الهجرة من نشوز ويندوز.. إلى سماحة لينوكس
عزيزي لينوكس.. جئت أهلا وحللت سهلا، قد جفوناك وأنت منا قريب، وعزفنا عنك وأنت لنا مفيد، وما ذلك إلا لتقصيرنا في السؤال عنك، وإهمالنا في التقصي عن مزاياك ومناقبك، ولأننا توهمنا (أو تم إيهامنا) أن لدينا ما يغني عنك، ويتفوق عليك، وهو ضرتك القديمة ويندوز، والتي ودعناها في العدد الماضي، وها نحن نستقبلك في هذا العدد، وعُذرنا في التأخر عنك، أننا أمة عاطفية ألوفة، (من الأُلفة)، ألم يقل شاعرنا المتنبي:
خُلِقْتُ ألوفاً لو رجعت إلى الصبا
لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
وهو بيت من أجمل ما قيل في معناه، فلا أحد يعود للشباب موجع القلب لو أمكنه ذلك، ولئن كان المتنبي يفارق شيبه باكيًا لو اضطر لفراقه، فإننا نفارق ضرتك ويندوز مبتهجين سعداء، بعد أن لقينا عندك ما افتقدناه عندها.
وما مَثَلُنا ومثل ويندوز، إلا كمثل رجل تزوج امرأة فأحبها وألفها، ولكنها بالغت في التسلط عليه، وفي استغلال حبها له، وأُلفته لصحبتها، حتى ظنت ألا نساء غيرها في الوجود، فتمادت في دلالها وغنجها، وراحت تطلب كل حين بيتا (حاسوبا) جديدا تقيم فيه لتستمر في العيش معه، حتى إذا ضاق بها وبتسلطها ذرعا، نظر حوله فوجدك كريما معطاء مخلصا هينا لينا.
لينوكس.. العروس القنوع
أما الكرم والعطاء، فإنك عروس قنوعة لا تطلب مهرا ولا نفقة، بل هي مجانية تماما لا تكلف خاطبها درهما ولا دينارا، بعكس ويندوز، التي لا يخفى مهرها على أحد، وليتها تكتفي بالمهر، لكنها تطلب نفقات مستمرة هي تكاليف ترقيتها، وتكاليف البرامج التي تعمل عليها، وتكاليف مسكنها (حاسوبها) الجديد كلما احتاجت لترقية، وأين هذا من سماحة لينوكس وكرمه، فهو لا يكاد يكلف شيئا لاقتنائه ولا لترقيته، ويقنع بما استودع به من حواسيب.
وأما الإخلاص والوفاء، فإنك زوجة مأمونة الجانب، تحمي حمى صاحبها وترعاه إذ إنها تكاد تمنع عنه كل ضيم وخطر يحيق به، سواء كان فيروسا أو اختراقا أو هتكا (الهاتك هو التعريب لكلمة hacker)، بعكس ويندوز، التي لا تفتأ تتعرض للاختراقات الأمنية، مع أنها تعد في كل إصدارة بالمزيد من الحماية، ولكن هيهات، فما زال المستخدمون يشكون من ضعفها الأمني، وقد أحصى الخبراء حتى الآن أكثر من ثلاثين ثغرة أمنية في ويندوز فيستا، والبقية تأتي.
وأما اللين والطاعة، فإن لينوكس يعمل دون كلل ولا ملل، لا يعصي أمرا، ولا يرهق مستخدما، فهو لا يعرف الإرتاج أبدا (الإرتاج هو الترجمة العربية لكلمة hanging) وهو كالحصان الأصيل الذي لا يخذل صاحبه، أما نظام ويندوز فحدث ولا حرج، فهو زوجة من طبعها النشوز، لأن الإرتاج من عاداته الدائمة، وكلمة (not responding) أي عدم الاستجابة مألوفة معروفة لمستخدميه، ومن منا لم يعان من ذلك معه، وأفضل ما يقوم به ويندوز إذا شعر بالذنب عند الخطأ، أن يطلب منك إرسال تقرير عن الخطأ إلى شركة مايكروسوفت، والله وحده يعلم متى يتم إصلاح هذا الخطأ، هذا إذا تم إصلاحه أصلا قبل صدور الإصدارة التالية.
أما إن كان لك أي تساؤل يتعلق بنظام لينوكس، (أقول تساؤل ولا أقول خطأ، فرسائل الخطأ فيه نادرة جدا)، فلا يستغرق حله أكثر من عشرين إلى ثلاثين دقيقة، عن طريق المنتديات والمواقع الكثيرة التي تعج بالمبرمجين والاختصاصيين وأنصار لينوكس، وسبب ذلك يتعلق بالفرق الجوهري بين النظامين، فنظام ويندوز نظام مغلق المصادر، أي إن شيفرته المصدرية غير منشورة، فلا يستطيع تصحيح أي خطأ فيه إلا من اطلع على شيفرته المصدرية، وهم المبرمجون العاملون في شركة مايكروسوفت، على عكس لينوكس، فهو نظام مفتوح المصدر، أي أن شيفرته المصدرية مكشوفة معروفة منشورة، يستطيع أي مبرمج في العالم أن يطلع عليها، ويعدل فيها، ويصحح أخطاءها، ويحسن أداءها، ويقوم بتطويع النظام لاحتياجاته، (التطويع هو تعريب كلمة (customization). ويستطيع مستخدم لينوكس أن يحصل باستمرار على إصدارات جديدة، ومجانا.
لعالمنا العربي.. لينوكس الأنسب
لو ضربنا الذكر صفحا عن كل ما سبق من فروق، وأخذنا فقط الفرق الأخير، وهو كون لينوكس مفتوح المصادر، لكانت تلك ميزة كافية لتفضيله والاعتماد عليه، ولا سيما في عالمنا العربي، وذلك لأسباب جوهرية كثيرة، نكتفي بالمرور الآن بسرعة على اثنين منها، على أن نفصل فيهما وفي غيرهما في مقالات لاحقة، الأول: هو التوفير الكبير الذي سيدره ذلك على اقتصادنا، ويكفي أن نحسب عدد النسخ التي تباع من نظام يندوز وطقم أوفيس في بلادنا، وكم تكلف اقتصادنا، وكم سنوفر لو استبدلنا نظام لينوكس وطقم Open office بنصفها فقط، والسبب الثاني: هو أن لغتنا العربية ستتخلص من سيطرة شركة أجنبية على تعريبها وبرمجياتها، لأننا باعتماد لينوكس يستطيع المطورون واللغويون العرب أن يقوموا بتعريب نظام لينوكس، (وقد حدث ذلك فعلاً) وأن يقوموا بتطوير برمجيات لغوية عربية خالصة خاصة بنا، ملحقة ببرمجياته مثل open office وذلك بدلا من استجداء مايكروسوفت لتقوم بتصحيح الأخطاء الكثيرة التي يعج بها المدقق النحوي والإملائي لنظام أوفيس، وكذلك تعريب ويندوز.
ولكن قد يقول قائل: رويدك، إن معظم ما ذكرته هو عن إصدارات ويندوز السابقة، أما فيستا فهي شيء آخر، لقد وعدت مايكروسوفت بأن فيستا ستغير حياتنا الحاسوبية إلى الأبد (هكذا تقول إعلاناتها، ولكن لم تقل هل التغيير إلى الأسوأ أم إلى الأفضل!)، فلعلها قد تخلصت من كل ما ذكرته من مثالب، ونقول لهؤلاء: إن من يزور المواقع المتخصصة ويقرأ ما كتبه من جرب فيستا من الخبراء، سيدرك أن مستخدمي فيستا قد يترحمون على الإصدارات السابقة من ويندوز، وسيكون حالهم كحال من قال:
رُبَّ يومٍ بكيتُ فيه فلما
صِرْتُ في غيره بكيتُ عليه!!
--------------------------------------------------------------------------------
فداء ياسر الجندي
مهندس مدني وكاتب مهتم بالشأن العلمي والتقني، ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني للصفحة: oloom@islamonline.net.
*نقلا بتصرف عن مجلة بي سي مجازين النسخة العربية، عدد مارس 2007
عزيزي لينوكس.. جئت أهلا وحللت سهلا، قد جفوناك وأنت منا قريب، وعزفنا عنك وأنت لنا مفيد، وما ذلك إلا لتقصيرنا في السؤال عنك، وإهمالنا في التقصي عن مزاياك ومناقبك، ولأننا توهمنا (أو تم إيهامنا) أن لدينا ما يغني عنك، ويتفوق عليك، وهو ضرتك القديمة ويندوز، والتي ودعناها في العدد الماضي، وها نحن نستقبلك في هذا العدد، وعُذرنا في التأخر عنك، أننا أمة عاطفية ألوفة، (من الأُلفة)، ألم يقل شاعرنا المتنبي:
خُلِقْتُ ألوفاً لو رجعت إلى الصبا
لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
وهو بيت من أجمل ما قيل في معناه، فلا أحد يعود للشباب موجع القلب لو أمكنه ذلك، ولئن كان المتنبي يفارق شيبه باكيًا لو اضطر لفراقه، فإننا نفارق ضرتك ويندوز مبتهجين سعداء، بعد أن لقينا عندك ما افتقدناه عندها.
وما مَثَلُنا ومثل ويندوز، إلا كمثل رجل تزوج امرأة فأحبها وألفها، ولكنها بالغت في التسلط عليه، وفي استغلال حبها له، وأُلفته لصحبتها، حتى ظنت ألا نساء غيرها في الوجود، فتمادت في دلالها وغنجها، وراحت تطلب كل حين بيتا (حاسوبا) جديدا تقيم فيه لتستمر في العيش معه، حتى إذا ضاق بها وبتسلطها ذرعا، نظر حوله فوجدك كريما معطاء مخلصا هينا لينا.
لينوكس.. العروس القنوع
أما الكرم والعطاء، فإنك عروس قنوعة لا تطلب مهرا ولا نفقة، بل هي مجانية تماما لا تكلف خاطبها درهما ولا دينارا، بعكس ويندوز، التي لا يخفى مهرها على أحد، وليتها تكتفي بالمهر، لكنها تطلب نفقات مستمرة هي تكاليف ترقيتها، وتكاليف البرامج التي تعمل عليها، وتكاليف مسكنها (حاسوبها) الجديد كلما احتاجت لترقية، وأين هذا من سماحة لينوكس وكرمه، فهو لا يكاد يكلف شيئا لاقتنائه ولا لترقيته، ويقنع بما استودع به من حواسيب.
وأما الإخلاص والوفاء، فإنك زوجة مأمونة الجانب، تحمي حمى صاحبها وترعاه إذ إنها تكاد تمنع عنه كل ضيم وخطر يحيق به، سواء كان فيروسا أو اختراقا أو هتكا (الهاتك هو التعريب لكلمة hacker)، بعكس ويندوز، التي لا تفتأ تتعرض للاختراقات الأمنية، مع أنها تعد في كل إصدارة بالمزيد من الحماية، ولكن هيهات، فما زال المستخدمون يشكون من ضعفها الأمني، وقد أحصى الخبراء حتى الآن أكثر من ثلاثين ثغرة أمنية في ويندوز فيستا، والبقية تأتي.
وأما اللين والطاعة، فإن لينوكس يعمل دون كلل ولا ملل، لا يعصي أمرا، ولا يرهق مستخدما، فهو لا يعرف الإرتاج أبدا (الإرتاج هو الترجمة العربية لكلمة hanging) وهو كالحصان الأصيل الذي لا يخذل صاحبه، أما نظام ويندوز فحدث ولا حرج، فهو زوجة من طبعها النشوز، لأن الإرتاج من عاداته الدائمة، وكلمة (not responding) أي عدم الاستجابة مألوفة معروفة لمستخدميه، ومن منا لم يعان من ذلك معه، وأفضل ما يقوم به ويندوز إذا شعر بالذنب عند الخطأ، أن يطلب منك إرسال تقرير عن الخطأ إلى شركة مايكروسوفت، والله وحده يعلم متى يتم إصلاح هذا الخطأ، هذا إذا تم إصلاحه أصلا قبل صدور الإصدارة التالية.
أما إن كان لك أي تساؤل يتعلق بنظام لينوكس، (أقول تساؤل ولا أقول خطأ، فرسائل الخطأ فيه نادرة جدا)، فلا يستغرق حله أكثر من عشرين إلى ثلاثين دقيقة، عن طريق المنتديات والمواقع الكثيرة التي تعج بالمبرمجين والاختصاصيين وأنصار لينوكس، وسبب ذلك يتعلق بالفرق الجوهري بين النظامين، فنظام ويندوز نظام مغلق المصادر، أي إن شيفرته المصدرية غير منشورة، فلا يستطيع تصحيح أي خطأ فيه إلا من اطلع على شيفرته المصدرية، وهم المبرمجون العاملون في شركة مايكروسوفت، على عكس لينوكس، فهو نظام مفتوح المصدر، أي أن شيفرته المصدرية مكشوفة معروفة منشورة، يستطيع أي مبرمج في العالم أن يطلع عليها، ويعدل فيها، ويصحح أخطاءها، ويحسن أداءها، ويقوم بتطويع النظام لاحتياجاته، (التطويع هو تعريب كلمة (customization). ويستطيع مستخدم لينوكس أن يحصل باستمرار على إصدارات جديدة، ومجانا.
لعالمنا العربي.. لينوكس الأنسب
لو ضربنا الذكر صفحا عن كل ما سبق من فروق، وأخذنا فقط الفرق الأخير، وهو كون لينوكس مفتوح المصادر، لكانت تلك ميزة كافية لتفضيله والاعتماد عليه، ولا سيما في عالمنا العربي، وذلك لأسباب جوهرية كثيرة، نكتفي بالمرور الآن بسرعة على اثنين منها، على أن نفصل فيهما وفي غيرهما في مقالات لاحقة، الأول: هو التوفير الكبير الذي سيدره ذلك على اقتصادنا، ويكفي أن نحسب عدد النسخ التي تباع من نظام يندوز وطقم أوفيس في بلادنا، وكم تكلف اقتصادنا، وكم سنوفر لو استبدلنا نظام لينوكس وطقم Open office بنصفها فقط، والسبب الثاني: هو أن لغتنا العربية ستتخلص من سيطرة شركة أجنبية على تعريبها وبرمجياتها، لأننا باعتماد لينوكس يستطيع المطورون واللغويون العرب أن يقوموا بتعريب نظام لينوكس، (وقد حدث ذلك فعلاً) وأن يقوموا بتطوير برمجيات لغوية عربية خالصة خاصة بنا، ملحقة ببرمجياته مثل open office وذلك بدلا من استجداء مايكروسوفت لتقوم بتصحيح الأخطاء الكثيرة التي يعج بها المدقق النحوي والإملائي لنظام أوفيس، وكذلك تعريب ويندوز.
ولكن قد يقول قائل: رويدك، إن معظم ما ذكرته هو عن إصدارات ويندوز السابقة، أما فيستا فهي شيء آخر، لقد وعدت مايكروسوفت بأن فيستا ستغير حياتنا الحاسوبية إلى الأبد (هكذا تقول إعلاناتها، ولكن لم تقل هل التغيير إلى الأسوأ أم إلى الأفضل!)، فلعلها قد تخلصت من كل ما ذكرته من مثالب، ونقول لهؤلاء: إن من يزور المواقع المتخصصة ويقرأ ما كتبه من جرب فيستا من الخبراء، سيدرك أن مستخدمي فيستا قد يترحمون على الإصدارات السابقة من ويندوز، وسيكون حالهم كحال من قال:
رُبَّ يومٍ بكيتُ فيه فلما
صِرْتُ في غيره بكيتُ عليه!!
--------------------------------------------------------------------------------
فداء ياسر الجندي
مهندس مدني وكاتب مهتم بالشأن العلمي والتقني، ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني للصفحة: oloom@islamonline.net.
*نقلا بتصرف عن مجلة بي سي مجازين النسخة العربية، عدد مارس 2007
منقول من موقع اسلام اون لاين