُّ الرِجالِ العاجِزُ البَطنانِ
ويحذر من الغناء والمعازف :
لا خَيرَ في صور المَعازِفِ كُلِّها ... وَالرَقصِ والإِيقاعِ في القُضبانِ
إِنَّ التَقيَّ لِرَبِّهِ مُتنَزِّهٌ ... عَن صَوتِ أَوتارٍ وَسَمعِ أَغانِ
وَتِلاوَةُ القُرآنِ مِن أَهلِ التُقى ... سيَما بِحُسن شَجاً وَحُسن بَيانِ
أَشهى وَأَوفى لِلنُفوسِ حَلاوَةً ... مِن صَوتِ مِزمارٍ وَنَقرِ مَثانِ
ثم يحدثنا عن حور الجنات الطيبات الطاهرات : (4)
اعرِض عَنِ النِسوانِ جُهدَكَ واِنتَدِب ... فَكِلاهُما بِيَدَيكَ مأسورانِ
في جَنَّةٍ طابَت وَطابَ نَعيمُها ... لِعِناقِ خَيراتٍ هُناكَ حِسانِ
أَنهارُها تَجري لَهُم مِن تَحتِهِم ... مِن كُلِّ فاكِهَةٍ بِها زَوجانِ
غُرُفاتُها مِن لُؤلؤٍ وَزَبَرجَدٍ ... مَحفوفَةً بِالنَخلِ وَالرُمّانِ
قُصِرَت بِها لِلمُتَقينَ كَواعِباً ... وَقُصورُها مِن خالِصِ وَالمَرجانِ
بيضُ الوجوهِ شُعورُهُنَّ حَوالِكُ ... حُمرُ الخُدودِ عَواتِقُ الأَجفانِ
فُلجُ الثَغورِ إِذا اِبتَسَمنَ ضَواحِكاً ... هيفُ الخُصورِ نَواعِمُ الأَبدانِ
خُضرُ الثِيابِ ثَديُهُنَّ نَواهِدُ ... صُفُر الحُليِّ عَواطِرُ الأَردانِ
طُوبى لِقَومٍ هُنَّ ازواجٌ لَهُم ... في دارِ عَدنٍ في مَحَلِّ أَمانِ
لَو تَنظُر الحَوراءَ عِندَ وَليِّها ... وَهُما فُويقَ الفُرُشِ مُتَكِئانِ
يَتَنازَعانِ الكأسَ في أَيديهما ... وَهُما بِلَذَّةِ شُربها فَرِحانِ
وَلَرُبَّما تَسقيهِ كأساً ثانياً ... وَكِلاهُما بِرَضابِها حُلوانِ
يَتَحَدَّثانِ عَلى الأَرائِكِ خَلوَةً ... وَهُما بِثَوبِ الوَصلِ مُشتَمِلانِ
وعن نعيم أهل الجنة يقول :
أَكرِم بِجَنّاتِ النَعيمِ وَأَهلِها ... إِخوانُ صِدقٍ أَيُّما إِخوانِ
جيرانُ رَبِّ العالَمينَ وَحِزبُهُ ... أَكرِم بِهِم في صَفوة الجيرانِ
هُم يَسمَعونَ كَلامَهُ وَيَرونَهُ ... وَالمُقلَتانِ إِلَيهِ ناظِرَتانِ
وَعَلَيهِمُ فيهما مَلابسُ سُندُسٍ ... وَعَلى المَفارِقِ أَحسَنُ التِيجانِ
تيجانُهُم مِن لؤلؤٍ وَزَبَرجَدٍ ... أَو فِضَّةٍ مِن خالِصِ العِقيانِ
وَخَواتِمٍ مِن عَسجَدٍ وَأَساوِرٍ ... مِن فِضَّةٍ كُسيت بِها الزَندانِ
وَطَعامُهُم مِن لَحمِ طَيرِ ناعِمٍ ... كالبُختِ يُطعم سائِرَ الأَلوانِ
وَصِحافُهُم ذَهَبٌ وَدُرٌّ فائِقُ ... سَبعونَ الفاً فَوقَ ألف خوان
ويحث على العمل لبلوغ المراد ودخول الجنان :
إِن كُنتَ مُشتاقا لَها كَلِفاً بِها ... شَوقَ الغَريبِ لِرؤيَةِ الأَوطانِ
كُن مُحسِناً فيما اِستَطَعتَ فَرُبَّما ... تُجزى عَنِ الاحسانِ بالإِحسانِ
واِعمَل لِجَنّات النَعيمِ وَطيبِها ... فَنَعيمُها يَبقى وَلَيسَ بِفانِ
ويعود فيحث على تعلم بعض العلوم المفيدة كالحساب لأنه يفيد فى حساب المواريث :
عِلمُ الحِسابِ وَعِلمُ شَرعِ مُحَمَّدٍ ... عِلمانِ مَطلوبانِ مُتَّبَعانِ
لَولا الفَرائِضُ ضاعَ ميراثُ الوَرى ... وَجَرى خِصامُ الوُلدِ وَالشّيبانِ
لَولا الحِسابُ وَضَربُهُ وَكُسورُهُ ... لَم يَنقَسِم سَهمٌ وَلا سَهمانِ
ويحذر من بعض العلوم كعلم الكلام ( الفلسفة ) لأنه يؤدى إلى الإلحاد لأنهم يقيسون الشرع بعقولهم القاصرة ويتحدثون في أمور الغيب بغير علم :
لا تَلتَمِس عِلمَ الكَلامِ فَإِنَّهُ ... يَدعو إِلى التَعطيلِ وَالهَيَمانِ
لا يَصحبِ البِدعيُّ إِلّا مِثلَهُ ... تَحتَ الدُخانِ تأَجُّجُ النيرانِ
عِلمُ الكَلامِ وَعِلمُ شَرعِ مُحَمَّدٍ ... يَتَغايَرانِ وَلَيسَ يَشتَبِهانِ
آخَذوا الكَلامَ عَنِ الفَلاسِفَةِ الأُلى ... جَحَدوا الشَرائِعَ غِرَّةً وَأَمانِ
حَمَلوا الأُمورَ عَلى قِياسِ عُقولِهِم ... فَتَبَلَّدوا كَتَبَلُّدِ الحَيرانِ
مَن قاسَ شَرعَ مُحَمَّدٍ في عَقلِهِ ... قَذَفَت بِهِ الأَهواءُ في غَدرانِ
ويتحدث عن عقيدة أهل السنة في الإيمان بأسماء الله وصفاته :
أمرِر أَحاديثَ الصِفاتِ كَما أَتَت ... مِن غَيرِ تأويلٍ وَلا هَذَيانِ
هُوَ مَذهَبُ الزُهري وَوافَقَ مالِكٌ ... وَكِلاهُما في شَرعِنا عَلَمانِ
لِلَّهِ وَجهٌ لا يُحَدُّ بِصورَةٍ ... وَلِرَبِّنا عَينانِ ناظِرَتانِ
وَلَهُ يَدانِ كَما يَقولُ إِلَهُنا ... وَيَمينُهُ جَلَّت عَنِ الأَيمانِ
كِلتا يَديَ رَبّي يَمينٌ وَصفُها ... وَهُما عَلى الثَقَلَينِ مُنفِقَتانِ
كُرسيُّهُ وَسِعَ السماوات العُلا ... وَالأَرضَ وَهوَ يَعُمُّهُ القَدَمانِ
وَاللَهُ يَضحَكُ لا كَضِحكِ عَبيدِهِ ... وَالكَيفُ مُمتَنِعٌ عَلى الرَحمَنِ
وَاللَهُ يَنزِلُ كُلَّ آخِرِ لَيلَةٍ ... لِسَمائِهِ الدُنيا بِلا كِتمانِ
فَيَقولُ هَل مِن سائِلٍ فَأُجيبَهُ ... فَأَنا القَريبُ أُجيبَ مَن ناداني
حاشا الإِلَهَ بِأَن تُكَيِّفَ ذاتُهُ ... فالكَيفُ وَالتَمثيلُ مُنتَفيانِ
وَالأَصلُ أَنَّ اللَه لَيسَ كَمِثلِهِ ... شَيءٌ تَعالى الرَبُّ ذو الإِحسانِ
وَحَديثُهُ القُرآنُ وَهوَ كَلامُهُ ... صَوتٌ وَحَرفٌ لَيسَ يَفتَرِقانِ
لَسنا نُشَبِّهُ رَبَّنا بِعِبادِهِ ... رَبٌّ وَعَبدٌ كَيفَ يَشتَبِهانِ (5)
ويرد بعد ذلك على بعض الفرق التي عارضت اعتقاد أهل السنة والجماعة في هذا الباب كالأشاعرة :
وَالآنَ أَهجو الأشعَريَّ وَحِزبَهُ ... وَأُذيعَ ما كَتَموا مِنَ البُهتانِ
بِأَدِلَّةِ القُرآنِ أُبطِلُ سِحركُم ... وَبِهِ أُزَلزِلُ كَلَّ مَن لاقاني
ثم يختم قصيدته بمدحها وإبانة فضائلها :
إِنّي قَصَدتُ جَميعَكُم بِقَصيدةٍ ... هَتَكتَ سُتوركُمُ عَلى البُلدانِ
هيَ لِلرَوافِض دِرَّةٌ عُمَريَّة ... تَرَكَت رؤوسَهُمُ بِلا آذانِ
هيَ لِلمُنَجِّمِ وَالطَبيبِ مَنيَّةٌ ... فَكِلاهُما مُلقانِ مُختَلِفانِ
هيَ في رُؤوسِ المارِقينَ شَقيقَةٌ ... ضَرِبَت لِفَرطِ صِداعِها الصُدغانِ
هيَ في قُلوبِ الأَشعَريَّةِ كُلِّهِم ... صاب وَفي الأَجسادِ كالسَعدانِ
لَكِن لأَهلِ الحَقِّ شهدٌ صافياً ... أَو تَمرُ يَثرِبَ ذَلِكَ الصَيحاني
وَأَنا الَّذي حَبَّرتُها وَجَعَلتُها ... مَنظومَةً كَقلائِدِ المَرجانِ
وَنَصَرتُ أَهلَ الحَقِّ مَبلَغَ طاقَتي ... وَصَفَعتُ كُلَّ مُخالِفٍ صَفعانِ
مَعَ أَنَّها جَمَعَت عُلوماً جَمَّةً ... مِمّا يَضيقُ لِشَرحِها ديواني
أَبياتُها مِثلُ الحَدائِقِ تُجتَنى ... سَمعاً وَلَيسَ يَمَلُّهُنَّ الجاني
وَكأَنَّ رَسمَ سُطورِها في طِرسِها ... وَشيٌ تُنَمِّقُهُ أَكُفُ غَواني
وَاللَه أَسأَلُهُ قَبولَ قَصيدَتي ... مِنّي وَأَشكُرُهُ لِما أَولاني
صَلّى الإِله عَلى النَبي محمد ... ما ناحَ قَمريٌّ عَلى الأَغصانِ
وَعَلى جَميع بَناتِهِ وَنِسائِهِ ... وَعَلى جَميعِ الصَحبِ وَالإِخوانِ
باللَه قولوا كلما أَنشدتُمُ ... رَحِمَ الإِلَه صَداكَ يا قَحطاني
وتنفيذا لوصيته في آخر بيت في قصيدته نقول
رحمك الله يا قحطاني فلقد نصرت السنة وقمعت البدعة بعذب منطقك وحلو كلامك وبديع قصيدك , ولقد أسعدت قلوبنا وأقررت أعيننا وشنفت آذاننا بهذه النونية الرائعة والله أسال أن يجزيك عنا وعن الإسلام خيرا
وكل التحية لإخواني
(1) القصيدة النونية : هي القصيدة التي يكون حرف الروىّ فيها هو حرف النون , وجرت العادة على تسمية القصائد بأسماء حروف الروى فيها , كالكافيَّة واللامية .. الخ
(2) الرافضة : هى فرقة من فرق الشيعة وتسمى أيضا ( الإثنا عشرية ) وأهم معتقداتها أنهم يكفرون الصحابة جميعهم إلا بعض نفر منهم , ويقولون أن القرآن محرف . انظر ( الشيعة هم العدو فاحذرهم / شحاتة صقر )
(3) وذلك لحديث " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر قال : هو الطهور ماؤه الحل ميتته " صححه الألباني
(4) انظر كتاب ( حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ) لابن القيم
(5) انظر كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية , وشرح الشيخ العثيمين له
إليكم أيها الأخوة الكرام " نونية القحطانى "
وهى قصيدة نونية (1) لأبى محمد بن عبد الله بن محمد الأندلسي القحطانى المالكي الفقيه الحافظ
وهى من درر الشعر الإسلامي بها الكثير من الأبيات المشهورات التي سارت بها الركبان وتناشدها الأقوام في مجالسهم
والقصيدة في مجملها تشرح شرائع الإسلام وتبين أحكامه وعقائد أهل السنة والجماعة , وتخصص جانبا كبيرا منها للرد على الفرق الضالة والمبتدعة
وسأقوم بأخذ جولة في بستان تلك القصيدة الرائعة مقتطفا من زهورها أينعه , ومن ثمارها أطيبه , مختصرا ما تنبوا الأفهام عن سماعه , جاعلا غرضي في ذلك أن أُتجول بذهن القارئ في ثنايا القصيدة , مانحا إياه رحيقها ورضابها وخلاصتها
والقصيدة طويلة جدا , تبلغ 686 بيتا , أخذت منها ما راق ذوقي , وظننت به الجودة والإتقان
وأتمنى أن يحوز إعجابكم جهد المقل , وتقصير صاحب الشغل
************
ويبدأ الشاعر قصيدته بمقدمة يتحدث فيها عن القرآن ويدعوا فيها الله أن يغفر له ذنوبه مقسما على الله بصفة من صفاته وهو " القرآن " كلام الله تبارك وتعالى
يقول :-
يا مَنزل الآياتِ وَالفُرقانِ ... بيني وَبينَك حرمةُ القرآنِ
اِشرَح به صَدري لمعرفةِ الهُدى ... واِعصم بِهِ قَلبي مِن الشيطانِ
يَسِّر بِهِ أَمري وَأَقضِ مآربي ... وَأَجرِ به جَسَدي مِنَ النيرانِ
واحطُط بِهِ وِزري وَأَخلِص نِيَّتي ... واِشدُد به أَزري وأصلح شاني
واكشُف به ضُرّي وَحَقِّق تَوبتي ... واربح بِهِ بَيعي بِلا خُسراني
طَهِّر بِهِ قَلبي وَصَفِّ سَريرَتي .... أَجمِل به ذِكري واعلِ مَكاني
واِقطَع بِهِ طَمَعي وَشَرِّف هِمَّتي ... كَثِّر بِهِ وَرَعي واحيِ جَناني
أَسهِر به لَيلي وأظمِ جَوارحي ... أَسبِل بِفَيضِ دَموعها أَجفاني
أُمزُجهُ يا ربِّ بِلَحمي مَع دَمي ... واِغسِل بِهِ قَلبي مِنَ الأضغانِ
ويعترف بفضل الله تعالى عليه ويعدد نعمه :
أَنت الَّذي صَوَّرتَني وَخَلَقتَني ... وَهَدَيتَني لِشَرائِعِ الإِيمانِ
أَنتَ الَّذي عَلَّمتَني وَرَحمتَني ... وَجَعَلتَ صَدري واعيَ القُرآنِ
أَنتَ الَّذي أَطعَمتَني وَسَقَيتَني ... مِن غَيرِ كَسبِ يَدٍ وَلا دُكّانِ
وَجَبَرتَني وَسَتَرتَني وَنَصَرتَني ... وَغَمَرتَني بالفَضل وَالإِحسانِ
أَنتَ الَّذي آويتني وَحَبَوتني ... وَهَدَيتَني من حَيرَةِ الخِذلانِ
وَزَرَعتَ لي بَينَ القُلوبِ مَوَدَّةً ... وَالعَطف منك بِرَحمةٍ وَحَنانِ
ومن اعظم النعم نعمة الستر :
وَنَشَرتَ لي في العالمينَ محاسناً ... وَسَتَرتَ عَن أَبصارِهِم عِصياني
وَاللَه لَو عَلِموا قَبيحَ سَريرَتي ... لأَبي السَلامَ عَلَيَّ مَن يَلقاني
وَلأَعرَضوا عَنّي وَمَلّوا صُحبَتي ... وَلَبُؤتُ بَعدَ كَرامَةٍ بِهَوانِ
لَكِن سَتَرتَ مَعايبي وَمَثالي ... وَحَلمتَ عَن سَقَطي وَعَن طُغياني
فَلَكَ المَحامِدُ وَالمَدائِحُ كُلُّها ... بِخَواطِري وَجَوارِحي وَلِساني
ويتحدث بعد ذلك عن بعض صفات الله ومنها صفة الكلام نثبتها لله عز وجل بما يليق بجلاله ولا نشبه الله بأحد من خلقه لأنه ( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ) :
فاللَهُ رَبّي لَم يَزَل مُتَكَلِّماً ... حَقّاً إِذا ما شاءَ ذو إِحسانِ
نادى بِصَوتٍ حينَ كَلَّمَ عَبدَهُ ... موسى فأَسمَعَهُ بِلا كِتمانِ
وَكَذا يُنادي في القيامَةِ رَبُّنا ... جَهراً فَيسمَعُ صَوتَهُ الثَقَلانِ
أَن يا عِبادي أَنصِتوا لي واِسمَعوا ... قولَ الإِلَهِ المالكِ الدَّيّانِ
هَذا حَديثُ نَبيِّنا عَن رَبِّهِ ... صِدقاً بِلا كَذِبٍ وَلا بُهتانِ
لَسنا نُشَبِّهُ صَوتَهُ بِكَلامِنا ... إِذ لَيسَ يُدرَكُ وَصفُهُ بِعيانِ
والقرآن كلام الله الذي تكلم به حقيقة وليس مخلوقا :
وَكَلامُهُ القُرآنُ أَنزلَ آيَهُ ... وَحياً عَلى المَبعوثِ مِن عَدنانِ
اللَهُ فَصَّلَهُ وأَحَكَمَ آيهُ ... وَتَلاهُ تَنزيلاً بِلا أَلحانِ
هُوَ قَولُهُ وَكَلامُهُ وَخِطابُهُ ... بِفَصاحَةٍ وَبَلاغَةٍ وَبيانِ
مَن قالَ إِنَّ اللَه خالِقُ قَولِهِ ... فَقَدِ اِستَحَلَّ عِبادَةَ الأَوثانِ
من قالَ فيه عِبارَةٌ وَحِكايَةٌ ... فَغَداً يُجَرَّعُ مِن حَميمٍ آنِ
مَن قالَ إِنَّ حُروفَهُ مَخلوقَةٌ ... فالعَنهُ ثم اِهجُرهُ كُلَّ أَوانِ
ثم يعرض لبعض معتقدات أهل السنة والجماعة فى الموت والقبر والحشر , وعن يوم القيامة يقول :
يَومُ القِيامَةِ لَو عَلِمتَ بِهَولِهِ ... لَفَرَرتَ مِن أَهلٍ وَمِن أَوطانِ
يَومٌ تَشَقَّقَتِ السَماءُ لِهَولِهِ ... وَتَشيبُ فيهِ مَفارِقُ الوِلدانِ
يَومٌ عَبوسٌ قَمطَريرٌ شَرُّهُ ... في الخَلقِ مُنتَشِرٌ عَظيمُ الشانِ
وَالجَنَّةُ العُليا وَنارُ جَهَنَّمِ ... دارانِ لِلخَصمَينِ دائِمَتانِ
ويتحدث عن بعض فرائض الإسلام كالصلاة والصيام والزكاة , وبعدها يحذر من دين الرافضة (2) الذين كفروا الصحابة ولعنوهم فيقول :
لا تَعتَقِد دينَ الروافض إِنَّهُم ... أَهلُ المَحالِ وَحِزبَةُ الشَيطانِ
مَدَحوا النَبيَّ وَخوَّنوا أَصحابه ... وَرَموهُمُ بالطُلمِ وَالعُدوانِ
حَبّوا قَرابَتَهُ وَسَبّوا صَحبَهُ ... جدلان عند اللَه منتقضان
فَكأَنَّما آلُ النَبيِّ وَصَحبُهُ ... روحٌ يَضُمُّ جَميعَها جَسَدانِ
ويدافع عن الصحابة الأبرار ومنهم أبو بكر وعمر رضى الله عنهما :
قُل إِنَّ خَيرَ الأَنبياءِ مُحَمَّدٌ ... وَأَجَلَّ مَن يَمشي عَلى الكُثبانِ
وَأَجَلَّ صَحبِ الرُسلِ صَحبُ مُحَمَّدٍ ... وَكَذاكَ أَفضَلُ صَحبِهِ العُمَرانِ
رَجُلانِ قَد خُلِقا لِنَصرِ مُحَمَّدٍ ... بِدَمي وَنَفسي ذانِكَ الرَجُلانِ
فَهُما اللَذانِ تَظاهَرا لِنَبيِّنا ... في نَصرِهِ وَهُما لهُ صِهرانِ
وَهُما وَزيراهُ اللَذانِ هُما هُما ... لِفَضائِل الأَعمالِ مُستَبِقانِ
وَهُما لِأَحمَدَ ناظِراهُ وَسَمعُهُ ... وَبِقُربِهِ في القَبرِ مُضطَجِعان
ويدعوا إلى السكوت عما شجر بين الصحابة من فتنة بين على ومعاوية فإن ذلك من الأدب في التعامل مع الصحابة كما أن الصحابة كلهم رضى الله عنهم وسيدخلهم الجنة أجمعين وينزع من صدورهم الغل على بعضهم فهم إخوان على سرر متقابلين :
قُل خَيرَ قَولٍ في صَحابَةِ أَحمَدٍ ... وامدَح جَميعَ الآلِ وَالنِسوانِ
دَع ما جَرى بَينَ الصَحابَةِ في الوَغى ... بِسيوفِهِم يَومَ التَقى الجَمعانِ
فَقَتيلُهُم مِنهُم وَقاتِلُهُم لَهُم ... وَكِلاهُما في الحَشرِ مَرحومانِ
وَاللَه يَومَ الحَشرِ يَنزِعُ كُلَّ ما ... تَحوي صُدورُهُم مِنَ الأَضغانِ
ويعود فيهاجم الروافض :
لا تَركَنَنَّ إِلى الروافِضِ إِنَّهُم ... شَتَموا الصَحابَةَ دونَ ما بُرهانِ
لَعَنوا كَما بغضوا صَحابَةَ أَحمَد ... وَوِدادُهُم فَرضٌ عَلى الإِنسانِ
حُبُّ الصَحابَةِ وَالقَرابَةِ سُنَّةٌ .... أَلقى بِها رَبّي إِذا أَحياني
ويتحدث عن بعض أمور الفقه - ويطيل فى ذلك - كقوله فى جواز الوضوء من ماء البحر :
وَالبَحرُ اجمَعُهُ طَهورٌ ماءُهُ ... وَتَحلُّ مَيتَتُهُ مِنَ الحيتانِ (3)
وعن رمضان يقول :
رَمَضانُ شَهرٌ كامِلٌ في عقدنا .. ما حلَّه يَوم وَلا يَومان
إِلّا المُسافِرُ وَالمَريضُ فَقَد أَتى ... تأخيرُ صَومِهِما لِوَقتٍ ثانِ
وَكَذاكَ حَملٌ وَالرِضاعُ كِلاهُما ... في فِطرِهِ لِنِسائِنا عُذرانِ
عَجِّل بِفِطرِكَ وَالسُحورُ مُؤَخَّرٌ ... فَكِلاهُما أَمرانِ مَرغوبانِ
حَصِّن صِيامَكَ بِالسُكوتِ عَن الخَنا ... أَطبِق عَلى عَينَيكَ بِالأَجفانِ
ويدلى ببعض النصائح ويحث على بعض الفضائل :
لا تَمشِ ذا وَجهَينِ مِن بَينِ الوَرى ... شَرُّ البَريَّةِ مَن لَهُ وَجهانِ
لا تَحسُدن أَحَداً عَلى نَعمائِهِ ... إِنَّ الحَسودَ لِحُكمِ رَبِّكَ شانِ
لا تَسعَ بَينَ الصاحِبينِ نَميمَةً ... فَلأَجلِها يَتَباغَضُ الخِلّانِ
وَتَحَرَّ بِرَّ الوالِدَينِ فَإِنَّهُ ... فَرضٌ عَلَيكَ وَطاعَةُ السُلطانِ
لا تَخرُجَنَّ عَلى الإِمامِ مُحارِباً ... وَلَو أَنَّهُ رَجُلٌ مِن الحُبشانِ
وَمَتى أُمِرتَ بِبِدعَةٍ أَو زَلَّةٍ ... فاِهرب بِدينِكَ آخِرَ البُلدانِ
وفى شأن التعامل مع النساء يقول :
لا تَخلُ بِامرأَةٍ لَدَيكَ بريبَةٍ ... لَو كُنتَ في النُسّاكِ مِثلَ بَنانِ
إِنَّ الرِجالَ الناظِرينَ إِلى النِسا ... مِثلُ الكِلابِ تَطوفُ بِاللُحمَانِ
إِن لَم تَصُن تِلكَ اللُحومَ أُسودُها ... أُكِلَت بِلا عِوَضٍ وَلا أَثمانِ
واِغضُض جُفونَكَ عَن مُلاحَظةِ النِسا ... وَمَحاسِن الأَحداثِ وَالصِبيانِ
ويحذر من الجدال فى الباطل :
لا تُفن عُمرَك في الجِدالِ مُخاصِماً ... إِنَّ الجِدالَ يُخِلُّ بالأَديانِ
واحذَر مُجادَلَةَ الرِجالِ فَإِنَّها ... تَدعو إِلى الشَحناءِ وَالشَنآنِ
وَإِذا اِضطَرَرتَ إِلى الجِدالِ وَلَم تَجِد ... لَكَ مَهرَباً وَتَلاقَتِ الصَفّانِ
فاِجعَل كِتابَ اللَهِ دِرعاً سابِغاً ... وَالشَرعَ سَيفَكَ وابدُ في المَيدانِ
ويحذر من كثرة الطعام :
لا تَحشُ بَطنَكَ بِالطَعامِ تَسَمُّناً ... فَجُسومُ أَهلِ العِلمِ غَيرُ سِمانِ
لا تَتَّبع شَهواتِ نَفسِكَ مُسرِفاً ... فاللَهُ يُبغِضُ عابِداً شَهواني
اقلِل طَعامَكَ ما اِستَطَعتَ فَإِنَّهُ ... نَفعُ الجُسومِ وَصِحَّةُ الأَبدانِ
وَاملِك هَواكَ بِضَبطِ بَطنِكَ إِنَّهُ ... شَرُّ الرِجالِ العاجِزُ البَطنانِ
ويحذر من الغناء والمعازف :
لا خَيرَ في صور المَعازِفِ كُلِّها ... وَالرَقصِ والإِيقاعِ في القُضبانِ
إِنَّ التَقيَّ لِرَبِّهِ مُتنَزِّهٌ ... عَن صَوتِ أَوتارٍ وَسَمعِ أَغانِ
وَتِلاوَةُ القُرآنِ مِن أَهلِ التُقى ... سيَما بِحُسن شَجاً وَحُسن بَيانِ
أَشهى وَأَوفى لِلنُفوسِ حَلاوَةً ... مِن صَوتِ مِزمارٍ وَنَقرِ مَثانِ
ثم يحدثنا عن حور الجنات الطيبات الطاهرات : (4)
اعرِض عَنِ النِسوانِ جُهدَكَ واِنتَدِب ... فَكِلاهُما بِيَدَيكَ مأسورانِ
في جَنَّةٍ طابَت وَطابَ نَعيمُها ... لِعِناقِ خَيراتٍ هُناكَ حِسانِ
أَنهارُها تَجري لَهُم مِن تَحتِهِم ... مِن كُلِّ فاكِهَةٍ بِها زَوجانِ
غُرُفاتُها مِن لُؤلؤٍ وَزَبَرجَدٍ ... مَحفوفَةً بِالنَخلِ وَالرُمّانِ
قُصِرَت بِها لِلمُتَقينَ كَواعِباً ... وَقُصورُها مِن خالِصِ وَالمَرجانِ
بيضُ الوجوهِ شُعورُهُنَّ حَوالِكُ ... حُمرُ الخُدودِ عَواتِقُ الأَجفانِ
فُلجُ الثَغورِ إِذا اِبتَسَمنَ ضَواحِكاً ... هيفُ الخُصورِ نَواعِمُ الأَبدانِ
خُضرُ الثِيابِ ثَديُهُنَّ نَواهِدُ ... صُفُر الحُليِّ عَواطِرُ الأَردانِ
طُوبى لِقَومٍ هُنَّ ازواجٌ لَهُم ... في دارِ عَدنٍ في مَحَلِّ أَمانِ
لَو تَنظُر الحَوراءَ عِندَ وَليِّها ... وَهُما فُويقَ الفُرُشِ مُتَكِئانِ
يَتَنازَعانِ الكأسَ في أَيديهما ... وَهُما بِلَذَّةِ شُربها فَرِحانِ
وَلَرُبَّما تَسقيهِ كأساً ثانياً ... وَكِلاهُما بِرَضابِها حُلوانِ
يَتَحَدَّثانِ عَلى الأَرائِكِ خَلوَةً ... وَهُما بِثَوبِ الوَصلِ مُشتَمِلانِ
وعن نعيم أهل الجنة يقول :
أَكرِم بِجَنّاتِ النَعيمِ وَأَهلِها ... إِخوانُ صِدقٍ أَيُّما إِخوانِ
جيرانُ رَبِّ العالَمينَ وَحِزبُهُ ... أَكرِم بِهِم في صَفوة الجيرانِ
هُم يَسمَعونَ كَلامَهُ وَيَرونَهُ ... وَالمُقلَتانِ إِلَيهِ ناظِرَتانِ
وَعَلَيهِمُ فيهما مَلابسُ سُندُسٍ ... وَعَلى المَفارِقِ أَحسَنُ التِيجانِ
تيجانُهُم مِن لؤلؤٍ وَزَبَرجَدٍ ... أَو فِضَّةٍ مِن خالِصِ العِقيانِ
وَخَواتِمٍ مِن عَسجَدٍ وَأَساوِرٍ ... مِن فِضَّةٍ كُسيت بِها الزَندانِ
وَطَعامُهُم مِن لَحمِ طَيرِ ناعِمٍ ... كالبُختِ يُطعم سائِرَ الأَلوانِ
وَصِحافُهُم ذَهَبٌ وَدُرٌّ فائِقُ ... سَبعونَ الفاً فَوقَ ألف خوان
ويحث على العمل لبلوغ المراد ودخول الجنان :
إِن كُنتَ مُشتاقا لَها كَلِفاً بِها ... شَوقَ الغَريبِ لِرؤيَةِ الأَوطانِ
كُن مُحسِناً فيما اِستَطَعتَ فَرُبَّما ... تُجزى عَنِ الاحسانِ بالإِحسانِ
واِعمَل لِجَنّات النَعيمِ وَطيبِها ... فَنَعيمُها يَبقى وَلَيسَ بِفانِ
ويعود فيحث على تعلم بعض العلوم المفيدة كالحساب لأنه يفيد فى حساب المواريث :
عِلمُ الحِسابِ وَعِلمُ شَرعِ مُحَمَّدٍ ... عِلمانِ مَطلوبانِ مُتَّبَعانِ
لَولا الفَرائِضُ ضاعَ ميراثُ الوَرى ... وَجَرى خِصامُ الوُلدِ وَالشّيبانِ
لَولا الحِسابُ وَضَربُهُ وَكُسورُهُ ... لَم يَنقَسِم سَهمٌ وَلا سَهمانِ
ويحذر من بعض العلوم كعلم الكلام ( الفلسفة ) لأنه يؤدى إلى الإلحاد لأنهم يقيسون الشرع بعقولهم القاصرة ويتحدثون في أمور الغيب بغير علم :
لا تَلتَمِس عِلمَ الكَلامِ فَإِنَّهُ ... يَدعو إِلى التَعطيلِ وَالهَيَمانِ
لا يَصحبِ البِدعيُّ إِلّا مِثلَهُ ... تَحتَ الدُخانِ تأَجُّجُ النيرانِ
عِلمُ الكَلامِ وَعِلمُ شَرعِ مُحَمَّدٍ ... يَتَغايَرانِ وَلَيسَ يَشتَبِهانِ
آخَذوا الكَلامَ عَنِ الفَلاسِفَةِ الأُلى ... جَحَدوا الشَرائِعَ غِرَّةً وَأَمانِ
حَمَلوا الأُمورَ عَلى قِياسِ عُقولِهِم ... فَتَبَلَّدوا كَتَبَلُّدِ الحَيرانِ
مَن قاسَ شَرعَ مُحَمَّدٍ في عَقلِهِ ... قَذَفَت بِهِ الأَهواءُ في غَدرانِ
ويتحدث عن عقيدة أهل السنة في الإيمان بأسماء الله وصفاته :
أمرِر أَحاديثَ الصِفاتِ كَما أَتَت ... مِن غَيرِ تأويلٍ وَلا هَذَيانِ
هُوَ مَذهَبُ الزُهري وَوافَقَ مالِكٌ ... وَكِلاهُما في شَرعِنا عَلَمانِ
لِلَّهِ وَجهٌ لا يُحَدُّ بِصورَةٍ ... وَلِرَبِّنا عَينانِ ناظِرَتانِ
وَلَهُ يَدانِ كَما يَقولُ إِلَهُنا ... وَيَمينُهُ جَلَّت عَنِ الأَيمانِ
كِلتا يَديَ رَبّي يَمينٌ وَصفُها ... وَهُما عَلى الثَقَلَينِ مُنفِقَتانِ
كُرسيُّهُ وَسِعَ السماوات العُلا ... وَالأَرضَ وَهوَ يَعُمُّهُ القَدَمانِ
وَاللَهُ يَضحَكُ لا كَضِحكِ عَبيدِهِ ... وَالكَيفُ مُمتَنِعٌ عَلى الرَحمَنِ
وَاللَهُ يَنزِلُ كُلَّ آخِرِ لَيلَةٍ ... لِسَمائِهِ الدُنيا بِلا كِتمانِ
فَيَقولُ هَل مِن سائِلٍ فَأُجيبَهُ ... فَأَنا القَريبُ أُجيبَ مَن ناداني
حاشا الإِلَهَ بِأَن تُكَيِّفَ ذاتُهُ ... فالكَيفُ وَالتَمثيلُ مُنتَفيانِ
وَالأَصلُ أَنَّ اللَه لَيسَ كَمِثلِهِ ... شَيءٌ تَعالى الرَبُّ ذو الإِحسانِ
وَحَديثُهُ القُرآنُ وَهوَ كَلامُهُ ... صَوتٌ وَحَرفٌ لَيسَ يَفتَرِقانِ
لَسنا نُشَبِّهُ رَبَّنا بِعِبادِهِ ... رَبٌّ وَعَبدٌ كَيفَ يَشتَبِهانِ (5)
ويرد بعد ذلك على بعض الفرق التي عارضت اعتقاد أهل السنة والجماعة في هذا الباب كالأشاعرة :
وَالآنَ أَهجو الأشعَريَّ وَحِزبَهُ ... وَأُذيعَ ما كَتَموا مِنَ البُهتانِ
بِأَدِلَّةِ القُرآنِ أُبطِلُ سِحركُم ... وَبِهِ أُزَلزِلُ كَلَّ مَن لاقاني
ثم يختم قصيدته بمدحها وإبانة فضائلها :
إِنّي قَصَدتُ جَميعَكُم بِقَصيدةٍ ... هَتَكتَ سُتوركُمُ عَلى البُلدانِ
هيَ لِلرَوافِض دِرَّةٌ عُمَريَّة ... تَرَكَت رؤوسَهُمُ بِلا آذانِ
هيَ لِلمُنَجِّمِ وَالطَبيبِ مَنيَّةٌ ... فَكِلاهُما مُلقانِ مُختَلِفانِ
هيَ في رُؤوسِ المارِقينَ شَقيقَةٌ ... ضَرِبَت لِفَرطِ صِداعِها الصُدغانِ
هيَ في قُلوبِ الأَشعَريَّةِ كُلِّهِم ... صاب وَفي الأَجسادِ كالسَعدانِ
لَكِن لأَهلِ الحَقِّ شهدٌ صافياً ... أَو تَمرُ يَثرِبَ ذَلِكَ الصَيحاني
وَأَنا الَّذي حَبَّرتُها وَجَعَلتُها ... مَنظومَةً كَقلائِدِ المَرجانِ
وَنَصَرتُ أَهلَ الحَقِّ مَبلَغَ طاقَتي ... وَصَفَعتُ كُلَّ مُخالِفٍ صَفعانِ
مَعَ أَنَّها جَمَعَت عُلوماً جَمَّةً ... مِمّا يَضيقُ لِشَرحِها ديواني
أَبياتُها مِثلُ الحَدائِقِ تُجتَنى ... سَمعاً وَلَيسَ يَمَلُّهُنَّ الجاني
وَكأَنَّ رَسمَ سُطورِها في طِرسِها ... وَشيٌ تُنَمِّقُهُ أَكُفُ غَواني
وَاللَه أَسأَلُهُ قَبولَ قَصيدَتي ... مِنّي وَأَشكُرُهُ لِما أَولاني
صَلّى الإِله عَلى النَبي محمد ... ما ناحَ قَمريٌّ عَلى الأَغصانِ
وَعَلى جَميع بَناتِهِ وَنِسائِهِ ... وَعَلى جَميعِ الصَحبِ وَالإِخوانِ
باللَه قولوا كلما أَنشدتُمُ ... رَحِمَ الإِلَه صَداكَ يا قَحطاني
وتنفيذا لوصيته في آخر بيت في قصيدته نقول
رحمك الله يا قحطاني فلقد نصرت السنة وقمعت البدعة بعذب منطقك وحلو كلامك وبديع قصيدك , ولقد أسعدت قلوبنا وأقررت أعيننا وشنفت آذاننا بهذه النونية الرائعة والله أسال أن يجزيك عنا وعن الإسلام خيرا
وكل التحية لإخواني
_______________________________________________
(1) القصيدة النونية : هي القصيدة التي يكون حرف الروىّ فيها هو حرف النون , وجرت العادة على تسمية القصائد بأسماء حروف الروى فيها , كالكافيَّة واللامية .. الخ
(2) الرافضة : هى فرقة من فرق الشيعة وتسمى أيضا ( الإثنا عشرية ) وأهم معتقداتها أنهم يكفرون الصحابة جميعهم إلا بعض نفر منهم , ويقولون أن القرآن محرف . انظر ( الشيعة هم العدو فاحذرهم / شحاتة صقر )
(3) وذلك لحديث " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر قال : هو الطهور ماؤه الحل ميتته " صححه الألباني
(4) انظر كتاب ( حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ) لابن القيم
(5) انظر كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية , وشرح الشيخ العثيمين له