e.jamil
New Member
الفقرة الرابعة من سلسلة "فقرة من كتاب" هي من كتاب "البداية و النهاية جزء ( 8 )" لمؤلفه الشيخ الجليل "إسماعيل إبن كثير البصري الدمشقي":
" ثم دخلت سنة ثمان و خمسين و ستمائة
استهلت هذه السنة بيوم الخميس و ليس للناس خليفة ، و ملك العراقين و خراسان و غيرها من بلاد المشرق للسلطان هولاكو خان ملك التتار ، و سلطان ديار مصر الملك المظفر سيف الدين قطز مملوك المعز أيبك التركماني ، و سلطان دمشق و حلب الملك الناصر بن العزيز بن الظاهر ، و بلاد الكرك و الشوبك للملك المغيث بن العادل بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب ، و هو حرب مع الناصر صاحب دمشق على المصريين ، و معهما الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري ، و قد عزموا على قتال المصريين و أخذ مصر منهم . و بينما الناس على هذه الحال و قد تواترت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام إذ دخل جيش المغول صحبة ملكهم هولاكو خان و جازوا الفرات على جسور عملوها ، و وصلوا إلى حلب في ثاني صفر من هذه السنة ، فحاصروها سبعة أيام ثم فتحوها بالأمان ، ثم غدروا بأهلها و قتلوا منهم خلقاً لا يعلمهم إلا الله عز وجل ، و نهبوا الأموال ، و سبوا النساء و الأطفال ، و جرى عليهم قريب مما جرى على أهل بغداد ، فجاسوا خلال الديار و جعلوا أعزة أهلها أذلة ، فإنا لله و إنا إليه راجعون . و امتنعت عليهم القلعة شهراً ثم استلموها بالأمان ، و خرب أسوار البلد و أسوار القلعة و بقيت حلب كأنها حمار أجرب ، و كان نائبها الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين و كان عاقلاً و حازماً ، لكنه لم يوافقه الجيش على القتال ، و كان أمر الله قدراً مقدوراً . و قد كان أرسل هولاكو يقول لأهل حلب : نحن إنما جئنا لقتال الملك الناصر بدمشق ، فاجعلوا لنا عندكم شحنة ، فإن كانت النصرة لنا فالبلاد كلها في حكمنا ، و إن كانت علينا فإن كانت علينا فإن شئتم قبلتم الشحنة و إن شئتم أطلقتموه ، فأجابوه ما لك عندنا إلا السيف ، فتعجب من ضعفهم و جوابهم ، فزحف حينئذ إليهم و أحاط بالبلد ، و كان ما كان بقدر الله سبحانه . و لما فتحت حلب أرسل صاحب حماة بمفاتيحها إلى هولاكو ، فاستناب عليها رجلاً من العجم يدعي أنه من ذرية خالد بن الوليد يقال له خسرو شاه فخرب أسوارها كمدينة حلب .
صفة أخذهم دمشق و زوال ملكهم عنها سريعاً أرسل هولاكو و هو نازل على حلب جيشاً مع أمير من كبار دولته يقال له كتبغانوين ، فورد دمشق في آخر صفر فأخذوها سريعاً من غير ممانعة و لا مدافع ، بل تلقاهم كبارها بالرحب و السعة ، و قد كتب السلطان هولاكو أماناً لأهل البلد ، فقرئ بالميدان الأخضر و نودي به في البلد ، فأمن الناس على وجل من الغدر ، كما فعل بأهل حلب هذا و القلعة ممتنعة مستورة ، و في أعاليها المجانيق منصوبة و الحال شديدة فأحضرت التتار منجنيقاً يحمل على عجل وخيول تجرها ، و هم راكبون على الخيل و أسلحتهم على أبقار كثيرة فنصب المنجنيق على القلعة من غربيها و خربوا حيطاناً كثيرة و أخذوا حجارتها و رموا بها القلعة رمياً متواتراً كالمطر المتدارك ، فهدموا كثيراً من أعاليها و شرفاتها و تداعت للسقوط فأجابهم متوليها في آخر النهار للمصالحة ، ففتحوها وخربوا كل بدنة فيها ، و أعالي ، و أعالي بروجها ، و ذلك في جمادى الأولى من هذه السنة ، و قتلوا المتولي بها بدر الدين بن قراجا ، و نقيبها جمال الدين بن الصيرفي الحلبي ، و سلموا البلد و القلعة إلى أمير منهم يقال له أيل سيان ، و كان لعنه الله معظماً لدين النصارى ، فاجتمع به أساقفتهم وقسوسهم ، فعظمهم جداً ، و زار كنائسهم ، فصارت لهم دولة و صولة بسببه ، و ذهب طائفة من النصارى إلى هولاكو و أخذوا معهم هدايا و تحفاً ، و قدموا من عنده و معهم أمان فرمان من جهته ، و دخلوا من باب توما و معهم صليب منصوب يحملونه على رؤوس الناس ، و هم ينادون بشعارهم و يقولون ظهر الدين الصحيح دين المسيح . و يذمون دين الإسلام و أهله ، و معهم أواني فيها خمر لا يمرون على باب إلا رشوا عنده خمراً ، و قماقم ملآنة خمراً يرشون منها وجوه الناس و ثيابهم ، و يأمرون كل من يجتازون به في الأزقة و الأسواق أن يقوم لصليبهم ، و دخلوا من درب الحجر فوقفوا عند رباط الشيخ أبي البيان ، و رشوا خمراً ، و كذلك على باب مسجد درب الحجر الصغير و الكبير ، و اجتازوا في السوق حتى وصلوا درب الريحان أو قريب منه ، فتكاثر عليهم المسلمون فردوهم إلى كنيسة مريم ، فوقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دين النصارى و ذم دين الإسلام و أهله ، فإنا لله و إنا إليه راجعون . ثم دخلوا بعد ذلك إلى كنيسة مريم و كانت عامرة و لكن كان هذا سبب خرابها و لله الحمد . و حكى الشيخ قطب الدين في ذيله على المرآة أنهم ضربوا بالناقوس في كنيسة مريم فالله أعلم .
قال و ذكر أنهم دخلوا الجامع بخمر و كان نيتهم إن طالت مدة التتار أن يخربوا كثيراً من المساجد و غيرها ، و لما و قع هذا في البلد اجتمع قضاة المسلمين و الشهود و الفقهاء فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى متسلمها ابل سيان فأهينوا و طردوا ، و قدم كلام رؤساء النصارى عليهم فإنا لله و إنا إليه راجعون . و هذا كان في أول السنة و سلطان الشام الناصر بن العزيز و هو مقيم في وطأة برزة ، و معه جيوش كثيرة من الأمراء و أبناء الملوك ليناجزوا التتار إن قدموا عليهم ، و كان من معه الأمير بيبرس البندقداري في جماعة من البحرية ، و لكن الكلمة بين الجيوش مختلفة غير مؤتلفة ، لما يريده الله عز و جل . و قد عزمت طائفة من الأمراء على خلع الناصر و سجنه و مبايعة أخيه شقيقه الملك الظاهر علي ، فلما عرف الناصر ذلك هرب إلى القلعة و تفرقت العساكر شذر مذر و ساق الأمير ركن الدين بيبرس في أصحابه إلى ناحية غزة ، فاستدعاه الملك المظفر قطز إليه و استقدمه عليه ، و أقطعه و أنزله بدار الوزارة و عظم شأنه لديه ، و إنما كان حتفه على يديه. "
و الفقرة بعنوان: الأحداث التاريخية سنة ثمان و خمسين و ستمائة هجرية
" ثم دخلت سنة ثمان و خمسين و ستمائة
استهلت هذه السنة بيوم الخميس و ليس للناس خليفة ، و ملك العراقين و خراسان و غيرها من بلاد المشرق للسلطان هولاكو خان ملك التتار ، و سلطان ديار مصر الملك المظفر سيف الدين قطز مملوك المعز أيبك التركماني ، و سلطان دمشق و حلب الملك الناصر بن العزيز بن الظاهر ، و بلاد الكرك و الشوبك للملك المغيث بن العادل بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب ، و هو حرب مع الناصر صاحب دمشق على المصريين ، و معهما الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري ، و قد عزموا على قتال المصريين و أخذ مصر منهم . و بينما الناس على هذه الحال و قد تواترت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام إذ دخل جيش المغول صحبة ملكهم هولاكو خان و جازوا الفرات على جسور عملوها ، و وصلوا إلى حلب في ثاني صفر من هذه السنة ، فحاصروها سبعة أيام ثم فتحوها بالأمان ، ثم غدروا بأهلها و قتلوا منهم خلقاً لا يعلمهم إلا الله عز وجل ، و نهبوا الأموال ، و سبوا النساء و الأطفال ، و جرى عليهم قريب مما جرى على أهل بغداد ، فجاسوا خلال الديار و جعلوا أعزة أهلها أذلة ، فإنا لله و إنا إليه راجعون . و امتنعت عليهم القلعة شهراً ثم استلموها بالأمان ، و خرب أسوار البلد و أسوار القلعة و بقيت حلب كأنها حمار أجرب ، و كان نائبها الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين و كان عاقلاً و حازماً ، لكنه لم يوافقه الجيش على القتال ، و كان أمر الله قدراً مقدوراً . و قد كان أرسل هولاكو يقول لأهل حلب : نحن إنما جئنا لقتال الملك الناصر بدمشق ، فاجعلوا لنا عندكم شحنة ، فإن كانت النصرة لنا فالبلاد كلها في حكمنا ، و إن كانت علينا فإن كانت علينا فإن شئتم قبلتم الشحنة و إن شئتم أطلقتموه ، فأجابوه ما لك عندنا إلا السيف ، فتعجب من ضعفهم و جوابهم ، فزحف حينئذ إليهم و أحاط بالبلد ، و كان ما كان بقدر الله سبحانه . و لما فتحت حلب أرسل صاحب حماة بمفاتيحها إلى هولاكو ، فاستناب عليها رجلاً من العجم يدعي أنه من ذرية خالد بن الوليد يقال له خسرو شاه فخرب أسوارها كمدينة حلب .
صفة أخذهم دمشق و زوال ملكهم عنها سريعاً أرسل هولاكو و هو نازل على حلب جيشاً مع أمير من كبار دولته يقال له كتبغانوين ، فورد دمشق في آخر صفر فأخذوها سريعاً من غير ممانعة و لا مدافع ، بل تلقاهم كبارها بالرحب و السعة ، و قد كتب السلطان هولاكو أماناً لأهل البلد ، فقرئ بالميدان الأخضر و نودي به في البلد ، فأمن الناس على وجل من الغدر ، كما فعل بأهل حلب هذا و القلعة ممتنعة مستورة ، و في أعاليها المجانيق منصوبة و الحال شديدة فأحضرت التتار منجنيقاً يحمل على عجل وخيول تجرها ، و هم راكبون على الخيل و أسلحتهم على أبقار كثيرة فنصب المنجنيق على القلعة من غربيها و خربوا حيطاناً كثيرة و أخذوا حجارتها و رموا بها القلعة رمياً متواتراً كالمطر المتدارك ، فهدموا كثيراً من أعاليها و شرفاتها و تداعت للسقوط فأجابهم متوليها في آخر النهار للمصالحة ، ففتحوها وخربوا كل بدنة فيها ، و أعالي ، و أعالي بروجها ، و ذلك في جمادى الأولى من هذه السنة ، و قتلوا المتولي بها بدر الدين بن قراجا ، و نقيبها جمال الدين بن الصيرفي الحلبي ، و سلموا البلد و القلعة إلى أمير منهم يقال له أيل سيان ، و كان لعنه الله معظماً لدين النصارى ، فاجتمع به أساقفتهم وقسوسهم ، فعظمهم جداً ، و زار كنائسهم ، فصارت لهم دولة و صولة بسببه ، و ذهب طائفة من النصارى إلى هولاكو و أخذوا معهم هدايا و تحفاً ، و قدموا من عنده و معهم أمان فرمان من جهته ، و دخلوا من باب توما و معهم صليب منصوب يحملونه على رؤوس الناس ، و هم ينادون بشعارهم و يقولون ظهر الدين الصحيح دين المسيح . و يذمون دين الإسلام و أهله ، و معهم أواني فيها خمر لا يمرون على باب إلا رشوا عنده خمراً ، و قماقم ملآنة خمراً يرشون منها وجوه الناس و ثيابهم ، و يأمرون كل من يجتازون به في الأزقة و الأسواق أن يقوم لصليبهم ، و دخلوا من درب الحجر فوقفوا عند رباط الشيخ أبي البيان ، و رشوا خمراً ، و كذلك على باب مسجد درب الحجر الصغير و الكبير ، و اجتازوا في السوق حتى وصلوا درب الريحان أو قريب منه ، فتكاثر عليهم المسلمون فردوهم إلى كنيسة مريم ، فوقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دين النصارى و ذم دين الإسلام و أهله ، فإنا لله و إنا إليه راجعون . ثم دخلوا بعد ذلك إلى كنيسة مريم و كانت عامرة و لكن كان هذا سبب خرابها و لله الحمد . و حكى الشيخ قطب الدين في ذيله على المرآة أنهم ضربوا بالناقوس في كنيسة مريم فالله أعلم .
قال و ذكر أنهم دخلوا الجامع بخمر و كان نيتهم إن طالت مدة التتار أن يخربوا كثيراً من المساجد و غيرها ، و لما و قع هذا في البلد اجتمع قضاة المسلمين و الشهود و الفقهاء فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى متسلمها ابل سيان فأهينوا و طردوا ، و قدم كلام رؤساء النصارى عليهم فإنا لله و إنا إليه راجعون . و هذا كان في أول السنة و سلطان الشام الناصر بن العزيز و هو مقيم في وطأة برزة ، و معه جيوش كثيرة من الأمراء و أبناء الملوك ليناجزوا التتار إن قدموا عليهم ، و كان من معه الأمير بيبرس البندقداري في جماعة من البحرية ، و لكن الكلمة بين الجيوش مختلفة غير مؤتلفة ، لما يريده الله عز و جل . و قد عزمت طائفة من الأمراء على خلع الناصر و سجنه و مبايعة أخيه شقيقه الملك الظاهر علي ، فلما عرف الناصر ذلك هرب إلى القلعة و تفرقت العساكر شذر مذر و ساق الأمير ركن الدين بيبرس في أصحابه إلى ناحية غزة ، فاستدعاه الملك المظفر قطز إليه و استقدمه عليه ، و أقطعه و أنزله بدار الوزارة و عظم شأنه لديه ، و إنما كان حتفه على يديه. "