بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، و الصلاة و السلام على رسول الله ، و على آله و صحبه و من اهتدى بهداه ، أما بعدُ :
فهذه فروق العقيدة من مؤلفات الإمام / أبي عبدالله محمد بن أبي بكر الدمشقي ، الشهير بابن قيم الجوزية - رحمه الله - (ت751) ، جمعتها ، و رتبتها ، لم أستعن فيها بحاسب ، و لا صاحب ، و قد عزوت كل فرق إلى موضعه ، و إن كان في مواضع اكتفيت بأكملها ، إلا إذا كانت فائدةٌ من التكرار ، و الله ولي التوفيق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
1- الفَرْقُ بَيْنَ : "تَوْحِيْدِ المُرْسَلِيْنَ" وَ "تَوْحِيْدِ المُعَطِّلِيْنَ" :
قال – رحمه الله - : "الفرق بين : "توحيد المرسلين" و "توحيد المعطلين" : أنَّ توحيد الرُّسل إثباتُ صفات الكمال للهِ على وجْه التَّفصيل ، و عبادتُهُ - وحده ، لا شريك له ؛ فلا يُجْعَل له نِدٌّ في قَصْدٍ ، و لا حُب ، و لا خوف ، و لا رجاء ، و لا لفظٍ ، و لا حَلِفٍ ، و لا نذر ؛ بل يَرْفع العبدُ الأندادَ له من قلبِهِ ، و قصدِهِ ، و لسانِهِ ، و عبادتِهِ ؛ كما أنَّها معدومةٌ في نفس الأمر ، لا وجودَ لها البتةَ فلا يَجعل لها وجوداً في قلبه ، و لسانه .
و أما : "توحيد المعطلين" : فنَفْيُ حقائق أسمائه ، و صفاته ، و تعطليها . و مَنْ أمكنه منهم تعطليها من لسانه عطَّلها ؛ فلا يذكرها ، و لا يذكر آيةً تتضمنها ، و لا حديثاً يصرِّح بشيء منها ، و من لم يُمكنه تعطيل ذِكْرِها سَطَا عليها بالتحريف ، و نَفَى حقيقتَها ، و جعلها اسماً فارغاً ، لا معنى له ، أوْ معناه من جنس الألغاز ، و الأحَاجِيِّ - على أنَّ مَن طَرَدَ تعطيلَه منهم يلزمه في ما حرَّف إليه النصَّ من المعنى نظيرُ ما فَرَّ منه سواءً : فإنْ لزم تمثيلٌ ، أو تشبيهٌ ، أو حدوثٌ في الحقيقة : لزم في المعنى - الذي حَمَلَ عليه النصَّ - ، و إنْ لم يلزم في هذا فهو أولى أنْ لا يلزمَ في الحقيقة ، فلما عَلِمَ هذا لم يمكنه إلا تعطيل الجميع ، فهذا طَرْدٌ لأصْلِ التعطيل ، و الفَرْقُ أقْرب منه ، و لكنه متناقضٌ ؛ يتحكم بالباطل ؛ حيث أثبت لله بعض ما أثبته لنفسه ، و نفى عنه البعضَ الآخَرَ ، و اللازمُ الباطلُ فيهما واحدٌ ، و اللازمُ الحقُّ لا يفرق بينهما .
و المقصود : أنهم سَمَّوا هذا التعطيلَ توحيداً ، و إنما هو إلحادٌ في أسماء الرَّبِّ – تعالى - ، و صفاته ، و تعطيلٌ لحقائقها "ا.ه["الروح"ص ،و انظر :"الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية"ص136،180،199]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- الفَـرْقُ بَيْـنَ : "تَنْـزِيْهِ الرُّسُلِ" وَ "تَنْـزِيْهِ المُعَطِّـلَةِ" :
قال – رحمه الله - : " و الفرق بين : "تنـزيه الرُّسل" و : "تنـزيه المعطِّلة" : أَنَّ الرُّسل نزهوه – سبحانه - عن النقائص ، و العيوب - التي نزه نفسه عنها - ؛ و هي المنافيةُ لكماله ، و كمال ربوبيته ، و عظمتِهِ كالسِّـنَة ، و النَّوم ، و الغفلة ، و الموت ، و اللغوب ، و الظلم ، و إرادته ، و التَّسمِّي به ، و الشريكِ ، و الصَّاحبة ، و الظَّهير ، و الولد ، و الشفيع بدون إذنه ، و أَنْ يَتْرُكَ عبادَه سُدَىً ، هَمَلاً ، و أَنْ يكون خَلَقَهم عبثاً ، و أَنْ يكون خَلَق السموات ، و الأرض ، و ما بينهما باطلاً : لا لثوابٍ ، و لا عقابٍ ، و لا أمرٍ ، و لا نهي ، و أن يُسَوِّى بين أوليائه ، و أعدائه ، و بين الأبرار ، و الفجار ، و بين الكفار ، و المؤمنين ، و أَنْ يكون في مُلْكه ما لا يشاء ، و أَنْ يَحْتَاج إلى غيرِهِ بوجهٍ من الوجوه ، و أَنْ يكون لغيره معه من الأمر شيءٌ ، و أن يَعْرِض له غفلةٌ ، أو سَهْوٌ ، أو نسيانٌ ، و أَنْ يُخلف وعدَهُ ، أو تُبَدَّلَ كلماتُهُ ، أو يُضَاف إليه الشَّـرُّ : اسْماً ، أو وصْفَاً ، أو فعلاً ؛ بل أسماؤه كلُّها حسنى ، و صفاته كلها كمال ، و أفعاله كلها خير ، و حكمة ، و مصلحة . فهذا تنـزيه الرُّسل لربِّهم .
و أما المعطلون فنـزهوه عما وصف به نفسه من الكمال ؛ فنـزَّهوه عن أَنْ يَتَكلم ، أو يُكَلِّم أحداً ، و نزَّهوه عن استوائه على عرشه ، و أَنْ تُرفع إليه الأيدي ، و أَنْ يصعد إليه الكلم الطيب ، و أن ينـزل من عنده شيءٌ ، أو تعرج إليه الملائكة ، و الرُّوح ، و أَنْ يكون فوق عباده ، و فوق جميع مخلوقاته ، عالياً عليها ، و نزَّهوه أَنْ يَقبض السموات بيده ، و الأرض باليد الأخرى ، و أَنْ يُمسك السموات على إصبع ، و الأرض على إصبع ، و الجبال على إصبع ، و الشجر على إصبع ، و نزهوه أَنْ يكون له وجهٌ ، و أَنْ يَراه المؤمنون بأبصارهم في الجنة ، و أَنْ يُكلِّمهم ، و يسلم عليهم ، و يتجلى لهم ضاحكاً ، و أَنْ ينـزل كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا ، فيقول : "من يستغفرني ؛ فأغفرَ له ، مَنْ يسألني فأعطيَهُ" ، فلا نزول – عندهم - ، و لا قول ، و نزَّهوه أَنْ يفعل شيئاً لشيءٍ ؛ بل أفعالُهُ لا لحكمةٍ ، و لا لغرضٍ مقصودٍ ، و نزَّهوه أَنْ يكون تامَّ المشيئة ، نافذَ الإرادة ؛ بل يشاء الشيءَ ، و يشاء عبادُهُ خلافَه ، فيكون ما شاء العبدُ دون ما شاء الربُّ ، و لا يشاء الشىءَ ، فيكون ، فيكون ما لا يشاءُ ، و يشاء ما لا يكون ، و سموا هذا عدْلاً ؛ كما سمَّوا ذلك التنـزيهَ توحيداً .
و نزَّهوه عن أَنْ يُحِبَّ ، أو يُحَبَّ ، و نزَّهوه عن الرأفة ، و الرحمة ، و الغضب ، و الرضا .
و نزهه آخَرُون عن السمع ، و البصر ، و آخرون عن العلم ، و نزَّهه آخرون عن الوجود ؛ فقالوا : " الذي فَـرَّ إليه هؤلاء المنـزِّهون من التشبيه ، و التمثيل يلزمنا في الوجود ؛ فيجب علينا أَنْ ننـزِّهه عنه" .
فهذا تنـزيهُ المُلْحدين ، و الأول تنـزيه المرسلين"ا.ه["الروح"ص387]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3-الفَرْقُ بَيْنَ : " إِثْبَاتِ حَقَائِقِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ" وَ بَيْنَ "التَّشْبِـيْهِ وَالتَّمْثِـيْلِ" :
قال – رحمه الله - : "الفَرْق بين : " إِثبات حقائق الأسماء والصفات" و بين "التَّشبيه والتَّمثيل" : ما قاله الإمام أحمدُ ، و مَنْ وافقه مِن أئمة الهدى : "إِنَّ التشبيه و التمثيل : أَنْ تقول : "يدٌ كيدي ، أو سمعٌ كسمعي ، أو بصرٌ كبصري" ، و نحو ذلك .
و أمَّا إذا قلتَ : "سمعٌ ، و بصرٌ ، و يدٌ ، و وجهٌ ، و استواءٌ لا يماثل شيئاً من صفات المخلوقين ؛ بل بين الصِّفة والصِّفة مِن الفرق كما بين الموصوف و الموصوف" : فأيُّ تمثـيلٍ ههنا ؟! و أيُّ تشبـيهٍ ؟! لولا تلبيسُ الملحدين .
فمدارُ الحقِّ - الذي اتفقت عليه الرسل - على أنَْ يُوصف اللهُ بما وصف به نفسه ، و بما وصفه به رسوله من غير تحريف ، و لا تعطيل ، و من غير تشبيهٍ ، و لا تمثـيلٍ ، إثبات الصفات ، و نفيُ مشابهة المخلوقات ؛ فمَنْ شبَّـه الله بخلقه فقد كفر ، و مَنْ جحد حقائق ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، و مَنْ أثبت له حقائق الأسماء و الصفات ، و نفى عنه مشابهة المخلوقات فقد هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيمٍ"ا.ه[الروح"ص388]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- الفَرْقُ بَيْنَ : "تَجْرِيْدِ التَّوْحِيْدِ" وَ "هَضْمِ أَرْبَابِ المَرَاتِبِ" :
قال - رحمه الله - : "و الفَرْق بين : "تجريد التَّوحيد" و بين : "هَضْم أرباب المراتب" : أَنَّ تجريد التوحيد أَنْ لا يُعْطَى المخلوقُ شيئاً من حقِّ الخالق ، و خصائصه ؛ فلا يُعبد ، و لا يُصلَّى له ، و لا يُسجد ، و لا يُحلف باسمه ، و لا يُنذر له ، و لا يُتوكَّل عليه ، و لا يؤله ، و لا يُقْسَم به على الله ، و لا يُعبد ليُـقَرِّب إلى الله زلفى ، و لا يُسَاوى بربِّ العالمين في قول القائل : "ما شاء الله و شئت " ، و "هذا منك و من الله" ، و "أنا بالله و بك" ، و "أنا متوكِّل على الله و عليك" ، و "الله لي في السماء ، و أنت لي في الأرض" ، و "هذا من صدقاتك و صدقات الله" ، و "أنا تائب إلى الله و إليك" ، و "أنا في حسب الله و حسبك" ، فيسجد للمخلوق كما يسجد المشركون لشيوخهم ، يَحْلق رأسه له ، و يحلف باسمه ، و ينذر له ، و يسجد لقبره بعد موته ، و يستغيث به في حوائجه ، و مهماته ، و يرضيه بسخط الله ، و لا يُسخطه في رضا الله ، و يتقرب إليه أعظم مـمَّا يتقرب إلى اللهِ ، و يُحِبه ، و يخافه ، و يرجوه أكثرَ مِمَّا يحب اللهَ ، و يخافه ، و يرجوه ، أو يساويه ؛ فإذا هُضِم المخلوقُ خصائصَ الرُّبـوبية ، و أُنْـزِلَ منـزلةَ العبد المحض - الذي لا يملك لنفسه فضلاً عن غيره ضراً ، و لا نفعاً ، و لا موتاً ، و لا حياةً ، و لا نشوراً - : لم يكن هذا تنقصاً له ، و لا حطَّاً من مرتبته - و لو رغم المشركون - ؛ و قد صحَّ عن سيد ولد آدم - صلواتُ الله و سلامه عليه – أَنَّـه قال : "لا تُطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم ؛ فإنما أنا عبد ؛ فقولوا : "عبدُ الله ، و رسولُهُ" ، و قال : "أيُّها الناس ما أُحب أَنْ تَـرفعوني فوق منـزلتي" ، و قال : "لا تتخذوا قبري عيداً" ، و قال : "اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعْـبَدُ" ، و قال : "لا تقولوا :"ما شاء الله و شاء محمد" " ، و قال له رجلٌ : "ما شاء الله و شئتَ" ؛ فقال : "أجعلتني لله نداً" ، و قال له رجلٌ - قد أذنب - : "اللهمَّ إني أتوب إليك ، و لا أتوب إلى محمدٍ" ؛ فقال : "عَرَفَ الحقَّ لأهله" ، و قد قال الله له : "ليس لك من الأمر شيءٌ"[آل عمران:128]، و قال : "قل إِنَّ الأمر كلَّه لله"[آل عمران:154]، و قال : "قل لا أملك لنفسي ضراً و لا نفعاً إلا ما شاء الله"[يونس:49]، و قال : "قل إني لا أملك لنفسي ضراً و لا رشداً قل إني لن يجيرني من الله أحدٌ و لن أجد من دونه ملتحداً"[الجن :21-22]، أي : لن أجد من دونه من ألتجىء إليه ، و أعتمد عليه ، و قال لابنته فاطمةَ ، و عمِّه العباسِ ، و عمَّتِهِ صفيةَ : "لا أملك لكم من الله شيئاً" ، و في لفظٍ في الصحيح : "لا أغني عنكم من الله شيئاً" .
فعظم ذلك على المشركين بشيوخهم ، و آلهتهم ، و أَبوا ذلك كلَّه ، و ادَّعَوْا لشيوخهم ، و معبوديهم خلافَ هذا كلِّه ، و زعموا أَنَّ مَنْ سَلَبَهُم ذلك فقد هضمهم مراتبَهم ، و تنقَّصَهم ، و قد هضموا جانب الإلهيَّة غايةَ الهضْم ، و تنقَّصوه ؛ فلهم نصيبٌ وافرٌ من قوله – تعالى - : "و إذا ذُكر الله وحده اشمأزَّت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة و إذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون"[الزمر:45]"ا.ه ["الروح"ص388-390]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- الفَرْقُ بَيْنَ : "الحَنِـيْفِيَّةِ" وَ "التَّـوْحِيْدِ" :
قال – رحمه الله - : "الحَنيفيَّةُ و التَّوحيدُ : هي دين جميع الأنبياءِ – الذي لا يَقبل الله من أحدٍ ديناً سواه - ، و هو الفِطْرة – التي فَطَر الله عليها عبادَه - .
فمَنْ كان عليها فهو المهتدي ، لا مَنْ كان يهودياً ، أو نصرانياً ؛ فإِنَّ الحنيفيةَ تتضمَّن الإقبالَ على الله بالعبادةِ ، والإجلالِ ، و التعظيمِ ، و المحبةِ ، و الذلِّ .
والتَّـوحيدُ يتضمَّن إفرادَه بهذا الإقْـبَال دون غيره ؛ فيُـعْبَد وحده يُحَب و حده ، و يُطَاع وحده ، ولا يُجْعَل معه إلهٌ آخرُ"ا.ه ["بدائع الفوائد" 4/156]
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الحلقة الثانية من فروق العقيدة من مؤلفات ابن قيم الجوزية - رحمه الله - ، و أبدؤها بآخر فرق في الحلقة السابقة ؛ لوجود إضافة إليه ، و الله ولي التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
قال – رحمه الله - : "الحنِيْفُ : المقْبِل على اللهِ ، المعرض عن ما سواهُ .
و مَنْ فَسَّره بالمائل فلم يفسِّرْه بنفس موضوع اللفظ ، و إِنَّما فسَّره بلازم المعنى ؛ فَإِنَّ الحَنَفَ هو الإقْبَالُ ، و مَنْ أقبلَ على شئٍ مال عن غيره ، و "الحَنَفُ في الرِّجْلين" هو إقبال إحداهما على الأُخرى ، و يلزمُهُ مَيْلُها عن جهتها"ا.ه["جلاء الأفهام في الصلاة و السلام على خير الأنام"ص155]
و قال – أيضاً - : "الحنيفُ : المقبلُ على الله ، و يلزم هذا المعنى مَيْلُهُ عن ما سواه ، فالميل لازمُ معنى الحنيفِ ، لا أَنَّـه موضوعُهُ لغةً"ا.ه["مفتاح دار السعادة و منشور ولاية العلم و الإرادة"ص1/132]
و قال – أيضاً - : " "الحَنيفيَّةُ" و "التَّوحيدُ" : هي دين جميع الأنبياءِ – الذي لا يَقبل الله من أحدٍ ديناً سواه - ، و هو الفِطْرة – التي فَطَر الله عليها عبادَه - .
فمَنْ كان عليها فهو المهتدي ، لا مَنْ كان يهودياً ، أو نصرانياً ؛ فإِنَّ الحنيفيةَ تتضمَّن الإقبالَ على الله بالعبادةِ ، والإجلالِ ، و التعظيمِ ، و المحبةِ ، و الذلِّ .
والتَّـوحيدُ يتضمَّن إفرادَه بهذا الإقْـبَال دون غيره ؛ فيُـعْبَد وحده ، و يُحَب و حده ، و يُطَاع وحده ، ولا يُجْعَل معه إلهٌ آخرُ"ا.ه ["بدائع الفوائد"4/156]
قَالَ - رحمه الله - : " "الصِّدْق" : هو حصول الشئ ، و تمامه ، و كمال قوته ، و اجتماع أجزائه ، كما يقال : "عزيمة صادقة" إذا كانت قويةً تامَّـةً ، و كذلك : "محبة صادقة" و "إرادة صادقة" ، و كذا قولُهم : "حلاوة صادقةٌ" إذا كانت قويةً ثابتةَ الحقيقةِ ، لم ينقص منها شئٌ .
و مِنْ هذا – أيضاً- : "صِدْقُ الخبرِ" ؛ لأنه وجود المُخْبَرِ بتمام حقيقتِهِ في ذهن السَّامع ؛ فالتَّمام ، و الوجود نوعان : خارجيٌّ ، و ذهنيٌّ ، فإذا أَخبرتَ المخاطَب بخبرٍ صادقٍ حَصَلت له حقيقة المخبَر عنه بكماله ، و تمامه في ذهنه .
و مِنْ هذا وصْفُهم الرُّمْـحَ بأنَّه صادق الكُعُوب إذا كانت كعوبةً صلبةً قويةً ممتلئةً"ا.ه["مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين"2/290-291]
و قال – أيضاً - : "و الفرق بينه – الصِّدْق – و بين "الإخلاص" : أنَّ للعبد مطلوباً و طلباً ، فالإخلاصُ توحيد مطلوبِهِ ، و الصدق توحيد طلبِهِ ؛ فالإخلاصُ أَنْ لا يكونَ المطلوب منقسماً ، و الصدق أَنْ لا يكون الطلب منقسماً، فالصدق بذْل الجهد ، و الإخلاص إفراد المطلوب"ا.ه["مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين"1/124،وانظر 2/101، "طريق الهجرتين و باب السعادتين"ص369، "جلاء الأفهام في الصلاة و السلام على خير الأنام"ص145]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قَالَ - رحمه الله - : "و الفرق بين "الحُكْم المنـزَّل - الواجب الاتباع -" و "الحكم المؤَوَّل - الذي غايته أَنْ يكون جائزَ الاتِّـبَاع - " : أَنَّ الحكم المنـزَّل هو الذي أنزله الله على رسوله- صلى الله عليه و سلم - ، و حَكَمَ به بين عباده ، و هو حكمُهُ - الذي لا حكم له سواه -.
و أَمَّا الحكم المؤوَّل : فهو أقوال المجتهدين المختلفة التي لا يجب اتباعُها ، و لا يكفر ، و لا يفسق مَنْ خالفها ؛ فإنَّ أصحابها لم يقولوا : "هذا حُكْم الله ، و رسولِهِِ" ، بل قالوا : "اجتهدنا برأينا ، فمَن شاء قبله ، و من شاء لم يقبله" ، و لم يُلزموا به الأمة ، بل قال أبو حنيفة : "هذا رأيي ، فمَنْ جاءني بخير منه قبلناه" ، و لو كان هو عَيْنَ حُكْم الله لَمَا ساغ لأَبي يوسف ، و محمدٍ ، و غيرِهما مخالفتُهُ فيه.
و كذلك مالكٌ ، استشاره الرشيدُ أَنْ يَحْمِل الناس على ما في الموطأ ؛ فمنعه من ذلك ، و قال : "قد تفرق أصحابُ رسولِ الله-صلى الله عليه وسلم- في البلاد ، و صار عند كلِّ قوم علم غير ما عند الآخرين" ، و هذا الشافعيُّ ينهى أصحابه عن تقليده ، و يوصيهم بترْك قولِهِ إذا جاء الحديث بخلافه ، و هذا الإمام أحمدُ يُنْـكر على مَنْ كتب فتاويه ، و دوَّنها ، و يقول : "لا تقلدني ، و لا تقلدْ فلاناً ، و لا فلاناً ، و خُذْ مِنْ حيث أخذوا" ، و لو علموا - رضي الله عنهم - أَنَّ أقوالهم يجب اتباعها لحرَّموا على أصحابهم مخالفتَهم ، و لَمَا ساغ لأصحابهم أَنْ يفتوا بخلافهم في شيء ، و لَمَا كان أحدُهم يقول القولَ ، ثم يفتي بخلافه ؛ فيُـرْوَى عنه في المسألة القولان ، و الثلاثة ، و أكثرُ من ذلك ؛ فالرأي و الاجتهاد أحسنُ أحواله أَنْ يسوغ اتباعه ، و الحكم المنـزَّل لا يحل لمسلمٍ أَنْ يخالفه ، و لا يخرج عنه.
و أما "الحكم المبَدَّلُ" - و هو الحكم بغير ما أنزل الله - فلا يَحِلُّ تنفيذه ، و لا العمل به ، و لا يسوغ اتباعه ، و صاحبُهُ بين الكفر و الفسوق و الظُّلم"ا.ه["الروح"ص394]
قَالَ - رحمه الله - : "إِنَّه لا يلزم من الإخبار عنه بالفِعْل مُقَيَّداً أَنْ يُشتق له منه اسمٌ مطلقٌ كما غلط بعضُ المتأخرين ؛ فجعل مِن أسمائه الحسنى "المضل" ، "الفاتن" ، "الماكر" - تعالى الله عن قولِهِ - ؛ فإِنَّ هذه الأسماءَ لم يُطْلَقْ عليه – سبحانه - منها إلا أفعالٌ مخصوصةٌ معينةٌ ؛ فلا يجوز أَنْ يُسمَّى بأسمائها المطلَقَة ، والله أعلم"ا.ه["بدائع الفوائد"1/162]
وقال – أيضاً - : "إِنَّ الفعل أوسعُ من الاسم ؛ و لهذا أطلق اللهُ على نفسه أفعالاً لم يتسم منها بأسماء الفاعل كأراد ، و شاء ، و أحدث ، و لم يسم بالمريد ، و الشائي ، و المحْدِث ، كما لم يسمِّ نفسَه بالصانع ، و الفاعل ، و المتقن ، و غيرِ ذلك من الأسماء - التي أطلق أفعالها على نفسه - ؛ فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء.
و قد أخطأ أقبح خطأ مَن اشتقَّ له مِنْ كل فعلٍ اسماً ، و بلغ بأسْمائه زيادةً على الألف ، فسمَّاه الماكرَ ، و المخادعَ ، و الفاتنَ ، و الكائدَ ، و نحوَ ذلك"ا.ه ["مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين"3/433]
و قال - أيضاً - : "عليك بمراعاة ما أطلقه – سبحانه - على نفسه من الأسماء و الصفات ، و الوقوفِ معها ، و عدمِ إطْـلاق ما لم يطلقه على نفسه ما لم يكن مطابقاً لمعنى أسمائه و صفاته ، و حينئذٍ فيُطْلَق المعنى لمطابقته له دون اللفظ ، و لا سيما إذا كان مجملاً ، أو منقسماً إلى ما يُمْدَح به و غيره ؛ فإِنَّه لا يجوز إطلاقه إلا مقيداً ، و هذا كلفظ "الفاعل" و "الصانع" ؛ فإنه لا يطلق عليه في أَسْمائه الحسنى إلا إطلاقاً مقيَّداً أطلقه الله على نفسه كقوله – تعالى - : " فعال لما يريد"[البروج:16] ، "و يفعل الله ما يشاء"[إبراهيم:27] ، و قولِهِ : "صنع الله الذي أتقن كل شيء"[النمل:88] ؛ فإن اسم "الفاعل" و "الصانع" منقسم المعنى إلى ما يُمدح عليه و يذم ؛ و لهذا المعنى - و الله أعلم - لم يجىء في الأسماء الحسنى "المريد" كما جاء "السميع" ، "البصير" ، و لا "المتكلم" ، و لا "الآمر الناهي" ؛ لانقسام مُسَمَّى هذه الأسماء ، بل وصف نفسه بكمالاتِهَا ، و أشرفِ أنواعها.
و مِن هنا يُعلم غلط بعض المتأخرين ، و زلقُهُ الفاحشُ في اشتقاقه له – سبحانه - مِنْ كُلِّ فعلٍ أخبر به عن نفسه اسماً مطلقاً ، فأدخله في أسمائه الحسنى ؛ فاشتق له اسم "الماكر" و "الخادع" و "الفاتن" و "المضل" و "الكاتب" و نحوَها مِنْ قوله : "و يمكر الله"[الأنفال:30] ، و من قوله : "و هو خادعهم"[النساء:142] ، و من قوله : "لنفتنهم فيه"[طه:131] ، و من قوله : "يضل من يشاء"[الرعد:27] ، و قوله – تعالى - : "كتب الله لأغلبن"[المجادلة:21] ، و هذا خطأ من وجوهٍ :
أحدها : أَنَّه – سبحانه - لم يطلق على نفسه هذه الأسماءَ ؛ فإطلاقها عليه لا يجوز.
الثاني : أنه – سبحانه - أخبر عن نفسه بأفعالٍ مختصةٍ مقيدةٍ ؛ فلا يجوز أَنْ يُنْسَبَ إليه مُسَمَّى الاسم عند الإطلاق.
الثالث : أَنَّ مُسَمَّى هذه الأسماء منقسم إلى ما يُمدح عليه المسمَّى به ، و إلى ما يُذَمُّ ، فيحسن في موضعٍ ، و يقبح في موضعٍ ؛ فيمتنع إطلاقُهُ عليه – سبحانه - من غير تفصيلٍ.
الرابع : أَنَّ هذه ليست من الأسماء الحسنى - الذي يُسَمَّى بها سبحانه - ، فلا يجوز أَنْ يُسمى بها ، فإنَّ أسماء الرب - سبحانه - كلها حسنى ، كما قال – تعالى - : "و لله الأسماء الحسنى"[الأعراف:180] ، و هي التي يحب – سبحانه - أن يُثْـنَى عليه ، و يُحمد بها دون غيرها.
الخامس : أَنَّ هذا القائل لو سُمِّي بهذه الأسماء ؛ و قيل له : "هذه مدحتك ، و ثناء عليك ؛ فأنت الماكر ، الفاتن ، المخادع ، المضل ، اللاعن ، الفاعل ، الصانع ، و نحوها" لَمَا كان يرضى بإطلاق هذه الأسماء عليه ، و يعدُّها مدحة ، و لله المثل الأعلى – سبحانه و تعالى عما يقول الجاهلون به علواً كبيراً -.
السادس : أَنَّ هذا القائل يلزمه أَنْ يَجعل من أسمائه "اللاعن" و "الجائي" و "الآتي" و "الذاهب" و "التارك" و "المقاتل" و "الصادق" و "المنـزل" و "النازل" و "المدمدم" و "المدمر" ، و أضعاف ذلك ؛ فيشتق له اسماً من كلِّ فعلٍ أخبر به عن نفسه ، وإلا تناقض تناقضاً بيِّـناً .
و لا أحد من العقلاء طَرَدَ ذلك ؛ فعُـلم بطلانُ قولِهِ ، و الحمد لله رب العالمين"ا.ه["طريق الهجرتين و باب السعادتين"ص329]
قال – رحمه الله - : "قال مالكٌ - رحمه الله - و قد سُئل عن قوله - تعالى - : "الرَّحمنُ على العَرْش استوى"[طه : 5] كيف استوى؟ ؛ فأَطْرق مالكٌ حتى علاه الرُّحَضَاءُ ؛ ثم قال : "الاستواءُ معلومٌ ، و الكيفُ غير معقولٍ ، و الإيْمانُ به واجبٌ ، و السؤال عنه بدعة".
ففرق بين المعنى المعلومِ من هذه اللفظة ، و بين الكيف - الذي لا يعقله البشرُ -.
و هذا الجوابُ من مالكٍ - رضي الله عنه - شافٍ ، عامٌّ في جميع مسائل الصِّفاتِ ؛ فمَنْ سأل عن قوله : "إنني معكما أسمع و أرى"[طه :46] كيف يسمع ، و يرى؟ أُجِيْب بهذا الجوابِ بعينه ؛ فقيل له : "السمع ، و البصر ، معلومٌ ، و الكيفُ غير معقولٍ".
و كذلك مَنْ سأل عن "العلم" و "الحياة" و "القدرة" و "الإرادة" و "النُّزول" و "الغضب" و "الرِّضا" و "الرَّحْمة" و "الضحك" و غيرِ ذلك ، فمعانيها كلها مفهومة ، و أمَّا كيفيتُها : فغير معقولةٍ ؛ إذ تعقُّل الكيفية فرعُ العِلْم بكيفيةِ الذَّات ، و كنهها ؛ فإذا كان ذلك غيرَ معقولٍ للبشر فكيف يَعقل لهم كيفية الصفات"ا.ه.["مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين"2/89-90]
و قال – أيضاً - : "إِنَّ العَـقْل قد يئس مِنْ تعرُّف كُنْه الصِّفة ، و كيفيتِها ؛ فإنه لا يعلم كيف اللهُ إِلا الله ، و هذا معنى قول السلف : "بلا كيف" أي : بلا كيف يعقله البشر ؛ فإِنَّ مَنْ لا تُعْلَم حقيقةُ ذاته ، و ماهيته كيف تُعْرَف كيفيةُ نعوته ، و صفاته ، و لا يقدح ذلك في الإيمان بها ، و معرفة معانيها ؛ فالكيفية وراء ذلك ؛ كما أَنَّا نعرف معاني ما أخبر اللهُ به من حقائق ما في اليوم الآخر ، و لا نعرف حقيقة كيفيتِهِ مع قُرْب ما بين المخلوق و المخلوق ؛ فعجزنا عن معرفة كيفية الخالق ، و صفاته أعظم و أعظم"ا.ه ["مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين"3/386،وانظر 3/243-246،"الصواعق المرسلة على الجهمية و المعطلة"1/210]
ذكر – رحمه الله - أَنَّ الطَّريقةَ المعهودةَ في القرآن الكريم : " هي أَنَّ أفعال الإحسان ، و الرَّحمة ، و الجود تُضَاف إلى الله - سبحانه و تعالى - ؛ فيُذْكَـر فاعلُها منسوبةً إليه ، و لا يُبْنَى الفعلُ معها للمفعول ، و إذا جيء بأفعال العدْلِ ، و الجزاء ، و العقوبة حُذِفَ الفاعلُ ، و بُنِي الفعلُ معها للمفعول ؛ أَدَبَاً في الخطاب.
من ذلك قوله – تعالى - : "صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين"[الفاتحة:7] ؛ فذَكَر النِّعمة ؛ و أضافها إليه ، و لم يَحذف فاعلها ، و لَمَّا ذَكر الغضب حَذَف الفاعلَ ، و بَنَى الفعلَ للمفعول ؛ فقال : "المغضوب عليهم" ، و قال في الإحسان : "الذين أنعمت عليهم".
و نظيرُهُ قولُ إبراهيمَ الخليلِ - صلوات الله و سلامُهُ عليه - : "الذي خلقني فهو يهدين و الذي هو يطعمني و يسقين و إذا مرضت فهو يشفين "[الشعراء: 78 -80] ، فنسب الخلق ، و الهداية ، و الإحسان بالطعام ، و السَّقْي إلى اللهِ – تعالى - ، و لما جاء إلى ذِكْر المرض قال : "و إذا مرضت" ، و لم يقل : "أمرضني" ، و قال : "فهو يشفين".
و منه قوله - تعالى - حكايةً عن مؤمني الجنِّ : "و أنَّا لا ندري أشرٌ أُريد بِمَن في الأرض أَمْ أراد بهم ربُّهم رشداً"[الجن:10] ، فنسبوا إرادةَ الرُّشد إلى الرَّب ، و حذفوا فاعل إرادة الشر ، و بنوا الفعلَ للمفعول.
و منه قول الخَضِرِ - عليه الصلاة و السلام - في السفينة : "فأردت أَنْ أعيبها" ، فأضاف العيْبَ إلى نفسه ، و قال في الغلامين : "فأراد ربُّك أنْ يبلغا أشدَّهـما"[الكهف:82].
و منه قوله – تعالى - : "أُحِل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم"[البقرة:187] ، فحذف الفاعل ، و بناه للمفعول .
و قال – تعالى - : "و أَحَلَّ الله البيع و حرم الربا"[البقرة:275] ؛لأَنَّ فِي ذِكْر الرَّفَث ما يَحْسُن منه أَنْ لا يَقْـتَرِنَ بالتَّصْريح بالفاعل.
و منه : "حُرِّمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنـزير"[المائدة:3].
و قوله : "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحساناً"[الأنعام:151] إلى آخرها.
و منه - و هو ألطفُ من هذا ، و أَدَقُّ معنى - قوله : "حُرِّمَت عليكم أمهاتكم و بناتكم و أخواتكم"[النساء:23] إلى آخرها ، ثم قال : "و أُحِلَّ لكم ما وراء ذلكم"[النساء:24].
و تَأَمَّلْ قوله : " فبظلمٍ من الذين هادوا حَرَّمنا عليهم طيبات أُحلت لهم"[النساء:160] كيف صَرَّح بفاعل التَّحْريْم في هذا الموضع ، و قال في حقِّ المؤمنين : "حُرِّمت عليكم الميتةُ والدَّمُ"[المائدة:3]."ا.ه.["بدائع الفوائد"2/18]
قال – رحمه الله - : "إِنَّ الاسم إذا أُطْلِق عليه جازَ أَنْ يُشتق منه المصدر ، و الفِعْل ؛ فيخبر به عنه فعلاً ، و مصدراً ، نحو "السميع" ، "البصير" ، "القدير" ؛ يُطلق عليه منه "السمع" و "البصر" و "القدرة" ، و يُخْبَر عنه بالأَفْعال من ذلك ، نحو قد : "سمع الله"[المجادلة:1] ، و "قدرنا فنعم القادرون"[المرسلات:23].
هذا إِنْ كان الفِعْلُ متعدِّيَاً ، فإِنْ كان لازماً لم يُخْبَر عنه به ، نحو "الحي" ، بل يُطْلَق عليه الاسم ، و المصدر دون الفعل ؛ فلا يقالُ : "حَـيِـيَ"."ا.ه["بدائع الفوائد"1/162]
قال – رحمه الله - : "و هذا شـأْنُ أسماء الرب – تعالى - ، و أسماءِ كتابِهِ ، وأسماءِ نبيِّه ؛ هي أَعْلامٌ دالةٌ على معانٍ هي بها أَوْصَافٌ ، فلا تُضَادُّ فيها العلميةُ الوصْفَ ، بِخِلاف غيرِها مِنْ أسماءِ المخلوقين ؛ فهو "الله" ، ا"لخالق" ، "البارئ" ، "المصوِّر" ، "القهار" ، فهذه أسماءٌ دالةٌ على معانٍ هي صفاتُهُ ، و كذلك "القرآن" و "الفرقان" و "الكتاب المبين" ، و غير ذلك من أسمائهِ ، و كذلك أسماءُ النبي – صلى الله عليه وسلم - "محمد" و "أحمد" و "الماحي" ،و في حديث جبير بن مطعِمٍ – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه و سلم – أَنَّه قال : "إِنَّ لي أسماءً ؛ أنا محمد ، و أنا أحمد ، و أنا الماحي - الذي يمحو الله بي الكفر – " ؛ فذكر رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم - هذه الأسماءَ مبيِّناً ما خصَّه اللهُ به من الفضْل ، و أشار إلى معانيها ؛ و إلا فلو كانت أعلاماً محضةً ، لا معنى لها : لم تدل على مدْحٍ ، و لهذا قال حسَّان - رضي الله عنه -:
"و شَــقَّ له مِن اسْـمِهِ ؛ ليُجِلَّـهُ فَذُو العَـرْشِ مَحمودٌ ، و هذا مُحَمَّدُ"."ا.ه.["جلاء الأفهام في الصلاة و السلام على خير الأنام"ص87]