عباس بن فرناس - أبو الطيران ومبتكر القبة السماوية
بقلم:دكتور ماهر نوفل
وضع رواد الفكر والعلم الاسلامى الأول فى الاندلس فى بداية القرن الثالث الهجرى / التاسع الميلادى أساسا متينا للحضارة الاسلامية والانسانية بما قدموه فى مجالات العلم والفلسفة والفن والأدب. ومن هؤلاء الرواد المسلمين الذين أنجبتهم الأندلس فى بداية الربع الثانى من القرن الثالث الهجرى العالم الموسوعة أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس القرطبى والذى عاصر الأمراء الثلاثة: الحكم بن هشام وعبد الرحمن بن الحكم ومحمد بن عبد الرحمن 180-274هـ /796-887م حيث مارس نشاطه العلمى والفكرى وقام بتجاربه فى جو من الحرية والتشجيع لم يوجد فى عصر آخر وهذا المناخ هو الذى أفرز علماء الأندلس المسلمين وأفذاذها الذين استطاعوا تحقيق أروع الكشوفات فى ميادين العلوم التجريبية ومهدوا الطريق للأجيال اللاحقة من علماء العصر الحديث.
ويعرف العرب والمسلمون الآن العالم المسلم الأندلسى عباس بن فرناس بمحاولته الطيران فقط بل أن الغرب قد يحاول تجاهله والقليل من الجهال قد يصفه بالخيال الزائد ولم يف التاريخ قدر هذا العالم الموسوعة والذى يجب أن يذكره القاصى والدانى بما هو أهله فهو حكيم الأندلس كما قال إبن حيان القرطبى وذلك لاشتغاله بالفلسفة واهتمامه بأدواتها وابداعه فى موضوعات الفلسفة اليونانية والأسلامية حيث أتقن اللغة اليونانية فترجم عنها الى اللغة العربية الكثير من الكتب اليونانية مما ترك أثرا كبيرا فى الحياة الفكرية وأبدع عباس بن فرناس فى فنون التعاليم القديمة والحديثة وتتبع أصولها وإشاعة مفاهيمها وهناك ذكر كثير فى المخطوطات الاندلسية عن أنشطة عباس بن فرناس فى جوانب الحكمة والفلسفة والرياضات والطب بجانب علم الفلك الذى برع فيه والكيمياء والهندسة والعمارة.
عباس بن فرناس أبو الطيران:
منذ القدم والانسان ينظر فى الفضاء ويحلم بالطيران مثل الطيور ولكنه لم يجرؤ على التجربة بل إن أحلام الانسان فشلت فى الوصول أبعد من ذلك فألف الاساطير التى تحكى عن عن محاولات الطيران ولكن عباس بن فرناس بدأ التفكير والدراسة لتحقيق حلم البشرية فى الطيران وبدأ بدراسة حركات الطيور وصمم على التجربة وللأمانة العلمية المفقودة فى عصرنا الحديث قرر التجربة على نفسه وبنفسه فلقد كان عباس بن فرناس رائدا لأول محاولة حقيقية فى التاريخ البشرى للطيران حيث بدأ يضع خطواته باتجاه ذلك بدراسة طيران الطيور وتركيب اجسامها وحركاتها كما قام بعمل بعض تجارب الانزلاق على بعض الهضاب ولقد كرر تجاربه ولا شك أن ذلك كان لخلفياته العلميه وأفقه الواسع ولقد كان علم الفلك الذى برع فيه أساسا لتك المحاولات وكان عباس بن فرناس يسعى دائما لإقران النظرية العلمية بالعمل وذلك لكشف بعض أسرار هذا الكون ودراستها ومحاولة التعرف على عناصره للاستفادة منها وتسخيرها لصالح الانسان. ويقال أن محاولته الشهيرة للطيران استعان فيها بجناحى طائر كبير ربطهما الى زراعيه بشرائط رقيقة من الحرير وصعد الى قمة مئذنة مسجد كبير (جامع قرطبة) وقذف نفسه فى الجو محاولا الطيران ولكنه سقط على الأرض وأصيب إصابة بالغة إنكسرت فيها أحد فقار ظهره السفلى ولزم الفراش شهورا طويلة حتى برأ من إصابته ولكن محاولته الطيران أعتبرت نصرا للبشرية وفتحا كبيرا لآمال عريضة فى مستقبل الطيران واستغلال السماء فهى أول محاولة عملية لإنسان للطيران وأنه أول طيار أخترق الجو وتلك التجربة شجعت الكثير من العلماء من بعد لمزيد من الدراسة والتجربة حتى تحقق حلم البشرية بالطيران فى الجو وما زالت تجربة عباس بن فرناس مرجعا يذكره كل من يطرق المجال الطيران.
ويقال أنه بنى أول نموذج لطائرة أو آلة للطيران صنعها بنفسه من القماش والريش وتتكون من عكوس وزوايا مركبة بعضها بالبعض وتتحرك بتأثير الحركات المركزية ثم صعد بها أو تركها للهواء ليحملها قليلا ويذكر بعض كتاب ذلك العصر أنها طارت قليلا.
عباس بن فرناس عالم الفلك:
اهتم عباس بن فرناس بعلم الفلك والنجوم وطلب من الامير اعطائه الدفتر وهو تقويم فلكى فيه رموز واصطلاحات علم النجوم ودرسها وبرع فيها ومزاولته لهبصورة علمية لفتت له الأنظار ولم يكتف بذلك بلا ابتكر لأول مرة القبة السماوية كما نعرفها الآن فلقد صنع فى سقف بيته هيئة السماء وخيل للناظر فيها النجوم والغيوم والبرق والرعد واستطاع أن يحدث فيها ظواهر الرعد والبرق وسقوط رذاذات من الماء على هيئة مطر بطرق آلية ربما بواسطة بعض الادوات والآلات التى انتهى من صنعها ووضعها فى أماكن معينة من القبة التى أجرى فيها تجربته العظيمة ومثلها كهيئة السماء فيها الأفلاك والنجوم والسحب ولعل ما قام به هو دراسة نظرية تجريبية تطبيقية لعلم وعمليات الأرصاد الجوية والظواهر الطبيعية ولحساب حركة الكواكب والنجوم والتأكد من كفاءة ابتكاراته وآلاته فى مجال الفلك مثل آلته الشهيرة "ذات الحلق". ولقد لاقت شهرة كبيرة فى وقتها حتى أنها اصبحت معرضا وأن الناس كانوا يفدون لرؤيتها. وأشار إليها الشعراء فلقد قال الشاعر الأندلسى مؤمن بن سعيد:
وسماء عباس الأديب أبى القاسم ناهيـــك حســـن رائقـــها
عباس بن فرناس مخترعا:
لم يكتف عباس بن فرناس بالدراسة النظرية فقط ولكنه اهتم كثيرا بالتطبيق والناحية العملية وكانت قبته السماوية خير مثال لذلك. وأخباره كثيرة ومتصلة فى الابتكار والكشوف فى ميادين العلوم التطبيقية والتجريبية وكانت هذه النشاطات العلمية تقوم فى الغالب على استنباط الحكمة الرياضية وأصولها التى تتجسد فى علم العدد وعلم الهندسة وعلم الهيئة وعلم الموسيقى وانتهت تجاربه الى اختراع عدد من الآلات الرياضية والفلكية والتى تميزت بالدقة والابتكار ومنها الآلة التىعرفت " بذات الحلق" لرصد الكواكب السيارة والنجوم والقمر فى الليل أو لرصد الشمس فى النهار. والآلة تتكون من حلقات عدة قد تصل الى ستة سبعة حلقات ويبلغ قطر الواحدة منها حوالى ثلاثة أمتار ونصف المتر متداخلة وفى وسطها كرة معلقة تمثل حركة الكواكب السيارة ويتبين من عملها أن سطوح أشعة الشمس أو القمر يجعل الحلق الذى ركب فيها يتخذ أوضاعا معينة تنعكس على الكرة التى بداخلها فى الليل حيث يمكن رصد النجوم والكواكب فى مواضعها وفى النهار يمكن مراقبة الشمس وقياس الظل.
كما اخترع عباس بن فرناس آلة لقياس الزمن ولمعرفة الأوقات وخاصة أوقات الصلاة وسماها "الميقاتة". والآلة تعتمد على الظل وقياس درجاته وزواياه وحساب الدرجات والدقائق والثوانى فى النهار حيث قسم شكلها الدائرى الى مسافات متساوية كما هو مفهوم الساعة فى الوقت الحاضر. أما الليل المظلم فإن عملها يختلف وعملها ربما كان يعتمد على حساب الدرجات التى قسمت اليها. وقد تعتبر أساسا للساعة الشمسية وأساسا لاختراع الساعة المائية الأعجوبة.
ومن مخترعات عباس بن فرناس ما شابه القلم الحبر وهو آلة اسطوانية الشكل تستخدم للكتابة والخط وتغذى بالحبر فكان واضحا وأفاد النساخ والكتاب حيث سهل مهمتهم فى الكتابة والنسخ ووفر عليهم مؤونة حمل الأقلام والمحابر أينما ذهبوا. وهذه الآلة هى بمثابة قلم الحبر المعروف فى الوقت الحالى. وبذلك يكون عباس بن فرناس قد سبق مخترعى الأقلام الحديثة بمئات السنين. وأوجد هذه الآلة التى تشكل أهمية كبرى فى نشر العلم والمعرفة والثقافة على نطاق واسع. كما انه ابتكر كثير من الادوات التى اعانته فى ىتنفيذ افكاره وابتكاراته. ويقال أنه ابتكر أشياء طريفة عجيبة وكثيرة ولكن تفاصيلها فقدت آثارها. فيشير أبو بكر الزبيدى: "الى أنه كان من أهل الذكاء والتقحم على المعانى الدقيقة والصناعة اللطيفة." كما يذكر ابن حيان : "أبدع إبداعات لطيفة واختراعات عجيبة."
عباس بن فرناس عالم الكيمياء
برع عباس بن فرناس منذ صغره فنسب اليه عمل الكيمياء ومزاولته للكيمياء العملية والصناعية الى جانب توسعه النظرى والالمام بفنونها وقوانينها. ولقد طبق كثير مما عرف فيما بعد بعلم المعالجات الحرارية للمعادن. ولقد قام باجراء التجارب الكيميائية بالطرق والوسائل العلمية كما جعل من احدى حجرات بيته معملا ومختبرا لتجاربه وزوده بالادوات والآلات اللازمة لهذا الغرض كما استعمل النار لاحداث درجات الحرارة لغرض تسخين العناصر والمعادن المختلفةأو لتبخيرها أو صهرها أو اذابتها. كما أنه أول من استنبط صناعة الزجاج من الحجارة فى الأندلس ولقد كانت طريقته مختلفة عما كانت تستخدم فى صناعة الزجاج فى البلاد الأخرى وكان درجة شفافيته عالية. كما عمل ابن فرناس فى ميدان السبائك والصب والصياغة للمعادن النفيسة كما برعفى استخدامها فى الزرفة والكتابة والغريب أن بعض العامة وصفوه لذلك بالزندقة وتعاطى السحر. ولكن كتاب العصر الاندلسى اعترفوا بفضله وجهوده واضافاته العلمية.
عباس بن فرناس المهندس والمعمارى
ولم يكتف العالم عباس بن فرناس بما تقدم ولكن مواهبه تعددت الى أكثر من ذلك بكثير حيث وصفه البعض بأنه الأوحد فى زمانه فى العلوم والفنون فقد جاء ما يشير الى تقدمه على رجال عصره وما أعظمه من عصر بغزارة علمه وتعدد أدواته وفنونه ولقد اشتهر فى ميدان العمارة والهندسة بنافوراته الجميلة والعجيبة. فلقد طرق فنون العمارة وخاصة فى النحت واقامة النصب وصنع نافورات المياه وكان المخطط الرئيسى لاقامة التماثيل والنحوت والصور والنافورات فى قصور الامراء والوزراء وعلية القوم فى عهده وفى منياتهم ومنتزهاتهم والموجه للبنائين والنجارين والعمال.
وهذا العالم العظيم عباس بن فرناس والذى عاش عمرا مديدا قارب التسعون عام عرف أيضا بعلمه باللغة والشعر حيث أنه من أدخل العروض فى الاندلس وغلب على شعره الغناء والمدح مع علمه الغزير بألوان الموسيقى وأدواتها. ولقد وصف فىكتاب "طبقات النحويين واللغويين" بأنه "فحل الشعراء الحنذيذ" وأنه "كبيرالجماعة" من الشعراء والادباء. فيا له من عالم ليس أقل من أن يوصف بأنه العالم الموسوعة ويجب أن يتذكره الجميع بما هو أهله.
بقلم:دكتور ماهر نوفل
وضع رواد الفكر والعلم الاسلامى الأول فى الاندلس فى بداية القرن الثالث الهجرى / التاسع الميلادى أساسا متينا للحضارة الاسلامية والانسانية بما قدموه فى مجالات العلم والفلسفة والفن والأدب. ومن هؤلاء الرواد المسلمين الذين أنجبتهم الأندلس فى بداية الربع الثانى من القرن الثالث الهجرى العالم الموسوعة أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس القرطبى والذى عاصر الأمراء الثلاثة: الحكم بن هشام وعبد الرحمن بن الحكم ومحمد بن عبد الرحمن 180-274هـ /796-887م حيث مارس نشاطه العلمى والفكرى وقام بتجاربه فى جو من الحرية والتشجيع لم يوجد فى عصر آخر وهذا المناخ هو الذى أفرز علماء الأندلس المسلمين وأفذاذها الذين استطاعوا تحقيق أروع الكشوفات فى ميادين العلوم التجريبية ومهدوا الطريق للأجيال اللاحقة من علماء العصر الحديث.
ويعرف العرب والمسلمون الآن العالم المسلم الأندلسى عباس بن فرناس بمحاولته الطيران فقط بل أن الغرب قد يحاول تجاهله والقليل من الجهال قد يصفه بالخيال الزائد ولم يف التاريخ قدر هذا العالم الموسوعة والذى يجب أن يذكره القاصى والدانى بما هو أهله فهو حكيم الأندلس كما قال إبن حيان القرطبى وذلك لاشتغاله بالفلسفة واهتمامه بأدواتها وابداعه فى موضوعات الفلسفة اليونانية والأسلامية حيث أتقن اللغة اليونانية فترجم عنها الى اللغة العربية الكثير من الكتب اليونانية مما ترك أثرا كبيرا فى الحياة الفكرية وأبدع عباس بن فرناس فى فنون التعاليم القديمة والحديثة وتتبع أصولها وإشاعة مفاهيمها وهناك ذكر كثير فى المخطوطات الاندلسية عن أنشطة عباس بن فرناس فى جوانب الحكمة والفلسفة والرياضات والطب بجانب علم الفلك الذى برع فيه والكيمياء والهندسة والعمارة.
عباس بن فرناس أبو الطيران:
منذ القدم والانسان ينظر فى الفضاء ويحلم بالطيران مثل الطيور ولكنه لم يجرؤ على التجربة بل إن أحلام الانسان فشلت فى الوصول أبعد من ذلك فألف الاساطير التى تحكى عن عن محاولات الطيران ولكن عباس بن فرناس بدأ التفكير والدراسة لتحقيق حلم البشرية فى الطيران وبدأ بدراسة حركات الطيور وصمم على التجربة وللأمانة العلمية المفقودة فى عصرنا الحديث قرر التجربة على نفسه وبنفسه فلقد كان عباس بن فرناس رائدا لأول محاولة حقيقية فى التاريخ البشرى للطيران حيث بدأ يضع خطواته باتجاه ذلك بدراسة طيران الطيور وتركيب اجسامها وحركاتها كما قام بعمل بعض تجارب الانزلاق على بعض الهضاب ولقد كرر تجاربه ولا شك أن ذلك كان لخلفياته العلميه وأفقه الواسع ولقد كان علم الفلك الذى برع فيه أساسا لتك المحاولات وكان عباس بن فرناس يسعى دائما لإقران النظرية العلمية بالعمل وذلك لكشف بعض أسرار هذا الكون ودراستها ومحاولة التعرف على عناصره للاستفادة منها وتسخيرها لصالح الانسان. ويقال أن محاولته الشهيرة للطيران استعان فيها بجناحى طائر كبير ربطهما الى زراعيه بشرائط رقيقة من الحرير وصعد الى قمة مئذنة مسجد كبير (جامع قرطبة) وقذف نفسه فى الجو محاولا الطيران ولكنه سقط على الأرض وأصيب إصابة بالغة إنكسرت فيها أحد فقار ظهره السفلى ولزم الفراش شهورا طويلة حتى برأ من إصابته ولكن محاولته الطيران أعتبرت نصرا للبشرية وفتحا كبيرا لآمال عريضة فى مستقبل الطيران واستغلال السماء فهى أول محاولة عملية لإنسان للطيران وأنه أول طيار أخترق الجو وتلك التجربة شجعت الكثير من العلماء من بعد لمزيد من الدراسة والتجربة حتى تحقق حلم البشرية بالطيران فى الجو وما زالت تجربة عباس بن فرناس مرجعا يذكره كل من يطرق المجال الطيران.
ويقال أنه بنى أول نموذج لطائرة أو آلة للطيران صنعها بنفسه من القماش والريش وتتكون من عكوس وزوايا مركبة بعضها بالبعض وتتحرك بتأثير الحركات المركزية ثم صعد بها أو تركها للهواء ليحملها قليلا ويذكر بعض كتاب ذلك العصر أنها طارت قليلا.
عباس بن فرناس عالم الفلك:
اهتم عباس بن فرناس بعلم الفلك والنجوم وطلب من الامير اعطائه الدفتر وهو تقويم فلكى فيه رموز واصطلاحات علم النجوم ودرسها وبرع فيها ومزاولته لهبصورة علمية لفتت له الأنظار ولم يكتف بذلك بلا ابتكر لأول مرة القبة السماوية كما نعرفها الآن فلقد صنع فى سقف بيته هيئة السماء وخيل للناظر فيها النجوم والغيوم والبرق والرعد واستطاع أن يحدث فيها ظواهر الرعد والبرق وسقوط رذاذات من الماء على هيئة مطر بطرق آلية ربما بواسطة بعض الادوات والآلات التى انتهى من صنعها ووضعها فى أماكن معينة من القبة التى أجرى فيها تجربته العظيمة ومثلها كهيئة السماء فيها الأفلاك والنجوم والسحب ولعل ما قام به هو دراسة نظرية تجريبية تطبيقية لعلم وعمليات الأرصاد الجوية والظواهر الطبيعية ولحساب حركة الكواكب والنجوم والتأكد من كفاءة ابتكاراته وآلاته فى مجال الفلك مثل آلته الشهيرة "ذات الحلق". ولقد لاقت شهرة كبيرة فى وقتها حتى أنها اصبحت معرضا وأن الناس كانوا يفدون لرؤيتها. وأشار إليها الشعراء فلقد قال الشاعر الأندلسى مؤمن بن سعيد:
وسماء عباس الأديب أبى القاسم ناهيـــك حســـن رائقـــها
عباس بن فرناس مخترعا:
لم يكتف عباس بن فرناس بالدراسة النظرية فقط ولكنه اهتم كثيرا بالتطبيق والناحية العملية وكانت قبته السماوية خير مثال لذلك. وأخباره كثيرة ومتصلة فى الابتكار والكشوف فى ميادين العلوم التطبيقية والتجريبية وكانت هذه النشاطات العلمية تقوم فى الغالب على استنباط الحكمة الرياضية وأصولها التى تتجسد فى علم العدد وعلم الهندسة وعلم الهيئة وعلم الموسيقى وانتهت تجاربه الى اختراع عدد من الآلات الرياضية والفلكية والتى تميزت بالدقة والابتكار ومنها الآلة التىعرفت " بذات الحلق" لرصد الكواكب السيارة والنجوم والقمر فى الليل أو لرصد الشمس فى النهار. والآلة تتكون من حلقات عدة قد تصل الى ستة سبعة حلقات ويبلغ قطر الواحدة منها حوالى ثلاثة أمتار ونصف المتر متداخلة وفى وسطها كرة معلقة تمثل حركة الكواكب السيارة ويتبين من عملها أن سطوح أشعة الشمس أو القمر يجعل الحلق الذى ركب فيها يتخذ أوضاعا معينة تنعكس على الكرة التى بداخلها فى الليل حيث يمكن رصد النجوم والكواكب فى مواضعها وفى النهار يمكن مراقبة الشمس وقياس الظل.
كما اخترع عباس بن فرناس آلة لقياس الزمن ولمعرفة الأوقات وخاصة أوقات الصلاة وسماها "الميقاتة". والآلة تعتمد على الظل وقياس درجاته وزواياه وحساب الدرجات والدقائق والثوانى فى النهار حيث قسم شكلها الدائرى الى مسافات متساوية كما هو مفهوم الساعة فى الوقت الحاضر. أما الليل المظلم فإن عملها يختلف وعملها ربما كان يعتمد على حساب الدرجات التى قسمت اليها. وقد تعتبر أساسا للساعة الشمسية وأساسا لاختراع الساعة المائية الأعجوبة.
ومن مخترعات عباس بن فرناس ما شابه القلم الحبر وهو آلة اسطوانية الشكل تستخدم للكتابة والخط وتغذى بالحبر فكان واضحا وأفاد النساخ والكتاب حيث سهل مهمتهم فى الكتابة والنسخ ووفر عليهم مؤونة حمل الأقلام والمحابر أينما ذهبوا. وهذه الآلة هى بمثابة قلم الحبر المعروف فى الوقت الحالى. وبذلك يكون عباس بن فرناس قد سبق مخترعى الأقلام الحديثة بمئات السنين. وأوجد هذه الآلة التى تشكل أهمية كبرى فى نشر العلم والمعرفة والثقافة على نطاق واسع. كما انه ابتكر كثير من الادوات التى اعانته فى ىتنفيذ افكاره وابتكاراته. ويقال أنه ابتكر أشياء طريفة عجيبة وكثيرة ولكن تفاصيلها فقدت آثارها. فيشير أبو بكر الزبيدى: "الى أنه كان من أهل الذكاء والتقحم على المعانى الدقيقة والصناعة اللطيفة." كما يذكر ابن حيان : "أبدع إبداعات لطيفة واختراعات عجيبة."
عباس بن فرناس عالم الكيمياء
برع عباس بن فرناس منذ صغره فنسب اليه عمل الكيمياء ومزاولته للكيمياء العملية والصناعية الى جانب توسعه النظرى والالمام بفنونها وقوانينها. ولقد طبق كثير مما عرف فيما بعد بعلم المعالجات الحرارية للمعادن. ولقد قام باجراء التجارب الكيميائية بالطرق والوسائل العلمية كما جعل من احدى حجرات بيته معملا ومختبرا لتجاربه وزوده بالادوات والآلات اللازمة لهذا الغرض كما استعمل النار لاحداث درجات الحرارة لغرض تسخين العناصر والمعادن المختلفةأو لتبخيرها أو صهرها أو اذابتها. كما أنه أول من استنبط صناعة الزجاج من الحجارة فى الأندلس ولقد كانت طريقته مختلفة عما كانت تستخدم فى صناعة الزجاج فى البلاد الأخرى وكان درجة شفافيته عالية. كما عمل ابن فرناس فى ميدان السبائك والصب والصياغة للمعادن النفيسة كما برعفى استخدامها فى الزرفة والكتابة والغريب أن بعض العامة وصفوه لذلك بالزندقة وتعاطى السحر. ولكن كتاب العصر الاندلسى اعترفوا بفضله وجهوده واضافاته العلمية.
عباس بن فرناس المهندس والمعمارى
ولم يكتف العالم عباس بن فرناس بما تقدم ولكن مواهبه تعددت الى أكثر من ذلك بكثير حيث وصفه البعض بأنه الأوحد فى زمانه فى العلوم والفنون فقد جاء ما يشير الى تقدمه على رجال عصره وما أعظمه من عصر بغزارة علمه وتعدد أدواته وفنونه ولقد اشتهر فى ميدان العمارة والهندسة بنافوراته الجميلة والعجيبة. فلقد طرق فنون العمارة وخاصة فى النحت واقامة النصب وصنع نافورات المياه وكان المخطط الرئيسى لاقامة التماثيل والنحوت والصور والنافورات فى قصور الامراء والوزراء وعلية القوم فى عهده وفى منياتهم ومنتزهاتهم والموجه للبنائين والنجارين والعمال.
وهذا العالم العظيم عباس بن فرناس والذى عاش عمرا مديدا قارب التسعون عام عرف أيضا بعلمه باللغة والشعر حيث أنه من أدخل العروض فى الاندلس وغلب على شعره الغناء والمدح مع علمه الغزير بألوان الموسيقى وأدواتها. ولقد وصف فىكتاب "طبقات النحويين واللغويين" بأنه "فحل الشعراء الحنذيذ" وأنه "كبيرالجماعة" من الشعراء والادباء. فيا له من عالم ليس أقل من أن يوصف بأنه العالم الموسوعة ويجب أن يتذكره الجميع بما هو أهله.