خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ عبد الله بن عمر البكري بجامع حمد بن خالد ( الدوحة )
الحمد لله العزيز القهار المنتقم الجبار يولج النهار في الليل ويولج الليل في النهار ، وأشهد ألا إله الله العظيم الحليم الذي يملي للظالم حتى إذا أخذه فإن أخذه أليم ، وأصلي وأسلم على المبعوث بالرفق والرحمة المؤيد بالكتاب والحكمة .
أما بعد ، معاشر المسلمين فمن رحمة الله بخلقه أن حرم الظلم وتوعد الظالمين بوبيل العقاب ، فقال جل وعلا : (( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار )) ومن أعظم الظلم وأفظعِه، وأقبحه وأشنعه ، سفكُ الدماء المعصومة وإزهاق الأنفس البريئة .
وقد توعَّد الله القاتلبأعظم عقوبة فقال جل وعلا : (( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُخَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباًعَظِيماً )) ، وكتب سبحانه على عباده : (( أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِنَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا )) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه : (( أبغض الناس إلى الله ثلاثة : مُلْحِدٌ في الحَرَم ، ومُبتغٍ في الإسلام سنةَ الجاهلية ، ومطلب دم امرىء بغير حق ليهريق دمه )) . وقال صلى الله عليه وسلم : "يأتي المقتول معلقًا رأسه بإحدى يديه متلببًا قاتله بيده الأخرى، تشخبُ أوداجه دمًا حتى يقفا بين يدي الله تعالى " رواه أحمد والنسائي. وفي رواية : "أن المقتول يجيء متعلقًا بالقاتل تشخب أوداجه دمًا فيقول: أي رب، سل هذا فيم قتلني؟". فياله من موقف عصيب على القتلة فهل من متعظ أو معتبر . وقال صلى الله عليه وسلم : (( لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة )) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " زوال الدنيا كلها أهون على الله من قتل رجل مسلم " .
معاشر المسلمين إن أعظم الذنوب بعد الكفر سفك الدم الحرام، والمسلم في سعة من دينه، وفي فسحة من ذنوبه ، حتى يباشر القتل ظلماً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً" وفي رواية: "في فسحة من ذنبه" رواه البخاري .وقال صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركًا ، أو مؤمن قتل مؤمنًا متعمدًا" فكيف إذا كان القاتل منابذا لشرع الله رافضاً لحكم الله ، والمقتول رافع لكتاب الله مطالب بتحكيم شرع الله. وقتل المسلمين ثم إظهار السرور والشماتة بإزهاق أرواحهم والاستهانة بدمائهم من أعظم الكبائر وأشنعها وهودليل فقدان الإحساس وموت القلب ،فقد قال صلى الله عليه وسلم : "من قتل مؤمنًا متعمدًا فاغتبط بقتله ( أي سُر بقتله ) لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً" فقبح الله قاتلا مجرما وإعلاما خبيثا يشمت بالقتلى ويزور الحقائق في وضح النهار في صفاقة وجه وقلة حياء . وقبح الله قاتلا يكذب ليقتل ثم يكذب ليبرر قتله ، وجزى الله من فوضه بالقتل ما يستحق .
معاشر المسلمين إن الدم الذي يُسفك ظلمًا وعدوانًا لا يضيع ؛ ولو تمالأ أهل الأرض على قتل مسلم لقُتلوا به، وعُذبوا بسببه، كيف!! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار" رواه الترمذي. وجاء بسند حسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى الكعبة، فقال : " ما أعظمَكِ وأعظمَ حرمتَكِ! ولَلمؤمن أعظمُ حرمةً عند الله منك؛ إن الله حرم منكِ واحدة، وحرم من المؤمن ثلاثًا: دمه، وماله، وأن يظن به ظن السوء " .
وليعلم القاتل أن المقتول سيخاصمه بين يدي العزيز الجبار ويقول : " يا ربّ، سَل هذافيم قتلني؟!".وليعلم من يباشر قتل الأبرياء _ وقيل إن بعض الجنود القتلة هم من المسلمين - أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله ، وأن الرزق بيد الله لا بيد المجرمين ، وأن الغمة زائلة عما قريب بإذن الله ، بثبات الصادقين وصبر المرابطين ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله وإعلاء كلمته وإحقاق الحق وإزهاق الباطل .
معاشر المسلمين ، هذا شأن قتل النفس في شريعة الرحمة والرأفة ، وإن مما يدمي القلب أن يقتل المجرمون مسلمين مسالمين ليس لديهم مايدفعون به عن أنفسهم ثم يكذبون عليهم على سمع العالم وبصره ، فما أجرأهم على ربهم وما أكذبهم على خلقه . وقد روي عن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إن بين يدي الساعة لهرجا "،قيل : يا رسول الله ما الهرج؟ قال : "القتل"، فقال بعض المسلمين : يا رسول الله إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال رسول الله : "ليس بقتل المشركين، ولكن بقتل بعضكم بعضاً ، حتى يقتل الرجل جاره وابنَ عمه وذا قرابته "، فقال بعض القوم : يا رسول الله ، ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟ فقال رسول الله :" لا ، تنزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم ".إي والله إن القتلة ومن أعانهم هباء لا وزن لهم بين الكرام ولا قيمة لهم في سوق الرجال ، ولن يذكرهم التاريخ إلا باللعنة والذم ، وصدق رسول الله ، فلا يُقدم مسلم على قتل المسلمين ظلما وبغيا ، إلا وهو مسلوب الشعور ميت الضمير . وقد حذَّر صلى الله عليه وسلم مِن مجرَّد الإعانة على القتل، فرُوِيعنه أنه قال: "من أعان على قتلِ مسلمٍ ولو بشَطر كلمة جاءَ يومَ القيامة مكتوبًابين عينيه: آيسٌ من رحمة الله".
معاشر المسلمين ويشترك في إثم الدم الحرام من أمر به ومن باشره وأيده ومن أعان عليه بإشارة أو عبارة أو مال ، كل أولئك مشتركون في إثم القتل .ليس هذا فحسب بل إن من رضي بقتل المسلمين كان آثما بنيته الخبيثة ، ومن أنكره كان له أجر نيته الطيبة ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها – وقال مرة : أنكرها – كمن غابعنها. ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها " . والحديث رواه أبوداود وحسنه الألباني رحمه الله . إذا فكل مسلم لا يخلو من أجر أو وزر في هذه المجازر المروعة مهما بعدت به الديار . فقبح الله مالاً خبيثا أشعل الفتنة في مصر وقتل خيرة أهلها وصالحيها ، وقبح الله سفلة محرضين ولئاماً شامتين . والموعد الله ، ( وعند الله تجتمع الخصومُ ) . وعلى الباغي تدور الدوائر . (( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )) . وليعلم القتلة أن استعمال البطش والقتل والإحراق للتعامل مع الشعوب والاستقواء بقطعان الجند هو سبيل فرعون ، فهو القائل في شأن المؤمنين مع موسى عليه السلام : ((سنقتّل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )) لكن الإيمان في صدور أهله كان أقوى من جبروته وبطشه : (( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين )) فكانت العاقبة للمتقين والهلاك للمجرمين وهذه سنة الله في نصر المؤمنين وإبطال كيد الخائنين (( ولن تجد لسنة الله تبديلا )) .
الخطبة الثانية :
الحمد لله ، معاشر المسلمين إن شأن القتل وإراقة الدماء في شريعة الإسلام شأن عظيم لذا كان " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء".كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم . قال الإمام ابن العربي : ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق، والوعيد في ذلك ،فكيف بقتل الآدمي! فكيف بقتل المسلم المسالم الذي خرج نصرة للحق وإعلاء لشريعة الله !! . فأمر الدماء عظيم عند الله ، وإراقته من أساب سخط الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من استطاع أن لا يُـحال بينه وبين الجنة بملء كفه من دم اهراقه فليفعل ))رواه البخاري .
معاشر المسلمين إن الخطيئة تجر الخطيئة والحماقة تُنتج حماقات ، فقد يدخل اللص بيتاً لا يريد إلا السرقة فإذا اكتشف أهل البيت أمره قتل من أمامه ، فإذا هرب وتبعه الناس أخذ يقتل كل من تصل إليه يده ويظن أنه ينجو بالقتل ، فيزداد إيغالا في الدماء حتى يغرق في بحر الدم غير مأسوف عليه ، وهكذا يفعل لصوص الحكم ، وعساكرهم المجرمة. والجيش الذي يستجدي مؤنته من أعداء أمته لا يرجى منه نصرة الأمة ، بل يُخشى منه . فبعد عقود من السكون يخرج الجند لا لينصر دينه أو يقيم شريعته ، ولا لينصر الحق أو يحمي اختيار الشعب ولكن ليقمع الحق وينصر الباطل . (شَلّت يمينك إنْ قتلتَ لَمؤمنا * حلت عليك عقوبة المتعمدِ) .وقبح الله الليبرالية المشؤومة التي تتشدق بالحريات والحقوق والكرامة ، فقد كشرت عن أنيابها وأظهرت حقدها ، وكشفت النقاب عن وجهها الكالح ، ليعرفها من لم يكن يعرفها . وليرى كل مسلم بعينه حقدها على الإسلام وأهله ويتيقن من بطلان شعاراتها الماكرة المراوغة ، ولكن الله ناصر دينه ومظهر شريعته ولو كره الكافرون ،ومتى صدق أنصار الحق وثبتوا وأخلصوا لله جل وعلا فليبشروا بالنصر القريب ، نقول ذلك لأهلنا في مصر وأهلنا في سوريا وفي فلسطين ونقولها لكل مسلم يجاهد لإعلاء كلمة الله وإظهار دينه . وأخزى الله كل خائن لأمته متآمر على دينها وشريعتها واستقلالها وكرامتها ، وقبح الله مالاً تُباع به الجيوش . وبئس الإعلام الذي يُظهر الشماتة بدماء المسلمين ، وبئس القضاء الذي يتآمر على الحق وينابذ الشريعة ويكون عصا بيد المجرمين .
والكل يعلم أن صبيان أعداء الأمة من الممولين والمنفذين لجريمة الإجهاز على نهضة الأمة ماكانوا ليجرؤون على الإنقلاب أو سفك الدماء دون مباركة الأعداء ، وإن تباكوا بلؤم بكاء التماسيح . فقبح الله كل خائن وغادر. وبدماء الأحرار الزكية ستُكتب صفحات ملاحم المجد ، ( والمجد ينبت حيث يرويه الدم ) ، وبمقدار الابتلاء يكون التمكين والاصطفاء .
معاشر المسلمين إن مصر غالية وعزيزة على كل مسلم ويأبى الله إلا أن تعود إلى قيادة الأمة وريادتها ، وإن أراد لها المجرمون البائسون أن تكون تابعة ذليلة لأعداء الأمة خاضعة لمعوناتهم وتستجدي منهم مقومات عيشها وقوتها ، وإلا ففي مصر العزة من الرجال الأفذاذ والخيرات الوافرة مايؤهلها لمكانة سامقة تليق بها وبتاريخها متى ماتخلصت من الطغاة المتكبرين والعتاة المتجبرين ، وسُمح لها بحكم رشيد وتخلصت من مخلفات الأنظمة المجرمة الخائنة .
وإن مباركة الصهاينة لما يجري خير دليل على حقيقته وخلفياته . وإن دعم الأنظمة الظالمة للقتلة والظالمين لدليل على حقيقة الفريقين لأنه لا يناصر الظالم إلا ظالم كما قال تعالى (( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون )) .
معاشر المسلمين ، إن حقيقة الصراع بين المعسكرين أنها معركة هوية وسيادة ، فالمجرمون لايريدون أن يكون الإسلام هوية للدولة ويأبون أن تكون السيادة لشرع الله هذا هو لب الصراع وماعداه رتوش للتمويه .ولما لفظ الشعب النخب المتغربة المعادية لحكم الله من خلال صناديق الانتخابات عادوا ناقمين على الشعب من خلال صناديق الرصاص .
وليعلم المجرمون أن سفك الدماء لا يزيد الحق إلا رسوخا ، ولا يزيد الإيمان إلا ثباتا ، ففي زمن أصحاب اﻷخدود حرص ملكهم على قتل الغلام المؤمن بكل وسيلة ظنًّا منه أن سيمحو دعوته بقتله ، فكان قتله سببا لإيمان الناس جميعا. وعندما يحين وقت القصاص فلن يغني عن المجرم من أغراه أو استأجره وسينبذ نبذ النواة مخذولا مدحورا كما فُعل بأسلافه من المجرمين ومن يعش فسيرى عدل الله في المجرمين في الدنيا قبل الآخرة طال الزمان أوقصر . ولن يغني تزوير الحقائق وصناعة الكذب عن المجرمين شيئا فحبل الكذب قصير .
وإن تصوير الصراع أنه بين المنقلبين وجماعة بعينها من التلاعب بالبسطاء والعبث بالحقائق الناصعة .ووصف البعض لمايجري في مصر بأنه فتنة ، مجانب للصواب نابع عن مماحكات ينبغي الترفع عنها ، أو جهل بحقيقة مايجري ودوافعه ، ومن يدرك حقيقة مايجري في مصر لايشك أنه صراع بين الحق والباطل وأن عودة المجرمين لها مابعدها من المخاطر والأضرار بمصالح الإسلام وشريعته وهويته .
وليكن المؤمن على ثقة من نصر الله لمن نصره ، وإظهار دينه وإعلاء كلمته مهما عظم البطش واشتد المكر: (( إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا )) وأن الباطل مهما انتفش وعلا صراخه وكثر جنده فإن الله يمحقه ويزهقه : (( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) ، ومهما قوي جند الباطل فهو مهزوم مدحور بإذن الله (( سيهزم الجمع ويولون الدبر )) والله ناصر دينه ومن قام به (( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )) (( والله معكم ولن يتركم أعمالكم )) . اللهم انصر دينك وأقم شريعتك وثبت أهل الحق الحاملين لراية الإسلام في كل مكان واهزم الباطل وجنده واخذلهم ياقوي يامتين ، اللهم تقبل الشهداء واشف الجرحى وارحم الثكالى واليتامى وانتقم من المجرمين وأنزل بهم بأسك ونكالك ياعزيز ياجبار .
الحمد لله العزيز القهار المنتقم الجبار يولج النهار في الليل ويولج الليل في النهار ، وأشهد ألا إله الله العظيم الحليم الذي يملي للظالم حتى إذا أخذه فإن أخذه أليم ، وأصلي وأسلم على المبعوث بالرفق والرحمة المؤيد بالكتاب والحكمة .
أما بعد ، معاشر المسلمين فمن رحمة الله بخلقه أن حرم الظلم وتوعد الظالمين بوبيل العقاب ، فقال جل وعلا : (( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار )) ومن أعظم الظلم وأفظعِه، وأقبحه وأشنعه ، سفكُ الدماء المعصومة وإزهاق الأنفس البريئة .
وقد توعَّد الله القاتلبأعظم عقوبة فقال جل وعلا : (( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُخَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباًعَظِيماً )) ، وكتب سبحانه على عباده : (( أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِنَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا )) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه : (( أبغض الناس إلى الله ثلاثة : مُلْحِدٌ في الحَرَم ، ومُبتغٍ في الإسلام سنةَ الجاهلية ، ومطلب دم امرىء بغير حق ليهريق دمه )) . وقال صلى الله عليه وسلم : "يأتي المقتول معلقًا رأسه بإحدى يديه متلببًا قاتله بيده الأخرى، تشخبُ أوداجه دمًا حتى يقفا بين يدي الله تعالى " رواه أحمد والنسائي. وفي رواية : "أن المقتول يجيء متعلقًا بالقاتل تشخب أوداجه دمًا فيقول: أي رب، سل هذا فيم قتلني؟". فياله من موقف عصيب على القتلة فهل من متعظ أو معتبر . وقال صلى الله عليه وسلم : (( لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة )) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " زوال الدنيا كلها أهون على الله من قتل رجل مسلم " .
معاشر المسلمين إن أعظم الذنوب بعد الكفر سفك الدم الحرام، والمسلم في سعة من دينه، وفي فسحة من ذنوبه ، حتى يباشر القتل ظلماً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً" وفي رواية: "في فسحة من ذنبه" رواه البخاري .وقال صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركًا ، أو مؤمن قتل مؤمنًا متعمدًا" فكيف إذا كان القاتل منابذا لشرع الله رافضاً لحكم الله ، والمقتول رافع لكتاب الله مطالب بتحكيم شرع الله. وقتل المسلمين ثم إظهار السرور والشماتة بإزهاق أرواحهم والاستهانة بدمائهم من أعظم الكبائر وأشنعها وهودليل فقدان الإحساس وموت القلب ،فقد قال صلى الله عليه وسلم : "من قتل مؤمنًا متعمدًا فاغتبط بقتله ( أي سُر بقتله ) لم يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً" فقبح الله قاتلا مجرما وإعلاما خبيثا يشمت بالقتلى ويزور الحقائق في وضح النهار في صفاقة وجه وقلة حياء . وقبح الله قاتلا يكذب ليقتل ثم يكذب ليبرر قتله ، وجزى الله من فوضه بالقتل ما يستحق .
معاشر المسلمين إن الدم الذي يُسفك ظلمًا وعدوانًا لا يضيع ؛ ولو تمالأ أهل الأرض على قتل مسلم لقُتلوا به، وعُذبوا بسببه، كيف!! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار" رواه الترمذي. وجاء بسند حسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى الكعبة، فقال : " ما أعظمَكِ وأعظمَ حرمتَكِ! ولَلمؤمن أعظمُ حرمةً عند الله منك؛ إن الله حرم منكِ واحدة، وحرم من المؤمن ثلاثًا: دمه، وماله، وأن يظن به ظن السوء " .
وليعلم القاتل أن المقتول سيخاصمه بين يدي العزيز الجبار ويقول : " يا ربّ، سَل هذافيم قتلني؟!".وليعلم من يباشر قتل الأبرياء _ وقيل إن بعض الجنود القتلة هم من المسلمين - أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله ، وأن الرزق بيد الله لا بيد المجرمين ، وأن الغمة زائلة عما قريب بإذن الله ، بثبات الصادقين وصبر المرابطين ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله وإعلاء كلمته وإحقاق الحق وإزهاق الباطل .
معاشر المسلمين ، هذا شأن قتل النفس في شريعة الرحمة والرأفة ، وإن مما يدمي القلب أن يقتل المجرمون مسلمين مسالمين ليس لديهم مايدفعون به عن أنفسهم ثم يكذبون عليهم على سمع العالم وبصره ، فما أجرأهم على ربهم وما أكذبهم على خلقه . وقد روي عن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إن بين يدي الساعة لهرجا "،قيل : يا رسول الله ما الهرج؟ قال : "القتل"، فقال بعض المسلمين : يا رسول الله إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال رسول الله : "ليس بقتل المشركين، ولكن بقتل بعضكم بعضاً ، حتى يقتل الرجل جاره وابنَ عمه وذا قرابته "، فقال بعض القوم : يا رسول الله ، ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟ فقال رسول الله :" لا ، تنزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم ".إي والله إن القتلة ومن أعانهم هباء لا وزن لهم بين الكرام ولا قيمة لهم في سوق الرجال ، ولن يذكرهم التاريخ إلا باللعنة والذم ، وصدق رسول الله ، فلا يُقدم مسلم على قتل المسلمين ظلما وبغيا ، إلا وهو مسلوب الشعور ميت الضمير . وقد حذَّر صلى الله عليه وسلم مِن مجرَّد الإعانة على القتل، فرُوِيعنه أنه قال: "من أعان على قتلِ مسلمٍ ولو بشَطر كلمة جاءَ يومَ القيامة مكتوبًابين عينيه: آيسٌ من رحمة الله".
معاشر المسلمين ويشترك في إثم الدم الحرام من أمر به ومن باشره وأيده ومن أعان عليه بإشارة أو عبارة أو مال ، كل أولئك مشتركون في إثم القتل .ليس هذا فحسب بل إن من رضي بقتل المسلمين كان آثما بنيته الخبيثة ، ومن أنكره كان له أجر نيته الطيبة ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها – وقال مرة : أنكرها – كمن غابعنها. ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها " . والحديث رواه أبوداود وحسنه الألباني رحمه الله . إذا فكل مسلم لا يخلو من أجر أو وزر في هذه المجازر المروعة مهما بعدت به الديار . فقبح الله مالاً خبيثا أشعل الفتنة في مصر وقتل خيرة أهلها وصالحيها ، وقبح الله سفلة محرضين ولئاماً شامتين . والموعد الله ، ( وعند الله تجتمع الخصومُ ) . وعلى الباغي تدور الدوائر . (( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )) . وليعلم القتلة أن استعمال البطش والقتل والإحراق للتعامل مع الشعوب والاستقواء بقطعان الجند هو سبيل فرعون ، فهو القائل في شأن المؤمنين مع موسى عليه السلام : ((سنقتّل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون )) لكن الإيمان في صدور أهله كان أقوى من جبروته وبطشه : (( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين )) فكانت العاقبة للمتقين والهلاك للمجرمين وهذه سنة الله في نصر المؤمنين وإبطال كيد الخائنين (( ولن تجد لسنة الله تبديلا )) .
الخطبة الثانية :
الحمد لله ، معاشر المسلمين إن شأن القتل وإراقة الدماء في شريعة الإسلام شأن عظيم لذا كان " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء".كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم . قال الإمام ابن العربي : ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق، والوعيد في ذلك ،فكيف بقتل الآدمي! فكيف بقتل المسلم المسالم الذي خرج نصرة للحق وإعلاء لشريعة الله !! . فأمر الدماء عظيم عند الله ، وإراقته من أساب سخط الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من استطاع أن لا يُـحال بينه وبين الجنة بملء كفه من دم اهراقه فليفعل ))رواه البخاري .
معاشر المسلمين إن الخطيئة تجر الخطيئة والحماقة تُنتج حماقات ، فقد يدخل اللص بيتاً لا يريد إلا السرقة فإذا اكتشف أهل البيت أمره قتل من أمامه ، فإذا هرب وتبعه الناس أخذ يقتل كل من تصل إليه يده ويظن أنه ينجو بالقتل ، فيزداد إيغالا في الدماء حتى يغرق في بحر الدم غير مأسوف عليه ، وهكذا يفعل لصوص الحكم ، وعساكرهم المجرمة. والجيش الذي يستجدي مؤنته من أعداء أمته لا يرجى منه نصرة الأمة ، بل يُخشى منه . فبعد عقود من السكون يخرج الجند لا لينصر دينه أو يقيم شريعته ، ولا لينصر الحق أو يحمي اختيار الشعب ولكن ليقمع الحق وينصر الباطل . (شَلّت يمينك إنْ قتلتَ لَمؤمنا * حلت عليك عقوبة المتعمدِ) .وقبح الله الليبرالية المشؤومة التي تتشدق بالحريات والحقوق والكرامة ، فقد كشرت عن أنيابها وأظهرت حقدها ، وكشفت النقاب عن وجهها الكالح ، ليعرفها من لم يكن يعرفها . وليرى كل مسلم بعينه حقدها على الإسلام وأهله ويتيقن من بطلان شعاراتها الماكرة المراوغة ، ولكن الله ناصر دينه ومظهر شريعته ولو كره الكافرون ،ومتى صدق أنصار الحق وثبتوا وأخلصوا لله جل وعلا فليبشروا بالنصر القريب ، نقول ذلك لأهلنا في مصر وأهلنا في سوريا وفي فلسطين ونقولها لكل مسلم يجاهد لإعلاء كلمة الله وإظهار دينه . وأخزى الله كل خائن لأمته متآمر على دينها وشريعتها واستقلالها وكرامتها ، وقبح الله مالاً تُباع به الجيوش . وبئس الإعلام الذي يُظهر الشماتة بدماء المسلمين ، وبئس القضاء الذي يتآمر على الحق وينابذ الشريعة ويكون عصا بيد المجرمين .
والكل يعلم أن صبيان أعداء الأمة من الممولين والمنفذين لجريمة الإجهاز على نهضة الأمة ماكانوا ليجرؤون على الإنقلاب أو سفك الدماء دون مباركة الأعداء ، وإن تباكوا بلؤم بكاء التماسيح . فقبح الله كل خائن وغادر. وبدماء الأحرار الزكية ستُكتب صفحات ملاحم المجد ، ( والمجد ينبت حيث يرويه الدم ) ، وبمقدار الابتلاء يكون التمكين والاصطفاء .
معاشر المسلمين إن مصر غالية وعزيزة على كل مسلم ويأبى الله إلا أن تعود إلى قيادة الأمة وريادتها ، وإن أراد لها المجرمون البائسون أن تكون تابعة ذليلة لأعداء الأمة خاضعة لمعوناتهم وتستجدي منهم مقومات عيشها وقوتها ، وإلا ففي مصر العزة من الرجال الأفذاذ والخيرات الوافرة مايؤهلها لمكانة سامقة تليق بها وبتاريخها متى ماتخلصت من الطغاة المتكبرين والعتاة المتجبرين ، وسُمح لها بحكم رشيد وتخلصت من مخلفات الأنظمة المجرمة الخائنة .
وإن مباركة الصهاينة لما يجري خير دليل على حقيقته وخلفياته . وإن دعم الأنظمة الظالمة للقتلة والظالمين لدليل على حقيقة الفريقين لأنه لا يناصر الظالم إلا ظالم كما قال تعالى (( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون )) .
معاشر المسلمين ، إن حقيقة الصراع بين المعسكرين أنها معركة هوية وسيادة ، فالمجرمون لايريدون أن يكون الإسلام هوية للدولة ويأبون أن تكون السيادة لشرع الله هذا هو لب الصراع وماعداه رتوش للتمويه .ولما لفظ الشعب النخب المتغربة المعادية لحكم الله من خلال صناديق الانتخابات عادوا ناقمين على الشعب من خلال صناديق الرصاص .
وليعلم المجرمون أن سفك الدماء لا يزيد الحق إلا رسوخا ، ولا يزيد الإيمان إلا ثباتا ، ففي زمن أصحاب اﻷخدود حرص ملكهم على قتل الغلام المؤمن بكل وسيلة ظنًّا منه أن سيمحو دعوته بقتله ، فكان قتله سببا لإيمان الناس جميعا. وعندما يحين وقت القصاص فلن يغني عن المجرم من أغراه أو استأجره وسينبذ نبذ النواة مخذولا مدحورا كما فُعل بأسلافه من المجرمين ومن يعش فسيرى عدل الله في المجرمين في الدنيا قبل الآخرة طال الزمان أوقصر . ولن يغني تزوير الحقائق وصناعة الكذب عن المجرمين شيئا فحبل الكذب قصير .
وإن تصوير الصراع أنه بين المنقلبين وجماعة بعينها من التلاعب بالبسطاء والعبث بالحقائق الناصعة .ووصف البعض لمايجري في مصر بأنه فتنة ، مجانب للصواب نابع عن مماحكات ينبغي الترفع عنها ، أو جهل بحقيقة مايجري ودوافعه ، ومن يدرك حقيقة مايجري في مصر لايشك أنه صراع بين الحق والباطل وأن عودة المجرمين لها مابعدها من المخاطر والأضرار بمصالح الإسلام وشريعته وهويته .
وليكن المؤمن على ثقة من نصر الله لمن نصره ، وإظهار دينه وإعلاء كلمته مهما عظم البطش واشتد المكر: (( إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا )) وأن الباطل مهما انتفش وعلا صراخه وكثر جنده فإن الله يمحقه ويزهقه : (( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) ، ومهما قوي جند الباطل فهو مهزوم مدحور بإذن الله (( سيهزم الجمع ويولون الدبر )) والله ناصر دينه ومن قام به (( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )) (( والله معكم ولن يتركم أعمالكم )) . اللهم انصر دينك وأقم شريعتك وثبت أهل الحق الحاملين لراية الإسلام في كل مكان واهزم الباطل وجنده واخذلهم ياقوي يامتين ، اللهم تقبل الشهداء واشف الجرحى وارحم الثكالى واليتامى وانتقم من المجرمين وأنزل بهم بأسك ونكالك ياعزيز ياجبار .