خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ عبد الله بن عمر البكري
بجامع حمد بن خالد آل ثاني
ضرورة الجهاد بالمال في سوريا
الحمد لله ، معاشر المؤمنين ، المال قوام الحياة ، وسبب من أسباب القوة والنصر ، فلا جهاد إلا بمال ، وقد جعل الله في النفوس ميلا شديدا إلى جمع المال وتكثيره ، ﴿ وتحبون المال حبا جما ﴾ ، ﴿وإنه لحب الخير لشديد ﴾ ، ولما كان إنفاق المال شديدا على النفوس ، كان مقياسا لقوة الإيمان بالله والثقة بوعده وبما عنده ، ولهذا قرن الله تعالى في القرآن الكريم جهاد المال بجهاد النفس ، بل قدَّم ذكر المال على ذكر النفس في معظم آيات الكتاب .
والإنفاق في سبيل الله بالغ الأهمية ، وكلما كان الخطب أعظم كان الإنفاق أوجب وأكثر أجرا ، وبالإنفاق في المواقف العصيبة تتفاوت مقادير أهل الإيمان ، قال الله تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ . ويتأكد الإنفاق في سبيل الله في مثل أيامنا هذه ، التي تكالب فيها أوباش الفرقة المارقة والطائفة الحاقدة على أهلنا في سوريا . وأي بلد أولى بالإنفاق فيه من بلاد الشام المباركة التي باركها الله وفضلها وجعلها مأوى الثلة المؤمنة والطائفة المنصورة إلى قيام الساعة .
معاشر المؤمنين إن الإنفاق في سبيل الله من اقصر الطرق إلى رضوان الله وأعظمها بركة ، يقول الحق جل وعلا : ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ .
ولما علم الله ضعف عباده وأن بعضهم قد لا يقوى على الجهاد جعل البذل في تجهيز المجاهدين كأجرهم ؛ فقد أخرج البخاري وغيره عن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قا ل : " من جهَّز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في سبيل الله بخير فقد غزا" وأخرج الترمذي وصحَّحه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ": أفضلُ الصدقاتِ ظلُّ فسطاطٍ في سبيلِ الله، ومنيحةُ خادم في سبيل الله، أو طَرُوقة فَحْلٍ في سبيل الله"، فخيمة يستظل بها المجاهد أو ملجأ يحميه أو كفايته في بعض ما يحتاجه أعظم الصدقات عند الله .
وأخرج مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ بناقةٍ مخطومةٍ؛ فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة" .
معاشر المؤمنين ، إن فضل المجاهد بنفسه فضل عظيم ، وهل هناك أعظم من النفس تقدم رخيصة في سبيل الله لإحقاق الحق ودحر الباطل ، وهل يليق بالمتخلف عن الجهاد أن يبخل بحطام الدنيا على من باع نفسه لله وانتدبها للذب عن الإسلام والمسلمين . وكيف يبخل أهل الحق بنصرة إخوانهم ، وأهل الباطل ينفقون المليارات لدعم المجرم وإنقاذه وإغاثته .
ألسنا أولى بالبذل منهم !
من الأولى بالإنفاق والبذل من يقول يا لله أم من يقول يافلان !
من الأولى بالسخاء من يعبد الله وحده ، أم من يجعل معه اثني عشر إلها معصوما عالما للغيب ! من أحق بالبذل من يؤمن بالقرآن كما أنزل وأنه عزيز محفوظ ، أم من يؤمن بقرآن آخر يأتي به صاحب السرداب عندما يأذن السرداب !
من أحق بالبذل والجهاد من يعظم النبي صلى الله عليه وسلم وينزه بيته من السوء ، أم من يؤذيه في أهله ويرمي نساءه بالفواحش !
من أحق بالسخاء والبذل من يتولى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويحفظ وصيته فيهم أم من يكفرهم ويبغضهم ويلعنهم كل يوم .
عجبا لأمرنا وأمرهم ، كيف تجود أنفس هؤلاء ونبخل نحن ، متى كان المجوس أكرم من العرب!
ومتى كان عابد أضرحة الأموات أجود من عابد الحي الذي لا يموت .
معاشر المؤمنين ، لقد نزل بإخوانكم في سوريا بلاء عظيم ، وتكالبت عليهم الفرقة الخبيثة من كل صوب ، ومن خلفهم دول عظمى في غاية الخبث والحقد ، وهذه الدول الكبرى صنفان ، صنف يدعم المجرمين بالسلاح ، وصنف يمنع دعم المجاهدين بالسلاح . وليس لإخواننا بعد الله إلا أنتم . فأين الكريم الذي يهون عليه المال لنصرة الدين وتثبيت المسلمين ، وحماية الأنفس البريئة والأعراض المصونة !
أين المسابقون إلى المكارم ! أين أهل النخوة والمروءة .
فيا من فاته شرف الجهاد بنفسه جاهد بمال الله الذي جعله في يدك .
ومتى قام كل منا بأقصى ما يستطيعه فقد اقترب النصر وآذن الفجر بالضياء ، ولا تهولنكم جموع القوم فقد ولوا هاربين في القادسية ونهاوند وسيقوا بسلاسلهم في ذات السلاسل وتساقطوا كالذباب في معركة الجسر .
فلم تغن عنهم جموعهم شيئا ، فيما مضى ولن تغني عنهم اليوم ، وقد آن للصدور الحاقدة أن تحترق بما تكنه من الأضغان على المسلمين الفاتحين . ولا يذكر التاريخ أن أهل الشام اجتمعوا على عدو فهُزموا، وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الشام ببشارة عظيمة فقال " لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" قال الإمام أحمد: " هم أهل الشام " .
واعلموا يقينا رحمكم الله أن ما يدور في سوريا هو حرب بين أهل التوحيد والحق وأهل الشرك والبغي ، ومن زعم أنها فتنة فقد سقط في الفتنة ولبس وضلل . واعلموا رحمكم الله أن ترك دعم المجاهدين في سوريا علامة هلاك قال تعالى : (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقد اتفق المفسرون أنها نزلت في ترك الإنفاق في الجهاد ، فالمعنى : إن تركتم النفقة هلكتم . وهو كذلك فذل الأمة مرهون بترك الجهاد والبذل فيه ، قال صلى الله عليه وسلم " وماترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ذلوا " .
معاشر المسلمين ، لقد سميت سورة التوبة بالفاضحة لأنها فضحت المنافقين ، وبينت جبنهم وشحهم ومكرهم ، والشح قرين النفاق فهو من صفاتهم ﴿ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم ﴾ ، وقد تكرر الحث على الإنفاق في سبيل الله ومدح المنفقين كثيرا في ثنايا هذه السورة ، حتى تكون علامة تفرق بين المؤمن والمنافق ، وجاء الوعيد في حق من آثر القرابة والمال والمسكن ونحوها على الله والجهاد في سبيل الله ، فقال تعالى : ﴿ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها ﴾ أي : اكتسبتموها ﴿ وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا ﴾ أي : فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله ؛ ولهذا قال ﴿ حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾ فإذا بخلت الأمة فلتنتظر العقاب ولتستعد الشعوب الأخرى لدورها فالأخطبوط الرافضي يمد أذرعته على الدوام ليطوق بها الأمة . فإذا بخلنا اليوم ببعض مالنا فقد نخسره غدا كله ومعه العرض والنفس ، فقد أعلن القوم عن حقدهم ونزعوا قناع التقية الذي خدعوا به المسلمين دهرا طويلا .
وفي سورة التوبة أيضاً يبين الله تعالى أن كراهة الجهاد بالنفس والمال في سبيل الله من صفات المنافقين ومن شابههم فقال تعالى : ﴿ فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ﴾. وقال تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه ﴿ فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم﴾ وهذا كقوله تعالى : ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ﴾ فالله جل وعلا يختبر عباده بالعطاء ليرى بذلهم ، ويختبرهم بالمنع ليرى صبرهم وتعففهم .
ثم ذكر جل وعلا حال الضعفاء والمرضى والفقراء وأنه لا حرج عليهم في التخلف عن الجهاد ما داموا ناصحين لله ورسوله (( إذا نصحوا لله ورسوله )) فإذا فعلوا ذلك فليسوا مسيئين بل هم محسنون و حينها : (( ماعلى المحسنين من سبيل والله غفور رحيم )) . أما المستحق للتوبيخ والتقريع فهو القادر الذي يبخل بما يمكنه بذله : ﴿ إِنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَك وَهُمْ أَغْنِيَاء ﴾ .
وبعد أن ذكر الله أصحاب الهفوات ، دل على طريق للتطهر من الأدران فقال ﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم)) بها من ذنوبهم ﴿ وتزكيهم بها ﴾ أي : ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين . وقيل : تنمي أموالهم ﴿ وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ﴾ .
وفي أواخر سورة التوبة ذكر الله جل وعلا الصفقة العظيمة التي عقدها مع عباده المؤمنين الصادقين وأنه اشترى منهم الأنفس والأموال مقابل الخلود في الجنان فقال : ﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ﴾ فقد عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة ، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه ، فالسلعة ملكه والثمن من توفيقه وفضله ، ولهذا قال الحسن البصري وقتادة " :بايعهم والله فأغلى ثمنهم ."
واعلم أيها المنفق في سبيل الله ، أن ما تنفق مخلوفٌ في الدنيا ، موفى لك في الآخرة، أما في الآخرة فقد قال تعالى : ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ﴾ وأما في الدنيا فقد قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ .فأول الآية تذكير بمصدر المال وأن الله هو الذي أغنى الغني ، وفي آخرها وعد للمنفق بالخلف .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا (( . ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( قال الله عز وجل: (أنفق؛ أُنفق عليك) )) . وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : (لأن أُمَتِّع - أي أجهّز - بسوط في سبيل الله أحب إلي من حجة بعد حجة) قال الهيثمي رجاله ثقات . وروى الترمذي عن أبي حبيبة الطائي رضي الله عنه قال: (أوصى إلي أخي بطائفة من ماله، فلقيت أبا الدرداء، فقلت: إن أخي أوصى إلي بطائفة من ماله ، فأين ترى لي وضعه في الفقراء أو المساكين أو المجاهدين في سبيل الله؟ فقال: أما أنا فلو كنت لم أعْدِلْ بالمجاهدين) .
واعلموا معاشر الموسرين أن من أفضل ما توقف عليه الأوقاف وتكتب فيه الوصايا : الجهاد لإعلاء كلمة الله . وعلى الموسرين أن يستنفروا في بذل الأموال لنجدة أهل سوريا لا سيما في الجهاد ، من حر المال ومن الزكوات وقد أجاز العلماء تقديم الزكاة عن وقتها بل وتقديمها لسنة أو سنتين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أخذ زكاة عمه العباس لعامين .
وقدوتنا في الإنفاق نبينا صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم رحمه الله : " كان صلى الله عليه وسلم أعظمَ الناس صدقةً بما ملكت يدُه، وكان لا يستكثِر شيئاً أعطاه للَّهِ تعالى، ولا يستقِلُّه، وكان لا يسألُه أحدٌ شيئاً عنده إلا أعطاه، قليلاً كان أو كثيراً، وكان عطاؤه عطاء مَنْ لا يخافُ الفقر، وكان العطاءُ والصدقةُ أحبَّ شيء إليه، وكان سُرورُه وفرحُه بما يعطيه أعظمَ من سرور الآخِذِ بما يأخذه، وكان أجودَ الناس بالخير،يمينه كالرِّيح المرسلة، وكان إذا عرض له مُحتاج، آثره على نفسه،تارةً بطعامه، وتارةً بلباسه " هكذا كان نبيكم وقد قال ربكم جل وعلا : ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ .
الخطبة الثانية : معاشر المسلمين بدأت ثمار الجهاد في سوريا تزهر وإن لم يحن بعد وقت القطاف ، فقد كان لله جل وعلا في هذا الجهاد المبارك على الأمة فضلا عظيماً ، فقد جمع قلوب أهل السنة وامتاز الخبيث من الطيب مصداقا لقوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُون عَلَيْهِمْ حَسْرَة ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّم يُحْشَرُونَ* لِيَمِيزَ اللَّه الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب ﴾ . وانكشف خداع أهل الباطل وكُشف القناع عن وجه دجال المقاومة الذي طالما تلاعب بعواطف بعض المسلمين فإذا به يكشف عن حقده وبغضه ومكره ، وإذا ( صواويخه ) تنهال على المسلمين لتقتل وتدمر وتحرق ، وإذا بإعداده لم يكن إلا لأهل السنة الذين آووه ونصروه وصدقوا دجله فكان جزاؤهم منه جزاء اللئيم للكريم وهذه سنة الله في إكرام اللئام:
( ومن يصنع المعروف في غير أهله * يلاقي الذي لاقى مجير ام عامر) .
وانكشفت سوءة الحقد المجوسي الذي طالما تشدق بعداوة اليهود ، واليهود منه في عافية ، وإذا بإعداده لم يكن إلا ( لثارات الهوسين ) ، ورضي الله عن الحسين فلو رأى شرك القوم لكان أول المجاهدين لهم .
ومن بركات الجهاد في سوريا أن زالت به الغشاوة عن أعين كثير من المسلمين ، وانكشف للمسلمين حقد عُباد المشاهد على أمة الإسلام ، ورجع كبارٌ كرام عن عبث التقريب الذي تلاعب الرافضة من خلاله بالمسلمين زمنا طويلا ، وتغلغلوا به إلى أعماق الأمة ، ورجع الفضلاء عن إعجابهم بحزب الشيطان بعد أن انكشفت حقيقته وكشر عن أنيابه فلله الحمد ، فتمايز الصفوف وتنقيتها من أقوى اسباب النصر والتمكين .
ولا يخفى أن رجوع الكبار إلى الحق لا ينتقص من اقدارهم بل يزيدهم شرفا . فرجوع النبيل عن خطئه فضيلة ومكرمة تزيده نبلا وفضلا ، وتدل على صدقه ونصحه للأمة ، فينبغي أن يشكر عليه وأن يُشاد به وأن يُحث على مراجعة مايشبه ذلك من شواذ المسائل مما لا يليق بالراسخين في العلم .
ومن بركات الجهاد في سوريا أن عاد كثير من شبابها إلى دينهم بعد طول غفلة ، فإذا بالشباب الغافلين يرتقون من حضيض الشهوات إلى ذروة سنام الإسلام ، ويتخذ الله منهم شهداء . ومن بركات الجهاد في الشام أ نفتح للمسلمين أبواباً عظيمة من أبواب التقرب إلى الله بالمال والتضرع ولين القلوب ، فكم سمعنا من عروس تبرعت للمجاهدين بمهرها ومن موظف تبرع براتبه وأطفال تبرعوا بما في حصالاتهم الصغيرة ، وكل ذلك من آثار إحياء مبدأ الأخوة والتعاون والتناصر بين المسلمين .
ومن منح الجهاد في سوريا أنه كشف للسوريين حقيقة الطائفة الكافرة اللئيمة التي تسللت إلى الحكم في غفلة من المسلمين وبعد عن دينهم ، ثم سامت المسلمين سوء العذاب طوال خمسين سنة وخدعت المسلمين بدعوى المقاومة ، ولا مقاومة . وأدرك السوريون أن كلفة تغيير المنكر في أول أمره أيسر مئات المرات من تغييره بعد استفحاله .
ومن دروس الجهاد في سوريا أن رأى المسلمون بأعينهم أن الطرق البدعية غالبا ما تخذل المسلمين ويكون اربابها في صفوف المجرمين ، فكشف الله زيف الطرق الضالة وفضح أمرها ، وتبرأ منها من كان مخدوعاً بها ، ولله الحمد .
كل تلك الثمار المباركة ولم يكتمل النصر بعد ، وسيكتمل بإذن الله وتطهر أرض الشام من كل رجس ويعود لها بهاؤها ونورها ، وستعود مساجدها التي أخرجت أئمة عظاما وعلماء كبارا ، ستعود منارات علم وهدى ، وستعود سوريا كما كانت بلدا مسلما ترفع فيه كلمة التوحيد وتخفق في سمائه رايات السنة وتعود الشام كما كانت حصناً للإسلام ومنارة للعلم والإيمان بحول الله وقوته وعزه وقدرته .
بجامع حمد بن خالد آل ثاني
ضرورة الجهاد بالمال في سوريا
الحمد لله ، معاشر المؤمنين ، المال قوام الحياة ، وسبب من أسباب القوة والنصر ، فلا جهاد إلا بمال ، وقد جعل الله في النفوس ميلا شديدا إلى جمع المال وتكثيره ، ﴿ وتحبون المال حبا جما ﴾ ، ﴿وإنه لحب الخير لشديد ﴾ ، ولما كان إنفاق المال شديدا على النفوس ، كان مقياسا لقوة الإيمان بالله والثقة بوعده وبما عنده ، ولهذا قرن الله تعالى في القرآن الكريم جهاد المال بجهاد النفس ، بل قدَّم ذكر المال على ذكر النفس في معظم آيات الكتاب .
والإنفاق في سبيل الله بالغ الأهمية ، وكلما كان الخطب أعظم كان الإنفاق أوجب وأكثر أجرا ، وبالإنفاق في المواقف العصيبة تتفاوت مقادير أهل الإيمان ، قال الله تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ . ويتأكد الإنفاق في سبيل الله في مثل أيامنا هذه ، التي تكالب فيها أوباش الفرقة المارقة والطائفة الحاقدة على أهلنا في سوريا . وأي بلد أولى بالإنفاق فيه من بلاد الشام المباركة التي باركها الله وفضلها وجعلها مأوى الثلة المؤمنة والطائفة المنصورة إلى قيام الساعة .
معاشر المؤمنين إن الإنفاق في سبيل الله من اقصر الطرق إلى رضوان الله وأعظمها بركة ، يقول الحق جل وعلا : ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ .
ولما علم الله ضعف عباده وأن بعضهم قد لا يقوى على الجهاد جعل البذل في تجهيز المجاهدين كأجرهم ؛ فقد أخرج البخاري وغيره عن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قا ل : " من جهَّز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في سبيل الله بخير فقد غزا" وأخرج الترمذي وصحَّحه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ": أفضلُ الصدقاتِ ظلُّ فسطاطٍ في سبيلِ الله، ومنيحةُ خادم في سبيل الله، أو طَرُوقة فَحْلٍ في سبيل الله"، فخيمة يستظل بها المجاهد أو ملجأ يحميه أو كفايته في بعض ما يحتاجه أعظم الصدقات عند الله .
وأخرج مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ بناقةٍ مخطومةٍ؛ فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة" .
معاشر المؤمنين ، إن فضل المجاهد بنفسه فضل عظيم ، وهل هناك أعظم من النفس تقدم رخيصة في سبيل الله لإحقاق الحق ودحر الباطل ، وهل يليق بالمتخلف عن الجهاد أن يبخل بحطام الدنيا على من باع نفسه لله وانتدبها للذب عن الإسلام والمسلمين . وكيف يبخل أهل الحق بنصرة إخوانهم ، وأهل الباطل ينفقون المليارات لدعم المجرم وإنقاذه وإغاثته .
ألسنا أولى بالبذل منهم !
من الأولى بالإنفاق والبذل من يقول يا لله أم من يقول يافلان !
من الأولى بالسخاء من يعبد الله وحده ، أم من يجعل معه اثني عشر إلها معصوما عالما للغيب ! من أحق بالبذل من يؤمن بالقرآن كما أنزل وأنه عزيز محفوظ ، أم من يؤمن بقرآن آخر يأتي به صاحب السرداب عندما يأذن السرداب !
من أحق بالبذل والجهاد من يعظم النبي صلى الله عليه وسلم وينزه بيته من السوء ، أم من يؤذيه في أهله ويرمي نساءه بالفواحش !
من أحق بالسخاء والبذل من يتولى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويحفظ وصيته فيهم أم من يكفرهم ويبغضهم ويلعنهم كل يوم .
عجبا لأمرنا وأمرهم ، كيف تجود أنفس هؤلاء ونبخل نحن ، متى كان المجوس أكرم من العرب!
ومتى كان عابد أضرحة الأموات أجود من عابد الحي الذي لا يموت .
معاشر المؤمنين ، لقد نزل بإخوانكم في سوريا بلاء عظيم ، وتكالبت عليهم الفرقة الخبيثة من كل صوب ، ومن خلفهم دول عظمى في غاية الخبث والحقد ، وهذه الدول الكبرى صنفان ، صنف يدعم المجرمين بالسلاح ، وصنف يمنع دعم المجاهدين بالسلاح . وليس لإخواننا بعد الله إلا أنتم . فأين الكريم الذي يهون عليه المال لنصرة الدين وتثبيت المسلمين ، وحماية الأنفس البريئة والأعراض المصونة !
أين المسابقون إلى المكارم ! أين أهل النخوة والمروءة .
فيا من فاته شرف الجهاد بنفسه جاهد بمال الله الذي جعله في يدك .
ومتى قام كل منا بأقصى ما يستطيعه فقد اقترب النصر وآذن الفجر بالضياء ، ولا تهولنكم جموع القوم فقد ولوا هاربين في القادسية ونهاوند وسيقوا بسلاسلهم في ذات السلاسل وتساقطوا كالذباب في معركة الجسر .
فلم تغن عنهم جموعهم شيئا ، فيما مضى ولن تغني عنهم اليوم ، وقد آن للصدور الحاقدة أن تحترق بما تكنه من الأضغان على المسلمين الفاتحين . ولا يذكر التاريخ أن أهل الشام اجتمعوا على عدو فهُزموا، وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الشام ببشارة عظيمة فقال " لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" قال الإمام أحمد: " هم أهل الشام " .
واعلموا يقينا رحمكم الله أن ما يدور في سوريا هو حرب بين أهل التوحيد والحق وأهل الشرك والبغي ، ومن زعم أنها فتنة فقد سقط في الفتنة ولبس وضلل . واعلموا رحمكم الله أن ترك دعم المجاهدين في سوريا علامة هلاك قال تعالى : (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقد اتفق المفسرون أنها نزلت في ترك الإنفاق في الجهاد ، فالمعنى : إن تركتم النفقة هلكتم . وهو كذلك فذل الأمة مرهون بترك الجهاد والبذل فيه ، قال صلى الله عليه وسلم " وماترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ذلوا " .
معاشر المسلمين ، لقد سميت سورة التوبة بالفاضحة لأنها فضحت المنافقين ، وبينت جبنهم وشحهم ومكرهم ، والشح قرين النفاق فهو من صفاتهم ﴿ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم ﴾ ، وقد تكرر الحث على الإنفاق في سبيل الله ومدح المنفقين كثيرا في ثنايا هذه السورة ، حتى تكون علامة تفرق بين المؤمن والمنافق ، وجاء الوعيد في حق من آثر القرابة والمال والمسكن ونحوها على الله والجهاد في سبيل الله ، فقال تعالى : ﴿ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها ﴾ أي : اكتسبتموها ﴿ وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا ﴾ أي : فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله ؛ ولهذا قال ﴿ حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾ فإذا بخلت الأمة فلتنتظر العقاب ولتستعد الشعوب الأخرى لدورها فالأخطبوط الرافضي يمد أذرعته على الدوام ليطوق بها الأمة . فإذا بخلنا اليوم ببعض مالنا فقد نخسره غدا كله ومعه العرض والنفس ، فقد أعلن القوم عن حقدهم ونزعوا قناع التقية الذي خدعوا به المسلمين دهرا طويلا .
وفي سورة التوبة أيضاً يبين الله تعالى أن كراهة الجهاد بالنفس والمال في سبيل الله من صفات المنافقين ومن شابههم فقال تعالى : ﴿ فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ﴾. وقال تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه ﴿ فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم﴾ وهذا كقوله تعالى : ﴿ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ﴾ فالله جل وعلا يختبر عباده بالعطاء ليرى بذلهم ، ويختبرهم بالمنع ليرى صبرهم وتعففهم .
ثم ذكر جل وعلا حال الضعفاء والمرضى والفقراء وأنه لا حرج عليهم في التخلف عن الجهاد ما داموا ناصحين لله ورسوله (( إذا نصحوا لله ورسوله )) فإذا فعلوا ذلك فليسوا مسيئين بل هم محسنون و حينها : (( ماعلى المحسنين من سبيل والله غفور رحيم )) . أما المستحق للتوبيخ والتقريع فهو القادر الذي يبخل بما يمكنه بذله : ﴿ إِنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَك وَهُمْ أَغْنِيَاء ﴾ .
وبعد أن ذكر الله أصحاب الهفوات ، دل على طريق للتطهر من الأدران فقال ﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم)) بها من ذنوبهم ﴿ وتزكيهم بها ﴾ أي : ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين . وقيل : تنمي أموالهم ﴿ وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ﴾ .
وفي أواخر سورة التوبة ذكر الله جل وعلا الصفقة العظيمة التي عقدها مع عباده المؤمنين الصادقين وأنه اشترى منهم الأنفس والأموال مقابل الخلود في الجنان فقال : ﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ﴾ فقد عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة ، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه ، فالسلعة ملكه والثمن من توفيقه وفضله ، ولهذا قال الحسن البصري وقتادة " :بايعهم والله فأغلى ثمنهم ."
واعلم أيها المنفق في سبيل الله ، أن ما تنفق مخلوفٌ في الدنيا ، موفى لك في الآخرة، أما في الآخرة فقد قال تعالى : ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ﴾ وأما في الدنيا فقد قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ .فأول الآية تذكير بمصدر المال وأن الله هو الذي أغنى الغني ، وفي آخرها وعد للمنفق بالخلف .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا (( . ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( قال الله عز وجل: (أنفق؛ أُنفق عليك) )) . وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : (لأن أُمَتِّع - أي أجهّز - بسوط في سبيل الله أحب إلي من حجة بعد حجة) قال الهيثمي رجاله ثقات . وروى الترمذي عن أبي حبيبة الطائي رضي الله عنه قال: (أوصى إلي أخي بطائفة من ماله، فلقيت أبا الدرداء، فقلت: إن أخي أوصى إلي بطائفة من ماله ، فأين ترى لي وضعه في الفقراء أو المساكين أو المجاهدين في سبيل الله؟ فقال: أما أنا فلو كنت لم أعْدِلْ بالمجاهدين) .
واعلموا معاشر الموسرين أن من أفضل ما توقف عليه الأوقاف وتكتب فيه الوصايا : الجهاد لإعلاء كلمة الله . وعلى الموسرين أن يستنفروا في بذل الأموال لنجدة أهل سوريا لا سيما في الجهاد ، من حر المال ومن الزكوات وقد أجاز العلماء تقديم الزكاة عن وقتها بل وتقديمها لسنة أو سنتين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أخذ زكاة عمه العباس لعامين .
وقدوتنا في الإنفاق نبينا صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم رحمه الله : " كان صلى الله عليه وسلم أعظمَ الناس صدقةً بما ملكت يدُه، وكان لا يستكثِر شيئاً أعطاه للَّهِ تعالى، ولا يستقِلُّه، وكان لا يسألُه أحدٌ شيئاً عنده إلا أعطاه، قليلاً كان أو كثيراً، وكان عطاؤه عطاء مَنْ لا يخافُ الفقر، وكان العطاءُ والصدقةُ أحبَّ شيء إليه، وكان سُرورُه وفرحُه بما يعطيه أعظمَ من سرور الآخِذِ بما يأخذه، وكان أجودَ الناس بالخير،يمينه كالرِّيح المرسلة، وكان إذا عرض له مُحتاج، آثره على نفسه،تارةً بطعامه، وتارةً بلباسه " هكذا كان نبيكم وقد قال ربكم جل وعلا : ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ .
الخطبة الثانية : معاشر المسلمين بدأت ثمار الجهاد في سوريا تزهر وإن لم يحن بعد وقت القطاف ، فقد كان لله جل وعلا في هذا الجهاد المبارك على الأمة فضلا عظيماً ، فقد جمع قلوب أهل السنة وامتاز الخبيث من الطيب مصداقا لقوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُون عَلَيْهِمْ حَسْرَة ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّم يُحْشَرُونَ* لِيَمِيزَ اللَّه الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب ﴾ . وانكشف خداع أهل الباطل وكُشف القناع عن وجه دجال المقاومة الذي طالما تلاعب بعواطف بعض المسلمين فإذا به يكشف عن حقده وبغضه ومكره ، وإذا ( صواويخه ) تنهال على المسلمين لتقتل وتدمر وتحرق ، وإذا بإعداده لم يكن إلا لأهل السنة الذين آووه ونصروه وصدقوا دجله فكان جزاؤهم منه جزاء اللئيم للكريم وهذه سنة الله في إكرام اللئام:
( ومن يصنع المعروف في غير أهله * يلاقي الذي لاقى مجير ام عامر) .
وانكشفت سوءة الحقد المجوسي الذي طالما تشدق بعداوة اليهود ، واليهود منه في عافية ، وإذا بإعداده لم يكن إلا ( لثارات الهوسين ) ، ورضي الله عن الحسين فلو رأى شرك القوم لكان أول المجاهدين لهم .
ومن بركات الجهاد في سوريا أن زالت به الغشاوة عن أعين كثير من المسلمين ، وانكشف للمسلمين حقد عُباد المشاهد على أمة الإسلام ، ورجع كبارٌ كرام عن عبث التقريب الذي تلاعب الرافضة من خلاله بالمسلمين زمنا طويلا ، وتغلغلوا به إلى أعماق الأمة ، ورجع الفضلاء عن إعجابهم بحزب الشيطان بعد أن انكشفت حقيقته وكشر عن أنيابه فلله الحمد ، فتمايز الصفوف وتنقيتها من أقوى اسباب النصر والتمكين .
ولا يخفى أن رجوع الكبار إلى الحق لا ينتقص من اقدارهم بل يزيدهم شرفا . فرجوع النبيل عن خطئه فضيلة ومكرمة تزيده نبلا وفضلا ، وتدل على صدقه ونصحه للأمة ، فينبغي أن يشكر عليه وأن يُشاد به وأن يُحث على مراجعة مايشبه ذلك من شواذ المسائل مما لا يليق بالراسخين في العلم .
ومن بركات الجهاد في سوريا أن عاد كثير من شبابها إلى دينهم بعد طول غفلة ، فإذا بالشباب الغافلين يرتقون من حضيض الشهوات إلى ذروة سنام الإسلام ، ويتخذ الله منهم شهداء . ومن بركات الجهاد في الشام أ نفتح للمسلمين أبواباً عظيمة من أبواب التقرب إلى الله بالمال والتضرع ولين القلوب ، فكم سمعنا من عروس تبرعت للمجاهدين بمهرها ومن موظف تبرع براتبه وأطفال تبرعوا بما في حصالاتهم الصغيرة ، وكل ذلك من آثار إحياء مبدأ الأخوة والتعاون والتناصر بين المسلمين .
ومن منح الجهاد في سوريا أنه كشف للسوريين حقيقة الطائفة الكافرة اللئيمة التي تسللت إلى الحكم في غفلة من المسلمين وبعد عن دينهم ، ثم سامت المسلمين سوء العذاب طوال خمسين سنة وخدعت المسلمين بدعوى المقاومة ، ولا مقاومة . وأدرك السوريون أن كلفة تغيير المنكر في أول أمره أيسر مئات المرات من تغييره بعد استفحاله .
ومن دروس الجهاد في سوريا أن رأى المسلمون بأعينهم أن الطرق البدعية غالبا ما تخذل المسلمين ويكون اربابها في صفوف المجرمين ، فكشف الله زيف الطرق الضالة وفضح أمرها ، وتبرأ منها من كان مخدوعاً بها ، ولله الحمد .
كل تلك الثمار المباركة ولم يكتمل النصر بعد ، وسيكتمل بإذن الله وتطهر أرض الشام من كل رجس ويعود لها بهاؤها ونورها ، وستعود مساجدها التي أخرجت أئمة عظاما وعلماء كبارا ، ستعود منارات علم وهدى ، وستعود سوريا كما كانت بلدا مسلما ترفع فيه كلمة التوحيد وتخفق في سمائه رايات السنة وتعود الشام كما كانت حصناً للإسلام ومنارة للعلم والإيمان بحول الله وقوته وعزه وقدرته .