يا ايها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن

  • اَلْحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى اَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَآَلِهِ وَاَصْحَابِهِ وَمَنْ وَالَاهُمْ وَبَعْدُ: فَاِنَّ آَيَاتِ الْقُرْآَن ِالْكَرِيمَةِ تَحْتَاجُ اِلَى فَهْمِ مِنَ الْمُسْلِمِ حَتَّى يَتَدَبَّرَ كِتَابَ رَبِّهِ الَّذِي مَا اَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ اِلَّا لِيَقْرَاَهُ وَيَتَدَبَّرَهُ وَيَفْهَمَهُ وَلِيُطَبِّقَهُ، وَهَذِهِ هِيَ مُعَامَلَةُ الْمُؤْمِنِ مَعَ كِتَابِ الله، فَاِذَا لَمْ يَفْهَمْ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَكَيْفَ سَيُطَبِّقُهُ!؟ وَرُبَّمَا اَخْطَاَ فِي فَهْمِهِ بِغَيْرِ مُرَادِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! نَعَمْ اَخِي: يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي اَوَاخِرِ سُورَةِ الْمُمْتَحَنَة{يَااَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اَللهُ اَعْلَمُ بِاِيمَانِهِنَّ، فَاِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ، فَلَاتَرْجِعُوهُنَّ اِلَى الْكُفَّارِ، لَاهُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وَلَاهُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، وَآَتُوهُمْ مَااَنْفَقُوا، وَلَاتُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ، وَسْاَلُوا مَااَنْفَقْتُمْ، وَلْيَسْاَلُوا مَااَنْفَقُوا، ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيم( نَعَمْ اَخِي: هَذِهِ السُّورَةُ: تُسَمَّى سُورَةَ الْمُمْتَحَنَة، نَعَمْ اَخِي: وَكَلِمَةُ الْمُمْتَحَنِ، وَكَلِمَةُ الْمُمْتَحَنَةِ، هَلْ هُمَا اسْمُ فَاعِلٍ؟ اَمِ اسْمُ مَفْعُول؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هُمَا اسْمُ مَفْعُول، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا الْمُمْتَحِنُ، وَالْمُمْتَحِنَةُ، فَهُمَا اسْمُ فَاعِل، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا فِي الْآَيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا شَرْحاً وَتَفْسِيراً، فَاِنَّ فِيهَا الْمُمْتَحِنُ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ، وَفِيهَا اَيْضاً الْمُمْتَحَنَةُ وَهِيَ اسْمُ مَفْعُول، نَعَمْ اَخِي: وَلِمَاذَا يَمْتَحِنُكَ هَذَا الْمُمْتَحِنُ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي؟ مِنْ اَجْلِ اَنْ تُظْهِرَ لَهُ مَاتَعْلَمُ؟ لِيَضَعَ لَكَ الدَّرَجَةَ الَّتِي تَسْتَحِقُّهَا، نَعَمْ اَخِي: وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلاً وَلِلهِ الْمَثَلُ الْاَعْلَى، فَمَثَلاً: اِنْسَانٌ طَالِبٌ دَخَلَ اِلَى لَجْنَةِ الِامْتِحَان، نَعَمْ اَخِي: وَمِنَ الْجَائِزِ اَنَّ الْمُدَرِّسَ الَّذِي سَيَمْتَحِنُهُ، يَعْلَمُ بِاَنَّهُ اِنْسَانٌ ذَكِيٌّ وَعِنْدَهُ مَعْلُومَاتٌ وَدَارِسٌ تَمَاماً، فَيَسْاَلُهُ، فَاِذَا لَمْ يُجِبْ، هَلْ يَسْتَحِقُّ الدَّرَجَة؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لَايَسْتَحِقُّهَا وَلَوْ كَانَ يَعْلَم، نَعَمْ اَخِي: وَ كَذَلِكَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ، حِينَمَا يَمْتَحِنُ عَبْداً مِنْ عِبَادِهِ عَلَى ضَوْءِ قَوْلِهِ تَعَالَى{ اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ اَيُّكُمْ اَحْسَنُ عَمَلاً( أَيْ اَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْمَوْتَ الَّذِي سَمَحَ بِهِ لِلظَّالِمِينَ اَنْ يُدَمِّرُوا الْبُيُوتَ عَلَى رُؤُوسِ اَصْحَابِهَا؟ لِيَبْلُوكُمْ؟ أَيْ لِيَخْتَبِرَكُمْ{اَيُّكُمْ اَحْسَنُ عَمَلاً(فِي مُسَاعَدَةِ الْمَنْكُوبِين، وَلِذَلِكَ كَرَّرَ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ{آَتُوا الزَّكَاةَ(وَاَعَادَهُ فِي الْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ اَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ اِعَادَةً! وَاَكَّدَ عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي اَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعاً! فَاِذَا لَمْ تَكْفِ الزَّكَاةُ مِنْ اَجْلِ مُسَاعَدَةِ الْمَنْكُوبِينَ[ فَاِنَّ فِي الْمُالِ حَقّاً سِوَى الزَّكَاة(كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ{لِيَبْلُوَكُمْ اَيُّكُمْ اَحْسَنُ عَمَلاً(أَيْ لِيَخْتَبِرَكُمْ، نَعَمْ اَخِي: فَرَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حِينَمَا يَخْتَبِرُنَا، يَخْتَبِرُنَا؟ لِيُظْهِرَ مَافِي نُفُوسِنَا مِنْ طَاعَةٍ اَوْ عِصْيَان، نَعَمْ اَخِي: وَمَا يَنْتُجُ اَوْ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الظُّهُورِ، هُوَ الَّذِي يُنَجِّي الْاِنْسَانَ اَوْ يُهْلِكُهُ، فَاِنْ اَطَاعَ كَانَ نَاجِياً، وَاِنْ عَصَى كَانَ هَالِكاً، وَلِذَلِكَ كَانَ لَابُدَّ لِلهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اَنْ يَخْلُقَ الشَّرَّ كَمَا خَلَقَ الْخَيْرَ لِمَاذَا؟ حَتَّى يَتَعَبَّدَنَا بِمَحْظُورَاتِ الشَّرِّ وَنَوَاهِيهِ كَمَا يَتَعَبَّدُنَا بِمَكَارِمِ الْخَيْرِ وَالْاَخْلَاقِ وَمَحَامِدِهِمَا وَاَوَامِرِهِ فِيهِمَا، وَلِذَلِكَ يُسَلِّطُ اللهُ عَلَيْنَا مِنَ الْبَلَاءِ وَالنَّكَبَاتِ وَالْمَصَائِبِ وَالْمَآَسِي؟ حَتَّى يَخْتَبِرَنَا وَيَتَعَبَّدَنَا جَمِيعاً فُقَرَاءَ وَاَغْنِيَاء، نَعَمْ: يَخْتَبِرُنَا فُقَرَاءَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ نَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ اَمْثَالِنَا، وَيَخْتَبِرُنَا اَيْضاً اَغْنِيَاءَ بِمَا وَسَّعَ اللهُ عَلَيْنَا مِنَ الرِّزْقِ ضِمْنَ حُدُودِ النِّصَابِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الزَّكَاةِ، فَاِنْ لَمْ تَكْفِ الزَّكَاةُ{فَاِنَّ فِي الْمَالِ حَقّاً سِوَى الزَّكَاةِ(وَلِذَلِكَ جَاءَ التَّاْكِيدُ عَلَى فَرِيضَةِ الزَّكَاةِ وَاِقَامَةِ الْفَرِيضَةِ مِنَ الصَّلَاةِ اَيْضاً اَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَرَّةً فِي اَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعاً فِي الْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ كَمَا اَسْلَفْنَا، نَعَمْ اَخِي: وَلَوْ اَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُرِدْ اَنْ يَخْلُقَ الشَّرَّ، لِمَاذَا اِذاً خَلَقَ شَجَرَةَ الشَّرِّ الَّتِي نَهَى اللهُ تَعَالَى آَدَمَ وَحَوَّاءَ عَنِ الْقُرْبِ مِنْهَا، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ لَهُمَا{وَيَاآَدَمُ اسْكُنْ اَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا(وَلَمْ يَقُلْ لَهُمَا{كُلَا وَاشْرَبَا وَلَاتُسْرِفَا، اِنَّهُ لَايُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(لِمَاذَا؟ لِيُعَلِّمَنَا سُبْحَانَهُ مِنْ خِلَالِ مَاحَصَل مَعَهُمَا: اَنَّ الْاِسْرَافَ وَلَوْ فِي الطَّعَامِ اَوِ الرِّزْقِ الْحَلَالِ يُؤَدِّي بِنَا اِلَى كُلِّ شَرٍّ، وَلِذَلِكَ اَدَّى بِهِمَا اِلَى اَنْ يَاْكُلَا مِنْ شَجَرَةِ الشّرّ، نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا كَانَ هَذَا فِي الْحَلَالِ! فَمَابَالُكَ اَخِي فِي الْاِسْرَافِ فِي الْحَرَام! اِنَّهُ بِالتَّاْكِيدِ سَيُؤَدِّي اِلَى غَضَبٍ وَلَعْنَةٍ مِنَ اللهِ لَامَثِيلَ لَهَا عَلَى مَنْ يَرْتَكِبُونَ الْحَرَامَ وَيُسْرِفُونَ فِي ارْتِكَابِهِ اِنْ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ تَوْبَتَهُمْ، نَعَمْ اَخِي: فَاِنِ احْتَجَّ الظَّالِمُونَ عَلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَوْلِهِمْ: اَنْتَ اَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ! فَكَيْفَ يَلِيقُ بِكَ اَنْ تَخْلُقَ الشَّرَّ! فَاِنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ: خَلَقْتُ الشَّرَّ وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ عَدْلاً بِدَلِيلِ قَوْلِي{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا(وَهُنَا جَاءَ شَرُّ الِاعْتِدَاءِ مِنْكُمْ ظُلْماً لِبَعْضِكُمْ بَعْضاً! وَجَاءَ شَرُّ الِاعْتِدَاءِ مِنِّي عَدْلاً، وَبِدَلِيلِ قَوْلِي{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا(وَهُنَا اَيْضاً جَاءَ شَرُّ السَّيِّئَةِ مِنْكُمْ ظُلْماً لِبَعْضِكُمْ بَعْضاً، وَجَاءَ مِنِّي شَرُّ السَّيِّئَةِ هَذَا عَدْلاً عَلَى بَعْضِكُمْ بَعْضاً{قُلْ فَلِلهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ(عَلَى هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ وَاَمْثَالِهِمْ، نَعَمْ اَخِي: وَرَبُّنَا سُبْحَانَهُ قَبْلَ اَنْ يَخْتَبِرَنَا، يَعْلَمُ اِنْ كُنَّا سَنُطِيعُ اَوْ اِنْ كُنَّا سَنَعْصِي، وَلِذَلِكَ حِينَمَا اَرْسَلَ سُبْحَانَهُ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ اِلَى فِرْعَوْنَ، كَانَ يَعْلَمُ قَبْلَ اَنْ يُرْسِلَهُمَا: اَنَّ فِرْعَوْنَ لَنْ يَسْتَجِيبَ لَهُمَا، قَدْ يَقُولُ قَائِل: لِمَاذَا اَرْسَلَهُمَا اِذاً؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي؟ لِاَنَّ الطَّبِيبَ الْمَخْلُوقَ لَايَبْخَلُ عَلَى مَرِيضِهِ بِالْعِلَاجِ وَلَوْ كَانَ يَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ اَنَّ مَرِيضَهُ بِشَحْمِهِ وَلَحْمِهِ لَنْ يَسْتَجِيبَ لِلْعِلَاجِ مَهْمَا قَدَّمَ لَهُ مِنَ الدَّوَاءِ وَالْعَمَلِ الْجِرَاحِيِّ، فَمَابَالُكَ اَخِي بِالطَّبِيبِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ اَكْرَمِ الْاَكْرَمِينَ عَلَى مَخْلُوقِهِ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ؟ نَعَمْ اَخِي: اَللهُ تَعَالَى كَانَ يَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ اَنَّ فِرْعَوْنَ لَنْ يَسْتَجِيبَ لَهُمَا اِلَّا حِينَ{اَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ اَنَّهُ لَا اِلَهَ اِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو اِسْرَائِيلَ وَاَنَا مِنَ الْمُسْلِمِين(وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَافِرْعَوْنَ اَنْ تَنْجُوَ مِنْ تَدَاعِيَاتِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّآَتِ حَتَّى اِذَا حَضَرَ اَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ اِنِّي تُبْتُ الْآَنَ، وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ،اُولَئِكَ اَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً اَلِيمَا(نَعَمْ اَخِي: اَللهُ تَعَالَى كَانَ يَعْلَمُ مُسْبَقاً: اَنَّ فِرْعَوْنَ لَنْ يَسْتَجِيبَ لَهُمَا، وَلَكِنْ رُبَّمَا فِرْعَوْنُ وَاَمْثَالُهُ مِنَ النَّاسِ يَحْتَجُّونَ عَلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَوْلِهِمْ: يَارَبّ اَنْتَ قَاضِي الْقُضَاةِ! وَالْقَاضِي يَارَبِّ لَايَجُوزُ اَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ الْاَزَلِيِّ فِينَا مُسْبَقاً اَنَّنَا لَنْ نَسْتَجِيبَ لَهُ! وَلِذَلِكَ يَارَبِّ! كَيْفَ تُعَذِّبُنَا وَتُعَذِّبُ فِرْعَوْنَ وَاَمْثَالَهُ قَبْلَ اَنْ تُرْسِلَ اِلَيْهِمَا رَسُولاً!؟ فَيَقُولُ اللهُ: قَدْ اَرْسَلْتُ لِفِرْعَوْنَ رَسُولَيْنِ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِمَا! وَقَدْ اَرْسَلْتُ اِلَيْكُمْ اَنْتُمْ اَيْضاً اَيُّهَا النَّاسُ{رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل(نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لَايَجُوزُ لَهُ اَنْ يُعَذِّبَ فِرْعَوْنَ قَبْلَ اَنْ يُرْسِلَ اِلَيْهِ رَسُولاً، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي اَخَذَهُ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ اَنْ يَاْخُذَهُ عَلَى مَخْلُوقَاتِهِ جَمِيعاً وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة( وَلِذَلِكَ اَرْسَلَ سُبْحَانَهُ مُوسَى رَحْمَةً لِبَنِي اِسْرَائِيلَ، وَاَرْسَلَ مُحَمَّداً رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ مِنْ بَنِي اِسْرَائِيلَ وَمِنْ غَيْرِ بَنِي اِسْرَائِيلَ، بَلْ رَحْمَةً لِلْمَخْلُوقَاتِ جَمِيعاً مِنَ الْاِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْجَمَادِ، عَلَيْهِ وَعَلَى اَخِيهِ مُوسَى الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، نَعَمْ اَخِي: وَنَاْتِي الْآَنَ اِلَى سَبَبٍ مِنْ اَسْبَابِ نُزُولِ الْآَيَاتِ فِي سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ وَهُوَ مَايُسَمَّى بِصُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَمَاهِيَ قِصَّةُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ هَذَا؟ نَعَمْ اَخِي: حِينَمَا جَاءَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِيَعْتَمِرَ وَمُنِعَ مِنْ دُخُولِ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ! ثُمَّ حَصَلَتْ مُفَاوَضَاتٌ مَابَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْكُفَّارِ وَمَابَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَرْاَسُهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَعَمْ اَخِي: وَكَانَتْ نَتِيجَةُ هَذِهِ الْمُفَاوَضَاتِ: اَنَّهَا تَمَخَّضَتْ عَنْ صُلْحٍ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا الصُّلْحُ مُدَّتُهُ عَشْرُ سَنَوَاتٍ، وَكَانَ مِنْ بُنُودِ الصُّلْحِ الَّذِي اَثَارَ مَشَاعِرَ الْمُسْلِمِينَ وَاَثَارَ اعْتِرَاضَهُمْ عَلَيْهِ: اَنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ اَهْلِ مَكَّةَ اِلَى الْمُسْلِمِينَ؟ فَمَثَلاً: رَجُلٌ مُشْرِكٌ كَافِرٌ فِي مَكَّةَ اَسْلَمَ وَاَرَادَ اَنْ يَلْحَقَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي الْمَدِينَةِ، فَعَلَى رَسُولِ اللهِ اَنْ يَرُدَّهُ اِلَى الْمُشْرِكِين! نَعَمْ اَخِي: وَبِالْعَكْسِ: لَوْ اَنَّ مُسْلِماً مَثَلاً اِرْتَدَّ فِي الْمَدِينَةِ عَنْ دِينِ الْاِسْلَامِ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ الْكُفَّارِ فِي مَكَّةَ، فَلَا تُلْزَمُ قُرَيْشٌ بِاَنْ تُعِيدَهُ اِلَى رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، نَعَمْ اَخِي: وَطَبْعاً حينما نَنْظُرُ نَظْرَةً عَابِرَةً اِلَى هَذَا الصُّلْحِ الْحُدَيْبِيِّ ،فَاِنَّ هَذَا فِيهِ ظُلْمٌ كَبِيرٌ لِلْمُسْلِمِينَ حِينَمَا يَرُدُّ الْمُسْلِمُونَ مَنْ اَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اِلَى الْمُشْرِكِينَ وَالْعَكْسُ غَيْرُ صَحِيح!!! وَلِذَلِكَ كَانَ هُنَاكَ مِنَ الْمُعْتَرِضِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَلَى رَاْسِهِمْ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، نَعَمْ اَخِي: فَذَهَبَ عُمَرُ يَشْكُو مَافِي نَفْسِهِ اِلَى اَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا! فَمَاذَا قَالَ لَهُ اَبُو بَكْرٍ؟ نَعَمْ اَخِي: قَالَ لَهُ: اِلْزَمْ غِرْزَهُ فَاِنَّهُ رَسُولُ الله، نَعَمْ اَخِي: حِينَمَا تَصْعَدُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ، فَاِنَّكَ تَضَعُ رِجْلَكَ فِي رِكَابِهَا، وَهَذَا الرِّكَابُ يُسَمَّى الْغِرْزَ، وَالْمَعْنَى: اَنَّ اَبَا بَكْرٍ يَقُولُ لِعُمَرَ: كُنْ وَرَاءَهُ وَلَاتُخَالِفْهُ فِي شَيْء، نَعَمْ اَخِي: فَلَمْ يَشْفِ هَذَا الْكَلَامُ مَافِي صَدْرِ عُمَرَ مِنَ الْغَيْظِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَذَهَبَ اِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُغْضَباً مُغْتَاظاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ اَشَدَّ الْغَيْظِ! فَاَجَابَهُ الرَّسُولُ الدَّاعِيَةُ اِلَى اللهِ بِكُلِّ تُؤَدَةٍ وَهُدُوءٍ؟ لِاَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَعْلَمُ: اَنَّ عُمَرَ اِنْسَانٌ يُرِيدُ اَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ وَالْحَقِيقَةَ وَاِنْ كَانَ اُسْلُوبُهُ قَاسِياً فِي التَّحَرِّي وَالتَّفْتِيشِ عَنِ الْحَقِّ وَالْحَقِيقَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُعَنِّفْهُ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ! وَلَمْ يُوَبِّخْهُ، وَلَمْ يَحْقِدْ عَلَيْهِ* (فَلِمَاذَا نَحْنُ الْمُسْلِمِينَ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ نُعَنِّفُ الدُّعَاةَ اِلَى اللهِ وَنُوَبِّخُهُمْ وَنَحْقِدُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُرْشِدُونَنَا اِلَى الْحَقِّ وَالْحَقِيقَةِ وَاِنْ كَانَ اُسْلُوبُهُمْ قَاسِياً فِي الدَّعْوَةِ اِلَى الله!؟ لِمَاذَا نَتَحَمَّلُ الطَّبِيبَ الْمُعَالِجَ حِينَمَا يُعَنِّفُنَا بِاَقْسَى الْكَلَامِ مِنْ اَجْلِ اَنْ نَتْرُكَ التَّدْخِينَ! اَوْ مِنْ اَجْلِ اَنْ نَحْتَمِيَ مِنْ اَكْلِ الْحَلْوَى الَّتِي تَزِيدُ الدَّاءَ السُّكَّرِيَّ لِلْمُصَابِينَ بِهِ خُطُورَةً! وَلَانَتَحَمَّلُ الدُّعَاةَ اِلَى اللهِ حِينَمَا يُعَنِّفُونَنَا بِاَقْسَى الْكَلَامِ مِنْ اَجْلِ اَنْ نَتْرُكَ الْمُحَرَّمَاتِ! نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: قَدْ يَحْتَجُّ عَلَيَّ الْبَعْضُ مِنْكُمْ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[ مَادَخَلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ اِلَّا زَانَه! وَمَانُزِعَ مِنْ شَيْءٍ اِلَّا شَانَه( نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: وَقَدْ يَحْتَجُّ عَلَيَّ الْبَعْضُ مِنْكُمْ اَيْضاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُون{اِذْهَبَا اِلَى فِرْعَوْنَ اِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ اَوْ يَخْشَى(نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: وَلَكِنَّكُمْ مَعَ الْاَسَفِ دَائِماً وَاَبَداً تَتَجَاهَلُونَ اَنَّ اللهَ تَعَالَى اَرْسَلَ مُوسَى وَهَارُونَ اِلَى فِرْعَوْنَ بِالْعَصَا! وَالْعَصَا لِمَنْ عَصَى! قَبْلَ اَنْ يُرْسِلَهُمَا بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ الى فرعون! بَلْ قَبْلَ اَنْ يَذْكُرَ لَهُمَا سُبْحَانَهُ شَيْئاً عَنِ الْقَوْلِ اللَّيِّنِ! فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِل{وَمَاتِلْكَ بِيَمِينِكَ يَاموُسَى(اِلَى اَنْ قَالَ{اذْهَبَا اِلَى فِرْعَوْنَ(بِهَذِهِ الْعَصَا{اِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ( نَعَمْ اَخِي: وَكَلِمَةُ لَعَلَّهُ: يَقُولُ عَنْهَا عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ اَنَّهَا اِذَا قَالَهَا اللهُ تَعَالَى فَقَدْ وَجَبَتْ! بِمَعْنَى اَنَّ فِرْعَوْنَ لَابُدَّ اَنْ يَتَذَكَّرَ اَوْ يَخْشَى! وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الْعُلَمَاء: نَعَمْ لَقَدْ وَجَبَتْ اِلَّا مَعَ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ اَمْثَالَ فِرْعَوْن، وَفِعْلاً: فقَدْ وَجَبَتْ حِينَمَا مَرَّتْ لَحَظَاتٌ خَاطِفَةٌ وَسَرِيعَةٌ مِنَ الْغَرَقِ مَعَ الظَّالِمِينَ اَمْثَالِ فِرْعَوْنَ تَذَكَّرُوا فِيهَا وَخَشُوا مِنَ اللهِ وَخَافُوا مِنْهُ اَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِمْ سَخَطَهُ وَعَذَابَهُ، وَلَكِنَّهُمْ مَالَبِثُوا اَنْ عَانَدُوا وَاَصَرُّوا عَلَى ضَلَالِهِمْ وَكُفْرِهِمْ! بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ اِبْرَاهِيمَ{فَرَجَعُوا اِلَى اَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا: اِنَّكُمْ اَنْتُمُ الظَّالِمُونَ! ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ! لَقَدْ عَلِمْتَ مَاهَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ( وَلِذَلِكَ نَحْنُ نَقُولُ عَنْ كَلِمَةِ لَعَلَّهُ: اَنَّهَا وَجَبَتْ مِنَ اللهِ مَعَ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ بِخَوْفِهِمْ وَخَشْيَتِهِمْ مِنَ اللهِ! وَلَكِنْ بِلَحَظَاتٍ خَاطِفَةٍ سَرِيعَةٍ لَاتَلْبَثُ اَنْ تَضْمَحِلَّ وَتَتَبَخَّرَ وَتَتَلَاشَى وَتَخْتَفِي، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ: قَدْ يَصْحُو ضَمِيرُهُمْ لِفَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، وَلَكِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ اِلَى مَنْ يُثَبِّتُ لَهُمْ هَذَا الصَّحْوَ الضَّمِيرِيَّ وَهَذَا الْاِيمَانَ الَّذِي جَاءَهُمْ فَجْاَةً، فَعَلَى الدُّعَاةِ اِلَى اللهِ هُنَا اَنْ يَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ فِي دَعْوَتِهِمْ اِلَى اللهِ؟ لِاَنَّهَا فُرْصَةٌ ذَهَبِيَّةٌ جَاءَتْ لِهَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ لِيُعْلِنُوا تَوْبَتَهُمْ وَرُبَّمَا لَنْ تَتَكَرَّرَ بَعْدَهَا اَبَداً! وَلَاشَكَّ اَنَّ عَلَى الدُّعَاةِ هُنَا عِبْئاً كَبِيراً وَحِمْلاً ثَقِيلاً فِيمَا سَيُوَاجِهُونَهُ مِنْ اَصْعَبِ الْاَسَالِيبِ فِي دَعْوَتِهِمْ اِلَى اللهِ؟ لِتَثْبِيتِ اِيمَانِهِمْ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ عَلَى الدُّعَاةِ هُنَا: اَنْ يَنْتَقُوا مِنَ الْكَلِمَاتِ الْمُؤَثِّرَةِ مَايُثَبِّتُ اِيمَانَ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ اَكْثَرَ فَاَكْثَر اِلَى اَنْ يَرْبِطَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِالتَّوْبَةِ وَالْاِيمَانِ وَلاَيُفْلِتَ شَيْءٌ مِنْهُمَا مِنْ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ اَبَداً، وَعَلَى الدُّعَاةِ اَنْ يَعْمَلُوا دَائِماً بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ! وَهِيَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[ اِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ فِي قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمِينَ الظَّالِمِينَ غِلَّاً وَحِقْداً وَضَغِينَةً وَكُرْهاً وَحَسَداً وَعَدَاءً عَلَى الْاِسْلَامِ وَاَهْلِهِ وَفِي يَدِ اَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ اَوْ بِذْرَةٌ صَغِيرَةٌ جِدّاً مِنَ الْخَيْرِ لَاتَكَادُ تُرَى بِالْعَيْنِ الْمُجْرَّدَةِ، فَلْيَغْرِسْهَا فِي قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ وَلَايَقْطَعِ الْاَمَلَ مِنْ هَدَايَتِهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ اِلَى اللهِ اَبَداً(اَوْ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، وَعَلَى الدُّعَاةِ هُنَا: اَنْ يَدْعُوا لَهُمْ دَائِماً بِقَوْلِهِمْ: اَللَّهُمَّ يَامُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَهُمْ عَلَى الْاِيمَانِ، وَلَايَيْاَسُوا مِنْ هِدَايَتِهِمْ اَبَداً، فَلَقَدْ اَسْلَمَ ابْنُ الْخَطَّابِ وَكَانَ النَّاسُ جَمِيعاً يَتَوَقَّعُونَ اَنْ يُسْلِمَ حِمَارُ ابْنُ الْخَطَّابِ وَلَمْ يَكُونُوا اَبَداً يَتَوَقَّعُونَ اَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الَّذِي كَانَ فِرْعَوْنَ قُرَيْشٍ قَبْلَ اَنْ يُسْلِمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)* نَعَمْ اَخِي: فَقَالَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ: اَلَسْتَ بِرَسُولِ الله! فَقَالَ: نَعَمْ اَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه! فَقَالَ عُمَرُ: اَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِل! فَقَالَ: بَلَى نَحْنُ عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِل! فَقَالَ: اِذاً لِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا!(نَعَمْ اَخِي: وَالدَّنِيَّةُ هِيَ الذُّلُّ، وَالْمَعْنَى: لِمَاذَا نُذِلُّ اَنْفُسَنَا طَالَمَا نَحْنُ عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى بَاطِل! فَقَالَ: اَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَلَنْ يَخْذُلَنِي الله!(وَالْمَعْنَى: اَنَّهُ سَيَحْدُثُ شَيْءٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُقَدِّرُهُ اللهُ، وَسَيَتَبَيَّنُ لَكُمْ اَيُّهَا الْمُعْتَرِضُونَ وَاَنْتَ مِنْهُمْ يَاعُمَرُ: اَنِّي عَلَى حَقّ! نَعَمْ اَخِي: فَمَاذَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِك؟ نَعَمْ اَخِي: حَدَثَ اَنَّ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُكْنَى اَبَا بَصِيرٍ، اَسْلَمَ فِي مَكَّةَ، وَلَحِقَ بِرَسُولِ اللهِ فِي الْمَدِينَةِ، وَطَبْعاً تَبِعَهُ الْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَهُ تَنْفِيذاً لِبُنُودِ الصُّلْحِ الْحُدَيْبِيِّ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ: نَعَمْ سَاُعْطِيكُمْ اِيَّاهُ! فَقَالَ اَبُو بَصِيرٍ: يَارَسُولَ اللهِ! اَتُسَلِّمُنِي لَهُمْ بِهَذِهِ الْبَسَاطَة! فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: نَعَمْ مَعَ الْاَسَفِ؟ لِاَنَّ الْعَهْدَ لَابُدَّ اَنْ يُنَفَّذَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا، نَعَمْ اَخِي: وَاتَّفَقَ اَنْ جَاءَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَجُلَانِ، فَاَخَذَا اَبَا بَصِيرٍ هَذَا لِيُسْلِمَاهُ اِلَى الْعَذَابِ فِي مَكَّةَ؟ بِسَبَبِ تَرْكِهِ دِينَ آَبَائِهِمْ وَاَجْدَادِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، وَبَيْنَما هُمَا يَمْشِيَانِ بِهِ اِلَى مَكَّةَ، نَزَلُوا جَمِيعاً تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ؟ لِيَرْتَاحُوا مِنْ عَنَاءِ السَّفَرِ، نَعَمْ اَخِي: وَكَانَ اَبُو بَصِيرٍ يَعْلَمُ اَنَّ خَارِجَ الْمَدِينَةِ لَيْسَ لِرَسُولِ اللهِ حُكْمٌ وَلَاسُلْطَةٌ عَلَيْهِ، فَمَاذَا قَالَ اَبُو بَصِير لِهَذَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ الْكَافِرَيْنِ؟ نَعَمْ اَخِي: قَالَ لِاَحَدِهِمَا الَّذِي يَحْمِلُ السَّيْفَ: مَاشَاءَ اللهُ! مَاهَذَا السَّيْفُ الرَّائِعُ الَّذِي مَعَكَ! هَذَا فِعْلاً سَيْفٌ لَاتَسْتَحِقُّهُ اِلَّا هَذِهِ الْيَدُ الَّتِي تُمْسِكُ بِهِ! وَيَبْدُو اَنَّكَ مُحَارِبٌ شُجَاعٌ! وَاَنَّكَ ضَرَّابُ سَيْفٍ! وَاَنَّ سَيْفَكَ هذا حُسَامٌ بَتَّارٌ قَاطِعٌ! وَاَنَّهُ كَذَا وَكَذَا! وَاَنَّكَ كَذَا وَكَذَا! نَعَمْ اَخِي: فَاَخَذَ اَبُو بَصِيرٍ يَخْدَعُهُ وَيَمْكُرُ بِهِ وَيُرَاوِدُهُ عَنْ سَيْفِهِ حَتَّى اَلَانَهُ وَجَعَلَهُ يَاْمَنُ جَانِبَهُ بِمَا اَشْبَعَهُ مِنَ الْكَلَامِ الْمَعْسُولِ الَّذِي يَجْلِبُ لِمَنْ يَسْمَعُهُ مَزِيداً مِنَ الْغُرُورِ وَالذُّهُولِ الَّذِي يُغَطِّي عَلَى عَقْلِ اَكْبَرِ عَبْقَرِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَيَجْعَلُهُ اَحْمَقَ غَبِيّاً! فَقَالَ لَهُ اَبُو بَصِيرٍ: اَرِنِي هَذَا السَّيْفَ، نَعَمْ اَخِي: فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْمُشْرِكِ الْغَبِيِّ اِلَّا اَنْ اَعْطَاهُ السَّيْفَ! فَاَمْسَكَ اَبُو بَصِيرٍ بِالسَّيْفِ! فَقَطَعَ رَاْسَ هذا الْمُشْرِكِ الْغَبِيِّ! فَمَا كَانَ مِنْ صَاحِبِهِ الْمُشْرِكِ الْآَخَرِ اِلَّا اَنْ وَلَّى الْاَدْبَارَ وَفَرَّ هَارِباً اِلَى مَكَّة، نَعَمْ اَخِي: فَعَادَ اَبُو بَصِيرٍ اِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ لَا ! لَايَجُوزُ اَنْ اُبْقِيَكَ هُنَا! نَعَمْ اَخِي: فَمَا كَانَ مِنْ اَبُو بَصِيرٍ هَذَا اِلَّا اَنْ خَرَجَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ مَكْسُورَ الْخَاطِرِ وَاسْتَوْطَنَ فِي مَكَانٍ مَابَيْنَ الشَّامِ وَمَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ الْقَوَافِل، نَعَمْ اَخِي: فَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ الْمُسْتَضْعَفُونَ فِي مَكَّةَ اَنَّ اَبَا بَصِيرٍ هَذَا مَوْجُودٌ فِي مَكَانِ كَذَا، اَخَذُوا يَهْرُبُونَ اِلَيْهِ وَيُعَفِّرُونَ عِنْدَهُ وَيَتَعَرَّضُونَ لِقَوَافِلِ قُرَيْشٍ غَصْباً وَسَلْباً وَنَهْباً؟ مِنْ اَجْلِ اسْتِرْجَاعِ حُقُوقِهِمْ مِنَ الْاَمْوَالِ الَّتِي اَخَذَهَا الْكُفَّارُ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي مَكَّةَ وَعَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ، فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَااعْتَدَى عَلَيْكُمْ{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ، سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا( نَعَمْ اَخِي: فَمَا كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ؟ اِلَّا اَنْ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ(ضُمَّهُمْ اِلَيْكَ! وَاَرِحْنَا مِنْهُمْ! نَعَمْ اَخِي: وَمَرَّتِ الْاَيَّامُ، وَمَازَالَ اَبُو بَصِيرٍ مُعَسْكِراً خَارِجَ الْمَدِينَةِ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، فَلَمَّا جَاءَ كِتَابُ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَاْمُرُهُمْ بِاَنْ يَنْضَمُّوا اِلَى الْمَدِينَةِ، كَانَ اَبُو بَصِيرٍ يُنَازِعُ فِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، فَاَخَذَ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ، فَقَرَاَهُ، وَشَمَّهُ، وَقَبَّلَهُ، وَضَمَّهُ اِلَى صَدْرِهِ، وَمَا اِنِ انْتَهَى مِنْهُ اِلَّا وَقَدْ فَارَقَ الْحَيَاةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ، فَقَدْ كَانَ لَهُ رَحِمَهُ اللهُ فَضْلٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللهِ عَلَى الْاِسْلَامِ وَاَهْلِهِ، وَبِفَضْلِ اللهِ، ثُمَّ بِفَضْلِ رَسُولِهِ وَصَحَابَتِهِ وَآَلِهِ، ثُمَّ بِفَضْلِ اَبُو بَصِيرٍ، قَوِيَتْ شَوْكَةُ الْاِسْلَامِ كَثِيراً بَعْدَ ذَلِكَ، فَانْظُرْ اَخِي اِلَى نَظْرَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَيْفَ كَانَتْ نَظْرَةً حَكِيمَة! نَعَمْ اَخِي: وَنَتَحَوَّلُ الْآَنَ تَحَوُّلاً سَرِيعاً عَوْداً عَلَى بَدْءٍ اِلَى بُنُودِ هَذَا الصُّلْحِ الْحُدَيْبِيِّ، وَمِنْهَا بَنْدٌ ظَالِمٌ يُرَدُّ بِمُوجَبِهِ الْمُسْلِمُ اِلَى مَكَّةَ، وَلَاتُلْزَمُ قُرَيْشٌ بِاِعَادَةِ الْمُرْتَدِّ عَنْ دِينِ الْاِسْلَامِ اِلَى الْمَدِينَة، نَعَمْ اَخِي: وَالشَّيْءُ الْمُلْفِتُ لِلنَّظَرِ هُنَا: هُوَ اَنَّ النِّسَاءَ لَمْ يُذْكَرْنَ فِي هَذَا الصُّلْحِ الْحُدَيْبِيِّ! فَلَوْ اَنَّ امْرَاَةً مُشْرِكَةً اَسْلَمَتْ وَجَاءَتْ اِلَى مُعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَدِينَةِ، وَبِالْعَكْسِ فِيمَا لَوْ اَنَّ امْرَاَةً مُسْلِمَةً اِرْتَدَّتْ عَنْ دِينِ الْاِسْلَامِ وَلَحِقَتْ بِمُعَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ فِي مَكَّةَ، فَمَاذَا تَكُونُ النَّتِيجَةُ؟ هَلْ تُلْزَمُ قُرَيْشٌ بِاِعَادَةِ الْمَرْاَةِ الْمُرْتَدَّةِ عَنْ دِينِهَا اِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ اَجْلِ اَنْ تُسْتَتَابَ وَيُخَلَّى سَبِيلُهَا فِيمَا لَوْ تَابَتْ اَوْ مِنْ اَجْلِ اَنْ تُقْتَلَ فِيمَا لَوْ اَصَرَّتْ عَلَى رِدَّتِهَا؟ وَهَلْ يُلْزَمُ رَسُولُ اللهِ بِاِعَادَةِ الْمَرْاَةِ الْمُشْرِكَةِ الَّتِي اَسْلَمَتْ اِلَى قَوْمِهَا مِنْ اَجْلِ اَنْ تَنَالَ حِصَّتَهَا مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ بِسَبَبِ تَرْكِهَا دِينَ الْآَبَاءِ وَالْاَجْدَادِ الْكَافِرين؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: دَعْنَا الْآَنَ نَعُودُ بِعَقَارِبِ السَّاعَةِ اَيْضاً شَيْئاً قَلِيلاً اِلَى الْوَرَاءِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ حَصَلَ فِيهِ هَذَا الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ تُذْكَرِ النِّسَاءُ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ مِنَ الصُّلْحِ الْحُدَيْبِيِّ! وَلِذَلِكَ حَاوَلَتْ بَعْضُ النِّسَاءِ اللَّحَاقَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي وَقْتٍ كَانَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ مَازَالُوا قَرِيبِينَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَخْرُجُوا بَعِيداً عَنْهَا، فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا: نَحْنُ نُرِيدُ هَؤُلَاءِ النِّسَاءَ، فَاَرَادَ اللهُ تَعَالَى اَنْ يُبَيِّنَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ: اَنَّ لِهَؤُلَاءِ النِّسَاءِ حُكْماً خَاصَّاً يَسْتَثْنِي النِّسَاءَ مِنْ بُنُودِ الْمُعَاهَدَةِ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَيْهَا مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي الَّذِي نَزَلَ مِنْ قَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى{يَااَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ(مِنَ الِامْتِحَانِ وَهُوَ الِاخْتِبَارُ، أَيْ فَاخْتَبِرُوهُنَّ{فَاِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ، فَلَاتَرْجِعُوهُنَّ اِلَى الْكُفَّار(نَعَمْ اَخِي: فَكَانَ يُؤْتَى بِهَذِهِ الْمَرْاَةِ، وَتُسْتَحْلَفُ بِاللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: اَنَّهَا مَاخَرَجَتْ اِلَّا هَارِبَةً فَارَّةً بِدِينِهَا، وَلَاتُرِيدُ اَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ اَرْضٍ اِلَى اَرْضٍ مِنْ اَجْلِ النُّزْهَةِ وَالسِّيَاحَةِ، وَلَاهِيَ تَكْرَهُ زَوْجَهَا الْمُشْرِكَ؟؟ وَلَاتُرِيدُ الدُّنْيَا فِي هِجْرَتِهَا اِلَى الْمَدِينَةِ، نَعَمْ اَخِي: وَطَبْعاً اِذَا اَرَدْنَا اَنْ نَعُودَ بِعَقَارِبِ السَّاعَةِ مَرَّةً اُخْرَى اِلَى الْوَرَاءِ، سَنَجِدُ اَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ شَرْعاً اَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ مُشْرِكٍ كَافِرٍ! لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْاَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ زَوَاجٍ وَطَلَاقٍ وَحَلَالٍ وَحَرَامٍ، لَمْ تَاْتِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الظُّرُوفَ الْحَرِجَةَ الَّتِي كَانَ يَمُرُّ بِهَا الْمُسْلِمُونَ فِي مَكَّةَ وَهُمَ فِي حَالَةٍ مِنَ الضَّعْفِ الشَّدِيدِ، كَانَتْ لَاتُسَاعِدُهُمْ عَلَى اَنْ يَاْمُرُوا هَؤُلَاءِ النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ بِمُفَارَقَةِ اَزْوَاجِهِنَّ الْمُشْرِكِينَ الْكُفَّارِ، وَاِنَّمَا حَصَلَ التَّحْرِيمُ لِزَوَاجِ الْمُؤْمِنَةِ مِنَ الْكَافِرِ الْمُشْرِكِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ اِلَى الْمَدِينَة، نَعَمْ اَخِي: فَكَانَتِ الْمَرْاَةُ تُسْتَحْلَفُ بِذَلِكَ، فَاِذَا حَلَفَتْ وَاَقْسَمَتْ بِاللهِ، فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى{فَاِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ اِلَى الْكُفَّار(نَعَمْ اَخِي: وَهُنَا اُرِيدُ اَنْ اَسْاَلَكَ سُؤَالاً مُهِمّاً جِدّاً وَهُوَ التَّالِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى{فَاِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَات(فَهَلْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ اَنِ امْتَحَنُوهُنَّ اَنَّ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ مُؤْمَنَاتٍ حَقَّ الْاِيمَانِ مِنْ قُلُوبِهِنَّ؟ اَمْ رُبَّمَا هُنَّ مُؤْمِنَاتٍ بِاَلْسِنَتِهِنَّ فَقَطْ كَاِيمَانِ الْمُنَافِقَات؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بَلْ عَلِمُوا ذَلِكُمُ الْاِيمَانَ بِاَلْسِنَتِهِنَّ فَقَطْ! لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْقَلْبَ لَايَطَّلِعُ عَلَيْهِ اِلَّا الله! وَلِذَلِكَ يَقُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام:[ نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ! وَاللهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِر!( نَعَمْ اَخِي: سَرِيرَةُ الْاِنْسَانِ: اَللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهَا! نَعَمْ اَخِي: وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ جَاءَ اَيْضاً قَوْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَرِيباً مِنْ مَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَنْ خَدَعَنَا فِي اللهِ، انْخَدَعْنَا لَهُ، وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ اَلَّا نَكُونَ عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رُبَّمَا آَمَنُوا بِاَلْسِنَتِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى{فَاِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ(وَلَوْ بِالظَّاهِرِ{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ اِلَى الْكُفَّارِ، لَاهُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وَلَاهُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ(نَعَمْ اَخِي: اِعْتِبَاراً مِنَ الْآَنَ فَصَاعِداً، لَايَجُوزُ لِلْمَرْاَةِ الْمُسْلِمَةِ اَنْ تَكُونَ تَحْتَ عِصْمَةِ مُشْرِكٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَلَاتُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا، وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ اَعْجَبَكُمْ(نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى{وَآَتُوهُمْ مَااَنْفَقُوا(يَاسَلَامْ عَلَى عَدَالَةِ الْاِسْلَام!!! فَاِذَا حَصَلَتْ مُفَارَقَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَةِ وَالْمُشْرِكِ، وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ هَذِهِ الظُّرُوفِ الْحَرِجَةِ الَّتِي مَرَّ بِهَا الْمُسْلِمُونَ، وَالَّتِي رُبَّمَا يَتَقَوَّى بِهَا اَعْدَاءُ الْاِسْلَامِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْاَمْوَالِ الَّتِي يَاْخُذُونَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ: فَاِنَّكَ اَخِي تَرَى الْعَدْلَ مُقْتَرِناً بِاَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْاِسْلَامِيَّةِ السَّمْحَاءِ! فَمَاهُوَ هَذَا الْعَدْلُ! هُنَا؟ نَعَمْ اَخِي: هَذَا الْمُشْرِكُ تَزَوَّجَ هَذِهِ الْمَرْاَةَ الْمُسْلِمَةَ، وَدَفَعَ لَهَا مَهْراً، فَجَاءَتِ الْفِرْقَةُ مِنْ قِبَلِهِ طَلَاقاً لَهَا اَمْ مِنْ قِبَلِهَا خَلْعاً لَهُ اِنْ صَحَّ التَّعْبِير؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بَلْ مِنْ قِبَلِهَا؟ لِاَنَّهَا اَسْلَمَتْ وَصَارَتْ مُحَرَّمَةُ عَلَيْهِ، فَعَلَيْهَا اَنْ تُعِيدَ لَهُ مَهْرَهُ اِذَا اسْتَطَاعَتْ اِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، وَاِلَّا فَالرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِمَا يَحْصَلُ عَلَيْهِ مِنْ غَنَائِمَ، فَاِنَّهُ يُعِيدُ مِنْ خِلَالِهَا الْمَهْرَ اِلَى زَوْجِهَا، نَعَمْ اَخِي {وَآَتُوهُمْ مَااَنْفَقُوا(بِمَعْنَى آَتُوا اَزْوَاجَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ الَّذِينَ مَازَالُوا مُشْرِكِينَ وَلَمْ يُسْلِمُوا بَعْدُ مَااَنْفَقُوا: أَيْ مَادَفَعُوا مِنَ الْمُهُورِ عَلَيْهِنَّ فِي الْفَتْرَةِ الَّتِي سَمَحَ اللهُ بِزَوَاجِهِمْ بِهِنَّ، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ يُوَجِّهُ سُبْحَانَهُ خِطَابَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ قَائِلاً:{وَلَاجُنَاحَ عَلَيْكُمْ اَنْ تَنْكِحُوهُنَّ(نَعَمْ اَخِي: اِنْتَهَى زَوَاجُهَا مِنَ الزَّوْجِ الْاَوَّلِ الْمُشْرِكِ، فَلَاجُنَاحَ عَلَيْكُمْ اَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ اَنْ تَتَزَوَّجُوهُنَّ{اِذَا آَتَيْمُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ(أَيْ مُهُورَهُنَّ، نَعَمْ اَخِي: وَكَلِمَةُ اُجُورَهُنَّ: جَمْعٌ مُفْرَدُهُ اَجْرُهَا، وَكَلِمَةُ اَجْرُهَا: هِيَ اسْمٌ مِنْ اَسْمَاءِ الْمَهْرِ، وَكَذَلِكَ اَيْضاً كَلِمَةُ صَدَاقٍ: هِيَ اسْمٌ مِنْ اَسْمَاءِ الْمَهْرِ وَهِيَ مُفْرَدَة وَاَمَّا جَمْعُهَا فَهُوَ مَاوَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ( نَعَمْ اَخِي: وَكَلِمَةُ اَجْرٍ: وَكَلِمَةُ صَدَاقٍ: كِلْتَاهُمَا فِي لُغَتِنَا الْعَرَبِيَّةِ تُسَمَّى: مُرَادِفَات، وَكَلِمَةُ مُرَادِفَاتٍ هِيَ بِمَعْنَى: اَنَّ عِدَّةَ كَلِمَاتٍ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تُؤَدِّي اِلَى مَعْنَى وَاحِدٍ، فَمَثَلاً كَلِمَةُ اَجْرٍ وَكَلِمَةُ صَدَاقٍ وَكَلِمَةُ قِنْطَارٍ الَّتِي وَرَدَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{وَآَتَيْتُمْ اِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً( تُؤَدِّي جَمِيعُهَا اِلَى مَعْنىً وَاحِدٍ وَهُوَ الْمَهْرُ سَوَاءً كَانَ مَهْراً مُقَدَّماً اَوْ مَهْراً مُؤَخَّراً اَوْ مَهْراً مَقْبُوضاً اَوْ مَهْراً غَيْرَ مَقْبُوض، نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُعَبِّرُ عَنِ الْمَهْرِ تُسَمَّى: مُرَادِفَات،نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا اِذَا عَكَسْنَا الْمُعَادَلَةَ الْفِيزْيَائِيَّةَ اَوِ الْكِيمْيَائِيَّةَ اَوِ الْجَبْرِيَّةَ اَوِ الْهَنْدَسِيَّةَ التَّعْبِيرِيَّةَ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَاَصْبَحَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ يُؤَدِّي اِلَى عِدَّةِ مَعَانِي، فَهَذَا اللَّفْظُ الْوَاحِدُ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِالْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ، فَمَثَلاً: ذَكَرْتُ لَكَ اَخِي فِي مُشَارَكَاتٍ سَابِقَةٍ مِثَالاً عَنِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الَّذِي يُؤَدِّي اِلَى عِدَّةِ مَعَانِي، فَمَثَلاً كَلِمَةُ عَيْنٍ تُؤَدِّي اِلَى عِدَّةِ مَعَانِيَ مِنْهَا: مَعْنَى الْعَيْنِ الْمَعْرُوفَةِ الَّتِي نُبْصِرُ بِهَا، وَتُؤَدِّي اَيْضاً اِلَى مَعْنَى الْجَاسُوسِ، وَتُؤَدِّي اَيْضاً اِلَى مَعْنَى الْمِيَاهِ الْجَارِيَةِ وَمَنْبَعِهَا، فَمَثَلاً نَقُولُ: شَرِبْتُ مِنَ الْعَيْنِ: بِمَعْنَى شَرِبْتُ مِنْ عَيْنِ النَّبْعِ اَوْ عَيْنِ النَّهْرِ، نَعَمْ اَخِي: وَتُطْلَقُ كَلِمَةُ عَيْنٍ اَيْضاً عَلَى ذَاتِ الْاِنْسَانِ وَتُؤَدِّي اِلَى هَذَا الْمَعْنَى، فَمَثَلاً اِذَا قُلْنَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ: جَاءَ زَيْدٌ عَيْنُهُ: فَهِيَ بِمَعْنَى جَاءَ زَيْدٌ ذَاتُهُ، نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا كَانَتِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ لَهَا عِدَّةُ مَعَانِي وَمِنْهَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهِيَ الْعَيْنُ، فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تُسَمَّى الْمُشْتَرَكَ اللَّفْظِيَّ، وَاَمَّا اِذَا كَانَتِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ لَهَا عِدَّةُ كَلِمَاتٍ اُخْرَى تُؤَدِّي جَمِيعُهَا اِلَى مَعْنَاهَا، فَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُؤَدِّي جَمِيعُهَا اِلَى مَعْنَاهَا تُسَمَّى مُتَرَادِفَات، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى{وَلَاتُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ( نَعَمْ اَخِي: وَكَلِمَةُ كَوَافِر: هِيَ جَمْعٌ مُفْرَدُهُ كَافِرَة، وَكَلِمَةُ كَافِرَة: تُجْمَعُ فِي لُغَتِنَا عَلَى جَمْعِ مُؤَنَّثٍ سَالِمٍ وَهُوَ كَلِمَةُ كَافِرَات، وَتُجْمَعُ اَيْضاً عَلَى جَمْعٍ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ جَمْعَ التَّكْسِيرِ وَهُوَ كَلِمَةُ كَوَافِرَ الَّتِي مَعَنَا فِي الْآَيَة، نَعَمْ اَخِي: وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مَثَلاً آَخَرَ: وَهُوَ كَلِمَةُ فَاطِمَةَ الَّتِي تُجْمَعُ عَلَى جَمْعِ مُؤَنَّثٍ سَالِمٍ وَهُوَ فَاطِمَاتٌ، وَتُجْمَعُ اَيْضاً عَلَى جَمْعِ تَكْسِيرٍ وَهُوَ فَوَاطِمُ، نَعَمْ اَخِي: وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْآَيَةِ: اَنَّهُ لَاعِصْمَةَ لِلْمُشْرِكِ عَلَى امْرَاَتِهِ الْمُسْلِمَةِ بَعْدَ نُزُولِ آَيَةِ التَّحْرِيمِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْعِصْمَةَ انْفَرَطَتْ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُسْلِمِ وَالْمُشْرِكِ، نَعَمْ اَخِي: وَهُنَا يَقُولُ الْفُقَهَاء: هَذِهِ الْمَرْاَةُ الَّتِي فَرَّتْ بِدِينِهَا، وَانْقَطَعَتْ عَلَاقَتُهَا بِزَوْجِهَا الْمُشْرِكِ، فَاِذَا اَرَادَ الْمُسْلِمُ اَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَدْفَعَ لَهَا الْمَهْرَ، فَهَلْ تَعْتَدُّ اَوْ لَاتَعْتَدُّ مِنْ زَوْجِهَا الْمُشْرِكِ كَمَا تَعْتَدُّ الْمُطَلَّقَةُ مِنْ زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ اَوْ كَمَا تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ اَيْضاً؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي : اِتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ جَمِيعاً عَلَى اَنَّهَا اِذَا كَانَتْ حَامِلاً، فَعَلَيْهَا اَنْ تَعْتَدَّ، أَيْ عَلَيْهَا الْعِدَّة: بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام [مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ، فَلَايَسْقِي زَرْعَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ( نَعَمْ اَخِي: وَالْمَعْنَى اَنَّ هَذِهِ الْمَرْاَةَ الْحَامِلَ، زَرْعُهَا مِنْ زَرْعِ رَجُلٍ آَخَرَ، فَلَايَجُوزُ لَكَ شَرْعاً اَخِي الْمُسْلِمُ: اَنْ تَسْقِيَ بِمَنِيِّكَ هَذَا الطِّفْلَ الْجَنِينَ مِنَ الرَّجُلِ الْآَخَرِ وَلَوْ كَانَ مُشْرِكاً: بِمَعْنَى اَنَّكَ اَخِي الْمُسْلِمُ: لَايَجُوزُ لَكَ اَنْ تَزْرَعَ بِمَنِيِّكَ مِنَ الشَّهْوَةِ الْجِنْسِيَّةِ عَلَى الزَّرْعِ الَّذِي زَرَعَهُ اَخُوكَ الْمُشْرِكُ حَتَّى اَصْبَحَ هَذَا الزَّرْعُ جَنِيناً فِي بَطْنِ زَوْجَتِهِ السَّابِقَة، نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا وَضَعَتِ الْحَمْلَ فَقَدِ انْتَهَتْ عِدَّتُهَا،وَنَحْنُ نَعْلَمُ فِي الْفِقْةِ الْاِسْلَامِيِّ كَمَا اَنْتُمْ اَيْضاً تَعْلَمُونَ اَيُّهَا الْاِخْوَة: اَنَّ الْمَرْاَةَ الْحَامِلَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ حَمْلِهَا وَلَوْ وَضَعَتْهُ بَعْدَ دَقِيقَةٍ مِنْ طَلَاقِهَا اَوْ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا، نَعَمْ اَخِي: فَلَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، اَوْ مَاتَ زَوْجُهَا وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا فِي وَقْتٍ كَانَ زَوْجُهَا لَايَزَالُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ وَلَمْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يُدْفَنْ بَعْدُ، اَوْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا وَلَوْ بَعْدَ دَقِيقَةٍ اَوْ ثَانِيَةٍ مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا لَهَا، فَقَدِ انْتَهَتْ عِدَّتُهَا وَانْقَضَتْ وَلَاعِدَّةَ عَلَيْهَا هُنَا مِنْ طَلَاقٍ اَوْ وَفَاةٍ اَبَداً،وَهَذِهِ هِيَ اَحْكَامُ دِينِنَا الشَّرْعِيَّةُ، وَلَمْ أَجْلِبْ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ بَيْتِ اَبِي، بَلْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَاُولَاتُ الْاَحْمَالِ اَجَلُهُنَّ: اَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ(نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا اِذَا كَانَتْ لَاتَزَالُ حَامِلاً، فَاِنَّ عَلَيْهَا اَنْ تَعْتَدَّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَلَوِ اسْتَمَرَّ حَمْلُهَا شُهُوراً وَدُهُوراً، نَعَمْ اَخِي: وَاَرْجُو اَنْ يَكُونَ كَلَامِي مَفْهُوماً، وَاَلاَّ تُصَابَ بِالْمَلَلِ وَالضَّجَرِ وَالنُّعَاسِ، وَاِلَّا فَاَنْصَحُكَ اَخِي اَنْ تَذْهَبَ اِلَى النَّوْمِ وَتُكْمِلَ قِرَاءَةَ الْمُشَارَكَةِ فِي وَقْتٍ آَخَرَ تَكُونُ فِيهِ صَاحِياً وَمُنْتَبِهاً تَمَاماً لِكُلِّ كَلِمَةٍ اَقُولُهَا، وَاِيَّاكَ اَنْ تَحْرِمَ نَفْسَكَ اَخِي مِنْ هَذَا الْاَجْرِ وَالثَّوَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي سَيَاْتِيكَ رَغْماً عَنْكَ كُلَّمَا تَفَقَّهْتَ فِي دِينِ الله! نَعَمْ اَخِي: فَالْفِقْهُ فِي دِينِ اللهِ وَفِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، لَهُ مِنَ الْاَجْرِ وَالثَّوَابِ الْعَظِيمِ مَالَايُعَدُّ وَلَايُحْصَى فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِكَ، وَعَلَى قَدْرِ مَشَقَّتِكَ وَتَعَبِكَ الْفِكْرِيِّ وَالْعَضَلِيِّ يَاْتِيكَ الْاَجْرُ وَالثَّوَابُ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ يَجْعَلُكَ تَتَنَبَّهُ وَيُشْغِلُ عَقْلَكَ وَذِهْنَكَ، وَيَجْعَلُكَ تَتَّبِعُ شَرْعَ اللهِ تَعَالَى بَوَعْيٍ وَاِدْرَاك، نَعَمْ اَخِي: اَمَّا اِذَا كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ فَكَيْفَ تَعْتَدُّ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: بَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَالَ: تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ غَيْرِ الْحَامِل، نَعَمْ اَخِي: فَمَاهِيَ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ غَيْرِ الْحَامِل؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: قَالَ اللهُ تَعَالَى{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِاَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوء(نَعَمْ اَخِي: وَكَلِمَةُ قُرُوءٍ هُنَا: هِيَ جَمْعٌ مُفْرَدُهُ قُرْءٌ، وَكَلِمَةُ قُرْءٍ: هِيَ لَفْظٌ قُرْآَنِيٌّ يَحْمِلُ مَعْنىً مُشْتَرَكاً مِنَ الشَّيْءِ وَضِدِّهِ! كَيْفَ ذَلِك؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: وَرَدَ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ: اَنَّ كَلِمَةَ قُرْءٍ تَاْتِي بِمَعْنَى الْحَيْضِ، وَتَاْتِي اَيْضاً بِمَعْنَى الضِّدِّ وَالْعَكْسِ وَهُوَ الطُّهْرُ! نَعَمْ اَخِي: وَبِسَبَبِ هَذِهِ الْاَلْفَاظِ الْمُشْكِلَةِ فِي لُغَتِنَا الْعَرَبِيَّةِ! اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ قَدِيماً وَحَدِيثاً، وَلِذَلِكَ نَسْمَعُ كَثِيراً مِنَ النَّقْدِ الْجَارِحِ غَيْرِ الْبَنَّاءِ لِهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ مِنْ بَعْضِ سُفَهَاءِ النَّاسِ حِينَمَا يَقُولُونَ مَثَلاً بِلَهْجَتِهِمُ الْعَامِّيَّةِ الْوَقِحَة(لِيشْ كَامْ دِينْ فِي! هَلْ دِينُ الْاِسْلَامِ يَنْقَسِمُ اِلَى اَرْبَعَةِ اَدْيَانٍ! مِنْهَا دِينُ اَبُو حَنِيفَة! وَدِينُ الشَّافِعِيِّ! وَدِينُ اَحْمدَ! وَدِينُ مَالِكٍ!( وَنَقُولُ لِهَؤُلَاء: اَلدِّينُ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّ الْفَهْمَ لِهَذَا الدِّينِ لَيْسَ وَاحِداً، لِمَاذَا؟ لِاَنَّ اللهَ تَعَالَى لَوْ خَلَقَ الْفَهْمَ وَاحِداً مَعَ الْبَشَرِ جَمِيعاً لَحَلَّتْ عَلَى الْبَشَرِيَّة جَمْعَاءَ كَارِثَةٌ كَبِيرَةٌ وَمُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ الْجُمُودِ الْفِكْرِيِّ وَاِغْلَاقِ الْاَبْوَابِ فِي وَجْهِ الِابْتِكَارِ وَالِاخْتِرَاعِ وَالْاِبْدَاع، فَمَثَلاً اَخِي: لَوْ ظَلَّ النَّاسُ عَلَى عَنَادِهِمْ وَفَهْمِهِمُ الْوَاحِدِ لِلنَّظَرِيَّةِ الَّتِي تَقُولُ اَنَّ الْاَرْضَ هِيَ مَرْكَزُ الْكَوْنِ وَاَنَّ الْمَجَرَّاتِ الْهَائِلَةَ وَالشُّمُوسَ وَالْاَقْمَارَ تَدُورُ حَوْلَهَا، لَاُصِيبَ عِلْمُ الْفَلَكِ بِجُمُودٍ فِكْرِيٍّ عَظِيمٍ لَامَثِيلَ لَهُ، نَعَمْ اَخِي: وَلْو ظَلَّ عُلَمَاءُ الْفِيزْيَاءِ وَالْكِيمْيَاءِ وَالْجَبْرِ وَالْهَنْدَسَةِ وَالطِّبِّ مُتَعَنِّتِينَ وَمُعَانِدِينَ بِفَهْمٍ وَاحِدٍ لِلنَّظَرِيَّاتِ الْعِلْمِيَّةِ، لَمَا تَغَيَّرَتْ هَذِهِ النَّظَرِيَّاتُ اَبَداً، وَلَمَا حَصَلَ تَعْدِيلٌ عَلَيْهَا، بَلْ تَبْقَى جَامِدَةً، وَلَمَا اسْتَطَاعَ الْاَطِبَّاءُ اَنْ يَكْتَشِفُوا مِنَ الدَّوَاءِ مَالَمْ يَكُنْ مَعْرُوفاً مِنْ قَبْلُ لِعِلَاجِ اَمْرَاضٍ خَطِيرَةٍ فَتَّاكَةٍ، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ اَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ اَفْهَامَهُمْ لِلْعِلْمِ الدُّنْيَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ اَفْهَاماً وَاحِدَةً مُتَّفِقَةً (اِلَّا فِي عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ وَالْآَيَاتِ الْقُرْآَنِيَّةِ الْمُحْكَمَاتِ وَالْاَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الْمُحْكَمَاتِ الَّتِي لَايَرْضَى سُبْحَانَهُ اَنْ يَخْتَلِفَ اَحَدٌ مِنَ الْاِنْسِ وَالْجِنِّ عَلَيْهَا اَبَداً) وَاِنَّمَا فَتَحَ بَابَ الِاجْتِهَادِ فِي وَجْهِهِمْ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ ضِمْنَ الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَقُول: لَااجْتِهَادَ خَارِجَ مَوْرِدِ النُّصُوصِ الْقُرْآَنِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّة وَحُدُودِهِمَا، وَلِذَلِكَ اَخِي نَجِدُ مِنْ مَصَادِرِ التَّشْرِيعِ الْمَالِكِيَّةِ مَايُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ الَّتِي يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا كُلُّ اخْتِرَاعٍ وَاكْتِشَافٍ وَابْتِكَارٍ وَاِبْدَاعٍ يَخْدِمُ الْبَشَرَ مُسْلِمِينَ وَغَيْرَ مُسْلِمِينَ وَيَخْدُمُ اَيْضاً هَذَا الدِّينَ الْعَظِيم، نَعَمْ اَخِي: وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ السُّفَهَاءِ اَيْضاً: مَاذَا تَقُولُونَ فِي الْقُرْآَنِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ! هَلْ دِينُ الْاِسْلَامِ يَنْقَسِمُ اِلَى دِينَيْنِ وَهُمَا دِينُ الْقُرْآَنِ الْمَكِّيِّ وَدِينُ الْقُرْآَنِ الْمَدَنِيِّ! نَعَمْ اَخِي: وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ اَيْضاً: مَاذَا تَقُولُونَ فِي الْآَيَاتِ الْمُتَشَابِهَةِ غَيْرِ الْمُحْكَمَةِ؟ وَمَاذَا تَقُولُونَ فِي الْاَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الْمُتَشَابِهَةِ اَيْضاً غَيْرِ الْمُحْكَمَةِ؟ هَلْ دِينُ الْاِسْلَامِ يَنْقَسِمُ اِلَى اَرْبَعَةِ اَدْيَانٍ! مِنْهَا دِينُ الْقُرْآَنِ الْمُحْكَمِ! وَدِينُ الْقُرْآَنِ الْمُتَشَابِهِ! وَدِينُ السُّنَّةِ الْمُحْكَمَةِ! وَدِينُ السُّنَّةِ الْمُتَشَابِهَة! هَلْ هَذِهِ الْآَيَاتُ وَالْاَحَادِيثُ الَّتِي ابْتَلَانَا اللهُ بِهَا وَجَعَلَهَا فِتْنَةً لِلنَّاسِ؟ فَهَلْ هَذِهِ لَاتَجْعَلُ الدِّينَ وَاحِداً اَيْضاً؟ هَلْ اَنْزَلَهَا اللهُ فِي الْقُرْآَنِ مِنْ اَجْلِ اَنْ تَتَجَاهَلُوهَا وَتَكْفُرُوا بِهَا اَمْ مِنْ اَجْلِ اَنْ تَرُدُّوهَا جَمِيعاً اِلَى الْمُحْكَمِ وَتَعْمَلُوا بِهَذَا الْمُحْكَمِ مِنَ الْآَيَاتِ وَتَعْمَلُوا اَيْضاً بِمَا يُلْزِمُكُمْ بِمُحْكَمَهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَاتَّبِعُوا اَحْسَنَ مَااُنْزِلَ اِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ(وَهُوَ الْمُحْكَمُ مِنَ الْآَيَاتِ الْمُحْكَمَة؟ فَهَلْ اَنْزَلَ اللهُ الْمُتَشَابِهَ مِنَ الْآَيَاتِ مِنْ اَجْلِ اَنْ تَعْمَلُوا بِمُلْحَقَاتِهَا مِنَ الْآَيَاتِ الْمُحْكَمَةِ؟ اَمْ مِنْ اَجْلِ اَنْ تَدْخُلُوا فِي مَحْظُورٍ خَطِيرٍ جِدّاً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{اِنَّ الَّذينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ(لِمَاذَا اِذاً اَيُّهَا السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ اَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى اَنْ تُؤْمِنُوا بِهَذَا الْمُتَشَابِهِ مِنَ الْآَيَاتِ حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ لَاتَرُوقُ لِبَعْضِكُمْ وَلَاتَتَّفِقُ مَعَ عُقُولِكُمُ الضَّعِيفَةِ الْجَاهِلَة؟ وَمَعَ ذَلِكَ اَمَرَكُمُ اللهُ اَنْ تُؤْمِنُوا بِهَا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ لَاشُبْهَةَ فِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{هُوَ الَّذِي اَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ اُمُّ الْكِتَابِ، وَاُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ! فَاَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَاتَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَاْوِيلِهِ! وَمَايَعْلَمُ تَاْوِيلَهُ اِلَّا اللهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ: آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا( فَاِذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهَذِهِ الْآَيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ الَّتِي لَاتَرُوقُ لَكُمْ، فَاِنَّكُمْ كُفَّارٌ مُرْتَدُّونَ عَنْ دِينِ الْاِسْلَامِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{اَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ(وَهُوَ الْمُحْكَمُ{ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ(وَهُوَ الْمُتَشَابِه!؟ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ( وَهَذِهِ نَاحِيَة؟ وَمِنَ النَّاحِيَةِ الْاُخْرَى: فَاِنَّكُمْ يَاسُفَهَاءَ زَمَانِكُمْ اِذَا آَمَنْتُمْ بِهَذِهِ الْآَيَاتِ الْمُتَشَابِهَةِ الَّتِي لَاتَرُوقُ لَكُمْ، فَاَنْتُمْ مُلْزَمُونَ اَنْ تُؤْمِنُوا اَيْضاً بِاَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ وَلَوْ كَانَتْ اَقْوَالاً مَتَشَابِهَةً غَيْرَ مُحْكَمَةٍ وَلَاتَتَّفِقُ مَعَ عُقُولِكُمُ السَّفِيهَةِ وَلَاتَرُوقُ لَكُمْ، فَاِذَا لَمْ تُعْجِبْكُمْ اَقْوَالُ اَبُو حَنِيفَةَ مَثَلاً وَلَمْ تَرُقْ لَكُمْ، فَاعْمَلُوا بِاَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ وَاَحْمَدَ وَمَالِكٍ، لَكِنْ اِيَّاكُمْ اَنْ تَكْفُرُوا بِاَقْوَالِ اَبُو حَنِيفَةَ فِي مَوْضِعٍ اَصَابَ فِيهِ قَوْلُهُ آَيَةً مِنَ الْقُرْآَنِ الْمُحْكَمِ اَوِ الْمُتَشَابِهِ اَوْ صَحِيحاً مِنَ السُّنَّةِ الْمُحْكَمَةِ اَوِ الْمُتَشَابِهَة، فَرُبَّمَا تَخْرُجُونَ عَنْ دِينِ الْاِسْلَامِ وَيُحْبِطُ اللهُ اَعْمَالَكُمْ وَاَنْتُمْ لَاتَشْعُرُونَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، نَوَلِّهِ مَاتَوَلَّى، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ، وَسَاءَتْ مَصِيرَا (نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ بَعَثَ اِلَيَّ اَحَدُ الْاِخْوَةِ بِرِسَالَةٍ يَقُولُ فِيهَا: مَامَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى{مُتَشَابِهَات(وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: هِيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى{وَمَاصَلَبُوهُ وَمَاظَلَمُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ(أَيِ اخْتَلَطَ عَلَى اَذْهَانِهِمْ وَعُقُولِهِمْ وَاحْتَارُوا فِي هَذَا الصَّلِيبِ حَتَّى جَعَلُوهُ لَاحِقاً اِلَهاً يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللِه وَسَجَدُوا لَهُ! كَمَا اخْتَلَطَ عَلَى اَذْهَانِهِمْ اَيْضاً حَقِيقَةُ الشَّخْصِ الْمَوْجُودِ عَلَى الصَّلِيب! هَلْ هُوَ الْمَسِيح ! فَقَالُوا: اِذَا كَانَ هُوَ الْمَسِيحُ فِعْلاً! فَاَيْنَ ذَهَبَ الَّذِي دَلَّنَا وَسَاعَدَنَا فِي الْقَبْضِ عَلَيْهِ! وَاِذَا كَانَ هَذَا الَّذِي دَلَّنَا عَلَيْهِ جُثَّةً هَامِدَةً عَلَى الصَّلِيبِ! فَاَيْنَ ذَهَبَ الْمَسِيح! نَعَمْ اَخِي{بَلْ رَفَعَهُ اللهُ اِلَيْهِ{يَاعِيسَى اِنِّي مُتَوَفِّيكَ، وَرَافِعُكَ اِلَيَّ، وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا(وَهُمُ الَّذِينَ جَعَلُوا مِنْ دَمِهِ خَمْراً! وَمِنْ لَحْمِهِ خُبْزاً! بَلْ حَمَلُوا الْخُبْزَ عَلَى رَاْسِهِ وَصَلَبُوهُ! وَجَعَلُوا الطَّيْرَ تَاْكُلُ مِنْ رَاْسِهِ بِزَعْمِهِمْ وَكَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى اللهِ وَعَلَى الْمَسِيحِ وَاُمِّهِ! نَعَمْ اَخِي: وَكَذَلِكَ الْآَيَاتُ الْمُتَشَابِهَاتُ اَيْضاً! هِيَ الْآَيَاتُ الَّتِي يَخْتَلِطُ فَهْمُهَا عَلَى ذَوِي الْعُقُولِ الْقَاصِرَةِ الضَّعِيفَةِ السَّفِيهَةِ! فَاِنْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا اِلَى فَهْمِهَا سَبِيلاً: فَعَلَيْهِمْ اَنْ يَعْمَلُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى{فَاسْاَلُوا اَهْلَ الذِّكْرِ(وَهُمْ اَهْلُ الِاخْتِصَاصِ فِي الشَّرِيعَةِ{اِنْ كُنْتُمْ لَاتَعْلَمُونَ(لِمَاذَا يَسْاَلُونَهُمْ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لِيَرُدُّوا مَعَهُمُ الْمُتَشَابِهَ اِلَى الْمُحْكَمِ؟ مِنْ اَجْلِ اَنْ يَفْهَمُوا الْمُتَشَابِهَ عَلَى ضَوْءِ الْمُحْكَمِ لِمَاذَا؟
 
  • لِاَنَّ الْمُحْكَمَ هُوَ النّاسِخُ لِمَا جَهِلُوا فَهْمَهُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الْمَنْسُوخِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{مَانَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ اَوْ نُنْسِهَا، نَاْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا اَوْ مِثْلِهَا(وَلِمَاذَا قَالَ اللهُ هُنَا نَاْتِ بِمِثْلِهَا؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي لِيَزِيدَهَا سُبْحَانَهُ فَهْماً وَاِيضَاحاً مِنْ خِلَالِ اِتْيَانِهِ بِآَيَةٍ اُخْرَى، فَرُبَّمَا تَكُونُ الْآَيَةُ الْمُتَشَابِهَةُ السَّابِقَةُ بِحَاجَةٍ اِلَى مَزِيدٍ مِنَ الْفَهْمِ وَالْاِيضَاحِ حَتَّى تَسْتَوْعِبَهَا عُقُولُ النَّاسِ الْقَاصِرَة، نَعَمْ اَخِي: وَنَعُودُ الْآَنَ اِلَى اَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَرْاَةِ الَّتِي فَرَّتْ بِدِينِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْمُشْرِكِ، نَعَمْ اَخِي: فَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَال: اَلْمَرْاَةُ ذَاتُ الْقُرُوءِ، وَهِيَ الَّتِي تَحِيضُ، عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حَيْضَاتٍ، نَعَمْ اَخِي: وَبَعْضُهُمْ قَالَ: عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ اَطْهَارٍ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ كَلِمَةَ قُرُوءٍ تَحْتَمِلُ مَاذَكَرْتُ لَكَ اَخِي مِنَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْحَيْضُ، لَكِنَّهَا تَحْتَمِلُ اَيْضاً مَعْنىً عَكْسِيّاً آَخَرَ وَهُوَ الطُّهْرُ! وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى اَيْضاً{وَبَشِّرْ(فَاِنَّ كَلِمَةَ بَشِّرْ، تَحْتَمِلُ اَخِي مَعْنَى الْخَيْرِ، وَتَحْتَمِلُ اَيْضاً مَعْنىً عَكْسِيّاً ضِدِّيّاً مِنَ الشَّرِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى عَلَى الْخَيْرِ ثُمَّ الشَّرّ{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا اَنَّ لَهُمْ جَنَّات{وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ اَلِيمٍ( نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْاِمَامُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: اَلْقُرْآَنُ حَمًّالُ اَوْجُهٍ! بِمَعْنَى اَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى، وَيَحْتَمِلُ عَكْسَ الْمَعْنَى وَلَوْ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا مَرَّ مَعَنَا وَهِيَ كَلِمَةُ قُرُوء! نَعَمْ اَخِي: كَمَا اَنَّهُ يَحْتَمِلُ اَيْضاً الْمُرَادِفَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ فِي اَلْفَاظِهَا وَلَكِنَّهَا تُؤَدِّي اِلَى مَعْنىً وَاحِدٍ وَهُوَ الْمَهْرُ الَّذِي مَرَّ مَعَنَا! نَعَمْ اَخِي: كَمَا اَنَّهُ يَحْتَمِلُ اَيْضاً اشْتِرَاكَ عِدَّةِ مَعَانِي مُخْتَلِفَةٍ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْعَيْنُ الَّتِي مَرَّتْ مَعَنَا! نَعَمْ اَخِي: كَمَا اَنَّهُ يَحْتَمِلُ اَيْضاً اَنْ يُعَبِّرَ اللهُ عَنِ الْمَعْنَى بِاَكْمَلِهِ وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَايُرِيدُ اِلَّا جُزْءاً صَغِيراً مِنَ الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى مَثَلاً{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا اَيْدِيَهُمَا(فَهُنَا سُبْحَانَهُ عَبَّرَ فِي هَذِهِ الْآَيَةِ بِكَلِمَةِ اَيْدِيَهُمَا عَنِ الْمُرَادِفَاتِ التَّالِيَةِ: وَهِيَ الْكَفُّ، وَالرُّسْغُ، وَالْكُوعُ، وَالْكَتِفُ، وَجَمِيعُهَا تُؤَدِّي اِلَى مَعْنىً وَاحِدٍ وَهُوَ الْيَدُ، وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ مَااَرَادَ مِنْ بَيْنِهَا جَمِيعاً اِلَّا الْكَفَّ؟ مِنْ اَجْلِ قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ بِشُرُوطٍ صَعْبَةٍ مَعْرُوفَةِ ذَكَرْتُهَا لَكَ اَخِي فِي مُشَارَكَةٍ سَابِقَةٍ بِعُنْوَانِ هَذِهِ الْآَيَة(نَعَمْ اَخِي: كَمَا اَنَّهُ يَحْتَمِلُ اَيْضاً اَنْ يُعَبِّرَ اللهُ عَنْ جُزْءٍ صَغِيرٍ مِنَ الْمَعْنَى، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ الْمَعْنَى بِاَكْمَلِهِ! فَمَثَلاً قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَلَدِ{فَكُّ رَقَبَة(فَهُنَا اَرَادَ سُبْحَانَهُ الْمَعْنَى بِاَكْمَلِهِ: وَهُوَ جَسَدُ الْعَبْدِ بِاَكْمَلِهِ اَنْ يَكُونَ مَفْكُوكاً مُحَرّراً مِنَ الرِّقِّ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ سُبْحَانَهُ هُنَا اِلَّا جُزْءاً صَغِيراً مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي يَحْمِلُهُ جَسَدُ الْعَبْدِ وَهُوَ الرَّقَبَة! نَعَمْ اَخِي: لَكِنْ مَاذَا لَوْ كَانَتِ هَذِهِ الْمَرْاَةُ لَاتَحِيضُ وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ اَوِ الْمُشْرِكُ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: عِدَّتُهَا هُنَا ثَلَاثَةُ اَشْهُرٍ فَقَطْ، بِدَلِيلِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ اِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ اَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ(نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ بَعْدُ سِنَّ الْحَيْضِ وَمَاتَزَالُ طِفْلَةً صَغِيرَةً، وَاَيْضاً هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ سِنَّ الْاِيَاسِ اَوِ الْيَاْسِ وَاَصْبَحَتْ غَيْرَ قَادِرَةٍ عَلَى الْحَيْضِ اِنْ صَحَّ التَّعْبِيرُ، فَعِدَّتُهُمَا مَعاً ثَلَاثَةُ اَشْهُرٍ، سَوَاءً كَانَ عَدَمُ الْحَيْضِ بِسَبَبِ الْيَاْسِ اَوِ الْاِيَاسِ اَوْ بُلُوغِهَا سِنَّ الْيَاْسِ، اَوْ اَنَّهَا اُصِيبَتْ بِمَرَضٍ فَصَارَتْ لَاتَحِيضُ بِسَبَبِ هَذَا الْمَرَضِ، نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ الْمَرْاَةُ، وَتِلْكَ الطِّفْلَةُ، عِدَّتُهُمَا مَعاً تَكُونُ بِالْاَشْهُرِ، وَلَاتَكُونُ بِالْقُرُوءِ حَيْضاً وَلَاطُهْراً، نَعَمْ اَخِي: نَعَمْ اُخْتِي: وَدَائِماً الْاَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَكُونُ بِالشُّهُورِ الْقَمَرِيَّةِ وَهِيَ التَّالِيَة: اَلْمُحَرَّمُ، صَفَرُ، رَبِيعٌ الْاَوَّلُ، رَبِيعٌ الْآَخَرُ، جُمَادَى الْاُولَى، جُمَادَى الْآَخِرَةِ، رَجَبُ، شَعْبَانُ، رَمَضَانُ، شَوَّالُ، ذُو الْقِعْدَةِ(اَوِ الْقَعْدَةِ( ذُو الْحِجَّةِ(اَوِ الْحَجَّةِ( نَعَمْ اَخِي: وَنَعُودُ الْآَنَ اِلَى مُتَابَعَةِ الْقِصَّةِ الْقُرْآَنِيَّةِ وَاَحْكَامِهَا الشَّرْعِيَّةِ الْمُمْتَحِنَةِ مَعَ هَذِهِ الَّتِي هَرَبَتْ فَارَّةً بِدِينِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْمُشْرِك، نَعَمْ اَخِي: فَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: هَذِهِ الَّتِي هَرَبَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَارَّةً بِدِينِهَا، عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ حَيْضاً اَوْ طُهْراً اِذَا كَانَتْ تَحِيضُ، وَاَمَّا اِذَا كَانَتْ لَاتَحِيضُ: فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ اَشْهُرٍ، نَعَمْ اَخِي: لَكِنَّ فَرِيقاً آَخَرَ مِنَ الْفُقَهَاءِ قَال: لَاتَعْتَدُّ!!! وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ: طَيِّبْ! اِذَا لَمْ تَعْتَدَّ! فَمَاذَا تَفْعَلُ؟ هَلْ بِمُجَرَّدِ اَنْ تَتْرُكَ زَوْجَهَا الْمُشْرِكَ يَحِقُّ لَهَا اَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ آَخَرَ مُسْلِم؟ قَالُوا: لَا ،بَلْ تَسْتَبْرِىءُ رَحِمَهَا مِنَ الْحَمْلِ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ! بِمَعْنَى اَنَّ عَلَيْهَا اَنْ تَنْتَظِرَ حَتَّى يَاْتِيَهَا الْحَيْضُ(وَهُوَ الدَّوْرَةُ الشَّهْرِيَّةُ الْمَعْرُوفَةُ(لِتَتَاَكَّدَ تَمَاماً اَنَّ رَحِمَهَا وَبَطْنَهَا خَالٍ مِنْ أَيِّ حَمْلٍ مِنْ زَوْجِهَا السَّابِقِ الْمُشْرِكِ! وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء: لِمَاذَا عَلَيْهَا اَنْ تَسْتَبْرِىءَ رَحِمَهَا بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ!؟ قَالُوا: لِاَنَّ الْمُشْرِكَ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَاتُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ( وَاِنَّمَا تَسْتَبْرِىءُ بِحَيْضَة! بِمَعْنَى اَنَّ عَلَيْهَا اَنْ تَحِيضَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ! فَحِينَمَا تَحِيضُ هَذِهِ المَّرَّةَ الْوَاحِدَةَ فَقَطْ! فَمَعْنَى ذَلِكَ اَنَّ الرَّحِمَ الَّذِي لَدَيْهَا لَيْسَ فِيهِ نُطْفَةٌ، وَلَامُضْغَةٌ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ، وَلَا مْضُغَةٌ مُخَلَّقَةٌ، وَلَاعِظَامٌ، وَلَا لَحْمٌ، وَلَامَايَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْوَلَدِ مِنْ ذَاكَ الْاَبِ الْمُشْرِكِ فِي رَحِمِهَا وَبَطْنِهَا، نَعَمْ اَخِي: وَهَذَا اَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى اَنَّ الْاِسْلَامَ يَهُمُّهُ كَثِيراً جِدّاً اَنْ يُحَافِظَ عَلَى عَدَمِ اخْتِلَاطِ الْاَنْسَابِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ بَعْضِهِمْ بَعْضاً وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ اَيْضاً، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{اُدْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ اَقْرَبُ عِنْدَ الله(نَعَمْ اَخِي: وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء: مَاذَا لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَرْاَةُ الْهَارِبَةُ بِدِينِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْمُشْرِكِ وَمِنْ قَوْمِهَا الْمُشْرِكِينَ؟ مَاذَا لَوْ كَانَتْ لَاتَحِيض؟ قَالُوا: اِذَا كَانَتْ لَاتَحِيضُ، فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَاحِدٌ فَقَطْ! فَانْظُرْ اَخِي اِلَى جَمَالِ الْفِقْهِ وَالْفُقَهَاء! وَمَعَ الْاَسَفِ: فَاِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُخَيَّلُ لَهُ اَنَّ الْمَرْاَةَ اِذَا بَلَغَتْ سِنَّ الْاِيَاسِ وَمَاتَ زَوْجُهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ، وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ: بَلْ عَلَيْهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ اَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِاَنْفُسِهِنَّ اَرْبَعَةَ اَشْهُرٍ وَعَشْرَا( نَعَمْ اَخِي: وَلَابُدَّ لَكَ مَعِي مِنْ مُلَاحَظَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هَامٍّ جِدّاً: وَهُوَ اَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ مِنَ الْاَشْهُرِ الْاَرْبَعَةِ وَالْاَيَّامِ الْعَشَرَةِ، لَاتَكُونُ اِلَّا عَلَى الْمَرْاَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ غَيْرُ حَامِلٍ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، لَهَا حُكْمٌ آَخَرُ ذَكَرْتُهُ لَكَ اَخِي فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَةِ وَعَلَيْكَ اَنْ تَبْحَثَ عَنْهُ مِنْ جَدِيد، نَعَمْ اَخِي: وَمَعَ ذَلِكَ نَجِدُ كَثِيراً مِنْ سُفَهَاءِ النَّاسِ يَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَالَايَعْلَمُونَ قَائِلِين: طَالَمَا هِيَ كَبِيرَةٌ فِي السِّنِّ! فَلِمَاذَا تَعْتَدُّ؟ وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ: اِنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا حِكَمٌ كَثِيرَةٌ، مِنْ جُمْلَتِهَا اسْتِبْرَاءُ الرَّحِمِ، وَلَكِنْ لَمْ تُشْرَعِ الْعِدَّةُ مِنْ اَجْلِ اسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ مِنَ الْحَمْلِ وَالْحَبَلِ فَقَطْ، وَاِنَّمَا شُرِعَتْ مِنْ اَجْلِ اُمُورٍ اُخْرَى: مِنْهَا الْوَفَاءُ وَالْاِخْلَاصُ لِذِكْرَى الزَّوْجِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ قَائِمَةً بَيْنَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَبَيْنَهَا هِيَ اَيْضاً، وَمِنْهَا احْتِرَامُ مَشَاعِرِ اَهْلِ الزَّوْجِ الْمُتَوَفَّى، اِلَى آَخِرِ مَاهُنَالِكَ مِنَ الْمَشَاعِرِ النَّبِيلَةِ الْحَسَّاسَةِ الْمُرْهَفَةِ، وَالَّتِي يَصْعُبُ فِيهَا عَلَى الْمَرْاَةِ الْعَجُوزِ الْكَبِيرَةِ اَنْ تَنْسَى زَوْجَهَا بِهَذِهِ السُّرْعَةِ مِنْ دُونِ اَنْ تَعْتَدَّ وَتَحْزَنَ عَلَى فِرَاقِهِ ضِمْنَ الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي اَمَرَ اللهُ بِهَا، نَعَمْ اَخِي: وَيَقُولُ الْعَوَامُّ عِنْدَنَا مَثَلاً شَعْبِيّاً صَحِيحاً: وَهُوَ اَنَّ الْعِشْرَةَ لَاتَهُونُ اِلَّا عَلَى اَوْلَادِ الْحَرَامِ اِذَا كَانَتْ عَلَى مُسْتَوَى صَدِيقٍ وَصَدِيقِهِ، فَكَيْفَ اِذَا كَانَتْ عَلَى مُسْتَوَى امْرَاَةٍ عَجُوزٍ عَاشَتْ مَعَ زَوْجِهَا دَهْراً طَوِيلاً وَاَفْضَى اِلَيْهَا وَاَفْضَتْ اِلَيْهِ وَاَخَذَتْ مِنْهُ وَاَخَذَ مِنْهَا هُوَ اَيْضاً مِيثَاقاً غَلِيظاً!؟ نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى{وَسْاَلُوا مَااَنْفَقْتُمْ، وَلْيَسْاَلُوا مَااَنْفَقُوا(نَعَمْ اَخِي: يَاسَلَامْ عَلَى الْعَدْلِ فِي هَذَا الدِّينِ الْاِسْلَامِيِّ الْعَظِيم!!! فَلَاتَضِيعُ الْحُقُوقُ فِي هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ اَبَداً، نَعَمْ اَخِي: حَتَّى وَلَوْ كَانَ مُشْرِكاً عَدُوّاً لَكَ وَلِلْاِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَلَهُ حَقٌّ عِنْدَكَ ! فَاِنَّ حَقَّهُ لَايَضِيعُ فِي دِينِ الْاِسْلَامِ اَبَداً! بَلْ حَتَّى وَلَوْ وَقَعَ اَسِيراً بَيْنَ يَدَيْكَ وَاَطْعَمْتَهُ! فَاِنَّ الْاِسْلَامَ يَاْمُرُكَ اذا اَطْعَمْتَ وَلَدَكَ اَخِي الْاَب وَاُخْتِي الْاُمُّ! وَاَنْتَ اَيْضاً اَخِي الِابْنُ اِذَا اَطْعَمْتَ وَالِدَيْكَ وَهُمَا مِنْ اَقْرَبِ الْمُقَرَّبِينَ اِلَيْكَ! بَلْ هُوَ اَحَبُّ الْاَعْمَالِ اِلَى اللهِ: اَنْ تَبَرَّ وَالِدَيْكَ ، وَمَعَ ذَلِكَ يَحِقُّ لَكُمَا شَرْعاً اَخِي الْاَبُ وَاُخْتِي الْاُمُّ اَنْ تُطَالِبَا وَلَدَكُمَا بِجَزَاءٍ وَشُكُورٍ عَلَى اِطْعَامِكُمَا لَهُ، وَاَنْتَ اَيْضاً اَخِي الْوَلَدُ يَحِقُّ لَكَ اَنْ تُطَالِبَ وَالِدَيْكَ بِجَزَاءٍ وَشُكُورٍ عَلَى اِطْعَامِكَ لَهُمَا! بِدَلِيلِ اَنَّكَ اَخِي الْاَبُ وَاُخْتِي الْاُمُّ وَاَخِي وَلَدُكُمَا: يَحِقُّ لَكُم جَمِيعاً اَنْ تَقْرَؤُوا عَلَى بَعْضِكُمْ بَعْضاً دَلِيلاً عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{هَلْ جَزَاءُ الْاِحْسَانِ اِلَّا الْاِحْسَان( لِمَاذَا! لِاَنَّ الْاِسْلَامَ لَيْسَ دِينَ الْآَبَاءِ وَالْاُمَّهَاتِ فَقَطْ بَلْ هُوَ دِينُ الْآَبَاءِ وَالْاُمَّهَاتِ وَالْاَبْنَاءِ جَمِيعاً، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا اَسِيرُكَ! وَاَمَّا عَدُوُّكَ! وَاَمَّا عَدُوُّ اللهِ وَرَسُولِهِ! وَاَمَّا عَدُوُّ الْاِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ! فَلَايَحِقُّ لَكَ شَرْعاً اَنْ تُطَالِبَهُ بِجَزَاءٍ وَلَاشُكُورٍ عَلَى اِطْعَامِكَ لَهُ كَمَا يَحِقُّ لَكَ ذَلِكَ مَعَ وَالِدَيْكَ! وَكَمَا يَحِقُّ لِوَالِدَيْكَ ذَلِكَ مَعَكَ اَيْضاً! بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَاَسِيراً! اِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ! لَانُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَاشُكُورَا!(فَمَاهُوَ هَذَا الدِّينُ اَيُّهَا الْاِخْوَة! وَمِنْ اَيْنَ جَاءَ بِهَذِهِ الْعَظَمَةِ وَالتَّسَامُحِ وَالْحُبِّ وَالْمَوَدَّةِ الَّتِي لَامَثِيلَ لَهَا! هَلْ تَجِدُونَ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ فِي تَوْرَاةِ الْيَهُودِ اَوْ فِي اَنَاجِيلِ النَّصَارَى مِثْلَ هَذَا الْحُبِّ وَمِثْلَ هَذَا التَّسَامُحِ وَمِثْلَ هَذَا الْوُدّ؟ نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: لَوْ بَحَثْتُمْ فِي اَنَاجِيلِ النَّصَارَى، فَلَنْ تَجِدُوا اِلَّا قَوْلَ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَام[ اَحِبُّوا اَعْدَاءَكُمْ( وَلَكِنْ اَيُّهَا الْاِخْوَة، اَلَا يَحِقُّ لَنَا اَنْ نَسْاَلَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى: كَيْفَ يُحِبُّونَ اَعْدَاءَهُمْ!؟ وَكَيْفَ يُبَارِكُونَ لَاعِنِيهِمْ!؟ وَكَيْفَ يُحْسِنُونَ اِلَى مُبْغِضِيهِمْ!؟ نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: اِنَّهُمْ يُحِبُّونَ اَعْدَاءَهُمْ عَلَى طَرِيقَةِ جِحَا الَّتِي تَجْعَلُهُمْ يَرْحَمُونَ الْمُجْرِمَ وَلَايَرْحَمُونَ ضَحَايَاهُ اَبَداً! فَاَيَّةُ مَحَبَّةٍ حَمْقَاءَ هَذِهِ! هَلْ يُوجَدُ فِي القُرْآَن ِالْكَرِيمِ مِثْلُ هَذِهِ الْحَمَاقَةِ وَالْهَرْطَقَةِ وَالتَّجْدِيف؟ وَاُقْسِمُ بِاللهِ الْعَظِيمِ اَيُّهَا الْاِخْوَة: اَنَّهُمْ اِذَا اَحَبُّوا! فَاِنَّهُمْ سَيُحِبُّونَ اَعْدَاءَ الْعَالَمِ كُلِّهِ وَلَوْ جَعَلُوهُمْ يَقْعُدُونَ عَلَى الْخَوَازِيقِ! اِلَّا الْمُسْلِمِينَ! فَلَنْ يُحِبُّوهُمْ اَبَداً مَهْمَا عَادَوْهُمْ وَمَهْمَا اَبْغَضُوهُمْ وَمَهْمَا لَعَنَهُمْ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ! بَلْ حَتَّى وَلَوْ اَحَبَّ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَاِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَنْ يُحِبُّوهُمْ اَبَداً، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{هَااَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَايُحِبُّونَكُمْ! وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ، وَاِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا! وَاِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْاَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ! قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا(نَعَمْ اَخِي: وَفِي اَيَّامِنَا اَصْبَحَ النَّصَارَى لَايُوَافِقُونَ عَلَى التَّسْجِيلِ فِي مُنْتَدَيَاتِهِمْ اِلَّا بَعْدَ اَنْ يَعْتَرِفُ الْمُسَجِّلُ صَرَاحَةً بِاَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ الله! وَلَقَدْ جَعَلُوا ذَلِكَ شَرْطاً مِنْ شُرُوطِ الدُّخُولِ وَالِانْتِسَابِ اِلَى مُنْتَدَيَاتِهِمُ الْمُقْرِفَة! نَعَمْ اَخِي: وَلَانُرِيدُ اَنْ نَتَكَلَّمَ الْآَنَ عَنْ شَوَاهِدَ مِنْ عَصْرِنَا الْحَاضِرِ لِتَعْلَمَ اَخِي مِنْ خِلَالِهَا كَمْ يُحْسِنُونَ اِلَى مُبْغِضِيهِمْ وَيُبَارِكُونَ لَاعِنِيهِمْ، وَلَكِنْ يَكْفِيكَ اَخِي اَنْ تَعْلَمَ: اَنَّ الصَّلِيبِيَّ النَّجِسَ الْمُقْرِفَ نَابِلْيُون بُونَابَرْت: بَارَكَ لَاعِنِيهِ! وَاَحْسَنَ اِلَى مُبْغِضِيهِ: بِاِبَادَتِهِمْ عَنْ بَكْرَةِ اَبِيهِمْ: بِحُجَّةِ اَنَّهُ لَايَسْتَطِيعُ اِطْعَامَهُمْ وَقَدْ كَانُوا عَشَرَةَ آَلَافِ اَسِيرٍ مُسْلِمٍ فِي عَكَّا فِي فِلَسْطِين، نَعَمْ اَخِي: وَحَدِّثْ وَلَاحَرَجَ عَمَّا يَجْرِي لِلْمُسْلِمِينَ فِي اَيَّامِنَا مِنْ اِبَادَةٍ وَقَتْلٍ جَمَاعِيٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَالصَّلِيبِيِّينَ الْاَنْجَاسِ مِنْ اَوْلَادِ الْاَفَاعِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ كَذِباً وَافْتِرَاءً عَلَى اللهِ وَعَلَى الْمَسِيحِ وَاُمِّهِ اَنَّهُمْ يُبَارِكُونَ لَاعِنِيهِمْ وَيُحْسِنُونَ اِلَى مُبْغِضِيهِمْ وَيُحِبُّونَ اَعْدَاءَهُمْ وَيَبْكُونَ عَلَى الْاِنْسَانِ وَعَلَى حُقُوقِ الْاِنْسَانِ بِدُمُوعِ التَّمَاسِيحِ وَالْاَفَاعِي الْمُنَافِقَة، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى{وَسْاَلُوا مَااَنْفَقْتُمْ، وَلْيَسْاَلُوا مَااَنْفَقُوا(وَالْمَعْنَى اَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اِذَا ارْتَدَّتِ امْرَاَةٌ مُسْلِمَةٌ عَنْ دِينِ الْاِسْلَامِ وَلَحِقَتْ بِالْمُشْرِكِينَ، فَاسْاَلُوا الْمُشْرِكِينَ اَنْ يُعْطُوكُمُ الْمَهْرَ وَاِنْ كَانُوا لَنْ يُعْطُوكُمْ اِيَّاهُ، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ يَقُولُ اللهُ{وَلْيَسْاَلُوا مَااَنْفَقُوا(بِمَعْنَى اَنَّ الْاَزْوَاجَ الْمُشْرِكِينَ: يَحِقُّ لَهُمْ اَيْضاً فِي شَرْعِنَا الْاِسْلَامِيِّ اَنْ يَسْاَلُوا مَااَنْفَقُوا مِنَ الْمَهْرِ عَلَى زَوْجَاتِهِمُ الْمُسْلِمَاتِ قَبْلَ اَنْ يَلْحَقْنَ بِالْمُسْلِمِينَ فَارَّاتٍ بِدِينِهِنَّ مِنْ اَزْوَاجِهِنَّ وَمِنْ قَوْمِهِنَّ الْمُشْرِكِين! نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى{ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيم(نَعَمْ اَخِي: وَفِي تَارِيخِنَا الْاِسْلَامِيِّ: مَاوُجِدَ اَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ اِلَّا امْرَاَةٌ وَاحِدَةٌ كَانَتْ فِي الْمَدِينَةِ مُتَزَوِّجَةً بِمُسْلِمٍ وَهِيَ اُمُّ الْحَكَمِ بِنْتُ اَبُو سُفْيَانَ، فَهَذِهِ ارْتَدَّتْ عَنْ دِينِ الْاِسْلَامِ وَلَحِقَتْ بِمَكَّةَ وَتَزَوَّجَتْ مُشْرِكاً، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا مَاعَدَا ذَلِكَ فَمَا حَصَلَتْ رِدَّةٌ اَبَداً بَيْنَ النِّسَاءِ، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى{وَاِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ اَزْوَاجِكُمْ اِلَى الْكُفَّارِ(بِمَعْنَى اِذَا لَحِقَتْ هَذِهِ الْمَرْاَةُ الْمُرْتَدَّةُ بِالْمُشْرِكِينَ دُونَ اَنْ تُعِيدَ اِلَى زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ الْمَهْرَ الَّذِي دَفَعَهُ لَهَا مِنْ قِيمَةِ مُجَوْهَرَاتِهَا مَثَلاً، ثُمَّ رَفَضَ مُشْرِكُو قَوْمِهَا اَيْضاً وَاَبَوْا اَنْ يَدْفَعُوا الْمَهْرَ وَيُعِيدُوهُ اِلَى زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ، فَمَاذَا يَفْعَلُ زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؟ هَلْ يَبْقَى مَغْبُوناً اِلَى الْاَبَدِ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي ارْتَدَّتِ امْرَاَتُهُ فِي الْمَدِينَةِ، ثُمَّ لَحِقَتْ بِمَكَّةَ وَاَبَتْ وَقَوْمَهَا اَنْ يُعِيدُوا لَهُ مَهْرَهُ، فَاِذَا حَصَلْتُمْ اَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَنَائِمِ الْحَرْبِيَّةِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اَبَوْا اَنْ يُعِيدُوا لَهُ مَهْرَهُ الَّذِي دَفَعَهُ لَهَا قَبْلَ اَنْ تَرْتَدَّ، فَعَلَيْكُمْ اَنْ تَدْفَعُوا لَهُ مَهْرَهُ مِنْ هَذِهِ الْغَنَائِمِ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَاِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ اَزْوَاجِكُمْ اِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ(أَيْ حَصَلْتُمْ عَلَى هَذِهِ الْغَنَائِمِ الْحَرْبِيَّةِ{فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ اَزْوَاجُهُمْ مِثْلَمَا اَنْفَقُوا( نَعَمْ اَخِي: وَهَذَا اَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى اَنَّ الْاِسْلَامَ فِي حُرُوبِهِ جَمِيعاً غَايَتُهُ اسْتِرْدَادُ الْحُقُوقِ الْمُغْتَصَبَةِ وَمِنْهَا الْمَهْرُ وَلَيْسَ كَمَا يَزْعُمُ اَعْدَاءُ الْاِسْلَامِ مِنَ السَّلْبِ وَالنَّهْبِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْفَسَادِ فِي الْاَرْضِ طَاعِنِينَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى دِينِ الْاِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، نَعَمْ اَخِي: وَدَائِماً اَحْكَامُ اللهِ الشَّرْعِيَّةُ فِي دِينِنَا الْاِسْلَامِيِّ الْحَنِيفِ، لَيْسَتْ كَالْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ الْجَافَّةِ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَهَ الَّذِي اَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُون( نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ بَعَثَ اِلَيَّ اَحَدُ الْاِخْوَةِ بِرِسَالَةٍ يَقُولُ فِيهَا: اَيُّهُمَا يُطِيلُ الْعِدَّةَ عَلَى الْمَرْاَةِ اَكْثَرَ؟ هَلْ اِذَا اَخَذْنَا الْقُرُوءَ بِمَعْنَى الْحَيْضَاتِ؟ اَمْ اِذَا اَخَذْنَا الْقُرُوءَ بِمَعْنَى الْاَطْهَار؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: لَااَسْتَطِيعُ اَنْ اُجِيبَكَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ عَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ تَخْتَلِفُ مِنِ امْرَاَةٍ اِلَى اُخْرَى، نَعَمْ اَخِي: فَهُنَاكَ مِنَ النِّسَاءِ مَثَلاً مَنْ يَكُونُ حَيْضُهَا لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ اَيَّامٍ فَقَطْ، وَهُنَاكَ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يَسْتَمِرُّ مَعَهَا الْحَيْضُ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لَاتَسْتَغْرِقُ سَبْعَةَ اَيَّام، وَهُنَاكَ مِنَ النِّسَاءِ اَيْضاً مَنْ يَسْتَمِرُّ مَعَهَا الْحَيْضُ لِمُدَّةٍ اَطْوَلَ وَهِيَ عَشَرَةُ اَيَّام، نَعَمْ اَخِي: وَاَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَشَرَةُ اَيَّام، وَاَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ اَيَّام، نَعَمْ اَخِي: وَاَقَلُّ الطُّهْرِعِنْدَهُمْ مَابَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: بَعْدَ ذَلِكَ سَائِلٌ آَخَرُ اَيْضاً يَسْاَلُ قَائِلاً: تَزَوَّجْتُ مِنِ امْرَاَةٍ مُسْلِمَةٍ، وَطَلَّقْتُهَا طَلَاقاً رَجْعِيّاً، وَلَااُرِيدُ اَنْ اُرَاجِعَهَا مِنْ غَيْظِي مِنْهَا وَغَضَبِي الشَّدِيدِ عَلَيْهَا اِلَّا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِفَتْرَةٍ زَمَنِيَّةٍ قَلِيلَة، وَمَعَ الْاَسَف، لَيْسَ عِنْدِي خِبْرَةٌ بِاَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ عِنْدَهَا وَلَااَكْثَرِهَا وَلَااَقَلِّ الطُّهْرِعِنْدَهَا مَابَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، فَمَاذَا اَفْعَلُ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِذَا كُنْتَ غَضْبَاناً عَلَيْهَا اِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ وَلَاتُرِيدُ اَنْ تُكَلِّمَهَا، فَيَحِقُّ لَكَ ذَلِكَ شَرْعاً بِشَرْط؟ اَلَّا تَكُونَ ظَالِماً لَهَا، وَاِلَّا يَحِقُّ لَكَ شَرْعاً فِي حَالِ نُشُوزِهَا اَنْ تَهْجُرَهَا فِي الْمَضَاجِعِ وَكَانَ الْاَجْدَرُ بِكَ اَلَّا تُطَلِّقَهَا طَلَاقاً فَوْرِيّاً رَجْعِيّاً: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ، وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ( بِالْمِسْوَاكِ ضَرْباً تَاْدِيبِيّاً لَا انْتِقَامِيّاً مُتَشَفِّياً، بِمَعْنَى اَنَّكَ اَخِي عَلَيْكَ اَنْ تَنَامَ اِلَى جَانِبِهَا وَاَنْ تَهْجُرَ الْجِمَاعَ الْجِنْسِيَّ مَعَهَا فَقَطْ، وَلَايَحِقُّ لَكَ اَبَداً اَخِي اَنْ تَهْجُرَ شَيْئاً آَخَرَ مَعَهَا مِنْ طَعَامِهَا وَشَرَابِهَا وَكِسْوَتِهَا اِلَّا الْجِمَاع(نَعَمْ اَخِي: لَكِنْ اِذَا تَاَزَّمَتِ الْاُمُورُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا فَبَعَثْتَ حَكَماً مِنْ اَهْلِكَ وَحَكَماً مِنْ اَهْلِهَا وَلَمْ يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَكُمَا، فَلَايَجُوزُ لَكَ شَرْعاً هُنَا اَيْضاً اَنْ تَلْجَاَ اِلَى الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ الْفَوْرِيِّ السَّرِيعِ لِمَاذَا؟ حَتَّى لَاتَخْسَرَ طَلْقَةً مِنْ رَصِيدِ طَلْقَاتِكَ الثَّلَاثِ الَّتِي اَعْطَاكَ اللهُ اِيَّاهَا، وَاِنَّمَا عَلَيٍكَ اَخِي اَنْ تَعْلَمَ: اَنَّهُ كَمَا يَحِقُّ لَكَ شَرْعاً اَنْ تَهْجُرَهَا فِي دَاخِلِ الْمَضَاجِعِ، يَحِقُّ لَكَ اَيْضاً شَرْعاً اَنْ تَهْجُرَهَا خَارِجَ الْمَضَاجِعِ، بَلْ خَارِجَ الْبَيْتِ اَيْضاً عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ اَرْبَعَةِ اَشْهُرٍ، فَاِنْ فَاؤُوا فَاِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَاِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَاِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيم(وَاِيَّاكَ اَخِي اَنْ تَلْجَاَ اِلَى الطَّلَاقِ الْفَوْرِيِّ اِلَّا اِذَا كَانَ الْكَيُّ لِقَلْبِهَا بِطَلَاقِكَ لَهَا هُوَ آَخِرُ الدَّوَاءِ وَلَمْ يَعُدْ يَنْفَعُ مَعَهَا دَوَاءٌ غَيْرُه، وَصَدِّقْنِي اَخِي: وَاَنَا امْرَاَةٌ وَاَعِي وَاُدْرِكُ مَااَقُولُ، وَلَقَدْ مَرَرْتُ بِهَذِهِ التَّجْرِبَةَ الْقَاسِيَةِ، وَسْاَلْ مُجَرِّبَة مِثْلِي، وَلِذَلِكَ اَقُولُ لَكَ اَخِي: صَدِّقْنِي: اَنَّكَ اِذَا طَلَّقْتَ زَوْجَتَكَ بِهَذِهِ السُّرْعَةِ الْفَوْرِيَّةِ الْخَارِقَةِ، فَاِنَّكَ تَذْبَحُهَا مِنَ الْوَرِيدِ اِلَى الْوَرِيدِ دُونَ اَنْ تَشْعُرَ بِاَلَمِهَا مَهْمَا كُنْتَ تَكْرَهُهَا وَمَهْمَا كَانَتْ تَكْرَهُكَ، وَلِذَلِكَ كَانَ الطَّلَاقُ مِنْ اَبْغَضِ الْحَلَالِ اِلَى اللهِ تَعَالَى، نَعَمْ اَخِي: وَلَااَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ عِنْدِي، بَلْ جَاءَتْ رَحْمَةُ اللهِ لَكَ وَلِهَذِهِ الْمَرْاَةِ مُرَاعَاةً لِمَشَاعِرِكَ وَمَشَاعِرِهَا فِي هَذِهِ الْآَيَةِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا لَكَ، وَمَعَ الْاَسَفِ: لَايَنْتَبِهُ اِلَيْهَا اَكْثَرُ النَّاسِ، وَيَلْجَؤُونَ اِلَى الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ اَوِ الْخَلْعِ فَوْراً، وَيُهْمِلُونَ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الْآَيَةِ الَّتِي تَسْمَحُ لَكَ اَخِي الزَّوْجُ اَنْ تَحْلِفَ بِاللهِ اَنَّكَ سَتَهْجُرُهَا وَلَنْ تَقْرَبَ اِلَيْهَا لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ حَصَرَهَا اللهُ فِي اَرْبَعَةِ اَشْهُرٍ فَقَطْ خَارِجَ الْمَضَاجِعِ، وَلَاتَسْمَحُ لَكَ بِالطَّلَاقِ الْفَوْرِيِّ اَوِ الْخُلْعِ الْفَوْرِيِّ اِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ اَرْبَعَةِ اَشْهُرٍ تَضْرِبُ فِيهَا اَخْمَاساً بِاَسْدَاسٍ اَخِي وَاُخْتِي قَبْلَ اَنْ تُفَكِّرَا بِالطَّلَاق،نَعَمْ اَخِي: وَذَلِكَ الْاِيلَاءُ اَوِ الْحَلِفُ اَوِ الْقَسَمُ عَلَى هُجْرَانِ جِمَاعِهَا هُوَ خَيْرٌ بِكَثِيرٍ مِنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِن، نَعَمْ اَخِي: نَعَمْ اُخْتِي: وَلِذَلِكَ اِذَا رَفَضَ وَاحِدٌ مِنْكُمَا اَوْ كِلَيْكُمَا اَنْ يَاْخُذَ الدَّوَاءَ الْقُرْآَنِيَّ الَّذِي اَمَرَ اللهُ بِاَخْذِهِ فِي جَمِيعِ آَيَاتِ الزَّوَاجِ وَالطَّلَاقِ بِانْتِظَامٍ وَعَلَى مَرَاحِلَ آَيَةً بعد آَيَةٍ، وَحَبَّةً بَعْدَ حَبَّةٍ، فَلَا تَلُومَا اِلَّا نَفْسَيْكُمَا، **وَاَمَّا اَنْ تَلْجَآَ اِلَى الْعَمَلِ الْجِرَاحِيِّ مِنَ الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ الْفَوْرِيِّ دُونَ اَنْ تُعَالِجَا نَفْسَيْكُمَا اَوّلاً بِحُبُوبِ مَنْعِ الْحَمْلِ! (عَفْواً اَخِي اَقْصِدُ بِحُبُوبِ مَنْعِ النُّشُوزِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الَّتِي اَمَرَ اللهُ بِهَا فِي آَيَاتِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى{ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ{وَاِنِ امْرَاَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً اَوْ اِعْرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا اَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً(فَاِنْ لَمْ يَنْفَعْ{فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ اَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ اَهْلِهَا اِنْ يُرِيدَا اِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا(**فَهَذَا لَايَفْعَلُهُ اِلَّا اَحْمَقُ جَاهِلٌ يُرِيدُ اَنْ يُبِيدَ شَعْبَهُ فَوْراً بِالْعَمَلِ الْجِرَاحِيِّ مُتَجَاهِلاً حُبُوبَ مَنْعِ الشِّقَاقِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالْاِدْمَانِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{اِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ اَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ{ لَاخَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ(وَهِيَ الْخُطَبُ الرَّنَّانَةُ الَّتِي يُلْقِيهَا هَؤُلَاءِ الْمُلُوكُ وَالزُّعَمَاءُ{اِلَّا مَنْ اَمَرَ بِصَدَقَةٍ اَوْ مَعْرُوفٍ اَوْ اِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ(الْمُوَالِينَ وَالْمُعَارِضِينَ{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ اَجْراً عَظِيمَا(وَلَايَكُونُ الْاِصْلَاحُ بِالْبَرَامِيلِ الْمُتَفَجِّرَةِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ زَمَّارَ الْحَيِّ لَايُطْرِبُ اَهْلَ الْحَيِّ بِمِزْمَارِهِ؟ فَكَيْفَ سَيُطْرِبُهُمْ بِبَرَامِيلِهِ الْمُتَفَجِّرَةِ وَطَائِرَاتِهِ الرُّوسِيَّةِ؟ بَلْ{اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ اَحْسَنُ(مِنَ السَّلَامِ وَالْحُبِّ وَالْوِئَامِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ شَعْبِكَ{فَاِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَاَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَايُلَقَّاهَا اِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا(عَلَى شَتِيمَتِهِمْ وَشَتِيمَةِ آَبَائِهِمْ{وَمَايُلَقَّاهَا اِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ( لَا عِنْدَ الشَّيْطَانِ كَقَارُونَ وَاَمْثَالِهِ وَلَكِنْ حَظُّهُ عَظِيمٌ عِنْدَ اللهِ فِي جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْاَنْهَار{وَاِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ(تَحْرِيضٌ عَلَى قَتْلِ شَعْبِكَ{فَاسْتَعِذْ بِاللهِ،اِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم(نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا لَجَاْتَ اِلَى الْعَمَلِ الْجِرَاحِيِّ مِنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ الْحَكِيمِ، فَاِنَّ اللهَ هُنَا مَاشَرَعَ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ اَيْضاً اِلَّا مِنْ اَجْلِ اَنْ تَهْجُرَ زَوْجَتَكَ خَارِجَ الْمَضَاجِعِ لِمُدَّةٍ لَاتَسْتَغْرِقُ ثَلَاثَةَ قُرُوء، نَعَمْ اَخِي: وَمَعَ ذَلِكَ فَاِنَّ رَحْمَةَ اللهِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ اَوْسَعُ مِنْ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ فِي الْاِيلَاءِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ سَابِقاً مِنْ هُجْرَانِكَ لَهَا لِمُدَّةِ اَرْبَعَةِ اَشْهُرٍ لِمَاذَا؟ لِاَنَّكَ اَخِي يَجُوزُ لَكَ شَرْعاً اَنْ تُرَاجِعَهَا وَتَنَامَ مَعَهَا وَتُعَاشِرَهَا جِنْسِيّاً وَلَوْ بَعْدَ دَقِيقَةٍ مِنْ طَلَاقِكَ الرَّجْعِيِّ لَهَا! بَلْ وَلَوْ بَعْدَ ثَانِيَة! نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِدَّةِ الَّتِي سَاَلْتَنِي عَنْهَا: فَعَلَيْكَ اَنْ تَبْعَثَ اِلَيْهَا اُخْتَكَ مَثَلاً لِتُكَلِّمَهَا وَتَسْاَلَهَا وَتَسْتَفْسِرَ مِنْهَا عَنْ هَذِهِ الْاُمُورِ، وَعَلَيْكَ اَنْ تَكْتُبَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي دَفْتَرِ مُذَكَّرَاتِكَ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهَا اِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ تَقُمْ بِمُرَاجَعَتِهَا، فَلَايَجُوزُ لَكَ شَرْعاً اَنْ تَرْجِعَ اِلَيْهَا اِلَّا بِمَهْرٍ وَعَقْدٍ جَدِيدَيْن، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: وَمَضَتِ الْاَيَّامُ... ثُمَّ بَعَثَ اِلَيَّ هَذَا السَّائِلُ بِرِسَالَةٍ اُخْرَى يَقُولُ فِيهَا: اِنَّ زَوْجَتَهُ رَفَضَتْ اَنْ تَسْتَقْبِلَ اُخْتَهُ فِي بَيْتِهَا! وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: يَحِقُّ لَكَ شَرْعاً اَنْ تَطْلُبَهَا اِلَى بَيْتِ الطَّاعَةِ رَغْماً عَنْهَا، وَاَنْ تُمَارِسَ مَعَهَا الْجِنْسَ الزَّوْجِيَّ الْحَلَالَ رَغْماً عَنْهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ اَوْ لَمْ تَرْضَ! وَنَقُولُ لِهَذِهِ الزَّوْجَة: لَايَجُوزُ لَكِ شَرْعاً وَلَا بِحَالٍ مِنَ الْاَحْوَالِ اَنْ تَكْتُمِي عَنْ زَوْجِكِ أَيَّ مَعْلُومَاتٍ تَتَعَلَّقُ بِمَا يَخْدُمُ الْعِدَّةَ سَوَاءً كَانَتْ حَيْضاً، اَوْ طُهْراً، اَوْ حَمْلاً، اَوْ قُرُوءاً ثَلَاثَةً تَحْصَلُ مَعَكِ فِي وَقْتٍ طَوِيلٍ، اَوْ قُرُوءاً ثَلَاثَةً تَحْصَلُ مَعَكِ فِي وَقْتٍ اَطْوَل، اَوْ فِي وَقْتٍ قَصِيرٍ، اَوْ فِي وَقْتٍ اَقْصَرَعَلَى حَسَبِ عَادَتِكِ الشَّهْرِيَّةِ فِي الْحَيْضِ اَوِ الطُّهْرِ، وَاِلَّا فَاِنَّكِ تُورِدِينَ نَفْسَكِ مَوَارِدَ التَّهْلُكَةِ، وَرُبَّمَا تَخْسَرِينَ اِيمَانَكِ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فِي حَالِ كَتَمْتِ عَنْ زَوْجِكِ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهَذِهِ اَمَانَةٌ كَبِيرَةٌ فِي عُنُقِكِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ{وَلَايَحِلُّ لَهُنَّ اَنْ يَكْتُمْنَ مَاخَلَقَ اللهُ فِي اَرْحَامِهِنَّ(مِنَ الْوَلَدِ وَالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ لِيَكُونَ زَوْجُكِ عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنْ اَجْلِ رَجْعَتِهِ اِلَيْكِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَاِذَا انْقَضَتِ الْعِدَّةُ فَجْاَةً وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْكِ زَوْجُكِ شَيْئاً عَنْ مَوْعِدِ انْقِضَائِهَا وَلَمْ يَقُمْ بِمُرَاجَعَتِكِ، فَلَايَجُوزُ لَهُ اَنْ يَرْجِعَ اِلَيْكِ اِلَّا بِعَقْدٍ وَمَهْرٍ جَدِيدٍ تَاْكُلِينَهُ سُحْتاً وَحَرَاماً فِي بَطْنِكِ، وَاَمَّا مَانَبَتَ فِي بَطْنِكِ مِنْ هَذَا السُّحْتِ وَالْمَالِ الْحَرَامِ فَسَيَحْتَرِقُ فِي الْجَحِيمِ وَالنَّارُ اَوْلَى بِهِ وَبِتَطْهِيرِهِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى {اِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ، وَبُعُولَتُهُنَّ اَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ اِنْ اَرَادُوا اِصْلَاحاً، وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ( وَهِيَ النَّفَقَة وَهِيَ بَيْتُ الطَّاعَةِ اَيْضاً{اِنَّا عَرَضْنَا الْاَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْاَرْضِ وَالْجِبَالِ( وَمِنْ هَذِهِ الْاَمَانَةِ بَيَانُ مَافِي الْاَرْحَامِ مِنْ حَيْضٍ اَوْ طُهْرٍ اَوْ وَلَدٍ{فَاَبَيْنَ اَنْ يَحْمِلْنَهَا وَاَشْفَقْنَ مِنْهَا، وَحَمَلَهَا الْاِنْسَانُ اِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً! لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ(الْخَائِنَاتِ لِهَذِهِ الْاَمَانَةِ لِاَنَّهُنَّ يَكْتُمْنَ مَاخَلَقَ اللهُ فِي اَرْحَامِهِنَّ مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ وَوَلَدٍ عَنْ اَزْوَاجِهِنَّ{وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ، وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً( وَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ وَقَبْلَ اَنْ نَخْتِمَ الْمُشَارَكَةَ نُتَابِعُ حَدِيثَنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِلُمْعَةِ الِاعْتِقَادِ وَنَقُول: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه: اِتَّبِعُوا وَلَاتبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَلَاماً مَعْنَاه: قِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ، فَاِنَّهُمْ عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا، وَهُمْ عَلَى كَشْفِهَا كَانُوا اَقْوَى، وَبِالْفَضْلِ لَوْ كَانَ فِيهَا اَحْرَى، فَلَئِنْ قُلْتُمْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ، فَمَا اَحْدَثَهُ اِلَّا مَنْ خَالَفَ هَدْيَهُمْ، وَرَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِمْ، وَلَقَدْ وَصَفُوا مِنْهُ مَايَشْفِي، وَتَكَلَّمُوا مِنْهُ بِمَا يَكْفِي، فَمَا فَوْقَهُمْ مُحَسِّرٌ، وَمَادُونَهُمْ مُقَصِّرٌ، وَلَقَدْ قَصُرَ عَنْهُمْ قَوْمٌ فَجَفَوْا، وَتَجَاوَزَهُمْ آَخَرُونَ فَغَلَوْا، وَاِنَّهُمْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدىً مُسْتَقِيم، وَقَالَ الْاِمَامُ الْاَوْزَاعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَلَيْكَ بِآَثَارِ مَنْ سَلَفَ وَاِنْ رَفَضَكَ النَّاسُ، وَاِيَّاكَ وَآَرَاءَ الرِّجَالِ وَاِنْ زَخْرَفُوهُ لَكَ بِقَوْلِهِمْ، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ: وَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ، وَنَاْتِي الْآَنَ اِلَى شَرْحِ مَاذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَنَقُول: رَضِيَ اللهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَلَقَدْ نَصَحَنَا بِنَصِيحَةٍ كَافِيَةٍ شَافِيَةٍ لَوْ كَانَ فِي الْقُلُوبِ حَيَاةٌ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِآَثَارِ مَنْ سَبَقَ، ثُمَّ وَصَفَ مَنْ سَبَقَ وَهُمُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: بِاَنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا، فَقَسَمَ حَالَ الصَّحَابَةِ اِلَى قِسْمَيْن: اَلْاَوَّلُ: اَنَّهُمْ وَقَفُوا عَلَى عِلْمٍ، فَهُمْ اَعْلَمُ النَّاسِ، وَهُمْ اَعْلَمُ هَذِهِ الْاُمَّةِ، وَهُمْ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ اَحْرَى بِالْعِلْمِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَمَابَعْدَهُمْ يَنْقُصُ فِيهُمُ الْعِلْمُ، فَالصَّحَابَةُ هُمْ اَهْلُ الْعِلْمِ، وَاَهْلُ الْاِدْرَاكِ، وَاَهْلُ الْعُقُولِ الْمُسْتَقِيمَةِ، وَاَهْلُ الْاَفْهَامِ الْمُسْتَنِيرَةِ، وَهُمْ اَهْلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَفْسِيرُ الْقُرْآَنِ وَالسُّنَّةِ اِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ مِشْكَاةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: فَاِنَّهُمْ وَقَفُوا عَنْ عِلْمٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اَوْ عَلَى عِلْمٍ عَلِمُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِيمَا فَهِمُوهُ مِمَّا تَقْتَضِيهِ لُغَةُ الْعَرَبِ: اَوْ بِمَا عَلَّمَهُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ مَاذَكَرُوهُ مِنَ الْمَسَائِلِ، ذَكَرُوهُ عَلَى عَلْمٍ وَعَلَى بَصِيرَةٍ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْاَوَّلُ، وَاَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: فَهُوَ مَا كَفُّوا عَنْهُ وَسَكَتُوا عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا عَمَّا كَفُّوا عَنْهُ: فَلَمْ يَدْخُلُوا فِي مَسَائِلَ دَخَلَ فِيهَا مَنْ بَعْدَهُمْ لِاَجْلِ عَجْزِهِمْ لَا: وَلَكِنْ لِاَجْلِ نُفُوذِ بَصَرِهِمْ وَبَصِيرَتِهِمْ وَفَهْمِهِمْ وَاِدْرَاكِهِمْ وَعِلْمِهِمْ: وَلِذَلِكَ فَاِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِيمَا تَكَلَّمُوا فِيهِ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا عَلَيْهِ: وَاَمَّا مَاسَكَتُوا عَنْهُ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِيهِ: فَاِنَّهُمْ كَفُّوا عَنْهُ بِبَصَرٍ وَبَصِيرَةٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَجِبُ، فَاِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا اَنْ نَنْبُذَ الْآَرَاءَ وَالْعُقُولَ وَالْاَفْهَامَ الَّتِي تُخَالِفُ مَاكَانَ عَلَيْهِ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي اُمُورِ الِاعْتِقَادِ جَمِيعاً بَلْ وَفِي اُمُورِ الدِّينِ جَمِيعاً، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ كُلَّ مَاكَانَ عَلَيْهِ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ، فَهَذَا هُوَ الْمِيزَانُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي تَزِنُ بِهِ فَهْمَكَ اَخِي، وَتَزِنُ بِهِ الْاَحْوَالَ وَالْاُمُورَ وَالْفِئَاتِ وَالنَّاسَ؟ لِاَنَّنَا اُمِرْنَا بِالِاتِّبَاعِ لَا بِالِابْتِدَاع، وَلِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ اَوْصَانَا بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْكَافِيَةِ الشَّافِيَةِ: وَهِيَ اَنْ نَتَّبِعَ الصَّحَابَةَ؟ لِاَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِيمَا تَكَلَّمُوا فِيهِ عَنْ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ هَدْيَ الصَّحَابَةَ وَاجِبُ الاتِّبَاعِ سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ فِي الْاُمُورِ الِاعْتِقَادِيَّةِ، اَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْاُمُورِ الْعَمَلِيَّةِ، اَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْاُمُورِ السُّلُوكِيَّةِ وَهِيَ اُمُورُ الْاَخْلَاقِ وَالْعِبَادَاتِ وَالزُّهْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ فَمَا جَاوَزَ طَرِيقَتَهُمْ فَهُوَ غُلُوٌّ، وَمَاقَصُرَ عَنْ طَرِيقَتِهِمْ فَهُوَ تَحْسِيرٌ، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ مَنْ دُونَهُمْ مِنَ النَّاسِ مُقَصِّرٌ، وَاَمَّا مَنْ زَادَ عَلَى مَااَتَوْا بِهِ فَهُوَ مِنَ الْغُلَاةِ الَّذِينَ سَيَكُونُ مَآَلُهُمْ اِلَى التَّقْصِيرِ اَيْضاً وَالْحَسْرَة، نَعَمْ اَخِي: فَهَذَا كَلَامُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَمَنْهَجٍ عَامٍّ، وَهُوَ الَّذِي اتَّبَعَ الْاَئِمَّةَ فِي اَبْوَابِ الْعَمَلِ وَالِاعْتِقَادِ وَالسُّلُوكِ اِلَى آَخِرِ مَاهُنَالِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ اَصْحَابُ هَذَا الْمَنْهَجِ: مَاجَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ نَاْخُذُهُ؟ لِاَنَّ مِنْهَاجَ الصَّحَابَةِ هُوَ الْمِيزَانُ؟ وَفَهْمُ الصَّحَابَةِ هُوَ الْمِيزَانُ؟ وَطَرِيقَةُ الصَّحَابَةِ هِيَ الْمِيزَانُ؟ فَهُمْ اَهْلُ الْعُلُومِ؟ وَاَهْلُ الْعُقُولِ؟ وَاَهْلُ الْاَفْهَامِ؟ وَاَمَّا مَاحَدَثَ بَعْدَهُمْ، فَاِنَّمَا حَدَثَ بِالرَّاْيِ؟ وَلِذَلِكَ اَوْصَانَا الْاِمَامُ الْمَشْهُورُ اَبُو عَمْروٍ الْاَوْزَاعِيِّ الْبَيْرُوتِيِّ اِمَامُ اَهْلِ الشَّامِ رَضِيَ اللُهُ عَنْهُ حَيْثُ قَال: اِيَّاكَ وَآَرَاءَ الرِّجَالِ وَاِنْ زَخْرَفُوا الْآَرَاءَ بِالْاَقْوَالِ وَنَمَّقُوا لَكَ اَقْوَالَهُمْ وَزَخْرَفُوهَا وَجَمَّلُوهَا! فَاِيَّاكَ وَاِيَّاهَا! وَلَاتَرْغَبْ عَنِ السُّنَّةِ لِاَجْلِ تَحْسِينِ مَنْ حَسَّنَ رَاْيَهُ بِاَلْفاظٍ رَائِعَةٍ! وَخُذْ بِالسُّنَّةِ وَمَاجَاءَ عَنْ اَهْلِهَا وَاِنْ كَانَ اَهْلُهَا لَايُحْسِنُونَ الْاَلْفَاظَ وَلَاتَجْمِيلَهَا؟ لِاَنَّ الْمِيزَانَ هُوَ الِاتِّبَاعُ، فَمَنِ اتَّبَعَ فَهُوَ النَّاجِي، وَمَنِ ابْتَدَعَ فَهُوَ الْهَالِكُ(نَعَمْ اَخِي: وَلَايُمْكِنُنَا بِحَالٍ مِنَ الْاَحْوَالِ اَنْ نَحْتَجَّ بِكَلَامِ الْاِمَامِ الْاَوْزَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى مَدْرَسَةِ الرَّاْيِ الَّتِي يَتَزَعَّمُهَا الْاِمَامُ الْاَعْظَمُ اَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اِلَّا اِذَا كَانَ رَاْيُ الْحَنَفِيَّةِ لِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَهَوَى النَّفْسِ الْمَقِيتِ، وَلَقَدْ بَحَثْنَا كَثِيراً فِي الْفِقْهِ الْحَنَفِيِّ وَلَمْ نَجِدْ شَيْئاً مِنْ هَذَا الْمَحْظُورِ اِلَّا مَانَدَرَ، وَلِذَلِكَ كَانَ لَابُدَّ لَنَا مِنْ اَنْ نَحْمِلَ كَلَامَ الْاِمَامِ الْاَوْزَاعِيِّ عَلَى الرَّاْيِ الْمَذْمُومِ الَّذِي يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَلْنَفْرِضْ جَدَلاً اَنَّ الْاِمَامَ الْاَعْظَمَ اَبُو حَنِيفَةَ حَاشَاهُ هُوَ فَاسِقٌ مِنَ الْفَاسِقِينَ ثُمَّ جَاءَنَا بِهَذِهِ الثَّرْوَةِ الْهَائِلَةِ الْعَظِيمَةِ مِنَ الْفِقْهِ لِمُجَرَّدِ الْهَوَى وَالرَّاْيِ الْمَذْمُومِ الَّذِي يُخَالِفُ مَاكَانَ عَلَيْهِ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ! وَمَعَ ذَلِكَ؟ مَنْ اَعْطَاكُمُ الْحَقَّ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ اَنْ تُكَذِّبُوهُ وَتَتَّهِمُوهُ بِالْبِدْعَةِ وَالضَّلَالِ مُتَجَاهِلِينَ قَوْلَهُ تَعَالَى{يَااَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَاِ(هَلْ قَالَ سُبْحَانَهُ هُنَا كَذِّبُوه! هَلْ قَالَ صَدِّقُوه! لَا وَرَبِّي، وَاِنَّمَا قَالَ سُبْحَانَهُ{فَتَبَيَّنُوا اَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَافَعَلْتُمْ نَادِمِين(نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: وَلِذَلِكَ كَانَ لَابُدَّ لَكُمْ اَنْ تَسْتَعْمِلُوا عِلْمَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَمِيزَانٍ عَادِلٍ تَزِنُونَ بِهِ اَقْوَالَ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ قَبْلَ اَنْ تَتَجَاهَلُوا السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ مِنْهَا لِتَاْخُذُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَاوَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةِ مِنْهَا كَمَا كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ يَسْتَعْمِلُ هَذَا الْمِيزَانَ مِنَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عَلَى الرِّجَالِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ رُبَّمَا مُتَعَمِّدِينَ وَرُبَّمَا غَيْرُ مُتَعَمِّدِينَ وَمَعَ ذَلِكَ هَلْ يَحِقُّ لَنَا شَرْعاً نَحْنُ وَاَنْتُمْ وَسَلَفُنَا الصَّالِحُ قَدِيماً اَنْ نَلْجَاَ اِلَى التَّجَاهُلِ الْفَوْرِيِّ لِمَا قَالُوهُ دُونَ اَنْ نَلْجَاَ اِلَى مُسَاءَلَتِهِمْ قَانُونِيّاً! عَفْواً اَخِي: اَقْصُدُ مُسَاءَلَتَهُمْ تَارِيخِيّاً وَمُسَاءَلَةَ الْعَصْرِ الَّذِي عَاشُوا فِيهِ وَالظُّرُوفِ الَّتِي رُبَّمَا تَكُونُ حَرِجَةً عَلَيْهِمْ حِينَمَا مَرُّوا بِهَا، وَلِذَلِكَ كان لَابُدَّ قَدِيماً وَحَدِيثاً مِنْ مُسَاءَلَةِ الشَّارِدَةِ وَالْوَارِدَةِ مِمَّا يَقُولُونَهُ وَلَابُدَّ مِنْ مُسَاءَلَةِ الرِّجَالِ الَّذِينَ حَدَّثُوا عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ مِنَ النَّاسِ، وَاَمَّا اَنْ نَلْجَاَ اِلَى التَّكْذِيبِ الْفَوْرِيِّ لَهُمْ مِنْ دُونِ دَلِيلٍ اَوْ بَيِّنَةٍ مِنَّا عَلَى كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ، فَهَذِهِ هِيَ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى الَّتِي نَهَى اللهُ عَنْهَا فِي الْآَيَةِ الَّتِي اَمَرَ بِهَا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ{فَتَبَيَّنُوا(وَفِي قِرَاءَةٍ اُخْرَى اَيْضاً فَتَثَبَّتُوا(نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ حَصَلَتْ هَذِهِ الْمُسَاءَلَةُ فِعْلاً قَدِيماً وَحَدِيثاً فِي عِلْمِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى{اِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا( وَاُقْسِمُ بِاللهِ الْعَظِيمِ اَنَّ عِلْمَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الَّذِي اَعْطَاهُ اللهُ مَوْهِبَةً عَظِيمَةً لِاَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَتَفَوَّقُ عَشَرَاتِ الْمَرَّاتِ عَلَى عِلْمِ التَّحْقِيقِ الْجِنَائِيِّ فِي اَيَّامِنَا وَيَعْلُو عَلَيْهِ عُلُوّاً كَبِيراً، وَلَكِنَّ اَهْلَ السُّنَّةِ الْمُسْتَهْتِرِينَ لَايُقَدِّرُونَ اَبَداً مَااَعْطَى اللهُ آَبَاءَهُمْ وَاَجْدَادَهُمْ وَسَلَفَهُمُ الصَّالِحَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاهِبِ الْعَظِيمَةِ وَلَايَشْعُرُونَ بِقِيمَةِ النِّعْمَةِ الَّتِي اَعْطَاهُمُ اللهُ اِيَّاهَا! وَاِنَّمَا يَنْسُبُونَهَا ظُلْماً وَعُدْوَاناً اِلَى الْغَرْبِ الصَّلِيبِيِّ! وَيُنْكِرُونَ فَضْلَ آَبَائِهِمْ وَاَجْدَادِهِمْ مِنْ قَبْلُ عَلَيْهِمْ! وَقَدْ بَقِيتُ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةً اَعِيشُ بِسَعَادَةٍ لَامَثِيلَ لَهَا مَعَ هَذِهِ الْكُنُوزِ الْفِقْهِيَّةِ الْعَظِيمَةِ فِي عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ وَفِي الْاَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي عَكَفْتُ عَلَى دِرَاسَتِهَا جَمِيعاً لَيْلاً وَنَهَاراً وَاَنَا اَبْكِي مِنْ تَجَاهُلِ اَهْلِ السُّنَّةِ لِفَضْلِ آَبَائِهِمْ وَاَجْدَادِهِمْ مِنْ سَلَفِهِمُ الصَّالِحِ عَلَيْهِمْ بَلْ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ بَلْ عَلَى الثَّقَلَيْنِ اِنْساً وَجِنّاً... وَلِذَلِكَ اَخِي فِي اَيَّامِنَا لَايَحِقُّ لَنَا شَرْعاً اَنْ نَحْظُرَ حُرِّيَّةَ الرَّاْيِ وَالتَّعْبِيرِ، فَرُبَّمَا كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مُوَافِقٌ لِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ(جُهَلَاءُ كَالْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ مَثَلاً(لَمْ تَعْلَمُوهُمْ اَنْ تَطَؤُوهُمْ( أَيْ تَطَؤُوا اَقْوَالَهُمْ بِاَرْجُلِكُمْ بِتَجَاهُلِكُمْ لِمَا قَالُوهُ وَاِنْكَارِ الْجُهَلَاءِ مِنْكُمْ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ{فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ( نَعَمْ اَخيِ: وَلَابُدَّ لَكَ اَنْ تَعْلَمَ اَنَّ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ تَنْقَسِمُ اِلَى ثَلَاثَةِ اَقْسَام: فِئَةٌ بَاغِيَةٌ مُؤْمِنَةٌ: وَفِئَة بَاغِيَةٌ كَافِرَةٌ: وَفِئَةٌ بَاغِيَةٌ مُنَافِقَة: وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ مِثَالاً وَهُوَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ مِنْ دَاعِشَ الَّتِي رُبَّمَا تَكُونُ كَافِرَةً وَاللهُ اَعْلَمُ وَالَّتِي تُكَفِّرُ النَّاسَ غَالِباً بِغَيْرِ حَقٍّ! وَمَعَ ذَلِكَ لَانَسْتَطِيعُ بِحَالٍ مِنَ الْاَحْوَالِ اَنْ نَتَجَاهَلَ اَنَّهَا تُكَفِّرُ النَّاسَ بِحَقٍّ اَيْضاً لِمَاذَا؟ لِاَنَّهَا تُصِيبُ اَحْيَاناً بِتَكْفِيرِهَا مَنْ كَفَّرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَنَحْنُ نَعْتَبِرُهَا مِنَ الْفِئَةِ التَّكْفِيرِيَّةِ الْبَاغِيَةِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْغَالِبَ عَلَى اَكْثَرِ النَّاسِ الَّذِينَ تُكَفِّرُهُمْ هُوَ الْجَهْلُ، وَكَمَا تَعْلَمُونَ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ: لَايَجُوزُ تَكْفِيرُ الْجَاهِلِ بِحَالٍ مِنَ الْاَحْوَالِ اَبَداً اِلَّا بَعْدَ اِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ وَاِصْرَارِهِ وَعَنَادِهِ عَلَى الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَاَمَّا الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُصِرُّ عَلَى الْمَعَاصِي، فَلَانَسْتَطِيعُ اَيْضاً تَكْفِيرَهُ بِحَالٍ مِنَ الْاَحْوَالِ اِلَّا اِذَا تَجَرَّاَ عَلَى اللهِ بِتَكْذِيبِهِ لِلهِ سُبْحَانَهُ لَا بِمَعْصِيَتِهِ كَيْفَ ذَلِكَ؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: كُلُّ مَنِ اعْتَقَدَ شَيْئاً مِمَّا حَرَّمَهُ اللهُ اَنَّهُ حَلَال! فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَجَرَّاُ عَلَى اللهِ بِتَكْذِيبِهِ فِيمَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، فَهَذَا اِنْ لَمْ يَكُنْ جَاهِلاً بِآَيَةِ التَّحْرِيمِ، وَاُعِيدُ وَاُكَرِّرُ وَاُؤَكِّدُ وَاَقُولُ: فَهَذَا اِنْ لَمْ يَكُنْ جَاهِلاً بِآَيَةِ التَّحْرِيمِ، فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ عَنْ دِينِ الْاِسْلَامِ، وَاَمَّا اِذَا كَانَ جَاهِلاً بِهَذِهِ الْآَيَةِ مِنَ التَّحْرِيمِ فَلَانَسْتَطِيعُ سَبِيلاً اِلَى تَكْفِيرِهِ اَبَداً اِلَّا بَعْدَ اَنْ نُعْلِمَهُ وَيُصِرَّ عَلَى عَنَادِهِ فِي تَكْذِيبِ رَبِّهِ، وَلَقَدْ كَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَاهِلاً بِتَحْرِيمِ الزَّوَاجِ مِنَ الْمَرْاَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَهِيَ اَرْبَعَةُ اَشْهُرٍ وَعَشْراً، فَهَلْ نَحْكُمُ عَلَيْهِ بِاَنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ عَنْ دِينِ الْاِسْلَام! وَاَتَوَجَّهُ بِهَذَا السُّؤَالِ اِلَى عُلَمَاءِ الدَّوَاعِشِ الْحَمْقَى، نَعَمْ اَخِي: لَانَسْتَطِيعُ بِحَالٍ مِنَ الْاَحْوَالِ اَنْ نَحْجُرَ عَلَى حُرِّيَّةِ الرَّاْيِ وَالتَّعْبِيرِ اِلَّا اِذَا كَانَ فِيهَا طَعْنٌ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ وَاَهْلِ بَيْتِهِ وَصَحَابَتِهِ وَاَزْوَاجِهِ، لَكِنْ عَلَيْنَا اَوّلاً وَقَبْلَ اَنْ نَلْجَاَ اِلَى قِتَالِ الطَّاعِنِينَ عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى{وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا اَئِمَّةَ الْكُفْرِ(عَلَيْنَا اَوّلاً اَخِي قَبْلَ تَفْعِيلِ هَذِهِ الْآَيَةِ اَنْ نَلْجَاَ اِلَى تَهْذِيبِ حُرِّيَّةِ الرَّاْيِ وَالتَّعْبِيرِ مَااسْتَطَعْنَا اِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً لِمَاذَا؟ بِسَبَبِ وُجُودِ الشَّرِيحَةِ الْكَبِيرَةِ الْجَاهِلَةِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُودُهُمْ اَئِمَّةُ الْكُفْرِ، نَعَمْ اَخِي: بَقِيَ هُنَاكَ شُبْهَةٌ يَحْتَجُّ بِهَا اَعْدَاءُ الْاِسْلَامِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام[اُمِرْتُ اَنْ اُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا اِلَهَ اِلَّا الله(وَهُنَا يَقُولُ اَعْدَاءُ الْاِسْلَام: هَاهُوَ مُحَمَّدٌ قُرْآَنُهُ يَاْمُرُهُ بِقَوْلِهِ{لَا اِكْرَاهَ فِي الدِّينِ( وَمَعَ ذَلِكَ يُرِيدُ اَنْ يُكْرِهَ النَّاسَ عَلَى دِينِهِ بِقُوَّةِ السَّيْفِ! وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ: اِنَّ رَسُولَ اللهِ اَمَرَهُ رَبُّهُ اَنْ يُقَاتِلَ مَنْ يَقُولُ لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ قَبْلَ اَنْ يُقَاتِلَ مَنْ لَايَقُولُهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{فَاِنْ بَغَتْ اِحْدَاهُمَا عَلَى الْاُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ اِلَى اَمْرِ الله(أَيْ قَاتِلُوا الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ الْمُؤْمِنَةَ حَتَّى تَفِيءَ اِلَى اَمْرِ اللهِ وَهُوَ الزَّكَاةُ وَوَحْدَةُ الصَّفِّ، وَقَاتِلُوا الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ الْكَافِرَةَ اَيْضاً حَتَّى تَفِيءَ اِلَى اَمْرِ اللهِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ وَوَحْدَةُ الصَّفِّ اَيْضاً مَعَ الْمُسْلِمِين، نَعَمْ اَخِي: وَالْاِسْلَامُ مَاكَانَ وَلَمْ يَكُنْ وَلَنْ يَكُونَ لِيَدْعُوَ اِلَى وَحْدَةِ الصّفِّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ بَعْضِهِمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْاِكْرَاهِ عَلَى قَوْلِ لَا اِلَهَ اِلَّا الله، وَاِنَّمَا يَدْعُو الْاِسْلَامُ اِلَى وَحْدَةِ الصَّفِّ بَيْنَ هَؤُلَاءِ جَمِيعاً بِنَشْرِ الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِمِنْشَارٍ حَدِيدِيٍّ يَضَعُ فِيهِ الْقُرْآَنُ الْكَرِيمُ عَشَرَاتِ الْعُقَدِ مِنْ رَحْمَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى{حَتَّى اِذَا اَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَاِمَّا مَنَّاً بَعْدُ وَاِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ اَوْزَارَهَا( وَيَضَعُ فِيهِ عَشَرَاتِ الْعُقَدِ اَيْضاً مِنْ رَحْمَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي عَدَمِ اِجْهَازِهِ عَلَى الْجَرِيحِ وَلَيْسَ كَمَا فَعَلَ اَحْفَادُ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ الْيَهُودُ فِي مَشْفَى الْخَلِيل! وَمَااَكْثَرَ وَصَايَاهُ الرَّحِيمَةَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَرْبِنَا مَعَ عَدُوِّنَا! نعَمْ اَخِي: وَيَضَعُ فِيهِ عَشَرَاتِ الْعُقَدِ الرَّحِيمَةِ اَيْضاً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَاَسِيرَا( نَعَمْ اَخِي: وَهَذِهِ الْآَيَةُ ذَكَرْنَاهَا سَابِقاً فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَةِ وَسَلَّطْنَا عَلَيْهَا اَضْوَاءً رَائِعَةً لَامَثِيلَ لَهَا مِنْ سَمَاحَةِ الْاِسْلَامِ الَّذِي يَاْبَى اَنْ يَكُونَ مِنْشَارُهُ وَسَيْفُهُ صَارِماً بَتَّاراً وَلَوْ عَلَى اَعْدَاءِ الله! نَعَمْ اَخِي: وَلَقَدْ عَكَفْتُ عَلَى دِرَاسَةِ الْاَدْيَانِ جَمِيعاً وَلَمْ اَجِدْ مِنْ بَيْنِهَا جَمِيعاً اَعْظَمَ مِنْ هَذَا الدِّينِ الْاِسْلَامِيِّ الْعَظِيمِ اَخْلَاقاً وَسَمَاحَةً وَنُبْلاً وَحُبّاً لِلْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ بَلْ{وَمَااَرْسَلْنَاكَ اِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين( وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته من اختكم في الله غصون، وآخر دعوانا اَنِ الحمد لله رب العالمين
 
عودة
أعلى