بريد القلوب
New Member
هناك مبدأ أساسي تعرف به قيمة الرجال، كيف نقيمهم ونزنهم بميزان القرآن الكريم، نسأل كتاب الله فيقول لنا: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} الشعراء89
وليس المقصود في الآية أن يكون القلب سليماً من الأمراض الجسمانية، ولكن سليماً من الأنانية والأحقاد والأحساد
أى أنه لم يجعل الله الدنيا أكبر همِّه ولا مبلغ علمه بعد أن طهَّر قلبه لله، فأصبح همُّه كلُّه إما الباقيات الصالحات، وإما في مراقبة الله في الجلوات والخلوات، وإما في العمل الذى يعتقد - تمام الإعتقاد - أنه هو العمل الباقى له بعد زوال الأرض والسماوات، وهذا الإنسان الذى يصلح به كل زمان وكل مكان، فكان يربي الأفراد على هذه الخصوصية.
سيدنا عمر رضي الله عنه بعدما وزَّع كل ما في بيت مال المسلمين، أمر خادم بيت المال أن يرشَّه بالماء، حتى يحضر هو وبعض نفرٍ من أصحاب النبىِّ صلى الله عليه وسلم لصلاة ركعتين فيه، وحضر وصلى ركعتين وجلس معهم وقال لهم: تمنوا – يعنى ما الذى تتمنون أن يملأ الله به بيت مال المسلمين؟ {فقال بعضهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله وأتصدق وقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة زبرجداً وجوهراً فأنفقه في سبيل الله وأتصدق، ثم قال عمر: تمنوا، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين، فقال عمر: أتمنى لو أنها مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان}{1}
وذات مرة خرج عمر يمشي ومعه أصحابه رضي الله عنهم في البقيع فقال لهم: {ليتمنى كلّ رجل منكم أمْنِيَّتَهُ. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، وددت أنَّ عندي مالاً فأعتق لوجه الله كذا وكذا، وقال آخر: وددت أن عندي مالاً فأنفق في سبيل الله، وقال آخر: وددت أن عندي قوة امْتَحَ بدلو ماء زمزم لحاج بيت الله، فقال عمر: وددت أن لي رجالاً مثل عمير{2} استعين بهم في أعمال المسلمين}{3}
أصحابه عندهم نوايا طيِّبة، كُلُّ ما يتمنونه أموراً تساعد على دعوة الله، أو توصل إلى رضوان الله، لا يحتاجون إلى الدنيا ولا الأموال إلا إذا كانت تعينهم على هذه المهمات، وتساعدهم على هذه الملمات، لكن لا يحتاجونها لذاتهم، لكن عمر رضي الله عنه ماذا يتمنى؟ يحتاج ويتمنى الرجال لأنهم من ينقلون الجبال ويحققون معجز الآمال، ويقومون بما فوق الخيال
فقد حفَّظهم وعرَّفهم بأن الدنيا كلها قليلة، فعرفوا جيداً أن المرء مهما عاش في الدنيا فهو خارج منها. ويسألونه في الدار البرزخية: أين تأشيرتك؟ وكم عاماً في الدنيا عشت؟ فيتعجب ويقول: هل أنا عشت سنيناً؟ فمنهم الذي يقول: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} النازعات46
أنا عشت إما قدر زمن العشاء، أو مقدار وقت الضحى، فلم يكمل حتى يوماً واحداً، أما المجرمون فيقسمون بأغلظ الأيمان، يقولون: أنهم ما عاشوا غير ساعة واحدة والساعة في القرآن لحظة وليست ستين دقيقة: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} الروم55
والنبي ذكر لأصحابه بعض الأسئلة التى سئلت للسابقين لأننا كلنا سنتعرض لسؤال الملكين فقال لهم: نبي الله نوح بعدما خرج من الدنيا سألته الملائكة وقالت له: يا نبي الله، كيف وجدت الدنيا؟ - مع أنه عاش ألفاً وثلاثمائة سنة، وتسعمائة وخمسين هذه مدة الدعوة، لكن عاش فترة قبلها، وفترة عاشها بعد الطوفان، وجملتها ألفٌ وثلاثمائة سنة - كيف وجدت الدنيا؟ قال: {وجدتُها كَدَارٍ لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر}
فما لنا نأمل ونريد الإستكثار من الدنيا وإذا لم يأت المال من حلال أتفنَّن في الحصول عليه من حرام، وأتفنَّن في الخداع، من أجل أى شيء؟ نحن جميعاً مسافرون، والتذاكر خَرَجَتْ من خزانة ربِّ العالمين، والسفر هذا على يقين، ولكن لا أحد يعرف الميعاد، ولا يعلمه إلاَّ أرحم الراحمين عز وجل، ويا ليتني أعرف الميعاد، كنت عندما أنحرف قليلاً أجتهد وأرجع قبل الميعاد، ولا أسوِّف.
وهنا تدريبٌ عملي بعد الترسيخ القولي، تدريب يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم في دورات التربية الإيمانية التي يعقدها لأصحابه الكرام وهذا الأمر حفَّظه رسول الله لأصحابه رضي الله عنهم، بالقول والعمل لشدة أهميته، ولذا كان يأخذهم مرَّةً بالأمثلة القوليَّة ومرَّةً بالأمثلة العمليَّة وخذوا مثالاً عملياً ...
صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه نفراً من أصحابه رضي الله عنهم مرَّةً إلى مزبلة خارج المدينة، فوجدوا ثياباً بالية وعظاماً نخرة فقال لهم صلى الله عليه وسلم: {هَلِمُّوا إلَى الدُّنْيَا، وَأَخَذَ خِرَقاً قَدْ بَلِيَتْ عَلَى تِلْكَ المَزْبَلَةِ، وَعِظَاماً قَدْ نَخِرَتْ، فَقَالَ: هذِهِ الدُّنيَا}{4}
هذا الكلام نعرفه ونأخذه من العلماء العاملين، لكن عندما انشغل الناس عن مجالس العلم وانشغلوا بالمسلسلات وبالمحادثات، وبالجلوس على المقاهي وفي الشوارع والنواصي، فمن الذي يقول له العالِم؟ لا أحد يسمع، واذا حضر أحد ليسمع يكون مغروراً يقول في نفسه ماذا يقول ومن هو؟ أهو الشعراوى، ولو كان فعندنا الشيخ الشعراوي في التليفزيون ولا نحتاج هذا
وهذا ليس منهج المسلمين الأولين، لأن العلوم أسرارها تؤخذ من المواجهة بين العالم والمتعلمين، وهذه المواجهات فيها أنوار تحصل في قلوب الأبرار يرسلها الواحد القهار، لا تأتي للإنسان ولو جلس فريداً يطلب العلم بمفرده سنين طوال ليل نهار، بركة هذه المجالس التى تحفُّهم الملائكة التي تُنزل السكينة على قلوبهم، والرحمة التي تغشاهم من الله.
ولذلك لما عرفوا قيمة الدنيا وطهرت جوارحهم من الشغل بها تدفقت حلاوة الإيمان في قلوبهم، فصارت أحوالهم فوق العقول والمفاهيم، وهذا مثلٌ لذلك: سيدنا عثمان رضي الله عنه كان يقرأ القرآن كلَّه من أوله إلى آخره في ركعتين بين المغرب والعشاء! تقول كيف ذلك؟ لا أعْرَفْ، إنما هذه أحوال كان فيها هؤلاء الرجال - وما زالت إلى أن يرث الله الوجود بأسره؛ فسألوه ما الذى بينك وبين القرآن؟ قال: لو طَهُرَتْ القلوب ماشبعت من كلام علاَّم الغيوب.
والرجل الذى جاء من الصحراء، وكان شاعراً عظيماً، وقصائده تكتب بالذهب، ويعلقونَها على الكعبة (المُعَلَّقَات)، أول ما صنعه معه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يرفعوا إنشغاله بحطام الدنيا الفانية من قلبه، لينزل فيه كلام ربِّه عز وجل، لأن كلام الله نُور، والنُّور لا يجب أن ينزل على ماعون فيه تفكير في فِسْقٍ أو فجور {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} النور35
لأنك تقرأ كلام الله بلسانٍ يقول الكذب والزور، أهذا يناسب نور كلام الغفور عز وجل؟ لأننى عندما أقرأ: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} آل عمران61
فأنا بذلك ألعن نفسى، إذاً لا بد أن أطهر أولاً اللسان، وأطهر القلب والجنان، لتصلح الأعمال الصادرة مني لحضرة الرحمن عز وجل.
فسيدنا عمر يختبر الرجل بعدما أجروا له عملية الطهارة القلبية وأخرجوا التعلق بالدنيا من قلبه وأشهدوه حقيقتها كما جاء بالكتاب وكما سمعوا من النبي الأواب، فيختبروا الرجل الشاعر اللبيب ويقول له: أنشدنا بعض قصائدك، قال: {يا أمير المؤمنين، أأنت تقول هذا، ما ينبغى لي أن أملأ قلبي بشيء غير كتاب الله بعد إذ دخله}، لا أنظر إلى شعر أو نثر، أو نظم أو أغاني، أو مواويل أو مسلسلات، أو أفلام، ولا شيء من هذا القبيل! بعد قول الله: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} الأحزاب4
وليس المقصود في الآية أن يكون القلب سليماً من الأمراض الجسمانية، ولكن سليماً من الأنانية والأحقاد والأحساد
أى أنه لم يجعل الله الدنيا أكبر همِّه ولا مبلغ علمه بعد أن طهَّر قلبه لله، فأصبح همُّه كلُّه إما الباقيات الصالحات، وإما في مراقبة الله في الجلوات والخلوات، وإما في العمل الذى يعتقد - تمام الإعتقاد - أنه هو العمل الباقى له بعد زوال الأرض والسماوات، وهذا الإنسان الذى يصلح به كل زمان وكل مكان، فكان يربي الأفراد على هذه الخصوصية.
سيدنا عمر رضي الله عنه بعدما وزَّع كل ما في بيت مال المسلمين، أمر خادم بيت المال أن يرشَّه بالماء، حتى يحضر هو وبعض نفرٍ من أصحاب النبىِّ صلى الله عليه وسلم لصلاة ركعتين فيه، وحضر وصلى ركعتين وجلس معهم وقال لهم: تمنوا – يعنى ما الذى تتمنون أن يملأ الله به بيت مال المسلمين؟ {فقال بعضهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله وأتصدق وقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة زبرجداً وجوهراً فأنفقه في سبيل الله وأتصدق، ثم قال عمر: تمنوا، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين، فقال عمر: أتمنى لو أنها مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان}{1}
وذات مرة خرج عمر يمشي ومعه أصحابه رضي الله عنهم في البقيع فقال لهم: {ليتمنى كلّ رجل منكم أمْنِيَّتَهُ. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، وددت أنَّ عندي مالاً فأعتق لوجه الله كذا وكذا، وقال آخر: وددت أن عندي مالاً فأنفق في سبيل الله، وقال آخر: وددت أن عندي قوة امْتَحَ بدلو ماء زمزم لحاج بيت الله، فقال عمر: وددت أن لي رجالاً مثل عمير{2} استعين بهم في أعمال المسلمين}{3}
أصحابه عندهم نوايا طيِّبة، كُلُّ ما يتمنونه أموراً تساعد على دعوة الله، أو توصل إلى رضوان الله، لا يحتاجون إلى الدنيا ولا الأموال إلا إذا كانت تعينهم على هذه المهمات، وتساعدهم على هذه الملمات، لكن لا يحتاجونها لذاتهم، لكن عمر رضي الله عنه ماذا يتمنى؟ يحتاج ويتمنى الرجال لأنهم من ينقلون الجبال ويحققون معجز الآمال، ويقومون بما فوق الخيال
فقد حفَّظهم وعرَّفهم بأن الدنيا كلها قليلة، فعرفوا جيداً أن المرء مهما عاش في الدنيا فهو خارج منها. ويسألونه في الدار البرزخية: أين تأشيرتك؟ وكم عاماً في الدنيا عشت؟ فيتعجب ويقول: هل أنا عشت سنيناً؟ فمنهم الذي يقول: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} النازعات46
أنا عشت إما قدر زمن العشاء، أو مقدار وقت الضحى، فلم يكمل حتى يوماً واحداً، أما المجرمون فيقسمون بأغلظ الأيمان، يقولون: أنهم ما عاشوا غير ساعة واحدة والساعة في القرآن لحظة وليست ستين دقيقة: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} الروم55
والنبي ذكر لأصحابه بعض الأسئلة التى سئلت للسابقين لأننا كلنا سنتعرض لسؤال الملكين فقال لهم: نبي الله نوح بعدما خرج من الدنيا سألته الملائكة وقالت له: يا نبي الله، كيف وجدت الدنيا؟ - مع أنه عاش ألفاً وثلاثمائة سنة، وتسعمائة وخمسين هذه مدة الدعوة، لكن عاش فترة قبلها، وفترة عاشها بعد الطوفان، وجملتها ألفٌ وثلاثمائة سنة - كيف وجدت الدنيا؟ قال: {وجدتُها كَدَارٍ لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر}
فما لنا نأمل ونريد الإستكثار من الدنيا وإذا لم يأت المال من حلال أتفنَّن في الحصول عليه من حرام، وأتفنَّن في الخداع، من أجل أى شيء؟ نحن جميعاً مسافرون، والتذاكر خَرَجَتْ من خزانة ربِّ العالمين، والسفر هذا على يقين، ولكن لا أحد يعرف الميعاد، ولا يعلمه إلاَّ أرحم الراحمين عز وجل، ويا ليتني أعرف الميعاد، كنت عندما أنحرف قليلاً أجتهد وأرجع قبل الميعاد، ولا أسوِّف.
وهنا تدريبٌ عملي بعد الترسيخ القولي، تدريب يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم في دورات التربية الإيمانية التي يعقدها لأصحابه الكرام وهذا الأمر حفَّظه رسول الله لأصحابه رضي الله عنهم، بالقول والعمل لشدة أهميته، ولذا كان يأخذهم مرَّةً بالأمثلة القوليَّة ومرَّةً بالأمثلة العمليَّة وخذوا مثالاً عملياً ...
صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه نفراً من أصحابه رضي الله عنهم مرَّةً إلى مزبلة خارج المدينة، فوجدوا ثياباً بالية وعظاماً نخرة فقال لهم صلى الله عليه وسلم: {هَلِمُّوا إلَى الدُّنْيَا، وَأَخَذَ خِرَقاً قَدْ بَلِيَتْ عَلَى تِلْكَ المَزْبَلَةِ، وَعِظَاماً قَدْ نَخِرَتْ، فَقَالَ: هذِهِ الدُّنيَا}{4}
هذا الكلام نعرفه ونأخذه من العلماء العاملين، لكن عندما انشغل الناس عن مجالس العلم وانشغلوا بالمسلسلات وبالمحادثات، وبالجلوس على المقاهي وفي الشوارع والنواصي، فمن الذي يقول له العالِم؟ لا أحد يسمع، واذا حضر أحد ليسمع يكون مغروراً يقول في نفسه ماذا يقول ومن هو؟ أهو الشعراوى، ولو كان فعندنا الشيخ الشعراوي في التليفزيون ولا نحتاج هذا
وهذا ليس منهج المسلمين الأولين، لأن العلوم أسرارها تؤخذ من المواجهة بين العالم والمتعلمين، وهذه المواجهات فيها أنوار تحصل في قلوب الأبرار يرسلها الواحد القهار، لا تأتي للإنسان ولو جلس فريداً يطلب العلم بمفرده سنين طوال ليل نهار، بركة هذه المجالس التى تحفُّهم الملائكة التي تُنزل السكينة على قلوبهم، والرحمة التي تغشاهم من الله.
ولذلك لما عرفوا قيمة الدنيا وطهرت جوارحهم من الشغل بها تدفقت حلاوة الإيمان في قلوبهم، فصارت أحوالهم فوق العقول والمفاهيم، وهذا مثلٌ لذلك: سيدنا عثمان رضي الله عنه كان يقرأ القرآن كلَّه من أوله إلى آخره في ركعتين بين المغرب والعشاء! تقول كيف ذلك؟ لا أعْرَفْ، إنما هذه أحوال كان فيها هؤلاء الرجال - وما زالت إلى أن يرث الله الوجود بأسره؛ فسألوه ما الذى بينك وبين القرآن؟ قال: لو طَهُرَتْ القلوب ماشبعت من كلام علاَّم الغيوب.
والرجل الذى جاء من الصحراء، وكان شاعراً عظيماً، وقصائده تكتب بالذهب، ويعلقونَها على الكعبة (المُعَلَّقَات)، أول ما صنعه معه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يرفعوا إنشغاله بحطام الدنيا الفانية من قلبه، لينزل فيه كلام ربِّه عز وجل، لأن كلام الله نُور، والنُّور لا يجب أن ينزل على ماعون فيه تفكير في فِسْقٍ أو فجور {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} النور35
لأنك تقرأ كلام الله بلسانٍ يقول الكذب والزور، أهذا يناسب نور كلام الغفور عز وجل؟ لأننى عندما أقرأ: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} آل عمران61
فأنا بذلك ألعن نفسى، إذاً لا بد أن أطهر أولاً اللسان، وأطهر القلب والجنان، لتصلح الأعمال الصادرة مني لحضرة الرحمن عز وجل.
فسيدنا عمر يختبر الرجل بعدما أجروا له عملية الطهارة القلبية وأخرجوا التعلق بالدنيا من قلبه وأشهدوه حقيقتها كما جاء بالكتاب وكما سمعوا من النبي الأواب، فيختبروا الرجل الشاعر اللبيب ويقول له: أنشدنا بعض قصائدك، قال: {يا أمير المؤمنين، أأنت تقول هذا، ما ينبغى لي أن أملأ قلبي بشيء غير كتاب الله بعد إذ دخله}، لا أنظر إلى شعر أو نثر، أو نظم أو أغاني، أو مواويل أو مسلسلات، أو أفلام، ولا شيء من هذا القبيل! بعد قول الله: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} الأحزاب4
{1} زيد بن أسلم حدّثه عن أبيه، عن عمر المستدرك على الصحيحين {2} الإصابة في تمييز الصحابة، و عمير يعني عمير بن سعد بن عبيد وكان صحابيا شهد فتوح الشام واستعمله عمر على حمص إلى أن مات وكان من الزهاد وله قصص مشهورة فى ورعه وزهده وتقواه لما تولى حمصاً {3} رواه الطبراني، مجمع الزوائد {4} أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان من طريقه من رواية ابن ميمون اللخمي مرسلاً