mohamadamin
حكيم المنتدى
سوف نتحدث عن تاريخ تجارة البُن التي كانت رائجة في مدينة عدن أبان العصر الذهبي لهذه المدينة. من خلال هذا التاريخ سوف نتعرف كيف بدأت هذه التجارة وكيف كان الرواج لها في عدن التي اشتهرت بتجارة البن الأصيل وتصديره إلى دول العالم.
كانت عدن دوماً سوق رائج بنشاطها التجاري, وخاصة التوابل واللبان والبن, وهذا ما جعل منها سوق له شهرة عالمية يأتيها التجار من بلاد العالم أجمع للعمل بالتجارة. دعونا ندخل في صُلب الموضوع والذي اخترناه من حقيبتنا السحرية وأرشيفها العريق.
في العام 1876-1877م, نشر الميجر هنتر (Major Hunter), تقويماً خاصاً في الهند يحتوي على بعض الحقائق الهامة عن تجارة تصدير و استيراد البن في عدن للعام 1875-1876م.
وبحسب الإحصائيات, أن معدل حمولة الجمال المحملة بالبن والتي جُلبت براً من اليمن إلى عدن 500 حمولة شهرياً, وهي نصف الكمية التي تم إرسالها في العام 1879م.
وهذه النسبة كانت في ازدياد على الرغم من إدخال خدمات الشحن البحري من الحديدة إلى عدن. كانت قيمة البن المُصدر الخالي من القشر أعلى بكثير ووزنها يساوي قيمتها, على عكس قيمة ووزن البن المُصدر مع القشر.
عند وصول حمولات البن إلى عدن يتم تنظيفها من القشر و إعادة تعبئتها وتجهيزها للتصدير, حيث كان الجزء اليسير من القهوة يُستخدم للاستهلاك المحلي ولكن الجزء الأكبر تم تصديره إلى الخارج. ومجموع الصادرات من القهوة الخالية من القشر في العام 1875-1876م, تم تصديرها إلى الوجهات التالية بحسب الجدول المبين أدناه:
فرنسا= 27,635 طن
المملكة المتحدة= 15,593طن
النمسا= 7,274.5 طن
الولايات المتحدة= 4,098 طن
دول أخرى= 2,297 طن
وكانت شركة باردي وشركاه ((Bardey & Co., تُجار القهوة البارزين والذين كانوا يعملون من مبنى مكون من ثلاثة طوابق في طريق المتنزه (الأسبلانيد) في كريتر, وكانت تلك هي الشركة التي عمل لديها أرثر رامبو (Arthur Rimbaud), لمدة 20 عاماً منذ العام 1880م, المصدرين الرئيسيين للبن اليمني في ذلك الوقت.
كان البن القادم من المخا في اليمن, والبن القادم من هرر في الحبشة ذو جودة عالية و أغلى سعراً من أي بن أخر و أكتسب سمعة واسعة في جميع أنحاء العالم, على أنه أفضل سلعة يمكن شرائها بالمال.
وكان في مصلحة غرفة تجارة عدن ضمان حماية سمعة هذه السلعة من خلال منع بيع البن الردئ القادم من مناطق أخرى في عدن. و باعتبار ميناء عدن كان ميناء حُر في ذلك الوقت, لذا لم يكن من المُمكن منع الواردات القادمة إليه, ولكن عملت أمانة الميناء على حفظ جميع واردات البن الردئ من المناطق الأخرى في مخازن الميناء حتى يتم إعادة تصديرها مرة أخرى بعد فحصها.
من الناحية النظرية كان ذلك ممكناً ولكنه كان يعتمد بالدرجة الأولى على صدق و نزاهة التُجار المعنيين, بأنهم يصدرون نوعية جيدة من البن عبر الميناء, ولم يكن جميعهم من أعضاء الغرفة التجارية.
كان التفتيش الدوري يتم على بُن المخا الجاهز للتصدير, وأثناء القيام بالتفتيش في أحدى المرات في العام 1906م, وجد المفتشون بأن هناك كمية من البن القادم من مالابار ((Malabar, وجدت بين بُن المخا, وأثناء التحقيق وجد المحققون بأن هذا النوع من البن تم استيراده لعدن على أساس أنه بُن أفريقي قادم من مُساواه (Massaua).
وفي العام 1909م, كانت هناك مشكلة اكبر عندما صرح أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي, بأنه لم يكن يوجد بُن عربي أصلي في الكمية التي تم تصديرها إلى الولايات المتحدة الأمريكية, وأن كمية البن القادمة من عدن كانت من البن البرازيلي.
وثبت لاحقاً بأن هذا التصريح كان مُفبركاً للأضرار بسمعة ميناء عدن, ولكن من خلال التحقيقات التي جرت في عدن والتي ثبتت عدم صحة ذلك التصريح, على الرغم من ذلك فأن أمانة الميناء صرحت بأنه لا يمكن أعطاء ضمانات مطلقة بعدم الغش في البن القادم من المخا.
وبعد الاحتواء على هذه المشاكل تم الوصول إلى مقترح بأن يتم تنظيف وتنقية البن القادم من المخا وهرر و حفظهما بأكياس خاصة وعليها علامة تسمى (جراره) ويتم تخيطها بخيط ليفي خاص يسمى (شوجار).
وكان رأي غرفة تجارة عدن آنذاك, بأن هذا الأجراء يشكل علامة تجارية موثقة, ولكن رئيس مجلس إدارتها ومساعد المقيم السياسي الميجر هارولد (Major Harold), أشار إلى أن تصدير البن في تلك الأكياس الخاصة والمخيطة والمسماة بجراره وشوجار على حد سواء إلى أمانة ميناء عدن, لا يعني ذلك بأنه يمكننا معرفة ما إذا وقع غشاً.
في تلك الفترة تم إيقاف عملية تصدير و استيراد بُن المخا مؤقتاً أبان الحرب العالمية الأولى عن طريق عدن, مما أثر على نشاط هذه التجارة بعد انتهاء الحرب حيث حصل جمود بتجارة البن ولم تعود بنفس الوتيرة السابقة.
وفي العام 1911م, وجد البن القادم مومباسا طريقه إلى أسواق عدن, وبحلول العام 1931م, سمح رسمياً للبن القادم من كينيا أيضاً بالدخول إلى أسواق عدن, حيث شكل ذلك خراباً لتجارة البن في المخا من وجهة نظر حكومة عدن, حيث كانت الحديدة المنفذ الرئيسي لتصدير هذه السلعة في تلك الفترة.
وفي الأخير لا نقول غير أن تلك السلعة الذهبية التي كان يمكن لها أن تدر على الدولة أرباح طائلة نتيجة لجودتها والتهافت عليها من قبل الأسواق العالمية, إلا أن الغباء المنتشر بين المزارعين والذين فضلوا شجيرة القات عن تلك السلعة والربح السريع, بحيث اندثرت زراعته وصار نادراً ما تجد الفلاحين يهتمون بزراعة تلك السلعة.
كما أن الغباء السياسي, وعدم اهتمام المسئولين بالنشاط الزراعي والصناعي جعل من هذا البلد مكب للبضائع الفاسدة التي عمت في أسواقنا وكانت سبباً رئيسياً لانتشار أنواع كثيرة من الأمراض المستعصية بما في ذلك السرطان. وبهذا نأتي إلى نهاية هذا الموضوع من صفحات تاريخ عدن.
صورة توضح كيفية طحن البن من قبل العمال في عدن في القرن التاسع عشر
مبنى شركة باردي وشركاه لتجارة البن في شارع الأسبلانيد في كريتر بجانب الملعب الحبيشي في القرن التاسع عشر
صورة توضح قافلة الجمال القادمة من الحديدة محملة ببُن المخا وهي ترتاح في لحج قبل التوجه إلى عدن في القرن التاسع عشر
أحدى أسواق مدينة كريتر في القرن التاسع عشر التي كانت مشهورة بتجارة البن والتوابل أيام العصر الذهبي
صورة نادرة لأرثر رامبو ومالك شركة البن باردي أخدت في العام 1880م
مبنى الإدارة العامة لأمانة ميناء عدن
ميناء عدن في أيامه الذهبية.
عملية تنقية البن التي كانت تتم في مخازن البن في عدن في القرن التاسع عشر
تنقية وتحميص البن في عدن قديماً