مصدر التلقي عند عمر بن الخطاب

mohamadamin

حكيم المنتدى
روى الإمام أحمد في مسنده والدارمي في سننه -رحمهما الله- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: {أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخة من التوراة، فقال: يا رسول الله! هذه نسخة من التوراة، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عمر يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمعر ويتغير، فقال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: ثكلتك الثواكل يا بن الخطاب ! ألا ترى ما لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! -وفي رواية- أن عبد الله بن زيد قال: أمسخ الله عقلك! ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فقال صلى الله عليه وسلم: أمُتَهَوِّكون فيها يا بن الخطاب ؟! ألَمْ آتِكم بها بيضاء نقية؟ والذي نفسي بيده! لو بدا لكم موسى فتبعتموه وتركتموني لضللتم سواء السبيل، والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني}.لقد كان درساً عظيماً بليغاً للصحابة ومن بعدهم، فحواه:عُد إلى الروضة إن الغيث يهمي في روابيها ويكسوها جمالا
تربية النبي صلى الله عليه وسلم للجيل الأول
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يربي جيلاً خالص القلب والعقل والتطور والشعور.. خالص التكوين من أي مؤثر غير المنهج الإلهي الذي تضمنه القرآن الكريم، كيف وهو القائل صلوات الله وسلامه عليه: {تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وسنتي}.ولما اختلطت الينابيع، وشيبت -معشر الإخوة- والتفت الجيل إلى غير ذلك النبع الصافي، انحط وسقط وخار وبار، وصار كالحيوان الأعجم يقع على الجواهر فيدوسها برجله، لا يعلم إلا أنها من جنس ما يُداس؛ لأنها لا تؤكل، فظهرت فئة مزورة لا صلة لها بذلك النبع إلا بما لا كف لها في اسمها ولقبها، فئة ترى أنه لا نجاة للمسلمين إلا بالالتفات عن ذلك، والانغماس في ثقافة الكافر من غير قيد ولا تحفظ..تعمل لهذا جاهدة، يُسِرُّ المسر منهم كيداً، ويُعْلِن المعلن منهم ذلك وقاحةً.. يتهارشون على وأد ذلك النبع الصافي وتجفيفه، مُجْلِبين بألسنتهم وأقلامهم، أُتْخِموا من تلك الينابيع، ثم شرعوا يتقيئونها في أذهان الجيل؛ بحجة التطوير والرقي والسمو زعموا! تعرف ذلك منهم في لحن القول، وفي مظهر العمل، وفي إدارة الكلام، يتخلل أحدُهم تخلل الباقرة، تعرفهم في اللفتات العامة، تلمحهم في أسباب معيشتهم الشخصية؛ لكنهم يتناقضون ويتهافتون، فيبتدئون من حيث انتهى سادتُهم أصحاب الينابيع المختلطة النتنة.سادتهم يرون أن اللعب إنما يحلو بعد الجد، وأن القشور إنما يُلْتَفَت إليها بعد تحصيل اللباب، وأن الكماليات تأتي بعد الضروريات، وأن الوقت رأس مال لا يجوز تبديده في غير ما ينفع؛ لكن هذه الفئة البائسة تفعل عكس ذلك كله، وتختصر الطريق إلى اللهو لتُرْضِي شهواتها، وإلى الكماليات؛ لأن لها بريقاً هو حظ العين، وإن لم يكن للعقل منه شيء.عصارة رأيهم في علاج حالة المسلمين تُتَرْجم في جملة واحدة هي: أن النجاة في الغرق!فئة تلبس باسم الإسلام، وتأكل الخبز باسمه؛ لكنها لا تعمل ما يرضيه، ولا تبني ما يعليه.. ترفع العقيرة باسمه فتفضحها رطانة الأنباط، وتربط نفسها معه بمثل خيط العنكبوت فينحل الرباط، فجاءت أفكارهم فاسدة كأنتن من جيفة هدهد ميت كُفِّن في جورب مسافر أبخر في شدة القيظ لم يمسه الماء أشهراً، بل أنتن من حلتيت، وأثقل من كبريت، وأهدى إلى الضلال من دليل خِرِّيت.يجرون الذيول على المخازي وقد ملئت من الغش الجيوب انسلخوا من هويتهم، ولم يندمجوا في حضارة سادتهم المادية، فصاروا كالمرأة المعلقة، لا مزوجة ولا مطلقة!فتَبَّاً وسُحقاً وهلاكاً وبُعداً في بيداء السماوة، أجمعوا أمركم ثم ائتوا صفاً، فما أنتم ببالغين من الحق إلا ما يبلغه مَن يريد أن يغطي على الشمس بكُمِّه، وهو لا يعلم أن مِن وراء كمه أرض الله الواسعة.
 
عودة
أعلى