محمد شتيوى
مستشار سابق
الشعر فن جميل , ولكنه فى نفس الوقت صعب ومجهد على الكثير من الشعراء , وينقسم الشعراء الى قسمين رئيسيين : الأول هم الشعراء المطبوعون , والثانى هم الشعراء المتكلفون ( أو اصحاب الصنعة )
والشعراء المطبوعون هم الشعراء الذين ولدوا فوجدو أنفسهم شعراء , وهؤلاء يكون الشعر أسهل ما يكون بالنسبة إليهم , فلا يتكلفون فى تأليفه ونظمه , ولا يتعبون فى جلبه وصنعه .
أما القسم الثانى فهم الشعرء المتكلفون , الذين تعلمو الشعر , ودرسو علمه حتى اتقنوه , ثم ألفو فيه , وأدلوا بدلوهم فيه , واولئك هم اشقى الناس بالشعر غالبا , لانهم يجهدون أنفسهم لكى يؤلفوا البيت الحسن من الشعر , وقد يجلس الواحد منهم اليوم واليومين لكى يؤلف بيتا واحدا من الشعر .
وحديثنا اليوم عن القسم الأول , وهم الشعراء المطبوعون , وحديثنا فى نقطة معينة هى ( قضية الإرتجال )
والإرتجال هو أن يأتى الشاعر بالشعر فى موقف ما بدون سابق تفكير ولا روية , هكذا انهمارا وتدفقا , وغالبا ما يخرج هذا الشعر من شاعر مطبوع , وفى موقف عظيم يؤثر فى نفسه , فتتجلى العبقرية عندما نقارن بين القسمين بين الذين يجلسون الساعات حتى يؤلفون بيتا واحدا وبين الذين ينهمر الشعر من أفواههم كالمطر بدون تفكير .
ولقد عقد ابن رشيق القيروانى فى كتابه [ العمدة فى محاسن الشعر وآدابه ] بابا بعنوان ( باب في البديهة والارتجال ) أورد فيه بعض أمثلة لهذا النوع من الشعر نذكر لكم طرفا منه
[ .......
وكالذي يروى عن أبي الخطاب عمرو بن عامر السعدي المعروف بأبي الأسد، وقد أنشد
موسى الهادي شعراً مدحه به يقول فيه:
يا خير من عقدت كفاه حجزته & وخير من قلدته أمرها مضر
فقال له موسى:
إلا من يا بائس؟ فقال واصلاً كلامه ولم يقطعه:
إلا النبي رسول الله؛ إن له & فخراً، وأنت بذاك الفخر تفتخر
ففطن موسى ومن بحضرته أن البيت مستدرك، ونظروا في الصحيفة فلم يجدوه؛ فضاعف
صلته.
وكان أبو نواس قوي البديهة والارتجال، لا يكاد ينقطع ولا يروي إلا فلتة، روى أن الخصيب
قال له مرة يمازحه وهما بالمسجد الجامع:
أنت غير مدافع في الشعر، ولكنك لا تخطب! فقام من فوره يقول مرتجلاً:
منحتكم يا أهل مصر نصيحتي & ألا فخذوا من ناصحٍ بنصيب
رماكم أمير المؤمنين بحية & أكولٍ لحيات البلاد شروب
فإن يك باقي سحر فرعون فيكم & فإن عصا موسى بكف خصيب
ثم التفت إليه وقال:
والله لا يأتي بمثلها خطيب مصقع فكيف رأيت؟ فاعتذر إليه وحلف إن كنت إلا
مازحاً.
وسمعت جماعة من العلماء يقولون:وكان أبو العتاهية فيما يقال أقدر الناس على ارتجال وبديهة؛ لقرب مأخذه، وسهولة طريقته، اجتمع عدة من الشعراء فيهم أبو نواس؛ فشرب أحدهم ماء، ثم قال:
أجيزوا:
برد الماء وطابا
فكلهم تلعثم، حتى طلع أبو العتاهية، فقال:
فيم أنتم؟ فأنشدوه، فقال وما تروى:
حبذا الماء شرابا
فأتى بالقسيم رسلاً شبيهاً بصاحبه، وذلك هو الذي أعوز القوم لا وزن الكلام.
وصحب رفقة فسمع زقاء الديوك، فقال لرفيقه:
هل رأيت الصبح لاحا؟
قال:
نعم، قال:
وسمعت الديك صاحا.
قال:
نعم، قال:
إنما بكَّى على المغـ & تر بالدنيا وناحا
فاستيقظ رفيقه للكلام أنه شعر فرواه؛ فما جرى هذا المجرى فهو ارتجال.
وقالوا: اجتمع الشعراء بباب الرشيد، فأذن لهم، فقال:
من يجيز هذا القسيم وله حكمه؟ فقالوا:
وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال:
الملك لله وحده
فقال الجماز:
................. & وللخليفة بعده
وللمحب إذا ما & حبيبه بات عنده
فقال:أحسنت، وأتيت على ما في نفسي، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
ومن عجيب ما روي في البديهة حكاية أبي تمام حين أنشد أحمد بن المعتصم بحضرة أبي
يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي وهو فيلسوف العرب:
إقدام عمرو، في سماحة حاتم & في حلم أحنف في ذكاء إياس
فقال له الكندي:
ما صنعت شيئاً، شبهت ابن أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين بصعاليك العرب! ومن
هؤلاء الذين ذكرت؟ وما قدرهم؟ فأطرق أبو تمام يسيراً، وقال:
لا تنكروا ضربي له من دونه & مثلاً شروداً في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره & مثلاً من المشكاة والنبراس
فهذا أيضاً وما شاكله هو البديهة، وإن أعجب ما كان البديهة من أبي تمام؛ لأنه رجل
متصنع، لا يحب أن يكون هذا في طبعه. وقد قيل:
إن الكندي لما خرج أبو تمام قال:
هذا الفتى قليل العمر؛ لأنه ينحت من قلبه، وسيموت قريباً، فكان كذلك. .......... ]
فهذا قبس من قصص الإرتجال اخترته لكم , وعساه أن يعجبكم , ولم أقم بشرح ما اخترته إيثارا لعدم الإطالة , ولكنن أرحب بالمناقشة .
ارق تحياتى
والشعراء المطبوعون هم الشعراء الذين ولدوا فوجدو أنفسهم شعراء , وهؤلاء يكون الشعر أسهل ما يكون بالنسبة إليهم , فلا يتكلفون فى تأليفه ونظمه , ولا يتعبون فى جلبه وصنعه .
أما القسم الثانى فهم الشعرء المتكلفون , الذين تعلمو الشعر , ودرسو علمه حتى اتقنوه , ثم ألفو فيه , وأدلوا بدلوهم فيه , واولئك هم اشقى الناس بالشعر غالبا , لانهم يجهدون أنفسهم لكى يؤلفوا البيت الحسن من الشعر , وقد يجلس الواحد منهم اليوم واليومين لكى يؤلف بيتا واحدا من الشعر .
وحديثنا اليوم عن القسم الأول , وهم الشعراء المطبوعون , وحديثنا فى نقطة معينة هى ( قضية الإرتجال )
والإرتجال هو أن يأتى الشاعر بالشعر فى موقف ما بدون سابق تفكير ولا روية , هكذا انهمارا وتدفقا , وغالبا ما يخرج هذا الشعر من شاعر مطبوع , وفى موقف عظيم يؤثر فى نفسه , فتتجلى العبقرية عندما نقارن بين القسمين بين الذين يجلسون الساعات حتى يؤلفون بيتا واحدا وبين الذين ينهمر الشعر من أفواههم كالمطر بدون تفكير .
ولقد عقد ابن رشيق القيروانى فى كتابه [ العمدة فى محاسن الشعر وآدابه ] بابا بعنوان ( باب في البديهة والارتجال ) أورد فيه بعض أمثلة لهذا النوع من الشعر نذكر لكم طرفا منه
[ .......
وكالذي يروى عن أبي الخطاب عمرو بن عامر السعدي المعروف بأبي الأسد، وقد أنشد
موسى الهادي شعراً مدحه به يقول فيه:
يا خير من عقدت كفاه حجزته & وخير من قلدته أمرها مضر
فقال له موسى:
إلا من يا بائس؟ فقال واصلاً كلامه ولم يقطعه:
إلا النبي رسول الله؛ إن له & فخراً، وأنت بذاك الفخر تفتخر
ففطن موسى ومن بحضرته أن البيت مستدرك، ونظروا في الصحيفة فلم يجدوه؛ فضاعف
صلته.
وكان أبو نواس قوي البديهة والارتجال، لا يكاد ينقطع ولا يروي إلا فلتة، روى أن الخصيب
قال له مرة يمازحه وهما بالمسجد الجامع:
أنت غير مدافع في الشعر، ولكنك لا تخطب! فقام من فوره يقول مرتجلاً:
منحتكم يا أهل مصر نصيحتي & ألا فخذوا من ناصحٍ بنصيب
رماكم أمير المؤمنين بحية & أكولٍ لحيات البلاد شروب
فإن يك باقي سحر فرعون فيكم & فإن عصا موسى بكف خصيب
ثم التفت إليه وقال:
والله لا يأتي بمثلها خطيب مصقع فكيف رأيت؟ فاعتذر إليه وحلف إن كنت إلا
مازحاً.
وسمعت جماعة من العلماء يقولون:وكان أبو العتاهية فيما يقال أقدر الناس على ارتجال وبديهة؛ لقرب مأخذه، وسهولة طريقته، اجتمع عدة من الشعراء فيهم أبو نواس؛ فشرب أحدهم ماء، ثم قال:
أجيزوا:
برد الماء وطابا
فكلهم تلعثم، حتى طلع أبو العتاهية، فقال:
فيم أنتم؟ فأنشدوه، فقال وما تروى:
حبذا الماء شرابا
فأتى بالقسيم رسلاً شبيهاً بصاحبه، وذلك هو الذي أعوز القوم لا وزن الكلام.
وصحب رفقة فسمع زقاء الديوك، فقال لرفيقه:
هل رأيت الصبح لاحا؟
قال:
نعم، قال:
وسمعت الديك صاحا.
قال:
نعم، قال:
إنما بكَّى على المغـ & تر بالدنيا وناحا
فاستيقظ رفيقه للكلام أنه شعر فرواه؛ فما جرى هذا المجرى فهو ارتجال.
وقالوا: اجتمع الشعراء بباب الرشيد، فأذن لهم، فقال:
من يجيز هذا القسيم وله حكمه؟ فقالوا:
وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال:
الملك لله وحده
فقال الجماز:
................. & وللخليفة بعده
وللمحب إذا ما & حبيبه بات عنده
فقال:أحسنت، وأتيت على ما في نفسي، وأمر له بعشرة آلاف درهم.
ومن عجيب ما روي في البديهة حكاية أبي تمام حين أنشد أحمد بن المعتصم بحضرة أبي
يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي وهو فيلسوف العرب:
إقدام عمرو، في سماحة حاتم & في حلم أحنف في ذكاء إياس
فقال له الكندي:
ما صنعت شيئاً، شبهت ابن أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين بصعاليك العرب! ومن
هؤلاء الذين ذكرت؟ وما قدرهم؟ فأطرق أبو تمام يسيراً، وقال:
لا تنكروا ضربي له من دونه & مثلاً شروداً في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره & مثلاً من المشكاة والنبراس
فهذا أيضاً وما شاكله هو البديهة، وإن أعجب ما كان البديهة من أبي تمام؛ لأنه رجل
متصنع، لا يحب أن يكون هذا في طبعه. وقد قيل:
إن الكندي لما خرج أبو تمام قال:
هذا الفتى قليل العمر؛ لأنه ينحت من قلبه، وسيموت قريباً، فكان كذلك. .......... ]
فهذا قبس من قصص الإرتجال اخترته لكم , وعساه أن يعجبكم , ولم أقم بشرح ما اخترته إيثارا لعدم الإطالة , ولكنن أرحب بالمناقشة .
ارق تحياتى