إكمال الدين وإتمام النعمة

ashdom

Active Member
إكمال الدين وإتمام النعمة

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين

قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾ المائدة: 3

روى البخاري ومسلم عن عُمر بن الخطَّاب - رضي الله عنْه - أنَّ رجلاً من اليهود قال له: يا أميرَ المؤمنين، آيةٌ في كتابِكم تقرؤونَها، لو علينا - معشرَ اليهود - نزلت لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أيّ آية؟ قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا ﴾، قال عمر: "قد عرفْنا ذلك اليوم، والمكان الَّذي نزلت فيه على النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وهو قائمٌ بعرفة يوم جمعة".
قال ابنُ عبَّاس: "فإنَّها نزلتْ في يوم عيدَينِ اثْنَين: يوم عيدٍ ويوم جمُعة".

ونزلت هذه الآية يوم الجمعة ، وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر من الهجرة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - واقف بعرفات على ناقته العضباء .
ومات رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بعد يوم عرفة بواحدٍ وثَمانين يومًا.

قال ابنُ كثير - رحمه الله -: "هذه أكبرُ نِعَم الله - تعالى - على هذه الأمَّة؛ حيث أكمل تعالى لهم دينَهم، فلا يحتاجون إلى دينٍ غيره، ولا إلى نبيٍّ غير نبيِّهم - صلَوات الله وسلامُه عليه - ولهذا جعله الله تعالى خاتمَ الأنبياء، وبعَثَه إلى الإنسِ والجنِّ، فلا حلالَ إلاَّ ما أحلَّه، ولا حرام إلاَّ ما حرَّمه، ولا دين إلاَّ ما شرعَه، وكلّ شيء أخبرَ به فهو حقّ وصدق لا كذب فيه ولا خُلف، كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ﴾ [الأنعام: 115]؛ أي: صدقًا في الأخبار، وعدلاً في الأوامر والنَّواهي، فلمَّا أكمل لهم الدّين تمَّت عليهم النِّعْمة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾؛ أي: فارضوه أنتُم لأنفُسِكم، فإنَّه الدّين الَّذي أحبَّه الله ورضِيَه، وبعث به أفضل الرُّسُل الكرام، وأنزل به أشرفَ كتُبِه".

قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) بأن أهلكت لكم عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله وأكملت لكم الفرائض والسنن والحدود والجهاد والأحكام والحلال والحرام ، فلم ينزل بعد هذه الآية حلال ولا حرام ، ولا شيء من الفرائض
(والمراد بالإكمال هنا نزول معظم الفرائض والتحليل والتحريم ، وقد نزل بعد ذلك قرآن كآية الربا وآية الكلالة ونحوهما )

فالدين قد كمُل فلا يتغيَّر ولا يتبدَّل إلى يوم القيامة ، ولا يحتاج إلى زيادة أبدًا، روى البخاري ومسلم من حديث عائشةَ أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((مَن أحدث في أمرِنا هذا ما ليس منه، فهو ردّ))

فما من خيرٍ إلاَّ والنَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - دلَّ أمَّته عليه، وما من شرٍّ إلاَّ حذَّر أمَّته منه، قال أبو ذرّ: "لقد تركَنا رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وما يقلب طائرٌ جناحيْه في السَّماء إلاَّ ذَكَر لنا منْه علمًا".

قوله تعالى (وأتممت عليكم نعمتي ) وإتمام النعمة بالهداية إلى الإسلام وبإكمال الشرائع والأحكام وإظهار دين الإسلام كما وعدتكم ( ولأتم نعمتي عليكم )

والله قد أتمَّ على المؤمنين نِعَمَه الظَّاهرة والباطنة، ومن أعظم هذه النِّعَم بعْث النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].

قوله تعالى( ورضيت لكم الإسلام دينا) رضيت لكم الاستسلام لأمري ، والانقياد لطاعتي ، على ما شرعت لكم من حدود وفرائض في هذا الدين وهو الإسلام ، والإسلام في هذه الآية هو الذي في قوله تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام ) وهو الذي يفسر في سؤال جبريل للنبي عليهما الصلاة والسلام ، وهو الإيمان والأعمال والشعب .

والله تعالى لا يقبل من النَّاس غيره، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]

والحمدُ الله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آلِه وصحْبِه أجْمعين.
منقول بتصرف من
تفسير الطبري
تفسير القرطبي
تفسير ابن كثير
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية
تفسير البغوي
تفسير المنار
التفسير الكبير المسمى البحر المحيط
أسباب النزول -الواحدي
تأملات في قوله تعالى:﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾
 
عودة
أعلى