التخفيف في الصلاة

mohamadamin

حكيم المنتدى
بسم الله الرحمن الرحيم
.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة
للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فمن حكمة الله – جل وعلا – أن شرع للناس صلاة الجماعة؛ ليزداد أجر المصلين، ويتآلفوا فيما بينهم، ويشعروا بالوحدة والقوة، كما جاء في الحديث عن ابن عمر – رضي الله عنهما – : عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعاً وعشرين).
.
ولكن الناس باختلافهم ومشاغلهم المتنوعة وتباطئ الآئمة في رفعة الصلاة بطريقة ملفة للنظر والتعمد بعدم التخفيف فيها قد تثقل على الناس الجماعة في المسجد، والتأخر حتى تنقضي، فيميلون نحو أدائها فرادى، أو في غير المسجد، وحينها يذهب المقصود الشرعي من الجماعة، غير أن هذا الدين مكتمل البناء، لا يبني أمراً نقيض آخر، ولا يقول قولاً معارضاً لقول – حاشاه – .
.
فتخيل معي صلاة الفجر .. فأنا راقبت الزمن بين الآذان وإقامة الصلاة فوجدته حوالي 40 دقيقة وركعتي الفجر في عشرة دقائق أي أن صلاة الفجر حوالي 50 دقيقة ! … فهل الصلاة هي التي تنتظر المُصليين أم أن المًصليين هم الذين ينتظروا الصلاة ؟!
.
فمن واجب الأمة – جماعات وأفراداً، أئمة ومأمومين – التيسير والتبشير، والبعد عن التنفير مهما كان الأمر، لا سيما في شعائر الله، ومقاصد الشريعة، فهي أحق بأن تهوَّن للناس، فيقَرَّبون إليها، فلا يحسن التنفير عن العبادة في أي حال – ولو كان على سبيل الاجتهاد في العبادة -.
.
ففي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت الصحابة تُصلي الفجر وتمكث في المسجد إلى شروق الشمس ثم يذهبوا إلى أعمالهم حتى صلاة الظهر ، ولكن في زمننا هذا الوضع يختلف حيث أن الناس تقوم لصلاة الفجر ثم تعود للنوم مرة أخرى لأن أعمالهم تبدأ من الساعة 8 صباحاً … فهل يُعقل أن يستيقظ الرجل لمدة ساعة حتى يُصلي ركعتي الفجر ؟!
.
لقد حول الآئمة صلاة الفجر بالمساجد لصلاة أصحاب المعاشات فقط ، وكل هذا بسبب الإطالة في الصلاة دون أي داعي .
.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإنه منهم الضعيف، والسقيم، والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)
.
ولكن دائماً نجد الآئمة في المساجد تنادي المسلمين بالسعي لصلاة الجماعة وتحميلهم المسؤولية الأولى في قلة عدد المصليين في المساجد.
.
ولكن للأسف هؤلاء الآئمة ينظرون لهذه النقطة من جهة واحدة وهي تقصير المسلمين في تأدية الصلاة في المسجد ، ولكنهم إلى الآن يظنون أنهم على صواب وباقي المسلمين على خطأ .
.
وقد تناسوا بأن المرجع في ضابط التخفيف في الصلاة هو السنة النبوية، وليس الأمر متروكا ً لرغبات المأمومين، ولا لأهوائهم، ولا لأفعال أئمة المساجد، فإن الرغبات والأهواء لا تنتهي؛ لأن التخفيف أمر نسبي، ليس له حدٌّ في اللغة ولا في العرف، فهو أمر يختلف باختلاف عادات الناس، لذا وجب البحث عما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
.
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
.
قرر أهل العلم أن السنة في حق الإمام أن يخفف في الصلاة اعتماداً على حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم.
.
قال الإمام الترمذي: [وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وهو قول أكثر أهل العلم اختاروا أن لا يطيل الإمام الصلاة مخافة المشقة على الضعيف والكبير والمريض] سنن الترمذي 1/462.
.
وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على التخفيف منها: عن أبي مسعود رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأتخلف عن صلاة الصبح مما يطول بنا فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن منكم منفرين فأيكم أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الكبير والسقيم وذا الحاجة) رواه البخاري ومسلم.
.
وعن جابر رضي الله عنه قال: أقبل رجل بناضحين له – الناضح الجمل الذي يسقى عليه – وقد جنح الليل فوافق معاذ بن جبل يصلى المغرب، فترك ناضحيه وأقبل إلى معاذ ليصلي معه، فقرأ معاذ البقرة، أو النساء فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذاً نال منه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أفاتن أنت، أو قال أفتان أنت ثلاث مرار. فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى فإنه يصلى وراءك الكبير، وذو الحاجة والضعيف) رواه البخاري.
.
وأخرج أحمد عن بريدة أن معاذاً بن جبل صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ فيها { اقتربت الساعة } فقام رجل من قبل أن يفرغ فصلى وذهب، فقال له معاذ قولاً شديداً فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فاعتذر إليه فقال: إني كنت أعمل في نخل وخفت على الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” صلي بالشمس وضحاها ونحوها من السور “.
.
وأخرج النسائي عن جابر قال: صلى معاذ المغرب فقرأ البقرة والنساء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” أفتان أنت يا معاذ، أما يكفيك أن تقرأ { والسماء والطارق } { والشمس وضحاها } [الشمس: 1] ونحو هذا؟“.
.
و في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء».
.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
النبي-صلى الله عليه وسلم-أرشد الأئمة إلى أن يرفقوا بالناس، فقال: (أيكم أم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة)، فالواجب على الإمام أن ينظر في الأمر وألا يشق على الناس، والقدوة هو النبي-صلى الله عليه وسلم-في أفعاله كلها، لقول الله-سبحانه-: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)، فكان-عليه الصلاة والسلام- يصلي صلاة وسطاً ليس فيها إطالة تشق على الناس، فالواجب على الأئمة أن يتأسوا به-صلى الله عليه وسلم-, وأن يقتدوا به في الصلوات الخمس كلها حتى لا يفتنوا الناس وحتى لا يشجعوهم على ترك الصلاة في الجماعة، فإذا صلى صلاة وسطاً ليس فيها مشقة على الناس اجتمع الناس وصلوا جماعة ورغبوا في الصلاة وتواصوا بأدائها في المساجد، ولهذا في اللفظ الآخر: (أيها الناس إن منكم منفرين)، يعني منفرين من الصلاة في الجماعة، (فأيكم أم الناس فليخفف)، ولهذا قال النبي لمعاذ: (أفتان أنت يا معاذ؟), وقال بعدها: (هلا قرأت بسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى, والشمس وضحاها، واقرأ باسم ربك).
.
وعلى الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية وصلاها بسورة (ق) وصلاها بـ (الروم) إلا أنه عندما علم أن أحد الصحابة كان يحاول أن يتشابه بصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم غضب الرسول وقال :” أفتان أنت يا معاذ، أما يكفيك أن تقرأ { والسماء والطارق } { والشمس وضحاها } [الشمس: 1] ونحو هذا؟“… وبل زاد في قوله : (إن منكم منفرين) .
.
فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يكتفي بتوجيه الآئمة بالتخفيف بالصلاة بل أوضح لهم السور التي يمكن أن تقرأ في الصلوات لتخفيف على المصليين ، ولكن للأسف الآئمة تتجاهل كلام النبي-صلى الله عليه وسلم-الذي أرشدهم إلى أن يرفقوا بالناس، ولم يشق عليهم، فيسَّر لهم الأمر، وأمر الأئمة أن ييسروا على الناس، (فمن صلى بالناس فليخفف)، لئلا ينفروا عن الدين… لكن الآئمة تتحدى المصليين ولا تطبق آوامر الرسول .

.
وبهذا يتضح لنا الآتي :
.
1- حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على إرشاد أمته، ومعالجة الخطأ بطريقة الإقناع كأن يذكر سبب أمره وحكمته، (فإنه منهم الضعيف، والسقيم، والكبير). ولا بد من مراعاة أحوالهم جميعاً، والرفق بهم فسبحان القائل: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) سورة التوبة.

2- نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن التثقيل على الأمة، ومنه: المشقة تجلب التيسير.

3- مراعاة أحوال الضعفاء وذوي الحاجة، وكبار السن، وأهل الضرورات بقراءة قصار السور.

4- من صلى منفرداً فله أن يطول ما شاء.

.
وهكذا كل مسألة فيها مشقة وعسر لا بد من التيسير فيها، والتخفيف؛ لأن ذلك من مقاصد الشريعة الحنيفية السمحة.
.
فالواجب على الأئمة أن يتأسوا به-صلى الله عليه وسلم-, وأن يقتدوا به في الصلوات الخمس كلها حتى لا يفتنوا الناس وحتى لا يشجعوهم على ترك الصلاة في الجماعة، فإذا صلى صلاة وسطاً ليس فيها مشقة على الناس اجتمع الناس وصلوا جماعة ورغبوا في الصلاة وتواصوا بأدائها في المساجد.
.
إذاً فالأصل في إمامة الناس التخفيف لجذب قلوبهم وإعانتهم على الصلاة، بدلاً من تنفيرهم عن المساجد.. لكن هناك حالات يسن فيها إطالة القراءة في الصلاة قليلاً، كقراءة سورة السجدة في الركعة الأولى في صلاة فجر يوم الجمعة، وسورة الإنسان في الركعة الثانية منها، وكذا الإطالة في الصلوات النافلة كصلاة التراويح، إذا كان المأمومون يرغبون وينشطون ذلك، وإلا فالأصل التخفيف على الناس، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر معاذاً وغيره بالتخفيف على الناس وهم في عهد الرسالة والوحي ومشاهدة الآيات الحية الصادقة على قوة الدين وصدق الرسالة فكيف بنا في زمن ضعف الهمة في أمور الدين، وقلة الخشوع أو عدمه! فينبغي للأئمة مراعاة أحوال الناس كافة، فإنما فُرض في الصلاة من القرآن سورة الفاتحة وما عداها فهو سنة…
.
ملحوظة : هذا الموضوع موجه للأفراد التي تنصب نفسها إمام على المُصليين بدون علم أو شهادة تؤهلهم لذلك

.
أسأل الله الهداية للجميع
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
عودة
أعلى