تنزيل من رب العالمين


اَلْحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى اَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَمَنْ وَالَاهُمْ اِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَبَعْدُ، قَالَ الْاِمَامُ اَبُو عَبْدِ اللهِ اَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ حَنْبَلَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [اِنَّ اللهَ يَنْزِلُ اِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا [وَاِنَّ اللهَ يُرَى فِي الْقِيَامَةِ (وَمَا اَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْاَحَادِيث، نَعَمْ اَخِي: قَالَ الْاِمَامُ اَحْمَدُ تَعْلِيقاً عَلَى هَذِهِ الْاَحَادِيث: نُؤْمِنُ بِهَا وَنُصَدِّقُ بِهَا لَا كَيْفَ وَلَا مَعْنَى، وَلَانَرُدُّ شَيْئاً مِنْهَا، وَنَعْلَمُ اَنَّ مَاجَاءَ بِهِ الرَّسُولُ حَقٌّ، وَلَانَرُدُّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآَلِهِ، وَلَانَصِفُ اللهَ بِاَكْثَرَ مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ بِلَاحَةٍ وَلَاغَايَة، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير، وَنَقُولُ كَمَا قَالَ، وَنَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، لَانَتَعَدَّى ذَلِكَ، وَلَا يَبْلُغُهُ وَصْفُ الْوَاصِفِين، وَنُؤْمِنُ بِالْقُرْآَن ِكُلِّهِ مُحْكَمِهِ وَمُتَشَابَهِهِ، وَلَانُزِيلُ عَنْهُ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ لِشَنَاعَةٍ شُنِّعَتْ، وَلَانَتَعَدَّى الْقُرْآَنَ وَالْحَدِيثَ، وَلَانَعْلَمُ كَيْفَ كُنْهُ ذَلِكَ اِلَّا بِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَثْبِيتِ الْقُرْآَن، اِنْتَهَى كَلَامُ الْاِمَامِ اَحْمَد، وَاَقُولُ وَبِاللهِ التَّوْفِيق: هَذَا الْكَلَامُ مِنْ اِمَامِ اَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ اَبُو عَبْدِ اللهِ اَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ حَنْبَلُ الشَّيْبَانِيِّ الْمُتَوَفَّى رَحِمَهُ اللهُ سَنَةَ اِحْدَى وَاَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ لِلْهِجْرَةِ، وَهُوَ الْاِمَامُ الَّذِي نَصَرَ اللهُ بِهِ السُّنَّةَ، وَقَمَعَ بِهِ الْبِدْعَةَ، وَجَعَلَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي وَقْتِهِ مِيزَاناً يُوزَنُ بِهِ النَّاسُ، يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اِنَّنَا نُؤْمِنُ بِمَا جَاءَ مِنَ النُّزُولِ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ سُبْحَانَه، وَنُؤْمِنُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ الصِّفَاتِ كَمَا جَاءَ، فَلَا نَتَجَاوَزُ الْقُرْآَنَ وَالْحَدِيث، نَعَمْ اَخِي: ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: بِلَا كَيْفٍ وَلَا مَعْنَى! نَعَمْ اَخِي: وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً، اَشْكَلَ عَلَى بَعْضِهِمْ! فَكَيْفَ يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ بِلَاكَيْفٍ وَلَامَعْنَى؟ وَالْجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ: اَنَّ حَقِيقَةَ هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَ عَنْهُ، يَبْدُو لِلْوَهْلَةِ الْاُولَى، اَنَّهُ يُوَافِقُ مَذْهَبَ الْمُفَوِّضَة، نَعَمْ اَخِي: وَالْمُفَوِّضَةُ طَائِفَةٌ كَانَتْ تَقُولُ نُؤْمِنُ بِالْاَلْفَاظِ بِلَامَعَانِي! اَيْ نُفَوِّضُ الْمَعْنَى وَالْكَيْفِيَّةَ جَمِيعاً! نَعَمْ اَخِي: وَهَذَا مُعْتَقَدٌ بَاطِلٌ وَبِدْعَةٌ شَنِيعَة! وَاِنَّمَا الصَّحِيحُ وَالْوَاجِبُ هُوَ تَفْوِيضُ الْعِلْمِ بِالْكَيْفِيَّةِ، وَاَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَيْسَ بِحَاجَةٍ لِتَفْوِيضٍ؟ لِاَنَّ الْقُرْآَنَ اُنْزِلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين(وَاضِح( نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا كَانَ اَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُؤْمِنُونَ بِالْاَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي، اَيْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، فَكَيْفَ اِذاً يُحْمَلُ كَلَامُ الْاِمَامِ اَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ بِلَاكَيْفٍ وَلَامَعْنَى؟ نَعَمْ اَخِي: وَقَبْلَ اَنْ اُجِيبَ اُنَبِّهُكَ اِلَى اَنَّ هَذِهِ السَّقْطَةَ اَيْضاً مِمَّا اُخِذَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيّ حَيْثُ لَمْ يُوضِحِ الْمُرَادَ مِنْ كَلَامِ الْاِمَامِ اَحْمَدَ! نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا اَهْلُ الْعِلْمِ فَيَقُولُونَ اِنَّ الْاِمَامَ اَحْمَدَ اَرَادَ بِقَوْلِهِ بِلَاكَيْفَ وَلَامَعْنَى، اَنْ يَرُدَّ عَلَى طَائِفَتَيْن، اَمَّا الطَّائِفَةُ الْاُولَى فَهِيَ الْمُشَبِّهَةُ الْمُجَسِّمَة، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ بِلَا كَيْفَ، بِمَعْنَى اَنَّهُ يُنْكِرُ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي تَتَوَهَّمُهَا الْعُقُولُ اَوِ الَّتِي وَصَفَ اللهَ جَلَّ وَعَلَا بِهَا الْمُجَسِّمَةُ اَوِ الْمُمَثِّلَةُ اَوِ الْمُشَبِّهَةُ وَيَعْتَبِرُهَا كَيْفِيَّةً بَاطِلَة، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا قَوْلُهُ وَلَامَعْنَى، فَرَدَّ بِهَا رَحِمَهُ اللهُ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ الَّذِينَ جَعَلُوا مَعَانِيَ النُّصُوصِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهَا فَقَالُوا اِنَّ مَعْنَى النُّزُولِ هُوَ الرَّحْمَة، وَقَالُوا اِنَّ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ، وَقَالُوا اِنَّ مَعْنَى الرَّحْمَةِ هُوَ الْاِرَادَة اَيْ مَايُرِيدُهُ اللهُ مِنَ الْاِحْسَانِ اَوِ الْخَيْرِ، وَقَالُوا اِنَّ مَعْنَى الْغَضَبِ هُوَ اِرَادَةُ الِانْتِقَامِ وَنَحْوِ ذَلِك، نَعَمْ اَخِي: فَهَذَا تَاْوِيلٌ غَرِيبٌ مِنْهُمْ، لَكِنَّ الْاِمَامَ اَحْمَدَ يَقُولُ: بِلَاكَيْفٍ، وَهُوَ الْكَيْفُ الَّذِي جَعَلَهُ الْمُجَسِّمَة، وَيَقُولُ اَيْضاً: وَلَامَعْنَى، وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي جَعَلَهُ الْمُعَطّلَة، وَهُوَ الْمَعْنَى الْبَاطِلُ الَّذِي صَرَفَ الْاَلْفَاظَ اِلَيْهِ الْمُبْتَدِعَةُ وَالْمُؤَوِّلَة، نَعَمْ اَخِي: فَقَوْلُهُ بِلَاكَيْفٍ وَلَامَعْنَى، يَدُلُّ عَلَى اَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ وَلَامَعْنَى: اَيْ اَنَّهُ يُرِيدُ الْمَعْنَى الْبَاطِلَ الَّذِي تَاَوَّلَ بِهِ وَاِلَيْهِ الْمُبْتَدِعَةُ الصِّفَاتِ وَ النُّصُوصَ الْغَيْبِيَّةَ، نَعَمْ اَخِي: وَهَذَا نَاْخُذُ مِنْهُ قَاعِدَةً مُهِمَّةً، وَهِيَ اَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ الَّذِي يَعْتَنِي بِاَمْرِ الِاعْتِقَادِ، يَجِبُ عَلَيْهِ اَنْ يَفْهَمَ اعْتِقَادَ اَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ جَيِّداً وَتَمَاماً، فَاِذَا فَهِمَهُ وَوَرَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ اَلْفَاظٌ مُشْكِلَةٌ عَنِ الْاَئِمَّةِ اَوِ التَّابِعِينَ اَوْ اَتْبَاعِ التَّابِعِينَ اَوْعَنْ بَعْضِ الْاَئِمَّةِ، فَاِنَّهُ بِفَهْمِهِ لِلِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ، سَيُوَجِّهُ مَعْنَاهَا اِلَى مَعْنىً مُسْتَقِيمٍ؟ لِاَنَّهُ لَايُظَنُّ بِالْاِمَامِ اَحْمَدَ وَهُوَ اِمَامُ اَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الَّذِي حَكَمَ بِالْبِدْعَةِ عَلَى الْمُفَوِّضَةِ، اَنَّهُ يَقُولُ وَلَامَعْنَى: اَيْ لَيْسَ لِلْآَيَاتِ وَالْاَحَادِيثِ مَعْنىً يُفْهَمُ مِنْهَا بَتَاتاً، لَا يَااَخِي لَاتَفْهَمْ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْاِمَامِ اَحْمَد، نَعَمْ اَخِي: فَفَهْمُكَ لِاُصُولِ الِاعْتِقَادِ وَاُصُولِ مَاكَانَ عَلَيْهِ اَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَضَبْطُكَ لِذَلِكَ بِهِ، يُمْكِنُ اَنْ تُجِيبَ بِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْاِشْكَالَات، نَعَمْ اَخِي: وَنَحْنُ فِي هَذَا الزَّمَانِ! رُبَّمَا كَتَبَ بَعْضُ النَّاسِ كِتَابَاتٍ تُفِيدُ بِاَنَّ السَّلَفَ يُقِرُّونَ التَّاْوِيلَ! وَاَنَّهُ وُجِدَ التَّاْوِيلُ لِلصِّفَاتِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ! اَوْ وُجِدَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَ الصِّفَاتِ! اَوْ وُجِدَ فِي التَّابِعِينَ مَنْ يُؤَوِّلُ! اَوِ الْاِمَامُ اَحْمَدُ اَوَّلَ! وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا مِنْ جَرَّاءِ عَدَمِ فَهْمِهِمْ لِاُصُولِ اَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَابْتِغَاءِ الْفِتْنَةِ، وَابْتِغَاءِ التَّاْوِيلِ الَّذِي يَتَّفِقُ مَعَ الْهَوَى وَالَّذِي وَصَفَ اللهُ تَعَالَى بِهِ الزَّائِغِين، نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا فَهِمْتَ الصَّوَابَ، وَفَهِمْتَ الْمَنْهَجَ الْحَقَّ وَالِاعْتِقَادَ الْحَقَّ، فَاِنَّهُ يُمْكِنُ بِذَلِكَ اَنْ تُجِيبَ عَمَّا وَرَدَ عَنْ بَعْضِ اَئِمَّةِ اَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ اَلْفَاظٍ رُبَّمَا خَالَفَ ظَاهِرُهَا الْمُعْتَقَدَ اَوْ ظُنَّ اَنَّ فِيهَا شَيْئاً مِنَ التَّاْوِيل! وَمَعَ ذَلِكَ يُمْكِنُكَ اَخِي اَنْ تُجِيبَ عَلَيْهَا بِاَجْوِبَةٍ مُحَقَّقَةٍ وَاضِحَة، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّة، نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ الْكِتَابَاتُ الَّتِي نُشِرَتْ فِيمَا مَضَى، وَرُبَّمَا مَازَالَتْ تُنْشَرُ اِلَى الْآَن! مِنْ اَنَّ اَمْرَ التَّاْوِيلِ، وَاَمْرَ الِاعْتِقَادِ، وَاَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي الِاعْتِقَادِ! فَلَاتَجْعَلُوا الِاخْتِلَافَ فِي الْعَقِيدَةِ سَبَباً لِتَفْرِيقِ الْاُمَّةِ، وَسَبَباً لِكَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَصَائِبِ، ثُمَّ يَسْتَدِلُّونَ بِبَعْضِ اَقْوَالِ الْاِمَامِ اَحْمَدَ! اَوْ بِبَعْضِ اَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ! وَهُمْ كَاَنَّمَا تَصَيَّدُوا هَذِهِ الْاَقْوَالَ؟ لِيُلْبِسُوا بِهَا عَلَى النَّاس! وَلَوْ كَانُوا يَفْهَمُونَ مُعْتَقَدَ اَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةٍ فَهْماً كَامِلاً صَحِيحاً، لَاَمْكَنَهُمْ اَنْ يُجِيبُوا عَنْ كُلِّ مَااَشْكَلَ عَلَيْهِمْ بِوُضُوحٍ وَذَلِكَ مِنْ مِثْلِ مَاثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا اَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ اِلَى السُّجُودِ فَلَايَسْتَطِيعُون(قَالَ{يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ(بِمَعْنَى يُكْشَفُ عَنْ شِدَّةٍ، كَمَا يُقَالُ كَشَفَتِ الْحَرْبِ عَنْ سَاقِهَا: بِمَعْنَى اَنَّ الْحَرْبَ كَشَفَتْ عَنْ شِدَّةٍ وَبَاْسٍ فِيهَا، قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَايُثْبِتُ صِفَةَ السَّاقِ لِلهِ جَلَّ وَعَلَا! وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ: اَيْنَ الثُّرَيَّا مِنَ الثَّرَى؟! هَلْ تُفَسِّرُونَ الْمَاءَ بَعْدَ الْجَهْدِ بِالْمَاءِ! لَاشَكَّ اَنَّ هَذَا خِلَافَ مَايَقْتَضِيهِ الْعِلْمُ؟ لِاَنَّ كَوْنَ هَذَا الْقَوْلِ ثَابِتاً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، لَايَعْنِي اَنَّهُ يَنْفِي صِفَةَ السَّاقِ؟ لِاَنَّ صِفَةَ السَّاقِ جَاءَتْ مُوَضَّحَةً فِي حَدِيثِ اَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَفِي غَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ(لَاحِظْ هَاءَ الْغَائِبِ هُنَا اَخِي فِي نِهَايَةِ الْكَلِمَةِ وَالَّتِي هِيَ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرَةِ فِي مَحَلِّ جَرِّ مُضَافْ اِلَيْهِ وَهُوَ اللهُ الْمُضَافُ اِلَى كَلِمَةِ سَاق، وَكَلِمَةُ سَاق هِيَ مُضَاف( فَاِذَا اُضِيفَ رَبُّنَا اِلَى سَاقِهِ لَمْ يَحْتَمِلْ اِلَّا الصِّفَة؟ لِاَنَّ الذَّوَاتِ اِذَا اُضِيفَتْ، فَاِمَّا اَنْ تَقْتَضِيَ الْاِضَافَةُ التَّشْرِيفَ، اَوْ تَقْتَضِيَ الصِّفَةَ، وَهَذَا لَايَقْتَضِي التَّشْرِيفَ، وَاِنَّمَا يَقْتَضِي الْوَصْفَ، لِاَنَّ سَاقَ اللهِ شَرِيفَةٌ مُنْذُ الْاَزَلِ وَاِلَى اَبَدِ الْآَبِدِينَ وَلَاَتحْتَاجُ اِلَى تَشْرِيف، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا اِذَا لَمْ يُضَفْ رَبُّنَا كَمَا فِي الْآَيَةِ( وَفِعْلاً اَخِي مَااَضَافَ اللهُ ذَاتَهُ الْعَلِيَّةَ فِي الْآَيَةِ اِلَى سَاقِهِ(وَلِذَلِكَ صَحِيحٌ هُنَا اَنَّهُ يُمْكِنُ اَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَافَسَّرَتْ بِهِ الْعَرَبُ مِنْ اَنَّهَا تَقُولُ كُشِفَ الْيَوْمَ عَنْ سَاقٍ اَيْ عَنْ شِدَّة، نَعَمْ اَخِي: فَلَمَّا لَمْ تَرِدْ كَلِمَةُ سَاقٍ فِي الْآَيَةِ مُضَافَة، اِحْتَمَلَ اَنْ يُرَادَ مِنَ الْكَشْفِ عَنْ سَاقٍ فِي الْآَيَةِ الْكَشْفَ عَنْ شِدَّة، وَلِهَذَا فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ الْآَيَةَ بِهَذِهِ الشِّدَّة، لَكِنْ نَحْنُ نَقُولُ اِنَّ الصَّحِيحَ هُوَ مَافَسَّرَ الْآَيَةَ بِهِ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، مِنْ اَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ(اَنَّهُ يُكْشَفُ عَنْ سَاقِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا؟ لِاَنَّهُ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ وَفَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَلْ يُؤْخَذُ تَفْسِيرُ الْقُرْآَنِ عَنْ اَحَدٍ اَفْهَمَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيَّنَ ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ اَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ اَيْضاً، نَعَمْ اَخِي: وَالْخُلَاصَةُ اَنَّ السَّاقَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْآَيَةِ هِيَ سَاقُ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ حَتْماً وَلَسْنَا بِحَاجَةٍ اِلَى اَنْ نُفَسِّرَهَا اَوْ نُؤَوِّلَهَا بِاَنَّهَا كِنَايَة عَنِ الشِّدَّة كَمَا ذَهَبَ اِلَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ لِمَاذَا؟ لِاَنَّهَا وَرَدَتْ بِصِيغَةِ النَّكِرَةِ كَالتَّالِي{عَنْ سَاقٍ( نَعَمْ اَخِي: وَكَلِمَةُ سَاقٍ اِذَا وَرَدَتْ فِي كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَرَبِّ الْعَرَبِ وَرَبِّ لُغَتِهِمْ بِسِيَاقِ النَّكِرَةِ، فَاِنَّهَا تُفِيدُ التَّفْخِيمَ وَالتَّعْظِيمَ وَالتَّبْجِيلَ لِهَذِهِ السَّاقِ الرَّبَّانِيَّةِ الْاِلَهِيَّةِ الَّتِي تَلِيقُ بِجَلَالِ مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ عُلَمَاءُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ جَيِّداً،.. نعم ايها الاخوة وَقَبْلَ اَنْ نَبْدَاَ الدَّرْسَ الْمُقَرَّرَ فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَةِ نَقُول: لَمَّا اَكْثَرَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُزَاحِ، نَزَلَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلّ {اَلَمْ يَاْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا اَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَانَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَايَكُونُوا كَالَّذِينَ اُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْاَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُون(نَعَمْ اَخِي وَالْمُزَاحُ بِحُدُودٍ وَبِصِدْقٍ وَلَيْسَ فِيهِ سُخْرِيَةٌ مُبَاح لَكِنْ بِيُسْرٍ، بِمَعْنَى اَنْ يَكُونَ مُزَاحاً يَسِيراً، وَاَنْ يَكُونَ صَادِقاً غَيْرَ كَاذِبٍ فِي مُزَاحِهِ، وَاَمَّا اِذَا ازْدَادَ الْمُزَاحُ، فَهُنَا يَنْقَلِبُ الْاَمْرُ اِلَى مَحْظُورٍ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ كَثْرَةَ الْمُزَاحِ تُذْهِبُ هَيْبَةَ الْمُؤْمِنِ، وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ جَادّاً، فَظَنَّ النَّاسُ اَنَّهُ يَمْزَحُ، وَلَاسِيَّمَا اِذَا كَانَ الْمُزَاحُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِآَيَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نَعَمْ اَخِي: تَرَى اِنْسَاناً مَثَلاً اِذَا رَاَيْتَهُ شَذَّ، وَقَرَاْتَ لَهُ آَيَةً مِنَ الْقُرْآَنِ، يَاْخُذُهَا مِنْ دُونِ اهْتِمَامٍ! كَالَّذِينَ يَخِرُّونَ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً! وَرُبَّمَا يَضْحَكُ وَيَبْتَسِمُ كَاَنَّهُ لَايَفْعَلُ شَيْئاً! وَلِذَلِكَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ؟ لِتَضْبِطَ عَلَاقَةً اجْتِمَاعِيَّةً بَيْنَ اَفْرَادِ الْاُمَّةِ الْوَاحِدَةِ اِذَا مَزَحُوا اَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ، وَاَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِقَدْرٍ يَسِيرٍ، وَاَلَّا يَكُونَ الْاِنْسَانُ مَزُوحاً فِي اَكْثَرِ اَحْوَالِه، نَعَمْ اَخِي: وَصَلْنَا فِي الْمُشَارَكَةِ قَبْلَ السَّابِقَةِ اِلَى قَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لَايَمَسُّهُ اِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين(نَعَمْ اَخِي {لَايَمَسُّهُ(اَلضَّمِيرُ هُنَا يَعُودُ اِلَى الْقُرْآَن، وَالضَّمِيرُ هُنَا هُوَ الْهَاءُ وَهُوَ آَخِرُ حَرْفٍ فِي كَلِمَةِ يَمَسُّهُ وَلِذَلِكَ{لَايَمَسُّهُ اِلَّا الْمُطَهَّرُون(وَاَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَال اَلْمَقْصُودُ بِالْمُطَهَّرُونَ هُنَا هُمُ الْمَلَائِكَة، نَعَمْ اَخِي: وَحِينَمَا كَانَ يَنْزِلُ الْقُرْآَنُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وُجُودٌ لِلْمُصْحَفِ، وَاِنَّمَا جُمِعَ الْقُرْآَنُ الْجَمْعَ الْاَوَّلَ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ فِي عَهْدِ اَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَاَمَّا الْجَمْعُ الثَّانِي، فَكَانَ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ تَرَى اَخِي الرَّسْمَ الْعُثْمَانِيَّ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ اَنَّ ذَلِكَ الرَّسْمَ حَصَلَ اَيَّامَ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ لَا؟ لِاَنَّ الْعُثْمَانِيَّ هُنَا نِسْبَةٌ اِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَلَيْسَ اِلَى الْاَتْرَاك، نَعَمْ اَخِي: وَكَلِمَةُ الرَّسْمِ بِمَعْنَى الْخَطِّ الَّذِي كُتِبَ بِهِ الْقُرْآَنُ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، نَعَمْ اَخِي: وَكِتَابَةُ الْقُرْآَن ِتَخْتَلِفُ عَنْ كِتَابَةِ الْاِمْلَاءِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي نَعْرِفُهَا، بَلْ اِنَّ قَوَاعِدَ الْاِمْلَاءِ تَخْتَلِفُ مِنْ بَلَدٍ اِلَى بَلَد، فَنَحْنُ مَثَلاً اِذَا اَرَدْنَا اَنْ نَكْتُبَ عَلِيّ، فَاِنَّنَا نَضَعُ تَحْتَ حَرْفِ الْيَاءِ فِي نِهَايَةِ الْكَلِمَةِ نُقْطَتَيْنِ، وَاَمَّا فِي مِصْرَ، فَاِنَّهُمْ لَايَضَعُونَ نِقَاطاً لِهَذِهِ الْيَاءِ الْاَخِيرَةِ، بَلْ يَكْتُبُونَ كَلِمَةَ عَلِيّ كَمَا يَكْتُبُونَ كَلِمَةَ عَلِى، نَعَمْ اَخِي: وَنَحْنُ اِذَا كَتَبْنَا كَلِمَةَ مَسْؤُول، فَاِنَّنَا نَكْتُبُ الْهَمْزَةَ عَلَى وَاو، وَاَمَّا غَيْرُنَا فَيَكْتُبُهَا عَلَى نَبْرَة عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي: مَسْئُول(اِيَّاكَ اَخِي اَنْ تَقُولَ نَبِرَة! بَلْ قُلْ نَبْرَة(نَعَمْ اَخِي كَذَلِكَ نَحْنُ نَكْتُبُ الْهَمْزَةَ عَلَى الْوَاوِ فِي كَلِمَةِ رَؤُوف، وَاَمَّا غَيْرُنَا فَيَكْتُبُهَا عَلَى السَّطْرِ كَالتَّالِي: رَءُوف، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ فَاِنَّ الْقَوَاعِدَ الْاِمْلَائِيَّةَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ لَيْسَ مُتَّفَقاً عَلَيْهَا فِي كُلِّ الْاَقْطَارِ الْعَرَبِيَّة، نَعَمْ اَخِي: وَلَكِنَّ الرَّسْمَ الْعُثْمَانِيَّ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْقُرْآَن ِالْكَرِيم، نَعَمْ اَخِي: وَحِينَمَا كَانَ الْقُرْآَنُ يَنْزِلُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، كَانَ يُكْتَبُ بِالْاَدَوَاتِ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً آَنَذَاكَ، وَلَمْ يُجْمَعْ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ{لَايَمَسُّهُ اِلَّا الْمُطَهَّرُون(اَيِ الْمَلَائِكَة، رَدّاً عَلَى زَعْمِ الْمُشْرِكِينَ اَنَّ الْقُرْآَنَ تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِين! فَيَقُولُ لَهُمُ الْقُرْآَنُ لَا؟ لِاَنَّ الشَّيَاطِينَ اَنْجَاسٌ نَجَاسَةً مَعْنَوِيَّة، وَلِذَلِكَ هَؤُلَاءِ لَايُعْطَوْنَ الْحُرِّيَّةَ لِيَمَسُّوا هَذَا الْقُرْآَنَ، وَاِنَّمَا الَّذِي يَمَسُّهُ وَيَنْزِلُ بِهِ هُمُ الْمُطَهَّرُون، وَالْمُطَهَّرُونَ هُنَا هُمُ الْمَلَائِكَة، نَعَمْ اَخِي: وَهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ مُطَهَّر، وَمُتَطَهِّر، وَالْمُطَهَّرُ هُوَ الَّذِي غَيْرُهُ طَهَّرَهُ، وَاَمَّا الْمُتَطَهِّرُ فَهُوَ الَّذِي طَهَّرَ نَفْسَهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلِ الْقُرْآَنُ لَايَمَسُّهُ اِلَّا الْمُتَطَهِّرُونَ، وَاِنَّمَا قَال {لَايَمَسُّهُ اِلَّا الْمُطَهَّرُون( نَعَمْ اَخِي: وَفِي الْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى{وَيَسْاَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ؟ قُلْ هُوَ اَذىً، فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ، وَلَاتَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، فَاِذَا تَطَهَّرْنَ فَاْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ اَمَرَكُمُ الله(نَعَمْ اَخِي اَوَّلاً قَالَ سُبْحَانَهُ{يَطْهُرْنَ(ثُمَّ قَالَ{تَطَهَّرْنَ(وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيَّة: مَارَاْيُكُمْ فِي هَذِهِ الْآَيَة؟ قَالُوا: اِذَا الْمَرْاَةُ الْحَائِضُ اسْتَوْفَتْ اَقْصَى مُدَّةِ الْحَيْضِ وَهِيَ عَشَرَةُ اَيَّامٍ وَمَضَى عَلَيْهَا اَيْضاً وَقْتُ صَلَاةٍ، جَازَ لِزَوْجِهَا اَنْ يُعَاشِرَهَا وَلَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ! عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى{حَتَّى يَطْهُرْنَ(اَيْ يَطْهُرْنَ مِنْ تِلْقَاءِ اَنْفُسِهِنَّ وَمِنْ دُونِ اغْتِسَال، وَاَمَّا{تَطَهَّرْنَ(فَهُنَّ اللَّوَاتِي طَهَّرْنَ اَنْفُسَهُنَّ بِالِاغْتِسَال، وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيَّة: مَاذَا لَوِ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْحَيْضِ قَبْلَ مُضِيِّ عَشَرَةِ اَيَّامٍ عَلَى عَادَةِ بَعْضِ النِّسَاء؟ قَالُوا: فِي هَذِهِ الْحَالَة لَايَجُوزُ لَهُ اَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى تَغْتَسِل، وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيَّة: نُرِيدُ مَزِيداً مِنَ الْاِيضَاح، قَالُوا: لِنَفْرِضْ اَنَّ مُدَّةَ الْحَيْضِ عِنْدَهَا سَبْعَةُ اَيَّام، فَلَايَجُوزُ اَنْ يَقْرَبَهَا، اَيْ لَايَجُوزُ اَنْ يُعَاشِرَهَا زَوْجُهَا الْمُعَاشَرَةَ الْجِنْسِيَّةَ الْمَعْرُوفَةَ اِلَّا بَعْدَ اَنْ تَغْتَسِلَ، وَاَمَّا اِذَا مَضَى عَشَرَةُ اَيَّامٍ وَمَضَى مَعَهُنَّ وَقْتُ صَلَاةٍ، وَانْقَطَعَ الدَّمُ بَعْدَ ذَلِك، فَيَجُوزُ لَهُ اَنْ يُعَاشِرَهَا وَلَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ! وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيَّةِ لِمَاذَا؟ وَمَاهُوَ دَلِيلُكُمْ؟ قَالُوا؟ لِاَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُول{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَاتَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ(بِذَوَاتِهِنَّ، وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيَّة: مَتَى يَطْهُرْنَ بِذَوَاتِهِنَّ؟ قَالُوا: حِينَمَا يَنْتَهِي الْحَيْضُ، وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيَّةِ مِنْ جَدِيد: مَاذَا لَوْ كَانَتْ مُدَّةُ الْحَيْضِ اَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ اَيَّامٍ؟ وَمَاهُوَ دَلِيلُكُمْ؟ قَالُوا: اِذَا كَانَتْ مُدَّةُ حَيْضِهَا اَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ اَيَّامٍ، فَاِنَّهَا تَغْتَسِلُ عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى{فَاِذَا تَطَهَّرْنَ(لِمَاذَا؟ لِاَنَّ اللهَ لَمْ يَقُلْ هُنَا اِذَا طَهُرْنَ، وَاِنَّمَا قَالَ تَطَهَّرْنَ! بِمَعْنَى اَنَّهُنَّ هُنَّ بَاشَرْنَ عَمَلِيَّةَ التَّطْهِيرِ بِاَنْفُسِهِنَّ وَذَلِكَ بِالِاغْتِسَال(الِاسْتِحْمَام(فَانْظُرْ اَخِي اِلَى جَمَالِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّة حِينَمَا تَتَذَوَّقُهَا كَاَنَّكَ تَشْرَبُ مَاءً بَارِداً فِي يَوْمِ قَيْظٍ وحَرٍّ شَدِيد، اِنَّهَا اللَّغَةُ الثَّرِيَّةُ، اِنَّهَا لُغَتُنَا الْعَرَبِيَّةُ، وَفِيهَا مَافِيهَا مِنَ الشَّدَّةِ وَالْفَتْحَةِ وَالضَّمَّةِ وَالْكَسْرَةِ وَالسُّكُونِ وَالْحَرَكَاتِ الَّتِي تُغَيِّرُ فِي الْمَعْنَى وَتُعْطِيكَ اَحْكَاماً جَدِيدَة، وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيَّة: وَكَيْفَ تَحْسُبُونَ عَشَرَةَ اَيَّامٍ فِي حَيْضِ الْمَرْاَة؟ قَالُوا هُنَاكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ يُخْطِىءُ فِي حِسَابَاتِه! وَلْنَفْرِضْ اَنَّ الْمَرْاَةَ حَاضَتْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، فَحِينَمَا يَاْتِي الِاثْنَيْنُ الْقَادِمُ، فَاِنَّهَا تَظُنُّ خَاطِئَةً، اَنَّهَا قَدْ مَضَى عَلَيْهَا ثَمَانِيَةُ اَيَّامٍ! وَهَذَا خَطَاٌ، وَالصَّحِيحُ اَنَّهُ لَمْ يَمْضِ عَلَى حَيْضِهَا سِوَى سَبْعَةِ اَيَّام، وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيَّة: نُرِيدُ مَزِيداً مِنَ الْاِيضَاح، قَالُوا: لِنَفْرِضْ مَثَلاً اَنَّهَا حَاضَتْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ظُهْراً، ثُمَّ مَضَى عَلَيْهَا يَوْمُ الثَّلَاثَاءِ وَالْاَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَالْاَحَدِ اِلَى اَنْ وَصَلَتْ اِلَى الِاثْنَيْنِ الْقَادِمِ ظُهْراً، فَيُصْبِحُ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةَ اَيَّامٍ فَقَطْ، ثُمَّ اسْتَمَرَّتْ اِلَى الثُّلَاثَاءِ ثُمَّ الْاَرْبِعَاءِ اِلَى اَنْ وَصَلَتْ اِلَى الْخَمِيسِ ظُهْراً، فَيُصْبِحُ الْمَجْمُوعُ هُنَا عَشَرَةَ اَيَّامٍ بِتَمَامِهَا وَكَمَالِهَا، نَعَمْ اَخِي وَقَدْ بَعَثَ اِلَيَّ اَحَدُ الْاِخْوَةِ بِرِسَالَةٍ يَقُولُ فِيهَا: زَعَمَتْ زَوْجَتِي اَنَّ الْحَيْضَ يَسْتَمِرُّ مَعَهَا لِاُسْبُوعَيْن، وَهُمَا اُسْبُوعٌ فِيهِ مِنَ الْاَيَّامِ ثَمَانِيَة، ثُمَّ يَاْتِي اُسْبُوعٌ آَخَرُ وَفِيهِ مِنَ الْاَيَّامِ سَبْعَة! فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ ذَلِك؟! فَقَالَ اِذَا كَانَ اَوَّلُ الشَّهْرِ هُوَ يَوْمُ الْاَحَدِ مَثَلاً، فَيَكُونُ الْاُسْبُوعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ثَمَانِيَةَ اَيَّام، ثُمَّ يُصْبِحُ الْمَجْمُوعُ يَوْمَ الْاَحَدِ بَعْدَ الْقَادِمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً! لِاَنَّ الْاَحَدَ هُوَ الْيَوْمُ الْاَوَّلُ فِي الْاُسْبُوعِ وَالِاثْنَيْنُ هُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي وَالثَّلَاثَاءُ هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ وَ الْاَرْبِعَاءُ هُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ وَالْخَمِيسُ هُوَ الْيَوْمُ الْخَامِسُ وَالْجُمُعَةُ هُوَ الْيَوْمُ السَّادِسُ وَالسَّبْتُ هُوَ الْيَوْمُ السَّابِعُ وَالْاَحَدُ هُوَ الْيَوْمُ الثَّامِن! فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ ذَلِكَ؟! فَقَالَ: جَاءَ الْاُسْبُوعُ الْاَوَّلُ بِمِقْدَارِ ثَمَانِيَةِ اَيَّامٍ، ثُمَّ جَاءَ الْاُسْبُوعُ الثَّانِي بِزَعْمِهَا بِمِقْدَارِ سَبْعَة! فَاَصْبَحَ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً! فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا خَطَاْ، وَالصَّحِيحُ اَنَّهُ لَمْ يَمْضِ عَلَى حَيْضِهَا اِلَّا اَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً بِتَمَامِهَا وَكَمَالِهَا لَاتَمْضِي عَلَى حَيْضِهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ يَوْمُ الْاَحَدِ بَعْدَ الْقَادِم، وَهُوَ هُنَا لَمْ يَنْتَهِ بَعْدُ، وَلِذَلِكَ اُوَجِّهُ خِطَابِي اِلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؟ لِيُنَبِّهُوا جَمِيعاً نِسَاءَهُمْ اِلَى هَذَا الْاَمْرِ؟ وَهُوَ اَنَّ الْاُسْبُوعَ سَبْعَةُ اَيَّامٍ، وَلَيْسَ ثَمَانِيَةَ اَيَّام، نَعَمْ اَخِي: اَلْقُرْآَنُ الْكَرِيمُ هُنَا قَال{ لَايَمَسُّهُ اِلَّا الْمُطَهَّرُون(وَلَمْ يَقُلْ اَلْمُتَطَهِّرُون، نَعَمْ اَخِي: هُنَاكَ آَرَاءٌ لِلْعُلَمَاءِ تَتَعَلَّقُ بِمَسِّ الْمُصْحَفِ اَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآَن ِبالنِّسْبَةِ لِلْمُحْدِث، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا الْفَتْوَى الَّتِي نُفْتِي بِهَا نَحْنُ وَنَمْشِي عَلَيْهَا، هِيَ اَنَّ الْمُحْدِثَ حَدَثاً اَصْغَرَ اَوْ اَكْبَرَ، لَايَجُوزُ لَهُ اَنْ يَمَسَّ الْقُرْآَن، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآَن ِمنْ دُونِ مَسِّ الْمُصْحَفِ، فَيَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ حَدَثاً اَصْغَرَ اَنْ يَقْرَاَ مِنْ دُونِ مَسِّ الْمُصْحَفِ، وَلَايَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ حَدَثاً اَكْبَرَ اَنْ يَقْرَاَ، نَعَمْ اَخِي: وَالْمُحْدِثُ حَدَثاً اَصْغَرَ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْخُرَاءُ وَالْبَوْلُ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ وَالدَّمُ(عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاء ِفي قَضِيَّةِ الدَّمِ هَلْ يَنْقُضُ اَوْ لَايَنْقُضُ الْوُضُوء( وَاَمَّا الْمُحْدِثُ حَدَثاً اَكْبَرَ، فَهُوَ الْجُنُبُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَنِيُّ، وَهُوَ اَيْضاً الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَهَذَا الَّذِي نُفْتِي بِهِ، لَكِنَّ الْاَمَانَةَ الْعِلْمِيَّةَ تَقْتَضِي مِنَّا اَنْ نُبَيِّنَ آَرَاءَ الْفُقَهَاءِ الْآَخَرِينَ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَاحَرَجَ عَلَى الْمُحْدِثِ اَنْ يَقْرَاَ اَوْ اَنْ يَمَسَّ الْقُرْآَنَ سَوَاءً كَانَ جُنُباً اَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَوَضِّىءٍ اَوْ كَانَتْ حَائِضاً اَوْ كَانَتْ نُفَسَاء! وَلِذَلِكَ اَجَازُوا لِهَؤُلَاءِ اَنْ يَقْرَؤُوا الْقُرْآَنَ؟ لِاَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ {الْمُطَهَّرُونَ(فِي الْآَيَةِ هُمُ الْمَلَائِكَةُ وَهَذَا رَاْيٌ، وَاَمَّا الرَّاْيُ الْآَخَرُ فَقَالَ: يَحِلُّ ذَلِكَ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَلَايَحِلُّ ذَلِكَ لِلْجُنُبِ، بِمَعْنَى اَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ عَلَى رَاْيِ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا اَنْ تَقْرَاَ الْقُرْآَن، وَاَمَّا الْجُنُبُ، فَلَايَجُوزُ لَهُ، وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء: لِمَاذَا اَجَزْتُمْ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَمْ تُجِيزُوا لِلْجُنُبِ؟ قَالُوا؟ لِاَنَّ الْجَنَابَةَ يَسْتَطِيعُ اَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهَا الْاِنْسَانُ بِاِرَادَتِهِ فَوْراً وَيَذْهَبَ اِلَى الِاغْتِسَال ِ،وَلِذَلِكَ لَاتُعْطَى لَهُ الرُّخْصَةُ، وَاَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، فَاَمْرُهُمْا لَيْسَ دَاخِلاً فِي اِرَادَةِ الْمَرْاَةِ، بَلْ يَاْتِيهَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ رَغْماً عَنْهَا، وَلَاتَسْتَطِيعُ اَنْ تَغْتَسِلَ فَوْراً اِلَّا بَعْدَ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ يَنْقَطِعُ بَعْدَهَا الدَّمُ، وَلِذَلِكَ تُعْطَى الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ هَذِهِ الرُّخْصَةَ مِنْ اَجْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآَن ِوَمَسِّهِ، لَكِنْ اَخِي نَحْنُ كَمَا قُلْنَا نُفْتِي بِاَنَّ الْقُرْآَنَ لَايَمَسُّهُ اِنْسَانٌ سَوَاءً كَانَ مُحْدِثاً حَدَثاً اَصْغَرَ اَوْ اَكْبَرَ، وَلَايَقْرَؤُهُ الْمُحْدِثُ حَدَثاً اَكْبَرَ بِمَسٍّ مُحَرَّمٍ اَوْ مِنْ دُونِ مَسٍّ مُحَرَّم، لَكِنْ يَجُوزُ لِمَنْ اَحْدَثَ حَدَثاً اَصْغَرَ اَنْ يَقْرَاَهُ مِنْ دُونِ مَسٍّ، نَعَمْ اَخِي: لَكِنْ لَايَنْبَغِي لَنَا التَّضْيِيقُ بِفَتْوَى مُتَشَدِّدَةٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْاُمُور، وَلِذَلِكَ لِنَفْرِضْ مَثَلاُ مُدَرِّسَة فِي مَدْرَسَة تُدَرِّسُ اَوْ تُعَلِّمُ الطُّلَّابَ، وَهِيَ مُضْطَّرَّةٌ اِلَى اَنْ تَقْرَاَ، نَعَمْ اَخِي: كَذَلِكَ اِنْسَانٌ عِنْدَهُ مَكْتَبَةٌ، وَفِي الْمَكْتَبَةِ مَصَاحِفُ، فَاِذَا جَاءَهُ اِنْسَانٌ لِيَسْتَعِيرَ مِنْهُ، فَاِنَّهُ مُضْطَّرٌّ اِلَى اَنْ يُمْسِكَ بِالْمُصْحَفِ لِيُعْطِيَهُ اِيَّاهُ، فَاِذَا قُلْنَا لَهُ يَجِبُ اَنْ تَكُونَ دَائِماً مُتَوَضِّئاً، فَاِنَّ فِي ذَلِكَ حَرَجاً، نَعَمْ اَخِي: كَذَلِكَ اِنْسَانٌ عَالِمٌ جَلَسَ لِيُؤَلِّفَ كِتَاباً، فَاحْتَاجَ اِلَى اَنْ يُرَاجِعَ آَيَةً فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَوَضِّىءٍ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاء: هَؤُلَاءِ يَجُوزُ لَهُمْ اَنْ يَمَسُّوا الْمُصْحَفَ لِلضَّرُورَة، وَلِذَلِكَ اَخِي غَيْرُ الْمُتَوَضِّىءِ، لَايَجُوزُ لَكَ اَنْ تَمَسَّ الْمُصْحَفَ اِلَّا لِلضَّرُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، نَعَمْ اَخِي: وَبَعْضُهُمْ قَالَ مِنَ الْمُمْكِنِ مِنْ اَجْلِ الضَّرُورَةِ اَنْ تَاْخُذَ قِطْعَةً مِنَ الْقُمَاشِ تَمَسُّ بِهَا الْمُصْحَفَ اِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء: هَذَا فِيهِ تَشْدِيدٌ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ اللَّاصِقَ بِالشَّيْءِ يَاْخُذُ حُكْمَ الشَّيْءِ، بِمَعْنَى اَنَّ الْمُصْحَفَ بِحَدِّ ذَاتِهِ هُوَ شَرِيف، لَكِنَّ الْقُمَاشَ الَّذِي نُمْسِكُ بِهِ الْمُصْحَفَ اَوِ الْجِلْدَةَ الَّتِي تُغَلِّفُهُ بِحَدِّ ذَاتِهَا لَاتَكْتَسِبُ الشَّرف، لَكِنْ لَمَّا صَارَتْ غِلَافاً لِلْمُصْحَفِ اكْتَسَبَتْ شَرَفَهَا فَاَخَذَتْ حُكْمَ الْقُرْآَنِ فِي عَدَمِ جَوَازِ مَسِّهَا اَيْضاً لِهَؤُلَاء، كَمَا اَنَّ الْاَجْهِزَةَ الْمَحْمُولَةَ وَغَيْرَ الْمَحْمُولَةِ تَكْتَسِبُ شَرَفَهَا مِنَ الْقُرْآَنِ الْمَسْمُوعِ صَوْتِيّاً اَوِ الْمَقْرُوءِ بَصَرِيّاً مَهْمَا كَانَتْ حُرُوفُهُ صَغِيرَة، وَلِذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِ غَيْرِ الْمُضْطَّرِّ اَنْ يَتَوَضَّاَ قَبْلَ اَنْ يَمَسَّ هَذِهِ الْاَجْهِزَةَ، وَاَنْ يَحْتَرِزَ وَيَحْتَاطَ وَيَتَحَرَّجَ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْاَفْلَامِ الْاِبَاحِيَّةِ الْخَلِيعَةِ عَلَى اَمْثَالِ هَذِهِ الْاَجْهِزَةِ الَّتِي صَارَتْ كَالْغِلَافِ لِهَذَا الْقُرْآَنِ فاكْتَسَبَتْ شَرَفاً عَظِيماً مِنْ وُجُودِ الْقُرْآَنِ مُبَرْمَجاً فِيهَا مَسْمُوعاً كَانَ اَوْ مَقْرُوءاً، نَعَمْ اَخِي: وَنَقُولُ لِلَّذِينَ قَالُوا عَنِ الْمُصْحَفِ اَنَّهُ لَايُمَسُّ اِلَّا لِطَاهِرٍ، مَاهُوَ دَلِيلُكُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ نَسْتَنِدُ عَلَى بَعْضِ الْاَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ وَصَحَّتْ عِنْدَنَا، نَعَمْ اَخِي: وَلِذَلِكَ{لَايَمَسُّهُ اِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين( نَعَمْ اَخِي، وَكَلِمَةُ تَنْزِيلٍ تُفِيدُ بِاَنَّ الْقُرْآَنَ لَمْ يَنْزِلْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، بَلْ نَزَّلَهُ اللهُ تَعَالَى تَنْزِيلَا، نَعَمْ اَخِي: وَاَحْيَاناً نَقْرَاُ فِي الْقُرْآَنِ{اَنْزَلَ(وَاَحْيَاناً نَقْرَاُ{نَزَلَ(وَاَحْيَاناً يَجْتَمِعَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{وَبِالْحَقِّ اَنْزَلْنَاهُ، وَبِالْحَقِّ نَزَل( نَعَمْ اَخِي{وَبِالْحَقِّ اَنْزَلْنَاهُ(اَيْ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ اِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، فَنَزَلَ هُنَا دَفْعَةً وَاحِدَة، نَعَمْ اَخِي {وَبِالْحَقِّ نَزَل(وَكَلِمَةُ نَزَلَ بِمَعْنَى اَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَاْخُذُ مِنَ الْقُرْآَنِ الْكَرِيمِ مَايُؤْمَرُ بِتَبْلِيغِهِ اِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، نَعَمْ اَخِي{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين(نَعَمْ اَخِي: رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَيْسَ رَبَّ الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ، وَاِنَّمَا هُوَ رَبُّ الْمُسْلِمِ وَرَبُّ غَيْرِ الْمُسْلِم اَيْضاً، نَعَمْ اَخِي: وَكَلِمَةُ الْعَالَمِينَ اَيْضاً تَشْمَلُ الْعُقَلَاءَ جَمِيعاً مِنَ الْمَلائِكَةِ وَمِنَ الْجِنِّ وَمِنَ النَّاس، وَلِذَلِكَ رَحْمَةُ الْقُرْآَن ِلَمْ تَكُنْ خَاصَّةً لِمَنْ آَمَنَ بِهِ فَحَسْبُ، بَلْ كَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ اَيْضاً لِمَاذَا؟ لِاَنَّهُ حَقَنَ دَمَ غَيْرِ الْمُسْلِم! نَعَمْ حَقَنَ دَمَهُ، وَلِذَلِكَ[مَنْ قَتَلَ مُعَاهِداً(بِغَيْرِ حَقٍّ( لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّة(نَعَمْ اَخِي: وَالْمُعَاهِدُ هُوَ الْمُوَاطِنُ غَيْرُ الْمُسْلِمِ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ اَيْضاً الْمُسْتَاْمَنَ، وَهُوَ الَّذِي دَخَلَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ بِاِذْنِ وَلِيِّ اَمْرِهَا، فَلَايَجُوزُ اَنْ يُتَعَرَّضَ لَهُ بِسُوء، نَعَمْ اَخِي: وَالْخُلَاصَةُ اَنَّ الْقُرْآَنَ لَهُ فَضْلٌ عَلَى مَنْ آَمَنَ بِهِ، وَعَلَى مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ اَيْضاً، لَكِنْ مَنْ آَمَنَ بِهِ كَانَ فَضْلُ الْقُرْآَنِ فُيُوضَاتٍ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَوَاحِي الْحَيَاة، نَعَمْ اَخِي: فَالْقُرْآَنُ اِذاً حَقَنَ الدِّمَاءَ، وَحَرَّمَ الِاعْتِدَاءَ عَلَى اَرْوَاحِ النَّاسِ، وَحَرَّمَ الِاعْتِدَاءَ اَيْضاً عَلَى اَمْوَالِ النَّاسِ، بَلْ مَدَحَ اَهْلَ الْكِتَابِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يُؤْتَمَنُونَ، وَذَمَّ اَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَخُونُون{وَمِنْ اَهْلِ الْكِتَابِ اُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(فِي مَجَالِ بَعْضِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْاَخْلَاقِ، وَلَيْسَ فِي مَجَالِ الْعَقِيدَة؟ لِاَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ فِي مَجَالِ الْعَقِيدَةِ قَدِ انْقَرَضُوا وَبَادُوا، وَلِذَلِكَ{وَمِنْ اَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ اِنْ تَاْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يَؤَدِّهِ اِلَيْكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ اِنْ تَاْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَايُؤَدِّهِ اِلَيْكَ اِلَّا مَادُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمَا( نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ اَعْطَى الْاِسْلَامُ اَيْضاً الْحُرِّيَّةَ لِلْاَدْيَانِ الْاُخْرَى اَنْ يُمَارِسُوا شَعَائِرَهُمْ وَاَحْوَالَهُمُ الشَّخْصِيَّةَ بِشَرْطِ؟ اَلَّا يَتَصَادَمُوا بِهَا مَعَ شَعَائِرِ الْاِسْلَامِ، وَاَلَّا يُلْحِقُوا بِهَذِهِ الشَّعَائِرِ الْاِسْلَامِيَّةِ ضَرَراً، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا مَايَقُولُهُ الْمُتَطَرِّفُونَ مِنْ وُجُوبِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى حُقُوقِ الْآَخَرِينَ مِنْ مُسْلِمِينَ وَغَيْرِ مُسْلِمِينَ اِذَا اَرَدْنَا اَنْ نُطَبِّقَ الْقُرْآَنَ تَطْبِيقاً صَحِيحاً! فَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ لَا اَسَاسَ لَهُ مِنَ الصِّحَّةِ، بَلْ بِالْعَكْسِ، وَاللِه بِالْعَكْسِ، وَوَاللهِ هَذِهِ فِرْيَةٌ مُفْتَرَاةٌ عَلَى الْقُرْآَنِ؟ بِسَبَبِ تَصَرُّفَاتِ بَعْضِ الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ اِلَى الْقُرْآَن، نَعَمْ اَخِي: فَتَصَرُّفُهُمْ هَذَا هُوَ الَّذِي اَعْطَى صُورَةً سَيِّئَةً عَنِ الْقُرْآَن، نَعَمْ اَخِي: وَاللهُ اَعْلَمُ اِنْ كَانَ الدَّوَاعِشُ الْخَوَنَةُ وَاَمْثَالُهُمْ مِنَ الْقَاعِدَةِ وَمَنْ يَهْتِفُ لِلْبَغْدَادِي وَدَوْلَتِهِ الْاِسْلَامِيَّةِ الْمَزْعُومَةِ مِنْ جَبْهَةِ النُّصْرَةِ وَغَيْرِهَا! اَللهُ اَعْلَمُ اِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ وَاِخْوَانُهُمْ مِنَ الْمِيِليشِيَاتِ الشِّيعِيَّةِ الْمُتَطَرِّفَةِ الطَّائِفِيَّةِ، مُسْتَاْجَرِينَ مِنْ اَجْلِ تَشْوِيهِ سُمْعَةِ الْاِسْلَامِ بِمَا يَدْفَعُ لَهُمْ خَنَازِيرُ الصُّلْبَانِ الْخَوَنَةِ وَاَحْفَادُ الْقِرَدَةِ الْيَهُودُ مِنْ اَمْوَالِ الْمُتْعَةِ وَالْخُمْسِ الصَّفَوِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ الشِّيعِيَّةِ الْمُتَصَهْيِنَةِ الْمُتَصَلْبِنَةِ وَالشُّيُوعِيَّةِ الْاِلْحَادِيَّةِ مِنْ مِلْيَارَاتِ الدُّولَارَات، نَعَمْ اَخِي وَلِذَلِكَ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ فِي اَحْوَالِهِمُ الشَّخْصِيَّةِ، وَفِي الطَّلَاقِ، وَفِي الزَّوَاجِ، وَفِي الْمِيرَاثِ، وَفِي اَيِّ شَيْءٍ[اُتْرُكُوهُمْ وَمَايَدِينُونَ( اَوْ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، اِلَّا اِذَا احْتَكَمُوا اِلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ اَنْ تُطَبِّقُوا شَرْعَ اللِه الْاِسْلَامِيِّ عَلَيْهِمْ، نَعَمْ اَخِي: وَنَضْرِبُ لِذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ مَثَلاً: فَلَايُوجَدُ فِي دِيَانَاتِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ قَوَانِينٌ تَشْرِيعِيَّةٌ تَخُصُّ الْمِيرَاث، وَلِذَلِكَ يَحْتَكِمُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ اِلَى الْمُسْلِمِين، فَحِينَمَا الْمُسْلِمُونَ يُطَبِّقُونَ الْقُرْآَنَ تَطْبِيقاً فِعْلِيّاً وَتَطْبِيقاً عَمَلِيّاً كَمَا اَرَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فلايُظْلَمُ اَيُّ اِنْسَانٍ اَبَداً مُسْلِماً كَانَ اَوْ غَيْرَ مُسْلِم، بَلْ اِنَّ الْاِسْلَامَ جَعَلَ الدِّفَاعَ عَنْ بُيُوتِ الْعِبَادَةِ جَمِيعِهَا بِمَا تَخُصُّ مِنْ مُسْلِمِينَ وَغَيْرِ مُسْلِمِينَ، يُعْتَبَرُ مِنَ الْاِيمَانِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، لِهُدِّمَتْ صَوَامِعُ، وَبِيَعٌ، وَصَلَوَاتٌ، وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً، وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُه(نَعَمْ اَخِي: فَجَعَلَ اللهُ نَصْرَ هَذِهِ الْاَمَاكِنِ الَّتِي تَخُصُّ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرَ الْمُسْلِمِينَ، نَصْراً لِلهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَوَعَدَ بِنَصْرِ مَنْ يَنْصُرُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَنْصُرُ هَذِهِ الْاَمَاكِنَ بِالدِّفَاعِ عَنْهَا لَا بِالتَّعَبُّدِ اِلَّا فِيمَا يَرْضَاهُ اللهُ مِنْهَا{فِي بُيُوتٍ اَذِنَ اللهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه(نَعَمْ اَخِي لَوْلَا اَنَّ اللهَ تَعَالَى اَمَرَ الصَّالِحِينَ اَنْ يَدْفَعُوا شَرَّ الْاَشْرَارِ وَالْاَشْقِيَاءِ بِقِتَالِهِمْ {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ( نَعَمْ اَخِي: وَالصَّوَامِعُ جَمْعٌ مُفْرَدُهُ صَوْمَعَةٌ، وَهِيَ اَمَاكِنُ الرُّهْبَان{وَبِيَعٌ(نَعَمْ اَخِي: وَحَتَّى كَنَائِسُ الْيَهُودِ لَايَجُوزُ الِاعْتِدَاءُ عَلَيْهَا، نَعَمْ اَخِي: وَلَيْسَ مِنَ الْاِسْلَامِ فِي شَيْءٍ مَانَرَاهُ فِي اَيَّامِنَا مَعَ الْاَسَفِ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَعْتَدِي عَلَى تِلْكَ الطَّائِفَةِ الْاُخْرَى وَعِبَادَاتِهَا! اَوْهَؤُلَاءِ مِنْ اَهْلِ دِينٍ يَعْتَدُونَ عَلَى اَهْلِ دِينٍ آَخَرَ وَعِبَادَاتِهِمْ اَوْ طُقُوسِهِمْ كَمَا كَانَ يَحْدُثُ فِي نَيْجِيرْيَا وَغَيْرِهَا مِمَّا لَايَرْضَاهُ دِينٌ وَلَاشَرْعٌ وَلَا اَخْلَاق، فَنَحْنُ اِذاً اَخِي بِسُلُوكِنَا نَجْعَلُ الْاِسْلَامَ حَضَارِيّاً وَنُغَيِّرُ مِنْ نَظْرَةِ النَّاسِ اِلَيْهِ مِنَ الْحَسَنِ اِلَى الْاَحْسَن، نَعَمْ اَخِي: وَبِسُلُوكِنَا السَّيّءِ نَجْعَلُ النَّاسَ يَخَافُونَ مِنَ الْاِسْلَامِ وَاَنَّهُ بُعْبُعٌ! وَاَنَّهُ اِذَا انْتَشَرَ الْاِسْلَامُ، فَاِنَّهُ سَيُبِيدُ كُلَّ مَنْ يُخَالِفُهُ! وَكُلُّ ذَلِكَ لَااَصْلَ لَهُ فِي شَرْعِ الله، نَعَمْ اَخِي: فَرَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ رَبُّ الْعَالَمِين، وَلِذَلِكَ {تَنْزِيلٌ(مَاقَالَ سُبْحَانَهُ مِنْ رَبِّ الْمُسْلِمِينَ، وَاِنَّمَا{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين(نَعَمْ اَخِي: فَالْقُرْآَنُ الْكَرِيمُ اِذاً يَسْتَفِيدُ مِنْهُ كُلُّ الْعُقَلَاءِ! حَتَّى قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام: مَازِلْتُ فِي خَوْفٍ مِنْ مَكْرِ اللهِ(اَنْ يَنْتَقِمَ اللهُ مِنِّي اَوْ يُؤَاخِذَنِي(حَتَّى نَزَلَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى فِي آَخِرِ سُورَةِ التَّكْوِير{فَلَا اُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِ الْكُنَّسِ، وَاللَّيْلِ اِذَا عَسْعَسَ، وَالصُّبْحِ اِذَا تَنَفَّسَ، اِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم(وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام{ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ، مُطَاعٍ ثَمَّ اَمِين(قَالَ جِبْرِيلُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَاتُ اَمِنْتُ اَنْ يُؤَاخِذَنِي اَوْ يُعَاقِبَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ لِمَا فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْاَوْصَافِ الْمَادِحَةِ لِي وَلَا اُزَكِّي نَفْسِي وَلَا اُزَكِّي عَلَى اللهِ اَحَداً، نَعَمْ اَخِي: حَتَّى تَعَدَّى نَفْعُ الْاِسْلَامِ مِنَ الْعُقَلَاءِ اِلَى غَيْرِ الْعُقَلَاءِ اَيْضاً، مِنَ الْبَهَائِمِ، وَاِلَى النَّبَاتِ، وَاِلَى الْجَمَادِ، وَاِلَى كُلِّ شَيْء، فَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، دَخَلَتِ امْرَاَةٌ النَّارَ بِسَبَبِ هِرَّة! وَدَخَلَتْ اُخْرَى الْجَنَّةَ وَكَانَتْ بَغِيّاً؟ لِاَنَّهَا سَقَتْ كَلْباً! وَدَخَلَ رَجُلٌ آَخَرُ الْجَنَّةَ وَكَانَ عَاهِراً زَانِياً؟ لِاَنَّهُ سَقَى كَلْباً! فَشَرَحَ اللهُ صَدْرَهُمَا لِلتَّوْبَةِ، فَتَابَا نَصُوحاً مِنَ التَّوْبَة، نَعَمْ اَخِي: فَالْاِسْلَامُ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِين، نَعَمْ اَخِي: وَالرُّبُوبِيَّةُ غَيْرُ الْاُلُوهِيَّة، نَعَمْ اَخِي: وَالْاُلُوهِيَّةُ اَنْ تَتَوَجَّهَ بِعِبَادَتِكَ وَطَاعَتِكَ اِلَى اللهِ وَحْدَهُ، وَاَمَّا الرُّبُوبِيَّةُ فَهِيَ بِمَعْنَى اَنْتَ اَيُّهَا الْاِنْسَانُ تَتَرَبَّى عَلَى مَوَائِدِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَاِذَا كَانَتْ مَائِدَةٌ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى قَوْمِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَالْاَرْضُ كُلُّهَا مَوَائِدُ لِلْاِنْسَانِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْمَوَائِدَ لَاتَحْصَلُ عَلَيْهَا اَخِي اِلَّا بِوَاسِطَةِ الْكَسْبِ وَبِوَاسِطَةِ السَّعْيِ، فَاِذَا لَمْ تَسْعَ، فَاِنَّكَ سَتَبْقَى جَاهلِاً فَقِيراً مَحْرُوماً، نَعَمْ اَخِي: فَهَذَا الْقُرْآَنُ الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاةُ لِلْعَالَمِينَ هُوَ {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين(فَاَتَتْ قِيمَةُ هَذَا الْقُرْآَن ِمِنَ الَّذِي اَنْزَلَهُ وَهُوَ رَبُّ الْعَالَمِين، وَلِذَلِكَ حِينَمَا نَسْتَشْعِرُ عَظَمَةَ هَذِهِ الْآَيَةِ، فَيَجِبُ عَلَيْنَا اَنْ تَعُمَّ رَحْمَتُنَا النَّاسَ جَمِيعاً دُونَ تَمْيِيزٍ بَيْنَ دِينٍ وَآَخَرَ اَوْ بَيْنَ اِنْسَانٍ وَآَخَر، وَلِذَلِكَ كَرَامَةُ الْاِنْسَانِ مَحْفُوظَةٌ؟ لِاَنَّهُ كَرِيمٌ عَلَى اللهِ بِدَلِيل{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَم(وَلِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَتَّى فِي الْقَتْلِ بِحَقٍّ كَانَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ! وَيَاْمُرُ بِهِ اَنْ يَكُونَ فِي مُنْتَهَى السُّهُولَةِ! وَاَلَّا يَحْدُثَ هُنَاكَ تَمْثِيلٌ وَتَشْوِيه، وَلِذَلِكَ لَمَّا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اَخَذَتْهُ عَاطِفَتُهُ عَلَى عَمِّهِ حَمْزَةَ حِينَمَا مَثَّلَتْ بِهِ هِنْدُ فِي غَزْوَةِ اُحُد، وَمَعَ ذَلِكَ حِينَمَا قَالَ الرَّسُولُ سَاُمَثّلُ بِثَلَاثِينَ مِنْهُمْ، نَزَلَ الْقُرْآَنُ الْكَرِيمُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى{وَاِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَاعُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ، وَاصْبِرْ وَمَاصَبْرُكَ اِلَّا بِالله( نَعَمْ اَخِي: وَاحِدٌ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مَثَلاً نِ ارْتَكَبَ خَطَأً اَوْ جَرِيمَةً بِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ، فَلَااَسْتَطِيعُ اَنَا كَمُسْلِمَةٍ اَوْ اَنْتَ كَمُسْلِمٍ، اَنْ تَنْتَقِمَ مِنْ وَاحِدٍ آَخَرَ مِنْ دِينِهِ لَاذَنْبَ لَهُ ثُمَّ تَقُولُ وَاحِدَةٌ بِوَاحِدَة بِحُجَّةِ اَنَّهُ يَنْتَمِي اِلَى دِينِهِ اَوْ عَشِيرَتِهِ اَوْ قَبِيلَتِهِ اَوْ بَلَدِهِ! لَا يَااَخِي{لَاتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَى(بِمَعْنَى اَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ لَايَتَحَمَّلُ وِزْرَ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْغَيْرُ مِنْ دِينِهِ، نَعَمْ اَخِي: هَذَا هُوَ دِينُنَا، وَهَذِهِ هِيَ بَعْضُ وَمَضَاتِهِ مِنْ هَذِهِ الْآَيَات، اِنَّهُ{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين، اَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ اَنْتُمْ مُدْهِنُونَ، وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ اَنَّكُمْ تُكَذِّبُون(مَوْعِدُهَا اِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فِي مُشَارَكَةٍ قَادِمَة، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى اَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَآَلِهِ وَاَصْحَابِهِ، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته من اختكم في الله غصون، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين


 
عودة
أعلى