ابن المبارك يحج
" د/ محمد رجب بيومى "
(1)
شاع فى خرسان أن قافلة عبد الله بن المبارك تتأهب للحج بعد ثلاثة أيام من شوال ، فأخذ القوم يستعدون ألى صحبتة ، فهم يعلمون أنة رئيس القوم ، ومحدث الأمة ، وفقية الناس وفى صحبتة سرور ولذة ، أذ ألف أن يحج عاما ويترك عاما أخر للغزو فى سبيل الله مع من يقفون فى الرباط يواجهون الروم أذا تأزم موقف أو احتدم اشتباك ، وقد جعل كل قادر على النفقة من الأثرياء يتقدم ألية بما سينفق ليضمة ألى خزانة رصيدة للنفقة المنتظرة أما غير القادر ممن يقف ابن المبارك على كفافهم فيتقدموا بما يستطيعون ليأخذهم ابن المبارك بيدة ، فيكتب قيمتة ، ويدعة فى صندوقة الخاص ، والقادر وغير القادر سواء فى الطعام والشراب والأناخة والأقامة لأن أدارة القافلة تقدم الزاد للجميع دون تفضيل وعند الطعام يتفقد عبد الله الأكلين ويدور على أماكنهم ثم يتناول طعامة مما بقى مغتبضا سعيدا ولا تسل عن أماكن الأستراحة فى الطريق الممتدة بين خراسان ومكة ، حيث عرف ما يصلح للمبيت والمقيل ، وما يحفل بينابيع المياة فأذا شائت القافلة أن ترتاح نصبت الخيام ودوى ذكر تلبية وتهليلا فأذا صليت العشاء القى درس الحديث وانتقل السامعين من الارض الى السماء وهم يسمعون كلام رسول الله " صلى الله علية وسلم " مفسرا للقران او هاديا للناس وقد حسب كل سامع انة تجرد من كل شئون الدنيا هذة الحقبة الممتدة ليشم رائحة الجنة فى الاخرة ، وما الجنة الا السعى فى اداء فريضة الله ومع التزام فرائضة واجتناب نواهية وصحبة ابن مبارك فى جودة الواسع وعلمة الناصح وخلقة القويم
وما كادت القافلة الخراسانية تقبل على مكة حتى تدفق الحجاج من كل صوب يشاهدون محفل عبد الله ابن المبارك ويلتفون بالركب التفاء لا يبقى معة فى البطحاء موضع لقدم واصوات التهليل والتكبير ترج الارض رجا فتجمع اليها القاصى والدانى بمن يسعدهم ان يكونوا فى ركب عبد الله ، وكان هارون الرشيد فى بعض سنوات حجة يجلس مع حاشيتة فى قصر الحكم قريبا من بيت الله فسمع الضجة الهائلة ونظر الى القوم يهرولون الى موقب عبد الله فرحين مغتبطين فتذكر انة كان يطوف بالامس وهو امير المؤمنين فيجد الناس يتباعدون حذرين ولا يقرب منة غير من يعهد من رجال حاشيتة ومستشارية ثم ها هو ذا يجد الحشد الصاخب يسير وراء عبد الله ، وابن المبارك لا يجهل مكانة لدية فهو محدث الامة ومن اعلامها البارزين وقد سارت كتبة بين الناس لتؤكد منزلتة العلمية فى الاسلام وقراها الرشيد فيما قرا من الصحف ذات الفقة والحديث ! أفتكون عزة العلم ابهى من عزة الملك ؟ وهذا ما يؤيدة العيان المشاهد اذ كيف تضائل موكطب الرشيد وانكمش واتسع موكب ابن المبارك وامتد ثم سنح هارون الرشيد بخاطرة الى موقف اخر يكاد يراة باحداثة مرسوما فى خاطرة ، كموكب الحساب فى الاخرة حين تتلاشى الفوارق بين الراعى والرعية وحين يتقدم فى الاخرة من تاخر مكانة فى الدنيا وقد يتاخر من راس وتقدم ، تذكر هذا الموقف فسأل ربة ان يكون يوم الهول من الناجين وكان الموسم موسم جفاف اذ شحت السماء بمطرها الهاطل وتطلع الحجاج لكرامة تهبط بها المياة من السحب فلجئوا الى صلاء الاستسقاء فى ضراعة وخشوع واوصى الرشيد ان يؤم الناس عبد الله بن لمبارك فى الصلاة فهو بمنزلة من ربة جديرة باستجابة الدعاء ووقف العالم المحدث الفقية يدعوا ربة وخلفة وعن يمينة و شمالة فى احرم المكى الاف الناس يؤمنون ويدعون وقد سادت الخشية بين النفوس حين جأر عبد الله بدعاء على بن ابى طالب " كرم الله وجهة " فى هذا الموقف فقال متضرعا خاشعا :" اللهم قد يبست جبالنا ، واغبرت ارضنا ، وهامت دوابنا ، وتحيرت فى مرابضها ، وعجت عجيج الثكالى على اولادها ، وملت التردد فى مراتعها ، والحنين الى مواردها ، اللهم فارحم انين الآنة ، وحنين الحانة ، اللهم فارحم حيرتها فى مذاهبها وانينها فى موالجها ، اللهم خرجنا اليك ، حين اعتكرت علينا السنون ، فكنت الرجاء للمبتئسين ، والبلاغ للمتلمس . ندعوك حين قنط الانام ، ومنع الغمام ، وهلك السوام ، الا تاخذنا باعمالنا ، ولا تأخذنا بذنوبنا ، اللهم سقيا منك تعشب بها نجانا ، وتجرى بها وهادنا ، وتخصب بها خبابنا فانك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا ، وتنشر رحمتك وانت الوالى الحميد " ثم ختم الصلاة املا راجيا ، فاذا فرغ الناس من حولة ، تعاظمة هول الموقف حين يستمر الجفاف ، فاتجة وحدة الى مكان يعرفة بين زمزم والمقام كى يؤدى صلاة منفردة يثنى بها ما تقدم من صلاة الجمع ، فشاهد شابا اسمر الوجة داكن السحنة ، يقف داعيا ربة ان يغيث الناس ، ويقول فى دعائة :" اللهم لا اسألك لنفسى ، فأنا لا اخشى الموت ظامئا ، ولكن اسألك للطفل الرضيه ، والحيوان الجائع ، والارملة البائسة ، هم عبادك يارب ، وقد قصدوا حرمك ، واموا ساحتك ، فاستعبر عبد الله لما سمع ، وترقرق لدمع على خدية ، واخذ ينظر الى الشاب مأخوذا دون ان يراة المصلى المبتهل وتوقع ان يختم الصلاة فيجلس فى الحرم ، ليسعد بلقائة ، ولكنة فر سريعا الى حيث ضاع فى الحشد المزدحم ، وشائت السماء ان تجود بمائها بعد انقطاع ، فاندفع لناس يقولون " اجاب الله دعاء ابن المبارك " ففوجئ الشيخ بما سمع ، فصاح فى القوم :" كلا كلا ، انة الشاب الاسمر ، وانا ابحث ، فليتنى القاة ! " .
يتبع .........