انتشر هذا الموضوع بشكل لافت و تعددت النظريات و التحاليل ..
و أقول لهؤلاء الذين يسمون أنفسهم علماء وباحثين بهذا الشأن " أعوذ بالله من علم لا ينفع "
لو قرأوا القرآن لكانوا علموا أنه لا يمكن الإنجاب من دون رجل و إمرأة.
قال تعالى (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على النبيِّ الأمين، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ الله تعالى خلَق هذا الكَوْن وجعل فيه سُنَنًا متنوعة، ومن هذه السنن سنَّة الزوجيَّة والتي لا تقتصرُ على نوعٍ دُون آخَر، بل تشملُ كلَّ الكائنات، وقد بيَّن الله تعالى هذه السُّنَّة في العديد من الآيات، منها ما يتعلَّق بالحيوان؛ كقوله تعالى: ﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الأنعام: 143]، ومنها ما يتعلَّق بالنَّبات، كما في قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الرعد: 3]، وقوله تعالى: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ﴾ [طه: 53]، وقوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ [الشعراء: 7]، بل نَصَّ - عزَّ وجلَّ - على أنَّ الزوجيَّة سُنَّةٌ في المخلوقات؛ قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يس: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 49]، قال الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "أي: جميع المخلوقات أزواج: سماء وأرض، وليل ونهار، وشمس وقمر، وبر وبحر، وضِياء وظَلام، وإيمان وكُفر، وموت وحياة، وشَقاء وسَعادة، وجنَّة ونار، حتى الحيوانات والنَّباتات، ولهذا قال: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 49]؛ أي: لتعلموا أنَّ الخالق واحدٌ لا شريك له".
ومن ذلك الإنسان؛ فقد خلقه الله أيضًا من زوجين كما في قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ [النساء: 1]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ [النجم: 45].
ومن لوازم الزوجيَّة اجتماع الزوجين لتحقيق مُقتَضى الزوجيَّة ولازمها وتحصيل المراد من الزواج، وذلك يحصل بعقد الزواج، الذي يجتمع بموجبه ذكرٌ وأنثى، ويرتبطان ارتباطًا وثيقًا له ثمراتُه وآثارُه، وقد رغَّب القُرآن الكريم في الزواج في آياتٍ شتَّى؛ فتارةً يردُ ذلك بصيغة الأمر؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32]، وتارَةً يَصِفُ الزوجة بالسَّكن؛ كما في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189]، وذكر سبحانه أنَّه جعَل بين الزَّوجين مودَّة ورحمة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]، وفي هذا المعنى يقولُ سبحانه: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، ولهذا قيل: "لا ألفة بين رُوحَيْن أعظم ممَّا بين الزوجين".
وتارَةً يذكُر القُرآن الكريم أنبياء الله تعالى - صلوات الله وسلامه عليهم - بأنَّه جعَل لهم أزواجًا وذريَّة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾ [الرعد: 38]، فالزوجيَّة آيةٌ من آيات الله سبحانه كما بيَّن في كتابه الكريم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وهي حَرِيَّةٌ بالتفكُّر فيها، وتدبُّر عظيم حكمة المولى سبحانه؛ إذ المرأة بعد عقد نكاحها تترُك أبويها وإخوانها وسائر أهلها، وتنتقلُ إلى صُحبةِ رجلٍ غريب عنها، تفضي إليه ويفضي إليها، تقاسمه السراء والضراء وتكون زوجةً له، ويكون زوجًا لها تسكُن إليه ويسكُن إليها، ويكون بينهما من المودَّة والرحمة أقوى من كلِّ ما يكون بين ذوي القُربَى، فسبحان الحكيم العليم!