h_i_saleh
Well-Known Member
من كان يسمع عن عمرو بن الجموح قبل إسلامه، لا أحد يعرفه في الجزيرة العربية، عقليته كانت ساذجة، وبسيطة جدا، ومحدودة جدا، لدرجة أنه ظل سنين طويلة يسجد لصنم من خشب صنعه بيده، كان يسجد لهذا الخشب أكثر من ستين سنة يسجد لصنم صنعه بيده، ستين سنة، وهن العظم، وخط الشيب في الرأس، من المفروض أنه زاد حكمة كما يقال، لكن كبير جدا في السن، وليس لديه عقل، يسجد لصنم خشبي، كان من الممكن أن يموت في أي لحظة، ويغلق الستار على حياة تافهة لا تساوي شيئا في ميزان الناس، ولا في ميزان التاريخ ،ولا في ميزان الله عز وجل، لكن الله أراد له الهداية فآمن بعد الستين، وحدث انقلاب هائل في حياته، أو قل حدث انعدال هائل في حياته، ففطرته استقامت، وعقله المظلم استنار، وطموحاته التافهة الفارغة عَظُمت, كيف كان يفكر عمرو بن الجموح بعد الإسلام؟
عمرو بن الجموح كان فيه عرج شديد، ولذلك فهو معذور في عدم الجهاد، ومع ذلك لما تجهز المسلمون لغزوة أحد أصر عمرو بن الجموح أن يخرج مع المسلمين في الجهاد، حاول أبناؤه أن يمنعوه من الخروج، ولكنه ذهب يشتكيهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لديه عذر، وعذر بنص القرآن الكريم [لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ] {الفتح:17} لكن ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له:
يا نبي الله، إن أبنائي يريدون أن يحبسوني عن هذا الخير، وهم يتذرعون بأني أعرج، والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة.
انظروا إلى الأهداف العالية، والطموحات السامية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبنائه:
دَعُوهُ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَرْزُقْهُ الشَّهَادَةَ.
وهذه أمنية عمرو بن الجموح أن يموت في سبيل الله، وهي التي تمناها الرسول صلى الله عليه وسلم لعمرو بن الجموح، وهنا يرفع عمرو بن الجموح يده إلي السماء، ويقول:
اللهم ارزقني الشهادة، ولا تردني إلى أهلي خائبا.
الغاية، والأمنية، والمطلب، والفوز أن يموت.
ما التغيير الذي حدث لعقل وقلب وجوارج عمرو بن الجموح رضي الله عنه؟
كيف تغير هذا التغيير الهائل؟
وقد ظل أكثر من ستين سنة في الكفر، ولم يمض عليه في الإسلام إلا ثلاث، أو أربع سنوات، وينمو فكره، وعقله بهذه الصورة.
لقد صنع الإسلام عمرو بن الجموح، فأصبح إنسانا، بعدما عرف طريق الله عز وجل، أصبح يعيش حياة عظيمة، هي حياة الإنسان كما أراد الله عز جل [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] {البقرة:30}
فخليفة الله عز وجل في الأرض ليس الذي يعيش حياة الكفر، والشرك، واللعب، والمعصية، والتفاهة، والفراغ، بل إن حياة الخليفة حياة جادة، حياة الخليفة حياة الإنسان، وكان ما أراده عمرو بن الجموح، مات شهيدًا، استشهد في غزوة أحد، لم يمنعه العرج من أن يقوم بشيء عجز عن القيام به كثير من الأصحاء.
فمن نقطة بدايته أسهل نحن أم عمرو بن الجموح؟
من منا مرت عليه ستون سنة، وقد طال عليه الأمد في أفكار قديمة خاطئة، لا يستطيع أن يغيرها؟
من منا قَبِل أن يسجد لخشب ستين سنة؟
من منا من هو شديد العرج ومع ذلك يشتاق إلى جهاد وإلى نضال وإلى شهادة؟
لا شك أن بدايتنا أسهل، لكن نحتاج إلى لحظة صدق، نحتاج إلى أن نقبل الإسلام بالمعني الذي يريده الله عز وجل، لا المعنى الذي تريده أهواؤنا، وشهواتنا، ورغباتنا، نفعل مثل سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام
[إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ] {البقرة:131} .
تسليم كامل، كل حياتك لله رب العالمين، هذا هو المسلم، وهو ما وصل بالصحابة.