ادب الاشتراكية في شعرالصعاليك : عروة بن الورد

موسى حمدان

Active Member
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الجماهيرية العربية الليبية
جامعة الفاتح - طرابلس – ليبيا
الدِّراسات العليا: 1986/1985.
الاشتراكية في شعر الصَّعاليك
عروة بن الورد
اسم الباحث: موسى حمدان
هذا البحث مقدم إلى
د: عماد حاتم أستاذ الدراسات العليا
دبلوم الدراسات العليا / قسم الأدبيات
موسى حمدان
2013 م
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
المُقَدِّمَة
الحمد لله رَبِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على أفضل وأشرف المرسلين سيِّدُنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم وتابعي تابعيهم إلى يوم الدين.
إنَّ شخصية عروة بن الورد شخصية مُحَبَّبَةٌ لقلب كل إنسان شريف سواء كان غنيا كريما جواداً أو فقيرا محتاجاً، ولهذا فقد أحببتُ هذه الشخصية منذ أن علمتُ بأنَّه إنسان حاول جاهداً مساعدة الفقراء والمحتاجين، وجعل حياته كُلَّا ملكاً لهم.
لقد أسعفني الحظُّ بكتابة هذا البحث، وقد مَنَّ اللهُ عليَّ بإيجاد ديوان عروة بن الورد ليكون مَصدَراً أساسيَّاً تُستَقَى منه أخبار عروة ومعاملته لأخوته الصَّعاليك، وهناك مراجع أخرى تفيد الباحث عن حياة عروة سنذكرها في فهرسة هذا البحث، وكُتِبَ هذا البحث في ثلاثة فصول، وهي:
الفصل الأول: الحياة البدوية في العصر الجاهلي، ودور البيئة الصَّحراويَّة والحياة القبلية والفوارق الطبقية في تكوين شخصية الإنسان العربي في العصر الجاهلي.
الفصل الثاني: حركة الصعاليك ماهيتها، ومن هم الصَّعاليك، ومن خلالها درس الباحث حياة عروة ونسبه، وأسباب التَّصعلُك، ودوره في حركة الصَّعاليك.
الفصل الثالث: الاشتراكية في شعر الصَّعاليك، وقد اقتصرت الدِّراسة حول عروة بن الورد دون التَّطرُّق إلى الصَّعاليك الآخرين إلا لإثبات شيء يتعلَّق بحياة عروة ودوره في حركة الصعاليك، وبيان أهدافه الاشتراكية.
إضافة لما سبق، فقد نظَّم عروة حركة الصَّعاليك ونَحَى بها منحىً آخر، فبدل أنْ يعود الصُّعلوك بما يغنمه على نفسه فقد جعل عروة هذه الغنائم للصَّعاليك جميعاً، من غزا ومن لم يغزُ، وجعلها مشاركة للجميع.
وبهذا يكون عروة قد أرسى دعائمَ الاشتراكية في ذلك المجتمع الجاهلي قبل أنْ يتعرَّف العالم الأوروبيّ على الاشتراكية، وبذلك يكون الفضل للعرب في إظهار الاشتراكية إلى حيز الوجود عندما كانت أوروبا في ظلام دامس.
وأملنا في الله أنْ يؤَدِّيَ هذا البحث غايته في الدِّراسة، وأنْ نساهمَ ولو باليسير في إظهار الوجه الإنساني للعربي في العصر الجاهلي كرماً ومروءة.
الفصل الأوَّل: الحياة في العصر الجاهلي
البيئة الجغرافيَّة - الحياة القبليَّة - الفوارق الطَّبقيَّة
تمهيد
الحياة في العصر الجاهلي
الحياة العربية في العصر الجاهلي اكتنفها الكثير من الفقر والحرمان، ويعود ذلك لأسباب عدة، منها البيئة الجغرافية للأرض العربية حيث تحتلُّ الصَّحراء أجزاءً واسعة منها، وهذه الصَّحراءُ الممتدَّةُ الأطراف تكاد الحياة تنعدم فيها، فالإنسان العربي يعتمد على الرَّعي اعتماداً كبيراً، فمن أغنامه طعامه وكساؤه، وعلى إبله وخيله مواصلاته، ومن أوبارها وصوفها لباسه وفراشه وغطاؤه، فكان عليه أنْ يرتحلَ من مكانٍ لآخر بحثاً عن المرعى متتبِّعاً سقوطَ الأمطار، فأينما تسقط الأمطار يكثر الرَّعي، فتتجمَّع القبائل، وكذلك حول الأنهار.
أوجدت هذه الظروفُ الحياة القبليَّة والتعصُّب القبلي، كذلك أوجدت طبقات متفاوتة في المجتمع، حيث وُجِدَتْ طبقة الأغنياء أصحاب الغِنى والجاه والسُّلطان، وطبقة الفقراء التي تضمُّ الخدم والرُّعيان من أبناء القبيلة أو غيرها من القبائل والعبيد.
هذه الطَّبقات المتميِّزة المتفاوتة في التَّكوين الأُسَرِيِّ والقَبَلِيِّ والطَّبَقِيِّ أوجدتها قسوة الصَّحراء، وانعكستْ هذه القسوةُ على تكوين الإنسان العربيّ، فكثيراً ما كان ينزع إلى الكرم وإغاثة الملهوف، ولأقلِّ الأسباب نجدهُ شرساً في تعامله مع الآخرين للحفاظ على نفسِه وأسرته وقبيلته.
البيئة الجغرافية
تمتدُّ الرُّقعة التي يعيش عليها العربيُّ في شبه الجزيرة العربيّة إلى مسافات شاسعة من الصَّحراء الجرداء التي تكاد تنعدم فيها الحياة في بعض مناطقها، وذلك لقلَّةِ مياهها وندرة سقوط الأمطار فيها وانعدامها أحياناً، وكان العربيُّ آنذاك يعتمد اعتماداً كبيراً على الأمطار التي تسقطُ من وقتٍ لآخر، وفي مكان دون آخر، فتنبتُ الأعشابُ، ويتسابق إليها الرَّاعي العربيّ بأغنامه وإبله لاحتلالها دون غيره، وقد تكون فجائيَّة كارثيَّة تجرف سيولها ما يقع في طريقها.
كانت بعض الجماعاتِ من القبائل التي تعيشُ حول الآبارِ المُتفرِّقةِ في شبه الجزيرة العربيَّة من مكان لآخر، وتعتبرُ القبائلُ أنَّ هذه الآبارَ ملكٌ لها، فلا تستطيعُ القبائلُ الأخرى أنْ تقتربَ منها.
وهناك أيضاً سلسلة جبال الحجاز الموازية للبحر الأحمر تكثر فيها القبائل العربية التي تعتمد على التِّجارة رزقاً لها، ومناطقُهم غنيَّةٌ بمراعيها لكثرة سقوط أمطارها بالنَّسبة للمناطق الأخرى.
هذه البيئة الجغرافية المُتميِّزة، وتلك الصَّحراء الشَّاسعة القاسية كان لها أكبر الأثر في تكوين شخصية الإنسان العربيِّ سريع الغضب، قويِّ التَّحمل، كريماً، فكان تكوينه جزءً من تكوين هذه الصَّحراء، وما تَحمِلُه بين كثبانها الرَّمليَّة المُتحرِّكة المُتنقِّلة من حروب وأحداث جسام.
البيئة القبليَّة
نتيجة للبيئة العربيَّة المُتميِّزة بصحرائها ومياهها وأمطارها كان الإنسان العربيُّ قد تأثَّر بهذه الصَّحراء تأثُّرا كبيراً، فكان ابن الظُّروف الاجتماعية القاسية لقسوة الصَّحراء، فعاش ضمن قبيلته ليوفِّرَ لنفسِه ما لا يستطيعُ أنْ يوفِّرَه بمفردِهِ من حماية ورزق. فتسابقت القبائل وتكاثرت حول الأماكن التي تسقط عليها الأمطار، وكذلك حول الآبار، وللحفاظ على هذه المكتسبات تجمَّعت القبيلة بكل بطونها وعائلاتها وأفرادِها حول المكان، وأحياناً تعقد حلفاً مع قبيلة أخرى للحفاظ على هذا المرعى أو ذاك، وهذه البئر أو تلك، وعندئذٍ لا تستطيع أيّ قبيلة أخرى أنْ تقتربَ من مكتسباتها الطَّبيعيَّة من الماء والمرعى إلا إذا كانت أكثر عدداً وأعظم قوة حتى تستطيعَ أن تحتلَّ المكان.
لقد كانت الحرب تقوم بين قبيلة وأخرى حول بئر ماء، أو حول مرعى، وقد تقوم الحرب بين بطن وآخر من القبيلة نفسها كما حدث بين أفراد بني وائل حول المياه والمراعي التي استولى عليها كليب سيد تغلب من بني ربيعة وبني بكر، وكان معروفا للجميع ألَّا يرعوا ولا يسقوا إلا بعد أن تَصْدُرَ عنها إبلُ كليب، وأدَّى هذا إلى قَتْلِ كليب على يدي جَسَّاس بن مُرَّة أخي جليلة زوجة كليب، وسيد القبيلتين التغلبيَّتَين، وانقسمتا إلى بني ربيعة التغلبيِّين وبني مُرَّة البكريين، ورغم القرابة والنَّسب إلَّا أنَّ ذلك لم يمنع جسَّاس من أن يقتل زوج أخته كليب، ولم يقتله انتقاماً لناقة خالته البسوس،
ولكنها كانت سبباً لما يدور في نفس جسَّاس([1]).
وقد تأثَّر العربيَّ بالصَّحراء أيضاً لتجعله صبوراً يتحمَّل المشقَّة والسَّفر الطَّويل بحثاً عن مواطن الكلأ، وكريماً فتراه ينير النَّار ليلاً ليهتديَ بها سالكُ الصَّحراء، ونجد هذا واضحا في قول حاتم الطَّائيّ([2]):
فأبرزتُ ناري ثُمَّ أثقبتُ ضوءَها( ) وأخرجتُ كلبي وهو في البيتِ داخله
ونراه سمحاً ولكن سرعان ما يتحوَّلُ إلى أسدٍ شرسٍ إذا أحَسَّ أنَّ أحداً سيظلمه، كما في قول عنترة بن شداد([3]): أثني عليَّ بمــــا علــمتِ فإنَّني ( ) سمح مُخالفتي إذا لم أُظلمِ
فإذا ظُلِمْتُ فإنَّ ظُلمي باسلٌ ( ) مُـــرٌّ مَذاقَــــتُهُ كطـعمِ العلقمِ
وهذه حال المهلهل أخي كليب، فقد كانت حياته كلها لهواً ومجوناً حتى قُتِل أخوه كليب فنراه يتحول إلى مقاتلٍ لا يهابُ الموتَ، فيُحَرِّمُ على نفسِه حياته السَّابقة من لهوٍ ونساءٍ
وشرابٍ ليأخذَ بثأرِ أخيه، فيقول([4]):
خُذُوا العهدَ الأكيدَ عليَّ عُمري ( ) بتركي كلَّ ما حوت الدِّيارُ
وهَجْرِ الغانياتِ وشُـــــربِ كأسٍ ( ) ولبــسـي جُـــبَّةً لا تُســـــــــــتعارُ
ولســتُ بخـالعٍ درعــي وســـــيفي () إلى أن يخــلع اللـيـلَ النَّـهارُ
وإلا أنْ تبـــــــــيدَ ســــــــــــــــراةُ بكــــــــرٍ ( ) فلا يبــــــقى لــها أبــــــــداً أَثــــار
هذه الحياة الصَّعبة التي يعيشها الإنسان العربيُّ في الجاهليَّة كان لها أكبر الأثر في تكوين ملامحه الشَّخصيَّة والجسديَّة والعقليَّة، كذلك كان لها الأثر الكبير في تكوين الحياة القبليَّة، فسرعان ما تَتَحَرَّكُ القبيلة كاملةً بمجرد إحساسها بضيمٍ لأحد أبنائها، ونذكر على سبيل المثال حرب داحس والغبراء، وهُمَا فَرَسَا سِبَاق بين شخصين من قبيلتين، حرب حدثت في الجاهلية بين قبيلتي عبس وذبيان، و داحس حصان قيس بن زهير، والغبراء فرس حذيفة بن بدر، وكان السِّباق رهاناً على حماية قوافل النُّعمان بن المنذر، أوعز قيس بن زهير لأتباعه أن يعيقوا داحس إذا تقدمت السِّباق، ففعلوا وتقدمت الغبراء، وبعدما كُشِفَ الأمرُ بدأت الحرب بينهما ودامت أربعين عاماً قتل فيها عنترة وعروة بن الورد وغيرهم كثير من عبس وذبيان وسادتها.
الحياة الطبقية
الإنسانُ العربيُّ في العصر الجاهليِّ ابن ظروف اجتماعية صعبة وقاسية بقسوة الصحراء، أدَّت هذه الظروف إلى وجود طبقتين في المجتمع الجاهلي، وهما طبقة الأغنياء، وطبقة الفقراء، طبقة الأغنياء: وهي الطَّبقة الأغنى في ذلك المجتمع العربي، فهم يعتمدون التَّجارة حرفة لهم، وعليها اعتمادُهم في الحصول على المكانة العليا في هذا المجتمع الطَّبقي، وهم أصحاب الأموال والماشية، أصحاب الأرض والمراعي والسَّيادة، ولا يرون ما يمنعهم من إشباعِ جشعهم وطمعهم في كثرة ما يملكون، هذه الطَّبقة تضمُّ شيوخَ القبائلِ وسادتها، وهم المُمَوِّلون لهؤلاء الأغنياء، هذه الطَّبقة من التُّجار والأغنياء وشيوخ القبائل وسادتها يزدادون غِنَىً وسلطاناً على حساب الطَّبقات الأخرى من المجتمع، وهي الطَّبقة التي تُعتَبرُ سوقا رائجة لتجارة أولئك الأغنياء.
الطبقة الأخرى في المجتمع العربيِّ الجاهليِّ هي طبقة الفقراء، وتجمع هذه الطَّبقة بين جناحيها ذوي الدَّخل البسيط من الرُّعاة الذين يرعون لسادتهم أغنامهم وإبلهم، ومن الخدم الموالي والعبيد الَّذين يخدمون سادتهم في تسويق تجارتهم وتيسير كل سبل العيش الكريم لهم، ويقدِّمونها سهلة ميسورة، وعلى هذه الطَّبقة الضَّائع حقُّها أنْ تركضَ ليل نهار وبالسِّياط أحياناً لتوفِّر الحياة الحُرَّة الكريمة لتلك الطَّبقة من الأغنياء كما كانت طبقة العبيد تجارة رابحة للأسياد، فسرعان ما يكره السَّيِّدُ عَبْدَهُ فيبعده عنه أو يبيعه، وأحيانا يعجب السَّيِّدُ بعبدٍ آخر ويريده فيشتريه لنفسه من سيِّده، وبأسعار باهظة أحياناً، وما هذا العبد أو الخادم إلا سلعة تُباع وتشترى، وليس له الحقُّ في أنْ يبدي رأيه حتى في حياته فهي ملك سيِّدِه، ورأيه يصدر من خلال رأي سيِّدِه.
نتيجة لهذه الممارسات الطَّبقيَّة الخاطئة في هذا المجتمع الجاهليّ الطَّبقيّ ازداد الأغنياء غِنَىً وجاهاً وسلطاناً، وازداد الفقراءُ عدداً وفقراً وحرماناً وذُلاً، واتَّسعت الهوة بين الطَّبقتين، ونتيجة لهذا الاتِّساع كان لا بد من وجود طبقة ثالثة تملأ الفراغ وتُقرِّب بين الطَّبقتين. هذه الطَّبقة الثَّالثة تكونت من الفقراء والمحرومين الذين لا يملكون قوت يومهم، فلا يستطيعون الاقتراب من بيوت أسيادهم إلا لخدمتهم، وتنظيف موائدهم، فتمرَّدَ بعض أبناء هذه الطَّبقة على هذا النِّظام الطَّبقيّ المُتميِّز. وتضمُّ هذه الطَّبقة الثالثة الذين أرادوا أن يقرِّبوا بين الطَّبقتين وخاصة من أبناء الأسياد ويمثلهم عروة بن الورد، فأبوه الورد من سادة عبس، وعروة من الشَّباب الذين أرادوا أنْ يثبتوا شجاعتَهم وقوتهم، وتجمعُ هذه الطَّبقة كلَّ المخلوعين والمحرومين والمنبوذين والفقراء والمرضى من قبائلهم، تجسدت هذه الطَّبقة الثالثة من كلِّ الفئات من الفقراء في حركة الصَّعاليك.
الفصل الثاني: التَّصَعْلُك
عروة بن الورد، نسبه وحياته، تصعلُكُه
نسبه وحياته:
عروة بن الورد بن زيد العبسي، وقيل ابن عمرو بن زيدمنغطفان([5])، وعرف عنه بأنَّه سَيِّدٌ من عبس ووالده من سادة عبس، كريم، شاعر، فارس، شجاع مقدام، وهو شاعر جاهلي عاش في الجزيرة العربية، وأُمُّه نهديَّة من بني نهد، تزوَّجها والده الورد ثم تركها بعد أن تزوَّج العبسيَّة أم طلق، فهو ابن سيِّدٍ من سادة عبس، لكنَّ زواج والده من أُمِّ أخيه طلق العبسيَّةِ كان شُؤْماً ووبالاً على عروة وأُمِّهِ النَّهديَّة، فقد أجبرت أم طلق العبسيَّة زوجها الورد أنْ يعامل ابنها طلق معاملة أفضل من معاملته لأخيه عروة بن النَّهديَّة بالرَّغم من أنَّه عبسيّ، ثم تغيرت معاملة الورد لزوجته النَّهديَّة أم عروة، ولهذه الأسباب عاش عروة وأُمِّهِ النَّهديَّة بعيداً عن رعاية وحنان والده، وآثر البقاء مع أُمِّه ليعيش حياة كلها ظلمٌ وشقاء بعيداً عن كراهية زوج أبيه له ولأُمِّه إلا من حنان والدته النَّهديَّة. لم يستطع عروة أنْ يقاسمَ أخاه طلق عطف والده لأسباب منها أمُّ طلق، وسبب آخر وهو الأهم أنَّ عروة يرى أنَّ العارَ يأتيه من أخواله بني نهد، لقوله([6]):
وما بي عــــارٍ أخـــــــــال عــلــمـــــــــــــــــــــتُه ( ) سوى أن أخوالي إذا نسبوا نهدُ
إذا ما أردتُ المجد قصَّر مجدهم ( ) فأعيا عليَّ أن يقاربني المجد
وأمُّهُ كذلك، فقد كان أبناء العبسيِّين يعيِّرونه بأنَّ أُمَّهُ غريبة، وهذا أيضاً منعه من مجاراة أبناء عبس في طلب المجد، حيث يقول([7]):
هم عيَّــــــــروني أنَّ أُمِّي غريبـــــــــــــةٌ ( ) وهل في كريمٍ ماجـــــدٍ ما يُعَــــــــــيَّرُ
وقوله([8]): أعيــــرتمـــــوني أن أُمِّي تـريعـــــــــــــــــــة ( ) وهل ينجبن في القوم غير التَّرائع
هذه بعض من الأسباب التي جعلت عروة يتصعلك، ولو لم يكن عروة قويَّاً وسَيِّداً لما استطاع أنْ يصبحَ أبَ الصَّعاليك، حامياً لهم من أذى السَّادة، ولما استطاع أنْ يقرِّبَ بين طبقة الأغنياء والفقراء، ويجعل الصَّعاليك ذوي مكانة في المجتمع الجاهلي.
ألقابه: عروة الصعاليك، أبو الصعاليك، أبو الفقراء، أبو المساكين وأميرالصعاليك، واكتسب هذه الألقاب لما قام به من تنظيم حركة هؤلاء الرجال من شتى القبائل، وحمايتهم من سادة القبائل وخاصة عبس التي كانت حِلَّاً لهم بحماية عروة.
نساؤه: أم عروة تزوجها وتركها حاملا([9])، من حديث المنصور العباسي: "قال الشَّيخ للمرأة وأعجبه ذلك (قيام عروة الابن بحلب النُّوق وشربهم الحليب الذي حلبه): كيف ترين ابني؟، فقالت: ليس بابنك. قال: فابن من ويلك؟ قالت: ابن عروة بن الورد، قال: ومن أين؟ قالت: أتذكر يوم مرَّ بنا ونحن نريد سوق ذي المجاز، فَقُلْتَ: هذا عروة بن الورد، ووصفته لي بجلد فإنِّي تزوَّجت به"، فوضعت ابناً أسمته عروة باسم أبيه.
ومن نسائه ليلى من بني عامر([10]) في قول عروة يعير بني عامر:
إن تأخذوا أسماء موقف ساعةٍ ( ) فمأخذ ليلى وهي عذراء أعجب
وسليمى في قوله([11]): وقد علمت سُلَيْمَى أنَّ رأيي ( ) ورأي البخل مختلفٌ شتيت
وهي أمُّ حسان بنت المنذر([12]) التي نهته عن الغزو، فيرد عليها لقصيدته: أقلِّي اللَّوم:
أقِلِّى اللَّوم يا بنتَ منذرٍ ( ) ونامي وإنْ لم تشتهي النَّوم فاسهري
وأُمُّ وهب زوجته لقوله([13]): تبيت على المرافق أّمُّ وهب ( ) وقد نام العيون لها كتيتُ
وهي سلمى الكنانيَّة، وقال فيها قصيدته أين ديار سلمى؟، ومطلعها،
أرقت وصُحبتي بمضيق عمق ( ) لبرقٍ في تهامة مستطير
إلى أنْ يقولَ: إذاً لملكتُ عِصمةَ أمِّ وَهْبٍ ( ) على ما كان من حَسَكِ الصُّدور
ومن نسائه تماضرُ التي دعته للخروج ليصيب مالا ففيه الجاه، والفقر فيه مذلَّةٌ، في قصيدته بعنوان: المال مهابة والفقر مذلة، حيث يقول([14]):
قالت تماضِرُ إذ رأتْ حالي خَـــوَى ( ) وجــفا الأقاربُ فالفـــؤاد قريـــحُ
ما لي رأيتُـــــــكَ في النَّــــديّ منكِّــساً ( ) وَصِبَاً كأنَّك في النَّديِّ نطيح
خاطر بنفسِكَ كي تصيب غنـيمةً ( ) إنَّ القعــــودَ مع العـــيالِ قبــيح
المـــــــالُ فــيــه مهـــــابــةٌ وتَجِــــــلَّـــــــةٌ ( ) والفــــقـرُ فـــيه مذلَّــةٌ وفُضُــــوح
وهناك غيرهنَّ سباهُنَّ ولم تذكر المصادر إذا تزوج بهنَّ أم لا.
ومن جميل صُنْعِهِ مع أصحاب الكنيف عندما أخذ إبلَ وزوجةَ رَجُلٍ من ماوان بعد أن قتله، فأخذ نصيبه من الإبل والمرأة، فقال له أصحاب الكنيف([15]): "لا واللاّت والعُزَّى لا نرضى حتى نجعل المرأة نصيباً، فمن شاء أخذها، فجعل يَهِمُّ بأنْ يحملَ عليهم فيقتلهم، وينتزعُ الإبلَ منهم، ثم يذكر أنَّهم صنيعته، وأنَّه إن فعل ذلك أَفْسَدَ ما كان صنع، ففكَّرَ طويلا ثم أجابهم إلى أنْ يَرُدَّ عليهم الإبل إلا راحلةً يحمل عليها المرأة حتى يلحق بأهله، فأبوا ذلك عليه حتى انتدب رجلاً منهم، فجعل له راحلة من نصيبه"، فقال فيهم([16]):
ألا إنَّ أصحاب الكنيف وجدتُهم ( ) كما النَّاسُ لمَّا أخصبوا وتموَّلوا
ومنها: فباتتْ لِحَـــــدِّ المرفقــــين كليهما ( ) تُوَحْــــوِحُ مـــــمَّا نابـــــــــــها وتولــــــــــولُ
وفي قصيدة أخرى فيهم، لكنَّها في رجلين هما بَلْج وقُرَّة، يقول مطلعها([17]):
أَأَيِّ النَّاسِ آمَنُ بعد بلجٍ ( ) وقُرَّةَ صاحبيَّ بذي طلال
هذا هو عروة بن الورد، لقد عاش عمره في الغزو ليملأَ أفواهَ الجياعِ ليس في عبس فقط، وإنَّما في كلِّ قبائل العرب، وكان لهم نعم السَّيِّدُ الرَّحيم بهم، العطوف عليهم، وكان كأيِّ واحد فيهم، وكان أحياناً يفضِّلُهم على نفسِهِ، فيُطعمُهم ويحرمُ نفسَهُ من غنائم غزواته، وأكبر دليلٍ على ذلك أصحاب الكنيف وموقفهم منه عندما استأثر بنصيبه والمرأة الماوانيَّة، وموقفه من بلج وقُرَّة.
وبالرغم من أنَّهُ من السَّادة وابن سيِّدٍ منهم إلاَّ أنَّهُ فضَّل أنْ يعيشَ مع الفقراء والمرضى والخُلعاء والشُّذَّاذ والمنبوذين واللُّصوص واللُّقطاء، وكلِّ من لم تكن له مكانة في قبيلته، وقد تعرَّض عروة لنفس المعاملة، ولكن ليست من القبيلة، وإنَّما كانت من زوجة أبيه أم طلق العبسيَّة، وموقفها من أمِّ عروة النَّهديَّة الأقل مكانة في عبس، وبالرَّغم من موقف أبيه وأخيه طلق إلى جانبه إلا أنَّه آثر على نفسِهِ أنْ يكون وأمُّه تحت رحمتها فعاش إلى
جانب أُمِّهِ بعيداً عن السَّادة في جانب من جوانب قبيلة عبس.
هذا الموقف النَّبيل الذي وقفه عروة بن الورد إلى جانب هذه الفئة التي تحتاج إلى من يقف إلى جانبها جعله أميراً وقائداً للصَّعاليك، والأنبلُ في مواقفه أنَّهُ كان يغيرُ على الأغنياء البخلاء، وليس على الأغنياء الكُرَمَاء، وذلك لأنَّهُ يرى أنَّ للفقراء حقَّاً في أموال هؤلاء الأغنياء الذين جمعوا ثروتهم على حساب هؤلاء الفقراء، وفي ذلك يقول([18]):
ما بالثَّـــــراء يســـــودُ كلُّ مســـــــوَّدٍ ( ) مُثْرٍ، ولكنْ بالفِـــعالِ يســودُ
بل لا أُكاثِرُ صاحبي في يُسْرِهِ ( ) وأَصُدُّ إذْ في عيشِهِ تصريدُ
فإذا غُنـــيتُ فإنَّ جــــــاري نَيْـــــــلُهُ ( ) من نائلي ومُيَــسَّري معـــهود
وإذا افتـــقرتُ فلن أرى مُتَــخَشِّــعاً( ) لأخي غِنى معروفُهُ مكــدودُ
وذكرت المصادر أَنَّ وفاته سنة: 592، 593، 594، 596، 616م، وأكثر المصادر أن وفاته سنة 594م.
التَّصَعْلُك
ما هو التَّصعلك؟ ومن هم الصَّعاليك؟
تحدَّث ابن منظور عن الصَّعلكة، فقال([19]): "يقالُ لصعاليك العرب ولصوصِها ذؤبان العرب، لأنهم كالذِّئاب، وذئبان العرب لصوصهم وصعاليكهم الذين يتلصَّصون ويتصعلكون"، وقال أبو زيد القرشيّ([20]):"الصُّعلوك الفقير، المتفرِّد للغارات".
يتَّضح مما سبق أنَّ الصُّعلوك ليس الفقير، وإنَّما هو الإنسان المتمرِّد على النِّظام الطبقي السَّائد في المجتمع الجاهلي لِيَغِيْرَ على أموال الأغنياء، أو ما يقع تحت يديه ليس لفقره، وإنما حُبَّاً في الإغارة، ويوضح د. الخواجة فيقول([21]): إنَّ من الصَّعاليك الفقراء المُتمرِّدين الذين تصعلكوا نتيجة لتلك الظُّروف الاقتصادية المختلفة التي تسود المجتمع الجاهلي". لكن هؤلاء المُتمرِّدين ليسوا جميعاً فقراء، وإنْ أُورِدَ ذلك في فئة الصَّعاليك المتمرِّدين، والدَّليل أنَّ عروة بن الورد قد جعلوه في هذه الفئة ولم يكن فقيراً، فهو ابن سيد من سادة عبس، وإن عاش حياةً أشبه بحياة الفقراء، ولم يكنْ ذلك لفقره، وإنما كان نتيجة للمعاملة السَّيئة التي لقيَها وأُمُّهُ من والده، فقد عمل الورد ابنه طلق معاملة أفضل من معاملته لعروة، وكذلك معاملته لأمِّ طلق غير معاملته لأمِّ عروة، ولهذا آثر عروة المعيشة وأمُّه مع الصَّعاليك، وكان ذلك سبباً جعل عروة ثائراً على النِّظام الطَّبقي السَّائد آنذاك، وفي ذلك يقول عروة([22]):
ما بي من عار أخال علمتُهُ ( ) سوى أنَّ أخوالي إذا نسبوا نَهدُ
ويقول د. يوسف خليف بأنَّ الصَّعاليك يتألَّفون من([23]): "طائفة الخلعاء والشُّذَّاذ الَّذين أنكرتهم قبائلهم، وتبرَّأت منهم، وطردتهم من حماها، وقطعت ما بينها وبينهم من صِلة، ...وطائفة الأغربة السُّود الذين سرى إليهم السَّواد من أمهاتهم الإماء،...وطائفة الفقراء المُتمرِّدين الَّذين تصعلكوا نتيجة الظُّروف الاقتصادية المختلفة التي تسود الجاهلي". ونرى أنَّ النَّوع الأول وهم الخلعاء لم يتصعلكوا لفقرهم، وإنما تصعلكوا لتشبيبهم بالنِّساء، فقد يكونون من أبناء السَّادة، ومنهم المُزَنِيُّ الشَّاعر صخر الغي([24])، وهو من صعاليك عروة، والنَّوع الثَّاني لم يتصعلكوا لأنهم فقراء لكنهم تصعلكوا نتيجة التَّعصُّب العنصري للون البشرة، فقد أُجبروا على التَّصعلك لأنَّهم أولادٌ غير شرعيين، ولم تكن لهم القوة الكافية ليثبتوا بنوتهم لآبائهم، ومثال ذلك عنترة بن شدَّاد لو لم يكن قويَّاً لما استطاع أنْ يُجبرَ والدَه شدَّاد وبني عبس على أن يثبتوا أبوة شدَّاد له، وإلا لتصعلك كغيره من الصَّعاليك، فقد كان كلٌّ من أخويه شيبوب وبُجَير عبدين لكنَّهم لم يستطيعوا أن يجبروا آباءهم على الاعتراف بهم فتصعلكوا([25])".
مما سبق يتَّضحُ أنَّ الصَّعلكة: التَّمرُّد على النِّظام الطَّبقي السَّائد في المجتمع الجاهلي، هي: تمرُّدُ السُّود على من لم يعترفوا بأبوتهم، وتمرُّد الخُلعاء على نبذ القبيلة لهم، وهم المتمرِّدون على النِّظام الطَّبقي القبلي في المجتمع الجاهلي، وهم الذين أُجبِروا على التَّصعلُك تمرُّداً على قبائلهم، ومنهم كانت الصَّعلكة ليستطيعوا أن يأخذوا حقوقهم، فقد كانوا يغزون قبائلهم ليحصلوا على حقوقهم بالقوة.
ينتمي عروة بن الورد إلى الفئة الثَّالثة التي انبثقت من الطَّبقتين اللَّتين أوجدتهما حياة الصَّحراء القاسية في الجزيرة العربيَّة، فقد انتسب عروة إلى فئة الفقراء الصَّعاليك ليس لفقره، وإنَّما إحساساً منه بهؤلاء الفقراء، ومحاولة منه للقضاء على التَّفرقة في المجتمع الجاهلي، ومحاولة منه للتَّقريب بين الأغنياء والفقراء، حيث أنَّه يمثل الطبقتين، فهو ابن السادة الأغنياء، ومن جهة أخرى ابن امرأة نهديَّة وأهلها أخواله ليسوا من ذوي الحسب والنَّسب، وهذا ما جعله بعيداً عن مجالس السَّادة النُّجباء، وسبباً في تصعلُكِه.
ولم يتصعلكْ لفقره وحاجته، وإنَّما تَصَعْلَكَ ثائراً على النِّظام الطَّبقي ليعطيَ الفقراء بعض حقوقهم، وليملأَ البطون الجائعة المحرومة في عبس وغيرها، ولِيُطْعِمَ النِّساء اللَّائي يستعِنَّ به ليطعمنَ أبناءَهُنَّ، ويبتعدْنَ عن ذُلِّ السُّؤال أمام بيوت السَّادة الأغنياء. وقال في ذلك([26]): دعيني للغنى أسعى، فإنَّني( ) رأيتُ النَّــاسَ شــرُّهــمُ الفقـــيرُ
وأبعـــدهــم وأهــــونهـم عليــهم( ) وإنْ أمسى لهُ حسبٌ وخِيــرُ
ويُقـصــيه النَّــــدِيُّ، وتزدريهِ( ) حلــيلــتُهُ وينـهــرُهُ الصَّــغــــــــير
لم يتصعلكْ عروةُ لأنَّ قبيلتَه خلعته فهو مازال عبسيَّاً حتى وهو مع الصَّعاليك، ويعترفُ بأنَّ سَيِّدَ عَبْسٍ سَيِّدُه، ويقول في ذلك([27]):
لكــــــلِّ أُنـــــــــاسٍ ســـيِّــــدٌ يعــرفــــــــونه ( ) وسيِّـــدُنا حتى المــماتِ ربيــــــعُ
إذا ما أمرتني بالعقوق حليلتي ( ) فلم أعصِها، إنِّي إذاً لَمَضِيْعُ
ومن أسباب تصعلكه الفارق الاجتماعي بين النَّاس، فيقول([28]):
إذا قلــتُ جاء الغِـــنى، حــــال دونه ( ) أبو صبيةٍ، يشكو المفاقِرَ، أعجفُ
له خِــلَّـــــــةٌ، لا يدخــــلُ الحـــقُّ دونها( ) كريمٌ أصـــابتـــه خطــــــوبٌ تُجــــــــرِّفُ
فإنِّي لمُســـتاف البـــــــلاِد بِسُــــــــــــــرْبَةٍ( ) فمُـــبلغُ نفسـي عُـذرَها، أو مُطــوَّفُ
رأيتُ بني لُبنى عليهم غضاضةٌ( ) بيــوتُـــهمُ، وســـطَ الحلـــولِ، التَّكَـنُفُ
وتصعلك ليوفِّرَ للفقراء ما يحتاجونه، وليبعدَ عن نفسِهِ الفقرَ، فالفقيرُ لا مكان له في هذا المجتمع، ويبتعد عنه أقاربه، ويقول في ذلك([29]):
إذا المَــــرءُ لَمْ يطــلبْ معــاشــاً لنـفســِهِ ( ) شكا الفقرَ، أو لام الصَّديق فأكثرا
وصار على الأَدْنَيْنِ كَلَّاً، وأوشكتْ ( ) صِــلاتُ ذوي القربى لهُ أن تَنَـــكَّرا
ولُقِّبَ عروة بعروة الصَّعاليك، لأنَّه([30]): "كان يجمع الفقراء في حظيرة فيرزقهم ممَّا يغنمه"، ولقوله([31]): لحى الله صعلوكاً إذا جنَّ ليلُهُ ( ) مصافي المُشاش، آلِفاً كلَّ مجزر
ويقول ابن الأعرابي([32]): سُمِّيَ أبا الصَّعاليك لفعله مع بني عبس، وجاء في الموسوعة العالمية للشِّعر العربي([33]): " أجدب أُناسٌ من بني عبس في سنةٍ أصابتهم، فأهلكت أموالهم وأصابهم جوع شديد وبؤس، فأتوا عنترة بن الورد فجلسوا أمام بيته، فلمَّا بصروا به صرخوا وقالوا: يا أبا الصَّعاليك"، كان يلقب بعروة الصعاليك لجمعه إياهم، وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم..
يتَّضح لنا ممَّا سبق أنَّ عروة سُمِّي عروة الصَّعاليك أو أبا الصَّعاليك لأفعاله المجيدة الكريمة مع الفقراء، ولم تكن للغنى، وكذلك صعلكة عروة تختلف عمَّن قبله من الصَّعاليك، طباعهم تختلف عن طباعه، ممارساتهم تختلف عن ممارساته، ولذا نستطيع أن نضع عروة في مكانة غير مكانتهم حيث سعى لغيره، وكان أجودهم فلم يستأثر بشيء عنهم، فقد جعل نفسه واحداً منهم، وما يبقى له من الغنائم يتصدَّق به على من استجدَّ من الفقراء الذين لم يأخذوا نصيبهم مما غنمه وأصحابه، وأحيانا كان لا يجد في بيته ما يأكله، وتكون نفسه راضية بما يفعله، فيكتفي بشرب الماء، يقول([34]):
أقَسِّمُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ ( ) وأحسو قُراح الماء والماء باردُ
فلقد كان دافعه إلى الصَّعلكة ليس لفقره، وإنَّما ما يراه واجباً عليه نحو الفقراء والمعوزين من عبس، فيقول([35]): قليل التماس الزاد إلا لنفسِهِ( ) إذا هو أضحى كالعريشِ المُجَوَّرِ
يُعينُ نساء الحيِّ ما يستعِنَّه( ) فيــمسي طريحاً كالبعــيرِ المُحسِـرِ
ويقول([36]): دعيني أطوفُ في البلاد لعلَّني ( ) أفيدُ غنى فيه لذي الحــقِّ محملُ
أليــــس عظــــيماً أنْ تلــمَّ مُلِــمَّـــــــــــةٌ ( ) وليس علينا في الحقـــــــوقِ معوَّلُ
لم يتصعلك عروة لفقره، والدَّليل على ذلك أنَّ والده الورد وهو من سادة عبس قد عرض عليه أكثر من مرَّة أن يترك الصَّعلكة ويأخذ منه ما يريد([37])، ولم يتصعلك لأنَّ قبيلته قد خلعته، وذلك واضح من موقف الربيع بن زياد سيد عبس إلى جانب عروة، عندما سبى المرأة الكنانيَّة، وكذلك عندما حاول بعض بني عبس التَّخلُّص من عروة، فأرسلوا من يقتله بمدية، لكنَّ جَبَّار ابن عمِّهِ قد نَجَّاهُ من طعنِهِ بسكينِ ذلك القاتل([38])، ولم يكن عروة عبداً أسوداً ليبتعدَ عنه والده فلا يُلْحِقًهُ بنسبه، لكنَّ صعلكته كانت بسبب الفارق الاجتماعي، وما يلاقيه الفقراء من ذُلٍّ وعسف وجور.
التحق عروة بالصَّعاليك والفقراء لأنَّه شبَّ وترعرع، وأصبح إنساناً لا يهاب المنايا ولا المخاطر، فالحياة عنده والموت سواء، حيث يقول([39]):
فإنْ فاز سهمٌ للمنيَّة لم أكُنْ ( ) جزوعاً، وهل عن ذاك من مُتَأَخَّر
وانضمَّ عروة إلى الصَّعاليك لأنَّه يجد في نفسِه المقدرة لاغتنام ما يدفع به عن الصَّعاليك جوعهم وذُلَّهم، وأصبح العقلَ المُفكِّر والمُخَطِّطَ لهم، وبالرغم من سيادته عليهم إلاَّ أنَّه لم يكن ذاتيَّاً كالَّذين سبقوه، فقد كان الصَّعاليك يغيرون ولا يحسبون حساب غيرهم، لكنَّ عروة أغار لغيره ولنفسِه، ومن هنا حوَّل عروة الصَّعلكة عن سيرِها التقليديّ، ونحى بها منحىً آخر لتوفير فرص العيش للجميع، وبهذا يكون دافعه للصَّعلكة دافعاً إنسانيَّاً، وبهذا فقد وضع عروة أُسُسَ الاشتراكية في حركة الصَّعاليك، فكان يغزو بهم ولهم، ولا يؤثر نفسَه عليهم، ويقسِّم الغنائم بينه وبين جميع الفقراء الذين شاركوه الغزو، ومن لم شاركوه، ونرى ذلك جليَّاً واضحا في قوله([40]):
فإذا غنيتُ فإنَّ جاري نيلُه ( ) من نائلي، ومُيَسَّري معهودُ
ويرى عروة أنَّ ما يملكُهُ هو ملك لجميع النَّاس، ولم يكن فقيراً، وإنَّما كان صعلوكاً، والصُّعلوك([41]): "المتجرد للغارات"، أو لنقُل أنَّه جعل نفسَه صُعلوكاً ليقاسم هؤلاء الفقراء حياتهم، ويقوم على أمرهم، ويرفع من مكانتهم في هذا المجتمع الجاهلي، فعروة لا يريد أنْ يكون غنيَّاً، ولا أنْ يعيشَ حياة الأغنياء، لأن ذلك سيجعل الفقراء ينظرون إليه نظرتهم إلى الأغنياء، يقول د. عمر فرُّوخ عن عروة أنَّه لا يطلبُ الغِنى([42]): " إذا كان في الغنى مذلَّة له"، ويقول جواد علي بأنَّ عروة([43]): " لم يكن فقيراً محتاجاً من لفظة صُعلوك"، ويضيف([44]): "وما روبن هود الإنكليزي الذي آثر التَّصعلُك وغزو الأغنياء، لإنفاق ما يحصل عليه على الفقراء لإعاشتهم، إلا صورة من صور غارة عروة".
من كُلِّ ما تقدَّم نجد أنَّ عروة لم يكن لا فقيراً، ولا صُعلوكاً، وإنَّما جعل نفسَه واحداً من أولئك الفقراء الصَّعاليك الذين أكل المجتمعُ الطَّبقيّ الجاهلي حقوقَهم، وضمَّ عروة نفسَه لهم فتصعلك ليردَّ لهم بعض هذه الحقوق، ولو كان عروة صعلوكاً لما قال عنه عبد الملك بن مروان([45]): من زعم أنَّ حاتماً أسمح النَّاس فقد ظلم عروة بن الورد، وأضاف ([46]): ما يسرُّني أن أحداً من العرب ممَّن ولدني لم يلدني إلا عروة، لقوله:
إنِّي امــــرؤٌ عافي إنائي شــركــةٌ ( ) وأنت امـــرؤٌ عافي إنائــك واحـــــــــــــــــــــدُ
أتهزأ منِّي أنْ ســمِنتَ وأن ترى ( ) بجسمي شحوب الحقِّ والحَقُّ جاهد
أُفرِّقُ جسمي في جســومٍ كثيرة () وأحســـــوا قــراح المــــاء والمـــــــــــاء باردُ
كلُّ همِّ عروة بن الورد أنْ يعايشَ هؤلاء الفقراء ليعوِّضَ لهم بعض ما فقدوه من مكانتهم في هذا المجتمع الطَّبقي الجاهلي.
1.القرآن الكريم.
2. إبراهيم شحادة الخواجة، عروة بن الورد: حياته وشعره، ط:1، المنشأة الشعبية، ليبيا، 1981م.
3. ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، ط: بولاق، 1301هـ.
4. أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، بيروت لينان، لات.
5. أبو زيد محمد بن الخطاب القرشي، جمهرة أشعار العرب، تحق: علي محمد البجاوي، نهضة مصر، القاهرة، 1981م.
6. أحمد أمين، الصَّعلكة والفتوة في الإسلام، دار المعارف، القاهرة: مصر،1952م.
7. أحمد أمين، فيض الخاطر، ط:3 : مكتبة النهضة المصرية، 1956م.
8. جواد علي، المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط:1، بيروت لبنان،1968.
9. ديوان عروة بن الورد: أميرالصعاليك، تحق: أسماء محمد أبو بكر، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، لات.
10. ديوان المتنبي، شرح مصطفى سبيتي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان،1986.
11. كرم البستاني، ديوانا عروة بن الورد والسَّموأل، دار لبنان للطباعة، بيروت لبنان، 1946م.
12. الطَّاهر أحمد الطرابلسي، مختار القاموس، ط:2،العربية للكتاب، ليبيا وتونس، 1977.
13. عبد السَّلام هارون وآخرون، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، لا مط، لات.
14. عمر فرُّوخ ، تاريخ الأدب العربي ط:1، دار العلم للملايين، بيروت: لبنان، 1965.
15. الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، تحق: مجدي فتحي السيد، المكتبة التوفيقية، القاهرة: مصر، لات.
16. أبو الفضل جمال الدِّين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت لبنان، 2003م.
17. يوسف خليف، الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، ط: 2، لا مكان، 1966م.
ومن المراجع:
1. الإذاعة المرئية للجماهيرية الليبية، مسلسل: عروة بن الورد.
2. الجميلاطي علي محمد وآخرون، الأدب والنُّصوص، للصَّف العاشر، ناصر للثقافة، بيروت لبنان، 1982م. المنهاج الليبي.
3. قصة المهلهل، المنهاج الليبي للعام الدراسي: 1986 – 1985م.
موسى حمدان 2013 م


[1] . عن قصة المهلهل:
[2] . الجميلاطي علي محمد وآخرون، الأدب والنُّصوص، للصف العاشر، ناصر للثقافة ، لبنان بيروت، 1982م، ص: 57.
[3] . عمر فرُّوخ ، تاريخ الأدب العربي ( الأدب القديم) ط:1، دار العلم للملايين، بيروت : لبنان، 1965. ص: 209.
[4] . الأدب والنصوص: ص:20.
[5] . أبو الفرج الأصبهاني، الأغاني، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، بيروت لينان، لات ، 184:2.
[6] . كرم البستاني، ديوانا عروة بن الورد والسَّموأل (ديوان عروة)، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت لبنان، 1946م: ص: 26.
[7] . الديوانان، ص: 40.
[8] . نفس المصدر، ص:50. الترائع جمع تريعة، المرأة المسرعة إلى الشَّرِّ.
[9] . الديوانان، ص: 15.
[10] . نفس المصدر ، ، ص:18.
[11] . نفس المصدر: 21.
[12] . نفس المصدر،ص: 35 - 38.
[13] . نفس المصدر ، ص: 20، الكتيت شخيرها كغليان الماء.
[14] . نفس المصدر، ص: 24.
[15] . الديوانان، ص:56 - 58.
[16] . نفس المصدر، ص: 57 – 56.
[17] . نفس المصدر، ص: 59.
[18] . الدِّيوانان، ص: 27.
[19]. ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، ط: بولاق، 1301هـ، مادة: ذأب.
[20] . أبو زيد محمد بن الخطاب القرشي، جمهرة أشعار العرب، تحق: علي محمد البجاوي، نهضة مصر، القاهرة، 1981م، ص: 565.
[21] . د. إبراهيم شحادة الخواجة، عروة بن الورد: حياته وشعره، المنشأة الشعبية للشر والمطابع، ليبيا، 1981م، ص: 10.
[22] . الديوانان، ص: 26
[23] . د, يوسف خليف، الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، ط: 2، لا مكان، 1966م، ص: 58-57.
[24] . المصدر نفسه.
[25] . الإذاعة المرئية للجماهيرية الليبية من مسلسل عروة بن الورد.
[26] . الديوانان: ص: 45. وفي رواية الأدب القديم لفروخ: ذريني
[27] . نفس المصدر ، ص: 49.
[28] . نفس المصدر: ص: 52. مستاف: قاطع مسافة، سربة: مجموعة الإبل، الحلول: الناس النازلون، غضاضة: الخجل والحياء من الناس.
[29] . الديوانان، ص: 44. الكَلُّ: الثقيل لا خير فيه،
[30].الطَّاهر أحمد الزَّاوي الطرابلسي، مختار القاموس، ط: 2، الدار العربية للكتاب، ليبيا وتونس، 1977، ص: 356.
[31] . الديوانان، ص: 37. مصافي المُشاش: مؤثر للأكل، المُشاش: رأس العظم الهَشّ،
[32] . الأغاني، ص: 187: 2.
[33]. الموسوعة العالمية للشعر العربي. أدب، موقع نت.
[34] .الديوانان، ص: 29.
[35] .نفس المصدر، ص: 37. المجوَّر الساقط، والعريش شبه الخيمة، طليح: لا يقدر على العمل، المحسر: الضعيف.
[36] . نفس المصدر ، ص: 62.
[37] . التلفزيون الليبي، عن مسلسل عروة بن الورد،
[38] . المصدر نفسُه.
[39] . الديوانان، ص: 36.
[40] . المصدر نفسُه ، ص: 27.
[41] . المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، ط:1، بيروت لبنان، 1968م، 601/9.
[42] . الأدب القديم، 58/1.
[43] . المفصَّل: 412/4.
[44] . المصدر نفسه.
[45] .الأغاني، ص: 184/2.
[46] . المصدر نفسُه. وفي الديوان، بجسمي شحوب وفي الديوان، بوجهي، أفرِّقُ وفي الديوان أُقسِّم.
[47] . عروة بن الورد، ص: 111.
[48] . . أحمد جامع، المذاهب الاشتراكية، ص: 12.
[49]. القرآن الكريم، سورة التوبة: آية 60.
[50]. نفس المصدر، سورة البقرة آية 267
[51] . القرآن الكريم، سورة التَّوبة 103.
[52] . الديوانان، ص: 29.
[53] . الديوانان، ، ص: 37.
[54] . نفسُ المصدر ، ص: 45.
[55] . نفس المصدر ، ص: 51.
[56] . الديوانان ، ص: 48.
[57] . نفسُ المصدر ، ص: 62.
[58] . نفسُ المصدر ، ص: 45.
[59] . نفسُ المصدر ، ص: 19.
[60] . نفسُ المصدر ، ص: 23.
[61] . نفس المصدر ، ص: 49.
[62] . الديوانان، ص: 23.
[63] . نفسُ المصدر، ص: 29.
[64] . نفسُ المصدر، ص: 38.
[65] . نفسُ المصدر، ص: 25.
[66] . نفسُ المصدر، ص: 40.
[67] . الديوانان، ص: 45.
[68] . نفس المصدر، ص: 44.
[69]. ديوان المتنبي، شرح مصطفى سبيتي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان،1986م، ص: 254:2
[70] . الديوان، ص: 29.
[71] . ا نفس المصدر ، ص: 29.
[72] . الديوانان، ص: 27. بالفِعال/ الفعل الحسن، تصريد: تقطيع، معروفه مكدود: البخيل.
[73] . الديوانان، ص: 31، وعن مسلسل عروة بن الورد في الإذاعة المرئية الليبية.
[74] . التلفزيون الليبي: مسلسل عروة بن الورد.
[75] . الديوانان، ص: 31 – 33.
[76] . أحمد أمين،فيض الخاطر، ط:3 : مكتبة النهضة المصرية، 1956م. ص: 30-5.
[77] . الشعراء الصَّعاليك، 8:1.
[78] . نفس المصدر، 49:1.
[79] . الديوانان، ص: 49.
[80] . نفس المصدر، ص: 7
[81] . الديوانان، ص: 8.
[82] . الأدب القديم، ص: 85- 84:1.
مويى حمدان 2013
 
إكمال البحث: الاشتراكية في شعر الصعاليك: عروة بن الورد
الفصل الثالث
الاشتراكية في شعر الصَّعاليك
يقول د. الخواجة أنَّ الاشتراكيَّةَ تعني([1]): " تنظيماً اقتصاديّاً للمجتمع، كما تعني إخاءً إنسانياً تنعدم فيه التَّفرقةُ بين الطَّبقات، كما تعني نظاماً اجتماعياً لا يكون فيه أحدٌ أغنى أو أفقر بكثير من الآخرين، فإنَّنا نجد في سلوك عروة نزوعاً إلى تحقيق المزيد من ألوان التّوَازُن الاقتصادي، ومزيداً من الإخاء الإنسانيّ، وعدم التَّفرقة بين الطَّبقات". أي أنَّ المجتمع يجب أنْ يُنظِّمُ اقتصاديَّاً واجتماعياً بحيث يشارك جميع أبناء الشَّعب في الإنتاج والاستهلاك، وأن يكونوا جميعاً طبقة واحدة لا فرق بين سيِّدٍ ومسود، هذا
هو المجتمع الذي سعى عروة بن الورد إلى تحقيقه في المجتمع الجاهلي.
لقد كان العربي أسبق شعوب الأرض لممارسة الاشتراكية على أرض الواقع، وإن بادر الغربيون إلى القول بأنَّهم هم مَنْ أوجدوا النِّظام الاشتراكيّ، ووضعوا القوانين المتعدِّدة والمتفاوتة في تعريف الاشتراكية، والتي تُقَنِّنُ حياة الفرد بالنَّسبة للمجتمع، وبنسبة استهلاكيَّةٍ مما ينتجه المجتمع. ويقول د. أحمد جامع بأنَّ([2]): الإنجليز وحدهم وضعوا 263 تعريفاً متميِّزاً للاشتراكية، وأنَّ جريدة الفيجارو الفرنسيَّة نشرت ما يقرب من 600تعريفٍ مختلفٍ للاشتراكية.
إذا كان الغرب لم يتَّفقوا على وضع عنوان موحَّدٍ للاشتراكيَّة في فرنسا وإنجلترا، فكيف يستطيع المرء أن يقتنع بأن الغرب هم مؤسِّسُو الاشتراكية، وهذا دليل على أنَّ هذه التَّعريفات قد تكون موضوعة لممارسات اشتراكيَّةٍ في أماكن أخرى غير فرنسا وإنجلترا، أو أنْ يكونَ الغربيُّون أنفُسَهُم لم يمارسوا الاشتراكية بمعناها الصَّحيح. وهذا يجعل المرءَ يؤكِّدُ بأنَّ الإنسان العربي في الجاهلية قد مارس الاشتراكية بأسمى معانيها، ومن هؤلاء عروة بن الورد، وغيره كثير من العرب.
لقد كان العرب في جاهلية ما قبل الإسلام، وبالنَّظريات والشَرائع الإسلامية، وأحاديث الرَّسولr، وأفعاله وأفعال الصَّحابة والفُقهاء وممارساتهم السَّبَّاقين إلى ممارسة الاشتراكية في حياتهم اليومية، وطُبِّقت على أرض الواقع حقَّ تطبيق، ثمَّ جاء الغربيُّون
في القرن الماضي وأوائل القرن العشرين، أي بعد أكثر من ألف وثلاثمائة سنة ليضعوا قوانين الاشتراكية، ومازالوا يضعون القوانين لها.
لو نظر الإنسان فيما يأمرنا به ديننا الحنيف لوجدنا أنَّ الصَّدقةَ إشراك للفقراء في أموال الأغنياء، وكذلك الزَّكاة التي فُرِضَتْ على الإنسان المسلم بأنْ يعطيَ المحتاجين مِمَّا يملكه، وآيات القرآن الكريم في هذا المجال كثيرة ومتعدِّدة، فمنها على سبيل المثال لا الحصر، قولهI يُبَيِّنُ مصارف الزكاة([3]):﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ وعن كيفية وماهية الإنفاق قولهI([4]):﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾، وقولهI مخاطباً الرسَّول ليبين له لماذا تصرف الزكاة([5]): ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. فمهما وصل الغربيون أو من يضعون قوانين الاشتراكية ويدَّعون بأنهم اشتراكيون إلى نتائج وقوانين وتعريفات فلن يستطيعوا أن يوفِّقوا في ممارسة الاشتراكيَّة كما وفق الله العرب والمسلمين.
وفي العصر الجاهلي مارس الإنسان العربي _ دون تبجُّحٍ منه، ودون تعريفات وقوانين ونتائج _ الاشتراكية بكل مضامينها، وبفطرته كان يُحِسُّ بحقوق النَّاس فيما بينهم من فقراء وأغنياء للحفاظ على البشرية والإنسانية، وهذا هو عروة بن الورد يمثل قمة الاشتراكية قبل أن يقرأ قوانينها ونظرياتها، ويمارسها على أكمل وجه، ونرى أسباب صعلكته وهو ابن الورد من سادة عبس، وهو الأقوى والأشعر والأشجع، فلقد تصعلك عروة للفقراء والمحتاجين والمطرودين والمخلوعين من قبائل العرب، وفتح بيته وما فيه، وجسمه وما يملك من قوة، وعقله وما به من تدبير في خدمة أولئك الفقراء والمحتاجين.
لقد جعل عروة نفسه واحداً منهم حتى يشاركهم فيما يقاسون من الفقر والحاجة والعوز، فهو يغزو بهم ولهم، ويقسِّمُ ما يغنمه بينه وبينهم، ويجعل نصيباً ممَّا يغنمه للضُّعفاء الذين لا يستطيعون الغزو، ويأخذ نصيبه كواحدٍ من عامتهم، وإضافة لذلك فلقد كان يوزع نصيبه من الغنيمة على أولئك الفقراء وعابري السَّبيل الذين يطرقون بابه آخر اللَّيل حتى أنَّه كان لا يجد أحياناً في بيته ما يرد به رمقه، حيث يكتفي بشرب الماء، وفي ذلك يقول([6]): أقَسِّمُ جسمي في جسوم كثيرة ( ) وأحسو قُراح الماء والماءُ بارد
الصَّعاليك كما واضح في الحياة العربية في الجاهلية، وكما نقلته لنا كتب التاريخ: هم أُناسٌ من الفقراء أو من الرِّجال الذين نبذتهم قبائلهم لأفعالٍ خليعة قاموا بها، لكنَّ عروة لم يتصعلك لفقره، ولم يكن من الفقراء، فهو ابن الورد من سادة عبس، ولطالما عرض عليه والده البعد عن الصَّعاليك، وعن مجالستهم، ويكفيه معونة البحث عن رزقه وأهله، لكنه رفض أن يملأ بطنه ويترك بطون الفقراء فارغة، ولم يكن مخلوعاً من قبيلته لفعل شاذ، والأدلَّة على ذلك كثيرة منها: وقوف والده إلى جانبه، وكذلك مواقف سادة عبس لجانبه، ومنهم الربيع بن زياد من عروة عندما سبى المرأة الكنانيَّة سلمى أمُّ وهب.
لقد أحبَّه الربيع كثيراً لصفاته التي لا توجد في بعض سادة عبس من كرم وأخلاق وإنسانيَّة، فإنَّ ما أوجد في عروة من هذه الصِّفات النبيلة، وممارساته الاشتراكية هو الهوة الشَّاسعة بين الأغنياء والفقراء المعدومين، ويرى عروة أنَّ التَّقريب بين هاتين الطبقتين، وإطعام الفقراء والمحتاجين من رجال قومه ومن غيرهم واجباً عليه، فيقول([7]):
قليل التــــماس الزَّاد إلَّا لنـفسِـه ( ) إذا هو أضحى كالعريش المُجوَّر
يُعِيْنُ نِساءَ الحَيِّ ما يَسْــتَعِنَّهُ ( ) ويُمْسِــي طَلِيْحاً كالبعـــير المُحسَّرِ
ومن هذين البيتين نرى أنَّ عروة لم يتصعلك ولم يسعَ باحثاً عن الرِّزق لنفسِهِ، ولا يتصعلك ليملأَ جوانب بيته بما يغنمه ليصبح من الأغنياء، وإنَّما يبحث عن الزَّادِ ليعين فقراء عبس ونساء الحيِّ من عبس اللائي يستعِنَّ به لإطعام أبنائهنَّ، ويَبْتَعِدْنَ عن ذُلِّ السَّؤال أمام بيوت الأسياد والأغنياء والسَّادة الشُّرفاء من القبيلة، فيقول([8]):
دعيني للغنى أسعى فإنِّي ( ) رأيتُ النَّـــاس شَــــرُّهمُ الفقير
وأبعـــدهــم وأهـــونهـم عليهم ( ) وإنْ أمسى له حسبٌ وخير
ويقـصــيه النَّــــــــديُّ وتزدريه ( ) حليــلتُـــهُ وينــهــره الصَّـــــــــــغير
يطلبُ عروة الغِنى، ولكن لِمَ يطلبه؟، لم يطلبْ عروة الغِنى لنفسِهِ، ولكنَّ داعِيَهُ إليه ما يلقاه الفقراءُ من ذُلِّ السُّؤال أمام بيوت الأغنياء، فلقد أصبح الفقير أضحوكة أمام بيوت
السَّادة، فلهذا يطلبُ عروة الغِنى ليدفع به الذُّلَّ عن الفقراء بمشاركتهم له فيما يغنمه، ويغامر عروة بحياته في سبيل دفع الفقر والحاجة عن هؤلاء الفقراء المستضعفين، ويترك بيته وأمَّهُ وزوجَته باحِثاً عَمَّا يملأُ به بطون هؤلاء الجوعى، ولطالما طلبت زوجته سلمى أنْ يكُفَّ عن الغزو ويرتاح ويريح نفسَهُ من جرائر هؤلاء الفقراء، وما يلاقيه من متاعب لأجلهم، لكنَّهُ رفضُ ذلك، ويرى أنَّ من الواجب عليه أنْ يوفِّرَ لهم ما يحتاجون من طعام، فيقول([9]):
تقـــــول ســـلــمى لو أقـمـــتَ لسَـــــــرَّنا ( ) ولــم تــــدرِ أَنِّي للمُــــــقامِ أُطَـــــــــــــــــــــوَّفُ
ويقول([10]): تقولُ ألا أقصرْ من الغزوِ، واشتكى( ) لها القولَ طرفٌ أحور العين دامعُ
ويقول([11]): دعيـــــني أطـــوَّفُ في البـــــلادِ لعــلَّــني ( ) أُفـــــيدُ غِــــنىً فيــه لذي الحَقِّ محمل
ويقول([12]): دعــيـــــــني للـغِـــــــنى أســـــعى فإنِّي ( ) رأيتُ النَّـــــاسَ شَــــــرُّهمُ الفــقــــــــــــــــــــــــــير
لو تقصيَّنا ذلك في أشعاره لوجدناه كثيراً، ولا تكاد تخلو قصائده جميعها من البحث والإغارة على الأغنياء لإطعام الفقراء والمحتاجين، فهو لم يكن فقيرا ليغزو لذاته، ولم يكن فقيرا ليغير على الأغنياء لِيطعمَ نفسَه، وإنَّما يغزو ويغير على السَّادة والأغنياء تاركا أهله لأجل المحتاجين، ومن خلال قصائده وممارساته نجد أنَّ عروة مارس الاشتراكية بأسمى معانيها ممارسة حقيقية، ولو قورِنَتْ ممارساته بأسمى قوانين الاشتراكية عند من يدَّعون الاشتراكية لوجدنا أنَّ عروة أكثر منهم اشتراكية وأسمى في تعاملاته مع الفقراء وغير الفقراء حتى مع من أساؤوا له، فهو يغزو من أجل الفقراء ويجعل من هؤلاء الفقراء والمحتاجين أخوته، وعليه واجب إطعامهم، فيقول([13]):
فلا أتركُ الأُخوان ما عِشتُ للردَى ( ) كما أنَّهُ لا يتركُ الماء شاربُه
فهم أُخوته، وهو بالنِّسبة لهم كالماء للعطشان الذي لا يستطيع الاستغناء عنه، فوجود عروة ضروريٌّ لدفع الأذى والجوع والحرمان عن هؤلاء الفقراء. ونراه مرة أخرى أبَاً لهؤلاء الفقراء، وعلى الأبِ أنْ يوفِّرَ لأبنائه ما يحتاجون من قوت وغذاء، فيقول([14]):
ومن يَكُ مثلي ذا عيالٍ ومقتِراً ( ) يطـــــرحُ نفــسَـــهُ كلَّ مَطْــــــرَحِ
لم يكن عروة لا قبليَّاً ولا عنصريَّاً فهو يساوي بين الفقراء مِنْ قومِهِ ومِنْ غيرهم من القبائل الأخرى، ويشركهم جميعاً في غنائمه، ولم يكنْ ذاتيَّاً أنانيَّاً فيؤثر نفسه عن غيره، ولا يفضِّلُ نفسَه عنهم، لكنه واحدٌ منهم، وعليه كثير من الواجبات تجاههم، وله من الحقوق ما عليهم، وهو كأيِّ فرد منهم.
لقد كان عروة اشتراكيَّاً في ممارساته مع الفقراء والصَّعاليك، يشاركهم في كلِّ ما يملكُ فيرى أنِّ بيته بيتهم، فيقول([15]):
فراشي فِراش الضَّيفِ، والبيتُ بيتُه ( ) ولم يلهني عنهُ غزالٌ مُقَنَّعُ
ويشاركهم مأكله، فيقول([16]):
وإنِّي امرؤٌ عافي إنائي شركةٌ ( ) وأنت امرؤ عافي إنائك واحدُ
ويفضِّلُهم على نفسِه، فيقول([17]):
أُقسِّمُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ ( ) وأحسوا قراح الماء والماء باردُ
ويخاطر عروة بنفسِه حتى لا يهلك هؤلاء الفقراء، فيقول([18]):
أيهلِكُ معتمٌ وزيدٌ، ولمْ أَقُمْ ( ) على نُدَبٍ يوماً، ولي نفسُ مُخطرِ
ونراه يشاركُ هؤلاء المُحتاجين ما يملكه في بيته لسنيّ القحط، ويرى أنَّ من واجبِهِ أنْ يعطيَهم ممَّا يملك في بيتِه، ويعطيَ من لم يكن مُحتاجاً، فيقول([19]):
هلاّ ســـــألتَ بني عيــــــــــــلان كلَّــــــــهمُ ( ) عند السِّنين إذا ما هَبَّتِ الرِّيحُ
قد حان قِدحُ عِيَالِ الحيِّ إذْ شَبِعوا ( ) وآخــــــرٌ لذوي الجــــيرانِ ممــــنوحُ
فعليه تقع مسؤوليَّةِ إطعام هؤلاء الفقراء والمحتاجين الذين يزداد عددُهم في سِنيِّ القحط، وقد يقول قائلٌ: إنَّ عروة كان صُعلوكاً لفقره، وذلك لأنَّ والده تركه وأُمُّه، وجعلهما غريبين عنه، ويستشهدون على ذلك بقول عروة،([20]):
هــمْ عيَّــــروني أنَّ أُمِّي غـريبــــــــــةٌ ( ) وهل في كــريــمٍ ماجـدٍ ما يُعـيَّرُ
وقد عيَّروني المال حين جمعتُه ( ) وقد عيَّروني الفقر إذ أنا مُقتِرُ
وعيَّــــــــرني قومي شــبابي ولِمَّــتي ( ) متى ما يشا رهـطُ امرئٍ يتعـيَّرُ
إنْ كان عروة يعيشُ حياةً أشبه بحياة الفقراء منها بحياة الأغنياء، فهذا نتيجةً لممارسات زوجة أبيه أمِّ طَلْق، ولطالما حاول طَلْقُ جاهداً أنْ يجعل في قلب أُمِّهِ شيئاً من المحبَّةِ لأخيه عروة، وكثيرا ما حاول الوردُ والدُ عروة نفسُهُ أنْ يخَفِّفَ من كراهية أُمِّ طلق تجاه عروة، ولكن دون جدوى، فهي ترى أنَّ عروةَ ابن النَّهديَّةِ قد أصبح اسمُهُ لامِعاً بين شبابِ عبس والقبائل الأُخرى، فلماذا لم يكن ابنها طلق كذلك!؟، فكراهيتُها لعروة نتيجة لغيرتِها منه، ولقد حاولت أم طلق أنْ تجعلَ ابنها كعروة، ولكن بلا نتيجة، وكذلك تمنَّى والده الورد.
وقد يستشهدُ البعض على فقر عروة بقوله مُخاطِباً زوجته، فيقول([21]):
دعيني للغِنى أسعى، فإنِّي ( ) رأيتُ النَّاس شرُّهُمُ الفقير
فالسَّعي هنا ليس لأنْ يصبحَ غنيَّاً، ولم يدفعْهُ فقره لأنْ يسعى باحثاً عن الغِنى، لكنَّ ما دفعهُ لذلك هي مكانة الفقير في هذا المجتمع القبليّ الطَّبقيّ، فدافِعُهُ إلى البحثِ عن الغِنى القيام بما يجبُ عليه من التزامات تجاه أولئك الفقراء، فيقول([22]):
إذا المرءُ لم يطلب معاشاً لنفسِهِ ( ) شكا الفقرَ أو لام الصَّديقَ فأكثرا
ويقول المتنبي([23]): لولا المشقَّةَ ساد النَّاسُ كلُّهمُ( ) الجود يفقرُ والإقدام قَتَّالُ
لقد تصعلكَ عروة ليطعمَ فقراء القبائل، ولو أراد الغِنى كما يزعم كلُّ من قال عنه بأنَّهُ فقير، ويريد أنْ يصبحَ غنيَّاً لما واسى وأطعم وغذَّى الآخرين، ويقول في ذلك([24]):
وإنِّي امرؤٌ عافي إنائي شـــــركةٌ ( ) وأنت امـــــــــــرؤ عـــافي إنــائــك واحــــدُ
أتَهزَأُ مِنِّي أنْ سمنتَ وأنْ ترى ( ) بوجهي شحوب الحَقِّ والحقُّ جاهدُ
أُقسِّمُ جسمي في جسومٍ كثـــيرةٍ ( ) وأحســــوا قـــراح المــــاء، والمـــاء باردُ
فلو أراد عروة الغِنى لما قسَّمَ جسمَه في هذه الأجسام الجائعة، وحينها سيصبح من أغنى الأغنياء في غزوة واحدة أو غزوتين. كما أنَّ عروة كان يستطيعُ أنْ يغنيَ نفسَهُ عن البحث عن الحياة الطَّيِّبة لنفسِهِ عندما عرض عليه الربيع بن زياد، وكذلك عرض عليه والده الورد، على أن يتوقَّفَ عن التَّصعلُك ويأخذ ما يريد من القوت والغذاء، لكنَّ عروة أبا الصَّعاليك والفقراء رفض هذا العرض لأنه يرى أنَّ ما يأخذه من والده مِنَّة منه عليه، ولن يستطيع أنْ يطعمَ منه الفقراء.
عندما يقرأ المرءُ أشعار عروة وسيرته سيجد الكثير من الأدلَّةِ التي تبيِّنُ اشتراكية عروة، فهو مثال للاشتراكية الحقيقية بأسمى معانيها في كلِّ ما يقوم به، كان يغزو ولا يعود بشيء من غزوه ولا من غنائمه إلى بيته، وأحياناً لا يجدُ في بيتِه ما يسدُّ به رمقه وعياله، ويكفيه ما يجد في بيته من الماء القراح الذي لا يخالطه شيء، فيقول([25]):
أُقسِّمُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ ( ) وأحسوا قراح الماء والماء باردُ
هناك دليل ٌ آخر على أنَّ عروة تصعلك من أجل الفقراء والمحتاجين، ولتقريب الهوة بين طبقتي الفقراء والأغنياء، إنَّهُ لم يغزُ إلا من يعلم أنَّهُم من الأغنياء الذين يبخلون بما يملكون على المعوزين، فكان يعرف أخبارهم ثم يغزوهم، ويتضح ذلك في قوله([26]):
ما بالثَّـــــراء يســـــودُ كلُّ مُسَـــــــوَّدٍ ( ) مُثْــرٍ، ولكن بالفــــعالِ يسود
بل لا أُكاثِرُ صاحبي في يُسرِهِ ( ) وأَصُدُّ إذْ قي عيشِهِ تصْريدُ
فإذا غنـــــــيتُ فإنَّ جــاري نيــــــــلُهُ ( ) من نائلي، وميسَّـري معهودُ
وإذا افتــــقرتُ فلن أرى مُتَـخَشِّـعاً ( ) لأخي غِنَى معـــروفُهُ مكدودُ
وإن كان هذا الغَنيُّ كريماً جواداً فلا يغزوه، فقد كان يغزو كلَّ بخيلٍ ليشركَ الفقراء في أموالِهِ وأملاكِه.
لقد عُدَّ عروة من الصَّعاليك أو الفقراء، لأنَّهُ لا يؤثِر نفسَهُ على غيره، ويحسُّ بأنَّهُ واحدٌ من عامة النَّاس، كذلك لم يؤثر نفسَهُ على غيره ممَّن شاركوه في الغزوِ، أو قعدوا ولم يرافقوه في غاراتِهِ، وجعل نفسَهُ كأيِّ فردٍ منهم، علماً بأنَّهُ الأقوى بينهم، حيثُ كان يوزع ما يغنمه على الفقراء جميعاً، وهو واحدٌ منهم.
من كلِّ ما تقدَّمَ يرى المرءُ أنَّ عروة لم يكن صُعلوكاً، وإنْ وُصِفَ بأنَّهُ أخٌ للصَّعاليك، أو أبٌ لهم، أو أنَّهُ واحدٌ منهم، وذلك لأنَّهُ السَّاهِرُ على حياتهم، رحيمٌ بهم، شريكٌ لهم في مشاعرِهم وإحساسِهم، في فقرِهم، وفي كلِّ ما يدور بحياتِهم، يشاركُهم حياتهم بِحُلْوِها ومُرِّها، يشاركُهم لهوهم ومرحهم، وفي كلِّ ما يقومون به ويُحِسُّونَه. ووضع على كاهلِهِ الإقامةَ والغزو والسَّهرِ على راحة هؤلاء الفقراء، لتوفير كلِّ ما يحتاجونه حتى يُبعدَهم عن ذُلِّ السُّؤال أمام موائدِ السَّادة الأغنياء، الذين لا يرون الفقير أمامَ موائدِهم إلا للتَّسلية والقيامِ لخدمتهم، وتنظيفِ موائدِهم بعد أنْ يتناولوا ما عليها، ولهم فضلتها.
إنَّ اشتراكيَّةَ عروةَ التي مارسَها مع الفقراء والصَّعاليك والمخلوعين والمنبوذين من كُلِّ القبائل دون تمييز أوجدتْ له حُبَّاً خاصَّاً في قلوبهم، ولم يكنْ حُبَّاً له لأنَّه صعلوك مثلهم، ولكنْ لأنَّهُ جعل نفسَهُ واحداً منهم، فلو كان حُبُّهم له لصعلكتِهِ وفقره لأصبح حُبُّ الصَّعلكة والصَّعاليك في كلِّ المجتمعات بشتى طبقاتِها، ولتسابق السَّادةُ والأشرافُ ليجعلوا لهم مكاناً في صدور القوم.
لقد أوجدت اشتراكية عروة حُبَّاً له ليس فقط في صُدور الفقراء والصَّعاليك بل في صدور سادة القوم، وأصحاب الجاه والسُّلطان كالرَّبيع بن زياد سيد وائل كُلِّها، وموقفه مع عروة عندما سبى سلمى الكنانيَّة، وكذلك موقف الرَّبيع بجانبِهِ ضدَّ من حاولوا قتله حتى لا يلحق العار بقبيلةِ عبس نتيجة لصعلكتِهِ، كذلك موقف والده الورد من أُمِّ طلق عندما كان يحاول مراراً أنْ يخفِّفَ من غيرتِها وكراهيتها لعروة، ومحاولة والده إثناءَه عن البحثِ عن حياةٍ أفضلَ لِصَعاليكه([27])، كذلك موقف زوجته سلمى الكنانيَّة التي سباها عندما تركته يوم مفاداتِها ومدحها صفاته لمعاملته الطَّيبة لها ولجميع الفقراء،فقالت له([28]): يا عروة، أما أني أقول فيك، وإن فارقتك الحقَّ: والله ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك، وأَغضُّ طرفاً، وأقلُّ فحشاً وأجود يداً، وأحمى للحقيقة، وما مرَّ عليَّ يوم منذ كنتُ عندك إلاَّ والموت فيه أحب إليَّ من الحياة بين قومك، لأني لم أكن أشأ أن أسمع امرأة من قومك تقول: قالت أَمَةُ عروة كذا وكذا إلاّ سمعته، و والله لا اُنظر في وجه غطفانية أبداً، فارجع راشداً إلى ولدك وأحسن إليهم. وفيها يقول قصيدته التي مطلعها([29]):
أَرْقتُ وصُحْبتي بمضيق عُمْقٍ( ) لبـــرقٍ من تُــــهامةَ مُســتطيرِ
إلى أن يقول: سَقَى سَلْــــمَى وأين ديارُ سلمى( ) إذا حَــلَّـــتْ مجــاورةَ السَّـــديرِ
إلى أنْ يقول: أطـــعنُ الآمــرين بِصَـرْمِ ســلمى( ) فطاروا في عِضاهِ اليسـتعور
ســقــوني النَّسْءَ ثــمَّ تكــنّــَفوني( ) عُـــــداةُ اللهِ من كـــــذب وزور
إلى أنْ يقول: فيا للنَّاس! كيف غلـبت نفسي( ) على شيءٍ ويكرهُــهُ ضميري
يقول أحمد أمين في كتابه فيض الخاطر أنَّ([30]): "عروة كان اشتراكياً عمليَّاً لا اشتراكيَّاً نظرياً فحسب"، ويقول يوسف خليف بأنَّ أفكار عروة([31]):" صراع كان يضم في أعماقه براعم لم تتفتح تماما من النظرية الاشتراكية الحديثة"، ويضيف يوسف خليف عن حركة الصَّعلكة عند عروة([32]): "كانت الصَّعلكة عند عروة نزعة إنسانية نبيلة. وضريبة يدفعها القوي للضعيف، والغني للفقير، وفكرة اشتراكية تشرك الفقراء في مال الأغنياء، وتجعل لهم فيه نصيبا، بل حقا يغتصبونه إن لم يؤد لهم، وتهدف إلى تحقيق لون من ألوان العدالة الاجتماعية، التوازن الاقتصادي بين طبقتي المجتمع المتباعدتين: طبقة الأغنياء، وطبقة الفقراء، "فالغزو والإغارة للسلب والنهب" لم يعد عنده وسيلة وغاية، وإنما أصبح وسيلة غايتها تحقيق نزعته الإنسانية وفكرته الاشتراكية".
لقد مارس عروة الاشتراكية حقَّ الممارسة، فهو الذي عايش الفقراء، وجعل نفسه واحداً منهم، بل صعلوكا يشاركهم حياتهم بكل ما فيها من فرح وترح، من جوع وحرمان، شاركهم في كلِّ ما يملك، حيث يقول([33]):
فراشي فِراش الضَّيفِ، والبيتُ بيتُه () ولم يلهـــني عنهُ غـزالٌ مُقَــــــــنَّعُ
أحَــدِّثُـــــــــهُ، إنَّ الحــــديث من القِــــــرَى ( ) وتعلمُ نفــسي أنَّهُ سوف يهجعُ
هذا هو عروة الاشتراكيّ الذي يقاسم المعوزين، ويشارِكُهم في كل ما يملك في بيته، طعامه، فراشه وحديثه، هذا هو الإنسان الاشتراكيُّ الذي يمارس الاشتراكيَّة بشكلها العملي، فهو لم يضع قوانين الاشتراكية بل يطبِّقُ هذه القوانين على أرض الواقع، ولْيَأْتِ من يأتي بعده فيضع لهذه الممارسات الاشتراكية القوانين التي يراها، ولو كان الفرنسيون والبريطانيون يمارسون الاشتراكية التي مارسها عروة بن الورد لما وضعوا المئات بل الآلاف من القوانين لمعنى الاشتراكية، وهذا الاختلاف في وضع القوانين دليل على عدم ممارستهم الاشتراكية الحقيقيَّة.
يقول كرم البستاني([34]): "لعلَّ عروة بن الورد بين الشُّعراء أحَبُّ شخصيَّةٍ، وأكثرُها جاذبيَّة، لِما اشتمل عليه هذا الشَّاعرُ الجاهليّ الفطريّ من آداب إنسانيَّة، وأخلاقٍ كريمة، وجُودٍ لم يُزَنْ بتكلُّف، وروح تتجلَّى في كلِّ ما كان يصْنَعُهُ من إحسان ويبذُلهُ من عطفٍ وجودٍ تجاه الصَّعاليك والمرضى والضُّعفاء"، ويضيف البستانيُّ عن إنسانيَّته
واشتراكيته([35]): "وإنسانية عروة واشتراكيته وجُوْدُهُ تتمثَّلُ أفضل تمثيل في طريقة حياتِهِ ومعاملِهِ الصَّعاليك، الذين كثيرا ما يتدلَّلُون عليه، فيتحمَّلُهم لئلا يفسد صنيعه معهم".
ويقول عمر فرُّوخ أنَّ امرأة الشَّاعر [عروة بن الوردٍ] تلومُهُ لأنَّ رزقَهُ قليل، فيبدي عذره،
ويقول لها: إنَّهُ يودُّ ألا يطلب الغِنى إذا كان في الغِــنى مذلَّة له، فيـــــــقول عـــــروة
مخاطباً زوجته([36]): أقلِّي عليَّ اللَّـــوم يا بنة منذرٍ( ) ونامي، وإن لم تشتهِ النَّوم فاســــهري
فعروة في هذا البيت يبيِّنُ لزوجته أنَّهُ لا يريدُ أنْ يصبحَ غنيَّاً حتى لا يبتعدَ عن مشاركة الصَّعاليك والفقراء حياتهم، فإنْ أصبح غنيَّاً كما تريدُ زوجته، فإنَّ هؤلاء الفقراء سينظرون له نظرتهم إلى الأغنياء كما ينظرُ عروة لهم، ولهذا لا يريدُ أنْ يكونَ غنيَّاً، ومعنى ذلك أنَّ عروة باستطاعته أن يكون غنيَّاً لكنَّه يرفضُ ذلك، وهذا دليل على أنَّ صعلكة عروة ليست ناتجة عن فقرِهِ، وإنَّما نتيجة لإحساسِهِ بإحساس هذه الطبقة المعدومة في المجتمع الجاهليّ، ونتيجة للأوضاع السَّيِّئةِ التي يعيشها المجتمع .
الخاتمة
الصَّعاليك مجموعة من الثَّائرين على النِّظام الطَّبقي في العصر الجاهلي نتيجة الظُّلم الذي يقع على الفقراء والمرضى والمنبوذين من سادة وأغنياء القبائل في المجتمع الجاهلي، هذه الظاهرة الاجتماعية ظهرت في العصر الجاهلي ثائرة على النِّظام الاجتماعي آنذاك، حيثُ لم تكن مكانة بين السَّادة لهم، فحاولوا بهذه الظاهرة أن يجدوا مكانتهم عند القبائل جميعها، من خلال وحدتهم، قوتهم، اتحادهم، وخاصة بعد أن انظم لهم عروة بن الورد، ونظَّمهم وجعلهم جميعا كرجل واحد، يشتركون في الغزو إلا المرضى، وما يجمعونه في غزواتهم للجميع من شارك ومن لم يشارك، فكانوا يجدون قوتهم من خلال عروة لأنه من السَّادة النَّاقمين على النِّظام الاجتماعي القبلي.
هذه الوحدة بين الصَّعاليك جعلتهم عنواناً للاشتراكية الاجتماعية يغزو الجميع من أجل الجميع، ولا يفرِّقون بين الأغنياء، فقد يهاجمون قبائلهم التي نبذتهم، ومن كان من الأغنياء كريماً جواداً لا يغزونه، بل يغزون الجاحد لهم والبخيل تجاههم، تجردوا من صفة القبيلة فلم يعترفوا بالتزاماتها ولا معاهداتها مع القبائل الأخرى، فكل القبائل سواء.
من خلال هذا الرابط الاجتماعي الذي ربط بينهم وجمعهم كانوا جميعا معاً، سواء كانوا من الأغربة، أو الخلعاء، أو المنبوذين أو من الفقراء، أو لنقل في الوصف الجامع لهم كما أرادت القبائل وهو لفظ الصَّعاليك، نجدهم جميعاً على قلب رجل واحد، ولهذا كلِّه ظهرت الاشتراكيَّة بينهم، اشتراكيتهم في الوصف الذي أُطلق عليهم، اشتراكيتهم في الغزو للجميع، اشتراكيتهم في أن يستفيد الجميع، والكلُّ متساوون في الغنيمة سواء من شارك أو من لم يشارك. وبهذا كانت كلُّ حياتهم اشتراكية في الحالة التي يعيشونها، شركاء في الصِّفة التي اتَّصفوا بها، اشتراكية في الغزو، اشتراكية في الغنيمة، ولهذا نجد أنَّ أنبل أعمالهم التي لم نجدها عند غيرهم هي اشتراكيتهم، وبهذا يكون العرب أول من أرسى قواعد الاشتراكية التي اعتمد عليها الغربيون في وضع قوانين الاشتراكية، ويعود الفضل في هذا العمل الاشتراكي إلى فئة الصَّعاليك مهما كانت الصِّفة التي تُطلق عليهم.
ثم جاءت رسالة سيد الأنام رسول الله محمد بن عبد اللهr، لتتم مكانة العرب في وضع أُسسِ الاشتراكية من خلال بيت مال المسلمين، فكل غنائم الفتوحات تعود لبيت مال المسلمين، ثم توزَّع على مستحقيها من المسلمين وغير المسلمين من أهل الذِّمة، وتذكر كتب التاريخ أنَّه في خلافة عمر بن عبد العزيز قد امتلأ بيت المال بالغنائم، ولم يجدوا محتاجا، ولم يفرِّقوا بين من يستحقها مادام يعيش في بلاد الإسلام.
بعض ما قيل في الصَّعاليك والصَّعلكة:
1. يرى بعض الدارسين أن هذا الفارس الشاعر كان صاحب فلسفة حياتية خاصة، ولعلها أي هذه الفلسفة سبقت تاريخياً تلك الفلسفات المنادية بالاشتراكية، من خلال سعيه الحثيث ومحاولاته المخلصة لتجميع أولئك الفقراء (الصعاليك) المنبوذين من المجتمع وتأمين حياة كريمة لهم لا بالتصدق عليهم، بل بجعلهم عاملين منتجين، خاصة في الغزو الذي كان يمثل في تلك الفترة من التاريخ مصدراً من مصادر الدخل، وصرحاً من صروح الاقتصاد التي اعتمد عليها المجتمع. د. عارف الكنعاني
2. سلمى أم وهب زوجته، قالت فيها بعد فديتها: يا عروة أما إني أقول فيك وإنْ فارقتك الحقَّ، والله ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك وأغفى طرفاً وأقلَّ فحشاً وأجود يداً، وأحمى لحقيقة، وما مر عليَّ يوم منذ كنت عندك إلا والموت فيه أحبُّ إليَّ من الحياة بين قومك لأني لم أكن أشأ أن أسمع امرأة من قومك تقول قالت أمَةُ عروة كذا وكذا إلا سمعته و والله لا أنظرُ في وجه غطفانية أبداً، فارجع راشداً إلى دارك، وأحسن إليهم. أسامة بن منقذ
3. إذا أصابت الناس سني شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضَّعيف، وكان عروة بن الورد يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته في الشِّدَّة ثم يحفر لهم الأسراب ويكنف عليهم الكنف ويكسبهم، ومن قوي منهم-إما مريض يبرأ من مرضه، أو ضعيف تثوب قوته- خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيباً، حتى إذا أخصب الناس وألبنوا وذهبت السنة ألحق كل إنسان بأهله وقسم له نصيبه من غنيمةٍ إن كانوا غنموها، فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى، فلذلك سُمّي عروة الصعاليك. أبي الفرج الأصبهاني
4. لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم. معاوية بن أبي سفيان
5. من قال إنحاتماًأسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد. عبد الملك بن مروان
6. أجدب ناسٌ من بني عبس فيسنة أصابتهم فأهلكت أموالهم وأصابهم جوع شديد وبؤس، فأتوا عروة بنالورد فجلسوا أمام بيته، فلما بصروا به صرخوا وقالوا: يا أبا الصعاليك أغثنا فرقّلهم وخرج ليغزو بهم ويصيب معاشاً، ابن الأعرابي
7. لم يكن جوده مقصور على الصَّعاليك، وإنَّما كان يتناول المرضَى والضُّعفاء، وكلُّ ضيفٍ أتاه، ... وإنسانيَّةُ عروة واشتراكيته وجودُه تتمثَّلُ أفضل تمثيل في طريقة حياته، ومعاملتِه الصَّعاليك، الذين كثيراً ما كانوا يتدلَّلون عليه، فيتحمَّلهم لئلا يفسدُ صنيعه معهم. كرم البستاني
المصادر والمراجع
1.القرآن الكريم.
2. إبراهيم شحادة الخواجة، عروة بن الورد: حياته وشعره، ط:1، المنشأة الشعبية، ليبيا، 1981م.
3. ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، ط: بولاق، 1301هـ.
4. أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، بيروت لينان، لات.
5. أبو زيد محمد بن الخطاب القرشي، جمهرة أشعار العرب، تحق: علي محمد البجاوي، نهضة مصر، القاهرة، 1981م.
6. أحمد أمين، الصَّعلكة والفتوة في الإسلام، دار المعارف، القاهرة: مصر،1952م.
7. أحمد أمين، فيض الخاطر، ط:3 : مكتبة النهضة المصرية، 1956م.
8. جواد علي، المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط:1، بيروت لبنان،1968.
9. ديوان عروة بن الورد: أميرالصعاليك، تحق: أسماء محمد أبو بكر، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، لات.
10. ديوان المتنبي، شرح مصطفى سبيتي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان،1986.
11. كرم البستاني، ديوانا عروة بن الورد والسَّموأل، دار لبنان للطباعة، بيروت لبنان، 1946م.
12. الطَّاهر أحمد الطرابلسي، مختار القاموس، ط:2،العربية للكتاب، ليبيا وتونس، 1977.
13. عبد السَّلام هارون وآخرون، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، لا مط، لات.
14. عمر فرُّوخ ، تاريخ الأدب العربي ط:1، دار العلم للملايين، بيروت: لبنان، 1965.
15. الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، تحق: مجدي فتحي السيد، المكتبة التوفيقية، القاهرة: مصر، لات.
16. أبو الفضل جمال الدِّين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت لبنان، 2003م.
17. يوسف خليف، الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، ط: 2، لا مكان، 1966م.
ومن المراجع:
1. الإذاعة المرئية للجماهيرية الليبية، مسلسل: عروة بن الورد.
2. الجميلاطي علي محمد وآخرون، الأدب والنُّصوص، للصَّف العاشر، ناصر للثقافة، بيروت لبنان، 1982م. المنهاج الليبي.
3. قصة المهلهل، المنهاج الليبي للعام الدراسي: 1986 – 1985م.
موسى حمدان 2013 م


[1] . عروة بن الورد، ص: 111.
[2] . . أحمد جامع، المذاهب الاشتراكية، ص: 12.
[3]. القرآن الكريم، سورة التوبة: آية 60.
[4]. نفس المصدر، سورة البقرة آية 267
[5] . القرآن الكريم، سورة التَّوبة 103.
[6] . الديوانان، ص: 29.
[7] . الديوانان، ، ص: 37.
[8] . نفسُ المصدر ، ص: 45.
[9] . نفس المصدر ، ص: 51.
[10] . الديوانان ، ص: 48.
[11] . نفسُ المصدر ، ص: 62.
[12] . نفسُ المصدر ، ص: 45.
[13] . نفسُ المصدر ، ص: 19.
[14] . نفسُ المصدر ، ص: 23.
[15] . نفس المصدر ، ص: 49.
[16] . الديوانان، ص: 23.
[17] . نفسُ المصدر، ص: 29.
[18] . نفسُ المصدر، ص: 38.
[19] . نفسُ المصدر، ص: 25.
[20] . نفسُ المصدر، ص: 40.
[21] . الديوانان، ص: 45.
[22] . نفس المصدر، ص: 44.
[23]. ديوان المتنبي، شرح مصطفى سبيتي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان،1986م، ص: 254:2
[24] . الديوان، ص: 29.
[25] . ا نفس المصدر ، ص: 29.
[26] . الديوانان، ص: 27. بالفِعال/ الفعل الحسن، تصريد: تقطيع، معروفه مكدود: البخيل.
[27] . الديوانان، ص: 31، وعن مسلسل عروة بن الورد في الإذاعة المرئية الليبية.
[28] . التلفزيون الليبي: مسلسل عروة بن الورد.
[29] . الديوانان، ص: 31 – 33.
[30] . أحمد أمين،فيض الخاطر، ط:3 : مكتبة النهضة المصرية، 1956م. ص: 30-5.
[31] . الشعراء الصَّعاليك، 8:1.
[32] . نفس المصدر، 49:1.
[33] . الديوانان، ص: 49.
[34] . نفس المصدر، ص: 7
[35] . الديوانان، ص: 8.
[36] . الأدب القديم، ص: 85- 84:1.
 
ليس هناك ما يوفى مجهودك فى هذا الموضوع

جزاكم الله خيرا
وما قصة تلك الموضوعات
اكنت قد قدمتها للدراسات العليا كما هو موضح فى اول الموضوع
تحياتى
 
  • Like
التفاعلات: mann1
عودة
أعلى