قال الشاعر :
ويااسيرة حجليها ارى سفها ... حمل الحلى بمن اعيا عن النظر
ما سرت الا وطيف منك يصحبنى ... سرى امامى وتاويبا على اثرى
لو حط رحلى فوق النجم رافعة ... الفيت ثم خيالا منك منتظرى
يود ان ظلام الليل دام لة ... وزيد فية سواد القلب والبصر
لو اختصرتم من الاحسان زرتكم ... والعذب يهجر للافراط فى الخصر
ابعد حول تناجى الشوق ناجية ... هلا ونحن على عشر من العشر
المعنى :
ينادى الشاعر محبوتة تلك الجميلة التى يغنى جمالها عن التزين ، ويخبرها بمدى حبة واشتياقه اليها فعقلة وقلبة مشغول بها فهو يرى طيفها امامة ما سار فى ليل او نهار ويعتذر عن قلة زيارته لها فما هو بسبب بغضة فيكم ، وانما هو لانكم تتكلفون من مبرتى ما يخجلنى
الاسلوب :
يقول الشاعر :
أبعد حول تناجى الشوق ناجية ... هلا ونحن على عشر من العشر
يستنكر الشاعر على ناقتة حنينها الى وطنها بعد سنة ، فقال : هلا حنت الية ونحن على عشر منة ؛ لان قدم العهد من شانة ان يسلى المحب من محبوبة . ( شروح السقط ، ص 122)
ولقد اصاب الشاعر حيث جعل الناجية من النياق ، هى المخصوصة بشدة الاشتياق ؛ لانها متى كانت اسرع ، كانت المسافة المقطوعة بها اوسع ، فيكون مطالبتها بالرجوع اشنع ، وحيث خص الشجر دون الربوع والديار ؛ لان شوق الابل الى اوطانها لا يكون الا للنبات والاشجار .
وحيث حذف ما يقتضية التحضيض من الفعل لكونة معلوما ، وحيث جانس بين " تناجى " و " الناجية ، وبين " العشر " و " العشر " . ( شروح السقط ص 123 )
وخص الشاعر " الحول " بالذكر ؛ لان عدد ليالى السنة كثير ، واذا كثر العدد بينك وبين من تهواة نسيتة .( شروح السقط ص 122)
والحق ان الشاعر لا يستنكر على ناقتة اشتياقها الى موطنها وانما يستنكر على نفسة اشتياقة الى وطنة ومحبوبتة ، التى فرق بينمها زمن البعد الطويل ، كما فرقت بينهما الفيافى والقفار .
المعنى : يدعو الشاعر لممدوحه بأن يجعله الله سعيداً في عزه ورفعته ، وأن يبقيه سالماً أزماناً طويلة؛ لأنه يأتي في كل يوم من أيام حياته بأعمالٍ توجب أن يتخذها الناس عيداً لهم، لما تتضمنه من عظيم فضله وإنعامه .
الأسلوب :
أسلوب الأمر : (فَاسْعَدْ بِمَجْدٍ وَيَوْمٍ إِذْ سَلِمْتَ لَنَا .... ) قد أفاد معنى " الدعاء " للممدوح بالسعادة والهناء في مجده ويومه . وقد تفجر هذا المعنى من تعظيم الممدوح، وإجلال قدره، واستشعار خطره ودوره في الحياة ؛ ومن ثم عبر الشاعر عن الدعاء بالأمر دلالةً على صدق محبته، وشدة حرصه وإلحاحه على تحقق ما دعا به وحدوثه .
وقد جاء به في ختام القصيدة ؛ لأنه آخر ما يعيه السمع، ويرتسم في النفس . وأحسن أنواع الانتهاء ما آذن بانتهاء الكلام، حيث لم يبق للنفس تشوق إلى ما وراءه، ويسمى ذلك بـ ( براعة المقطع ) ([1]) ، ويرجع " جمال هذا المقطع في إشعاره بأنه دعاء صادر من قلب معجبٍ بمن يثنى عليه، فهو بعد أن صوره في القصيدة ، ورسم خلاله الرفيعة ، يكون من الطبيعي أن يختم ذلك بهذا الدعاء الصادر من قلب الشاعر " ([2]) ؛ وذلك تكثيفاً لمشاعر الحب والوفاء، وتتويجاً وتكريماً للممدوح .
وإذا كان بعض الحذاق من الشعراء قد كره أن يختم القصيدة بالدعاء؛ لأنه عمل أهل الضعف إلا للملوك، فإنهم يشتهون ذلك .... " ([3]) ، فإن أبا العلاء " لم يطرق مسامع الرؤساء بالنشيد، ولا مدح يوماً طالباً للثواب، وإنما كان ذلك على معنى الرياضة وامتحان السوس" ([4])، وعلى ذلك فيستوي عنده الملوك والسوق .
وقد استعان الشاعر على إبراز هذا المعنى وتأكيده بصياغة موحية :
" فالفاء " بإيماضتها السريعة تحمل لهفةً وشوقاً لتحقيق هذا المطلب، من خلال إفادتها معنى
" الترتيب والتعقيب " على ما ذكر توطئة وتمهيداً لهذا الدعاء من صفات الممدوح الطيبة، وخصاله الحميدة، واحتفاء الناس به .
وتنكير ( مجد ) و ( يوم ) لإفادة التعظيم والتفخيم لهما، أي : متعك الله بمجد ويومٍ عظميين مادمت سالماً لنا .
وقد أكد دعاءه بتلك الجملة التعليلية ( إذ سلمت لنا فما يزيد على أيامنا الأخر ) استحقاقاً لهذا الدعاء؛ لأنه يأتي في كل يوم من أيام حياته بأعمال توجب أن يتخذها الناس عيداً لهم . وعلى ذلك فـ ( إذ ) ـ هنا ـ تعليلية، ويحتمل ـ أيضاً – أن تكون ظرفاً لما مضى من الزمان ([5])على معنى:" فاسعد بذلك مادمت قد سلمت لنا فجعلت أيامنا كلها أعياداً " .
وتكثيفاً للمحبة، ودعماً وتأكيداً لهذا الطلب أعقبه بالدعاء له بصيغة الإخبار الدالة على تحقق الوقوع تفاؤلاً : ( ولا تزل لك أزمان ممتعة .... ) . وقد عدل عن النهى الدال على الدعاء إلى الإخبار عنه؛ إظهاراً لشدة رغبته وحرصه على تحقق ذلك وحدوثه للمخاطب([6]) ؛ مما يؤكد عظم قدر الممدوح عنده، وتمكن حبه من قلبه .
المعنى : يعتذر شاعرنا إلى ممدوحه عن كونه أمياً لا يحسن الكتابة، فيستحثه على ترك القلم لفئةٍ ضعيفة تفخر به، لعجزها عن الكسب بغيره، وليفتخر هو بحمل أقلامه من طوال الرماح، التي إذا كتب بها عنوان مجده استمد لها مداداً من دماء المبطلين في دعوى المجد، فدماؤهم في ذلك لا عقل فيها ولا قود، وليدم على افتخاره بكل سيف مشحوذ فيه طرائق متموجة من الصقل، إذا نظر الإنسان إليها ظنها ماءً يجرى من عالٍ إلى صبب.
الأسلوب :
أسلوبا الأمر في قوله : (دَعِ اليَرَاعَ لِقَـومٍ يَفْخَـرُونَ بِه \وبِالطَّـوالِ الرُّدَيْنِيًّات فافْتَخِرِ) قد أفادا معنى الدوام والاستمرار، ولا يكون ذلك إلا إذا " طلـب ما عليه المخاطـب من الفعل " ([5]) , ولا يتصور منه خلافه ؛ وذلك حتى يزداد ثباتاً وتمسكاً بما هو عليه . ([6])
فالشاعر يتوجه إلى ممدوحه بهذا الأمر إلهاباً وتهييجاً وإثارة له ليستمر في تحصيل المجد والشرف، ونيل مطالبه بتلك الرماح الطوال، والسيوف المواضي .
والفعل ( دع ) يشعر بالتهوين من شأن القلم، والتقليل من خطره ودوره، والاستخفاف به، مطابقة للفعل ( افتخر ) الذي يعكس أهمية الرمح والسيف، وعظيم مكانتهما .
وقد لجأ الشاعر إلى تفضيل السيف على القلم ؛ لأن الممدوح بهذا الشعر رجل من الفرسان، ليس له حظ من الكتابة([7]) ، وكان ذلك منه على سبيل " التلطف " ([8]) حيث هجن القلم، وطمس حسنه؛ مبالغةً في الاعتذار إلى ممدوحه لأميته، وإلا ففضل العلم ظاهر لا يجحده أحد .
وزيادة في حثه وترغيبه، والتمسك بما أمره به، كنى عن الرماح بقوله : (بالطوال الردينيات) تأكيداً وبرهاناً على قوتها ومتانتها، فهى حريَّة بأن يفتخر بها .
كما قدم الجار والمجرور على الفعل ( افتخر ) لإفادة القصر؛ تأكيداً على أن الرماح هى أداته في كتابة مجده، وخط شرفه وسؤدده، وأنها معوله في قنص المفاخر والمناقب، وسلاحه في تسجيل البطولات والانتصارات .
وقد أحسن الشاعر إذ أتبع الأمر بما يقرره ويقويه، فجاء مع الرماح بتلك الجملة الخبرية التعليلية ( فهن أقلامك اللاتي .... ) فشبهها بالأقلام، وجعل مداد ممدوحه من دماء أعدائه المهدور، وكأن الرماح بطعنها للأعداء تكتب بدمائهم سطور المجد في تاريخ ممدوحه .
ثم عطف السيف " على " الطوال الردينيات " في الافتخار به أيضاً ، وكنى عنه بذكر صفاته التي تؤهله لذلك ، حيث اجتمعت فيه صفات الجودة في الصناعة والمادة . " والكناية أبلغ من الإفصاح؛ لأن المعنى يكون فيها أبلغ وآكد وأشد " ([9]) ؛ وذلك حفزاً لهمته ، وإلهابًا وترغيبًا له بتقلده ، والتشبث به .
ومبالغةً في الثناء، أثبت الشاعر لممدوحه الفضل والسبق في ميدانه، حتى غار منه خصومه وأعداؤه، وحقدوا عليه عندما عجزوا عن بلوغ رتبته في المجد والشرف ، ونيل مكانته في ميدان الفروسية والشجاعة .
([1])الطوال الرُّدينيات: الرماح المنسوبة إلى امرأة تسمى رُدَيْنَه : اللسان : ( ردن ) .
([2])شطب السيف: طرائقه . اللسان : ( شطب ) .
([3])الجزر: جمع جزور ، وهى الناقة التي تجزر . اللسان : ( جزر ) .
([4])الّلج: جمع لُجَّة، وهى معظم الماء في البحر . السُعُر: جمع سعير ، وهى النار المستعرة . اللسان :
( لجج ، سعر ) .
([5]) المطول : 428 .
([6]) علم المعاني : د / فيود : 2 / 97 .
([7]) شروح السقط : 1 / 156 .
([8])التلطف : أن تتلطف للمعنى الحسن حتى تهجنه،والمعنى الهجين حتى تحسنه: ينظر الصناعتين: 482 .
المعنى : يشكو الشاعر كثرة الأسفار متبرماً بها ، فهو لا يزال مسافراً يجوب القفار من الأرض وحيداً لا أنيس له فيها إلا الوحش والطير ، وهي تنظر إليه ، وتتعجب من حاله .
الأسلوب :
أسلوب النداء ( يا روَّع الله سوطى ) مراد به التنبيه في سياق ينضح بالبؤس والشقاء ، ويموج بالحيرة والعناء .
وقد تقرر أنه إذا ولى ( يا ) ما ليس بمنادى في اللفظ ، فهي لمجرد التنبيه والاستثارة عند الأكثرين – وهو الراجح – لئلا يلزم الإجحاف بحذف الجملة كلها . وقال ابن مالك : إن وليها أمر أو دعاء فهي للنداء والمنادى محذوف توكيداً للمأمور والمدعو . واستعمال النداء قبلهما كثير ، حتى صار الموضع منبهاً على المنادى إذا حذف ، وبقيت ( يا ) ، فحسن حذفه لذلك ([3]).
وتبدو بلاغة هذا النداء في التهيئة والتقوية لمعنى الدعاء الخبري لفظاً ( روع الله سوطى ) إيحاءً بالرغبة الملحة ، والحرص الشديد على تحقق هذا الدعاء ؛ مما يعكس عمق غيظه ، وشدة ضجره من سوطه ، فقد جاء الدعاء عليه على سبيل المجازاة ، أي روعه الله كما يروع ناقتي ويفزعها بضربه . وأكد ذلك تصدير الدعاء بتلك الصيحة المستعرة ( يا ) تجسيداً لمشاعر الحنق والغضب ، وتلهفاً على تحقق هذا الدعاء .
فليس المراد بتلك النداءات طلب الإقبال ،وإنما أريد بها التعظيم والافتخار بهؤلاء الممدوحين ، والإشادة بفضلهم ، وسموّ منزلتهم .
ففي الأسلوب الأول : ( يَابْنَ الأُلِى غَيْرَ زَجْرِ الخَيْل مَا عَرَفُوا ) يصف شاعرنا عراقة ممدوحه وأصالته في المجد والشرف ، حيث إنه من قوم أصحاب حروب ومغاورات ، وملوك اعتادوا ركوب الخيل وزجرها ، منذ أن كانت العرب لم ترها ، ولا تعرف غير رعى الشياة والإبل . فهم كانوا يقودنها مع الأضياف ويهبونهم إياها مع من تألفه من الخدم والعبيد ، وعليها علاوة ألوف الدروع والدراهم .
وقد كشف عن خضم مشاعر العظمة والفخر التي يموج بها هذا السياق :
إفراغ الشاعر هذا المعنى في قالب متين موثق عن طريق" القصر "بالنفي والاستثناء ، لتقريره وتوكيده في النفوس بهذه اللهجة الحاسمة ، مما يعكس قوة الإحساس بالمعنى ، وامتلاء النفس فخرًا واعتزازًا بهم .
وفي التعريف بالموصولية ( الألى ) زيادة في تقرير المعنى وإيضاحه ، حيث مكنه التعريف بها من ذكر الصفة التي يحرص على إثباتها لقوم الممدوح ، مع ما فيها من بعث الإثارة والتشويق في النفس لكى تلتفت وتنتبه إلى شرف هؤلاء وعزتهم ، وهذا مستفاد مما في الصلة من إبهام وغموض يتيح للمخاطب أن يعمل عقله وتفكيره في تفسيره لمعناها .
وقد أعانته المقابلة المعنوية التي عقدها بين قوم الممدوح ، وبين غيرهم من العرب الذين لا يعرفون سوى زجر الإبل والشاء على إبراز فضل هؤلاء ، وتفوقهم على أقرانهم .
وفي الأسلوب الثاني : (يَا غَيْثَ فَهْم ذَوِى الأفْهَامِ) يصف الشاعر ممدوحه بالجود والكرم ، وحسن الطلعة ، فيجعله غيثًا لأفهام الشعراء من قبيلته ؛ لأن الخواطر والأفهام إنما تحيا
بنداه ، وتنتعش بذكر ممادحه ، ووصف مكارمه لاجتماع أوصاف الكرم والمعاني فيه ، فهو بإحسانه إليهم ، وإنعامه عليهم يهديهم إلى المعاني التي لا يهتدون إليها بما يرونه من محاسنه التي يحتذون عليها ، فتنثر أفكارهم محاسن الكلم ، ودقائق الحكم ، كالغيث الذي يصيب الأرض فيحييها ، ويظهر أنواع الأزهار والأنوار فيها .
وقد عم فضله في أرجاء الوجود حتى راحت الإبل تتمنى رؤيته لعل ذلك يشفيها ، ويزيل عنها التحير ؛ لأنها تبلغ به أقصى أمانيها ، وتدع السير والسرى .
وقوله : (يَا غَيْثَ فَهْم ذَوِى .. ) يروى مضافًا وغير مضاف ، فمن رواه مضافًا (يَا غَيْثَ فَهْم ذَوِى .. ) ، فمراده أحد الأفهام ، وجعله غيث الفهم ، ومن رواه منونًا غير مضاف ( يا غيث فَهْمٍ ) ، فالمراد به قبيلة ينسب إليها هذا الممدوح ، وذوى الأفهام صفة لشعراء قومه ([1]).
وفي كلتا الروايتين جاء الوصف كناية عن الممدوح دليلاً على كرمه، وعظيم عطائه . وقد قامت الكناية على تشبيه الممدوح بالغيث ـ على سبيل الاستعارة التصريحية ـ مبالغة في كرمه ، وتصويرًا لانصباب فضله ، وغزارة عطائه .
فالشاعر في الأسلوب الأول يدعو لممدوحه بأن يعيذه الله ويعصمه ويكفه من أن تلحقه أعين النجوم ، إشارة إلى علو رتبته ، ورفعة قدره ، فالنجوم وحدها هى التي تطمح لتناله ، أما أعين الناس فتصغر عن مناله .
وقد عدل الشاعر عن صيغة الأمر الدالة على طلب الشئ إلى صيغة الإخبار بالماضي الدالة على تحقق الوقوع إشعارًا بأن ذلك قد حصل ،وإظهارًا لرغبته وحرصه على تحققه ووقوعه .
ولعل في حذف أداة النداء ( عبد الله ) إيحاءً بقربه الداني ، وحضوره الدائم في القلب .
وقد اعترض الشاعر بندائه في الأسلوبين ( عبد الله ) و ( يا خير البرايا ) تقوية وتمكينًا لمعنى الدعاء ، وتأكيدًا على استحقاقهما له ؛ لما في الأول من إظهار الطاعة والإذعان لله ، وذلك أبلغ في إعاذة الله له من أعين النجوم ؛ ولما في الثاني من الخيرية التي تقتضى الدعاء له .
والاعتراض بهما يعكس تدفق المشاعر، وتوهج الإحساس فخرًا واعتزازًا بممدوحيه ، " فالشاعر إنما يأتى بالكلام على هذا الوجه ليدلك على مزيد عنايته بهذه الحال التى اعترض
بها ، وأن هذا الجزء من المعنى أولى عنده من المعنى الذي زحزحه من أجله " ([1]).