الفِطْرةُ

mohamadamin

حكيم المنتدى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبين وآله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن سار على نهجه واتبع هداه الى يوم الدين وبعد :

فان الفطرة التي اودعها الله عز وجل للناس هي من الحجج الدامغة لابن ادم على نفسه . وقد ذكرني أخي مالك مناع على اهمية الموضوع فاحببت ان اكتب فيه على نحو ما أخبرني من مواضيع مع تصرف في الزيادة لما أجده مناسبا اثناء الكتابة .

ماذا نعني بالفطرة؟ قال في لسان العرب :والفِطْرةُ ما فَطَرَ الله عليه الخلقَ من المعرفة به وهذا ما يقال عنه دليل الفطرة لا الفطرة عامة
اذ ان كلمة الفطرة هي من الكلمات التي يختلف معناها باختلاف استخدامها فانها ان جردت تكون الفطرة :هي ادراك الشيء دون الحاجة لتعلمه من الاخرين.
فالفطرة امر لا يتعلق بما يتعلمه الانسان من اعمال ولكنها معرفة مرتبطة بالتكوين او الخلق , وسميت الفطرة فطرة لانها ترتبط مع الخلق من بدايته , وهي امر غير مكتسب بتعلم من الاخرين , فارتباطه بالفطر او الخلق سميت فطرة , وكل عمل يقوم به الانسان من غير تعلم مكتبسب بواسائل اكتساب المعرفة من سمع وبصر وفؤاد وما يتبعها من باقي الحواس هو امر فطري .
واهل الالحاد ينكروا الفطرة من حيث كونها موجودة , وهذا انكار عناد لاننا نعرف وجودها من المشاهد من تصرفات المخلوقات وافعال الناس , فان قال قائل هل تذكر لنا ادلة تبين صحة ما ذكرت من وجودها بتلك الصورة .؟ فنقول : تجد ذلك في كل المخلوقات في اعمال تقوم بها قبل ان تتعلمها من احد : كبحث المولود عن الحليب في موضعه ومصه الحليب دون ان يعلمه احد من قبل .
فهل تعلم المولود الرضاعة من احد ام انه عمل فطري بالغريزة ؟
ومن الفطرة معرفة وجود خالق يعرف بفضله على الناس . لذالك لا تجد امة لها تاريخ او حضارة الا وجدت لها معابد .

فيعترض معترض يقول : قلتم ان الفطرة في ادراك الخالق . فما دوروها ان كان الناس يعبدوا ما لا يحصى من الاله وهذا مشهود فيما نراه من معابد عبد فيه كل شيء الحجر والشجر والشمس والقمر والنجوم والناس وحتى الطين والفئران عبدت كلها فهل هذا مما يفسد قولكم من هذه الناحية ؟ فالجواب بالطبع لا . لان الفطرة تكون سليمة قبل ان يدخل الانسان عليها ما يفسدها ومع هذا فان الفطرة تنفي ان يكون شيء عبد من دون الله اله وانما يركن لذلك من اغلق قلبه وفتح سمعه دون وعي بتقليد من قبله عن غير بينة وهذا معنى قول الله تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ اي خلقوا على ذلك لا على الشرك والكفر .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم دور الفطرة وكيف يدخل على الانسان ما يفسد فطرته :

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء(حتى تكونوا أنتم تجدعونها) قالوا يا رسول الله أرأيت الذي يموت وهو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنهفطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم فالفطرة هي ما يجبل عليه الانسان دون تدخل احد . فاذا تدخل الاهل من اب او ام لا ينتهي دور الفطرة بل تكون مغروزة في قلب الانسان ولو انكرها بما غيره ابواه من تهويد او تنصير واو من تعليم ما يخالف وحدانية الله ووجوده .
ما دليل زوال ما ما يشوب الفطرة من تعليم الابوين ؟
ذلك يمكن معرفته من وجوه : الاول ان الابن بتبع والديه ولكنه ان لم يتعلم منهم لسبب ككسل الوالدين او عصيانهما انه لا يفعل ما يعتقدوا به .
الثاني : ان العقل لا يقبل ما يشوب الفطرة . فلا يقبل عاقلا ان يكون خالقه اضعف منه ولا اجهل منه ولا ان يكون اصما ولا يكون لغيره عليه فضل .
الثالث : ان الانسان لو عاش الحادا او شركا وتعرض لمحنة فانه سيترك كل شيء ويدعوا الله الواحد القهار.
الرابع : ان الالحاد لا يزدهر الابسفك الدماء والاكراه الجبري بعكس الاديان حيث يتوجه اليها الافراد دون اجبار اختياريا وبدون شذوذ بين الناس بعكس الالحاد بالله وجودا الذي يعتنقه بعض الناس شذوذا .
فالفطرة لا تفسد وانما يخالف صاحبها العمل . فالفطرة ملازمة للانسان حتى موته لانها ليست مما يكتسب من الافعالخذ الميثاق:قال الله عز وجلوَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) فهذا الميثاق الذي أخذه الله على عباده حجة عليهم ليعرفوا ان الخالق هو الله وليس غيره من ما يعبده الناس وهذه هي "فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا " ان يعبدوه ويعرفوه .

الاسلام والفطرة


لا يقصد بقولنا ان الاسلام دين الفطرة ان من يولد ولا يؤثر عليه أحد انه سيقوم بشعائر الاسلام من حج وعمرة وصلاة ظهر وعصر . ولكن نقول ان الاسلام كله من الفطرة السليمة وهو يقوم اساسا على توحيد الله .
فالفطرة السليمة تدعوا الانسان لعبادة ربه والعبادة لا تكون الابمثل ما يريد الخالق لا كما يهوى الانسان . والفطرة السليمة تقوم على المحافظة على النفس والعرض والمال والفطرة السليمة تدعوا الانسان للاعتناء بجسده ونظافته .
وتميز الاسلام بالفطرة ان الاسلام دين توحيد وعمل يضع كل شيء في مكانه الصحيح .
عن البراء بن عازب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به ) قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت ورسولك قال ( لا ونبيك الذي أرسلتوليس ذلك الا لما في هذا الدعاء من توافق مع الفطرة في توحيد الله عز وجل و والتوكل عليه في كل شيء.
وفي حديث الاسراء:قال وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر فيه خمر فقيل لي خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل لي هديت الفطرة أو أصبت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتكللان الفطرة السليمة ان يشرب الانسان ما يقوي جسده لا ما يذهب عقله .
وهو قول النبي ايضا:
( الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب )
لان الفطرة هنا هي الاسلام فطرة الله التي فطر الناس عليها .
فان قال قائل ما بال احكام الاسلام تقولوا عنها انها من الفطرة وتخبروا بنفس الوقت ان هذه الاحكام ليست الا مما يشرع الله عز وجل ؟ فالجواب ان الفطرة هي معرفة الله وتوحيده وعبادة الله لا تقوم الا بماشرع الله لا بما ابتدعه عباده او غيروا من امر العبادة او قصروا فيها لذلك يقال عن مخالفة الشرع بمخالفة الفطرة :و رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع ولا السجود قال" ما صليت ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمد صلى الله عليه وسلم"اي لم تقوم على الفطرة باتباع شرع الله الذي انزله على محمد صلى الله عليه وسلم .

العقل والفطرة
العقل والفطرة في توافق تام فلا يجوز ان يخالف العقل الفطرة ولا الفطرة تنافي العقل لذا كان كلام الله عز وجل في الدعوة الى الفطرة والتوحيد باستخدام العقل . وبيان ان كل من خالف التوحيد الذي تثبته الفطرة لله عز وجل قد خالف العقل : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) فمخالفتهم لفطرة الله عز وجل انما كانت من جهلهم بربهم :وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرفبين عز وجل ان عبادتهم لما عبدوا كانت بغير هدى من الله ولا علم وانما هو جهلهم وعبثهم أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192) وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (195ٍفما لا يستطيع ان ينفع نفسه كان لغيره اضعف من ان ينفع . فالفطرة ان وجهت بالعقل بعد تلويثها بادران الشرك يسيرها العقل نحو التوحبد وعدم عبادة مخلوق وهنا لم يجعل الله عز وجل من انكر وجوده ذا قيمة اذ ان من انكر وجود الله عز وجل انما انكر بأغفاله عقله وفطرته واتباعه هواه بغير علم . فكان من اتبع الفطرة ادعى لاستخدام عقله مع فطرته عن من انكر للعقل مكان وجعل هواه مقياس لاعمال الناس .
فيا من عرفت ان لك خاقا بالفطرة اتشرك به من هو دونك في المرتبة! ومن لا ينفهعك ولا يضرك ولايسمعك ولا يبصرك بل لهو ضعيف على نصر نفسه من مرض او ذبابة تطء قدماها على رأسه ! ايكون هذا شركا للهفَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَوذلك انهم عند الخوف يذهب كبرهم وتكذيبهم للحق بل سيدعو من تناديه فطرتهم وبمن يعرفوا حقا انه يناجيهم . فاذا عادوا للرخاء اهملوا فطرتهم وتركوا عبادة من دعوه واعطوا الاجر لمن لا يستحق قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينفلم يدعوا حجرا ولا بشرا بل توجهوا الى فطرتهم وعرفت عقولهم ضعف الناس امام تلك المصائب وان النجاة لا تكون الا بدعاء من دعت اليه الفطرة لينجيهم من كربهم .

قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قد يقول قائل اليس الامر على ما وصفت انهم استعانوا بالله في المصائب فهل يعقل ان يدعوا غيره نجاتهم ؟
العقل لا يدعوا الانسان لذلك ولكن الانسان عن الراحة لا يستخدم عقله وحده بل يدخل هواه او مزاجه ويترك ما عرف من الحق . ومثال هذا عندما تجد انسان ضاقت به الدنيا على مبلغ من المال فلم يجده الا عندك فسألك والح عليك . فان اعطيته ستسمع كلمات الثناء والدعوات ولكن بعد زوال الهم والكرب عنه يحقر ما فعلته له احيانا وقد يخاصمك ان طالبته بالمال .
فحاجته للمال في البداية نزعت عنه كل كبر وعرف كيف ينبغي ان يحمد صاحب الحق وزوال الخطر عنه كان طريقا للراحة ونكران الجميل .
 
عودة
أعلى