تمرّد الصراحة

NACIRA BAHOURA

New Member
من منا قدير على مواجهة الغير بالصبر والتاني فيهاجم اهل السوء و يطرد افات البلاء دون حيرة او ارتباك... لا شك فهو اشرف منزلة واسنى مرتبة بين اهله وذويه يتحلى بالجرأة لأنه قدير على حبك الفكرة بخطة تكفل المصلحة لا يشوبها الاستعداد للبلبلة او الفرقة ولا تحمل أي ضرب من ضروب الشر همه اداء الرسالة الواجبة بكل يقين وثبات .
لك ان تتجرد من دفء الرفق فتغدو كأنك رجل قانون قد استدرج بواعث الغضب لخصمين تفاقم بأعماق كل منهما وهج الحمئة ولك ايضا إلا تستهان بهذا الامر فتنظر له بكل بساطة فمن الاجدر ان تجعل الصرامة بأوفر حظ من الصواب وقد يغشيك فيض من التجلد والشدة مغمورة بسماحة الرحمة لتكون الحكم العدل بين شخصين قد تنافرا ..اليس الخير غايتك والصلاح مبتغاك لتحقق الهدف الذي تسعى له .
من المألوف ان الناس ليسوا نسخة ذات خصائص واحدة او فكر واحد ولا غرائز مشتركة او طبيعة تنعقد عليها شمائل متماثلة ...فإذا كانت بواعث الاستهتار والعربدة والحقد والبغضاء من طبيعة اهل السوء فلا يعني ان ينابيع الخير قد جفت او انتابها الاضمحلال .
لا ضير لك ان تعتصم بحبال الجرأة وتطرق ماشئت من المواضيع ...ولكن الاجدر بك ان تجعل الحسبان مثقالا للفكر واللسان فان ازحت هذا الجدار السميك فاض غليل فؤادك كما يفيض هدير الوادي وراح لسانك يلتهم خيرة الناس التهام النار للحطب مدعيا ان هذا المبدأ يفك لسانك من قيود الادب وموازينه والقيم وخصالها لتحظى بالارتياح الكافي وفي شرعك ان مميزات الادب والخلق الرفيع اضحت من سلوكيات المجتمع المتخلف وتغافلت ان من سخافة المرء ان يهمل الجانب القائم على حياة افضل حياة يتم فيها تبادل العاطفة والعدل والشعور النبيل وتصان في دائرتها نظرية الحقوق دون غرور او استعلاء .
ليس من المروءة ان تقدم لي قدحا من المواعظ الساخطة لتكون وعاظا ولا من السيادة ان تجنح بعبارات الزمجرة مقتحما جسر العقل والعاطفة فلا هذه ولا تلك تجعلني راغبا في الاصغاء اليك ...فقد تومئ لبلبلة افكاري ويحترق في سعيرها قمة المجد وانتزاع الثقة واستطراد الاخوة .
لئن تأتي بحشاشة باتت مؤهلة لظلم مارد ومحن قد ادركتك وفرضت عليك ان تضاهي الحياة ببسمة كاذبة ...فهذه خبايا تعبر عن الفشل الذريع والهزيمة النكراء مما يجعل عامة الناس تتذمر لهذه العبر الخانقة ومخبئتها الثقيلة .
فيا حبذا نقدا يحتضنه الاستعطاف فينساب بلهجة تخلو من العنف وترجمة الاعجاب ولا تذوب فيه سر الحقائق يقوم على سداد الرأي ليسد الخلل ويستر الزلل ويرتقي بالإنسان الى ما تنشده النفس من خير وسلام لا للزج به في مواطن الشقاء والتعاسة فالإنسان الذي يؤثر نقدا لا يراوغه سخف او تنكيل وإنما ينساق على مهل ليسعف اهل الحظ ويحيطهم بالشمائل النقية والفضائل الابية انما هو يدأب لتبيان الحقائق وبث الطمأنينة في واحات النفوس لتعتاد هذه القبول على الخير بدل تدمير معنوياتها والتمشي وراء مايرمي بها في مطارح الخزي ومسالك الضلالة.
ان ما يفصل اهل الصراحة عن ذوي الوقاحة خيط رفيع ولكنه عميق يتطلب الى اليقظة والجهد القويم ليظل موصولا بالحق ملهما للرشد حافلا بالوصايا ملما بالأوامر والنواهي حتى لأتغيب في كنفه مبادئ الاحسان وإدراك المنافع .
وإذا كان المرء الصريح في صراع حاد وجاد مع نفسه بغية البعد عن الوقوع في الزلل التي لا تجدي نفعا فقد ينال من هذا اللواء ما يجعله فخورا ومع ذلك فان صدى الذنب ينتابه من حين لآخر فيجدد صراعه طمعا في تنقية النفس والروح من براثن الخطايا والعيوب.بينما نضيره في غاية الانشراح لما يجده في تمادي النفس وتعنتها فقد تذهل لما يبديه في حين تجد انه يستمتع بالتشدق والاستفزاز ويلتمس في ذلك القوة والشجاعة دون خشية او تبرم ولا يرى مانعا البتة وهو يؤثر العيوب وينام عليها قرير العين .
اياك ان تمتطي جواد المعرفة في خضم الظلمات فان عزمت على ذلك فاحذر كل الحذر ان تشق طريقا غير معبد حتى تتقي العثرات ...ولا تجعل الصراحة جسرا او ممرا لتعبر عليه قافلة الوقاحة عبور النسر الذي حلق في الفضاء طويلا ثم هوى لينهش فريسة غابت قواها و ودعت دنياها .... و اعلم ان نقاء الصراحة انما هي حبات لؤلؤ فان تناثرت زادت رونقا وجمالا وان جمعت فهي للعقد شهبا .
اما معبد الوقاحة فلا شان له في مواجهة الشدائد وفلسفة الحياة لان هذا لا يلتمس في ذاته نورا يهتدي به في دياجيه فالخبط شرعه ومبتغاة والشتم نيله ورضاه والمكر هدفه وهواه يتمخض الساعات العديدة ليطرح افكارعقيمة وآراء سقيمة او تعبيرا راكدا مشوها يشمئز له ارباب المنطق وأهل الكلام فيسخط عليه الجميع وينسبونه لحطة الناس.

تمت...الكاتبة نصيرة بحوره
 
عودة
أعلى