أنواع التوسل وأحكامه

mohamadamin

حكيم المنتدى
للشيخ ناصر عبد الكريم العقل

الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ تاسعاً: الوسيلة المأمور بها في القرآن هي ما يقرب إلى الله تعالى من الطاعات المشروعة، والتوسل ثلاثة أنواع: الأول: مشروع: وهو التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، أو بعمل صالح من المتوسل، أو بدعاء الحي الصالح.
الثاني: بدعي: وهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يرد في الشرع، كالتوسل بذوات الأنبياء والصالحين أو جاههم، أو حقهم، أو حرمتهم ونحو ذلك.
الثالث: شركي: وهو اتخاذ الأموات وسائط في العبادة، ودعاؤهم وطلب الحوائج منهم والاستعانة بهم ونحو ذلك ].

مفهوم التوسل
الشرح: هذا الموضوع من أخطر الموضوعات على عقائد الأمة، وهو مما يكثر فيه الاشتباه واللبس والتلبيس من قبل كثير من أهل الأهواء وهو موضوع التوسل، فالتوسل هو التقرب، والتوسل إلى الله هو التقرب إليه، والتقرب محض عبادة أو عبادة خالصة، وعلى هذا فالتوسل المأمور به في كتاب الله وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب هو كل ما يقرب إلى الله عز وجل مما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم من أنواع الطاعات، والله عز وجل شرع من التوسلات والتقربات والعبادات ما يشبع غريزة الإنسان وروحه وعقله ووجدانه وعواطفه، ويملأ قلبه ويعمره بعبادة الله وطاعته ومحبته ورجائه، فلا يحتاج البشر إلى أن يلجئوا إلى وسائل ووسيلة غير مشروعة؛ فإن في المشروع كفاية، وعلى هذا فإن التوسل أو التقرب المأمور به في القرآن والسنة هو ما يقرب إلى الله عز وجل من الطاعات المشروعة وهو ثلاثة أنواع:

التوسل المشروع
النوع الأول: هو التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته، وهو أن تدعو الله سبحانه بأسمائه وتتوسل إليه وتتعبد له بذلك من قلب موقن بأن الله مجيب وأن الله على كل شيء قدير بحيث لا يتطلع قلبك إلى اللجوء إلى غير الله، فتعمر قلبك باليقين والإنابة وبمحبة الله ورجائه وخوفه فحين تملأ قلبك بالإنابة واليقين وبأن الله مجيب قادر على كل شيء، فمن هنا تتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته.
النوع الثاني: التوسل بأعمالك التي تتقرب بها إلى الله.
.
بعباداتك وأعمال القربات، فتدعو الله أن يأجرك أو تدعو الله عز وجل أن يجلب لك نفعاً أو يدفع عنك ضراً، تدعوه بأعمالك التي عملتها فتقول: اللهم إني أسألك بصلاتي أن تدفع عني هذا الضرر، أو اللهم إني أسألك بمحبتي لرسولك صلى الله عليه وسلم؛ لأن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات، بل هي أعظم محبة بعد محبة الله سبحانه، فيشرع أن تقول: اللهم بمحبتي لرسولك ادفع عني هذا الضر أو يسر لي أمري أو نحو ذلك، أي: تتوسل إلى الله عز وجل بعمل عملته قلبياً أو لسانياً أو من عمل الجوارح، وهذا ما ورد تفصيله ومثاله في قصة الثلاثة أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم صخرة فكل منهم دعا الله عز وجل بما كان يتقرب به إلى الله بأعظم عمل يرجو به الفرج من الله، فواحد دعا بقربته ببر والديه، وآخر ببعده عن الفاحشة إلى آخره، فتقربوا إلى الله بأعمالهم سواء كانت فعل القربات أو ترك المنهيات، كل هذه قربات إلى الله.
فهذا العمل هو من الأمور المشروعة وبابه واسع لا ينتهي؛ لأن المسلم فيما بينه وبين ربه أعمال قلبية ولسانية وأعمال جوارح لا تتناهى.
النوع الثالث: دعاء التقرب أو طلب الدعاء من الصالحين وهذا مشروع بشروطه وضوابطه، وأهم شروطه: ألا تكثر من طلب دعاء الصالحين بحيث يكون الطلب في دعاء الصالحين عند الضرورة أو مناسبة أو في ظرف مهيأ كأن يكون هذا الرجل الصالح في مكان فاضل أو سيعمل عملاً فاضلاً أو في عبادة خالصة أو يكون على وشك سفر؛ لأن دعاء المسافر مجاب إلى آخره، فهذا النوع مشروع لكن الإكثار منه ليس بمشروع؛ لأسباب من أهمها أن ذلك يؤدي إلى الاتكال وعدم لجوء الإنسان بنفسه إلى ربه عز وجل.
الأمر الثاني: أن هذا يخلط بالأنواع البدعية التي سيأتي ذكر نماذج منها.
ثم إن التوسل أنواعه: النوع الأول: هو التوسل المشروع الذي ذكرت أقسامه سابقاً، وهذا مشروع بل مأمور به، بل هو من محض العبادة لله عز وجل، والأنواع الثلاثة التي ذكرتها قبل قليل هي أنواع التوسل المشروع وهي كثيرة جداً يستغني بها المسلم عن اللجوء إلى الأنواع المشتبهة أو البدعية أو الشركية لا قدر الله، لأن التوسل إلى الله أن تدعوه بأسمائه وصفاته وأفعاله وكذلك الدعاء بالتقرب إلى الله بعملك أنت لا بعمل غيرك، والنوع الثالث أن تطلب من الصالحين الدعاء لك، أما طلب الدعاء فإنه لا يلزم أن يكون دائماً ممن هم على الكمال في الصلاح؛ لأن الكمال صعب، لكن ممن قد يكون في دعائهم لك خصوصية أو أحرى بأن يكون دعاؤهم لك مجاباً مثل الوالدين والأقارب والرحم الذين تصلهم، ومثل الناس الذين تبرهم وتحسن إليهم هؤلاء لا مانع أن تطلب منهم الدعاء ولو لم يكونوا على درجة كاملة في الصلاح، بل لو طلبت من أي مسلم أن يدعو لك في مثل هذه الظروف لجاز، لكن الرجل الصالح أحرى بأن يقبل دعاؤه.

التوسل البدعي
أما النوع الثاني من التوسل: فهو البدعي وهو غير مشروع لكن لا يصل إلى حد الكفر أو الشرك الذي يخرج صاحبه من الملة، والتوسل البدعي هو التقرب إلى الله عز وجل بما لم يرد به الشرع ما لم يكن شركاً، كالتقرب بذوات الأنبياء عدا النبي صلى الله عليه وسلم في حياته؛ لأن الصحابة كانوا يتبركون به، وهذا التبرك من حيث دخوله في معنى التوسل فيه تفصيل؛ لأن التوسل أحياناً يقصد به التبرك، فمن هنا فإن التبرك بذات النبي صلى الله عليه وسلم مشروع في حياته وما بقي منه بعد وفاته، ولاشك أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة قرون لم يعد هناك أشياء بقيت، فمن هنا ينقطع هذا النوع من التبرك، وقد يسميه بعض الناس توسلاً؛ لكن التوسل بالذوات سواء ذوات الأنبياء والصالحين أو بجاههم أو حقهم أو حرمتهم ونحو ذلك كله من البدعة، فأنت حين تقول: اللهم إني أسألك بحرمة فلان، أو اللهم إني أسألك بعمل فلان الرجل الصالح أو النبي أو غيره، أو تقول: اللهم إني أسألك بجاه الولي فلان أو النبي فلان؛ كل هذا لا يجوز لأنه بدعة لم يرد به الشرع، ولأن هؤلاء وغيرهم جاههم لهم وحقهم حق لهم وحرمتهم لا يتعدى نفعها للآخرين إلا بإذن من الشرع ولو جاء به الشرع كان على العين والرأس.
فلذلك لما جاء الشرع بالتبرك بذات النبي صلى الله عليه وسلم وأشيائه أخذناها دون أن نماري في ذلك أو نجادل؛ لأنه جاء به الشرع، فهذه خصوصية له صلى الله عليه وسلم، لكن بالنسبة للتوسل والتقرب فإنه لا يجوز للإنسان أن يتقرب إلى الله أو يطلب إلا بما جاء في التوسل المشروع.
إذاً: طلب الانتفاع أو دفع الضر بجاه الآخرين أياً كانوا أو بحقوقهم أو بحرمتهم أو بذواتهم أو بالأشياء أيضاً حتى ولو لم يكن من العقلاء أو المكلفين أو الصالحين، كالتقرب إلى الأحجار أو الأشجار أو نحو ذلك ما لم يكن شركاً فهو بدعة.

التوسل الشركي
النوع الثالث: التوسل الشركي: وهو صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل وأكثر ما يقع فيه المشركون وهو الذي عليه أكثر أهل الجاهلية الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وعدهم من المشركين هو اتخاذ الوسائط في العبادة من دون الله، كما قال الله عنهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، زعماً منهم أن هذه الوسائط أقرب إلى الله من ملائكة أو نبيين أو صالحين أو حتى أشجار أو أحجار أو مزارات أو مشاهد أو غيرها، ويزعمون أن لها مكانة عند الله عز وجل فيوجهون العبادة لها لتقربهم إلى الله ولتتوسط لهم عند الله، فهذه الوسائط هي معبودات، وفعلهم شرك، لأنهم حينما قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، حكم الله بشركهم بنص كتاب الله عز وجل وبأنهم أشركوا بهذه الوسيلة.
فالتوسل الشركي أو أكثر ما يقع هو في اتخاذ الوسائط من دون الله، وكثير من المشركين يزعمون أنهم لا يعبدون هؤلاء عبادة خالصة لكن يعبدونهم من أجل أن يقربوهم إلى الله أو يدعونهم دعاء فيما لا يجوز إلا لله من أجل أن يقربوهم إلى الله، ومنهم من يقصر العبادة على هؤلاء، ومنهم من يشرك في العبادة بأن يعبد الله من وجه، ويعبد هذه المعبودات من وجه آخر، وهذا كله شرك، سواء وجه العبادة لهذه المخلوقات من دون الله أو أنه يعبد الله أحياناً ويعبد هذه المخلوقات أحياناً كما هو حال المشركين، إذا مسهم الضر دعوا الله وحده وإذا أمنوا أشركوا به، فهذا صنف من أصناف الشرك.
كما يكون الشرك بدعائهم من دون الله وطلب الحوائج من جلب نفع أو دفع ضر مما لا يقدر عليه إلا الله من الاستعانة بهم ونحو ذلك، ومن أنواع الشرك التي يقع فيها كثير من الأمم ويقع فيها أفراد من أصحاب الفلسفات والعباد الذين يسلكون مسالك العبادة يكون عبر التفكر لا عبر الممارسات، كأن يوجهوا عقولهم وقلوبهم إلى غير الله ولو لم يعملوا بطقوس أو عبادات مباشرة وذلك كله من شرك أصحاب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود وشرك كثير من مشركي الفلاسفة وكثير من أصحاب الاستكبار عن التوجه إلى الممارسات التي تمثل الطقوس، والطقوس هي ممارسة العبادة العملية.
ولا يلزم من الشرك أن يكون بممارسة عملية فقط، إما دعاء لساني أو عمل سجود أو ركوع لغير الله ونحو ذلك بل قد يكون الشرك بأن تتوجه القلوب والعواطف إلى غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
وقد يقع في الشرك بعض الفرق وبعض الأفراد الذين ينتسبون للإسلام، ولذلك يجب على المسلمين أن يناصحوا هذا الصنف ويبينوا لهم خطورة هذا المسلك حينما يدعون الموتى من دون الله أو يدعون الأحياء أو الأموات أو المزارات والآثار والمشاهد ويدعونها من دون الله أو يصرفون لها نوعاً من العبادة كالسجود أو الركوع أو الصلاة أو الطواف، وهذا من الشركيات الظاهرة في بعض بلاد المسلمين التي قد يغفل عنها من يشاهدون هذه الشركيات، إما لأنهم اعتادوها واستمرءوها فلم يعتقدوا أنها شركيات، أو أنه لم يقع في خلدهم أن هذا من أنواع الشرك، فمن جهل المسلمين اليوم من يظن أن هذه الأمور ليست شركاً فيقع فيها أو يقرها جهلاً منه، فينبغي التنبه لمثل هذه الأعمال أو عندما يوجه أي إنسان العبادة لغير الله سواء بلسانه مثل الدعاء أو بجوارحه من سجود أو ركوع أو طواف أو غيره، فإنه ينبغي أن ينكر هذا الشرك ويبين خطورته، وقد يكون بعض الجهلة لو نبه لانتهى عن ذلك، بل ما أظن مسلماً يعرف أن هذه الأعمال خطيرة على دينه وعقيدته وأنها قد توقعه في الشرك إلا وسينتهي إذا أنكر عليه بالرفق.
وهناك أمر يقع فيه كثير ممن ينكرون هذه المنكرات وهو أنهم قد يستعملون أساليب فيها نوع من الاستفزاز والتنفير بدعوى أن هذا الشرك شنيع، وهذا لا يبرر أن ينكر عليه بالعنف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليعطي بالرفق ما لا يعطي بالعنف)، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)، فأهيب بكل مسلم يرى من بعض المسلمين بعض هذه المظاهر وإن كانت شديدة وشنيعة أن يرفق بهم ويبين لهم وجه الحق بأسلوب لين ناصح مشفق، وأن يغير من الأساليب إذا وجد أن أسلوبه لا يناسب أو لا يطاع فينبغي أن يغير ويوجه الناس بشيء من الرفق والرزانة والهدوء، فليس عليه أن يهدي الخلق لأن الهداية بيد الله عز وجل وإنما عليه النصح والبيان.
 
عودة
أعلى