مَن أنتَ يَا أَيُّـهَا الإِنسَـانُ..؟

mohamadamin

حكيم المنتدى


الحَمدُ للهِ والصَّلاةُ والسَّلاَمُ عَلَى رَسُول الله , وعلى آل بيته وصحابتهِ والتابعينَ وعلينا معهم إلى يوم الدِّين.
وبعد:
أخي الإنسان: السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُـه.

أخي الإنسان: أرجُو قبلَ قراءَة المقالةِ أن تتفرَّغ تماماً لمُدَّة ثلث ساعة , أو تتركه وتعود إليه في وقت أوسع , وأرجو أن تتجرَّدَ من كُلِّ الأوصَافِ التي تتميَّزُ بها على النَّاس ويعرفُونَكَ بها وأن تُواصل قراءة المقال لآخره حتى تستفيدَ وتعرفَ الغَرضَ , ولا تتفاجأْ , لأنَّني سأصَارحُكَ غاضاً نَظَري عن أرصدتكَ وشهاداتك وشُهرتكَ وأولادكَ وأموالكَ ومناصبك ودُروعك التذكارية , ستجدُني مُبالغاً في الصَّراحَة فتحمَّلْني لأنَّكَ مُجرَّد إنسانٍ , وهذا ما يُريحُني في التَّعامُل معكَ , فأنا إنسانٌ وأنتَ إنسانٌ , ولن أُبَالي بأوصافكَ ومهاراتكَ وقُدُراتِكَ و.... و....و.... الخ.

أخي الإنسان: لقد تأمَّلتُ في القُرآنِ الكَريم مجمُوعةَ آياتٍ مُفرَّقةً في أوَّله وأوسطه وآخره شكَّلَ مجمُوعُـها صورةً حقيقيَّـةً لكَ , لكنَّ هذه الصُّورةَ تَتَبايَنُ بعدَد بني الإنسَـانِ على وجهِ هذه الأرضِ , وقبل أن أستَبينَ سبَبَ هذا التَّبايُن مع اتِّحاد الأصل , فدَعني وإيَّاكَ نتأمَّلُ وصفَ القُرآنِ لنا.
لقد وجدتُّ القرآنَ بترتيبِـهِ الحَالي الذي ارتضتهُ الأمَّـةُ بالإجماع يصفُني وإيَّاك بوصفٍ جامع بليغ وهو قوله تعالى وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا وَمجَالاتُ وشَواهدُ وأمَاراتُ هذه الضَّعفِ ظاهرةٌ بين أيدينا ومن خَلفنا وعَن أيماننا وعَن شَمائلنا , ضُعفاءُ في أقوالنا وأعمالنا وتطلعاتنا وأمانينا وخُصوماتنا وأجسامنا , فاستحضر أخي الإنسان أنَّـكَ ضعيفٌ بكل ما تعنيه كلمة الضَّعفِ , وهذا الضَّعفُ هو ما جعلكَ أهلاً لحمل صفتينِ مُلازمتين لكَ وهما الظلمُ والجَهل إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا .

أخي الإنسان: لقد وصفَكَ القُرآنُ باللؤمِ في عدَّةِ مواضعَ , وبيَّن أنَّك جَحودٌ كنودٌ , وأنَّك فرحٌ فخُور تحبُّ التعالي والمُباهاة والمُكاثرة بالأموال والأولاد , لا تنظُرُ إلاَّ إلى نفسكَ ومصلحَتكَ وزمنكَ الحاليِّ , تنسَى الإحسَانَ عليكَ فلا تذكُرهُ ولا تشكُرهُ , وتنسى ماضيكَ الأسودَ في الفقر , والجهل , والصِّبا , والخُمول , والضَّعة , والعصيان , والعُزوبة , والبُنُوَّة , والتَّبعيَّـة و.... و....و.... الخ , فهل تعرفُ لماذا أنساكَ الغنى , والعلمُ , وبلوغ الرشدِ , والشُّهرة , والجاه , والاستقامة , والزَّواج , والأبوة , والزَّعامة والصدارة كل هذه الأحوال البائسة التي صحبتَها سنوات وسنوات..؟
لأنَّك بكل صراحة جحودٌ كَنودٌ , ولأنَّك تطغَى عند حصول هذه النِّعَم ولكنَّها إذا سُلبت منكَ تكفُر وتيأسُ , ولأنَّ الله يُنعمُ عليكَ فتشكُر غيره , وتُبارزهُ بأنعُمه وخَيره , وفي كل ذلك يقول الله وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ , ويقول وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ , ويقول إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار , بل إنَّ الإحسانَ عليكَ لا يزيدُك إلا لؤماً وإساءةً , وذلك لتلازم الطغيان في أخلاقك وكلامك وأفعالك وعقيدتك بنعم الله , فكلما زادك الله من فضله تزدادُ طُغياناً , يقول الله تعالى إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى

أخي الإنسان: وسِّع صَـدرَكَ , أنتَ خصيمٌ مُبينٌ ولكن بالبَـاطل , لأنَّ انتِصاركَ لنفسكَ وهَواكَ , ومن دَلائل فُجُورك في الخُصومة أنَّ الله أوجدكَ من عدَمٍ إذْ لم تكُن شيئاً مذكُوراً , ثمَّ خلقَكَ من منيٍّ يُمنَـى , وخَلقَك أطواراً , نطفةً فعلقةً فمُضغةً فعظاماً فلحماً فبَشَراً سوياً , ثمَّ رَعاكَ وربَّاكَ حتى إذا استويتَ على ساقكَ خاصمتهُ رافعاً عقيرتَكَ , تعصيه وتُخاصمُ , وتكفرهُ وتُخاصم , وتُعرضُ عنهُ وتُخاصمُ , وتَكْذِبُهُ وتُخَاصم , وفي ذلك يقول الله خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِين ويقول خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ , والله يُريدُ تذكيركَ بماضيكَ فيقول أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا .

أخي الإنسان: عجيبٌ أمرُك مع الله تعالى , تستعجلهُ الشرَّ فلا يُجيبُك رحمةً بكَ , وهذا يدل على أنَّك مسكين وضعيف وعَجول و (أخرق) مع كامل احترامي لشخصكَ الكريم , تسأل الله لنفسكَ الهُدى والتقى والعفاف والغنى وفي نفس الوقت تدعو على نفسكَ وتلعنُها وتدعو على أهلك ومالك وولدك , والله يُجيبُك في الأولى ويمنعك في الثانية رحمةً بكَ لأنَّك جاهلٌ وضعيفٌ وعجولٌ ومحدود القدرات العقلية , وفي ذلك يقول الله وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ويقول وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُم ولكنَّ الله لا يُعجِّلُ لك ما تدعو به على نفسكَ وولدكَ وأهلكَ ومالك فما رأيك في نفسكَ أيها الإنسان.؟

أخي الإنسان: هل تذكُر كم مصيبةً مرَّت بكَ في حياتكَ ودينك ومالك وزوجتك وأولادكَ , وخَرجتَ من كل ذلك (كخُروج الشَّعرةِ من العجين) , نعم لقد استلَّكَ اللهُ من كل هذه المصائب , وقد أيقنت بالهَلاك , والفضيحة , والخَسارة , والرُّسُوب , والمرض , والوفاة , و.... و....و.... الخ , ولكنَّك بعد هذا الاستلالِ الربَّانيِّ والإنقاذ الذي لم تكن تتوقعُـهُ تنقلبُ – بكل لؤمٍ - على عقبيكَ , وكأنَّك لم تكن في محنةٍ وخَرجتَ منها , فلا تحمدُ ولا تشكُر ولا تتوبُ , وربما تنذر النذور وتحلف الأيمان و.... و....و.... الخ , فإذا نجَّاك الله تبخَلُ وتنسَى وأنتَ مُعرضٌ , وفي ذلك يقول الله تمثيلاً لا حَصراً وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ويقول وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِه ولا يلزَمُ من تحقُّق هذه الصفة أن تبني لكَ أصناماً فتعبُدَها , بل يكفيكَ من الأنداد هواك الذي اتخذتهُ إلهاً.

أخي الإنسان: أنتَ طمَّـاعٌ جمَّـاعٌ منَّـاعٌ , لا تُشبعُك الأرضُ لو أُعطيتَ ضِعفيْها زوجاتٍ وبنينَ وذهباً وفضَّةً وخيلاً مُسوَّمةً وأنعاماً وحرثاً وحياةً وسُلطاناً , وفي نفس الوقت لا تتحمَّلُ شوكةً تُشاكها فتولولُ وتصرخُ وتشتكي , وفي ذلك يقول الله لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوط .

أخي الإنسان: أنتَ لا تعرفُ المسألةَ والدُّعاء والضَّراعةَ إلا عند الشَّدَائد , والعجيبُ هو حلمُ الله عليك حينَ يُجيبُ دعوتكَ وهُو يعلمُ أنَّك لا تدعوهُ إلا اضطراراً , قال الله تعالى وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ .

أخي الإنسان: أنتَ تُحبُّ المعصيةَ , وتُريد أن تُمضي ما بقي من أيَّام حياتكَ في الفُجُور والظُّلم , حتى وإن كان النَّاس لا يطَّلعُون منكَ على هذه الإرادة والعزم الباطن لكنَّ الله يعلمُ وكفى به عليماً , تعصي وتعصي ,وتأكل أموال النَّاس , وتستضعفُ المساكينَ , وتنتهكُ الأعراض و.... و....و.... الخ , وقليلاً ما تتُـوبُ , وكثيراً ما تتناسَى وتُسوِّفُ , ونادراً ما تذكُرُ الموتَ , قال الله تعالى بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ .

أخي الإنسان: لو اجتمعت عُقول كُلِّ بني الإنسان على مُحاولة استقصاء أحوال الإنسان لما استطاعوا أن يزيدُوها على حالين اثنينِ لا ثالث لهُما , وهُما : أن تُمَسَّ بخَير , أو تُمَسَّ بشَرِّ , والله تعالى بيَّن أنَّكَ في كِلا الحالين لا تأتي إلاَّ الشَّـرَّ , قال الله تعالى إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا , فأنتَ هَلُـوعٌ في أصلِ تكوينِكَ تُحبُّ الخيرَ ولا تَشكُرهُ , وتضجرُ من الشرِّ ولا تصبرُ عليه , وترغبُ الأوَّل وتستدفعُ الثاني ولست مُستعداً لأداء التكاليف في الحالتين , وهذه أبشعُ صور الأنانيَّـة.

أخي الإنسان: هاتان الصفتان الأخيرتان جامعتَان لأغلبِ ما سبَقَهُما من الأوصاف التكوينية لشخصيَّتكَ , وأنا أعلمُ أنَّك قد تستنكرُ أثناء قراءة رسالتي إليكَ أنِّي تحاملتُ فوصفتُك بما ليس فيك , أو خلعتُ عليك نُعوتاً أراد الله بها المُشركينَ , ولكن سأصارحُك وأقول: نعم فعلتُ هذا مُتعمِّـداً , لأعلمَ وتعلمَ أنَّ هذه العافيةَ الجُزئيَّةَ التي لاحت لكَ أثناءَ قراءة المقال , ليس لكَ فيها كسبٌ ولا استحقاق , وليس لتربية أبويك وسلامة بيئتك أثرٌ في أصل وجودها في نفسكَ ومُلاحظَة النَّاس لها عند التَّعامُل معك , ولكنَّـها منحةٌ من الله أهداها إليكَ , ولولا فضلهُ ورحمتهُ لأنهيتَ قراءةَ المقال وأنتَ تجدُ كُلَّ هذه الصفاتِ مُنطبقةً عليكَ تماماً , فاستحضر دائماً عند تذكُّر معافاتكَ من بعض هذه القبائح الشخصية قول الله تعالى وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا .

أخي الإنسان: إذا أزعجَك وجودُ هذه الصفات أو بعضِها في أناس يُفتَرَضُ بهم الخلوُّ منها فلا تستغرب , وإذا عملت سنواتٍ طويلة لمعالجة تلاميذكَ وأبنائك وجيرانك من بعض هذه الصفات أو كلها فأجرك مكتوبٌ ولكن لا تستغرب , وإذا رأيتَ من يُلقي برامج الاستشارات ويحل مشاكل النَّاس ويُذكِّرُهم بالله والدَّار الآخرة , ويُعاني من بعض هذه الأمراض (الصفات) فلا تستغرب.!.! نعم لا تستغربْ , لأنَّ الله يقول وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فكل هؤلاء لم يشإ الله تزكيتَهم إلى الآن , وما عليك إلا البلاغُ , فاسعَ لنفسكَ ولهم بالدُّعاء أن تدخلوا في مشيئة هذه التزكيةِ الرَّبَّـانيَّـة مع الأخذ بالأسباب , لأنَّ الدُّعاء قد يؤهل للتزكية بدون اتخاذ الأسباب المعهودة من العائلة والمدارس وغيرها , ولكنَّ اتخاذ كل أسباب العالم لا يُمكن أن يُزكينا بدون التجاء وضراعة إلى الله حتى وإن استنفدنا كل الدورات النفسية والمناهج التربوية والإرشادات الأسرية.

أخي الإنسان:من أقبحِ العُيوب أن يَسعى أحدُنا إلى تزكية نفسه في التَّعامل مع النَّاس , فيكون وفياً لهم بالعُهود , وصادقاً معهم في الوعد , وحريصاً على جَبر الخَواطر , وبعيدً عن خَدش المشاعر , ولكن يكونُ مع الله تعالى غادراً ناكثاً للعُهود قليل حياءٍ منهُ إذا خَلا بالمحارم , والله تعالى يقول وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ , ويقول النَّبيُّ في الصَّحيح اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاس , ويقول فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ .

أنا مقتنعٌ تماماً بأنَّ مُصطلحَ (الإنسانيَّـة) الذي صارَ مديحاً وتزكيةً هُو في حقيقتهِ سُبَّـةٌ وعارٌ , لأنَّ الإنسانيَّـةَ المُجرَّدة عن الدِّيانة الصحيحةِ تحملُ كل هذه القاذورات الأخلاقيَّـة , ولا يهذِّبُها إلا أن تصطبغ بصبغة الله الماثلة في هداية كتابه وسُنَّـة نبيه للتي هي أقوم.

يقولُ ابنُ القيم عن النَّفس وفِيهَا مِنْ أخْلَاقِ البَهَائمِ : حِرْصُ الغُرَاب , وشَرَهُ الكَلبِ , وَرُعُونَة الطَّاوُوسِ , وَدَنَاءَةُ الجُعَل , وَعُقُوقُ الضَّبِّ , وَحِقدُ الجَملِ , وَوُثُوبُ الفَهْدِ , وصَوْلةُ الأسَدِ , وفِسْقُ الفَأْرَةِ , وَخُبْثُ الحَيَّةِ , وعَبَثُ القِرْدِ , وجَمْعُ النَّمْلَةِ , ومَكْرُ الثَّعلَبِ , وخِفَّةُ الفَرَاشِ , ونَومُ الضَّبْعِ , غَيرَ أنَّ الرِّياضَةَ والُمجَاهَدَةَ تُذهِبُ ذَلكَ , وهذا يدُلُّ على أنَّ الإنسانيَّـةَ المُجَرَّدة تجمعُ كل هذه القَبَائح ما لمم تتحلَّ بالدِّين الصَّاقل لأدرانِها , الفوائد بتحقيق/ محمد عُزير شمس ( 106 – 107)

قد يسألُ بعضُنا نفسَـهُ ويقول: لماذا خَلَق الله نُفُوسَنا وهي تشتملُ على كلِّ هذه القاذُورات الأخلاقيَّـة .؟ , والجَواب: أنَّ اللهَ تَعالى اختَار ذلكَ وقَضَـاهُ ليميزَ الخَبيثَ من الطَّيِّـبِ ويعلمَ المُفسدَ من المُصلحِ , ولذلك أقسَم الله تعالى أحدَ عَشرَ قسَماً على خَبَر إلهيٍّ مُقَدَّس وهو قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا , وحتَّى يتحقَّقَ هذا الفَلاحُ أمَرَنا اللهُ تعالى أن نعمَلَ في حَياتِنا كُلِّها من أَجْلِ المُجَاهَدة على مُعالجَة هذه الصفات المَقبُوحة , يقول ابنُ عاشور رحمه الله وَحِكمَةُ إيجَادِ النُّفُوسِ فِي الدُّنْيَا هِيَ تَزْكيَتُهَا وَتَصفِيةُ أكْدَارِهَا لِتَخلُصَ إلَى عَالَمِ الخُلودِ طَاهِرَةً التحرير والتنوير (28/53)

وصَلَّ اللهُ وسلَّمَ عَلَـى نبيِّنا مُحَمَّـدٍ وَأزْوَاجِه وآلهِ وصحبه اجمعين
 
عودة
أعلى