رحيق مختوم
Member
اَلْحَمْدُ لِلِه ثُمَّ الْحَمْدُ لِله، اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي اَنَارَ قُلُوبَ عِبَادِهِ بِنُورِ الْاِسْلَامِ، وَاَنَارَ عُقُولَهُمْ بِالْاِيمَانِ؟ لِيُمَيِّزُوا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَسْاَلُهُ اَنْ نَقُومَ بِمَا خَلَقَنَا اللهُ تَعَالَى مِنْ اَجْلِهِ؟ لِنُؤَدِّيَ رِسَالَةَ اللهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْاَرْضِ الْمَنْكُوبَة، وَنَسْتَفْتِحُ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ: رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَاِلَيْكَ اَنَبْنَا وَاِلَيْكَ الْمَصِير، رَبَّنَا لَاتُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ اِذْ هَدَيْتَنَا ، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً اِنَّكَ اَنْتَ الْوَهَّاب ، رَبَّنَا اِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَارَيْبَ فِيهِ، اِنَّ اللهَ لَايُخْلِفُ الْمِيعَاد، وَاَشْهَدُ اَنْ لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ، اَلْحَكِيمُ فِي خَلْقِهِ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الَّذِي اَرْسَلَهُ رَبُّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَة، اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، وَعَلَى اَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَآَلِهِ وَاَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَدْيِهِ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ اِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيماً كَثِيراً يَا رَبَّ الْعَالَمِين، اَمَّا بَعْدُ عِبَادَ الله: اَيُّهَا الْاِنْسَان: لَكَ عَدُوٌّ لَايُفَارِقُكَ اَبَداً، وَلَكَ اِلَهٌ خَلَقَكَ، وَصَوَّرَكَ، وَرَزَقَكَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَفَضَّلَكَ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلَا، فَاَنْتَ اَخِي الْاِنْسَانُ: اِمَّا اَنْ تَتَّخِذَ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُون ِاللهِ: وَهَذَا هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ، وَاِمَّا اَنْ تَتَّخِذَ اللهَ وَلِيّاً: فَذَلِكَ هُوَ الرِّبْحُ الْعَظِيم، نَعَمْ اَخِي الْاِنْسَان: نَعَمْ اَخِي الْجَانّ: يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ سُورَةِ النِّسَاء{اِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ اِلَّا اِنَاثاً، وَاِنْ يَدْعُونَ اِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللهُ، وَقَالَ: لَاَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضَا، وَلَاُضِلَّنَّهُمْ، وَلَاُمَنِّيَنَّهُمْ، وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْاَنْعَامِ، وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ، وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللهِ، فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً، يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَايَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ اِلَّا غُرُوراً، اُولَئِكَ مَاْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَايَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصَا( صَدَقَ اللهُ الْعَظِيم، نَعَمْ اَخِي: اَلْوَثَنِيَّةُ اَخَذَتْ اَشْكَالاً مُتَعَدِّدَةً عَبْرَ التَّارِيخِ الْبَشَرِيِّ، وَاَمَّا فِي جَاهِلِيَّةِ الْعَرَبِ: فَكَانَتِ الْوَثَنِيَّةُ اَصْنَاماً تُعْبَدُ تَقَرُّباً اِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا زَعَمَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ حِينَمَا قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ{مَانَعْبُدُهُمْ اِلَّا لِيُقَرِّبُونَا اِلَى اللهِ زُلْفَى(فَيَنْزِلُ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ{اِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ اِلَّا اِنَاثاً(وَيَعْنِي بِذَلِكَ سُبْحَانَهُ: اَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ هَذِهِ الْاَصْنَام، نعم اخي: وَالْعَرَبُ كَانَتْ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ ضَعِيفٍ وَتَصِفُهُ بِاَنَّهُ اُنْثَى، نَعَمْ اَخِي: كُلُّ شَيْءٍ ضَعِيفٍ فِي نَظَرِ هَؤُلَاءِ يُسَمُّونَهُ بِالْاُنْثَى، اَوِ الْاُنْثَى هُنَا بِمَعْنَى اَنَّ هَؤُلَاءِ كَانَتْ اَصْنَامُهُمْ اَسْمَاؤُهَا مُؤَنَّثَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ{اَفَرَاَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْاُخْرَى، اَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْاُنْثَى، تِلْكَ اِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى(نعم اخي: اَوْ اِنَاثاً هُنَا بِمَعْنَى: اَنَّهُمْ كَانُوا يُزَيِّنُونَ هَذِهِ الْاَصْنَامَ كَمَا تُزَيَّنُ النِّسَاءُ، نَعَمْ اَخِي: فَهَؤُلَاءِ اَخَذَ الشَّيْطَانُ عَلَى نَفْسِهِ مُعْلناً عَلَيْهِمْ وَعَلَى خَالِقِهِمْ مِنْ قَبْلُ عَهْداً عَدَائِيّاً حَرْبِيّاً عَلَى اَنْ يَتَّخِذَ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللهِ الْبَشَرِيَّةِ{نَصِيباً مَفْرُوضَا(أَيْ نَصِيباً مُعَيَّناً مُحَدَّداً يَفْرِضُ عَلَيْهِ اَنْ يَسْتَسْلِمَ لِغِوَايَتِهِ وَكَيْدِهِ الضَّعِيفِ وَيَتَّبِعُهُ؟ لِيَكُونَ قَائِداً لَهُمْ اِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِير، نَعَمْ اَخِي: وَالشَّيْطَانُ مَخْلُوقٌ ضَعِيفٌ، وَالْمَرْاَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ الْمُلْتَزِمَة بِآَدَابِ الْاِسْلَامِ: كَذَلِكَ مَخْلُوقٌ ضَعِيفٌ، وَلَكِنَّ كَيْدَهُمْا وَلَوْ كَانَ ضَعِيفاً، فَاِنَّهُ كَيْدٌ عَظِيمٌ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ يَجْلِبُ عَذَاباً عَظِيماً لِمَنْ لَايُجَاهِدُ نَفْسَهُ ضِدَّ غِوَايَتِهِمَا لِمَاذَا؟ لِاَنَّ هَذَا الْجِهَادَ لَايُكَلِّفُهُ كَثِيراً مِنَ الْعَنَاءِ، بَلْ يَسْتَطِيعُ التَّغَلُّبَ عَلَى كَيْدِهِمَا بِسُهُولَةٍ، وَلَكِنَّهُ اخْتَارَ اَنْ يَسْتَسْلِمَ لِكَيْدٍ مِنْ {جَهَنَّمَ مُحِيطَةٍ بِالْكَافِرِينَ(وَمَافِيهَا مِنْ كَيْدِ الشَّهَوَاتِ الْمُحِيطَةِ بِهَا جَاذِبَةً اِيَّاهُ بِقُوَّةٍ وَشِدَّةٍ لَامَثِيلَ لَهَا* (كَمَا يَجْذُبُ ضَوْءُ النَّارِ الْمُمْتِعِ الْبَعُوضَ( *اِلَى مَافِيهَا مِنَ الْعَنَاءِ وَالْمُعَانَاةِ الَّتِي لَنْ يَسْتَطِيعَ اَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَيْهِ مَهْمَا صَبَرَ عَلَى عَذَابِهَا: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى نَقْلاً عَنْ مُعَانَاةِ اَهْلِ جَهَنَّمَ{سَوَاءٌ عَلَيْنَا اَجَزِعْنَا اَمْ صَبَرْنَا مَالَنَا مِنْ مَحِيصٍ(أَيْ مَهَرَبٍ{ اِصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا اَوْ لَاتَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ( نَعَمْ اَخِي: فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ{شَيْطَاناً مَرِيداً( أَيْ مُتَمَرِّداً عَلَى اللِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نَعَمْ اَخِي: فَهَؤُلَاءِ وَظِيفَةُ الشَّيْطَانِ مَعَهُمْ اَنَّهُ يُضِلُّهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ اِلَى اَنْ قَالَ سُبْحَانَهُ{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ(أَيْ يُبَدِّلُنَّ{خَلْقَ اللهِ(نَعَمْ اَخِي: وَهُنَا وَقْفَةٌ لَابُدَّ مِنْهَا عِنْدَ هَذَا الْجُزْءِ مِنَ الْآَيَةِ الْكَرِيمَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى نَقْلاً عَنْ لِسَانِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَجُرْاَتِهِ الْوَقِحَةِ وَجُرْاَةِ اَتْبَاعِهِ الْاَوْقَحِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ مِمَّا لَامَثِيلَ لَهُ عَلَى اللهِ{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله( نَعَمْ اَخِي: لَوْ سَاَلْنَا هَذَا السُّؤَال: هَلْ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى شَيْئاً عَبَثاً؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: مَعَاذَ اللهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ{اَفَحَسِبْتُمْ اَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَاَنَّكُمْ اِلَيْنَا لَاتُرْجَعُون{وَمَاخَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْاَرْضَ وَمَابَيْنَهُمَا بَاطِلاً(أَيْ عَبَثاً{ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّار( نَعَمْ اَخِي: اِنَّهُ تَغْيِيرُ خَلْقِ الله، نَعَمْ اَخِي: فَكُلُّ اِنْسَانٍ اَوْ كُلُّ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى لِغَايَة، نَعَمْ اَخِي: وَالْاِنْسَانُ الْعَاقِلُ لَايَفْعَلُ شَيْئاً اِلَّا اِذَا كَانَ لَهُ غَايَةٌ فِي هَذَا الْفِعْلِ، فَفِي الْمَجَالِ الصِّنَاعِيِّ مَثَلاً: اِسْتُحْدِثَتِ الْغَسَّالَةُ الْكَهْرَبَائِيَّةُ، فَمَاهِيَ غَايَةُ صَانِعِهَا؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اَنْ يُرِيحَ النِّسَاءَ مِنَ الْغَسْلِ بِالْيَدَيْنِ، وَاَنْ يَاْخُذَ سُمْعَةً اَوْ شُهْرَةً فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ، نَعَمْ اَخِي: فَهَذَا الصَّانِعُ فَعَلَ الشَّيْءَ لِغَايَةٍ، نَعَمْ اَخِي: وَحِينَمَا نَحْنُ نَسْتَعْمِلُ مِنَحَ اللهِ وَنِعَمَ اللهِ عَلَيْنَا لِمَا خُلِقَتْ لَهُ، فَاِنَّنَا لَا نَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْعُنْوَانِ وَهُوَ تَغْيِيرُ خَلْقِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يَعْلَمُ بِاَنَّهُ خُلِقَ لِغَايَةٍ، وَمَاهِيَ هَذِهِ الْغَايَةُ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى{وَمَاخَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنْسَ اِلَّا لَيَعْبُدُون( نَعَمْ :وَلَيْسَتِ الْعِبَادَةُ هُنَا كَمَا يَفْهَمُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اَنَّهَا مَقْصُورَةٌ عَلَى الشَّعَائِرِ مِنْ صَلَاةٍ، وَزَكَاةٍ، وَصَوْمٍ، وَحَجٍّ، نَعَمْ هَذِهِ اَرْكَانُ الْاِسْلَامِ، وَلَكِنَّ الْعِبَادَةَ لَاتَقِفُ عِنْدَ هَذَا الْمَعْنَى فَقَطْ، وَاِنَّمَا تَاْخُذُ مَعْنَاهَا الشُّمُولِيَّ، فَاَيَّةُ خِدْمَةٍ تُقَدِّمُهَا لِلْاِنْسَانِيَّةِ وَتَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاَنْتَ اَخِي هُنَا اَيْضاً عَابِدٌ نَاسِكٌ فِي مِحْرَابِ الْعِبَادَةِ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ: عَلَيْنَا اَنْ نَعْرِفَ قَدْرَنَا، وَاَنْ نَعْرِفَ قِيمَتَنَا، نَعَمْ اَخِي: اَللهُ تَعَالَى فَطَرَ الْاِنْسَانَ وَالْجَانَّ عَلَى الْفِطْرَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ، وَعَلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ{فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، لَاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ(فَمَا هِيَ هَذِهِ الْفِطْرَةُ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هِيَ الضِّيَاءُ الْاَوَّلِيُّ الَّذِي مَنَحَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْفِطْرَةِ الْاِنْسَانِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ؟ لِتَنْسَجِمَ مَعَ هَذَا الْكَوْنِ اِنْسِجَاماً مُتَعَاضِداً مُتَعَاوِناً وَلَيْسَ مُتَعَانِداً، وَلَامُتَخَاصِماً، وَلَا مُتَدَابِراً، وَلَا مُتَقَاتِلاً، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ الْكِرَام: لَكِنْ مَاالَّذِي يُغَيِّرُ هَذِهِ الْفِطْرَةَ السَّلِيمَة؟ مَاالَّذِي يُلَوِّثُهَا؟ نَعَمْ اَخِي: حِينَمَا يَنْحَرِفُ النَّاسُ عَنْ هَذِهِ الْفِطْرَةِ، وَحِينَمَا يَعِيشُونَ فِي مُجْتَمَعٍ فَاقِدٍ لِلتَّوْحِيدِ، وَفَاقِدٍ لِلْمُثُلِ، وَفَاقِدٍ لِلصِّفَاتِ الْاِنْسَانِيَّةِ الرَّائِعَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَنْحَرِفُ الْفِطْرَةُ، فَاِذَا انْحَرَفَتِ الْفِطْرَةُ، صَارَ هُنَاكَ تَضَادٌّ بَيْنَ طَبِيعَةِ الْاِنْسَانِ الَّتِي فَطَرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَبَيْنَ هَذَا التَّلَوُّثِ الْمَعْنَوِيِّ الْعَقَائِدِيِّ الْفَاقِدِ لِلتَّوْحِيدِ، وَبَيْنَ التَّلَوُّثِ الْمَعْنَوِيِّ الْخُلُقِيِّ الْفَاقِدِ لِلْقِيَمِ وَالْمُثُلِ الْعُلْيَا، وَبَيْنَ التَّلَوُّثِ فِي السُّلُوكِ اَيْضاً، قَبْلَ اَنْ يَكُونَ تَلَوُّثاً مَادِّيّاً فِي الْهَوَاءِ وَغَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَوْ نَشَاَ اِنْسَانٌ فِي مُجْتَمَعٍ، وَهَذَا الْمُجْتَمَعُ يُقَدِّرُ هَذِهِ الْقِيَمَ الْعَظِيمَةَ، نَعَمْ اَخِي: لَوْ نَشَاَ فِي مُجْتَمَعٍ لَايَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ فِي اَقْوَالِهِ، وَفِي اَفْعَالِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْشَاُ هَذَا النَّشْىءُ عَلَى الصِّدْقِ؟ لِاَنَّهُ يَعْلَمُ اَنَّ الصِّدْقَ فَضِيلَةٌ، وَاَنَّ الْكَذِبَ رَذِيلَة، نَعَمْ اَخِي: حِينَمَا يَكُونُ فِي مُجْتَمَعٍ آَمِنٍ مُطْمَئِنٍّ لَاتَمْتَدُّ يَدُهُ بِالْعُدْوَانِ عَلَى دِمَاءِ النَّاسِ، وَلَا عَلَى اَعْرَاضِ النَّاسِ، وَلَا عَلَى اَمْوَالِ النَّاسِ، فَاِنَّهُ يَعِيشُ فِي بِيئَةٍ طَيِّبَةٍ تَتَنَاسَبُ مَعَ الْفِطْرَةِ الْاِنْسَانِيَّةِ الْكَرِيمَة، نَعَمْ اَخِي: وَالْعَالَمُ فِي اَيَّامِنَا الْآَنَ يُعَانِي مِنْ اَمْرَاضٍ نَفْسِيَّةٍ، قَبْلَ اَنْ يُعَانِيَ مِنْ اَمْرَاضٍ عُضْوِيَّةٍ؟ بِسَبَبِ هَذَا التَّعَنُّتِ وَالتَّعَانُدِ مَعَ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ الَّتِي تَتَعَانَدُ اَيْضاً مَعَ هَذِهِ الشُّذُوذَاتِ الَّتِي تَسُودُ الْعَالَمَ الْاِنْسَانِيَّ مَعَ الْاَسَف، نَعَمْ اَخِي: اَللهُ تَعَالَى جَعَلَ الْاَرْضَ قَرَاراً لِلْاِنْسَانِ، وَهَذَا يَتَوَافَقُ وَيَنْسَجِمُ مَعَ فِطْرَةِ الْاِنْسَانِ السَّلِيمَةِ، لَكِنْ اِذَا تَغَيَّرَتِ الْاَرْضُ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ سَاكِنِيهَا فَانْقَلَبَ الْاَمْنُ اِلَى خَوْفٍ، وَانْقَلَبَتِ الطَّمَاْنِينَةُ اِلَى اضْطِّرَابٍ، فَهُنَا تَحْدُثُ الْمُضَادَّاتُ وَالتَّصَادُمَاتُ، وَهُنَا تَحْدُثُ الْاَمْرَاضُ، وَهُنَا يَحْدُثُ التَّعَانُدُ، وَهُنَا يَحْدُثُ التَّقَاتُلُ، وَلِذَلِكَ الْمُؤْمِنُ دَائِماً سَلِيمٌ فِي تَعَامُلِهِ مَعَ النَّاسِ جَمِيعاً، بَلْ وَمَعَ هَذَا الْكَوْنِ كُلِّهِ، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: فَالْمُجْتَمَعُ الَّذِي يَتَمَثَّلُ هَذِهِ الْمُثُلَ الْاِنْسَانِيَّةَ وَيَلْتَزِمُ بِهَا، فَاِذَا اَرَادَ اَنْ يَشُذَّ، فَاِنَّهُ يَشْعُرُ بِالْعَجْزِ، وَيَشْعُرُ بِالْعَارِ، فَاَنْتَ اَخِي الْاِبَاحِيُّ فِي الْبِلَادِ الْاِبَاحِيَّةِ، تَنْظُرُ اِلَى الْعَوْرَاتِ دُونَ اَنْ تَسْتَحِيَ مِنْ اَحَدٍ، وَرُبَّمَا دُونَ اَنْ تُفَرِّقَ فِي النَّظَرِ بَيْنَ زَوْجَتِكَ وَبَيْنَ اُخْتِكَ الْقَرِيبَةِ، اَوْ بَيْنَ اُخْتِكَ فِي الْاِنْسَانِيَّةِ اَوِ الدِّينِ وَالَّتِي لَاتَمُتُّ لَكَ بِصِلَةِ قَرَابَةٍ، وَرُبَّمَا تَنْظُرُ اِلَى هَذِهِ الْعَوْرَاتِ اَمَامَ النَّاسِ دُونَ اَنْ تَسْتَحُوا جَمِيعاً مِنْ اَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّاسِ، بَلْ دُونَ اَنْ يَسْتَحِيَ هَؤُلَاءِ النَّاسُ مِنْكُمْ اَيْضاً، بَلْ يُشَجِّعُونَكُمْ بِحَفْنَةٍ مِنَ الْمَالِ وَالدُّولَارَاتِ عَلَى مَزِيدٍ مِنَ الْاِبَاحِيَّةِ فِي الْبُيُوتِ وَالطُّرُقَاتِ وَالْاَمَاكِنِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، ضَارِبِينَ بِعُرْضِ الْحَائِطِ كُلَّ الْقِيَمِ وَالْمُثُلِ وَالْاَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَدَاخِلِينَ مِنْ بَابٍ شَيْطَانِيٍّ وَقِحٍ حَقِيرٍ يُسَمِّيهِ شَيَاطِينُ الْاِنْسِ وَالْجِنِّ: بَابَ الْحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ الْاِبَاحِيَّة، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا فِي الْمُجْتَمَعِ الَّذِي يَقُولُونَ عَنْهُ الْمُجْتَمَعَ الْمُحَافِظَ، وَاَنَا اَقُولُ عَنْهُ الْمُجْتَمَعَ الْمُتَدَيِّنَ، نَعَمْ: اِنَّهُ الْمُجْتَمَعُ الَّذِي يَتَمَثَّلُ الْقِيَمَ الْاِنْسَانِيَّةَ الَّتِي فَطَرَ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ عَلَيْهَا، فَاِذَا اَرَادَ اَنْ يَنْظُرَ اِلَى مُحَرَّمٍ، رَاَيْتَهُ يَتَلَصَّصُ كَاللِّصِّ يَنْظُرُ مِنْ ثُقْبِ الْبَابِ، اَوْ يَنْظُرُ بِالنَّاظُورِ، اَوْ يَنْظُرُ بِشَيْءٍ آَخَرَ وَهُوَ يَخَافُ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الرَّقَابَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ السَّلِيمَةَ الْمُسْتَمَدَّةَ مِنْ رَقَابَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، تَجْعَلُهُ يَشْعُرُ بِالْعَارِ، نَعَمْ يَشْعُرُ بِالْعَارِ، بَلْ يَشْعُرُ اَنَّهُ مَنْبُوذٌ مِنَ الْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ حِينَمَا يَنْحَرِفُ عَنْ هَذِهِ الْقِيَمِ، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: فَنَحْنُ اَزَمَاتُنَا اَزَمَاتٌ اَخْلَاقِيَّة، نَعَمْ وَاَزَمَاتٌ اِيمَانِيَّة، نَعَمْ اَزْمَتُنَا هِيَ اَزْمَةٌ تَضَاءَلَتْ فِيهَا الرَّوَابِطُ الْاِنْسَانِيَّةُ، فَجَرَى النَّاسُ حَوْلَ الْمَادَّةِ يَكْتَسِبُونَ مِنْهَا وَيَنْهَبُونَ مِنْهَا مَايَشَاؤُونَ، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ فِي الْاَزَمَاتِ يَظْهَرُ النَّاسُ عَلَى حَقَائِقِهِمْ، فَكَمْ مِنْ اُنَاسٍ يَسْتَغِلُّونَ اَزَمَةً مِنَ الْاَزَمَاتِ؟ مِنْ اَجْلِ اَنْ يَحْتَكِرُوا، وَمِنْ اَجْلِ اَنْ يَرْفَعُوا الْاَسْعَارَ، وَمِنْ اَجْلِ اَنْ تَكُونَ لَهُمُ الْخَاصَّةُ فِي اَنَابِيبِ الْغَازِ اَوْ غَيْرِهَا؟ لِيَحْتَكِرُوهَا وَيَبِيعُوهَا فِي السُّوقِ السَّوْدَاءِ، فَاَيُّ اِيمَانٍ هَذَا عِنْدَ هَؤُلَاءِ!!! اِنَّهُمْ يَسْتَغِلُّونَ حَاجَةَ النَّاسِ: فَيَرْفَعُونَ الْاُجْرَةَ! وَعِنْدَهُمْ مِنَ الْبُيُوتِ وَالْمَسَاكِنِ مَا يَفِيضُ عَنْ حَاجَتِهِمْ! فَهَلْ هَكَذَا فَعَلَ الْاَنْصَارُ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ! اَمِ الْعَكْسُ مِنْ ذَلِكَ تَمَاماً! نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ: فَنَحْنُ قِيَمُنَا نَحْتَاجُ اِلَى اَنْ نَعُودَ اِلَيْهَا، وَثِقْ اَخِي: بِاَنَّهُ لَانَصْرَ لَنَا وَلَاسَعَادَةَ، اِلَّا اِذَا عُدْنَا اِلَى هَذِهِ الْقِيَمِ وَطَبَّقْنَاهَا تَطْبِيقاً عَمَلِيّاً، وَاِلَّا فَاِنَّنَا مَهْمَا دَعَوْنَا، وَمَهْمَا لَبَّيْنَا، وَمَهْمَا كَبَّرْنَا، فَلَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ تَعَالَى لَنَا؟ لِاَنَّ الْكَلِمَةَ الَّتِي لَاتُوَافِقُ السُّلُوكَ، فَاِنَّهَا تَضِيعُ عِنْدَ اللهِ فِي الْهَوَاءِ هَبَاءً مَنْثُوراً، بَلْ لَااعْتِبَارَ لَهَا وَلَاوَزْنَ وَلَاقِيمَةَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: عَلَيْنَا الْآَنَ اَنْ نَبْنِيَ الْاِنْسَان، نَعَمْ: اَلْاِنْسَانَ غَيْرَ الْخَائِفِ عَلَى عَقِيدَتِهِ، وَلَا عَلَى شَرَفِهِ، وَلَا عَلَى عِرْضِهِ، وَلَا عَلَى مَالِهِ، وَلَا عَلَى وَطَنِهِ، وَاَنْ نَبْنِيَ مِنْ جَدِيدٍ هَذِهِ الْقِيَمَ الْمَنْسِيَّةَ الَّتِي يَجِبُ اَنْ يَشْتَرِكَ فِيهَا الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاء، نَعَمْ اَخِي: وَلَوْ سَاَلْنَا هَذَا السُّؤَال؟ اَيُّهُمَا اَفْضَلُ؟ اَلْمَرْاَةُ؟ اَمِ الرَّجُل؟ وَالْجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ: لَا اَفْضَلِيَّةَ، اِلَّا اِذَا قُلْنَا: اَللَّيْلُ اَفْضَلُ مِنَ النَّهَارِ، اَوِ النَّهَارُ اَفْضَلُ مِنَ اللَّيْلِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ لِكُلٍّ وَظِيفَتَهُ الْخَاصَّةَ، وَاَمَّا الِاخْتِلَافُ هُنَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْاَةِ فِي طَبِيعَتِهِمَا الذَّكَرِيَّةِ وَالْاُنْثَوِيَّةِ، فَهُوَ مِنْ اَجْلِ التَّعَاوُنِ، وَمِنْ اَجْلِ التَّعَاضُدِ، لَا مِنْ اَجْلِ الْخُصُومَةِ وَالتَّنَافُرِ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَاللَّيْلِ اِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ اِذَا تَجَلَّى، وَمَاخَلَقَ الذَّكَرَ وَالْاُنْثَى، اِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(نَعَمْ اَخِي: اَللهُ تَعَالَى يُقْسِمُ بِاللَّيْلِ وَيُقْسِمُ بِالنَّهَارِ اَيْضاً وَلَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَنْ تَسْتَطِيعَ اَخِي اَنْ تَقُولَ: اَللَّيْلُ اَفْضَلُ مِنَ النَّهَارِ، اَوِ النَّهَارُ اَفْضَلُ مِنَ اللَّيْلِ؟ لِاَنَّنَا نَحْنُ جَمِيعاً رِجَالاً وَنِسَاءً، بِحَاجَةٍ اِلَى الِاثْنَيْنِ مَعاً وَهُمَا: اَللَّيْلُ وَالنَّهَار، نَعَمْ اَخِي: وَكَذَلِكَ يُقْسِمُ سُبْحَانَهُ بِالذَّكَرِ وَالْاُنْثَى، وَكَذَلِكَ لَانَسْتَطِيعُ اَنْ نَقُولَ آلذَّكَرُ اَفْضَلُ اَوِ الْاُنْثَى اَفْضَلُ؟ لِاَنَّهُمَا مَعاً ذَكَراً وَاُنْثَى: بِحَاجَةٍ اِلَى بَعْضِهِمَا، وَلَايُمْكِنُ لِاَحَدِهِمَا الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الْآَخَرِ، وَيَتَعَاوَنَانِ وَيَتَعَاضَدَانِ؟ مِنْ اَجْلِ نَجْدَةِ هَذِهِ الْبَشَرِيَّةِ، وَاِصْلَاحِهَا وَتَقْوِيمِهَا، وَاِنْقَاذِهَا مِنْ شُرُورِ اَنْفُسِهَا، وَمِنْ شُرُورِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى{اِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(أَيْ مُخْتَلِفٌ، وَشَتَّانَ مَابَيْنَ الذَّكَرِ وَالْاُنْثَى، فَكُلٌّ لَهُ وَظِيفَتُهُ الْخَاصَّةُ الْمُخْتَلِفَةُ الَّتِي خَلَقَهُ اللهُ مِنْ اَجْلِهَا؟ رَحْمَةً بِهَذِهِ الْبَشَرِيَّةِ الْمُعَذَّبَةِ الْمَنْكُوبَة، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ نَهَى الْاِسْلَامُ عَنِ التَّخَنُّثِ، وَعَنِ التَّرَجُّلِ، فَمَا هُوَ التَّخَنُّث؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هُوَ اَنْ يَظْهَرَ الرَّجُلُ اَوِ الشَّابُّ بِمَظْهَرِ الْاُنْثَى، وَاَمَّا التَّرَجُّلُ: فَهُوَ اَنْ تَظْهَرَ الْمَرْاَةُ بِمَظْهَرِ الرِّجَالِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُمَا بِذَلِكَ يُخَالِفَانِ الْفِطْرَةَ السَّليِمَةَ! كَيْفَ ذَلِكَ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِنَّ الشَّابَّ الَّذِي يُرِيدُ اَنْ يَثْتَاْنِثَ وَيَظْهَرَ بِمَظْهَرِ الْاُنُوثَةِ، لَايَبْقَى عَلَى رُجُولَتِهِ، وَلَايَسْتَطِيعُ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ اَنْ يَكُونَ اُنْثَى، وَاِنَّمَا يَبْقَى مُتَذَبْذِباً بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ؟ مِمَّا يُؤَدِّي اِلَى انْفِصَامٍ خَطِيرٍ جِدّاً فِي شَخْصِيَّتِهِ يَجْلِبُ مَعَهُ اَمْرَاضاً نَفْسِيَّةً لَاحَصْرَ لَهَا وَلَاعَدَّ وَاَخْطَرُهَا الِاكْتِئَابُ الدَّاخِلِيُّ الْحَادُّ الشَّدِيدُ، نَعَمْ اُخْتِي: وَكَذَلِكَ الْمَرْاَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ الَّتِي تُرِيدُ اَنْ تَكُونَ كَالرِّجَالِ! لَنْ تَكُونَ كَالرِّجَالِ، وَلَنْ تَبْقَى عَلَى اُنُوثَتِهَا؟ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الِاضْطِّرَابُ، نَعَمْ: اِنَّهُ الِاضْطِّرَابُ النَّفْسِيُّ الْخَطِيرُ فِي الشَّخْصِيَّةِ، وَالسُّلُوكِ، وَالنَّوْمِ، وَالْمَيْلِ لِلْعُزْلَةِ الْقَاتِلَةِ اَحْيَاناً، وَمَايُرَافِقُهُ مِنْ عَدْوَى اضْطِّرَابٍ اجْتِمَاعِيٍّ سُلُوكِيٍّ اَخْطَرَ لَدَى بَقِيَّةِ اَفْرَادِ الْمُجْتَمَع، نَعَمْ اَخِي: وَلِهَذَا نَهَى الْاِسْلَامُ اَنْ يَظْهَرَ الرَّجُلُ وَلَوْ بِالنَّظْرَةِ اِلَيْهِ بِمَظْهَرِ النِّسَاءِ، وَلِذَلِكَ نَهَى الشَّبَابَ اَوِ الرِّجَالَ اَنْ يَتَزَيَّنُوا بِالذَّهَبِ: كَاَنْ يَضَعَ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ اَوْ مَايُسَمَّى بِلِبْلَاكِّ فِي يَدِهِ، اَوْ قِلَادَةً ذَهَبِيَّةً فِي صَدْرِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ نَهَى عَنْهُ الْاِسْلَام، نَعَمْ اَخِي: وَكَذَلِكَ نَهَى الْاِسْلَامُ عَنِ التَّزَيُّنِ بِالْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ اِلَّا الْخَاتَمَ؟ لِمَا فِي الْفِضَّةِ مِنْ لَعْنَةٍ وَاضِحَةٍ فِي التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ اَمَرَ بِهَا الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ؟ مِنْ اَجْلِ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللهِ مِنَ الذُّكُورَةِ اِلَى الْاُنُوثَةِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ نَهْيُ الْاِسْلَامِ لِمَاذَا؟ حَتَّى تَبْقَى الرُّجُولَةُ ظَاهِرَةً عَلَى الشَّبَابِ، وَظَاهِرَةً عَلَى الرِّجَالِ، وَلِذَلِكَ لَايَلِيقُ بِشَابٍّ اَنْ يَضَعَ فِي عُنُقِهِ سِلْسِلَةً مِنَ الذَّهَبِ اَوِ الْفِضَّةِ؟ لِاَنَّ اللهَ يُحِبُّ الرُّجُولَةَ اَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِهَا الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ مِنْ اَجْلِهِ، كَمَا يُحِبُّ الْاُنُوثَةَ اَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِهَا الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ مِنْ اَجْلِهَا، وَلِذَلِكَ نَهَى رَسُولُ اللهِ اَنْ يَلْبَسَ النِّسَاءُ لِبْسَةَ الرِّجَالِ، وَاَنْ يَلْبَسَ الرِّجَالُ لِبْسَةَ النِّسَاءِ؟ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَغْيِيرٍ لِخَلْقِ الله، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا النَّاسُ فِي اَيَّامِنَا: فَاِنَّهُمْ يُرِيدُونَ اَنْ يَضْحَكُوا عَلَى اللهِ، وَاَنْ يَجْعَلُوا الشَّيْطَانَ الرَّجِيمَ يَضْحَكُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى اللهِ اَيْضاً؟ مُسْتَهْزِئِينَ جَمِيعاً بِجَلَالِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ وَشَامِتِينَ بِهِمَا! بَلْ ضَارِبِينَ بِهَا عُرْضَ الْحَائِطِ وَقَدْ{اَخَذَتْهُمُ الْعِزَّةُ بِالْاِثْمِ( بَلْ لَاعِزَّةَ لِلهِ فِي قُلُوبِ هَؤُلَاءِ وَلَا عِزَّةَ لِرَسُولِهِ وَلَا لِلْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ ذَلِك؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: تَرَى مَثَلاً فَتَاةً بَارِعَةَ فِي الْجَمَالِ مُتَبَرِّجَةً كُلَّ التَّبَرُّجِ! تَضَعُ عَلَى رَاْسِهَا اِشَرْباً(خِمَاراً(ثُمَّ تَلْبَسُ فِيزُوناً اَوْ بَنْطَلُوناً يُجَسِّمُ عَوْرَتَهَا! ثُمَّ تَقُولُ بِوَقَاحَةٍ شَيْطَانِيَّةٍ اِنْسِيَّةٍ لَامَثِيلَ لَهَا عِنْدَ اللهِ: اَنَا مُتَحَجِّبَةٌ حِجَاباً شَرْعِيّاً!! وَاَقُولُ لِهَذِهِ السَّاقِطَةِ فِي هَاوِيَةِ الْجَحِيمِ اِنْ لَمْ تَتُبْ اِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً: هَذَا كَذِبٌ عَلَى اللِه، وَكَذِبٌ عَلَى شَرْعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةٍ لِلْفِطْرَةِ الْاِنْسَانِيَّةِ السَّلِيمَةِ؟ لِاَنَّ الْحِجَابَ شَرَعَهُ اللهُ لِلْمَرْاَةِ لَا مِنْ اَجْلِ اَنْ يَكُونَ سَاتِراً لِلرَّاْسِ وَحْدَهُ فَقَطْ، بَلْ مِنْ اَجْلِ اَنْ يَكُونَ خِمَاراً سَاتِراً لِلرَّاْسِ، وَجِلْبَاباً فَضْفَاضاً سَاتِراً لِلْجِسْمِ كُلِّهِ، وَلَيْسَ بِنْطَالاً مُجَسِّماً لِمَقْعَدَتِكِ اَيَّتُهَا الْخَبِيثَةُ الْخِنْزِيرَة، وَيْلَكِ مِنْ عَذَابِ اللهِ اَيَّتُهَا السَّاخِرَةُ الْمُسْتَهْزِئَةُ بِآَيَاتِ اللهِ وَمِنْهَا آَيَاتُ الْحِجَابِ؟ لِاَنَّكِ تَعْلَمِينَ جَيِّداً: اَنَّ اَغْلَظَ عَوْرَةٍ فِي الْمَرْاَةِ وَاَشَدَّهَا وَاَقْوَاهَا هِيَ قُبُلُهَا مِنَ الْاَمَامِ وَمَافِيهِ مِنْ اَعْضَائِهَا التَّنَاسُلِيَّةِ، وَاَفْخَاذِهَا، وَرُكَبِهَا، وَسِيقَانِهَا، وَدُبُرُهَا وَمَافِيهِ مِنْ شَرْجِهَا وَتَفَاصِيلِ مَقْعَدَتِهَا الَّتِي لَايَجُوزُ شَرْعاً اَنْ تُجَسِّمَ شَيْئاً مِنْهَا جَمِيعاً مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَاِلَّا فَمَا هِيَ فَائِدَةُ هَذَا الْحِجَابِ غَيْرِ الشَّرْعِيِّ وَاَنْتِ تَعْلَمِينَ جَيِّداً اَيَّتُهَا الْجَاهِلَةُ الْمَعْتُوهَةُ: اَنَّكِ بِهَذَا التَّهْرِيجِ الشَّيْطَانِيِّ مِنْ هَذَا الْحِجَابِ الْمَلْعُونِ الَّذِي تَضْحَكِينَ بِهِ عَلَى اللهِ، لَمْ يَعُدْ بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ اِلَّا شَعْرَة، وَوَاللهِ الَّذِي لَا اِلَهَ اِلَّا هُوَ: سَيُحَاسِبُكِ اللهُ عَلَى شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ تَجَاهَلْتِهَا فِي خِيَاطَةِ هَذَا الْحِجَابِ اَوْ تَفْصِيلِهِ كَمَا اَمَرَ اللهُ اَنْ يَكُونَ جِلْبَاباً فَضْفَاضاً يُخْفِي مَعَالِمَ الْعَوْرَةِ نِهَائِيّاً، وَلَيْسَ بِنْطَالاً مُجَسِّماً مُكَسِّماً لَافَائِدَةَ فِيهِ فِي اِخْفَاءِ مَلَامِحِ الْعَوْرَةِ، وَرُبَّمَا يَسْتَحِي بَعْضُ الرِّجَالِ فِي بَعْضِ الْبِيئَاتِ اَنْ يَلْبَسُوا مِثْلَ هَذَا الْبِنْطَال، هَلْ تُرِيدِينَ اَيَّتُهَا الْخَبِيثَةُ اَنْ تُشْعِلِي هَذَا الْبُنْيَانَ الصَّالِحَ الَّذِي نُحَاوِلُ اَنْ نَبْنِيَهُ وَنُعَانِي الْاَمَرَّيْنِ فِي بِنَائِهِ بِنَارِ اِغْوَائِكِ الشَّيْطَانِيَّةِ وَعَوْرَاتِكِ الْمُجَسَّمَة! اَمَا عَلِمْتِ اَنَّ الْاِنْسَانَ بُنْيَانُ اللهِ، لَعَنَ اللهُ مَنْ هَدَمَ بُنْيَانَهُ بِحَرِيقٍ مَعْنَوِيٍّ كَالَّذِي تَفْعَلِينَهُ، اَوْ بِحَرِيقٍ مَادِّيّ مَعْرُوف، بَلْ اِنَّ جَرِيمَتَكِ بِحَقِّ الرِّجَالِ الَّذِينَ تُحْرِقِينَهُمْ بِنَارِ اِغْوَائِكِ: هِيَ اَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ عُودِ ثِقَابٍ تُلْقِينَهُ لِيَلْتَهِمَ الْغَابَاتِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ حُرْمَةَ الْاِنْسَانِ الَّذِي تُحْرِقِينَهُ بِنَارِ اِغْوَائِكِ، اَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ حُرْمَةِ الْغَابَاتِ، بَلْ هِيَ اَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ حُرْمَةِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ جُرْمَكِ عِنْدَ اللهِ بِحَقِّ مَنْ تُغْوِينَهُمْ، اَشَدُّ جُرْماً مِنْ حَرْقِكِ لِلْكَعْبَةِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَقَعْنَ اَيْضاً ضَحِيَّةَ اِغْوَائِكِ فَيُصْبِحْنَ سُحَاقِيَّاتٍ شَاذَّاتٍ كَالرِّجَالِ الْمُخَنَّثِينَ الشَّاذِّينَ الَّذِينَ يَقَعُونَ اَيْضاً ضَحِيَّةَ اِغْوَائِكِ؟ لِاَنَّكِ تَجْعَلِينَهُمْ جَمِيعاً يَعْشَقُونَ تَقْلِيدَكِ فِي عُهْرِكِ وَفُجُورِكِ وَاَنَاقَتِكِ الشَّيْطَانِيَّةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِكِ وَمَحَارِمِكِ اَنْ تُظْهِرِيهَا، نَعَمْ اَخِي وَاُخْتِي: فَهَذِهِ هِيَ الْاُمُورُ الَّتِي نُخَالِفُ فِيهَا الْفِطْرَةَ السَّلِيمَةَ، وَالَّتِي نُغَيِّرُ فِيهَا خَلْقَ الله، نَعَمْ اَخِي: اَللهُ تَعَالَى خَلَقَ اللِّبَاسَ مِنْ اَجْلِ اَنْ يَسْتُرَ الْعَوْرَاتِ بِدَلِيل{يَابَنِي آَدَمَ قَدْ اَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي(يَسْتُرُ وَيُخْفِي{سَوْآَتِكُمْ(عَوْرَاتِكُمْ(وَاَمَّا اِذَا صَنَعْنَاهُ لِتَجْسِيدِ الْعَوْرَاتِ وَلِشَفَافِيَّتِهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ هَذَا تَغْيِيراً لِخَلْقِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نَعَمْ اَخِي وَاُخْتِي: اَلزِّينَةُ اَبَاحَهَا اللهُ تَعَالَى لِلْمَرْاَةِ، لَكِنْ فِي حُدُودٍ اِلَهِيَّةٍ رَبَّانِيَّةٍ لَايَجُوزُ لَهَا اَنْ تَتَعَدَّاهَا: وَهِيَ اَنْ تَظْهَرَ بِهَا اَمَامَ الزَّوْجِ وَالْمَحَارِمِ فَقَطْ: مَعَ مُرَاعَاتِهَا لِزِينَةٍ خَاصَّةٍ تَحْرِيضِيَّةٍ جِنْسِيَّةٍ حَلَالٍ تَظْهَرُ بِهَا اَمَامَ زَوْجِهَا، وَلَايَجُوزُ لَهَا اَنْ تَظْهَرَ بِهَا اَمَامَ مَحَارِمِهَا، نَعَمْ اُخْتِي: فَهَذِهِ الزِّينَةُ الْمَشْرُوعَةُ لَكِ اَمَامَ مَحَارِمِكِ وَاَمَامَ زَوْجِكِ، وَمَعَ ذَلِكَ اِظْهَارُهَا اَمَامَ زَوْجِكِ يَخْتَلِفُ شَرْعاً عَنْ اِظْهَارِهَا اَمَامَ مَحَارِمِكِ كَابْنِكِ، وَ اَبِيكِ، وَاَخِيكِ، وَعَمِّكِ، وَخَالِكِ، وَابْنِ اَخِيكِ، وَابْنِ اُخْتِكِ، وَالْمُحَرَّمِينَ عَلَيْكِ مِنَ الرِّجَالِ بِسَبَبِ الْمُصَاهَرَةِ، اَوْ بِسَبَبِ الرَّضَاعَةِ، بَلْ وَجَمِيعِ مَاخَلَقَهُ اللهُ مِنَ النِّسَاءِ الْجِنِّيَّاتِ اَوِ الْاِنْسِيَّاتِ اَمْثَالِكِ، بَلْ وَالْمَلَائِكَةِ اَيْضاً، بَلْ وَحَمَلَةِ الْعَرْشِ مِنْهُمْ اَيْضاً اِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، نَعَمْ اُخْتِي: فَاَيُّ زِينَةٍ تُؤَدِّي اِلَى أَيِّ تَحْرِيضٍ جِنْسِيٍّ وَلَوْ ضَعِيفٍ، يَحْرُمُ عَلَيْكِ حُرْمَةً شَرْعِيَّةً صَارِمَةً جِدّاً جِدّاً جِدّاً اَنْ تُظْهِرِيهَا اَمَامَ غَيْرِ زَوْجِكِ مِنْ مَحَارِمِكِ وَمِنَ الَّذِينَ ذَكَرْتُهُمْ لَكِ، نَعَمْ اُخْتِي: وَيَجُوزُ لَكِ شَرْعاً اَيْضاً اَنْ تَظْهَرِي عَارِيَةً تَمَاماً اَمَامَ زَوْجِكِ وَبِكَامِلِ زِينَتِكِ، اِلَّا اِذَا شَعَرْتِ اَنَّ زَوْجَكِ يُحَاوِلُ اَنْ يُخَالِفَ بِعُضْوِهِ التَّنَاسُلِيِّ لِيُمَارِسَ اللِّوَاطَ الْاَصْغَرَ مَعَكِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْكِ شَرْعاً هُنَا اَنْ تُظْهِرِي لَهُ شَيْئاً مِنْ شَرْجِكِ اَوْ تَفَاصِيلِ مَقْعَدَتِكِ اِلَى الْاَبَدِ، نَعَمْ اَخِي: نَعَمْ اُخْتِي: وَهَذِهِ الزِّينَةُ لَيْسَتْ مُطْلَقَةً، فَاِذَا اَعْطَيْنَا لِلْمَرْاَةِ حُرِّيَةَ الزِّينَةِ الْمُطْلَقَةِ، فَاِنَّهَا تَنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله(كَيْفَ ذَلِك؟ وَاَقُولُ لَكِ اُخْتِي وَاَخِي الْمُرَبِّي الْفَاضِل: تَرَى بَعْضَ النِّسَاءِ تَاْتِي اِلَى الْحَاجِبِ وَتُزِيلُهُ اِزَالَةً تَامَّةً، ثُمَّ تَاْتِي بِالْقَلَمِ، وَتَرْسُمُ حَاجِباً صِنَاعِيّاً تَقْلِيدِيّاً، وَهُنَا يَظْهَرُ الْقُبْحُ جَلِيّاً وَاضِحاً عَلَى وَجْهِهَا: حِينَمَا يَبْدَاُ نَبْتُ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ مِنْ جَدِيدٍ بَعْدَ اِزَالَتِهِمَا، فَتَظْهَرُ وَهِيَ تَطْلُوهُ بِهَذَا الطَّلَاءِ بِمَظْهَرٍ كَئِيبٍ وَمَنْظَرٍ بَشِعٍ قَبِيحٍ وَشَاذٍّ، نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ غَيَّرَتْ خَلْقَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نَعَمْ اَخِي: وَكَذَلِكَ حِينَمَا تَتَكَلَّفُ بِوَضْعِ الْعَدَسَاتِ فِي عَيْنَيْهَا، فَهَذِهِ جَهِلَتْ اَنَّ اللَهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ لَوْنَ الْعَيْنَيْنِ يُنَاسِبُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ، وَلِذَلِكَ اَخِي لَوْ رَاَيْتَ اِنْسَاناً اَسْوَدَ اللَّوْنِ وَعُيُونُهُ زَرْقَاءُ، فَاِنَّ مَنْظَرَهُ لَايَكُونُ مُسْتَسَاغاً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقَا(أَيْ تُصْبِحُ وُجُوهُهُمْ سَوْدَاءَ وَعُيُونُهُمْ زَرْقَاءَ بِمَظْهَرٍ بَشِعٍ مُقْرِفٍ مِنْ شِدَّةِ مَاهُمْ فِيهِ مِنَ الْاَهْوَالِ وَالْفَزَعِ وَالْخَوْفِ وَالرُّعْبِ الشَّدِيدِ، نَعَمْ اَخِي: اَللهُ تَعَالَى خَلَقَ مِنَ النَّاسِ اَيْضاً مَنْ كَانَتْ بَشَرَتُهَا بَيْضَاءَ وَعُيُونُهَا زَرْقَاءَ، وَهَذَا يُنَاسِبُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ، فَتَبَارَكَ اللهُ اَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، لَكِنْ حِينَمَا تَتَكَلَّفُ الْمَرْاَةُ اَنْ تَضَعَ مِثْلَ هَذِهِ الْعَدَسَاتِ، فَاِنَّهَا تُحَاوِلُ تَغْيِيرَ خَلْقِ اللهِ، وَهَذِهِ الْعَدَسَاتُ لَيْسَتْ هِيَ الزِّينَةُ الَّتِي اَبَاحَهَا اللهُ تَعَالَى لِلْمَرْاَةِ، نَعَمْ اَخِي: اُنْظُرْ اِلَى هَؤُلَاءِ الْمُذِيعَاتِ اللَّوَاتِي يَظْهَرْنَ عَلَى شَاشَةِ التَّلْفَزَةِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْاَسَف! تَرَاهَا تَتَزَيَّنُ زِينَةً مُتَصَنَّعَةً، نَعَمْ اَخِي: اِنَّهَا زِينَةٌ تَعْرِفُهَا وَتَعْلَمُهَا جَيِّداً: اِنَّهَا زِينَةُ الْبَابِ الْاَجْرَبِ الَّذِي تَدْهَنُهُ بِالْبُويَا، فَهَلْ هَذِهِ الْجَرْبَانَةُ الشَّمْطَاءُ مُذِيعَةُ اَخْبَارٍ اَوْ مُحَلِّلِّةٌ سِيَاسِيَّةٌ اَوِ اجْتِمَاعِيَّةٌ اَوِ اقْتِصَادِيَّةٌ اَوْ رِيَاضِيَّةٌ اَوْ ثَقَافِيَّةٌ تُرِيدُ اَنْ تُخْبِرَ النَّاسَ بِمَا يَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ مِنْ اَحْدَاث، اَمْ لَعَلَّهَا رُبَّمَا تُرِيدُ اَنْ تَلْفِتَ النَّاسَ اِلَى زِينَتِهَا وَهِيَ تَعْلَمُ جَيِّداً اَنَّهَا قِمَّةٌ فِي الْقُبْحِ وَالْبَشَاعَةِ مَهْمَا وَضَعَتْ مِنْ مَسَاحِيقِ التَّجْمِيلِ وَاَصْبَاغِهَا، بَلْ رُبَّمَا الْحَقِيرَةُ السَّافِلَةُ جَلَسَتْ وَلَفَّتْ رِجْلاً عَلَى رِجْلٍ وَظَهَرَ مَاظَهَرَ مِنْ اَفْخَاذِهَا الَّتِي تُرِيدُ الْخَبِيثَةُ مِمَّنْ يَنْظُرُ اِلَى اَفْخَاذِهَا مِنْ شَيَاطِينِ الرِّجَالِ اَنْ يَبْصُقَ عَلَيْهَا وَيُعَامِلَهَا كَمَا يُعَامِلُ الْعَاهِرَاتِ، فَهَلْ هَذِهِ هِيَ الزِّينَةُ الَّتِي اَبَاحَهَا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ نَعَمْ اَخِي: اِنَّهَا الزِّينَةُ الشَّيْطَانِيَّةُ بِحَدِّ ذَاتِهَا، اِنَّهَا كَثْرَةُ الْمَسَاحِيقِ الَّتِي كَمْ تُكَلِّفُ الِاقْتِصَادَ مِنْ نَفَقَاتٍ كَثِيرَةٍ وَالْعَالَمُ يَمُوتُونَ مِنَ الْجُوعِ فِي مَضَايَا وَالْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ وَغَيْرِهَا، فَمَاذَا اَعْدَدْتِّ لِهَذِهِ الْحُفْرَةِ الَّتِي سَتَنْزِلِينَ فِيهَا وَتُدْفَنِينَ لَامَحَالَةَ اَيَّتُهَا الْخَبِيثَةُ الْمَعْتُوهَة؟ هَلْ اَعْدَدْتِّ شَيْئاً مِن اِكْرَامِ الْاَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ وَالْحَضِّ عَلَى اِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ وَكِسْوَتِهِمْ وَدَوَائِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ، اَمَا تَخَافِينَ مِنَ اللهِ اَيَّتُهَا السَّاقِطَةُ فِي مَهَاوِي الشَّهَوَاتِ الَّتِي حُفَّتْ بِهَا نَارٌ مُحْرِقَةٌ تُحِيطُ بِكِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَهِيَ بِانْتِظَارِكِ مُنْذُ الْآَنَ وَعَلَى اَحَرِّ مِنَ الْجَمْرِ اِنْ لَمْ تَتُوبِي{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ(اِنَّهَا الْآَنَ مُغْتَاظَةٌ غَيْظاً شَدِيداً، بَلْ تَعَضُّ عَلَى اَصَابِعِهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْظِهَا، وَتَنْتُفُ شَعْرَهَا، وَيُحْرِقُ بَعْضُهَا بَعْضاً؟ لِاَنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ سُبْحَانَهُ حَجَزَهَا وَمَنَعَهَا مِنْ تَعْذِيبِكِ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ؟ لِيُعْطِيَكِ مَجَالاً وَفُرْصَةً اَخِيرَةً لِتُعِيدِي سَرِيعاً حِسَابَاتِكِ مِنْ جَدِيدٍ وَتُصْلِحِي عَلَاقَتَكِ مَعَ اللهِ بِتَوْبَةٍ نَصُوحٍ، لَكِنْ اَمَا تَخَافِينَ مِنَ اللهِ اَنْ تَمُوتِي مِنْ دُونِ تَوْبَةٍ نَصُوحٍ ثُمَّ يَقُولَ لِمَلَائِكَةِ عَذَابِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ{ اَرَاَيْتُمُ الَّتِي تُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَتِلْكُمُ الَّتِي تَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلَاتَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين{خُذُوهَا فَغُلُّوهَا، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهَا، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهَا، اِنَّهَا كَانَتْ لَاتُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ، وَلَاتَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، فَلَيْسَ لَهَا الْيَوْمَ هَهُنَا حَمِيمٌ، وَلَاطَعَامٌ اِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ، لَايَاْكُلُهُ اِلَّا الْخَاطِئُون{كَلَّا بَلْ لَاتُكْرِمِينَ الْيَتِيمَ، وَلَاتَحَاضِّينَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، وَتَاْكُلِينَ التُّرَاثَ اَكْلاً لَمّاً، وَتُحِبِّينَ الْمَالَ حُبّاً جَمَّا، كَلَّا اِذَا دُكَّتِ الْاَرْضُ دَكّاً دَكّاً، وَجَاءَ رَبُّكِ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ، يَوْمَئِذٍ تَتَذَكَّرِينَ وَاَنَّى لَكِ الذِّكْرَى، تَقُولِينَ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(الْاُخْرَوِيَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَكِنَّكِ لَمْ تُقَدِّمِي شَيْئاً مِنْ صَلَاةٍ وَلَازَكَاةٍ وَلَااسْتِجَابَةٍ لِاَمْرٍ وَلَااسْتِجَابَةٍ لِنَهْيٍ، فَمَاذَا تَكُونُ النَّتِيجَة{فَيَوْمَئِذٍ لَايُعَذِّبُكِ(مِثْلَ {عَذَابِهِ(الشَّدِيدِ الْاَلِيمِ الْمُهِينِ{ اَحَدٌ، وَلَايُوثِقُكِ(مِثْلَ{وَثَاقِهِ(الْمُذِلِّ الْمُخْزِي الْمُحْكَمِ{ اَحَدٌ{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة، اِلَّا اَصْحَابَ الْيَمِينِ، فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ، عَنِ الْمُجْرِمِينَ (وَالْمُجْرِمَاتِ {مَا سَلَكَكُمْ(وَمَاسَلَكَكُنَّ{فِي سَقَر، قَالُوا(وَقُلْنَ{لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ(وَالْمُصَلِّيَاتِ{ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ (الْمَسَاكِينَ وَالْمِسْكِينَاتِ{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ(وَالْخَائِضَات{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى اَتَانَا الْيَقِينُ، فَمَا تَنْفَعُهُمْ (وَمَا تَنْفَعُهُنَّ{شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (وَالشَّافِعَات(وَاَمَّا اَنْتِ اُخْتِي الْفَاضِلَة: يَامَنْ تُصَلِّينَ، وَتُطْعِمِينَ الْمِسْكِينَ، وَلَاتَكْتَفِينَ بِذَلِكَ، بَلْ تَحُضِّينَ اَيْضاً عَلَى اِطْعَامِهِ، فَمَاهُوَ مَصِيرُكِ{يَااَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(الَّتِي طَمْاَنَتْ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ وَاَنْقَذَتْهُمْ مِنَ الْخَوْفِ مِنَ الْمَجْهُولِ عَلَى حَيَاتِهِمْ مِنَ الْجُوعِ وَالْفَقْرِ وَالْمَرَضِ وَالْجَهْلِ وَالْبَرْدِ، وَالَّتِي اطْمَاَنَّ اِلَيْهَا هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينُ بِمَعْرُوفِهَا مَعَهُمْ اَيْضاً{اِرْجِعِي اِلَى رَبِّكِ(اُخْتِي الْفَاضِلَةُ الْحَنُونَةُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ{رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً{ فَقَدْ اَرْضَيْتِ خَالِقَهُمْ؟ لِاَنَّكِ اَرْضَيْتِهِمْ وَجَبَرْتِ خَاطِرَهُمُ الْمَكْسُورَ{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(مَعَ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ{وَادْخُلِي جَنَّتِي( اَللَّهُمَّ اَحْيِنَا مَسَاكِينَ، وَاَمِتْنَا مَسَاكِينَ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِين، نَعَمْ اَخِي وَاُخْتِي: هَذِهِ الْمَسَاحِيقُ الْمُبَالَغُ فِيهَا! مَاهُوَ ضَرَرُهَا عَلَى الْوَجْهِ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِنَّهَا تَمْنَعُ التَّنَفُّسَ عَلَى الْوَجْهِ، وَتَمْنَعُ تَنَفُّسَ الْجِلْدِ، نَعَمْ اُخْتِي: اَلْجِلْدُ لَايَسْتَطِيعُ اَنْ يَتَنَفَّسَ؟ بِسَبَبِ هَذِهِ الْمَسَاحِيقِ التَّدْمِيرِيَّة، عَفْواً اُخْتِي اَقْصِدُ التَّجْمِيلِيَّة ، نَعَمْ اَخِي: وَهَذَا مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الْقُبْحِ وَالْبَشَاعَةِ،وَلِذَلِكَ يُصَابُ هَذَا الْوَجْهُ وَهَذَا الْجِسْمُ بِلَوْنٍ دَاكِنٍ كَئِيبٍ، وَلَايَظْهَرُ هَذَا اللَّوْنُ الدَّاكِنُ الْكَئِيبُ اِلَّا حِينَمَا تَسْتَيْقِظُ مِنْ نَوْمِهَا، فَتَرَاهَا اَخِي هُنَا اَبْشَعَ مَاتَكُونُ! اَوْ حِينَمَا تَكُونُ فِي حَالَةِ حُزْنٍ وَتَمْتَنِعُ عَنِ الزِّينَةِ، فَانْظُرْ اَخِي اِلَى بَشَرَتِهَا الْقَبِيحَةِ كَيْفَ تَكُون، نَعَمْ اَخِي: وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْجَمَالِ الْمُتَصَنَّعِ الَّذِي فِيهِ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ طَاعَةً مِنْهَا وَمِنْهُ وَمِنْ خَبِيرِ وَخَبِيرَةِ تَجْمِيلِهِمَا لِلشَّيْطَانِ الَّذِي يَاْمُرُهُمْ فِي قَوْلِهِ{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله(نَعَمْ اَخِي وَاُخْتِي: كَذَلِكَ هَذِهِ الْاَظَافِرُ الَّتِي اَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى بِهَا عَلَيْنَا، اَلَا تَعْلَمِينَ اُخْتِي اَنَّهَا تَتَنَفَّسُ! هَلْ تَعْلَمُ ذَلِكَ اَخِي اَمْ لَا؟ فَاِذَا كُنْتَ لَاتَعْلَمُ، فَاعْلَمِ الْآَنَ، وَاَعْلِمْ نِسَاءَكَ وَبَنَاتِكَ وَاَخَوَاتِكَ وَعَمَّاتِكَ وَخَالَاتِكَ، نَعَمْ اَخِي: هَذِهِ الْاَظَافِرُ تَتَنَفَّسُ كَمَا تَتَنَفَّسُ مَسَامُّ الْجِلْدِ، فَحِينَمَا تُطْلَى بِهَذِهِ الْمَادَّةِ الِبْلَاسْتِيكِيَّةِ الْعَازِلَةِ الَّتِي هِيَ الْمَنَاكِيرُ، فَاِنَّهَا تَمْنَعُ تَنَفُّسَ هَذِهِ الْاَظَافِر، نَعَمْ اَخِي وَاُخْتِي: وَكُلُّ ذَلِكَ هُوَ اعْتِدَاءٌ مِنْكُمَا عَلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ الَّتِي خَلَقَ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ عَلَيْهَا: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى نَقْلاً عَنْ وَقَاحَةِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ الَّذِي خَلَقَهُ سُبْحَانَهُ{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله(نَعَمْ اَخِي وَاُخْتِي: وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْتُهُ لَكُمَا: هُوَ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نَعَمْ اَخِي وَاُخْتِي: بَيْتُكُمَا! جَعَلَهُ اللُهُ تَعَالَى سَكَناً وَهُدُوءاً وَطَمَاْنِينَةً، فَاِذَا انْقَلَبَ اِلَى حَلَبَةِ صِرَاعٍ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْمَرْاَةِ! اِنْقَلَبَ خَلْقُ اللهِ تَعَالَى مَعَهُ اَيْضاً اِلَى التَّغْيِيرِ الَّذِي هَدَّدَ بِهِ عَدُوُّنَا الشَّيْطَانُ بَنِي آَدَمَ، وَانْقَلَبَ حَالُ الرَّجُلِ وَالْمَرْاَةِ هُنَا مِنْ بَشَرَيْنِ آَدَمِيَّيْنِ اِلَى شَيْطَانَيْنِ اِنْسِيَّيْنِ يَسْتَطِيعَانِ اَنْ يَضَعَا نَفْسَيْهِمَا تَحْتَ هَذَا الْعُنْوَانِ الْمَحْظُورِ الْخَطِيرِ ضَارِبَيْنِ بِعُرْضِ الْحَائِطِ لِاَوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ لِيَسْتَجِيبَا لِاَمْرِ عَدُوِّنَا الشَّيْطَانِ فِي تَهْدِيدِهِ اللَّئِيمِ الْوَقِحِ{ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله(نَعَمْ اَخِي وَاُخْتِي: اَلزَّوَاجُ سَكِينَةٌ وَطَمَاْنِينَةٌ لِلنَّفْسِ، فَحِينَمَا يَنْقَلِبُ اِلَى خُصُومَةٍ، فَهَذَا كُفْرٌ جَاحِدٌ لِنِعَمِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْكُمَا عَنْ دِينِ الْاِسْلَام{وَمِنْ آَيَاتِهِ اَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ اَنْفُسِكُمْ اَزْوَاجاً(لِمَاذَا{لِتَسْكُنُوا اِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً( نَعَمْ اَخِي: نَعَمْ اُخْتِي: وَاِذَا اَرَدْنَا اَنْ نُعَدِّدَ مَايَقُومُ بِهِ النَّاسُ مِنْ تَغْيِيرٍ لِخَلْقِ اللهِ، فَاِنَّنَا لَا نَنْتَهِي، وَلَاتَسَعُ هَذِهِ الْمُشَارَكَةُ لِهَذَا التَّعْدَادِ، لَكِنْ اَقُولُ بِالْجُمْلَةِ: كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْكَوْنِ؟ لِغَايَةٍ مِنَ الْغَايَاتِ، فَاِذَا بَدَّلْتُمَا اَخِي وَاُخْتِي هَذِهِ الْغَايَةَ وَغَيَّرْتُمَاهَا، اِنْدَرَجْتُمَا تَحْتَ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى نَقْلاً عَنْ عَدُوِّنَا الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ{وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ، وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللهِ(وَلَمْ يَتَّخِذِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلِيّاً لَهُ{ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِينَا(نَعَمْ قَدْ خَسِرُوا خُسْرَاناً مُبِيناً وَاضِحاً جَلِيّاً، فَمَاذَا تَنْفَعُهُمُ الدُّنْيَا؟ وَمَاذَا تَنْفَعُهُمْ زَخَارِفُهَا اِذَا اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ وَلِيّاً! وَاتَّخَذُوا الرَّحْمَنَ عَدُوّاً!!! وَلِذَلِكَ اَيُّهَا الْاِخْوَة: كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ اِلَى هَذِهِ الْقِيَمِ؟ لِنَضَعَ الْاَمْرَ الْمُنَاسِبَ فِي نِصَابِهِ الْمُنَاسِبِ؟ حَتَّى اِذَا قُلْنَا يَارَبّ! قَالَ اللهُ تَعَالَى: اِسْتَجَبْتُ لَكُمْ، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: اَللهُ تَعَالَى يَقُولُ{وَاِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي: فَاِنِّي قَرِيبٌ، اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ اِذَا دَعَانِ(لَكِنْ بِشَرْط! وَهَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ صَعْباً اَبَداً اَيُّهَا الْاِخْوَة، وَلَايُحَمِّلُكُمْ فَوْقَ طَاقَتِكُمْ، بَلْ اِنَّهُ غَالِباً لَايُكَلِّفُكُمْ هَذَا الشَّرْطُ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ اَنْ تَدْفَعُوا اِلَّا شَيْئاً قَلِيلاً مِنْ جُيُوبِكُمْ لِلْمَسَاكِينِ اِذَا مَلَكْتُمْ نِصَاباً، وَلَايُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً اِلَّا وُسْعَهَا، وَلَايُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً بِمَا يُضَيِّقُ عَلَيْهَا الْخِنَاقَ، فَاَعْتِقُوا اَنْفُسَكُمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ مِنْ جَحِيمِ النَّارِ وَحَرِيقِهَا وَعَذَابِهَا بِهَذَا الشَّرْطِ السَّهْلِ الْيَسِيرِ، وَمَاهُوَ هَذَا الشَّرْطُ يَارَبّ؟{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي(قَدْرَ اسْتِطَاعَتِهِمْ{ وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ( فَاِذَا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ بَعْدَ هَذِهِ الِاسْتِجَابَةِ مِنْكُمْ لِاَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ مَالَاتُطِيقُونَ، فَاِنَّهُ يُسَلِّطُهُ سُبْحَانَهُ؟ لِيُظْهِرَ اِعْجَابَهُ بِصَبْرِكُمْ وَجَلَدِكُمْ وَقُوَّةِ تَحَمُّلِكُمْ وَيَتَبَاهَى بِكُمْ اَمَامَ مَلَائِكَتِهِ: اَنَّكُمْ اَنْعَشْتُمْ رُبُوبِيَّتَهُ الْمَيْتَةَ فِي قُلُوبِ اَعْدَائِهِ بِاِحْيَائِهَا فِي قُلُوبِكُمْ وَحْدَكُمْ مُوَحِّدِينَ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ مَاعَلَّمَهُ لِرَسُولِهِ مِنْ قَبْلُ[عَجَباً لِلْمُؤْمِنِ اَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ، اِنْ اَصَابَتْهُ سَرَّاءَ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَاِنْ اَصَابَتْهُ ضَرَّاءَ صَبَرَ وَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اِلَّا لِلْمُؤْمِنِ(بِمَعْنَى اَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ لَايَنْفَعُهُ عِنْدَ اللهِ مَاعَمِلَ فِي حَيَاتِهِ كُلِّهَا مِنْ شُكْرٍ عَلَى سَرَّاءَ اَوْ صَبْرٍ عَلَى ضَرَّاءَ اِلَّا اِذَا اَسْلَمَ، فَاِذَا اَسْلَمَ فَقَدْ اَحْسَنَ عَمَلاً{اِنَّ اللهَ لَايُضِيعُ اَجْرَ مَنْ اَحْسَنَ عَمَلاً(بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ لَنْ يُضَيِّعَ لَهُ جَمِيعَ مَاعَمِلَهُ مِنْ خَيْرِ قَبْلَ اِسْلَامِهِ؟ وَذَلِكَ مُكَافَاَةً تَشْجِيعِيَّةً لَهُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَحَافِزاً مُقَوِّياً لَهُ لِيَثْبُتَ عَلَى اِسْلَامِهِ، صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَاَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ،