دور الفلسفة وأهميتها في حياة الإنسان

دور الفلسفة وأهميتها في حياة الإنسان
السبت 23 أغسطس / آب 2014 - 12:10
د. جيلالي بوبكر
استاذ جامعي / الجزائر

تمهيد.
1- مفهوم الفلسفة
2- دور الفلسفة
أ‌- على المستوى الفردي الولد (الطفل) (التنشئة الفردية).
ب - على المستوى الاجتماعي (التنشئة الاجتماعية).
ج‌- على المستوى الإنساني (أنسنة الإنسان).
3- المشكلات التي تواجه الفلسفة
خاتمة
تمهيد:
تشتغل الفلسفة بحياة الإنسان برمتها، فهي فعل فكري يلازم جميع قضايا وجوانب الحياة الفردية والاجتماعية والإنسانية، فعل منهجه التأمل، تجتمع فيه الدراسة الشاملة والتحليل المنطقي العميق والنقد الدقيق، ومن جوانب اهتمام الفلسفة التربية. وإذا كان "الإنسان لا يمكن أن يصير إنساناً حقّـاً إلاّ بالتربية، إنّه ما تصنع منه التربية" على حدّ قول "إيمانويل كانط" ولا يمكن أن يحيا إنسانيته في أقصى مداها إلاّ بممارسة التفلسف، فإنّ أهمية التربية من أهمية الفلسفة وأهمية الفلسفة من أهمية التربية.
الأسئلة التي تطرحها وتناقشها المداخلة هي كالتالي: ما هي الفلسفة؟ ما دورها في حياة الإنسان؟
ما هي المشكلات التي تواجهها
1. تعريف الفلسفة:
أ‌- المعنى اللّغوي:
كلمة فلسفة مشتقة من اللّغة اليونانية. أصلها فيلاصوفيا ومعناها محبة الحكمة.
يقول الفارابي في المعنى اللغوي لكلمة فلسفة : "إسم الفلسفة يوناني وهو دخيل في العربية وهو على مذهب لسانهم مركب من فيلاوصوفيا. ففيلا الإيثار وصوفيا الحكمة ".
الحكمة تعني إدراك الحق والصدق في القول والعمل، والمعرفة العميقة الواسعة بحقائق الأمور والعمل بما يتلائم مع هذه المعرفة طلباً لأقصى درجات الكمال.
يُعتبر فيثاغوراس أول من استخدم لفظ فيلسوف بمعنى محب للحكمة وردّ اسم حكيم لأن الحكيم هو الله. ويكفي أن يكون الإنسان محباً للحكمة ساعياً وراءها.
ب‌- المعنى الاصطلاحي:
لا يوجد تعريف واحد للفلسفة يتفق عليه الفلاسفة قديما وفي العصر الحديث بل كل واحد يعرّف الفلسفة حسب مذهبه.
1- تعريف أرسطو: "هي العلم النظري بالمبادئ والأسباب الأولى، وهي العلم الكلي الذي يشمل العلوم الأخرى ويعلوها ". وعرّفها "علم الموجود بما هو موجود " أو "العلم بالأسباب الأولى".
2- تعريف ابن رشد: "فعل الفلسفة ليس شيئاً أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع. أي من جهة ما هي مصنوعات، فإنّ الموجودات، إنما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها وأنّه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم، وكان الشرع قد ندب إلى اعتبار الموجودات وحث على ذلك... في مثل قوله تعالى : "فاعتبروا يا أولي الأبصار".
3- كل إنسان مدفوع إلى ممارسة التفلسف عندما تعترضه مشكلات تثير فضوله المعرفي فيُـقـبـِلُ على النظر فيها وتحليلها ومعالجتها وتحليل الأشياء لإدراك مكوناتها وعللها القصوى. ومنهج فعل التفلسف والفلسفة هو التأمل العقلي والتحليل المنطقي للوقائع والمشكلات على أساس الشك والحس الإشكالي والنقد البنّاء للمواقف والآراء والرغبة في المعرفة والبحث عنها باستمرار.
4- التفلسف هو شرط قيام الفلسفة، وهو نمط متميّز من التفكير منصب على المنتوج الثقافي يدرسه ويحلله وينقده لأجل تطويره، منهجه التأمل وسبيل هذا المنهج هي المشكلة والبرهنة. والهدف من التفلسف هو طلب أقصى ما يمكن من الوضوح والدقة لبلوغ الحقيقة القصوى التي يطلبها العقل بمبادئه ومعاييره الصارمة في تأمله في الوجود الطبيعي والإنساني والماورائي.
الفلسفة تتميّز بكونها فعلاً فكرياً تأملياً عقلياً شاملاً حول الوجود الطبيعي والإنساني والماورائي، الوجود المحسوس والوجود المعقول، العالم المادي والعالم الروحي. يقوم هذا الفعل على الحس الإشكالي والتحليل المنطقي العميق، والنقد البنّاء من أجل الوصول إلى الحقائق الكليّة والعلل البعيدة للوجود بمختلف أصنافه.
الفلسفة فعل عقلي منهجه التأمل في الوجود المحسوس والمعقول، في العالم المادي والماورائي بغية معرفة العلل والأسباب البعيدة بالاعتماد على الشك والتحليل المنطقي العميق والنقد وغيرها في إطار أسلوب المشكلة والصورنه والبرهنة طلبا لأقصى ما يمكن من الوضوح والدقّة في المعرفة.
2- دور الفلسفة في حياة الإنسان :
تقوم الفلسفة بدور كبير في حياة الإنسان على عدة مستويات، المستوى الفردي أي الولد أو الطفل وعلى المستوى الاجتماعي أي التنشئة الاجتماعية، وعلى المستوى الإنساني أي أنسنة الإنسان.
ب- على المستوى الفردي: (التنشئة الفردية).
1- تقوم الفلسفة في مراحل التعليم الثانوي والجامعي بتنمية جملة من المهارات والقدرات لدى المتعلم.
2- تعمل على تقوية وتعزيز السلوك العقلاني المنظم في الحياة الفكرية والنفسية والدراسية والاجتماعية للمتعلم (التزود بالروح العلمية والفلسفية).
3- تسمح بامتلاك الثقافة العلمية والفلسفية والقدرة على التعبير الدقيق، واليقظة الفكرية والصرامة المنطقية، والمراقبة الذاتية خلال التفكير والتعبير، والحوار الفلسفي.
4- تنمية القدرة على المشكلة والصورنة والبرهنة.
5- تنمية القدرة على القراءة والفهم والتعبير والاستدلال الصحيح.
6- تنمية القدرة على التحليل والتركيب والتصنيف والتنظيم والتعليل. (مهارات فكرية ومنهجية).
7- تنمية القدرة على النقد وإصدار الأحكام واتخاذ المواقف.
8- تنمية وعي المتعلم لذاته ولمحيطه.
ب- على المستوى الاجتماعي: (التنشئة الاجتماعية).
1- تزود الفلسفة المجتمع بأصول ومبادئ وغايات النظام الاجتماعي الذي يحكمه ويحكم الحياة الاجتماعية فيه.
2- تزود المجتمع بأصول ومبادئ وغايات النظام التربوي أي فلسفة التربية في المجتمع.
3- تستمد المنظومة التربوية التي تتكون من الأسرة والمدرسة والمجتمع مادتها ومناهجها وغاياتها ومبادئها وأهدافها من فلسفة المجتمع وفلسفة حياته عامة.
4- تقوم بدور التنشئة الاجتماعية لأفراد المجتمع من خلال تربية الطفل وتثقيف الفرد باستمرار فيـعي الفرد وجوده الذاتـي والاجتماعي معـاً.
5- تُـعرّف الفرد في وطنه على الأصول الفلسفية للثوابت الوطنية.
6- تقوم بتوعية التلميذ والمتعلم بحقوقه وواجباته في المجتمع خاصة واجبات المواطنة وتنظم المجتمع.
7- تمكن الفرد من التكيف والمساهمة الفعّـالة في تغيير المجتمع، لأن أي تغيير في المجتمع مبني على أسس فلسفية.
8- تمكّـن الفرد من الحرص على تمثل قيم ونظام المجتمع دون إعاقة المبادرة إلى النقد وإلى التجديد باستمرار.
ج. على المستوى الإنسانـي : (أنسنة الإنسان).
1- التعرف على التراث الفلسفي الإنساني والتجاوب معه.
2- التوعية بمبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وتمثلها والدفاع عنها.
3- التعرف على الصراع الثقافي والايديولوجي السائد في العالم والتعاطي معه بإيجابية.
4- التعرف على النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأبعادها.
5- الإيمان بالمثل والقيم العليا وتمثلها والدفاع عنها مثل الحرية والعدل والحق والتسامح...الخ.
6- التمكين من اكتشاف سبل الحق والالتزام بالسير فيها واكتشاف مزالق الشر والباطل واجتنابها.
7- احتواء العنف الفكري وتوجيهه إلى ما فيه صلاح الفرد وصلاح المجتمع وصلاح الإنسانية.
8- تمثل قيّم التسامح الفكري والديني والحضاري عامة واعتماد أسلوب الحوار في التعامل مع الآخر اجتماعياً وإنسانياً.

3- المشكلات التي تواجه الفلسفة
تواجه الفلسفة مشكلتين كبيرتين وخطيرتين والواحدة منهما متصلة بالأخرى هما مشكلة الأمية والجهل الفلسفيين ومشكلة العزوف عن الفلسفة خاصة في العالم الثالث والعالم العربي والإسلامي جزء منه.
*مشكلة الجهل والأمية الفلسفتين التي يعاني منها الإنسان في عصرنا خاصة الإنسان في العالم الثالث والعالم العربي والإسلامي، فعامة الناس تجهل تماما حقيقة الفلسفة من حيث أصولها وموضوعاتها ومناهجها وأهدافها، وعموم الناس يمارسونها يوميا في تساؤلاتهم وحواراتهم ونقاشاتهم تحليلاتهم، وكذلك يعاني المشتغلون بالعلوم والفنون التكنولوجيا من جهلهم بالفلسفة وبقيمتها، الأمر الذي أدّى إلى الإعراض والعزوف عنها من طرف أفراد المجتمع عامة ومن طرف طلبة العلم والمعرفة بصفة خاصة.
*مشكلة العزوف عن الفلسفة ووصفها بالأوصاف التالية:
- مبتورة الصلة بالواقع المعاش، وأن الفيلسوف يعيش دائما منعزلاً في برجه العاجي بعيداً عن الناس وعن المجتمع.
- عديمة الجدوى في الحياة العملية، لأنها تعبير عن شيء غامض، لا سبيل إلي فهمه، ولا جدوى من الاشتغال به، ومن ثم فإن الاشتغال بها جهد ضائع، وإنهاك للفكر فيما لا طائل من ورائه.
- معقدة وصعبة وعسيرة على الفهم ومن العبث محاولة فهمها لأنّها لا تقول كلاماً سهلاً.
- غارقة في التجريد الذي لا جدوى منه.
- أقوال متضاربة ومذاهب متعددة متناقضة يحاول كل منها تفنيد المذهب الأخر، أو السابق عليه.
- تشكل خطراً على الدين وعلى العقائد الإيمانية ، وأنها كثيراً ما تؤدي دراستها إلي زعزعة الإيمان في النفوس ، وتبذر بذرة الشك والإلحاد.
- الفلسفة لا تساوي العلم في اليقين.
لكننا نجد كل اعتراض عن الفلسفة بأي نعت من النعوت المذكورة هو ذاته فلسفة بالمعنى العام الواسع أو بالمعنى الخاص الضيق، لكونه ينمّ عن تساؤل مرتبط باهتمام الإنسان وبحاجته إلى الأمن الفكري والنفسي مثلما هو بحاجة إلى الأمن البيولوجي، وكل اعتراض عن الفلسفة بأي مبرر أو اتهام له ما يردّه بالحجة والبرهان ويثبت العكس بالاعتماد على المنطق والواقع والتاريخ.
خاتمة
الفلسفة ضرورية في حياة الإنسان في المستوى الفردي وفي المستوى الاجتماعي وفي المستوى الأممي الإنساني وفي المستوى الفكري والعلمي والثقافي والحضاري
- الفلسفة ظاهرة فطرية طبيعية في الإنسان
ليست الفلسفة ـ في واقع الأمر ـ بالشيء الدخيل على الإنسان، لأن حياته عبارة عن حلقات متصلة من الفكر والتأمل. ولن نستطيع ـ حتى إذا أردنا ـ أن نجعل عقولنا تكف عن التفلسف ، لأننا إن فعلنا ذلك نكون كمن يكلف الأشياء ضد طبيعتها، أو كمن يحاول أن يمنع الحياة من الحركة والنشاط .
- الفلسفة ضرورية لفهم طبيعة الإنسان
من هنا تأتي أهمية الفلسفة لتقوم بمهمة هذا الربط بين نتائج العلوم المختلفة لاكتشاف الحقائق الكلية في الكون والتي تقصر العلوم الجزئية عن بلوغها ومنها الطبيعة الإنسانية. إن سقراط عندما قال مقولته الشهيرة "أيّها الإنسان اعرف نفسك بنفسك." قد قصد هذا المعنى ، قصد الكشف عن حقيقة أن الإنسان لن يتمكن من معرفة نفسه إلا من خلال الفلسفة ، ومن ثم أثر سقراط أن يدفع حياته ثمناً لهذه المعرفة، لأنه وجدها تساوي الحياة نفسها.
- الفلسفة ضرورية لقيام العلوم نفسها
إن المناهج العلمية اليوم في حاجة ماسة إلي فروض فلسفية لكي تقوم لها قائمة أصلاً مثل الإيمان بمبدأ العلة، وبساطة الطبيعة ومعقوليتها. وكل علم يعتمد على طائفة من المعاني الأولية التي تعد أساساً له، فالعلوم الرياضية مثلا تعتمد على معاني الوحدة واللانهائي والنهائي وغيرها من فروض فلسفية. والعلوم الطبيعية تعتمد على معاني المادة والقانون والعلة والقوة والحركة إلي أخره ، والعلوم الإنسانية في حاجة إلي معاني جوهر الإنسان وأصله ومصيره ، وما تقرر له من حقوق وما يفرض عليه من واجبات، والفلسفة هي التي تكشف عن هذه المعاني حقيقتها وقيمتها. والجانب الثاني لأهمية الفلسفة للعلم أنها هي التي تكشف للعلم عن طبيعة العقل الذي هو أداة من أدواته التي يستعين بها على ضبط المشاهدات والتجارب .
- الفلسفة ضرورية لنهضة وتنوير الأمة
لما كانت الفلسفة تعمقاً في المعرفة والبحث للوصول إلي حائق الحياة العليا، وعللها الأولي ، أي تنظر إلي الوجود نظرة إجمالية عامة ، فإنها الأقدر على الأخذ بيد المجتمع نحو الرقي والتمدن ، لذلك كانت الفلسفة في كافة العصور القاطرة التي تسحب المجتمع بأسره من خلفها نحو التقدم والحضارة . ومن هنا جاءت أهميتها العظيمة التي نشدد عليها. إن إنسان العصر الحديث ربما كان أحوج اليوم إلي الفلسفة منه إلي أي شيء أخر:فقد أصبحت حياته الروحية أثراً بعد عين، بسبب انهماكه في مشاغل العيش وهموم المادة. لأن التفلسف جهد إرادي يرمي غلي تعمق الذات، عن طريق الارتداد إلي تلك الأغوار السحيقة التي يشعر المرء بإنيته فيها. وحين ينعكس الفكر على ذاته فإنه قد يشعر بما في وجوده من تصدع ونقص وتناه، عندئذ ينكشف أمامه "المتعالي" بوصفه تلك الحقيقة التي هي الأصل الذي صدرت حريته ووجوده على السواء. وبهذا المعنى قد يصح أن نقول إن التفلسف يعلمنا كيف نحيا، ولكنه يعلمنا أيضا كيف نموت: لأنه إذ يكشف لنا عما في الوجود الزمني من جزع ومخاطرة وعدم اطمئنان، فإنه يظهرنا على أن الحياة إن هي إلا محاولة ، وأن الموجود البشري إن هو إلا سالك أو عابر سبيل.
الفلسفة بصفة عامة تساهم في بناء الإنسان عقلياً ونفسياً واجتماعياً وخلقياً ودينياً، وتساهم في بناء المجتمع وفي تطويره وازدهاره، وتساهم في أنسنة الإنسان ليحيا الإنسانية في أبعــد مداها في ذاتـه وفي محيطـه باستمرار.
قائمة المراجع:
1- أوليفي ربول:فلسفة التربية، ترجمة جهاد نعمان، منشورات عويدات، باريس/بيروت،ط1، 1978.
2- محمد لبيب النجيحي، دار النهضة العربية، 1981م.
3- عبد الرحمن بدوي: فلسفة الدين والتربية عند كانط، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1980.
4- منير مورسي : أصول التربية الثقافية والفلسفية، عالم الكتب، القاهرة، 1977م.
5- التومي الشيباني : تطور النظريات والأفكار التربوية، دارالثقافة، بيروت، ط2، 1975م.
6- رونيه ويبر : التربية العامة، ترجمة عبد الله عبد الدايم، دارالعلم للملايين، بيروت، ط3، 1977م.
7- تركي رابح : أصول التربية والتعليم، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، بدون طبعة، 1984م.
8- تركي رابح : مناهج البحث في علوم التربية وعلم النفس، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، بدون طبعة، 1982م.
9- جميل صيليا : مستقبل التربية في العالم العربي، منشورات عويدات، بيروت، الطبعة الثانية، 1967م.
10- محجوب بن ميلاد : في شؤون التربية، دار النشر، بوسلامة، تونس، بدون طبعة وبدون سنة.
11- J. LEIF et A.Blancherie, Delagrave Tome 3. Philosophie de l’éducation.
12- Introduction aux Sciences de ²l’éducation. G.Nialart. Unesco. Delachaux et Nieslet 1985.

الدكتور جيلالي بوبكر
 
عودة
أعلى