محمد شتيوى
مستشار سابق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموت هو الحقيقة التى لا مفر منها ولا مهرب قال عنه الشاعر :
حوضٌ هنالك مورودٌ بلا كذبٍ ... لا بدَّ من وردِه يوماً كما وردوا
والاحتضار وهو المرحلة الأخيرة قبل الموت يحدث فيها أمور عجيبة وحوادث غريبة
حيث تكون خاتمة الإنسان غالبا على نفس ما كان يحيا عليه فى الدنيا ويعتاده
والانسان بخاتمته فإن كانت خيرا فمصيره جنات ونهر وإن شرا فمصيره جحيم وسعر
ولهذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سوء الخاتمة وكان اكثر دعائه صلى الله عليه وسلم ( يا مقلب القوب ثبت قلبى على دينك )
فقيل له في ذلك قال إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ . ) صححه الالبانى
نسأل الله تعالى حسن الخاتمة
وأحيانا تجرى على ألسنة المحتضرين كلمات تصير فيما بعد حكما واشعارا يتناقلها الناس بعد ذلك ويتمثلون بها
وأنا أذكر لكم طرفا من ذلك :
روى وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله البهمي مولى الزبير، عن عائشة رحمها الله، قالت: لما احتضر أبو بكر قالت:
لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فقال: يا بنية! لا تقولي هكذا، ولكن قولي: "وجاءت سكرة الحق بالموت، ذلك ما كنت
منه تحيد".
لما احتضر عمر بن الخطاب بكي، فكلمه ابن عباس أو غيره بكلام فيه ثناء عليه، فقال: المغرور من غررتموه، ليت أمي لم تلدني. ثم أوصى بوصايا حسان.
وإن معاوية لما احتضر، قال لابنه: يا بني! كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني أخذت من شعره بمشقص، وهو عندي في موضع كذا، فإذا أنا مت فخذوا ذلك الشَّعر واحشوا فمي ومنخري، ثم قال:
إن تناقش يكن نقاشك يا رب ... عذاباً لا طاقة لي بالعذاب
أو تجاوز وأنت رب رحيم ... عن مسىءٍ ذنوبه كالتراب
ثم أغمى عليه، ثم أفاق فقال:
فهل من خالدٍ إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار
ثم قال لأهله الذين حضروا: اتقوا الله؛ فإن الله يقى من اتقاه. ثم قضى.
وفي خبر آخر: أنه لما احتضر معاوية، رفع يديه؛ وهو يجود بنفسه، وقال متمثلا:
هو الموت لا منجى من الموت والذي ... أحاذر بعد الموت أدهى وأفظع
ثم قال: اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة، وجد بحلمك على من لا يرجو غيرك، ولا يثق
إلا بك، فإنك واسع الرحمة، نعفو بقدرة، وما وراءك مذهب لذي خطيئة موبقة، يا أرحم
الراحمين.
لما مرض أمية بن أبي الصلت - اسم أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف من ثقيف - مرضه الذي مات فيه، جعل يقول: قد دنا أجلي، وهذه المرضة منيتي، وأنا أعلم أن الحنيفية حق، ولكن الشك يداخلني في محمد، ( نعوذ بالله من الخذلان ) !!
فلما دنت وفاته أغمى عليه قليلاً، ثم أفاق وهو يقول: لبيكما لبيكما، هأنذا لديكما. لا مال فيقذيني ولا عشيرة فتنجيني.
ثم أغمى عليه أيضاً بعد ساعة حتى ظن من حضر من أهله أنه قد مضى، ثم أفاق وهو يقول: لبيكما لبيكما، هأنذا لديكما، لا برئ فأعتذر، ولا قوى فأنتصر.
ثم إنه بقى يحدث من حضره ساعة، ثم أغمى عليه مثل المرتين الأوليين، حتى يئسوا من حياته، وأفاق وهو يقول: لبيكما لبيكما، هأنذا لديكما محفوف بالنعم، محفوظ من الريب:
إن تغفر الله تغفر جما .... وأي عبدٍ لك لا ألما
ثم أقبل على القوم، فقال: قد جاء وقتي، فكونوا في أهبتي، وحدثهم قليلا، ثم يئس القوم من موته، وأنشأ يقول:
كل عيشٍ وإن تطاول دهراً ... قصره مرةً إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما إن بدا لي ... في رؤوس الجبال أرعى الوعولا
اجعل الموت نصب عينيك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولا
ثم قضى نحبه، ولم يؤمن بالنبي عليه السلام.
قال محمد بن إبراهيم الكاتب، دخلنا على أبي نواس نعوده في مرضه الذي مات فيه، ومعنا صالح بن علي الهاشمي، فقال له صالح: تب إلى الله يا أبا علي؛ فإنك في أول يوم من أيام الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا، وبينك وبين الله هنات.
فقال: أسندوني. فأسندوه،
فقال: إياي تخوف الله؟ قد حدثني حماد بن سلمة، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"، أتراني لا أكون منهم؟
وقد حدثني حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله، فإن حسن الظن بالله ثمن الجنة".
ورآه بعض إخوانه بعد موته بأيام في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لي بأبيات قلتها، وهي الآن تحت وسادتي.
فنظروا وإذا برقعة تحت وسادته في بيته فيها مكتوب:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظمُ
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يدعو إليه المجرمُ
أدعوك رب كما أمرت تضرعاً ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحمُ
مالي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل ظني ثم أني مسلمُ
حدث محمد بن يعقوب البزاز: كنت جارا لأبي نواس، فعدته في مرضه الذي مات فيه، ودخل عليه طبيب نصراني اسمه سعيد، فنظر إليه ووصف له دواء يعلله به، ثم خرج وخرجت بخروجه، فغمزني وقال: مرهم لا يعذبوه بالدواء؛ فإنه الساعة يموت،
فرجعت إليه فقال: سألتك بالله ما قال لك النصراني، فإني رأيته قد غمزك؟
فقلت: ما عسى أن يقول؟!
فقال: أقسمت عليك لما أخبرتني.
فأخبرته، فرفع عينيه إلى السماء، وسالت دموعه على خديه، وقال:
يا رب إني لم أزل ... في مثل حال السحره
حين استلاذوا بعرى ... الدين وكانوا كفره
فآمنوا يوماً ففا ... زوا بثواب البرره
ولم أزل مستشعر الــ ... إيمان ياذا المقدره
فاغفر فإني منك أو ... لي منهم بالمغفره
ويروى أن آخر بيت قاله محمود الوراق في مرضه الذي مات فيه:
إن ظني بحسن عفوك يا رب ... جميل وأنت مالك أمري
صنت سري عن القرابة والأهل ... جميعاً وأنت موضع سري
ثقة بالذي لديك من السر ... فلا تخزني به يوم نشري
يوم هتك الستور عن حجب الغيب ... فلا تهتكن للناس ستري
من كتاب بهجة المجالس لابن عبد البر القرطبى / الفصل الأخير ( باب من كلام المحتضرين )
الموسوعة الشعرية
ملحوظة : ربما تجد صعوبة فى فهم بعض معانى النصوص وعليك بالاستفسار عما تحب
جزاكم الله خيرا
الموت هو الحقيقة التى لا مفر منها ولا مهرب قال عنه الشاعر :
حوضٌ هنالك مورودٌ بلا كذبٍ ... لا بدَّ من وردِه يوماً كما وردوا
والاحتضار وهو المرحلة الأخيرة قبل الموت يحدث فيها أمور عجيبة وحوادث غريبة
حيث تكون خاتمة الإنسان غالبا على نفس ما كان يحيا عليه فى الدنيا ويعتاده
والانسان بخاتمته فإن كانت خيرا فمصيره جنات ونهر وإن شرا فمصيره جحيم وسعر
ولهذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سوء الخاتمة وكان اكثر دعائه صلى الله عليه وسلم ( يا مقلب القوب ثبت قلبى على دينك )
فقيل له في ذلك قال إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ . ) صححه الالبانى
نسأل الله تعالى حسن الخاتمة
وأحيانا تجرى على ألسنة المحتضرين كلمات تصير فيما بعد حكما واشعارا يتناقلها الناس بعد ذلك ويتمثلون بها
وأنا أذكر لكم طرفا من ذلك :
روى وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله البهمي مولى الزبير، عن عائشة رحمها الله، قالت: لما احتضر أبو بكر قالت:
لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فقال: يا بنية! لا تقولي هكذا، ولكن قولي: "وجاءت سكرة الحق بالموت، ذلك ما كنت
منه تحيد".
لما احتضر عمر بن الخطاب بكي، فكلمه ابن عباس أو غيره بكلام فيه ثناء عليه، فقال: المغرور من غررتموه، ليت أمي لم تلدني. ثم أوصى بوصايا حسان.
وإن معاوية لما احتضر، قال لابنه: يا بني! كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني أخذت من شعره بمشقص، وهو عندي في موضع كذا، فإذا أنا مت فخذوا ذلك الشَّعر واحشوا فمي ومنخري، ثم قال:
إن تناقش يكن نقاشك يا رب ... عذاباً لا طاقة لي بالعذاب
أو تجاوز وأنت رب رحيم ... عن مسىءٍ ذنوبه كالتراب
ثم أغمى عليه، ثم أفاق فقال:
فهل من خالدٍ إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار
ثم قال لأهله الذين حضروا: اتقوا الله؛ فإن الله يقى من اتقاه. ثم قضى.
وفي خبر آخر: أنه لما احتضر معاوية، رفع يديه؛ وهو يجود بنفسه، وقال متمثلا:
هو الموت لا منجى من الموت والذي ... أحاذر بعد الموت أدهى وأفظع
ثم قال: اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة، وجد بحلمك على من لا يرجو غيرك، ولا يثق
إلا بك، فإنك واسع الرحمة، نعفو بقدرة، وما وراءك مذهب لذي خطيئة موبقة، يا أرحم
الراحمين.
لما مرض أمية بن أبي الصلت - اسم أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف من ثقيف - مرضه الذي مات فيه، جعل يقول: قد دنا أجلي، وهذه المرضة منيتي، وأنا أعلم أن الحنيفية حق، ولكن الشك يداخلني في محمد، ( نعوذ بالله من الخذلان ) !!
فلما دنت وفاته أغمى عليه قليلاً، ثم أفاق وهو يقول: لبيكما لبيكما، هأنذا لديكما. لا مال فيقذيني ولا عشيرة فتنجيني.
ثم أغمى عليه أيضاً بعد ساعة حتى ظن من حضر من أهله أنه قد مضى، ثم أفاق وهو يقول: لبيكما لبيكما، هأنذا لديكما، لا برئ فأعتذر، ولا قوى فأنتصر.
ثم إنه بقى يحدث من حضره ساعة، ثم أغمى عليه مثل المرتين الأوليين، حتى يئسوا من حياته، وأفاق وهو يقول: لبيكما لبيكما، هأنذا لديكما محفوف بالنعم، محفوظ من الريب:
إن تغفر الله تغفر جما .... وأي عبدٍ لك لا ألما
ثم أقبل على القوم، فقال: قد جاء وقتي، فكونوا في أهبتي، وحدثهم قليلا، ثم يئس القوم من موته، وأنشأ يقول:
كل عيشٍ وإن تطاول دهراً ... قصره مرةً إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما إن بدا لي ... في رؤوس الجبال أرعى الوعولا
اجعل الموت نصب عينيك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولا
ثم قضى نحبه، ولم يؤمن بالنبي عليه السلام.
قال محمد بن إبراهيم الكاتب، دخلنا على أبي نواس نعوده في مرضه الذي مات فيه، ومعنا صالح بن علي الهاشمي، فقال له صالح: تب إلى الله يا أبا علي؛ فإنك في أول يوم من أيام الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا، وبينك وبين الله هنات.
فقال: أسندوني. فأسندوه،
فقال: إياي تخوف الله؟ قد حدثني حماد بن سلمة، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"، أتراني لا أكون منهم؟
وقد حدثني حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله، فإن حسن الظن بالله ثمن الجنة".
ورآه بعض إخوانه بعد موته بأيام في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لي بأبيات قلتها، وهي الآن تحت وسادتي.
فنظروا وإذا برقعة تحت وسادته في بيته فيها مكتوب:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظمُ
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يدعو إليه المجرمُ
أدعوك رب كما أمرت تضرعاً ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحمُ
مالي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل ظني ثم أني مسلمُ
حدث محمد بن يعقوب البزاز: كنت جارا لأبي نواس، فعدته في مرضه الذي مات فيه، ودخل عليه طبيب نصراني اسمه سعيد، فنظر إليه ووصف له دواء يعلله به، ثم خرج وخرجت بخروجه، فغمزني وقال: مرهم لا يعذبوه بالدواء؛ فإنه الساعة يموت،
فرجعت إليه فقال: سألتك بالله ما قال لك النصراني، فإني رأيته قد غمزك؟
فقلت: ما عسى أن يقول؟!
فقال: أقسمت عليك لما أخبرتني.
فأخبرته، فرفع عينيه إلى السماء، وسالت دموعه على خديه، وقال:
يا رب إني لم أزل ... في مثل حال السحره
حين استلاذوا بعرى ... الدين وكانوا كفره
فآمنوا يوماً ففا ... زوا بثواب البرره
ولم أزل مستشعر الــ ... إيمان ياذا المقدره
فاغفر فإني منك أو ... لي منهم بالمغفره
ويروى أن آخر بيت قاله محمود الوراق في مرضه الذي مات فيه:
إن ظني بحسن عفوك يا رب ... جميل وأنت مالك أمري
صنت سري عن القرابة والأهل ... جميعاً وأنت موضع سري
ثقة بالذي لديك من السر ... فلا تخزني به يوم نشري
يوم هتك الستور عن حجب الغيب ... فلا تهتكن للناس ستري
من كتاب بهجة المجالس لابن عبد البر القرطبى / الفصل الأخير ( باب من كلام المحتضرين )
الموسوعة الشعرية
ملحوظة : ربما تجد صعوبة فى فهم بعض معانى النصوص وعليك بالاستفسار عما تحب
جزاكم الله خيرا