العلمانيون العرب وموقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم

mohamadamin

حكيم المنتدى
قامت العلمانية كفكرة على معاداة الأديان, فكانت مشكلتها الأولى هي محاربة النقل بالعقل ومحاولة تقديم الحكم العقلي على ما عداه من نصوص, ولذا صبت جام غضبها على الرسل بشكل عام نظرا لما جاءوا به من الوحي الإلهي وحاولوا نزع القداسة من شخصيات الرسل عليهم الصلاة والسلام وتعمد انتقاصهم في مواطن عدة لا لشيء إلا لكي يسهل عليهم الطعن في الوحي المنزل من عند الله.
ويختل موقف العلمانيين العرب قليلا عن العلمانيين الغربيين, حيث مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين اكبر من مكانة الأنبياء الآخرين عند الغربيين الذين لا يعرفون قداسة لأنبيائهم من الأساس, فكان تعامل العلمانيين العرب حذرا جدا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع قضية الوحي بصفة عامة لحساسية القضية ولمحاولة تجنب النقد اللاذع إن تحدثوا بكل ما يعتقدون.
قضية الوحي
بدأت طعونهم في تعريف الوحي الإلهي للأنبياء وتصويره على انه نوع من الصوت الباطني الذي يسمعه النبي نتيجة عملية الاختزان الذهني والاستغراق الروحي, فيقول الطيب تريزي [1]: "وجدير بالذكر أن السنوات التي قضاها مترددا على غار حراء كانت هامة بالنسبة إلى تحقيق عملية اختزان ذهني كبير أسهمت في بلورة شخصيته الثقافية جعلت من الانتقال إلى حلقة نوعية جديدة أمرا محتملا وهذا ما يضعنا بحسب أصحاب التحليل النفسي وجها لوجه امام ما يرونه من أن الصوت الذي يوحي للإنسان في حالة الاستغراق الروحي الذاتي هو ظاهرة تنحدر من خافية الإنسان أو وعيه الباطن" [2]
وهنا واحد من العلمانيين العرب ينفي وجود وحي من الأساس فلا تكليف الهي ولا جبريل ولا رسول وما الأمر كله –في نظر العمانيين– إلا مجرد حديث نفسي باطني نتج عن حالة من الاستغراق الفكري, وهنا يخرج المفهوم العلماني عن فكرة فصل الدين عن الدولة إلى مفهوم آخر اخطر وهو إبطال للدين كله فلا رسول ولا رسالة.
أما حسن حنفي فالوحي عنده "قابل للتغيير والتبديل وخاضع أيضا للتحريف والتزييف" وعليه فانه –عند حسن حنفي أيضا- "لا يجوز تصديق الأنبياء في الأمور النظرية لأنهم جهلوا أشياء كثيرة, وكثير من أقوالهم تناقش العلم", ومن هنا يستدل بأنه "لا يجوز تصديقهم في غاية الوحي وجوهره" [3]
صفات النبي:
قد يضطر كثير ممن يتحدث من العلمانيين عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر صفاته الكريمة والعظيمة لا من منطلق انه نبي بل من منطلق مادي بحت فهو عند أكثرهم زعيم سياسي ومصلح اجتماعي وقائد حربي وصاحب مشروع حضاري وعالم اقتصادي لكن مع الإصرار على عدم الحديث عنه كنبي مرسل من عند الله.
فيقول تيزيني في وصفه للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان "مثقفا مطلعا كبيرا على الأديان والأفكار الدينية الأخرى" [4], وفي موضع آخر يصفه بكونه "استاذا محاضرا من طراز مرموق" [5].
أما محمد اركون فكان يعتبر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا تختلف عن أي سيرة عادية لغيره من البشر, ثم يدعي أن "الأجيال المتعاقبة هي التي حولت سيرته إلى صورة أسطورية فتحول تدريجيا إلى شخصية رمزية مثالية فوق تاريخية عن طريق عمليات التحوير والتضخيم الأسطوري الذي قامت به سيرة ابن إسحاق وابن هشام"[6], وبمثل درجة هجوم اركون على كتابي السيرة امتدح دوما كتب المستشرقين التي شوهت السيرة النبوية ووصفها بأنها "أبحاث جديدة وغزيرة ومبتكرة وأنها أبحاث علمية وريادية..." [7] .
وكذلك كان نصر أبو زيد يتحدث عن النبوة بأنها شئ تخيلي بحت ولا وجود لها حقيقة, ويصُف الأنبياء في مصاف الشعراء والعرافين فيقول "إن الأنبياء والشعراء والعرافين قادرون دون غيرهم على استخدام فاعلية المخيلة في اليقظة والنوم على السواء"[8].
الأنبياء ونفع البشرية
لا يرى العلمانيون العرب أن وجود الأنبياء قد نفع البشرية بشئ, فيقول القمني "يبدو أن الشيخ زغلول النجار ورفاقه لا يلتفتون إلى أن كل معجزات الأنبياء السابقين لم تخدم البشرية بشيء, فالريح التي سخرها الله لحمل بساط الريح السليماني لم تخدم البشرية بشيئ وجن سليمان بكل حشدهم لم يقوموا بإنتاج مصل مضاد لأي مرض ولم يقيموا مصنع للطائرات ولم يقم المسيح بتعليم تلاميذه كيفية شفاء المرضى توفيرا لوقت طويل لألفي عام بعده" [9].
أما حسن حنفي فيرى أن الأنبياء لم ينفعوا البشرية فحسب بل يرى أن وجودهم اضر بالبشرية, فقال: "دفع الأنبياء الناس إلى التطرف بلا من تقويمهم, في حين استطاع الملوك استمالتهم دون أدنى مقاومة, لم يتسامح الأنبياء معهم حتى مع أكير لملوك إيمانا إذا كان سلوكهم مناقضا للدين, ويعيد.. الأنبياء اضروا بالدين أكثر مما نفعوه" [10]
ويقول علماني أمازيغي يدعي أحمد عصيد: "إنه لا يجب تدريس التلاميذ في الثانوي رسالة النبي محمد التي أرسلها لملوك و حكام ذلك العصر، يدعوهم فيها للإسلام و تبتدئ بعبارة أسلم تسلم لأنها رسالة إرهابية تهديدية" , مضيفا "فالرسالة التي تدرس في المقرر لتلامذتنا وهم في سن الـ16 هي في الحقيقة رسالة إرهابية، لأنها ترتبط بسياق كان الإسلام ينتشر فيه بالسيف والعنف، أما اليوم فقد أصبح المعتقد اختيارا شخصيا حرا للأفراد، ولا يمكن أن تدرس للتلميذ رسالة تقول إما أن تسلم وإلا أنك ستموت ، وتدرس على أنها من القيم العليا للإسلام".
طبيعة النبي صلى الله عليه وسلم
لا يزيد النبي صلى الله عليه وسلم عندهم عن كونه زعيما سياسيا عربيا قرشيا أفرزته الأوضاع القبلية والظروف البيئية التي كانت تحكم العرب آنذاك فيقول القمني: "لما أراد بعض زعماء العرب تحقيق حلمهم الوحدوي رأوا انه لا يمكن أن يتم لهم أمر إلا بنبي مثل داود, وعندما وصلوا إلى هذا فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب واخذوا يستعدون للتوطئة للعظيم الآتي" [11] .
إن التصور الذي عرفناه عن العلمانية أنها تدعو إلى فصل الدين عن الدولة هو تصور قديم لا يصح وصفها به بل التصور الذي يمكن قبوله بعد متابعة الكتاب العلمانيين العرب هو أنها تعني إنكار الدين كاملا وإسقاط الوحي تماما والطعن في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عموما وفي النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام خصوصا, فلا وحي عندهم ولا نبوة ولا رسالة وأنها كلها ليست إلا أوهاما وتخيلات نفسية وان الكرة التي قام عليها الإسلام هي فكرة عصبية قبلية سخرت الفكرة الدينية لكي تجمع حولها أنصارا واستغلت الصراع الطبقي وضمت لها الطبقات الفقيرة السهلة الانقياد لتجعل منهم وقودا لنجاحها.
إن هذه هي الفكرة العامة التي لا يصرح بها الكثيرون من العلمانيين, ويغلفها بعضهم بأغلفة براقة خادعة, وقد لا يستطيع أكثرهم أن يقولوها في الأندية العامة أو المقالات الصحفية فيملئون بها كتبا يعلمون أن الكثيرين لا يقرؤونها لكنها تمثل الرؤية العامة لهم والعقيدة التي يدينون بها.
ـــــــــــــــ
[1] فيلسوف وباحث سوري ولد في مدينة حمص السورية عام 1934
[2] كتاب مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر , للطيب تريزي
[3] في المقدمة التي كتبها حسن حنفي لرسالة اسبينوزا " اللاهوت والسياسة " ص 50
[4] مقدمات أولية ص 410
[5] المصدر نفسه ص 411
[6] نحو نقد العقل الإسلامي – محمد اركون ص 78
[7] المصدر نفسه ص 113
[8] مفهوم النص - دراسة في علوم القرآن – نصر حامد أبو زيد ص 49
[9] أهل الدين والديمقراطية – سيد القمني ص 32
[10] في المقدمة التي كتبها حسن حنفي لرسالة اسبينوزا " اللاهوت والسياسة " 96
[11] الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية – سيد القمني ص
 
  • Like
التفاعلات: mann1
عودة
أعلى