«سيمانتك ويب».. الأعجوبة الجديدة المقبلة من عالم الإنترنت
بعدمااستحوذ على واحدة من اولى شركات الانترنت وهي "إيرث ويب - بابلك" في عام 1998، يتأهب الباحث المبدع الاميركي نوفا سبيفاك مع طاقم شركته "رادارنتوركس"، الخريف المقبل، لاطلاق نسخته الخاصة من شبكة "الويب 3.0" الجديدةالتي تعكف على انجازها كبريات الشركات العاملة في الانترنت، وهي الشبكة التي تسمى "سيمانتك ويب" Semantic Web. وتختلف هذه الشبكة عن سابقاتها بانها تتفهم مدلولات الالفاظ والمعاني البشرية، وتحتوي على "عملاء" لبرامج الكترونية ذكية تصنف البيانات وفق المواصفات المطلوبة.
ويتمتع خريج الفلسفة هذا، بعدد من الاهتمامات العميقة في علوم الادراك، والذكاء الصناعي، والنظم الكومبيوترية الناشئة، وادارة المعرفة، واخيرا.. في "سيمانتك ويب". كما انضم الى كوكبة الشخصيات العاملة في ميدان الالكترونيات، المولعين برحلات الفضاء ليحلق قربهم، بعد اجرائه لتجارب اولية على متن طائرة حلقت بسرعات عالية في طبقة الستراتوسفير في اعالي السماء.
وان كنت تفكر بان شبكة الانترنت العالمية شبيهة بسحابة كبيرة في الفضاء الشاسع، واسعة من المعلومات، فان سبيفاك رأى ان مهمة شركته "رادار نيتووركس" التي يوشك على كشف النقاب عنها، تكمن في الاستحواذ على هذه السحابة وفرض بعض النظام عليها. ولكن، ليس اي نظام، بل نوع خاص منالانظمة التي توصف في علم الكومبيوتر اليوم باكثر العبارات طنينا، ألا وهي "الشبكة ذات الدلالات والمعاني اللفظية"، او "سيمانتك ويب".
ورغم جميع العجائب التي يمكن لشبكة الانترنت ان توفرها لك عن طريق نقرات قليلة من اصابعك، مثل الاسم النرويجي للآيس كريم (جيلاتي، بوظة، دندرمة)، او حجز مقعد طائرة الى باريس، او شراء سلع مخفضة السعر، الا انها تملك عيبا اساسيا.
وفي الواقع فان الشبكة الحالية هي خلاصة وافية من مليارات المستندات والوثائق النصية المصممة لقراءتها من قبل البشر. ويمكن البحث عنها بكلمات اساسية التي تشكل مفاتيح. لكن النتائج غالبا لن تكون ذاتفائدة تذكر، الى ان تقوم بتعريبها وتصنيفها للعثور على المطلوب، او على الصفحة التي تحتوي المعلومات التي تريدها.
و لتحويل الشبكة الى المستوى او الجيل المقبل، اي الانتقال من الشبكة 2.0 الى الشبكة 3.0،ينبغي تحويل المعلومات في مثل هذه المستندات الى معطيات يمكن للآلات قراءتها وتقييمها بحد ذاتها. وعند ذاك سيكون بامكان الكومبيوتر تولي الاعمال التي نقوم بها حاليا باليد، مثل ايجاد اقرب مطعم، وحجز افضل مقعد في طائرة، وشراء ارخص قرص "سي دي" مدمج.
* شبكة مبتكرة :
* وينبغي التفكير في هذا الابتكار على انه الفارق الذي يميز بين البعدين و الثلاثة ابعاد، اي بين الصورة المسطّحة والمجسمة. وعلى ذلك يعلق سبيفاك بقوله: "سيلاحظ الناس ان الشبكة ستتحول اكثر ذكاء وستكون في نهاية المطاف مزودة بقدرات منطقية مشيدة في داخلها".
وبالنسبة الى سبيفاك فان "سيمانتك ويب" تبدأ حاليا بمحرك بحث عن المعطيات وتطبيقات خاصة بالمستخدم،يقوم هو وفريقه في الشركة بالاستعداد لاطلاقها. وستتوج الشبكة في وقت مافي المستقبل بظهور برمجيات بذكاء صناعي تقوم بجميع المهام الشاقة الخاصة باعمالك وحياتك المهنية على الشبكة.
وشركة "رادار نيتوركس" ليست الشركة الوحيدة التي تقوم بسبر امكانات "سيمانتيك ويب"، خاصة انها تقنية مقلقة لكونها قادرة على ازاحة عمالقة الانترنت من اماكنهم، لا سيما عمالقة محركات البحث مثل "غوغل" و"ياهو". وتقوم شركات جديدة مثل "غارليك" و"ميتاويب تكنوليجيس" و"باورسيت" و"زومانفو"، وشركات كبيرة اخرى مثل "سيتيغروب" و"كوداك" و"أوريكل" و"غوغل" و"ياهو" بملاحقة هذه الابحاث بقوة ونشاط.
ويشير احد التقديرات ان سوق المنتجات والخدمات الناجمة عن تقنيات "سيمانتك ويب" ستكون بحدود 50 مليار دولار في حلول عام 2010 انطلاقا من 7 مليارات حاليا.
ولكن بمقدار ما هو موجود من رجال الاعمال الذين يهيئون انفسهم للحصول على ارباح كبيرة من هذا المشروع الجديد، هناك العدد ذاته من المشككين الذين يعبرون عن قناعتهم بانه مجرد حلم من الاحلام، بل اسم من اسماء لمشكلة عويصة لن يجري حلها ابدا بشكل كامل. لكن سبيفاك، بثقة الرجل الذي انطلق الى الفضاء من دون مظلة او شبكة واقية، مصمم كل التصميم على اثبات العكس.
ويقع مقر شركة "رادار نيتوركس" في مستودع تم تجديده، ليس بعيدا عن المكان الذي توجد فيه مقرات عمالقة شركات الالكترونيات و الكومبيوتر في سان فرانسيسكو. والمستودع عبارة عن حظيرة كبيرة من الخشب الاحمر ذات سقف توجد في داخلها اكداس الكابلات التي تنقل المعلومات. ولا توجد داخل هذا المكان اي اشارة الى وجود نشاط ما، باستثناء آلة للعبة الفيديو "ننتيندو ويلي" وآلة جديدةلماعة لتحضير القهوة. لكن هناك الآن 20 شخصا، وان كان المكان يتسع الى 50 شخصا، وميزانية لتمويل المشروع تصل حاليا الى 10 ملايين دولار. وينهمك سبيفاك ومدراؤه التنفيذيون الكبار في تجنيد موظفين جدد.
وتشمل خلفية اعضاء فريق "رادار نيتوركس" المهنية ، خبرات عميقة في الاحصاءات والمعلومات والذكاء الصناعي. وكبير مصممي الشركة هو جيم ويسنر احد ابرزمصممي "جافا". كما ان كريس جونز مدير الانتاج و العمليات هو احد البارعين في تصميم واجهات الاستخدام واستعمالها. ومعهم كذلك ليو تكر الذي بدأ حياته العملية في رسم وتخطيط المرسلات والناقلات العصبية في الدماغ. وتعود معرفة سبيفاك وبتكر الى أواخر الثمانينات عندما كانا يعملان معا لحساب داني هيليس في "ثنكينغ ماشينز".
ورغم كل الطاقات والكفاءات التي جرى جمعها في شركة "رادار نيتوركس" يخالجك شعور ان هذه ليست الشبكة النموذجية التي ينبغي الشروع بها، لكون جلب قوة "شبكة السيمانتيك" الى الانترنت ليسبالامر السهل شرحه. حتى الشخص الذي اخترع شبكة الانترنت تيم بيرنرس-لي بحاجة الى فسحة ما لكي يشرح اهمية ذلك.
* ويب ذكي :
* وكان اصطلاح "سيمانتك ويب" حاز اهمية كبيرة عام 2001 عن طريق مقالة كتبها بيرنرس - لي واثنان آخران هما جيمس هاندلر وأورا لاسيلا في مجلة "ساينتفيك أميركان". وهم يشرحون في هذه المقالة البرمجيات و"العملاء" التابعين لهذه البرمجيات الذين يتجولون عبر الشبكة للقيام بترتيبات السفر وحجوزات الطائرات وتحديد مواعيد طبية وتخفيض صوت الاستيريو عندما يرن جرس الهاتف. لقد كانت رؤية رائعة لكن لا يمكن تحقيقها مع انترنت اليوم. ولكن لتحقيق ذلك يتوجب على المعلومات الموجودة على الشبكة ان تكون مقروءة من قبل الآلات. والخدمات التي تقدمها "غوغل" اليوم تقوم بعمل كبير في التنقيب في صفحات الشبكة، لكن ينبغي على الافراد جمع هذه المعلومات وتوحيدها، اودمجها للتخطيط مثلا الى رحلة للتزلج على الثلج.
والمعلوم ان الشبكة ليست ذكية جدا حتى الآن، فأي صفحة هي مثل الصفحات الاخرى، وقد تكون مرتبتها بالنسبة الى "غوغل" عالية، ولكن من غير أي تمييز على صعيد المعنى. غير ان "شبكة "السيمانتك" حسب رؤية بيرنرس - لي"، تعمل على الاكثر كسلسلة من المعطيات المتصلة بعضها بالبعض الآخر، بحيث تترسب جميع المعلومات فيشكل بنائي مركب. وهناك داخل هذا التركيب او البناء طبقة من الاوصاف التيتضيف معنى من المعاني التي يستطيع الكومبيوتر ان يفهمها. ("سيمانتيكس" هوفرع من اللغويات التي تتعلق بالدلالات والمعاني).
وفي مثل هذه الشبكة، اي "شبكة السيمانتك"، فان نوفا سبيفاك على سبيل المثال ليس مجرداسم من الاسماء التي ترد على صفحات الشبكة عندما تبحث عنه عن طريق "غوغل"،بل هو موضوع كامل باوصاف كاملة محددة مثل تاريخ الميلاد، واللقب الذي يحمله في العمل الذي يمارسه، وعنوان منزله وهواياته المحددة، وهو قبل كلشيء وبالتحديد حفيد المفكر الاداري الاسطوري بيتر دركر.
و الاشخاصعلى "شبكة السيمانتك" لهم اتصالات واضحة بالأمكنة التي يعملون فيها،والناس الذين لهم علاقات معهم، واصدقائهم، وجداول اعمالهم (أجنداتهم)،وهواياتهم والاشياء التي يفضلونها. والقدرة على وصل هذه جميعها وخصائصها باساليب مكشوفة وغير مكشوفة، هو ما يعطي "شبكة السيمانتك" قوتها.
وللمزيدمن الشرح و الايضاح لنأخذ هذا السيناريو بالاعتبار: لنفترض انك ترغب في هذه الايام في ترتيب مأدبة عشاء في احد المؤتمرات، لتلجأ الى اختيار المدعوين بواسطة البريد الالكتروني لمعرفة من هم الذين سيحضرون، ومن هم الذين سيتخلفون، ثم تقوم بمراسلتهم مقترحا المكان والتاريخ لتتفقوا بعدها على الموعد والمكان وعدد الحضور قبل حجز المكان. اي ان الامر يتطلب مراسلاتواتصالات عديدة بين الافراد جميعهم.
لكن في "شبكة السيمانتك" فانعميل البرنامج "يدرك" من تلقاء ذاته ما تنطوي عليه عادة عملية ترتيب مثل هذا العشاء الجماعي، فبدلا من ارسال مجموعة كبيرة من الرسائل الالكترونية وتلقي ردودها، فان بمقدور عميل البرنامج من تلقاء ذاته تحضير لائحة بالمدعوين المناسبين. وقد ينظر ايضا في دفتر العناوين ليرى من هم مناصدقائك يعيش في المدينة التي يقام فيها المؤتمر. وحال الموافقة من قبلكعلى القائمة المحتملة للمدعوين يقوم عميل البرنامج بالتفاوض مع الجميع في ما يتعلق بموعد الحفل وفقا لأجندة محددة، واختيار مطعم متوفر يتسع لهذا العدد، بالاستفادة من قاعدة معلومات اخرى، هذا بعد ان يحظى بموافقتك وحسب تفضيلاتك الشخصية. بعد كل ذلك يقوم بعملية الحجز وارسال توجيهات تشير الى مكان المطعم وعنوانه مع الاستعانة ان لزم بالنظام العالمي الشامل لتحديد المواقع "جي بي إس".
وبالطبع لقد مضت ست سنوات على رؤية بيرنرس - لي من دون تحقيق اي شيء من هذا القبيل بعد. وبعض الخدمات، كخدمة "فليكر" مثلا تقدم صورة خامة منها على شكل نسخة "ويب 2.0". و"غوغل بايس" هو محاولة اخرى لجلب تقنيات "سيمانتك" الى الشبكة الواسعة كمكان يمكن لأي شخص انيبحث فيه عن المعلومات، من دون استخدام اسلوب "سيمانتك" من البداية حتى النهاية.
وحتى يتحقق هذا الحلم بمقدور البعض القيام باشياء تلفت النظر على الشبكة، منها على سبيل المثال شركات الصيدلة الكبيرة مثل "إليليلي" التي تجرب اضافة طبقة من "السيمانتك" على المعلومات الخاصة بعقاقيرها التي تساعد العلماء على ايجاد الرابط بين الاجزاء التي يتكون منها العقار و الأمراض التي يعالجها.
كذلك تسعى "أمازون. كوم" الى استخدام تقنيات و بطاقات "سيمانتك" لمساعدة زبائنها على البحث في قاعدة معلوماتها، وكذلك "كوداك" لمساعدة المصورين على تنظيم صورهم و البوماتهم على الشبكة. وتقوم وكالة الاستخبارات الاميركية (سي آي ايه) بتعزيز قواعد معلوماتها بارقام الهواتف خارج الولايات المتحدة بالاسلوب ذاته لتسهيلالبحث عن الاتصالات الجارية بين الاشخاص والامكنة والحوادث، املا في تحديد مصادر التهديدات الارهابية قبل وقوعها. ومن الجهات والدوائر المهتمة بـ"شبكة سيمانتك" ايضا الصناعات الفضائية و قطاعات الطاقات البديلة ودوائر الفيزياء.
* تطور الويب :
* لا توجد حدود رسمية لما يتعارف عليه الخبراء بدرجات تطور الويب من مراحله الاولى في التسعينات حتى الآن،فقد تطورت برمجيات وتطبيقات الويب منذ منتصف التسعينات حينما اعتبر "الويب 1.0" هو السائد في منتصف التسعينات. وكانت شبكة الانترنت آنذاك تشتمل علىخزين من البيانات ومحتوياتها "الساكنة".
وخلال اعوام من ذلك تحولت كميات هائلة من البيانات الى معلومات ديناميكية متحركة توفر للمستخدمين ما يريدونه. وبنهاية القرن الماضي تحول الويب الى شبكة تفاعلية واطلق عليه اسم "الويب 1.5"، الذي اتاح للمستخدمين اللعب ومتابعة الملفات الصوتية والمصورة والتحكم بعرضها او توقيفها.
ثم جاء عصر "الويب 2.0" الذي ادى الى قفزة في الخدمات التفاعلية وظهور شبكة مليئة بالملفات الصوتية و المرئية (الفيديوية)، و فجر ثورة معلوماتية بالصورة والصوت ادت الى ظهور الشبكات الاجتماعية على الانترنت التي يساهم فيها الملايين بشرائطهم و اغانيهم وافكارهم.. وظهور المدونات الالكترونية الشخصية.
ويمتاز "الويب 2.0" بوجود توجهين رئيسيين، الاول ظهور "المحتوى المنتج من قبلالمستخدمين" و"العمل على كومبيوترات لا تثقل بالبرامج الالكترونية".
وتعكس الشبكات الاجتماعية مثل "ماي سبايس" MySpace و"فريندستر" Friendster وموقع "يوتيوب" YouTube لتبادل الشرائط المرئية وعرضها ،والمدونات ومواقع "ويكي" ، والتعليقات التي تعزز الاخبار الالكترونية، هذا التوجه.
اما التوجه الثاني فيتمثل في "اجلاء" البرامج و التطبيقات من الكومبيوتر الشخصي للمستخدمين، وتحويلها الى خادمات الانترنت في المواقع والبواباتا لالكترونية الكبرى لتسهيل عمليات البحث وتنفيذ الاعمال عليها عبرالانترنت.
* مغامرات الإنترنت .. ورحلات الفضاء :
* الرحلات الفضائية ربما اضحت احدى متطلبات "اصحاب الانترنت" في ايامنا هذه، للدخول في مغامرات بهدف سبر اغوارها ايضا! وكان نوفا سبيفاك قد حصل على شهادة اضافية من جامعة الفضاء الدولية، وهي مؤسسة تمولها وكالة الفضاء الاميركية تهدف لتدريب الخريجين. وقد قاده الاهتمام بالفضاء الى السفر في رحلة سياحية عام 1999 الى حافة الفضاء مع شركة "سبايس أدفنتشر"، وانطلق في رحلة صعودا وهبوطا في طائرة روسية لتحقيق ظروف انعدام الجاذبية.
وقد خضع عام 1999 لتجارب في التحليق في اعالي السماء. ولم يكن حتى الطيارون الروس الذين دربوه متأكدين عما ستسفر عنه مثل هذه الرحلات. وبينما جرى توثيق سبيفاك بالاحزمة على مقعده في الطائرة المقاتلة "ميغ - 25" وتحضيره لرحلته بسرعة ثلاثة اضعاف سرعة الصوت الى ارتفاع 20 ميلا في السماء، حول نظره الى الزر، أو العتلة التي تشغل مقعد القذف في حال ساءت الامور. لكن مثل هذاالزر لم يكن موجودا.
ويقول سبيفاك: "بادرني الطيار فورا بقوله لاتبالي، ولا تدع هذا الامر يكدرك، ففي سرعة بمثل هذه التي تكون فيها، فانه حتى لو تسنى لك الانقذاف من مقعدك، فان جسدك سينفجر متحولا الى بخار،ليتجمد البخار هذا بعد ذلك، متحولا الى بلورات ثلجية، لتحترق بعد ذلك لدىدخولها الى جو الارض".
ومع هذه الكلمات المشجعة درجت الطائرة لتنطلق بسرعة الى حافة الفضاء.
وعاد سبيفاك قطعة واحدة سليما الى الارض مستعدا لاطلاق مشاريع اخرى. لكن صورةجسده وهو ينفجر الى بلورات ثلجية منتشرة في طبقة الستراتو سفير لم تبارحه. وفي الواقع ان هذا الوصف لم يكن سيئا على ضوء مشروعه الجديد، وما يحاول تحقيقه.
ويتمتع خريج الفلسفة هذا، بعدد من الاهتمامات العميقة في علوم الادراك، والذكاء الصناعي، والنظم الكومبيوترية الناشئة، وادارة المعرفة، واخيرا.. في "سيمانتك ويب". كما انضم الى كوكبة الشخصيات العاملة في ميدان الالكترونيات، المولعين برحلات الفضاء ليحلق قربهم، بعد اجرائه لتجارب اولية على متن طائرة حلقت بسرعات عالية في طبقة الستراتوسفير في اعالي السماء.
وان كنت تفكر بان شبكة الانترنت العالمية شبيهة بسحابة كبيرة في الفضاء الشاسع، واسعة من المعلومات، فان سبيفاك رأى ان مهمة شركته "رادار نيتووركس" التي يوشك على كشف النقاب عنها، تكمن في الاستحواذ على هذه السحابة وفرض بعض النظام عليها. ولكن، ليس اي نظام، بل نوع خاص منالانظمة التي توصف في علم الكومبيوتر اليوم باكثر العبارات طنينا، ألا وهي "الشبكة ذات الدلالات والمعاني اللفظية"، او "سيمانتك ويب".
ورغم جميع العجائب التي يمكن لشبكة الانترنت ان توفرها لك عن طريق نقرات قليلة من اصابعك، مثل الاسم النرويجي للآيس كريم (جيلاتي، بوظة، دندرمة)، او حجز مقعد طائرة الى باريس، او شراء سلع مخفضة السعر، الا انها تملك عيبا اساسيا.
وفي الواقع فان الشبكة الحالية هي خلاصة وافية من مليارات المستندات والوثائق النصية المصممة لقراءتها من قبل البشر. ويمكن البحث عنها بكلمات اساسية التي تشكل مفاتيح. لكن النتائج غالبا لن تكون ذاتفائدة تذكر، الى ان تقوم بتعريبها وتصنيفها للعثور على المطلوب، او على الصفحة التي تحتوي المعلومات التي تريدها.
و لتحويل الشبكة الى المستوى او الجيل المقبل، اي الانتقال من الشبكة 2.0 الى الشبكة 3.0،ينبغي تحويل المعلومات في مثل هذه المستندات الى معطيات يمكن للآلات قراءتها وتقييمها بحد ذاتها. وعند ذاك سيكون بامكان الكومبيوتر تولي الاعمال التي نقوم بها حاليا باليد، مثل ايجاد اقرب مطعم، وحجز افضل مقعد في طائرة، وشراء ارخص قرص "سي دي" مدمج.
* شبكة مبتكرة :
* وينبغي التفكير في هذا الابتكار على انه الفارق الذي يميز بين البعدين و الثلاثة ابعاد، اي بين الصورة المسطّحة والمجسمة. وعلى ذلك يعلق سبيفاك بقوله: "سيلاحظ الناس ان الشبكة ستتحول اكثر ذكاء وستكون في نهاية المطاف مزودة بقدرات منطقية مشيدة في داخلها".
وبالنسبة الى سبيفاك فان "سيمانتك ويب" تبدأ حاليا بمحرك بحث عن المعطيات وتطبيقات خاصة بالمستخدم،يقوم هو وفريقه في الشركة بالاستعداد لاطلاقها. وستتوج الشبكة في وقت مافي المستقبل بظهور برمجيات بذكاء صناعي تقوم بجميع المهام الشاقة الخاصة باعمالك وحياتك المهنية على الشبكة.
وشركة "رادار نيتوركس" ليست الشركة الوحيدة التي تقوم بسبر امكانات "سيمانتيك ويب"، خاصة انها تقنية مقلقة لكونها قادرة على ازاحة عمالقة الانترنت من اماكنهم، لا سيما عمالقة محركات البحث مثل "غوغل" و"ياهو". وتقوم شركات جديدة مثل "غارليك" و"ميتاويب تكنوليجيس" و"باورسيت" و"زومانفو"، وشركات كبيرة اخرى مثل "سيتيغروب" و"كوداك" و"أوريكل" و"غوغل" و"ياهو" بملاحقة هذه الابحاث بقوة ونشاط.
ويشير احد التقديرات ان سوق المنتجات والخدمات الناجمة عن تقنيات "سيمانتك ويب" ستكون بحدود 50 مليار دولار في حلول عام 2010 انطلاقا من 7 مليارات حاليا.
ولكن بمقدار ما هو موجود من رجال الاعمال الذين يهيئون انفسهم للحصول على ارباح كبيرة من هذا المشروع الجديد، هناك العدد ذاته من المشككين الذين يعبرون عن قناعتهم بانه مجرد حلم من الاحلام، بل اسم من اسماء لمشكلة عويصة لن يجري حلها ابدا بشكل كامل. لكن سبيفاك، بثقة الرجل الذي انطلق الى الفضاء من دون مظلة او شبكة واقية، مصمم كل التصميم على اثبات العكس.
ويقع مقر شركة "رادار نيتوركس" في مستودع تم تجديده، ليس بعيدا عن المكان الذي توجد فيه مقرات عمالقة شركات الالكترونيات و الكومبيوتر في سان فرانسيسكو. والمستودع عبارة عن حظيرة كبيرة من الخشب الاحمر ذات سقف توجد في داخلها اكداس الكابلات التي تنقل المعلومات. ولا توجد داخل هذا المكان اي اشارة الى وجود نشاط ما، باستثناء آلة للعبة الفيديو "ننتيندو ويلي" وآلة جديدةلماعة لتحضير القهوة. لكن هناك الآن 20 شخصا، وان كان المكان يتسع الى 50 شخصا، وميزانية لتمويل المشروع تصل حاليا الى 10 ملايين دولار. وينهمك سبيفاك ومدراؤه التنفيذيون الكبار في تجنيد موظفين جدد.
وتشمل خلفية اعضاء فريق "رادار نيتوركس" المهنية ، خبرات عميقة في الاحصاءات والمعلومات والذكاء الصناعي. وكبير مصممي الشركة هو جيم ويسنر احد ابرزمصممي "جافا". كما ان كريس جونز مدير الانتاج و العمليات هو احد البارعين في تصميم واجهات الاستخدام واستعمالها. ومعهم كذلك ليو تكر الذي بدأ حياته العملية في رسم وتخطيط المرسلات والناقلات العصبية في الدماغ. وتعود معرفة سبيفاك وبتكر الى أواخر الثمانينات عندما كانا يعملان معا لحساب داني هيليس في "ثنكينغ ماشينز".
ورغم كل الطاقات والكفاءات التي جرى جمعها في شركة "رادار نيتوركس" يخالجك شعور ان هذه ليست الشبكة النموذجية التي ينبغي الشروع بها، لكون جلب قوة "شبكة السيمانتيك" الى الانترنت ليسبالامر السهل شرحه. حتى الشخص الذي اخترع شبكة الانترنت تيم بيرنرس-لي بحاجة الى فسحة ما لكي يشرح اهمية ذلك.
* ويب ذكي :
* وكان اصطلاح "سيمانتك ويب" حاز اهمية كبيرة عام 2001 عن طريق مقالة كتبها بيرنرس - لي واثنان آخران هما جيمس هاندلر وأورا لاسيلا في مجلة "ساينتفيك أميركان". وهم يشرحون في هذه المقالة البرمجيات و"العملاء" التابعين لهذه البرمجيات الذين يتجولون عبر الشبكة للقيام بترتيبات السفر وحجوزات الطائرات وتحديد مواعيد طبية وتخفيض صوت الاستيريو عندما يرن جرس الهاتف. لقد كانت رؤية رائعة لكن لا يمكن تحقيقها مع انترنت اليوم. ولكن لتحقيق ذلك يتوجب على المعلومات الموجودة على الشبكة ان تكون مقروءة من قبل الآلات. والخدمات التي تقدمها "غوغل" اليوم تقوم بعمل كبير في التنقيب في صفحات الشبكة، لكن ينبغي على الافراد جمع هذه المعلومات وتوحيدها، اودمجها للتخطيط مثلا الى رحلة للتزلج على الثلج.
والمعلوم ان الشبكة ليست ذكية جدا حتى الآن، فأي صفحة هي مثل الصفحات الاخرى، وقد تكون مرتبتها بالنسبة الى "غوغل" عالية، ولكن من غير أي تمييز على صعيد المعنى. غير ان "شبكة "السيمانتك" حسب رؤية بيرنرس - لي"، تعمل على الاكثر كسلسلة من المعطيات المتصلة بعضها بالبعض الآخر، بحيث تترسب جميع المعلومات فيشكل بنائي مركب. وهناك داخل هذا التركيب او البناء طبقة من الاوصاف التيتضيف معنى من المعاني التي يستطيع الكومبيوتر ان يفهمها. ("سيمانتيكس" هوفرع من اللغويات التي تتعلق بالدلالات والمعاني).
وفي مثل هذه الشبكة، اي "شبكة السيمانتك"، فان نوفا سبيفاك على سبيل المثال ليس مجرداسم من الاسماء التي ترد على صفحات الشبكة عندما تبحث عنه عن طريق "غوغل"،بل هو موضوع كامل باوصاف كاملة محددة مثل تاريخ الميلاد، واللقب الذي يحمله في العمل الذي يمارسه، وعنوان منزله وهواياته المحددة، وهو قبل كلشيء وبالتحديد حفيد المفكر الاداري الاسطوري بيتر دركر.
و الاشخاصعلى "شبكة السيمانتك" لهم اتصالات واضحة بالأمكنة التي يعملون فيها،والناس الذين لهم علاقات معهم، واصدقائهم، وجداول اعمالهم (أجنداتهم)،وهواياتهم والاشياء التي يفضلونها. والقدرة على وصل هذه جميعها وخصائصها باساليب مكشوفة وغير مكشوفة، هو ما يعطي "شبكة السيمانتك" قوتها.
وللمزيدمن الشرح و الايضاح لنأخذ هذا السيناريو بالاعتبار: لنفترض انك ترغب في هذه الايام في ترتيب مأدبة عشاء في احد المؤتمرات، لتلجأ الى اختيار المدعوين بواسطة البريد الالكتروني لمعرفة من هم الذين سيحضرون، ومن هم الذين سيتخلفون، ثم تقوم بمراسلتهم مقترحا المكان والتاريخ لتتفقوا بعدها على الموعد والمكان وعدد الحضور قبل حجز المكان. اي ان الامر يتطلب مراسلاتواتصالات عديدة بين الافراد جميعهم.
لكن في "شبكة السيمانتك" فانعميل البرنامج "يدرك" من تلقاء ذاته ما تنطوي عليه عادة عملية ترتيب مثل هذا العشاء الجماعي، فبدلا من ارسال مجموعة كبيرة من الرسائل الالكترونية وتلقي ردودها، فان بمقدور عميل البرنامج من تلقاء ذاته تحضير لائحة بالمدعوين المناسبين. وقد ينظر ايضا في دفتر العناوين ليرى من هم مناصدقائك يعيش في المدينة التي يقام فيها المؤتمر. وحال الموافقة من قبلكعلى القائمة المحتملة للمدعوين يقوم عميل البرنامج بالتفاوض مع الجميع في ما يتعلق بموعد الحفل وفقا لأجندة محددة، واختيار مطعم متوفر يتسع لهذا العدد، بالاستفادة من قاعدة معلومات اخرى، هذا بعد ان يحظى بموافقتك وحسب تفضيلاتك الشخصية. بعد كل ذلك يقوم بعملية الحجز وارسال توجيهات تشير الى مكان المطعم وعنوانه مع الاستعانة ان لزم بالنظام العالمي الشامل لتحديد المواقع "جي بي إس".
وبالطبع لقد مضت ست سنوات على رؤية بيرنرس - لي من دون تحقيق اي شيء من هذا القبيل بعد. وبعض الخدمات، كخدمة "فليكر" مثلا تقدم صورة خامة منها على شكل نسخة "ويب 2.0". و"غوغل بايس" هو محاولة اخرى لجلب تقنيات "سيمانتك" الى الشبكة الواسعة كمكان يمكن لأي شخص انيبحث فيه عن المعلومات، من دون استخدام اسلوب "سيمانتك" من البداية حتى النهاية.
وحتى يتحقق هذا الحلم بمقدور البعض القيام باشياء تلفت النظر على الشبكة، منها على سبيل المثال شركات الصيدلة الكبيرة مثل "إليليلي" التي تجرب اضافة طبقة من "السيمانتك" على المعلومات الخاصة بعقاقيرها التي تساعد العلماء على ايجاد الرابط بين الاجزاء التي يتكون منها العقار و الأمراض التي يعالجها.
كذلك تسعى "أمازون. كوم" الى استخدام تقنيات و بطاقات "سيمانتك" لمساعدة زبائنها على البحث في قاعدة معلوماتها، وكذلك "كوداك" لمساعدة المصورين على تنظيم صورهم و البوماتهم على الشبكة. وتقوم وكالة الاستخبارات الاميركية (سي آي ايه) بتعزيز قواعد معلوماتها بارقام الهواتف خارج الولايات المتحدة بالاسلوب ذاته لتسهيلالبحث عن الاتصالات الجارية بين الاشخاص والامكنة والحوادث، املا في تحديد مصادر التهديدات الارهابية قبل وقوعها. ومن الجهات والدوائر المهتمة بـ"شبكة سيمانتك" ايضا الصناعات الفضائية و قطاعات الطاقات البديلة ودوائر الفيزياء.
* تطور الويب :
* لا توجد حدود رسمية لما يتعارف عليه الخبراء بدرجات تطور الويب من مراحله الاولى في التسعينات حتى الآن،فقد تطورت برمجيات وتطبيقات الويب منذ منتصف التسعينات حينما اعتبر "الويب 1.0" هو السائد في منتصف التسعينات. وكانت شبكة الانترنت آنذاك تشتمل علىخزين من البيانات ومحتوياتها "الساكنة".
وخلال اعوام من ذلك تحولت كميات هائلة من البيانات الى معلومات ديناميكية متحركة توفر للمستخدمين ما يريدونه. وبنهاية القرن الماضي تحول الويب الى شبكة تفاعلية واطلق عليه اسم "الويب 1.5"، الذي اتاح للمستخدمين اللعب ومتابعة الملفات الصوتية والمصورة والتحكم بعرضها او توقيفها.
ثم جاء عصر "الويب 2.0" الذي ادى الى قفزة في الخدمات التفاعلية وظهور شبكة مليئة بالملفات الصوتية و المرئية (الفيديوية)، و فجر ثورة معلوماتية بالصورة والصوت ادت الى ظهور الشبكات الاجتماعية على الانترنت التي يساهم فيها الملايين بشرائطهم و اغانيهم وافكارهم.. وظهور المدونات الالكترونية الشخصية.
ويمتاز "الويب 2.0" بوجود توجهين رئيسيين، الاول ظهور "المحتوى المنتج من قبلالمستخدمين" و"العمل على كومبيوترات لا تثقل بالبرامج الالكترونية".
وتعكس الشبكات الاجتماعية مثل "ماي سبايس" MySpace و"فريندستر" Friendster وموقع "يوتيوب" YouTube لتبادل الشرائط المرئية وعرضها ،والمدونات ومواقع "ويكي" ، والتعليقات التي تعزز الاخبار الالكترونية، هذا التوجه.
اما التوجه الثاني فيتمثل في "اجلاء" البرامج و التطبيقات من الكومبيوتر الشخصي للمستخدمين، وتحويلها الى خادمات الانترنت في المواقع والبواباتا لالكترونية الكبرى لتسهيل عمليات البحث وتنفيذ الاعمال عليها عبرالانترنت.
* مغامرات الإنترنت .. ورحلات الفضاء :
* الرحلات الفضائية ربما اضحت احدى متطلبات "اصحاب الانترنت" في ايامنا هذه، للدخول في مغامرات بهدف سبر اغوارها ايضا! وكان نوفا سبيفاك قد حصل على شهادة اضافية من جامعة الفضاء الدولية، وهي مؤسسة تمولها وكالة الفضاء الاميركية تهدف لتدريب الخريجين. وقد قاده الاهتمام بالفضاء الى السفر في رحلة سياحية عام 1999 الى حافة الفضاء مع شركة "سبايس أدفنتشر"، وانطلق في رحلة صعودا وهبوطا في طائرة روسية لتحقيق ظروف انعدام الجاذبية.
وقد خضع عام 1999 لتجارب في التحليق في اعالي السماء. ولم يكن حتى الطيارون الروس الذين دربوه متأكدين عما ستسفر عنه مثل هذه الرحلات. وبينما جرى توثيق سبيفاك بالاحزمة على مقعده في الطائرة المقاتلة "ميغ - 25" وتحضيره لرحلته بسرعة ثلاثة اضعاف سرعة الصوت الى ارتفاع 20 ميلا في السماء، حول نظره الى الزر، أو العتلة التي تشغل مقعد القذف في حال ساءت الامور. لكن مثل هذاالزر لم يكن موجودا.
ويقول سبيفاك: "بادرني الطيار فورا بقوله لاتبالي، ولا تدع هذا الامر يكدرك، ففي سرعة بمثل هذه التي تكون فيها، فانه حتى لو تسنى لك الانقذاف من مقعدك، فان جسدك سينفجر متحولا الى بخار،ليتجمد البخار هذا بعد ذلك، متحولا الى بلورات ثلجية، لتحترق بعد ذلك لدىدخولها الى جو الارض".
ومع هذه الكلمات المشجعة درجت الطائرة لتنطلق بسرعة الى حافة الفضاء.
وعاد سبيفاك قطعة واحدة سليما الى الارض مستعدا لاطلاق مشاريع اخرى. لكن صورةجسده وهو ينفجر الى بلورات ثلجية منتشرة في طبقة الستراتو سفير لم تبارحه. وفي الواقع ان هذا الوصف لم يكن سيئا على ضوء مشروعه الجديد، وما يحاول تحقيقه.