mohamadamin
حكيم المنتدى
هناك لغات بشرية لا تستخدم الأصوات في التعبير عن المعاني ، فلغات الإشارة عند الصم والبكم والتي يستخدمون فيها إشارات الأيدي والجسم لكي يعبروا بها عما يقصدونه ، هي لغات كاملة النمو. ويستطيع "المتحدثون" بهذه اللغات أن يكوِّنوا أعداداً غير محدودة من الجمل الجديدة التي تعبر عن ظلال دقيقة من المعاني ، تماماً مثلما يفعل المتحدثون باللغات المنطوقة.
ولكن ينبغي أن نذكر أن لغة الإشارات لا تقتصر على الصم والبكم وحدهم بل قد تُستخدم نتيجة لظروف أخرى. فعلى سبيل المثال فإن بعض الهنود الحمر في أمريكا الشمالية ، والذين يتحدثون بلغات مختلفة ، طوَّروا لغة إشارات تسمح بالتفاهم بين أفراد القبائل المختلفة. كما يستخدم الرهبان أو النساك الذين أقسموا على عدم الكلام لغة الإشارات في اتصالاتهم. كما تستخدمها أيضاً الأرامل الأستراليات من أهل البلاد الأصليين اللاتي مات عنهن أزواجهن، فهن ممنوعات بحكم التقاليد من الكلام لمدة عام كامل من وفاة أزواجهن. وفي السنوات الأخيرة ، حقق استخدام لغات الإشارة نتائج طيبة في محاولة اقتحام العزلة النفسية التي يعاني منها الأطفال المسترسلون في الخيال هروبا من الواقع. كما كان للغة الإشارات دور في تدريب حيوانات الشمبانزي على الاتصال بالبشر.
وفي مقالنا هذا سوف نركز على الحديث عن لغات الإشارة عند الصم والبكم. فمن بين كل ألف طفل يولد طفل واحد تقريباً مصاباً بالصمم ، أو وهو يعاني من نقص شديد في مقدرته على السمع. ومن أكبر نتائج هذه المأساة الصعوبة التي يواجهها الأصم في تعلم اللغة المنطوقة. ومن الصعوبة بمكان أن يتعلم مثل هذا الطفل الذي لا يمكنه سماع اللغة كيف يتكلم بصورة طبيعية. إذ إن الكلام العادي يعتمد إلى حد بعيد على التغذية الصوتية الراجعة auditory feedback ، أي على سماع الطفل نفسه وهو يتكلم. ومن ثم فإن الطفل الأصم لن يتعلم كيف يتكلم دون تدريب طويل وواسع المدى في مدارس خاصة أو في برامج مصممة خصيصاً لمن يعانون الصمم.
وبالرغم من أن الأشخاص الذي يعانون الصمم يمكن تعليمهم الكلام بصورة مفهومة ، فإنهم لا يمكنهم مطلقاً فهم الكلام بالدرجة نفسها التي يفهمه بها شخص يسمع. إذ أن نحو خمسة وسبعين في المائة من الكلمات المنطوقة لا يمكن أن "تُقرأ" بأية درجة من الدقة عن طريق متابعة شفاه المتكلم.
ومع ذلك ، فلو كانت اللغة ظاهرة عالمية بمعنى أن جميع أفراد الجنس البشري لديهم القدرة على تعلم لغة ما ، فإنه ليس مما يدعو إلى الدهشة أن تطورت اللغات غير المنطوقة، كبديل للغات المنطوقة فيما بين أفراد ذلك القطاع من البشرية الذين لا يمكنه السمع. فالأطفـال الصم يتعلمون لغة الإشارات ، إذا كانت هذه هي اللغة التي يتم تُستخدم حولهم ، بالكيفية نفسها التي يتعلم بها الأطفال الذين يمكنهم السمع اللغة المنطوقة. إذ إن أحداً لا يعلمهم اللغة ؛ بل يقومون هم ببناء قواعد لغة الإشارة المعينة المستخدمة حولهم والتي يتعرضون لها. وعندما يولد أطفال صم لأبوين يسمعان ، فإنهم لابد من أن يختلطوا بمتحدثين بإحدى لغات الإشارة لكي يتعلموها. وكثيراً ما يقوم أعضاء الأسرة ممن يمكنهم السمع بتعلم لغة الإشارة لكي يمكنهم التفاهم مع عضو في الأسرة مصاب بالصمم.
ولقد تطورت لغات إشارة مختلفة في أنحاء مختلفة من العالم ، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية ، وبريطانيا ، والدانمرك ، وفرنسا. واللغة الأساسية التي يستخدمها الصم في الولايات المتحدة هي "اللغة الأمريكية للإشارة American Sign Language والتي تُعرف اختصارا باسم "أميسلان" Ameslan أو ل. إ . أ. ِ . ASL والأميسلان لغة مستقلة وكاملة التطور. وتعد هذه اللغة من الناحية التاريخية امتداداً للغة الإشارة المستخدمة في فرنسا منذ القرن الثامن عشر والتي جاءت إلى الولايات المتحدة على يد رجل التعليم توماس جالودى Thomas Gallaudet (1787-1851م). ولهذه اللغة قواعدها الصرفية والنحوية والدلالية الخاصة بها. ولقد أطلق بعض علماء لغة الإشارة على وحداتها الشكلية (الصيغية) التي تماثل أصوات اللغة المنطوقة اسم الكِيريمات Cheremes (جمع كِيريم).
ويمكن إحداث إشارات اللغة التي تماثل مورفيمات (المورفيم هو أصغر وحدة لغوية مجردة ذات معنى) أو كلمات اللغة المنطوقة عن طريق استخدام عدد من الملامح المختلفة، من بينها الأشكال التي تتخذها اليد ، وإشارة اليد أو اليدين تجاه جسم المتكلم أو في الاتجاه المضاد له ، وجزء الجسم الذي تُوَجَّه الحركة ناحيته. كما تُستخدم الذراعان والرأس والوجه والعينان والفم للتعبير عن المعاني. وعلى سبيل المثال ، فإن الإشارة التي تعني "ذراع" تتم عن طريق إمرار الكف وهو منبسط وتحريكه للمس أعلى الذراع. ويطلق العالم و. ستوكوي W. Stokoe على هذه الملامح cheremes كما سبق أن أشرنا ، ويذكر مجموعة تضم خمسة وخمسين من هذه الكيريمات تتكون منها إشارات أية لغة من لغات الإشارة. وتماماً مثلما توجد في اللغة المنطوقة سلسلة من الأصوات لا تسمح بها اللغة المعنية ، فإن لغات الإشارة أيضاً بها تتابعات غير مسموح بها. وتختلف هذه التتابعات غير المسموح بها من لغة إشارة إلى لغة إشارة أخرى ، تماما مثلما تختلف القيود على الأصوات وتتابع الأصوات من لغة منطوقة إلى أخرى. فإشارة ما قد تعد مقبولة في لغة للإشارات مستخدمة في الصين مثلاً ربما لا يكون مسموحاً بها في أميسلان ، والعكس صحيح.
أما لغة الإشارة الأخرى المستخدمة في الولايات المتحدة فهي "اللغة الإنجليزية الإشارية" Signed English. وتتكون هذه اللغة بشكل أساسي من إحلال كل كلمة إنجليزية منطوقة (وكل مورفيم) بإشارة ما. وعلى هذا فإن النحو والدلالة الخاصين باللغة الإنجليزية الإشارية هما تقريباً النحو والدلالة نفسهما الخاصين باللغة الإنجليزية العادية.
ومن الوسائل التي يستخدمها المتحدثون بلغة الإشارة لكي يعبِّروا عن أسماء الأعلام ، أو المصطلحات الفنية ، نظام "الهجاء الإصبعي" finger spelling . فهناك أبجدية يدوية تتكون من أشكال عديدة يتخذها إصبع المستخدم ، أو يده ، أو حركاته ، تعطي رموزاً مرئية تمثل حروف الأبجدية وعلامة & التي تعني "و".
ويمكن للمستخدم الكفء لإحدى لغات الإشارة أن "يتحدث" بالسرعة العادية ، حتى حين يكون هناك كثير من الهجاء الإصبعي فيما يريد قوله. وتقدم محطات التليفزيون العامة في أمريكا ، وفي كثير من دول العالم ومن بينها مصر ، برامج تتم "ترجمتها" بلغة الإشارة من أجل الصم الذين يمكنهم رؤيتها في أحد أركان شاشة التليفزيون. ولو قدر لك أن ترى أحد هذه البرامج ، فإنك ستدهش حقاً من كيف استطاع "المترجم" أن يلاحق ويساير الجمل المنطوقة.
كما أن فنون اللغة لا يُحرم منها من يعانون الصمم. فهناك شعر يتم نظمه باستخدام لغة الإشارة. كما أن هناك مسرحيات تمت ترجمتها إلى لغة الإشارة ، ومن بينها مسرحية الناقد The Critic للكاتب المسرحي البريطاني ريتشارد شريدان Richard Sheridan . وقام بتقديمها "المسرح القومي للصم" (في بريطانيا) National Theatre of the Deaf. وهناك من بين علماء الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) من يُكِنُّ للغة الإشارات تقديراً كبيراً ، ومن بين هؤلاء العالمة مارجريت ميد Margaret Mead ، التي كتبت في مقال لها تناقش احتمالات توصل الإنسان إلى لغة عالمية ثانية ، مقترحة استخدام بعض الأفكار الأساسية التي تقوم عليها لغة الإشارة.
ولقد بدأ بعض معلمي الصم مؤخراً في الدعوة إلى فلسفة تقوم على الاتصال الكامل. ومؤدى هذه الفلسفة أن يتعلم الأطفال الصم لغة أو أكثر من لغات الإشارة ، وأن يتم تشجيعهم على أن يتعلموا الكلام ، وأن "يقرأوا" الكلام ، وأن يقرأوا ويكتبوا ، وأن يستخدموا وسائل التكبير (مثل معينات السمع ، مثلاً) لكي يستغلوا كل وسيلة ممكنة للاتصال.
وعندما ندرك المجهود الجبار الذي يبذله شخص يعاني الصمم لكي يحقق ما منحه الله للغالبية العظمى من البشر ، وهي القدرة على استخدام اللغة ، فإن الإنسان لا يملك إلا أن يقدر شجاعة الأصم حق قدرها ، ويدرك في الوقت نفسه كم هي مدهشة تلك اللغة المنطوقة التي نأخذها أمراً مسلماً به. وفوق كل شيء فإنه لا يملك إلا أن يردد قول الله سبحانه وتعالى : {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [النحل:18].
مراجع المقال
Fromkin, Victoria, Robert Rodman, and Nina Hyams. An Introduction to Language. New York: Holt, Rinehart and Winston, Seventh Edition, 2003.
Grolier Academic Encyclopedia. Grolier International, Inc., 1986.
Richards, Jack et al. Longman Dictionary of Applied Linguistics. Essex, England: Longman Group Limited, 1985.
Stokoe, W.C. et al. A Dictionary of American Sign Language on Linguistic Principles. Washington, D.C.: Gallaudet College Press, 1965.
--------------------------------------------------------------------------------
* مجلة الفيصل ، العدد (168) جمادى الآخرة 1411 هـ – ديسمبر 1990 – يناير 1991 م ، ص ص 56 – 57.
ولكن ينبغي أن نذكر أن لغة الإشارات لا تقتصر على الصم والبكم وحدهم بل قد تُستخدم نتيجة لظروف أخرى. فعلى سبيل المثال فإن بعض الهنود الحمر في أمريكا الشمالية ، والذين يتحدثون بلغات مختلفة ، طوَّروا لغة إشارات تسمح بالتفاهم بين أفراد القبائل المختلفة. كما يستخدم الرهبان أو النساك الذين أقسموا على عدم الكلام لغة الإشارات في اتصالاتهم. كما تستخدمها أيضاً الأرامل الأستراليات من أهل البلاد الأصليين اللاتي مات عنهن أزواجهن، فهن ممنوعات بحكم التقاليد من الكلام لمدة عام كامل من وفاة أزواجهن. وفي السنوات الأخيرة ، حقق استخدام لغات الإشارة نتائج طيبة في محاولة اقتحام العزلة النفسية التي يعاني منها الأطفال المسترسلون في الخيال هروبا من الواقع. كما كان للغة الإشارات دور في تدريب حيوانات الشمبانزي على الاتصال بالبشر.
وفي مقالنا هذا سوف نركز على الحديث عن لغات الإشارة عند الصم والبكم. فمن بين كل ألف طفل يولد طفل واحد تقريباً مصاباً بالصمم ، أو وهو يعاني من نقص شديد في مقدرته على السمع. ومن أكبر نتائج هذه المأساة الصعوبة التي يواجهها الأصم في تعلم اللغة المنطوقة. ومن الصعوبة بمكان أن يتعلم مثل هذا الطفل الذي لا يمكنه سماع اللغة كيف يتكلم بصورة طبيعية. إذ إن الكلام العادي يعتمد إلى حد بعيد على التغذية الصوتية الراجعة auditory feedback ، أي على سماع الطفل نفسه وهو يتكلم. ومن ثم فإن الطفل الأصم لن يتعلم كيف يتكلم دون تدريب طويل وواسع المدى في مدارس خاصة أو في برامج مصممة خصيصاً لمن يعانون الصمم.
وبالرغم من أن الأشخاص الذي يعانون الصمم يمكن تعليمهم الكلام بصورة مفهومة ، فإنهم لا يمكنهم مطلقاً فهم الكلام بالدرجة نفسها التي يفهمه بها شخص يسمع. إذ أن نحو خمسة وسبعين في المائة من الكلمات المنطوقة لا يمكن أن "تُقرأ" بأية درجة من الدقة عن طريق متابعة شفاه المتكلم.
ومع ذلك ، فلو كانت اللغة ظاهرة عالمية بمعنى أن جميع أفراد الجنس البشري لديهم القدرة على تعلم لغة ما ، فإنه ليس مما يدعو إلى الدهشة أن تطورت اللغات غير المنطوقة، كبديل للغات المنطوقة فيما بين أفراد ذلك القطاع من البشرية الذين لا يمكنه السمع. فالأطفـال الصم يتعلمون لغة الإشارات ، إذا كانت هذه هي اللغة التي يتم تُستخدم حولهم ، بالكيفية نفسها التي يتعلم بها الأطفال الذين يمكنهم السمع اللغة المنطوقة. إذ إن أحداً لا يعلمهم اللغة ؛ بل يقومون هم ببناء قواعد لغة الإشارة المعينة المستخدمة حولهم والتي يتعرضون لها. وعندما يولد أطفال صم لأبوين يسمعان ، فإنهم لابد من أن يختلطوا بمتحدثين بإحدى لغات الإشارة لكي يتعلموها. وكثيراً ما يقوم أعضاء الأسرة ممن يمكنهم السمع بتعلم لغة الإشارة لكي يمكنهم التفاهم مع عضو في الأسرة مصاب بالصمم.
ولقد تطورت لغات إشارة مختلفة في أنحاء مختلفة من العالم ، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية ، وبريطانيا ، والدانمرك ، وفرنسا. واللغة الأساسية التي يستخدمها الصم في الولايات المتحدة هي "اللغة الأمريكية للإشارة American Sign Language والتي تُعرف اختصارا باسم "أميسلان" Ameslan أو ل. إ . أ. ِ . ASL والأميسلان لغة مستقلة وكاملة التطور. وتعد هذه اللغة من الناحية التاريخية امتداداً للغة الإشارة المستخدمة في فرنسا منذ القرن الثامن عشر والتي جاءت إلى الولايات المتحدة على يد رجل التعليم توماس جالودى Thomas Gallaudet (1787-1851م). ولهذه اللغة قواعدها الصرفية والنحوية والدلالية الخاصة بها. ولقد أطلق بعض علماء لغة الإشارة على وحداتها الشكلية (الصيغية) التي تماثل أصوات اللغة المنطوقة اسم الكِيريمات Cheremes (جمع كِيريم).
ويمكن إحداث إشارات اللغة التي تماثل مورفيمات (المورفيم هو أصغر وحدة لغوية مجردة ذات معنى) أو كلمات اللغة المنطوقة عن طريق استخدام عدد من الملامح المختلفة، من بينها الأشكال التي تتخذها اليد ، وإشارة اليد أو اليدين تجاه جسم المتكلم أو في الاتجاه المضاد له ، وجزء الجسم الذي تُوَجَّه الحركة ناحيته. كما تُستخدم الذراعان والرأس والوجه والعينان والفم للتعبير عن المعاني. وعلى سبيل المثال ، فإن الإشارة التي تعني "ذراع" تتم عن طريق إمرار الكف وهو منبسط وتحريكه للمس أعلى الذراع. ويطلق العالم و. ستوكوي W. Stokoe على هذه الملامح cheremes كما سبق أن أشرنا ، ويذكر مجموعة تضم خمسة وخمسين من هذه الكيريمات تتكون منها إشارات أية لغة من لغات الإشارة. وتماماً مثلما توجد في اللغة المنطوقة سلسلة من الأصوات لا تسمح بها اللغة المعنية ، فإن لغات الإشارة أيضاً بها تتابعات غير مسموح بها. وتختلف هذه التتابعات غير المسموح بها من لغة إشارة إلى لغة إشارة أخرى ، تماما مثلما تختلف القيود على الأصوات وتتابع الأصوات من لغة منطوقة إلى أخرى. فإشارة ما قد تعد مقبولة في لغة للإشارات مستخدمة في الصين مثلاً ربما لا يكون مسموحاً بها في أميسلان ، والعكس صحيح.
أما لغة الإشارة الأخرى المستخدمة في الولايات المتحدة فهي "اللغة الإنجليزية الإشارية" Signed English. وتتكون هذه اللغة بشكل أساسي من إحلال كل كلمة إنجليزية منطوقة (وكل مورفيم) بإشارة ما. وعلى هذا فإن النحو والدلالة الخاصين باللغة الإنجليزية الإشارية هما تقريباً النحو والدلالة نفسهما الخاصين باللغة الإنجليزية العادية.
ومن الوسائل التي يستخدمها المتحدثون بلغة الإشارة لكي يعبِّروا عن أسماء الأعلام ، أو المصطلحات الفنية ، نظام "الهجاء الإصبعي" finger spelling . فهناك أبجدية يدوية تتكون من أشكال عديدة يتخذها إصبع المستخدم ، أو يده ، أو حركاته ، تعطي رموزاً مرئية تمثل حروف الأبجدية وعلامة & التي تعني "و".
ويمكن للمستخدم الكفء لإحدى لغات الإشارة أن "يتحدث" بالسرعة العادية ، حتى حين يكون هناك كثير من الهجاء الإصبعي فيما يريد قوله. وتقدم محطات التليفزيون العامة في أمريكا ، وفي كثير من دول العالم ومن بينها مصر ، برامج تتم "ترجمتها" بلغة الإشارة من أجل الصم الذين يمكنهم رؤيتها في أحد أركان شاشة التليفزيون. ولو قدر لك أن ترى أحد هذه البرامج ، فإنك ستدهش حقاً من كيف استطاع "المترجم" أن يلاحق ويساير الجمل المنطوقة.
كما أن فنون اللغة لا يُحرم منها من يعانون الصمم. فهناك شعر يتم نظمه باستخدام لغة الإشارة. كما أن هناك مسرحيات تمت ترجمتها إلى لغة الإشارة ، ومن بينها مسرحية الناقد The Critic للكاتب المسرحي البريطاني ريتشارد شريدان Richard Sheridan . وقام بتقديمها "المسرح القومي للصم" (في بريطانيا) National Theatre of the Deaf. وهناك من بين علماء الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) من يُكِنُّ للغة الإشارات تقديراً كبيراً ، ومن بين هؤلاء العالمة مارجريت ميد Margaret Mead ، التي كتبت في مقال لها تناقش احتمالات توصل الإنسان إلى لغة عالمية ثانية ، مقترحة استخدام بعض الأفكار الأساسية التي تقوم عليها لغة الإشارة.
ولقد بدأ بعض معلمي الصم مؤخراً في الدعوة إلى فلسفة تقوم على الاتصال الكامل. ومؤدى هذه الفلسفة أن يتعلم الأطفال الصم لغة أو أكثر من لغات الإشارة ، وأن يتم تشجيعهم على أن يتعلموا الكلام ، وأن "يقرأوا" الكلام ، وأن يقرأوا ويكتبوا ، وأن يستخدموا وسائل التكبير (مثل معينات السمع ، مثلاً) لكي يستغلوا كل وسيلة ممكنة للاتصال.
وعندما ندرك المجهود الجبار الذي يبذله شخص يعاني الصمم لكي يحقق ما منحه الله للغالبية العظمى من البشر ، وهي القدرة على استخدام اللغة ، فإن الإنسان لا يملك إلا أن يقدر شجاعة الأصم حق قدرها ، ويدرك في الوقت نفسه كم هي مدهشة تلك اللغة المنطوقة التي نأخذها أمراً مسلماً به. وفوق كل شيء فإنه لا يملك إلا أن يردد قول الله سبحانه وتعالى : {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [النحل:18].
مراجع المقال
Fromkin, Victoria, Robert Rodman, and Nina Hyams. An Introduction to Language. New York: Holt, Rinehart and Winston, Seventh Edition, 2003.
Grolier Academic Encyclopedia. Grolier International, Inc., 1986.
Richards, Jack et al. Longman Dictionary of Applied Linguistics. Essex, England: Longman Group Limited, 1985.
Stokoe, W.C. et al. A Dictionary of American Sign Language on Linguistic Principles. Washington, D.C.: Gallaudet College Press, 1965.
--------------------------------------------------------------------------------
* مجلة الفيصل ، العدد (168) جمادى الآخرة 1411 هـ – ديسمبر 1990 – يناير 1991 م ، ص ص 56 – 57.