حلا بشار عبوشي
New Member
.. في ليلة تشرينية، عندما كنت جالسة أمام المدفأة أحتسي كوباً من القهوة المرة كمرارة الصباحات ، و أستمتع بصوت الموسيقى الصادر عن مداعبة أغصان شجرة الزيتون لزجاج النافذة ، و أمتع ناظري بجدتي التي كانت جالسة على الكرسي الهزاز خاصتها منذ ساعات و تقوم بتطريز ثوب فلكلوري ، شعرت أن شيئاً غريباً يراودني ، و كأنني أشاهد فلما و أعيشه في هذه الأجواء ..
قالت لي جدتي التي كانت قد انتبهت لشرودي : يذكرني يا ابنتي هذا الصوت بشجرة الزيتون التي كانت تزين حديقة منزلي في عكا ، كان صوتها مزعجا لكن لم نشعر يوما بشيء سوا الراحة عند سماع صوتها ، كانت تلك الشجرة أجمل ما في الحديقة ، كنت أظنها الزهور لكنني اكتشفت ذلك بعد مغادرتي لذلك البيت ، و مغادرتي للحارة و حتى المدينة ..
قلت - غير قاصدة تغيير الموضوع - : لمن تطرزين هذا الثوب ؟
قالت : لي ، أم ترين أنني أصبحت أكبر من أن أرتدي الملابس المطرزة الجديدة ! طرزته لأرتديه يوم العودة يا ابنتي ، لقد خرجت من بيتي بثوبي المنزلي الممزق و حجابي المتسخ ، لكنني سأعود بثوب مطرز بألوان عزتنا و صبرنا و انتظارنا لذلك اليوم ، لأظهر للبيت أنني كنت سعيدة بلقائه عكس انكساري عند اللجوء ، سأكون عند العودة أجمل ، بالرغم من أنني قد كبرت 50 عاما ، و معالم وجهي التي كانت فاتنة تحولت لتجاعيد ..
قلت : لكن عيناك لا تزال كما هي ، كالقهوة ، أحبها لكنها مرة ، تزداد تجاعيد وجهك لكن عيناك لا تتغير ، اللمعة ذاتها و الامل ذاته ، أتعلمين ؟ كلما نظرت لعينيك رأيت عكا ، لم أرى عكا قط لأشبه شيئاً عليها ، لكن عيناك عكا ، أرى فيها مآذن تنادي : حي على الكفاح ، حي على العودة ، أرى فيها أجراس الكنائس تدق ، و أراني .. جالسة على سور عكا ، و للمرة الأولى لا أعاني من دوار البحر ..
قالت : في ذلك اليوم تركت طبخة الملوخية على الموقد ، و خرجت دون أن أحزم أمتعتي ، دون أن آخذ ملابسنا ولا حتى دمية طفلتي ، لم أكن لأعرف أن - الاستراحة المؤقتة - كانت لتدوم ..
قاطعتها : لكنها لن تدوم ! كنت على صواب !
قالت - بابتسامة خيبة - : نعم ، لن تدوم ، حتما لن تدوم ..
أردفت سائلة - ببعض من الخجل - : اذا ، ذكريني ، ما اسمك يا ابنتي ؟
أدركت حينها أن النسيان تمكن منها حتما ، و الزهايمر استولى على ذاكرتها ، لكن لم يقدر على تاريخنا ، مهما خانتنا الذاكرة ، لا ننسى أين خبأنا مفاتيح منازلنا إلى حين العودة ، حتى و إن أصبحت ركاماً .
قالت لي جدتي التي كانت قد انتبهت لشرودي : يذكرني يا ابنتي هذا الصوت بشجرة الزيتون التي كانت تزين حديقة منزلي في عكا ، كان صوتها مزعجا لكن لم نشعر يوما بشيء سوا الراحة عند سماع صوتها ، كانت تلك الشجرة أجمل ما في الحديقة ، كنت أظنها الزهور لكنني اكتشفت ذلك بعد مغادرتي لذلك البيت ، و مغادرتي للحارة و حتى المدينة ..
قلت - غير قاصدة تغيير الموضوع - : لمن تطرزين هذا الثوب ؟
قالت : لي ، أم ترين أنني أصبحت أكبر من أن أرتدي الملابس المطرزة الجديدة ! طرزته لأرتديه يوم العودة يا ابنتي ، لقد خرجت من بيتي بثوبي المنزلي الممزق و حجابي المتسخ ، لكنني سأعود بثوب مطرز بألوان عزتنا و صبرنا و انتظارنا لذلك اليوم ، لأظهر للبيت أنني كنت سعيدة بلقائه عكس انكساري عند اللجوء ، سأكون عند العودة أجمل ، بالرغم من أنني قد كبرت 50 عاما ، و معالم وجهي التي كانت فاتنة تحولت لتجاعيد ..
قلت : لكن عيناك لا تزال كما هي ، كالقهوة ، أحبها لكنها مرة ، تزداد تجاعيد وجهك لكن عيناك لا تتغير ، اللمعة ذاتها و الامل ذاته ، أتعلمين ؟ كلما نظرت لعينيك رأيت عكا ، لم أرى عكا قط لأشبه شيئاً عليها ، لكن عيناك عكا ، أرى فيها مآذن تنادي : حي على الكفاح ، حي على العودة ، أرى فيها أجراس الكنائس تدق ، و أراني .. جالسة على سور عكا ، و للمرة الأولى لا أعاني من دوار البحر ..
قالت : في ذلك اليوم تركت طبخة الملوخية على الموقد ، و خرجت دون أن أحزم أمتعتي ، دون أن آخذ ملابسنا ولا حتى دمية طفلتي ، لم أكن لأعرف أن - الاستراحة المؤقتة - كانت لتدوم ..
قاطعتها : لكنها لن تدوم ! كنت على صواب !
قالت - بابتسامة خيبة - : نعم ، لن تدوم ، حتما لن تدوم ..
أردفت سائلة - ببعض من الخجل - : اذا ، ذكريني ، ما اسمك يا ابنتي ؟
أدركت حينها أن النسيان تمكن منها حتما ، و الزهايمر استولى على ذاكرتها ، لكن لم يقدر على تاريخنا ، مهما خانتنا الذاكرة ، لا ننسى أين خبأنا مفاتيح منازلنا إلى حين العودة ، حتى و إن أصبحت ركاماً .