فما بكت عليهم السماء والارض

اَلْحَمْدُ لِلهِ ثُمَّ الْحَمْدُ لِله، اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي اَعَزَّ الْمُؤْمِنِينَ وَاَذَلَّ الْمُنَافِقِين، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَسْاَلُهُ اِيمَاناً صَادِقاً وَعَمَلاً صَالِحاً وَقَوْلاً نَافِعاً يُقَرِّبُنَا اِلَيْهِ زُلْفَى، وَنُوصِي اَنْفُسَنَا جَمِيعاً بِتَقْوَى اللهِ الْعَظِيمِ وَطَاعَتِه، وَنُحَذِّرُهَا مِنْ مُخَالَفَتِهِ وَعِصْيَانِ اَوَامِرِه، لَهُ الْعُتْبَى حَتَّى يَرْضَى وَلَاحَوْلَ وَلَاقُوَّةَ اِلَّا بِه، وَنَسْتَفْتِحُ بِالَّذِي هُوَ خَيْر{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَاِلَيْكَ اَنَبْنَا وَاِلَيْكَ الْمَصِير(وَاَشْهَدُ اَنْ لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَه، لَا فِي الْوُجُودِ اِلَهٌ سِوَاه، هُوَ اللهُ لَا اِلَهَ اِلَّا هُوَ فَاعْبُدُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه، اَحَبَّ كُلَّ شَيْءٍ، وَاَحَبَّهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ وَالْمَدَرُ وَالْحَيَوَان، اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ الَّذِي كَانَتْ رَحْمَتُهُ رَحْمَةً عَامَّةً لَا بِالْعُقَلَاءِ فَحَسْبُ بَلْ بِالْجَمَادَاتِ وَالْحَيَوَانَات، اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ وَتَحَنَّنْ وَتَفَضَّلْ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ وَعَلَى آَلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين وَعَلَى اَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِين وَعَلَى كُلِّ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَهُ وَتَخَلَّقَ بِاَخْلَاقِهِ اِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلِّمْ تَسْلِيماً كَثِيراً يَارَبَّ الْعَالَمِين اَمَّا بَعْدُ عِبَادَ الله، فَمِنْ سُورَةِ الدُّخَانِ قَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْاَرْضُ وَمَاكَانُوا مُنْظَرِين(صَدَقَ اللهُ الْعَظِيم، عَلَى مَنْ لَمْ تَبْكِ السَّمَاءُ وَالْاَرْض؟ مَنْ هُوَ الَّذِي تَتَمَنَّى الْاَرْضُ اَنْ تَسْتَرِيحَ مِنْهُ وَتَتَمَنَّى اَنْ يُعَجِّلَ اللهُ تَعَالَى بِهِ لِيُرِيحَ مِنْهُ حَتَّى الْحَيَوَانَ وَالْجَمَاد؟ نَعَمْ اَخِي، مَتَى ذُكِرَتْ هَذِهِ الْآَيَة؟ وَاَقُولُ لَكَ حِينَمَا تَقَدَّمَتْهَا آَيَاتٌ ذَكَرَتْ بِاَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَجَّى مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي اِسْرَائِيلَ مِنَ الْغَرَقِ وَاَهْلَكَ فِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ ثُمَّ اَخَذَتِ الْآَيَاتُ تُعَقِّبُ عَلَى الْحَدَث بِقَوْلِهَا{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيم، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِين، كَذَلِكَ وَاَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آَخَرِين، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْاَرْضُ وَمَاكَانُوا مُنْظَرِين(اِنَّهَا نِعَمٌ لَاتُعَدُّ وَلَاتُحْصَى، وَدَائِماً وَكَمَا تَعَلَّمْنَا اَيَّهُا الْاِخْوَة، اَنَّ زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ اَشَدُّ مِنَ الْحِرْمَانِ مِنْهَا ابْتِدَاءً! كَيْفَ ذَلِك؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِنَّ الْبَصَرَ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْاِنْسَان، فَلَوْ اَنَّ اِنْسَاناً وُلِدَ اَعْمَى، وَلَوْ اَنَّ اِنْسَاناً آَخَرَ وُلِدَ مُبْصِراً ثُمَّ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَاَيُّهُمَا تَكُونُ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ اَشَدَّ عَلَيْهِ؟ هَلْ هُوَ الْاَوَّلُ؟ اَمِ الثَّانِي؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِنَّهُ الثَّانِي، وَلِذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْمُتْرَفُون، هَؤُلَاءِ الْمُنَعَّمُون، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُسَخِّرُونَ نِعَمَ اللِه فِي مُحَارَبَةِ الْمُنْعِمٍ، لَابُدَّ اَنْ يَسْلُبَهَا مِنْهُمْ، وَعَلَيْكَ اَخِي اَنْ تُؤْمِنَ بِهَذَا اِيمَاناً صَادِقاً؟ لِاَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُول{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون(وَالْاِنْسَانُ الْمُنَعَّم اَخِي هُوَ اَلْاِنْسَانُ الْمُرَفَّهُ، وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ عَنِ اللِه عَزَّ وَجَلَّ، وَلِذَلِكَ يَخَاف، نَعَمْ يَخَاف! لَكِنْ يَخَافُ مِنْ أَيِّ شَيْء؟ وَعَلَى أَيِّ شَيْء؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: يُخِيفُهُ اللهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ يَخَافُ عَلَى كُلِّ شَيْء، نَعَمْ اَخِي: اِنَّهُ يَخَافُ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي يَتَقَلَّبُ فِيهَا آَنَاءَ اللَّيْلِ وَاَطْرَافَ النَّهَارِ اِذَا سُلِبَتْ مِنْهُ فَكَيْفَ سَيَكُونُ مَصِيرُهُ، نَعَمْ اَخِي وَاَمَّا الْمُؤْمِنُ بِاللِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَاِنَّ النِّعْمَةَ لَاتُنْسِيهِ الْمُنْعِمَ الْمُتَفَضِّل، نَعَمْ لَاتُنْسِيهِ الْمُنْعِمَ اَبَداً، وَلَايَتَعَلَّقُ بِالنِّعْمَةِ، وَاِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُنْعِم، فَمَنْ تَعَلَّقَ بِالنِّعْمَةِ عَاشَ فِي قَلَقٍ دَائِمٍ، وَاَمَّا مَنْ تَعَلَّقَ بِالْمُنْعِمِ، فَاِنَّ قَلْبَهُ يَطْمَئِنّ{اَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب(نَعَمْ اَخِي{كَمْ تَرَكُوا(مَنْ هَذَا الَّذِي تَرَكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَرَكُوا؟ اِنَّهُمْ فِرْعَوْنُ وَمَنْ كَانَ مَعَه{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون(وَكَلِمَةُ كَمْ هُنَا خَبَرِيَّة تَكْثِيرِيَّة: أَيْ تَرَكُوا كَثِيراً مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون؟ لِاَنَّ فِرْعَوْنَ قَالَ لِقَوْمِهِ{اَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْاَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي اَفَلَا تُبْصِرُون(فَظَنَّ اَنَّ النِّعْمَةَ سَتَبْقَى عِنْدَهُ، وَلَكِنَّهَا سُلِبَتْ مِنْهُ وَمِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، وَلِذَلِكَ{ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ(فِي مَكَانٍ يَسْكُنُونَ فِيهِ، فِي قُصُورٍ شَاهِقًةٍ، فِي اَبْوَابٍ مُوصَدَةٍ، فِي اسْتِعْبَادٍ لِخَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتِذْلَالٍ لَهُمْ، وَلَكِنَّكَ اَخِي تَرَى حِكْمَةَ اللهِ جَلِيَّةً وَاضِحَة، كَيْفَ ذَلِك؟ وَاَقُولُ لَكَ: اِنَّ مَنْ تُهِينُهُ اَيُّهَا الْاِنْسَانُ قَدْ يَكُونُ هَلَاكُكَ عَلَى يَدَيْهِ، وَمَهْمَا كُنْتَ تَتَكَبَّرُ وَتَتَجَبَّرُ وَتُهِينُ النَّاسَ وَتُذِلُّهُمْ، فَاِنَّ اللهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى اَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْاِنْسَانَ الَّذِي اَذْلَلْتَهُ وَاَهَنْتَهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ مِنْكَ! نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: هَلْ تُرِيدُونَ حَوَادِثَ تَارِيخِيَّة؟ فَاِذَا كُنْتُمْ تُرِيدُونَهَا، فَاِنَّ الْقُرْآَنَ اَصْدَقُ مِنْ كُلِّ شَيْء، نَعَمْ اَخِي: فَفِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، كَانَ فِرْعَوْنُ الْاُمَّةِ آَنَذَاكَ اَبُو جَهْلٍ الَّذِي اَذَاقَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْعَذَابَ الْاَلِيم، وَلِمَاذَا اَذَاقَهُ الْعَذَابَ الْاَلِيمَ؟ وَالْمِسْكِينُ لَمْ يَفْعَلْ لَهُ شَيْئاً اِلَّا اَنْ قَالَ رَبِّيَ الله! نَعَمْ قَالَ رَبِّيَ الله، نَعَمْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ اَزْعَجَتْ اَبَا جَهْلٍ! وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَاعِياً فَقِيرَ الْحَالِ عِنْدَ اَبِي جَهْلٍ، فَحَصَلَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ، وَبَيْنَمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَسِيرُ فِي الْمَعْرَكَةِ سَيْراً حَثِيثاً، اِذَا بِاَبِي جَهْلٍ قَدْ اَثْخَنَتْهُ الْجِرَاح، فَمَاذَا فَعَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُود؟ رَقَا عَلَى صَدْرِ اَبِي جَهْلٍ وَقَال: اَلْآَنَ مَكَّنَنِي اللهُ مِنْكَ يَاعَدُوَّ الله، فَقَالَ مَنْ اَنْتَ؟ فَقَالَ اَلَا تَدْرِي مَنْ اَنَا! اَنَا رَاعِي الْغَنَم، اَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُود، فَقَالَ اَرَاعِينَا اَنْتَ يَارُوَيْعَ الْغَنَم(مِنْ بَابِ الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ( فَقَالَ نَعَمْ، فَقَالَ مَاهِيَ الدَّائِرَةُ؟ وَعَلَى مَنْ فِي هَذِهِ الْمَعْرَكَة؟ فَقَالَ لَهُ اَلدَّائِرَةُ لِلهِ وَرَسُولِهِ، وَالْهَزِيمَةُ عَلَى عَدُوِّ الله، نَعَمْ اَخِي: وَانْظُرْ اِلَى التَّعَنُّتِ وَالْعَنَادِ وَالِاسْتِكْبَارِ مِنْ اَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَكَيْفَ تَبْقَى مُرَافِقَةً لَهُمْ اِلَى آَخِرِ نَفَسٍ! اِلَى اَنْ تَزْهَقَ اَنْفَاسُهُمْ وَاَرْوَاحُهُمْ وَبَاطِلُهُمْ! نَعَمْ اَخِي: لَوْ اَرَدْتَّ اَنْ تُقِيمَ تِمْثَالاً لِلْعَنَادِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْمُكَابَرَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالدِّفَاعِ عَنِ الْبَاطِلِ، فَعَلَيْكَ اَنْ تُقِيمَهُ رَمْزاً خَالِداً لِاَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ الله، وَلَكِنَّ التَّمَاثِيلَ مُحَرَّمَةٌ فِي شَرِيعَتِنَا، وَلِمَاذَا اَبُو جَهْلٍ؟ لِاَنَّهُ بَقِيَ عَلَى عَنَادِهِ اِلَى آَخِرِ رَمَقٍ مِنْ حَيَاتِهِ، فَمَاذَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِك؟ اِسْتَلَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ سَيْفَهُ وَقَتَلَه، نَعَمْ اَخِي: وَهُنَا يُتَبَادَرُ اِلَى الذِّهْنِ شَيْء! فَنَحْنُ فِي شَرِيعَتِنَا لَايَجُوزُ الْاِجْهَازُ عَلَى الْجَرِيحِ! فَلَوْ كُنْتَ اَخِي تُحَارِبُ عَدُوَّكَ فَاَثْخَنْتَهُ بِالْجِرَاحِ، فَاَنْتَ مَاْمُورٌ اَنْ تُعَالِجَهُ، وَلَايَجُوزُ لَكَ اَنْ تُجْهِزَعَلَيْه أَيْ اَنْ تُكْمِلَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلَ، فَكَيْفَ فَعَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ ذَلِكَ!؟ قَالُوا: هَذَا قَبْلَ اَنْ يُحَرِّمَ الْاِسْلَامُ ذَلِكَ، نَعَمْ اَخِي: فَقُتِلَ اَبُو جَهْلٍ الطَّاغِيَة عَلَى يَدِ رُوَيْعِ الْغَنَمِ وَهُوَ الرَّاعِي الصَّغِيرُ الَّذِي قَالَ لَهُ اَبُو جَهْلٍ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاسْتِهْزَاء، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا بِلَاُل بْنُ رَبَاح، فَمَنْ كَانَ يُعَذِّبُه؟ اِنَّهُ اُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ الَّذِي اَذَاقَهُ شَرَّ الْعَذَابِ، وَاَعْطَاهُ لِلصِّبْيَانِ يَجُرُّونَه، وَكَانَ يُلْقِي عَلَى ظَهْرِهِ وَعَلَى بَطْنِهِ الصَّخْرَ، وَيَضَعُهُ فِي الرَّمْضَاءِ الْمُحْتَرِقَةِ فِي صَحْرَاءِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّة، فَمَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَغِيظُ اُمَيَّةَ بْنَ خَلَف؟ نَعَمْ اَخِي: بِلَالٌ مَاقَالَ اِلَّا كَلِمَةً وَاحِدَةً، اَتَدْرِي مَاهِيَ؟ اِنَّهَا اَحَدٌ اَحَد، مَاذَا تَقُول؟ اَحَدٌ اَحَد! اَيْنَ الْاَصْنَام؟ اَيْنَ الْآَلِهَة؟ اَيْنَ هَؤُلَاءِ الَّذِين كَانُوا يُعْبَدُونَ مِنْ دُونِ الله؟ لَا يَااُمَيَّةُ بْنُ خَلَف، اَلْاِسْلَامُ وَالْاِيمَانُ يُعِزُّ صَاحِبَهُ، فَلَايَرْضَى اَنْ يَعْبُدَ اَوْ اَنْ يَسْجُدَ لِصَنَمٍ وَلَا لِنَبِيٍّ، وَلَا لِوَلِيٍّ، وَلَا لِلْمَلَائِكَةِ، وَاِنَّمَا يُعَفِّرُ جَبِينَهُ سُجُوداً لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِين، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ الْكِرَام {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيم، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِين(نَعَمْ اَخِي: وَالنَّعْمَةُ هُنَا لَيْسَتِ النِّعْمَةَ بِكَسْرِ النُّونِ بَلْ هِيَ نَعْمَة بِفَتْحِ النُّونِ وَتُفِيدُ التَّوَسُّعَ فِي النِّعَم؟ لِاَنَّ نِعْمَة بِالْكَسْرِ جَائِزٌ اَنْ تَكُونَ نِعْمَةً بَسِيطَة، اَمَّا نَعْمَة بِالْفَتْحِ فَهِيَ عَظِيمَة، بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ وَسَّعَهَا عَلَيْهِمْ وَبَسَطَهَا لَهُمْ، نَعَمْ اَخِي: تَرَكُوا كُلَّ ذَلِكَ رَغْماً عَنْهُمْ، لَكِنْ مَنْ اَوْرَثَهُ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ النَّعْمَة{كَذَلِكَ وَاَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آَخَرِينَ(وَهُمْ بَنُو اِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانَ يَضْطَّهِدُهُمْ فِرْعَوْنُ، وَمَازَالَ بَنُو اِسْرَائِيلَ فِي نَعْمَةٍ وَفِي رَغَدٍ مِنَ الْعَيْشِ حَتَّى انْحَرَفُوا عَنْ مَنْهَجِ اللِه، فَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَاَذَلَّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَة، نَعَمْ اَخِي: وَكَذَلِكَ اُمَّةُ مُحَمَّد، وَرِثَتِ الْقِيَادَةَ عَنْ بَنِي اِسْرَائِيلَ بَعْدَ اَنْ نُزِعَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ بَنِي اِسْرَائِيلَ وَاُعْطِيَتْ لِلْمُسْلِمِين فَسَادُوا فِي الْاَرْضِ وَنَشَرُوا فِيهَا الْعَدْلَ وَالْاَمْنَ وَالْاَمَانَ وَالْحُبَّ وَالسَّلَامَ وَكُلَّ الْقِيَمِ الْاِنْسَانِيَّة، فَلَمَّا انْحَرَفَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ مَنْهَجِ اللهِ، اَذَلَّهُمُ اللهُ كَمَا اَذَلَّ بَنِي اِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْل{وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَايَعْلَمُون(نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا اَرَدْنَا عِزَّةً لِاُمَّتِنَا وَبِلَادِنَا وَاَوْطَانِنَا وَاَمْناً وَاَمَاناً وَسِلْماً وَسَلَاماً وَمَحَبَّةً وَرَخَاءً، فَلْنَعُدْ اِلَى الله، نعَمْ اَخِي{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون(اِلَى اَنْ قَال{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْاَرْضُ وَمَاكَانُوا مُنْظَرِين(بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ يَقُولُ هَذَا مِنْ بَابِ الْمَجَازِ وَلَيْسَ حَقِيقَةً اَنَّ السَّمَاءَ وَالْاَرْضَ هِيَ الَّتِي لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِمْ، بَلْ اَهْلُ السَّمَاءِ وَالْاَرْضِ هُمْ مَنْ لَمْ يَبْكُوا وَلَمْ يَحْزَنُوا وَلَمْ يَتَاَسَّفُوا عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ سُئِلَ الْاِمَامُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، اَتَبْكِي السَّمَاءُ يَااَمِيرَ الْمُؤْمِنِين؟ فَقَالَ اِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ الصَّالِحُ بَكَى عَلَيْهِ مَوْضِعَان، مَاهُمَا؟ قَالَ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ فِي الْاَرْضِ، وَمَوْضِعُ مَصْعَدِ عَمَلِهِ اِلَى اللهِ فِي السَّمَاء، نَعَمْ اَخِي: فَهُنَاكَ رَابِطَةٌ وَثِيقَةٌ بَيْنَ الْمَكَانِ وَبَيْنَ الْمَكِين، وَالْمَكَانُ هُوَ الَّذِي تُصَلِّي فِيه، وَاَمَّا الْمَكِينُ فَهُوَ اَنْتَ اَخِي، فَانْظُرْ كَيْفَ تَحْدُثُ الرَّابِطَةُ بَيْنَ هَذَا الْكَوْنِ الْمُنْتَشِرِ الْمُتَرَابِطِ فِي تَسْبِيحِ اللهِ وَفِي تَقْدِيِسِهِ وَفِي تَنْزِيهِه، فًلَا تَغْتَرَّ اَيُّهَا الْاِنْسَان، وَلَاتَقُلْ اَنَا الَّذِي اُسَبِّحُ اللهَ وَحْدِي لَا{وَاِنْ مِنْ شَيْءٍ اِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَاتَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ اِنَّ اللهَ كَانَ حَلِيماً غَفُورَا(نَعَمْ اَخِي: اَلْاَرْضُ تُحِبُّ الْمُؤْمِن، وَالصَّخْرُ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ وَ كَذَلِكَ الْجَمَادُ وَالتُّرَاب، وَنَحْنُ لَانَقُولُ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اَنْفُسِنَا، وَاِنَّمَا رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، حِينَمَا قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوك، أَيْ عَادَ اِلَى الْمَدِينَة، فَلَمَّا اَطَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَة، اُنْظُرْ اَخِي مَاذَا قَال؟ قَالَ هَذِهِ طَابَا، وَهَذَا جَبَلُ اُحُدٍ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّه، نَعَمْ اِنَّهُ صَخْرٌ، اِنَّهُ حَجَرٌ، اِنَّهُ جَبَلٌ يُحِبُّ رَسُولَ اللهِ وَيُحِبُّ الْمُؤْمِنِينَ، لَا لِوُجُودِ شُهَدَاءِ اُحُدٍ قَرِيباً مِنْهُ فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ حُبٌّ مُتَبَادَلٌ بَيْنَ الْجَبَلِ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الْاَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتيِن، وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَال: كُنْتُ اَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَاللهِ مَامَرَّ عَلَى صَخْرٍ وَلَاعَلَى حَجَرٍ وَلَا عَلَى شَجَرٍ وَلَا عَلَى حَصىً اِلَّا قَال اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَارَسُولَ الله! وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: اِنِّي لَاَعْرِفُ حَجَراً قَبْلَ اَنْ اُبْعَثَ نَبِيّاً كُنْتُ اِذَا مَرَرْتُ عَلَيْهَا(أَيْ عَلَى الْحَجَرِ(قَالَتْ اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَارَسُولَ اللِه قَبْلَ اَنْ يُبَلِّغَ الرِّسَالَة، فَانْظُرْ اَخِي اِلَى هَذَا الْحُبِّ الْمُتَبَادَلِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ الْجَمَادَاتِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْمُؤْمِنَ لَايَسْعَى فِي الْاَرْضِ فَسَاداً، وَالْمُؤْمِنُ لَايَمْشِي عَلَى الْاَرْضِ مُتَكَبِّراً{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْاَرْضِ هَوْناً وَاِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامَا( نَعَمْ اَخِي واَلْمُؤْمِنُ لَايَبْطُشُ بِرجْلِهِ الْاَرْضَ{وَلَاتَمْشِ فِي الْاَرْضِ مَرَحاً اِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْاَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولَا، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهَا( نَعَمْ اَخِي: هَلْ نَحْنُ الْيَوْمَ نَمْشِي عَلَى الْاَرْضِ هَوْناً؟ هَلْ نَسِيرُ بِاَرْجُلِنَا اِلَى اَمَاكِنِ الْخَيْرِ لِنَفْعَلَ الْخَيْرَ؟ اَمْ نَمْشِي بِاَرْجُلِنَا اِلَى مَعْصِيَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ الرِّجْلُ اِمَّا اَنْ تَمْشِيَ بِهَا اِلَى مَايُرْضِي اللهَ، وَاِمَّا اَنْ تَمْشِيَ بِهَا اِلَى مَايُغْضِبُ الله، نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ الصَّالِحُ، ضَمَّتْهُ الْاَرْضُ ضَمَّةَ حَنَانٍ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْاَرْضَ اُمُّنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ(مِنْ تُرَابِهَا{ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ، وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً اُخْرَى( نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا رَاعَيْنَا حُرْمَةَ هَذِهِ الْاَرْضِ وَلَمْ نَنْشُرْ فِيهَا الْفَسَادَ وَجَعَلْنَاهَا مَسْجِداً وَطَهُوراً كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[وَجُعِلَتْ لِيَ الْاَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً فَاَيَّمَا رَجُلٌ مِنْ اُمَّتِي اَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ( فَبِاللهِ عَلَيْكَ اَخِي، اَلَا تَحْزَنُ الْاَرْضُ وَتَبْكِي؟ بَلْ اِنَّ السَّمَوَاتِ وَالْاَرْضَ تَبْكِي عَلَى فِرَاقِ حَبِيبِهَا الْمُؤْمِنِ وَمَوْضِعِ سُجُودِهِ وَمَصْعَدِ عَمَلِهِ، بَلْ اِنَّ الْجِذْعَ الَّذِي كَانَ يَسْتَنِدُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ لِيَخْطُبَ بِالنَّاسِ، فَلَمَّا اُشِيرَ عَلَيْهِ اَنْ يَتَّخِذَ مِنْبَراً آَخَرَ بَعِيداً عَنِ الْجِذْعِ؟ لِاَنَّ النَّاسَ كَثُرُوا وَيَحْتَاجُونَ اِلَى مِنْبَرٍ فِي مَكَانٍ آَخَرَ يَرَاهُ اَكْثَرُ النَّاسِ، نَعَمْ اَخِي: فَاتَّخَذُوا لَهُ مِنْبَراً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَنْبَرِ الْجَدِيدِ، يَسْمَعُ لِجِذْعِ النَّخْلِ اَنِيناً كَاَنِينِ النَّاقَةِ الَّتِي فَقَدَتْ وَلَدَهَا، فَحَنَّ الْجِذْعُ اِلَى قُرْبِ رَسُولِ اللهِ مِنْهُ مِنْ جَدِيد، فَنَزَلَ فَاحْتَضَنَهُ رَسُولُ اللهِ، فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ صَوْتٌ! ثُمَّ اَسَرَّ الْجِذْعُ اِلَى نَبِيِّنَا بِكَلِمَةٍ! فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ: اَمَا تَرْضَى اَنْ تَكُونَ جِذْعاً فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً سَامِقَةً يَاْكُلُ مِنْهَا الْمُتَّقُونَ الْاَبْرَار! وَكُلُّ ذَلِكَ اَيُّهَا الْاِخْوَة يَدْفَعُنَا اِلَى اَنْ نَكُونَ رُسُلَ اَمْنٍ وَسَلَام، وَاَنْ نَنْشُرَ فِي هَذِهِ الْاَرْضِ الْخَيْرَ وَالْاَمْنَ وَالطَّمَاْنِينَة، نَعَمْ اَخِي: اِنَّهُ انْسِجَامٌ بَيْنَ الْكَوْنِ وَبَيْنَ الْاِنْسَانِ الْمُؤْمِنِ، وَكُلٌّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ رَبِّهِ، وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْمَنْظُومَةِ الْمُوسِيقِيَّةِ الْمُسَبِّحَةِ الْاَكْثَرَ مِنْ رَائِعَة، فَبَدَلَ اَنْ يُسَبِّحُوا اللهَ، يَشْتُمُونَ الله، وَبَدَلَ عَظِيمِ الثَّنَاءِ عَلَى اللهِ، اِذَا بِهِمْ يَذُمُّونَ اللهَ بِاَقْبَحِ الذَّمِّ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ عَالَمُ النَّشَازِ، خَرَجُوا عَنْ هَذِهِ الْمَنْظُومَةِ الْمُؤْمِنَةِ الْمُسَبِّحَةِ لِلِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَوَاءً كَانَتْ حَجَراً اَمْ شَجَراً اَمْ مَدَراً اَمْ بَشَراً اَمْ كُلَّ شَيْء، فَكُلُّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَاِنَّنَا نَرَى كَثِيراً مِنَ النَّاسِ اَلْسِنَتُهُمْ لَاتَلْهَجُ بِتَسْبِيحِ اللهِ، وَلَاتَذْكُرُ اللهَ، وَيَالَيْتَهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ اِنَّهَا لَاتَذْكُرُ اسْمَ اللهِ اِلَّا بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ، وَلِذَلكَ اَخِي الْمُؤْمِنُ، اِيَّاكَ اَنْ تَجْعَلَ لِسَانَكَ يَنْطَلِقُ لِيُودِيَ بِكَ اِلَى التَّهْلُكَة، وَاعْلَمْ اَنَّ عَلَيْكَ رَقِيبَيْنِ يَكْتُبَانِ عَلَيْكَ كُلَّ فِعْلٍ تَفْعَلُهُ وَكُلَّ قَوْلٍ تَقُولُه{مَايَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ اِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد(نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا اَرَدْنَا اَنْ نَقْضِيَ عَلَى اللَّغْوِ وَالثَّرْثَرَةِ، فَعَلَيْنَا اَنْ نُؤْمِنَ بِهَذِهِ الْآَيَةِ حَقَّ الْاِيمَان، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ أَيَّ كَلِمَةٍ تَتَلَفَّظُ بِهَا يَااَخِي، تُكْتَبُ لَكَ اَوْ عَلَيْكَ، فَوَاللهِ لَوْ اَخَذْنَا بِهَذِهِ الْآَيَةِ وَمَافِيهَا مِنْ خَطَرِ الْكَلِمَةِ السَّيِّئَةِ وَنَفْعِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ حَقَّ الْاَخْذِ بِقُوَّةٍ وَجِدِّيَّةٍ، لَاضْمَحَلَّ الْكَذِبُ وَالِافْتِرَاءُ وَقَوْلُ الزُّورِ وَكُلُّ قَوْلٍ لَايَسْتَنِدُ اِلَى حَقِيقَة، لِاَنَّكَ اَخِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَتُسْاَلُ عَنِ الْكَلِمَة سَوَاءً كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ مَنْطُوقَةً اَمْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً وَمُسَجَّلَةً فَسَتُسْاَلُ عَنْهَا، وَلِذَلِكَ اضْبِطْ لِسَانَكَ قَبْلَ اَنْ تَتَلَفَّظَ بِالْكَلِمَة، وَزِنْهَا بِمِيزَانِ الْخَوْفِ مِنَ الله، فَاِنْ كَانَتْ كَلِمَةَ خَيْرٍ فَقُلْهَا، وَاِنْ كَانَتْ كَلِمَةَ شَرٍّ فَاتْرُكْهَا وَابْتَعِدْ عَنْهَا؟ لِتَكُونَ آَمِناً مُطْمَئِنّاً فِي حَيَاتِكَ الدُّنْيَا، نَعَمْ اَخِي: اَلنَّاسُ يُحِبُّونَ الصَّالِحِينَ، وَيُحِبُّونَ الْاَتْقِيَاء، نَعَمْ اَخِي: وَحَتَّى الَّذِينَ لَايَتَّقُونَ اللهَ، تَرَاهُمْ اَحْيَاناً يَحْتَرِمُونَ مَنْ يَتَّقِي الله؟ لِاَنَّ هَذَا الْمُنْحَرِفَ مَازَالَ هُنَاكَ شُعَاعٌ مِنَ الْاِيمَانِ يُنِيرُ قَلْبَهُ وَيُضِيءُ عَقْلَه، نَعَمْ اَخِي: مَاشَاءَ اللهُ لَاقُوَّةَ اِلَّا بِالله، وَتَبَارَكَ اللهُ اَحْسَنُ الْخَالِقِين، فَاِنَّكَ تَرَى الْمَسْجِدَ الْآَنَ غَاصّاً مَلِيئاً بِالْمُصَلِّين، لَكِنْ تَعَالَ مَعِي اِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ جَمَاعَةً! فَاِنَّكَ تَرَى عَدَداً لَايُذْكَرُ! فَلِمَاذَا اَخِي الْمُؤْمِنُ لَاتَكُونُ حَرِيصاً عَلَى ثَوَابِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ فَلْنَتُبْ اِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً؟ حَتَّى اِذَا قُلْنَا يَارَبّ، قَالَ اللهُ لَبَّيْكُمْ، اَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، اَلْحَمْدُ لِلهِ ثُمَّ الْحَمْدُ لِله، اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي جَعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَصَرَفَ عَنَّا كَيْدَ الْكَائِدِين، وَنَرْجُوهُ تَعَالَى اَنْ يُثَبِّتَ اِيمَانَنَا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَة، فَنَحْنُ اَيُّهَا الْاِخْوَة مَاجِئْنَا اِلَّا لِنَقُولَ كَلِمَةَ الْخَيْرِ حَسَبَمَا نَرَاهُ مُوَافِقاً لِشَرْعِ اللهِ وَلِسُنَّةِ رَسُولِه، وَاَنْتُمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ لَايَجُوزُ لَكُمْ اَنْ تَفْرِضُوا عَلَيَّ شَيْئاً غَيْرَ مُتَوَازِنٍ وَلَاعَقْلَانِيّ، فَاَنَا اَدْرَى بِكُمْ، وَاَدْرَى بِمَا يُحِيطُ بِكُمْ مِنْ اَحْدَاث، وَلَااَسْتَطِيعُ اَنْ اَكُونَ مُتَهَوِّرَةً وَاَجْعَلَكُمْ تَتَهَوَّرُونَ مَعِي، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: وَالْمُؤْمِنُ دَائِماً يَكُونُ مُتَوَازِناً وَيُقَدِّرُ الْاُمُور، فَاِذَا فَعَلَ فِعْلاً حَتَّى وَلَوْ كَانَ فِي ظَاهِرِهِ خَيْرٌ، فَعَلَيْهِ اَنْ يُفَكِّرَ مَاذَا سَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَبْلَ اَنْ يَفْعَلَهُ، فَاِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ اَكْثَرَ مِنْ نَفْعِهِ، فَعَلَيْهِ اَلَّا يَفْعَلَه، وَنَحْنُ دَائِماً نَخْضَعُ لِقَوَاعِدَ شَرْعِيَّةٍ تُلْزِمُنَا بِهَذِهِ الْاُمُور، وَاَنَا الْآَنَ لَسْتُ مُنْسَجِمَةً مَعَكُمْ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْاُمُور، فَاِذَا اَرَدْتُّمْ اَنْ تَتَهَوَّرُوا فَاذْهَبُوا بَعِيداً عَنِّي اِلَى غَيْرِي لِيَتَوَلَّى زِمَامَ اُمُورِكُمْ وَقِيَادَتِكُمْ عَلَى مَسْؤُولِيَّتِهِ الشَّخْصِيَّةِ، وَلَنْ اَجْعَلَ أَيَّ فَتْوَى مُتَهَوِّرَةٍ فِي رَقَبَتِي وَعَلَى مَسْؤُولِيَّتِي الشَّخْصِيَّة، وَلِذَلِكَ فَاِنِّي آَسِفَةٌ جِدّاً اِذَا لَمْ تَسْمَعُوا مِنِّي، وَفِي ذَلِكَ اِحْبَاطٌ لِمَكَانَتِي وَمَنْزِلَتِي، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ الْوَلَدَ الْمَرْضِيَّ يَسْمَعُ مِنْ وَالِدِهِ وَوَالِدَتِهِ الْوَاعِيَيْنِ الْعَاقِلَيْنِ، فَمَا بَالُكُمْ بِالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِين، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي اَنْ يَقُولَ التَّلَامِذَةُ الْمُخْلِصُون: عُلَمَاؤُنَا اَحَبُّ اِلَيْنَا مِنْ آَبَائِنَا؟ لِاَنَّ آَبَاءَنَا يُغَذُّونَ اَجْسَامَنَا، وَاَمَّا عُلَمَاؤُنَا فَيُغَذُّونَ اَرْوَاحَنَا وَعُقُولَنَا، وَلِذَلِكَ اُكَرِّرُ مُطَالَبَتَكُمْ بِالِانْضِبَاطِ وَالتَّنْظِيمِ وَعَدَم ِالتَّهَوُّرِ فِي الْمُظَاهَرَاتِ وَاِلْغَاءِ الشَّغَبِ وَاَعْمَالِ الْفَوْضَى وَاخْتِلَاطِ الْحَابِلِ بِالنَّابِلِ فِيهَا قَدْرَ الْاِمْكَان، وَرَفْعَ الشِّعَارَاتِ الَّتِي تُعَظِّمُ شَعَائِرَ اللهِ وَحُرُمَاتِهِ وَتُرْضِيهِ عَنَّا جَمِيعاً وَاَنْ تَصِيحُوا وَتَهْتِفُوا بِهَا وَتُنَاصِرُوهَا؟ لِنَخْرُجَ مِنْ هَذَا الْمَسْجِدِ كَمَا دَخَلْنَا اِلَيْهِ فِي اَمْنٍ وَاَمَانٍ وَرِضىً مِنَ اللهِ وَرَسُولِه، وَقَبْلَ اَنْ نَخْتِمَ الْمُشَارَكَة نُتَابِعُ حَدِيثَنَا حَوْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان(نَعَمْ اَخِي كِتاَبُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْهِدَايَةُ وَهُوَ الْقُرْآَنُ؟ لِاَنَّهُ يُقْرَاُ وَسَيَبْقَى يُقْرَاُ اِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ؟ لِاَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي تَكَفَّلَ بِحِفْظِهِ فَقَالَ {اِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَاِنَّا لَهُ لَحَافِظُون(وَلِذَلِكَ لَايَطْرَاُ عَلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى تَغْيِيرٌ وَلَاتَبْدِيلٌ وَلَاحَذْفٌ وَلاَ زِيَادَةٌ؟ لِاَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي تَكَفَّلَ بِحِفْظِهِ؟ وَاَمَّا مَاكَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ فَقَالَ تَعَالَى{اِنَّا اَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ اَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْاَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ(اَيْ اَنَّ اللهَ تَعَالَى اَمَرَهُمْ بِحِفْظِ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَكِنَّهُمْ خَالَفُوا اَمْرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَغَيَّرُوا وَحَرَّفُوا وَبَدَّلُوا وَزَادُوا وَاَنْقَصُوا حَسَبَ اَهْوَائِهِمْ، نَعَمْ اَخِي: وَالْقُرْآَنُ الْكَرِيمُ كَمَا قُلْنَا لَمْ يَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا اُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَة(فَيَرُدُّ اللهُ عَلَيْهِمْ{كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَك(اَيْ كَذَلِكَ اَنْزَلْنَاهُ مُفَرَّقاً؟ مِنْ اَجْلِ تَثْبِيتِ قَلْبِكَ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْآَيَةَ حِينَمَا تَنْزِلُ مُنَاسِبَةً لِلْحَدَثِ، يَكُونُ فِي ذَلِكَ طَمَاْنِينَةً لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ اللهَ تَعَالَى لَوْ اَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآَنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَحَدَّثَهُ عَنْ مُوسَى وَعَنْ عِيسَى وَعَنْ اِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَكَيْفَ صَبَرُوا فَاَخَذَ رَسُولُ اللهِ هَذَا الْكِتَابَ، فَاِنَّهُ لَايَتَاَثَّرُ كَتَاَثُّرِهِ حِينَمَا يَحْدُثُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ اَذَى قُرَيْشٍ وَيَنْزِلُ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى مُنَاسِباً لِلْحَدَث{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ اُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل(نَعَمْ يَارَسُولَ الله{كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَك(نَعَمْ اَخِي: وَحِينَمَا نَقُول {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَن(هُنَاكَ رَاْيَانِ عِنْدَ الْمُفَسِّرِين: فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ اُنْزِلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً اِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ مُنَجَّماً(مُفَرَّقاً(نَعَمْ اَخِي: وَالرَّاْيُ الْآَخَرُ وَهُوَ الَّذِي نَطْمَئِنُّ اِلَيْهِ اَكْثَرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى{اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَن(اَيْ بُدِىءَ نُزُولُ الْقُرْآَنِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَهَذَا مُتَعَارَفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ اَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ بَدْءَ الشَّيْءِ بِكُلِّهِ، فَاِذَا اقْتَرَبَ الشَّيْءُ عَبَّرُوا بِهِ عَنِ الْمَجِيء، نَعَمْ اَخِي: اَحْيَاناً يَمْضِي عِشْرُونَ يَوْماً مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ، وَيَبْقَى عَشَرَةُ اَيَّامٍ لِقُدُومِ رَمَضَانَ، وَمَعَ ذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ جَاءَ رَمَضَانُ وَهُوَ لَمْ يَاْتِ بَعْدُ، وَاِنَّمَا اقْتَرَبَ مَجِيئُهُ، وَلِذَلِكَ جَرَتْ لُغَةُ الْعَرَبِ اَنَّهُمْ يَتَحَدَّثُونَ بِطَلَاقَةٍ عَنْ مَجِيءِ رَمَضَانَ وَهُمْ مَازَالُوا يَعِيشُونَ بِتَارِيخِ عِشْرِينَ شَعْبَان، نَعَمْ اَخِي: وَحِينَمَا يَدْخُلُ اَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَاِنَّنَا نَقُولُ اَيْضاً جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ، بِمَعْنَى اَنَّهُ بَدَاَ شَهْرُ الصَّوْم، نَعَمْ اَخِي: وَقَدْ رَوَى الشَّعْبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ اَنَّ{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ(اَيْ بُدِىءَ فِيهِ نُزُولُ الْقُرْآَن، نَعَمْ اَخِيِ: وَاَوَّلُ مَانَزَلَ مِنَ الْقُرْآَن ِعَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، هِيَ الْآَيَاتُ الْخَمْسُ الْاَوَائِلُ مِنْ سُورَةِ الْعَلَقِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى{اِقْرَاْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق، خَلَقَ الْاِنْسَانَ مِنْ عَلَق، اِقْرَاْ وَرَبُّكَ الْاَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْاِنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ( نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا مَابَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْآَيَاتِ، فَلَمْ يَنْزِلْ تَبَعاً فَوْرِيّاً لِهَذِهِ الْآَيَاتِ الْخَمْسِ، وَاِنَّمَا بَعْدَ فَتْرَةٍ زَمَنِيَّةٍ حِينَمَا آَذَى الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللهِ، وَبَعْدَ اَنْ هَدَّدَهُ اَبُو جَهْلٍ اَنَّهُ اِذَا رَآَهُ يُصَلِّي لَيَطَاَنَّ رَاْسَهُ الشَّرِيفَ بِرِجْلِهِ قَطَعَهَا اللهُ تَعَالَى، نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ الْآَيَاتُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{كَلَّا اِنَّ الْاِنْسَانَ لَيَطْغَى(اِلَى آَخِرِ السُّورَةِ الْكَرِيمَة، نَزَلَتْ بَعْدَ الْآَيَاتِ الْخَمْسِ الْاُولَى بِفَتْرَةٍ زَمَنِيَّةٍ، وَلَكِنْ كُلُّهَا نَزَلَتْ فِي مَكَّة، نَعَمْ اَخِي: فَاَوَّلُ مَانَزَلَ مِنَ الْقُرْآَنِ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى{اِقْرَاْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق( وَفِيهَا لَفْتَةٌ اِلَى قُدْرَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! فَاَنْتَ يَامُحَمَّدُ اُمِّيٌّ، وَمَعَ ذَلِكَ سَتَقْرَاُ عَلَى النَّاسِ كِتَاباً لَامَثِيلَ وَلَانَظِيرَ لَهُ! نَعَمْ اَخِي: وَالْاُمِّيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ النَّبِيِّ تُعْتَبَرُ نَقْصاً، فَاِذَا كَانَ اِنْسَانٌ مَا اُمِّيّاً لَايَقْرَاُ وَلَايَكْتُبُ، فَهَذَا لَايَخْلُو مِنَ النَّقْصِ، وَاَمَّا بِالنِّسْبَةِ اِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَاِنَّ الْاُمِّيَّةَ تُعْتَبَرُ مُعْجِزَة، نَعَمْ اَخِي: بَعْضُ النَّاسِ اِذَا سَاَلْتَهُ لِمَاذَا لَاتُخَالِطُ النَّاسَ!؟ اَمَا عَلِمْتَ اَنَّ رَسُولَ اللهِ جَعَلَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى اَذَاهُمْ خَيْراً مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَايُخَالِطُ النَّاسَ وَلَايَصْبِرُ عَلَى اَذَاهُمْ؟ اِلَى مَتَى سَتَبْقَى تَعِيشُ مُنْعَزِلاً وَحِيداً؟ نَعَمْ اَخِي: فَمَاذَا يَقُولُ لَكَ؟ اِي اَللهْ عَايِشْ لَوَحْدُو( بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ يَعِيشُ وَحْدَه! وَنَقُولُ لِهَذَا: رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غِيرْ اَنْتَ، فَلَاتَقِسْ نَفْسَكَ عَلَيْه، فَلَوْ اَرَادَ اَنْ يَعِيشَ وَحْدَهُ، مَاخَلَقَ هَذَا الْكَمَّ الْهَائِلَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي لَاتُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَلِذَلِكَ لَاتَقِسْ اُمِّيَّتَكَ اَيْضاً عَلَى اُمِّيَّةِ الرَّسُولِ، فَاِذَا سَاَلَكَ اِنْسَانٌ لِمَاذَا لَاتَتعَلَّمُ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ!؟ فَلَاتَقُلْ لَهُ لِاَنَّ الرَّسُولَ كَانَ اُمِّيّاً وَاَنَا سَاَقْتَدِي بِهِ وَاَكُونُ اُمِّيّاً، فَهَذَا خَطَاٌ فِي التَّفْكِيرِ وَفِي التَّصَوُّرِ وَالِاعْتِقَاد، نَعَمْ اَخِي{اِقْرَاْ بِاسْمِ رَبِّك(اَيْ اَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ اُمِّيَّتِكَ سَيَخْلُقُ فِيكَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْقِرَاءَةِ! وَسَيَخْلُقُ فِيكَ الْقُدْرَةَ عَلَى اَنْ تَنْطِقَ بِكَلَامٍ بَلِيغٍ! وَلِذَلِكَ يَقُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[وَاُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِم(بِمَعْنَى اَنَّ الْكَلِمَةَ الْقَصِيرَةَ اَوِ الْعِبَارَةَ الْقَصِيرَةَ تَحْمِلُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً وَغَزِيرَة! وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَااَعْطَى اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، نَعَمْ اَخِي: اَحْيَاناً تَرَى بَعْضَ النَّاسِ يَتَكَلَّمُ وَيُطِيلُ فِي الْكَلَامِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ يَكُونُ قَصِيراً اَوْ بَسِيطاً، وَاَمَّا النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَكَانَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الْبَلِيغَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ عِدَّةِ حُرُوفٍ، وَلَكِنْ تَحْمِلُ مَعَانِيَ كَثِيرَة! نَعَمْ يَارَسُولَ الله{اِقْرَاْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق(نَعَمْ اَخِي: وَالْخَالِقُ هُوَ اللهُ وَهَذَا مَفْهُومٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعَرَب، وَالْعَرَبُ لَمْ تَكُنْ تُنْكِرُ الْخَالِقَ، بَلْ كَانَتْ تُؤْمِنُ بِاللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! وَلَكِنْ تَجْعَلُ مَعَهُ اَنْدَاداً(شُرَكَاء( نَعَمْ اَخِي: وَفِي اَيَّامِنَا يُوجَدُ كُفْرٌ مُرَكَّبٌ وَهُوَ الْاِلْحَاد، وَاَمَّا الْمُشْرِكُونَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمُ الْاُولَى، فَلَمْ يَكُونُوا مُلْحِدِين، نَعَمْ اَخِي: اِنَّ الْمُلْحِدَ لَايُؤْمِنُ بِوُجُودِ الله، وَاَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَكَانُوا يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِ اللهِ، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ الْاِلْحَادَ هُوَ اَشَدُّ ظُلْماً وَجُرْماً مِنَ الْاِشْرَاكِ بِاللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، نَعَمْ اَخِي: هُنَاكَ شِرْكٌ عَظِيمٌ، وَهُنَاكَ شِرْكٌ اَعْظَم، فَحِينَمَا يَعْتَقِدُ الْاِنْسَانُ اَنَّ لِلهِ شَرِيكاً، فَهَذَا شِرْكٌ عَظِيم، وَلِذَلِكَ{يَابُنَيَّ لَاتُشْرِكْ بِاللهِ، اِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم( نَعَمْ اَخِي: لَكِنَّ الظُّلْمَ الْاَعْظَمَ مِنْهُ، هُوَ اَنْ يُنْكِرَ وُجُودَ الْخَالِق! نَعَمْ اَخِي: وَالْعَرَبُ الْمُشْرِكُونَ الْكُفَّار{وَلَئِنْ سَاَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْاَرْضَ لَيَقُولُنَّ الله( فَهُمْ وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ شِرْكِهِمُ الْكُفْرِيِّ وَعَنَادِهِمْ، لَايُنْكِرُونَ وُجُودَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالدَّلِيلُ هُنَا فِي هَذِهِ الْآَيَةِ السَّابِقَة، نَعَمْ اَخِي: وَهُنَاكَ اَيْضاً مَاهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الشِّرْكِ وَهُوَ الرِّيَاءُ الَّذِي يُسَمَّى بِالشِّرْكِ الْاَصْغَرِ، وَلِذَلِكَ[اِيَّاكُمْ وَالشِّرْكَ الْاَصْغَر (وَهُوَ الرِّيَاء، بِمَعْنَى اَنَّهُ يُرَائِي بِعَمَلِهِ، بِمَعْنَى اَنَّهُ يَفْعَلُ الْخَيْرَ مِنْ اَجْلِ اَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَيَمْدَحُوهُ وَلَايُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ عَزَّ وَجَلّ، وَلِذَلِكَ{اِقْرَاْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق(وَمَادَامَ اللهُ قَدْ خَلَق، وَمَادَامَ اللهُ قَدْ رَزَق، وَمَادَامَ اللهُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَيَجِبُ عَلَيْكَ اَخِي اَنْ تُطِيعَهُ اَيُّهَا الْاِنْسَان، نَعَمْ اَخِي: بَعْضُ النَّاسِ كَثِيراً مَايَتَكَلَّمُونَ عَنْ عَظَمَةِ اللهِ، وَعَنْ قُدْرَةِ اللِه فِي الْكَوْنِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَكِنْ تَعَالَ اِلَى سُلُوكِهِمْ! فَتَرَاهُ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ بِمَا اَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ! نَعَمْ اَخِي {اِقْرَاْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْاِنْسَانَ مِنْ عَلَق( نَعَمْ اَخِي: وَالْعَلَقُ هُوَ مَرْحَلَةٌ مِنْ مَرَاحِلِ تَطَوُّرِ الْاِنْسَانِ فِي رَحِمِ اُمِّهِ حِينَمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ الْمَرَاحِلِ عَلَقَةً اَيْ قِطْعَةَ لَحْمٍ جَامِدَةٍ تَعْلَقُ فِي جِدَارِ الرَّحِم، نَعَمْ اَخِي{اِقْرَاْ وَرَبُّكَ الْاَكْرَم( نَعَمْ اَخِي: اِنَّهَا مَعَانِي حَضَارِيَّةٌ لَامَثِيلَ لَهَا غَزِيرَةٌ مَوْجُودَةٌ فِي كَلِمَةِ اِقْرَاْ، فَلِمَاذَا قَالَ لَهُ اِقْرَاْ؟ لِمَاذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ صَلِّ، وَصُمْ، وَحُجَّ، وَزَكِّ، وَاِنَّمَا بَدَاَ الْوَحْيُ بِكَلِمَةِ اِقْرَاْ؟ نَعَمْ اَخِي لِيَسْتَفِيدَ وَتَسْتَفِيدَ مَعَهُ اَيْضاً مِنْ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَتَصِلَ اِلَى دَرَجَةٍ تَفْهَمُ مِنْهَا اَنَّ اللهَ لَيْسَ هُوَ الْكَرِيمَ فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ الْاَكْرَمُ؟ لِاَنَّ الْكَرِيمَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ عِنْدَ الْاِنْسَان، لَكِنْ حِينَمَا نَقُولُ اَلْاَكْرَم، فَهَذَا اَفْعَلُ تَفْضِيل، بِمَعْنَى اَنَّهُ مَهْمَا وُجِدَ مِنْ كَرِيمٍ، فَاللهُ تَعَالَى هُوَ اَكْرَمُ، وَلِذَلِكَ اَخِي{اِقْرَاْ وَرَبُّكَ الْاَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْاِنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَم(نَعَمْ اَخِي: وَالْاِنْسَانُ مِنَّا يُولَدُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ وَلَايَعْلَمُ شَيْئاً، وَلِذَلِكَ اَنْشَاَنَا اللهُ تَعَالَى فِي اَرْحَامِ اُمَّهَاتِنَا{وَاللهُ اَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ اُمَّهَاتِكُمْ لَاتَعْلَمُونَ شَيْئاً، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْاَبْصَارَ وَالْاَفْئِدَة(وَهِيَ اَجْهِزَةُ الِاسْتِقْبَالِ الَّتِي تَسْتَقْبِلُ بِهَا اَخِي الْمَعْلُومَاتِ ثُمَّ تُرْسِلُهَا، نَعَمْ اَخِي: وَلَنْ تَكُونَ اِنْسَاناً اجْتِمَاعِيّاً مُفِيداً اِلَّا اِذَا كُنْتَ مُسْتَقْبِلاً وَمُرْسِلاً، نَعَمْ اَخِي مُسْتَقْبِلاً تَسْتَقْبِلُ الْعِلْمَ وَلَاتَحْتَكِرُهُ لِنَفْسِكَ وَاِنَّمَا تُعَلِّمُ غَيْرَكَ، نَعَمْ اَخِي: وَلَاتَخَفْ عَلَى عِلْمِكَ اِذَا عَلَّمْتَ غَيْرَك، يَقُولُ الْاِمَامُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه< اَلْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَال( فَقِيلَ لَهُ لِمَاذَا يَااَمِيرَ الْمُؤْمِنِين؟ فَقَالَ لِاَنَّ الْمَالَ يَحْتَاجُ اِلَى مَنْ يَحْرُسُهُ، وَالْعِلْمُ يَحْرُسُ صَاحِبَهُ، وَالْمَالُ اِذَا اَنْفَقْتَ مِنْهُ نَقَصَ، وَالْعِلْمُ كُلَّمَا اَنْفَقْتَ مِنْهُ ازْدَادَ، فَحِينَمَا تُعَلِّمُ النَّاسَ، فَعِلْمُكَ يَزْدَادُ اَكْثَرَ فَاَكْثَر، نَعَمْ اَخِي: فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ اَوْجَدَنَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لَانَعْلَمُ شَيْئاً، وَلَكِنْ اَعْطَانَا اَجْهِزَةً نَسْتَقْبِلُ بِهَا الْمَعْلُومَات، وَكُلَّمَا تَقَدَّمَتْ بِنَا السِّنُّ وَكَبِرْنَا شَيْئاً، نَسْتَطِيعُ اَنْ نَقِيسَ الْمَسَافَاتِ عَلَى حَقِيقَتِهَا، نَعَمْ اَخِي: وَالْاِنْسَانُ مِنَّا حِينَمَا يَكُونُ طِفْلاً، فَاِنَّهُ يَسْمَعُ وَيَرَى وَيَاْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَحْبُو، وَلَكِنْ لَايَسْتَطِيعُ اَنْ يُقَدِّرَ الْمَسَافَاتِ، فَحِينَمَا اَخِي تَحْمِلُ ابْنَكَ الصَّغِيرَ، فَيَنْظُرُ اِلَى الْقَمَرِ، وَيَظُنُّ اَنَّهُ يَسْتَطِيعُ اَنْ يَصِلَ اِلَيْهِ وَيُمْسِكَهُ كَمَا يُمْسِكُ الْكُرَةَ الَّتِي يَلْعَبُ بِهَا، لَكِنْ حِينَمَا يَكْبَرُ فَهَلْ يَفْعَلُ ذَلِك؟ نَعَمْ اَخِي: لَنْ يَفْعَلَ، وَلِذَلِكَ حِينَمَا كَانَ صَغِيراً كَانَ يُبْصِرُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ اَنْ يَقِيسَ الْمَسَافَاتِ اِلَّا حِينَمَا صَارَ كَبِيراً، وَكُلُّ ذَلِكَ يَتَطَوَّرُ شَيْئاً فَشَيْئاً، وَلِذَلِكَ عَجِيبٌ اَمْرُ هَذَا الْاِنْسَان! خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى وَصَوَّرَهُ! وَجَعَلَ لَهُ الْعَقْلَ وَالتَّفْكِيرَ وَاللِّسَانَ النَّاطِقَ وَالسَّمْعَ وَالْاَبْصَارَ وَالْاَفْئِدَةَ! وَمَعَ ذَلِكَ{ضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ، قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي اَنْشَاَهَا اَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم(فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مَنْطِقِيَّةٌ لَاتَحْتَاجُ اِلَى تَعْقِيد، فَالَّذِي خَلَقَكَ اَوَّلَ مَرَّةٍ، هُوَ الَّذِي يُوجِدُكَ وَيُنْشِئُكَ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ اَنْ تَمُوت، فَهَذِهِ قَضَايَا مَنْطِقِيَّةٌ مُسَلَّمَةٌ بَسِيطَةٌ، وَلَكِنَّ الْكُفْرَ، وَلَكِنَّ الْمُكَابَرَةَ وَالتَّعَنُّتَ وَالْعَنَادَ، هُوَ الَّذِي يَدْعُو النَّاسَ اِلَى اِنْكَارِ الْحَقِيقَة، نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ الْآَيَاتُ الَّتِي بَيْنَ اَيْدِينَا، هِيَ اَوَّلُ مَانَزَلَ مِنَ الْقُرْآَن ِ، وَقَدْ بَدَاَتْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى{اِقْرَاْ(؟ لِيَلْفِتَ انْتِبَاهَكَ اِلَى اَهَمِّيَّةِ الْعِلْمِ، فَلَوْ بَدَاَ سُبْحَانَهُ بِالصَّلَاةِ اَوِ الزَّكَاةِ اَوِ الصَّوْمِ اَوِ الْحَجِّ اَوْ غَيْرِهَا مِنْ اُمُورِ الدِّينِ، فَاِنَّ كُلَّ هَذِهِ الْاُمُورِ، تَحْتَاجُ اِلَى عِلْمٍ وَفِقْهٍ وَدِرَايَةٍ بِهَا قَبْلَ اَنْ نَتَعَبَّدَ اللهَ بِهَا، فَلَامَنَاصَ وَلَامَهْرَبَ مِنَ الْعِلْمِ وَالتَّعُلُّمِ فِي كُلِّ الْاَحْوَال، نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ الْآَيَاتُ هِيَ دَفْعَةٌ اِنْسَانِيَّةٌ عَالَمِيَّةٌ اِلَى التَّقَدُّمِ، وَ اِلَى التَّطَوُّرِ، وَاِلَى السَّيْرِ الْعِلْمِيِّ الْحَثِيثِ؟ مِنْ اَجْلِ الِارْتِقَاءِ بِالْحَضَارَةِ الْاِنْسَانِيَّةِ الَّتِي تُسْعِدُ النَّاسَ جَمِيعاً مَادَامَتْ حَضَارَةً تَعْتَمِدُ عَلَى الْاِيمَانِ بِاللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى تَطْبِيقِ مَنْهَجِ اللهِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَاَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَآَلِهِ وَاَصْحَابِه، اَللَّهُمَّ يَارَبّ خَلِّقْنَا بِاَخْلَاقِ نَبِيِّكَ وَاَقْوَالِهِ وَاَفْعَالِهِ آَمِين، اَللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَانَعْلَمُ وَمَالَانَعْلَمُ وَمَااَنْتَ بِهِ اَعْلَم، اَللَّهُمَّ آَمِنَّا فِي اَوْطَانِنَا وَفِي اَمْوَالِنَا وَفِي اَعْرَاضِنَا وَفِي كُلِّ شَيْءٍ يَارَبَّ الْعَالَمِين، اَللَّهُمَّ سَاعِدْنَا حَتَّى نَكُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنوُا وَلَمْ يَلْبِسُوا اِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ اُولَئِكَ لَهُمُ الْاَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون، اَللَّهُمَّ هَذَا حَالُنَا لَايَخْفَى عَلَيْك، اَللَّهُمَّ بَدِّلْ خَوْفَنَا اَمْناً، اَللَّهُمَّ بَدِّلْ جَزَعَنَا سَكِينَةً، اَللَّهُمَّ بَدِّلْ تَهَوُّرَنَا وَقَاراً وَانْضِبَاطاً وَنِظَاماً وَتَنْظِيماً وَتَعَقُّلاً، اَللَّهُمَّ بَدِّلْ ضَعْفَ اِيمَانِنَا قُوَّةً وَثَبَاتاً يَارَبَّ الْعَالَمِين، اَللَّهُمَّ يَااَللُهُ اَنْتَ وَلِيُّنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَة، تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَاَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ بِرَحْمَتِكَ يَااَرْحَمَ الرَّاحِمِين، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة كُلَّمَا رَفَعْتُمْ اَصْوَاتَكُمْ فَاِنَّكُمْ تَضْطَّرُّونَ خَطِيبَ الْجُمُعَةِ اِلَى اَنْ يَخْفِضَ صَوْتَهُ لِيَلْتَزِمَ بِاَدَبِ الْكَلَامِ مَعَكُمْ، وَلِذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الْاَدَبِ وَاللَّيَاقَةِ اَنْ تَرْفَعُوا اَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ خُطَبَاءِ الْجُمُعَةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَرَثَةِ الْاَنْبِيَاءِ بِاَيِّ شِعَارَاتٍ مَهْمَا كَانَتْ مَقْبُولَةً شَرْعاً، فَاِذَا اَرَدْتُّمْ اَنْ تَهْتِفُوا لِلْمَظْلُومِينَ مِنْ اَبْنَاءِ الشَّعْبِ السُّورِيِّ، فَاهْتُفُوا لَهُمْ خَارِجَ الْمَسْجِد، عِبَادَ الله، اِنَّ اللَهَ يَاْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْاِحْسَانَ وَاِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون{فَهَلْ عَسَيْتُمْ اِنْ تَوَلَّيْتُمْ اَنْ تُفْسِدُوا فِي الْاَرْضِ وَتُقَطِّعُوا اَرْحَامَكُمْ اُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَاَصَمَّهُمْ وَاَعْمَى اَبْصَارَهُمْ(وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته من اختكم في الله غصون، وآخر دعوانا اَنِ الحمد لله رب العالمين
 
عودة
أعلى