mohamadamin
حكيم المنتدى
[
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
بحثٌ قيّم ما أودُّ أن يفوت أحداً من أمة الاسلام
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه , وأؤمن به ولا أكفره , وأعادي من يكفره , وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له , وأنّ محمدا عبده ورسوله , أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل , وقلة من العلم, وضلالة من الناس , وانقطاع من الزمان , ودنو من الساعة , وقرب من الأجل ... من يطع الله ورسوله فقد رشد, ومن يعصهما فقد غوى وفرط, وضلّ ضلالا بعيدا , وأوصيكم بتقوى الله , فانه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضّه على الآخرة , وأن يأمره بتقوى الله , فاحذروا ما حذركم الله من نفسه, ولا أفضل من ذلك نصيحة , ولا أفضل من ذلك ذكرا , وانّ تقوى الله من عمل به على وجل ومخافة من ربه , عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة , ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلن , لا ينوي بذلك الا وجه الله , يكن له ذكرا في عاجل أمره , وذخرا فيما بعد الموت , حين يفتقر المرء الى ما قدّم , وما كان من سوى ذلك , يودّ لو أنّ بينه وبينه أمدا بعيدا, ويحذركم الله نفسه , والله رؤوف بالعباد , والذي صدّق قوله , وأنجز وعده لا خلف لذلك , فانّه يقول عزّ وجل : ما يُبدَّلُ القولُ لديّ وما أنا بظلاَّمٍ للعباد. فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية , فانه من يتق الله يكفّر عنه سيئاته , ويعظم له أجرا , ومن يتق الله , فقد فاز فوزا عظيما , وانّ تقوى الله يبيّض الوجوه , ويرضي الرب , ويرفع الدرجة
خذوا بحظكم ولا تفرّطوا في جنب الله , قد علمكم الله كتابه , ونهج لكم سبيله , ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين , فأحسنوا كما أحسن الله اليكم, وعادوا أعداءه , وجاهدوا في الله حق جهاده , هو اجتباكم وسمّاكم المسلمين , ليهلك من هلك عن بيّنة , ويحيا من حيّ عن بيّنة , ولا قوة الا بالله , فأكثروا ذكر الله , واعملوا لما بعد اليوم , فانه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس , ذلك بأنّ الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه , ويملك من الناس ولا يملكون منه , الله أكبر ولا قوة الا بالله العظيم.
هذه المقدمة الاكثر من رائعة , هي خطبة كاملة من احدى خُطب الجمعة للنبي صلى الله عليه وسلم , كما أوردها كل من ابن جرير والقرطبي رحمهما الله
دعونا نعيش ولو للحظات مع احداث حديث نعيش هذه الأيام بوداره , خاصةً بعدما كثرت الملل وتعددت التبعيات وانقسم الناس الى فرق عديدة , كل فرقة منها تعتقد أنها الفرقة الناجية , يقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
" ليأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل , حتى لو كان منهم من يأتي أمه علانية لكان من أمتي من يصنع ذلك , وإنّ بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة , وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة , قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال عليه الصلاة والسلام
ما أنا عليه وأصحابي
اللهم اجعلنا مما كان عليه نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عنهم أجمعين , واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين , واجعلنا من الذين يهتدون بسنته صلى الله عليه وسلم , ومن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه , اللهم اجزعنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بخير ما جزيت به نبيا عن أمته , واسقنا من حوضه الشريف شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدا برحمتك يا رب العالمين , ونعوذ بك ربنا ومولانا بألا تجعلنا من الفئة التي أحدثت بعد نبيّها صلى الله عليه وسلم
يقول المولى تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم في آيةِ عظيمةٍ ختم بها سورة الفتح ـ 29
محمدٌ رسولُ اللهِ , والذينَ معهُ أشداءُ على الكفارِ رحماءٌ بينهمْ , تراهمْ رُكَّعا سُجّداً يبتغونَ فضلاً منَ اللهِ ورضواناً , سيماهُمْ في وجوهِهِمْ منْ أثرِ السُجودِ , ذلكَ مثضلُهُمْ في التوراةِ , ومثَلُهُمْ في الانجيلِ كَزَرْعٍ أخرجَ شطئَهُ فآزَرَهُ , فاستلغلظَ فاستوى على سُوقِهِ, يُعْجِبُ الزُرّأعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفّأرَ, وعدَ اللهُ الذينَ آمنوا وعملوا الصالحاتِ منهُمْ مغفرةً وأجراً عظيما
فأينَ هم المسلمون اليوم من هذه الآية الكريمة , أين هم من شدتهم على الكفار ورحمتهم فيما بينهم؟
وقال جلّ وعلا في سورة التوبة - 100
والسابقونَ الأوَّلُونَ منَ المهاجرينَ والأنصارِ والذينَ اتبعوهُمْ بإحسانٍ رضيَ اللهُ عنهُمْ ورضوا عنهُ وأعدَّ لهمْ جناتٍ تجري تحتَها الأنهارُ خالدينَ فيها أبداً , ذلكَ الفوزُ العظيمُ
وقال الله عزوجل في سورة التوبة ـ 88
لكنِ الرسولُ والذينَ آمنوا معَهُ جاهدوا بأموالهِمْ وأنفسهِمْ , وأولئكَ لهُمْ الخيراتُ , وأولئكَ همُ المفلحون
وفي الصحيحين برواية الامام الترمذي رحمه الله عن ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
وكما في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام
لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه
وفي رواية للامام الترمذي رحمه الله
الله الله في أصحابي لا خذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه
وان كان البعض قد ضعّفَ بعضا من هذه الأحاديث فيكفينا قوله تبارك وتعالى فيهم رضوان في سورة الفتح - 18
لقدْ رضيَ اللهُ عنِ المؤمنينَ إذْ يُبايعونكَ تحتَ الشجرةِ فعلمَ ما في قلوبهِمْ فأنزلَ السكينةَ عليهِمْ وأثابَهُمْ فتحاً قريباً
هذه هي منزلة الصحابة وهذه هي مكانتهم عند الله مولاهم تبارك وتعالى , وعند رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , وهذا أمر مُسَلّمٌ به لكل مُسْلِمٍ يؤمن بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا
لذا لا يجوز لأحد أن يطعن في أيِّ من الصحابة المرضي عنهم برضوان الله تعالى , ومن يفعل يكونُ قد أخرج نفسه من الملة وهو لا يدري , لقوله تعالى في الحديث القدسي الجليل: منْ عادى لي وليّا فقد آذنتُهُ بالحربِ
ومن منا يقوى على حرب الله عزوجلَ؟
أليس من يرضى الله عنه يكون وليّاً لله عزوجل ؟ القائل فيهم في سورة يونس 62
ألا إنّ أولياءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يَحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون
ولأنهم رجال مؤمنون مخلصون فقد عصمهم الله جلّ وعلا برحمته من مزالق الهوى والضلال , فبُشروا وهم أحياءً بالأمن والسعادة في الدارين الدنيا والآخرة لما اعتمر قلبهم من صدق في الايمان , وصدق في التوكل على الحنّان المنّان الذي لا يغفلُ ولا ينام , فأثمر عملهم الصالح رضوان من الله عزوجل ليمنحهم سكينة في النفس والفؤاد ويقينا في القلب , فرضي الله عنهم وأرضاهم , لما بلغوا فيه من علو الشأن وسمو القدر أن أعلن ربّ العزة تبارك وتعالى الحرب على كل من أراد بهم سوءاً , أو ألحق بهم أذىٍ
انّ الله لا يُحاربُ الا الكفرة الملحدين المشركين الخارجين على الملة , الخارجين عن صراط الله المستقيم , الخارجين عن الدين القويم الذي ارتضاه الله لعباده وختم به الرسالات السماوية , ومن يسلك غير منهجه تبارك وتعالى فهو كافر بنص القرآن الكريم , كما في قوله تبارك وتعالى في محكم تنزيله الكريم في سورة ىل عمران 19
انّ الدينَ عندَ اللهِ الاسلام
وقوله عزوجل في سورة آل عمران أيضا / 85
ومَنْ يبْتغِ غيرَ الاسلامِ ديناً فلنْ يُقبل َمنهُ وهوَ في الآخرةِ مِنَ الخاسرين
وقوله تبارك وتعالى في سورة المائدة 3
اليومَ أكملتُ لكمْ دينَكُمْ وأتممتُ عليكُمْ نِعمتي ورضيتُ لكُمُ الاسلامَ ديناً
وفي حديث رواه الامام مسلم رحمه الله : تردُ عليَّ أمتي الحوض وأنا أذودُ الناس عنه كما يذودُ الرجل إبل الرجل عن إبله ، قالوا : يا نبيَّ الله أتعرفنا ؟ قال : نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم ، تردون عليّ غُراً محجلين من آثار الوضوء ، وليُصدَّنَّ عني طائفة منكم فلا يصلونَ ، فأقول : يارب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملكٌ فيقول
وهلْ تدري ما أحدَثوا بعدَكَ؟
وفي رواية لأنس رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليَرِدنَ عليَّ ناسٌ من أصحابي الحوض ، حتى عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي , فيقول
لا تدري ما أحدثوا بعدك
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تُحشرون حفاة عراة غُرلاً , ثم قرأ : كما بدأنا أولَ خَلْقٍ نُعيدُهُ وعداً علينا إنّا كنّا فاعلين , فأول من يُكسى إبراهيم ، ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال ، فأقول أصحابي : فيقال : إنهم لم يزالوا مُرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : عيسى ابن مريم: وكنتُ عليهمْ شهيداً ما دمتُ فيهِمْ , فلمَّا توَفيْتَني كُنتَ أنتَ الرقيبَ عليهِمْ , وأنتَ على كلِّ شيِءٍ شهيدٌ * إنْ تُعذبهُمْ فإنهُمْ عبادُكَ , وإنْ تغفرْ لهمُ فإنكَ أنتَ العزيزُ الحكيمُ
وعن سهل بن سعد وأبةو سعيد الخدري رضي الله عنهما, أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال
إنيِّ فرطُكُمْ على الحوض ، منْ مرَّ عليَّ شرِبَ ، ومنْ شربَ لمْ يظمأَ أبداً ، لَيَردنَ عليَّ أقوامٌ أعرفُهم ويعرفوني ، ثم يُحالُ بيني وبينهم
و زاد أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : فأقول : إنهم مني ، فيُقال
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
فأقولُ : سُحقاً سُحقاً لمَنْ غيَّرَ بعدي
ومما سبق من خير الحديث قول الله تبارك وتعالى , ومن هدي نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين , يمكننا القول في هذه الشعلة المباركة : أنهم حملة شريعة هذه الأمة وأمناءها , وهم رضوان الله تعالى عنهم من نقلوا لنا حياة النبي صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلا ، ولأجل منزلتهم العالية جدا عند المولى تبارك وتعالى وعند نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم , فانّ الطعن فيهم والتشكيك في عدالتهم ونزاهتهم وأقوالهم يقودنا الى عدم الوثوق بشيء من مصادر هؤلاء المشككين , ،وهذا بالتالي ليس في صالح الدين الذي ارتضاه الله لنا , لأنه يفضي بالاطاحة بجملة وافرة من النصوص والأحاديث التي ما وصلتنا الا عن طريق هذه الثلة التي جمعت لنا الكتاب والسنة , والتي التفَّتْ يوما حول خير الأنام صلوت الله وسلامه عليه, ولولاهم ما وصلنا القرآن الكريم الذي تمّ جمعه في عهد أبو بكر الصديق ومن بعده أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنهم بمصحف واحد سماه مصحف عثمان
ولا ندري كيف يجرؤ هؤلاء الزنادقة المارقين , بالطعن بنزاهة هؤلاء؟
والله تبارك وتعالى قد رضي الله عنهم ورضوا عنه , وكذلك نبيه صلى الله عليه وسلم قد ترضَّى عليهم ودافع عنهم , وبشرهم م بالجنة , ففي سنن الامام الترمذي رحمه الله عن خير الأنام صلى الله عليه وسلم انه ذكر العشرة المبشرين بالجنة, فقال
أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد في الجنة ، وسعيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة
وفي رواية للامام أحمد رحمه الله وبسند صحيح عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية
فكيف اذن الروافض تطعنُ بأبو بكر والفاروق والزبير وطلحة رضي الله عنهم , وقد شهد النبي صلى الله عليهم وسلم بالجنة؟
أليس طعنهم بالصحابة المشهود لهم بالجنة, هو طعْنٌ بالقرآن الكريم القائل في مستهل سورة النجم
والنجمِ اذا هوى * ما ضلَّ صاحبُكُمْ وما غَوى * وما ينطقُ عنِ الهوى * انْ هوَ الا وحْيٌ يُوْحى
لأجل ما سبق من القول المختصر عن هؤلاء المرضي عنهم بكتاب الله العظيم’ فقد وقف علماء الأمة الصادقين موقفا صارما في وجه كل من يتقوّل ويطعن في صدق الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين , خصوصا أبو بكر وعائشة وعمر وحفصة رضي الله تعالى عنهم أجمعين , وعليه فانّ منْ سبَّ ويسُبُّ أحداً من الصحابة فهو ليس أهلٌ في أن يرُوى عنه أو يؤخذ بحديثه وكلامه لأنه أكذب الكاذبين
لقد عمد هؤلاء الزنادقة المارقين الخارجين عن الملة , لافتراءهم على ثلة من الذين رضي الله عنهم قولاً مشيناً, وبذلك يكونوا قد خالفوا قول القرآن فيهم , ومن يخالف قول القرآن يكون قد كفر بالقرآن ورب القرآن، ورسول القرآن الكريم , ذلك أنّ من يُشوّهُ صور هذه الشعلة المباركة , ويتهمهم بالنفاق والخيانة من غير أن يلتقوا فيهم , يكونون قد ضربوا عرضَ الحائط بهذا النهيِ الالهي الكريم من سورة الاسراء - 36
ولا تقْفُ ما ليسَ لكَ بهِ , علمٌ , انّ السمْعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئكَ كانَ عنهُ مسئولاً
فمن ينتقص أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو زنديق مارق على الدين , تماما كما وصفهم لنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه ابن عباس رضي الله عنهما
ليَقْرأنّ القرآنَ أقوامٌ مِنَ أمتي يمرقونَ مِنَ الإسلام كما يمرُقُ السهم مِنَ الرميةِ
وعن يسير بن عمرو رضي الله عنه قال : سألت سهل بن حنيف رضي الله عنه : ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر هؤلاء الخوارج ؟ قال : سمعته يقول وقد أشار بيده نحو المشرق
يخرجُ منهُ قومٌ يقرءونَ القرآن بألسنتهِمْ لا يعدوا تراقيهِم , يمرقون من الدين كما يمرقُ السهْمُ مِنَ الرمية
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يجيء قوم يقرءون القرآن لا يُجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية
وعن أبي برزة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخرج قوم من المشرق يقرءون القرآن لا يُجاوز تراقيهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يرجعون إليه
وعن زياد بن لبيد رضي الله عنه قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقال
وذاك عند أوان ذهاب العلم ، قال : قلت : يا رسول الله ! كيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونُقرئهُ أبناءنا , ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال : ثكلتك أمك يا زياد ! ، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة ، أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءونَ التوراة والإنجيل ، لا يعملون بشيء مما فيهما؟
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
مَا آمنَ بالقرآنِ , مَنِ استحلَّ محارِمَهُ
وهذا الامام ابو زرعة رحمه الله يقول قولة حقٍّ في الصحابة رضي الله عنهم , في مجلد الكفاية في عدم الرواية صفحة 97
إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم , فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - عندنا حقٌّ والقرآن حقٌّ ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة
نستنتج مما تقدّم انّ المقصودين بالقول
لا تدري ماذا أحدثوا بعدك
الذي بدَّلوا وغيَّروا وقد سمّاهُمْ القرآن الكريم بأهل النفاق , سواء من عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم أو الذين يجيئون من بعده الى أن تقوم الساعة , ومن الواضح والمعلوم لدينا أنّ هناك منافقون كُثر قد عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم , وما نزول سورة التوبة الا لهؤلاء المنافقون التي أطلق الصحابة عليها بسورة الفاضحة , لأنها فضحتهم في عقر دارهم أمام أهل المدينة , وذلك عندما جمع النبي صلى الله عليه وسلم أهل المدينة في المسجد وبات ينطق اسماء المنافقين واحدا تلو الآخر بهدف أن يحتاط الصحابة رضوان الله عنهم منهم , كي اذا أدركه الموت عليه الصلاة والسلام , يكونوا قد عرفوهم فيحذروهم , وان كان منهم من شهد المشاهد والمغازي مع النبي صلى الله عليه وسلم , الا أنهم عندما ارتابوا بدينهم وشككوا فيه باتوا يُبطنون خلاف ما يُظهرون , حتى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليعلمهم لولا نزول جبريل عليه السلام بأسماءهم , وهذا ما تجلى في قوله تعالى في سورة التوبة - 101
ومِمّنْ حولَكُمْ منَ الأعرابِ منافقونَ , ومِنْ أهل المدينة , مَرَدُوا على النفاقِ لا تعلمُهُمْ , نحنُ نعلمُهُمْ , سنُعَذِبُهُمْ مرَّتينِ ثمّ يُرَدُّونَ الى عذابٍ عظيمٍ
وقال الإمام الخطابي رحمه الله في فتح الباري المجلد 11 الصفحة - 385
لم يرتد من الصحابة أحد ، وإنما ارتدّ قوم من جُفاة العرب ، ممَن لا نصرة له في الدين ، وذلك لا يُوجب قدحاً في الصحابة المشهورين ، ويدل قوله عليه الصلاة والسلام عنهم بلفظ : أُصَيْحابي ... على قلة عددهم رضوان الله تعالى عنهم مقياسا بكثرة عدد المنافقين لعنهم الله
ولو تمعنا في قول الصحابي الجليل أمين سر الوحي حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عندما سمع رجلاً يقول: اللهم أهلك المنافقين؛ فقال له رضي الله عنه
يا ابن أخي، لو هلك المنافقون لاستوحشتُم في طرقاتكم من قلة السالك
وما قوله رضي الله عنه ذاك الا لكثرتهم وقلة المؤمنين يومذاك, فكيف بهم اليوم في عالم الفتن والتحريض والتأليب والقتل للأبرياء وافساد معيشة العباد وتخريب البلاد؟
و عن الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قال الإمام البغدادي رحمه الله في كتابه الفَرْق بين الفِرَقِ
أجمع أهل السنة على أن الذين ارتدوا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- من كندة ، وحنيفة وفزارة ، وبني أسد ، وبني بكر بن وائل ، لم يكونوا من الأنصار ولا من المهاجرين قبل فتح مكة ، وإنما أطلق الشرع اسم المهاجرين على من هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل فتح مكة وأولئك بحمد الله ومنِّه درجوا على الدين القويم والصراط المستقيم
وقد أجمع أهل العلم في أولئك المبعدين يوم القيامة عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم , انما يشمل كل من أحدث في الدين من بعده صلى الله عليه وسلم الى أن تقوم الساعة , لقوله عليه الصلاة والسلام
الا انَّ كلَّ مُحدَثةٍ بدعةٍ, وكل بدعةٍ ضلالةٍ, وكلَّ ضلالة في النار
وعلى هذا فانّ الصحابة رضوان الله تعالى والذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بنزاهتهم , غير معنيين بذلك ان شاء الله تعالى
ولو ناقشنا قضية الابتداع في الدين , فالصحابة رضوان الله عنهم قد عُرف عنهم أنهم لم يبتدعوا في الدين , بل كانوا يحاربون كل من يبتدع , ولم يعرف عن الابتداع الا بعد انقضاء عصرهم رضوان الله تعالى عنهم , ودليل ذلك مارواه الامام مسلم رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم
النجوم أمنة السماء , فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحـابي أتى أمتـي مـا يوعدون
وقال الإمام النووي رحمه الله شارحا قوله عليه الصلاة والسلام: وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون : معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه ، وطلوع قرن الشيطان ، وظهور الروم وغيرهم عليهم ، وانتهاك مكة والمدينة وغير ذلك ، وهذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم
ودليل آخر على أن الصحابة كانوا يقاومون ويحاربون البدع , ما قاله ابن عمر رضي الله عنهما لمن أخبره عن مقالة القدرية : إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أنّ ابن عمر منهم بريء ، وهم منه برآء ثلاث مرات
وأيضا رأي ابن عباس رضي الله عنهما فيهم حيث قال: ما في الأرض قوم أبغض إلىَّ من أن يجيئوني فيخاصموني في القدر من القدرية
ونقل البغوي إجماع الصحابة وسائر السلف على معاداة أهل البدع فقال في كتابه شرح السنة المجلد الاول صفحة 194 : وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنن على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم
ولعلّ هذه الشواهد وهذه المواقف العظيمة التي وقفها الصحابة رضوان الله تعالى عنهم في وجه المبتدعين من أهل الردة والخوارج والقدرية تثبت صدق نيتهم، وقوة إيمانهم وتعففهم وزهدهم وورعهم , وعلى هذا وبمشيئة الله تعالى سيكونوا أول الواردين حوضه الشريف صلى الله عليه وسلم يوم القيامة
اللهم احشرنا برحمتك معهم تحت لواء سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وارحمنا برحمتك يوم تبعث عبادك واجعلنا من الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب, انك على ما تشاء قدير وبالاجابة جدير, وصلى اللهم وسلم وبارك على خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والله وحده اعلم بغيبه
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
بحثٌ قيّم ما أودُّ أن يفوت أحداً من أمة الاسلام
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه , وأؤمن به ولا أكفره , وأعادي من يكفره , وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له , وأنّ محمدا عبده ورسوله , أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل , وقلة من العلم, وضلالة من الناس , وانقطاع من الزمان , ودنو من الساعة , وقرب من الأجل ... من يطع الله ورسوله فقد رشد, ومن يعصهما فقد غوى وفرط, وضلّ ضلالا بعيدا , وأوصيكم بتقوى الله , فانه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضّه على الآخرة , وأن يأمره بتقوى الله , فاحذروا ما حذركم الله من نفسه, ولا أفضل من ذلك نصيحة , ولا أفضل من ذلك ذكرا , وانّ تقوى الله من عمل به على وجل ومخافة من ربه , عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة , ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلن , لا ينوي بذلك الا وجه الله , يكن له ذكرا في عاجل أمره , وذخرا فيما بعد الموت , حين يفتقر المرء الى ما قدّم , وما كان من سوى ذلك , يودّ لو أنّ بينه وبينه أمدا بعيدا, ويحذركم الله نفسه , والله رؤوف بالعباد , والذي صدّق قوله , وأنجز وعده لا خلف لذلك , فانّه يقول عزّ وجل : ما يُبدَّلُ القولُ لديّ وما أنا بظلاَّمٍ للعباد. فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية , فانه من يتق الله يكفّر عنه سيئاته , ويعظم له أجرا , ومن يتق الله , فقد فاز فوزا عظيما , وانّ تقوى الله يبيّض الوجوه , ويرضي الرب , ويرفع الدرجة
خذوا بحظكم ولا تفرّطوا في جنب الله , قد علمكم الله كتابه , ونهج لكم سبيله , ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين , فأحسنوا كما أحسن الله اليكم, وعادوا أعداءه , وجاهدوا في الله حق جهاده , هو اجتباكم وسمّاكم المسلمين , ليهلك من هلك عن بيّنة , ويحيا من حيّ عن بيّنة , ولا قوة الا بالله , فأكثروا ذكر الله , واعملوا لما بعد اليوم , فانه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس , ذلك بأنّ الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه , ويملك من الناس ولا يملكون منه , الله أكبر ولا قوة الا بالله العظيم.
هذه المقدمة الاكثر من رائعة , هي خطبة كاملة من احدى خُطب الجمعة للنبي صلى الله عليه وسلم , كما أوردها كل من ابن جرير والقرطبي رحمهما الله
دعونا نعيش ولو للحظات مع احداث حديث نعيش هذه الأيام بوداره , خاصةً بعدما كثرت الملل وتعددت التبعيات وانقسم الناس الى فرق عديدة , كل فرقة منها تعتقد أنها الفرقة الناجية , يقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
" ليأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل , حتى لو كان منهم من يأتي أمه علانية لكان من أمتي من يصنع ذلك , وإنّ بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة , وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة , قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال عليه الصلاة والسلام
ما أنا عليه وأصحابي
اللهم اجعلنا مما كان عليه نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عنهم أجمعين , واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين , واجعلنا من الذين يهتدون بسنته صلى الله عليه وسلم , ومن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه , اللهم اجزعنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بخير ما جزيت به نبيا عن أمته , واسقنا من حوضه الشريف شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبدا برحمتك يا رب العالمين , ونعوذ بك ربنا ومولانا بألا تجعلنا من الفئة التي أحدثت بعد نبيّها صلى الله عليه وسلم
يقول المولى تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم في آيةِ عظيمةٍ ختم بها سورة الفتح ـ 29
محمدٌ رسولُ اللهِ , والذينَ معهُ أشداءُ على الكفارِ رحماءٌ بينهمْ , تراهمْ رُكَّعا سُجّداً يبتغونَ فضلاً منَ اللهِ ورضواناً , سيماهُمْ في وجوهِهِمْ منْ أثرِ السُجودِ , ذلكَ مثضلُهُمْ في التوراةِ , ومثَلُهُمْ في الانجيلِ كَزَرْعٍ أخرجَ شطئَهُ فآزَرَهُ , فاستلغلظَ فاستوى على سُوقِهِ, يُعْجِبُ الزُرّأعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفّأرَ, وعدَ اللهُ الذينَ آمنوا وعملوا الصالحاتِ منهُمْ مغفرةً وأجراً عظيما
فأينَ هم المسلمون اليوم من هذه الآية الكريمة , أين هم من شدتهم على الكفار ورحمتهم فيما بينهم؟
وقال جلّ وعلا في سورة التوبة - 100
والسابقونَ الأوَّلُونَ منَ المهاجرينَ والأنصارِ والذينَ اتبعوهُمْ بإحسانٍ رضيَ اللهُ عنهُمْ ورضوا عنهُ وأعدَّ لهمْ جناتٍ تجري تحتَها الأنهارُ خالدينَ فيها أبداً , ذلكَ الفوزُ العظيمُ
وقال الله عزوجل في سورة التوبة ـ 88
لكنِ الرسولُ والذينَ آمنوا معَهُ جاهدوا بأموالهِمْ وأنفسهِمْ , وأولئكَ لهُمْ الخيراتُ , وأولئكَ همُ المفلحون
وفي الصحيحين برواية الامام الترمذي رحمه الله عن ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
وكما في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام
لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه
وفي رواية للامام الترمذي رحمه الله
الله الله في أصحابي لا خذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه
وان كان البعض قد ضعّفَ بعضا من هذه الأحاديث فيكفينا قوله تبارك وتعالى فيهم رضوان في سورة الفتح - 18
لقدْ رضيَ اللهُ عنِ المؤمنينَ إذْ يُبايعونكَ تحتَ الشجرةِ فعلمَ ما في قلوبهِمْ فأنزلَ السكينةَ عليهِمْ وأثابَهُمْ فتحاً قريباً
هذه هي منزلة الصحابة وهذه هي مكانتهم عند الله مولاهم تبارك وتعالى , وعند رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , وهذا أمر مُسَلّمٌ به لكل مُسْلِمٍ يؤمن بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا
لذا لا يجوز لأحد أن يطعن في أيِّ من الصحابة المرضي عنهم برضوان الله تعالى , ومن يفعل يكونُ قد أخرج نفسه من الملة وهو لا يدري , لقوله تعالى في الحديث القدسي الجليل: منْ عادى لي وليّا فقد آذنتُهُ بالحربِ
ومن منا يقوى على حرب الله عزوجلَ؟
أليس من يرضى الله عنه يكون وليّاً لله عزوجل ؟ القائل فيهم في سورة يونس 62
ألا إنّ أولياءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يَحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون
ولأنهم رجال مؤمنون مخلصون فقد عصمهم الله جلّ وعلا برحمته من مزالق الهوى والضلال , فبُشروا وهم أحياءً بالأمن والسعادة في الدارين الدنيا والآخرة لما اعتمر قلبهم من صدق في الايمان , وصدق في التوكل على الحنّان المنّان الذي لا يغفلُ ولا ينام , فأثمر عملهم الصالح رضوان من الله عزوجل ليمنحهم سكينة في النفس والفؤاد ويقينا في القلب , فرضي الله عنهم وأرضاهم , لما بلغوا فيه من علو الشأن وسمو القدر أن أعلن ربّ العزة تبارك وتعالى الحرب على كل من أراد بهم سوءاً , أو ألحق بهم أذىٍ
انّ الله لا يُحاربُ الا الكفرة الملحدين المشركين الخارجين على الملة , الخارجين عن صراط الله المستقيم , الخارجين عن الدين القويم الذي ارتضاه الله لعباده وختم به الرسالات السماوية , ومن يسلك غير منهجه تبارك وتعالى فهو كافر بنص القرآن الكريم , كما في قوله تبارك وتعالى في محكم تنزيله الكريم في سورة ىل عمران 19
انّ الدينَ عندَ اللهِ الاسلام
وقوله عزوجل في سورة آل عمران أيضا / 85
ومَنْ يبْتغِ غيرَ الاسلامِ ديناً فلنْ يُقبل َمنهُ وهوَ في الآخرةِ مِنَ الخاسرين
وقوله تبارك وتعالى في سورة المائدة 3
اليومَ أكملتُ لكمْ دينَكُمْ وأتممتُ عليكُمْ نِعمتي ورضيتُ لكُمُ الاسلامَ ديناً
وفي حديث رواه الامام مسلم رحمه الله : تردُ عليَّ أمتي الحوض وأنا أذودُ الناس عنه كما يذودُ الرجل إبل الرجل عن إبله ، قالوا : يا نبيَّ الله أتعرفنا ؟ قال : نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم ، تردون عليّ غُراً محجلين من آثار الوضوء ، وليُصدَّنَّ عني طائفة منكم فلا يصلونَ ، فأقول : يارب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملكٌ فيقول
وهلْ تدري ما أحدَثوا بعدَكَ؟
وفي رواية لأنس رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليَرِدنَ عليَّ ناسٌ من أصحابي الحوض ، حتى عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي , فيقول
لا تدري ما أحدثوا بعدك
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تُحشرون حفاة عراة غُرلاً , ثم قرأ : كما بدأنا أولَ خَلْقٍ نُعيدُهُ وعداً علينا إنّا كنّا فاعلين , فأول من يُكسى إبراهيم ، ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال ، فأقول أصحابي : فيقال : إنهم لم يزالوا مُرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : عيسى ابن مريم: وكنتُ عليهمْ شهيداً ما دمتُ فيهِمْ , فلمَّا توَفيْتَني كُنتَ أنتَ الرقيبَ عليهِمْ , وأنتَ على كلِّ شيِءٍ شهيدٌ * إنْ تُعذبهُمْ فإنهُمْ عبادُكَ , وإنْ تغفرْ لهمُ فإنكَ أنتَ العزيزُ الحكيمُ
وعن سهل بن سعد وأبةو سعيد الخدري رضي الله عنهما, أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال
إنيِّ فرطُكُمْ على الحوض ، منْ مرَّ عليَّ شرِبَ ، ومنْ شربَ لمْ يظمأَ أبداً ، لَيَردنَ عليَّ أقوامٌ أعرفُهم ويعرفوني ، ثم يُحالُ بيني وبينهم
و زاد أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : فأقول : إنهم مني ، فيُقال
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
فأقولُ : سُحقاً سُحقاً لمَنْ غيَّرَ بعدي
ومما سبق من خير الحديث قول الله تبارك وتعالى , ومن هدي نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين , يمكننا القول في هذه الشعلة المباركة : أنهم حملة شريعة هذه الأمة وأمناءها , وهم رضوان الله تعالى عنهم من نقلوا لنا حياة النبي صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلا ، ولأجل منزلتهم العالية جدا عند المولى تبارك وتعالى وعند نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم , فانّ الطعن فيهم والتشكيك في عدالتهم ونزاهتهم وأقوالهم يقودنا الى عدم الوثوق بشيء من مصادر هؤلاء المشككين , ،وهذا بالتالي ليس في صالح الدين الذي ارتضاه الله لنا , لأنه يفضي بالاطاحة بجملة وافرة من النصوص والأحاديث التي ما وصلتنا الا عن طريق هذه الثلة التي جمعت لنا الكتاب والسنة , والتي التفَّتْ يوما حول خير الأنام صلوت الله وسلامه عليه, ولولاهم ما وصلنا القرآن الكريم الذي تمّ جمعه في عهد أبو بكر الصديق ومن بعده أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنهم بمصحف واحد سماه مصحف عثمان
ولا ندري كيف يجرؤ هؤلاء الزنادقة المارقين , بالطعن بنزاهة هؤلاء؟
والله تبارك وتعالى قد رضي الله عنهم ورضوا عنه , وكذلك نبيه صلى الله عليه وسلم قد ترضَّى عليهم ودافع عنهم , وبشرهم م بالجنة , ففي سنن الامام الترمذي رحمه الله عن خير الأنام صلى الله عليه وسلم انه ذكر العشرة المبشرين بالجنة, فقال
أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد في الجنة ، وسعيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة
وفي رواية للامام أحمد رحمه الله وبسند صحيح عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية
فكيف اذن الروافض تطعنُ بأبو بكر والفاروق والزبير وطلحة رضي الله عنهم , وقد شهد النبي صلى الله عليهم وسلم بالجنة؟
أليس طعنهم بالصحابة المشهود لهم بالجنة, هو طعْنٌ بالقرآن الكريم القائل في مستهل سورة النجم
والنجمِ اذا هوى * ما ضلَّ صاحبُكُمْ وما غَوى * وما ينطقُ عنِ الهوى * انْ هوَ الا وحْيٌ يُوْحى
لأجل ما سبق من القول المختصر عن هؤلاء المرضي عنهم بكتاب الله العظيم’ فقد وقف علماء الأمة الصادقين موقفا صارما في وجه كل من يتقوّل ويطعن في صدق الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين , خصوصا أبو بكر وعائشة وعمر وحفصة رضي الله تعالى عنهم أجمعين , وعليه فانّ منْ سبَّ ويسُبُّ أحداً من الصحابة فهو ليس أهلٌ في أن يرُوى عنه أو يؤخذ بحديثه وكلامه لأنه أكذب الكاذبين
لقد عمد هؤلاء الزنادقة المارقين الخارجين عن الملة , لافتراءهم على ثلة من الذين رضي الله عنهم قولاً مشيناً, وبذلك يكونوا قد خالفوا قول القرآن فيهم , ومن يخالف قول القرآن يكون قد كفر بالقرآن ورب القرآن، ورسول القرآن الكريم , ذلك أنّ من يُشوّهُ صور هذه الشعلة المباركة , ويتهمهم بالنفاق والخيانة من غير أن يلتقوا فيهم , يكونون قد ضربوا عرضَ الحائط بهذا النهيِ الالهي الكريم من سورة الاسراء - 36
ولا تقْفُ ما ليسَ لكَ بهِ , علمٌ , انّ السمْعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئكَ كانَ عنهُ مسئولاً
فمن ينتقص أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو زنديق مارق على الدين , تماما كما وصفهم لنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه ابن عباس رضي الله عنهما
ليَقْرأنّ القرآنَ أقوامٌ مِنَ أمتي يمرقونَ مِنَ الإسلام كما يمرُقُ السهم مِنَ الرميةِ
وعن يسير بن عمرو رضي الله عنه قال : سألت سهل بن حنيف رضي الله عنه : ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر هؤلاء الخوارج ؟ قال : سمعته يقول وقد أشار بيده نحو المشرق
يخرجُ منهُ قومٌ يقرءونَ القرآن بألسنتهِمْ لا يعدوا تراقيهِم , يمرقون من الدين كما يمرقُ السهْمُ مِنَ الرمية
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يجيء قوم يقرءون القرآن لا يُجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية
وعن أبي برزة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخرج قوم من المشرق يقرءون القرآن لا يُجاوز تراقيهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يرجعون إليه
وعن زياد بن لبيد رضي الله عنه قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقال
وذاك عند أوان ذهاب العلم ، قال : قلت : يا رسول الله ! كيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونُقرئهُ أبناءنا , ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال : ثكلتك أمك يا زياد ! ، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة ، أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءونَ التوراة والإنجيل ، لا يعملون بشيء مما فيهما؟
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
مَا آمنَ بالقرآنِ , مَنِ استحلَّ محارِمَهُ
وهذا الامام ابو زرعة رحمه الله يقول قولة حقٍّ في الصحابة رضي الله عنهم , في مجلد الكفاية في عدم الرواية صفحة 97
إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم , فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - عندنا حقٌّ والقرآن حقٌّ ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة
نستنتج مما تقدّم انّ المقصودين بالقول
لا تدري ماذا أحدثوا بعدك
الذي بدَّلوا وغيَّروا وقد سمّاهُمْ القرآن الكريم بأهل النفاق , سواء من عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم أو الذين يجيئون من بعده الى أن تقوم الساعة , ومن الواضح والمعلوم لدينا أنّ هناك منافقون كُثر قد عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم , وما نزول سورة التوبة الا لهؤلاء المنافقون التي أطلق الصحابة عليها بسورة الفاضحة , لأنها فضحتهم في عقر دارهم أمام أهل المدينة , وذلك عندما جمع النبي صلى الله عليه وسلم أهل المدينة في المسجد وبات ينطق اسماء المنافقين واحدا تلو الآخر بهدف أن يحتاط الصحابة رضوان الله عنهم منهم , كي اذا أدركه الموت عليه الصلاة والسلام , يكونوا قد عرفوهم فيحذروهم , وان كان منهم من شهد المشاهد والمغازي مع النبي صلى الله عليه وسلم , الا أنهم عندما ارتابوا بدينهم وشككوا فيه باتوا يُبطنون خلاف ما يُظهرون , حتى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليعلمهم لولا نزول جبريل عليه السلام بأسماءهم , وهذا ما تجلى في قوله تعالى في سورة التوبة - 101
ومِمّنْ حولَكُمْ منَ الأعرابِ منافقونَ , ومِنْ أهل المدينة , مَرَدُوا على النفاقِ لا تعلمُهُمْ , نحنُ نعلمُهُمْ , سنُعَذِبُهُمْ مرَّتينِ ثمّ يُرَدُّونَ الى عذابٍ عظيمٍ
وقال الإمام الخطابي رحمه الله في فتح الباري المجلد 11 الصفحة - 385
لم يرتد من الصحابة أحد ، وإنما ارتدّ قوم من جُفاة العرب ، ممَن لا نصرة له في الدين ، وذلك لا يُوجب قدحاً في الصحابة المشهورين ، ويدل قوله عليه الصلاة والسلام عنهم بلفظ : أُصَيْحابي ... على قلة عددهم رضوان الله تعالى عنهم مقياسا بكثرة عدد المنافقين لعنهم الله
ولو تمعنا في قول الصحابي الجليل أمين سر الوحي حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عندما سمع رجلاً يقول: اللهم أهلك المنافقين؛ فقال له رضي الله عنه
يا ابن أخي، لو هلك المنافقون لاستوحشتُم في طرقاتكم من قلة السالك
وما قوله رضي الله عنه ذاك الا لكثرتهم وقلة المؤمنين يومذاك, فكيف بهم اليوم في عالم الفتن والتحريض والتأليب والقتل للأبرياء وافساد معيشة العباد وتخريب البلاد؟
و عن الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قال الإمام البغدادي رحمه الله في كتابه الفَرْق بين الفِرَقِ
أجمع أهل السنة على أن الذين ارتدوا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- من كندة ، وحنيفة وفزارة ، وبني أسد ، وبني بكر بن وائل ، لم يكونوا من الأنصار ولا من المهاجرين قبل فتح مكة ، وإنما أطلق الشرع اسم المهاجرين على من هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل فتح مكة وأولئك بحمد الله ومنِّه درجوا على الدين القويم والصراط المستقيم
وقد أجمع أهل العلم في أولئك المبعدين يوم القيامة عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم , انما يشمل كل من أحدث في الدين من بعده صلى الله عليه وسلم الى أن تقوم الساعة , لقوله عليه الصلاة والسلام
الا انَّ كلَّ مُحدَثةٍ بدعةٍ, وكل بدعةٍ ضلالةٍ, وكلَّ ضلالة في النار
وعلى هذا فانّ الصحابة رضوان الله تعالى والذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بنزاهتهم , غير معنيين بذلك ان شاء الله تعالى
ولو ناقشنا قضية الابتداع في الدين , فالصحابة رضوان الله عنهم قد عُرف عنهم أنهم لم يبتدعوا في الدين , بل كانوا يحاربون كل من يبتدع , ولم يعرف عن الابتداع الا بعد انقضاء عصرهم رضوان الله تعالى عنهم , ودليل ذلك مارواه الامام مسلم رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم
النجوم أمنة السماء , فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحـابي أتى أمتـي مـا يوعدون
وقال الإمام النووي رحمه الله شارحا قوله عليه الصلاة والسلام: وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون : معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه ، وطلوع قرن الشيطان ، وظهور الروم وغيرهم عليهم ، وانتهاك مكة والمدينة وغير ذلك ، وهذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم
ودليل آخر على أن الصحابة كانوا يقاومون ويحاربون البدع , ما قاله ابن عمر رضي الله عنهما لمن أخبره عن مقالة القدرية : إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أنّ ابن عمر منهم بريء ، وهم منه برآء ثلاث مرات
وأيضا رأي ابن عباس رضي الله عنهما فيهم حيث قال: ما في الأرض قوم أبغض إلىَّ من أن يجيئوني فيخاصموني في القدر من القدرية
ونقل البغوي إجماع الصحابة وسائر السلف على معاداة أهل البدع فقال في كتابه شرح السنة المجلد الاول صفحة 194 : وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنن على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم
ولعلّ هذه الشواهد وهذه المواقف العظيمة التي وقفها الصحابة رضوان الله تعالى عنهم في وجه المبتدعين من أهل الردة والخوارج والقدرية تثبت صدق نيتهم، وقوة إيمانهم وتعففهم وزهدهم وورعهم , وعلى هذا وبمشيئة الله تعالى سيكونوا أول الواردين حوضه الشريف صلى الله عليه وسلم يوم القيامة
اللهم احشرنا برحمتك معهم تحت لواء سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وارحمنا برحمتك يوم تبعث عبادك واجعلنا من الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب, انك على ما تشاء قدير وبالاجابة جدير, وصلى اللهم وسلم وبارك على خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والله وحده اعلم بغيبه