mohamadamin
حكيم المنتدى
افتخروا بتاريخكم ايها المسلمون
افتخروا بتاريخكم ايها المسلمون
عدنا مع اندلس المشرق الهند الاسلامية وهذه المرة مع سيرة
السلطان أُورَنكْ زيْب عالمْكِير ...... بقية الخلفاء الراشدين !!
إذا كان يعتصر القلب حزنا وألما على فقدان المسلمين للأندلس , فوالله ماكانت الأندلس بالنسبة للهند المسلمة إلا كمقاطعة صغيرة أو مدينة يحكمها أحد ولاة السلطان
وإن كان خلّف المسلمون فى الأندلس مسجد قرطبة , فهذا مسجد بادشاهى فى لاهور أو المسجد الجامع فى الهند يقف شامخا يدل على إبداع وروعة الحضارة الإسلامية فى الهند
وإن كان خلّف المسلمون فى الأندلس الحمراء والقصبة , فهذا حصن أجرا يقف اللسان عاجزا عن وصف حسنه وجماله
وإن خرج من الأندلس رجالا ملئوا الدنيا بعلمهم , فيكفى أن تسأل أحد طلبة العلم عن علماء الهند وتحلى وقتها بالصبر لطول المدة التى ستقضيها سامعا لأسماء العلماء التى سيعددها لك طالب العلم
وإن خرج من الأندلس حكاما عظاما وخلفاء عظماء , فيكفى ذكر محمود بن سبكتكين وذكر اسم صاحبنا وسلطاننا وعظيمنا "السلطان أورنك زيْب عالكمير".
السلطان العظيم الذي لا يعرفه أحد ؟!
هو الأسد الجسور ، والليث الهصور ، والإمام الهمام ، و أحد عمالقة الإسلام ، الذي أذل الكفر وزلزل الطغيان ، وقوَّض عروش أهل الإلحاد في ربوع مملكته والأوطان ، وحارب الفساد وأهله في كل مكان ، وأتى على بنيان الظلم والظلمة من القواعد حتى خرَّ عليهم السقف من فوقهم ! وأذاق المغرورين والمعاندين من كئوس المرار ما انشقّتْ له حلوقهم ! وأرغم الجبابرة على الانقياد لله والرسول ، و دقَّ حصون الزنادقة على رؤسهم بالعرض والطول ! وجعل المهانة والصغار على كل من أبى قبول الحق بعد أن أُقيمت عليه من الله الحجة ، وسلك بالمسلمين في أيامه سبيل الاستقامة وطريق المحجة ، فكان كالبدر المشرق فى سمائه ، والفيض المغدق بسلسبيل رُوَائه ، والناصح الأمين للخاص والعام ، والمجدد لهذا الدين أمره في سابق الأزمان وغابر الأيام ...
حتى لقَّبه الشيخ الأديب علي طنطاوي بـ : ( بقية الخلفاء الراشدين)
وكيف لا ؟ وهو العابد الساهر إذا أسبل الليل رداء ظلامه على الأنام ، والراكع الساجد في غسق الدجى والحارسون له نيام ! والبطل الكرار إذا طارت قلوب الشجعان في ساحة الوَغَى ، والفارس المغوار الذي تُجمُّ دونه الأُسُود إذا علمت أنه حلَّ بساحتهم وأتى !
وما أرى أحدا في القوم يشبهه *** وما أُحاشي من الأقوام من أحد ؟
هذا الرجل الذي أقام العدل في زمانه حتى عبقت بذكره الأرجاء ، وانقادت له الممالك وخضعت حتى صار النصر له رفيقا وكأنه رياح الله تجري بأمره رخاء حيث يشاء !
ذاكم : هو السلطان العظيم ، و المجاهد الزاهد : أبو المظفر محي الدين محمد أُورانك زيب عالم كير، سلطان مملكة شبه القارة الهندية وما حواليها في القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشرالهجري .
ولادته ونشأته...
ولد السلطان أورنكْ زيْب في بلدة "دوحد" في كجرات بالهند في (15 من ذي القعدة 1028هـ = 24 من أكتوبر 1619م).. نشأ فى بيت عز وترف وشرف , فأبوه هو "السلطان شاه جيهان" أحد أعظم سلاطين دولة المغول المسلمين فى الهند , وهو بانى مقبرة "تاج محل" الشهيرة التى تعد الآن من عجائب الدنيا السبع الحديثة , تم بنائها فى 20 عاما وعمل على إنشائها أكثر من 21.000 شخص , ولا حول ولا قوة إلا بالله , هكذا صرف أبوه فى آخر أيامه كل جهده فى إنشاء مقبرة لزوجته المحبوبة وظل مفتون بها فضعفت أمر السلطنة وظهرت بوادر الفتن والثورات مما اضطر أورنجزيب أن يقوم بإنتزاع السلطنة من أبيه كما سيأتى بيانه إن شاء الله .
ظهر من "أورنك زيْب " منذ صغره علامات الجد والإقبال على الدين والبعد عن الترف والملذات , وكان فارسا شجاعا لا يشق له غبار , ويروى فى ذلك قصة , كان مع إخوته فى يوم بحضور أبيه "السلطان شاه جيهان" فى إحتفال وكان فى الإحتفال فقرة لحلبة أفيال , فشرد فيل من الحلبة وجرى نحو "أورنك زيْب " وهو آنذاك ابن 14 عاما , فضرب الفيل الفرس الذى يمتطيه أورنجزيب بخرطومه وطرح أورنك زيْب أرضا وأقبل نحو أورنك زيْب , فثبت أورنك زيْب فى مكانه واستل سيفه وسط ذهول الناس وإكبارهم بهذا الأمير الصغير وظل يدافع عن نفسه أمام الفيل الضخم حتى جاء الحرس وطردوا الفيل الضخم ، ونشأ وترعرع محبا لمذهب أهل السنة واستقى الدين على مذهب الأمام ابو حنيفة , فهو نشأ وتربى تربية إسلامية خالصة لا تشوبها شائبة .
فقد كان أبو جده "جلال الدين أكبر" فى أواخر أيامه حمل الناس على دين جديد يحمع بين الديانة الهندوسية والإسلام – ولا حول ولا قوة إلا بالله - ومنع الجزية عن الهندوس وغير المسلمين فأتى بذلك أمر لم يسبقه إليه أحد من سلاطين المسلمين من قبل , ولم يقم فى وجه هذا السلطان احد وظل الأمر كذلك ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره فظهر هذا الرجل الضعيف الجسم الشيخ الجليل أحمد السرهندى وأخذ يدعو الأمراء وقواد الجيش وذكرهم بالله وأحيا فى نفوسهم حمية الدين ولما مات السلطان أكبر جاء من بعده السلطان "جهانكير" , تولى الشيخ محمد معصوم السرهندى ابن الشيخ أحمد السرهندى تربية طفل صغير وبذل له رعايته كلها فنشأ نشأة دينية وفرأ القرآن فجوده , والفقه الحنفى وبرع فيه , والخط فأتقنه وربى على الفروسية والقتال ...
فكان هذا الطفل هو "أورنك زيْب " ونشأ رحمه الله محبا للشعر فكان شاعرا , ونشأ محبا للخط فكان خطاطا بارعا , وتعلم اللغة العربية والفارسية والتركية.
هكذا جمع رحمه الله كل صفات الملوك العظماء فى سن صغير...
أورانك زيب أميرا...
كان أورنك زيْب الأخ الثالث بين ثلاثة أبناء هم "شجاع" و "مراد بخش" , فتولى "شجاع" إمارة البنغال وتولى "مراد بخش" إمارة الكجرات وتولى "أورنك زيْب " إمارة الدكن فى وسط الهند فتعلم "أورنك زيْب " الإدارة وأتقنها وسبر أغوارها فكان من ملوك المسلمين القلائل الذين برعوا فى إدارة الدولة , ومع ذلك قاد الجيوش بنفسه فى عهد أبيه , فقمع الثورات وطهر البلاد وأظهر فى الأرض العدل وكانت له هيبة وسمت الملوك , وظل الأمر كذلك حتى كان ماكان من وفاة أمه "ممتاز محل" التى بوفاتها انشغل السلطان "شاه جيهان " ببناء مقبرة يخلد فيها ذكراها وصرف لذلك الأموال وحمل الناس على العمل الشاق فأهملت السلطنة , وظهرت بوادر الفتن والثورات , ولم يكن للسطان يومها من همّ إلا النظر الى ضريح إمراته وكان قد أمر ببناء ضريح أسود اللون له مماثل لضريح زوجته , ولكن وثب الأخ الأكبر لأورنجزيب على أبيه فاستولى على كل شيىء إلا الإسم فظل يحكم باسم أبيه .
ولكن كان هذا الأخ الأكبر مائلا للدنيا يريد إرجاع الهند على ماكانت عليه فى عهد أبو جده "جلال الدين أكبر" , فرفض بذلك أورنك زيْب المسلم الورع التقى وقام معه أخيه الآخر فاستطاع أورنك زيْب أن يأخذ الحكم لنفسه وقمع الثورات التى شنها إخوته عليه وحبس أباه فى حصن أجرا وكانت له شرفة تطل على ضريح زوجته فكان دائم النظر اليه وظل كذلك حتى مات , وبذلك أعلن أورنجزيب نفسه سلطانا على البلاد وكان وقتها عنده من العمر 40 سنة , وابتدأ عهد العدل والحق فقد آن الأوان أن يرى المسلمين أبو بكر وعمر وعثمان فى شخص أورنك زيْب عالمكير .
أورانك زيب سلطانا على البلاد...
قد يتخيل البعض بمجرد جلوس أورنك زيْب على كرسى السلطنة ركن الى العبادة والراحة وخصوصا أنه كان متدينا , لا والله , ماهكذا فهم أجدادنا التدين إنما التدين يكون بإعلاء كلمة الله والجهاد فى سبيل الله حتى تكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا هى السفلى , فحكم البلاد بالحزم والعدل لم يركن أورنك زيْب الى الدعة والراحة بل لبس لأمة الحرب من أول يوم وظل فى جهاد دام 52 سنة حتى خضعت له شبه القارة الهندية كلها من مرتفعات الهيمالايا الى المحيط ومن بنجلادش اليوم الى حدود إيران .
شهدت إمبراطورية المغول الإسلامية فى الهند فى عهد أورنك زيْب (1658 : 1707) أقصى إمتداد لها وذلك بفضل الجهود العسكرية التى بذلها السلطان أورنك زيْب حيث لم يبق إقليم من أقاليم الهند إلا خضع تحت سيطرة السلطان , فاستطاع أورنك زيْب تحويل شبه القارة الهندية الى ولاية مغولية إسلامية ربط شرقها بغربها وشمالها بجنوبها تحت قيادة واحدة , خاض المسلمون فى عهده أكثر من 30 معركة قاد هو بنفسه منها 11 معركة وأسند الباقى لقواده.
أبطل أورنك زيْب 80 نوعا من الضرائب , وفرض الجزية على غير المسلمين بعدما أبطلها أجداده , وأقام المساجد والحمامات والخاناقات والمدارس والبيمارستانات , وأصلح الطرق وبنى الحدائق , أصبحت "دهلى " فى عهده حاضرة الدنيا , وعين القضاة وجعل له فى كل ولاية نائب عنه وأعلن في الناس أنه "من كان له حق على السلطان فليرفعه إلى النائب الذي يرفعه إليه" .
وأظهر أورنك زيْب تمسكه بالإسلام والتزامه بشرائعه، فأبطل الاحتفال بالأعياد الوثنية مثل عيد النيروز، ومنع عادة تقبيل الأرض بين يديه والانحناء له، ومنع الخطب الطويلة التى تقال لتحية السلطان واكتفى بتحية الإسلام, كما منع دخول الخمر إلى بلاده، وصرف أهل الموسيقى والغناء عن بلاطه، وروى فى ذلك قصة : أنه كان يوما خارج قصره فرأى الموسيقيين والقينات يلبسون السواد ويبكون ويحملون نعشا , فسأل ماهذا ؟ , قالوا : هذا الغناء والمعازف نذهب لدفنها , فقال رحمه الله : إذن أحسنوا دفنها لئلا تقوم مرة أخرى !!
وحفظ السلطان القرآن الكريم كله بعد ما أصبح سلطانا !!! , وعين للقضاة كتابا يفتون به على المذهب الحنفى , فأمر بتأليف الكتاب تحت نظره وإشرافه واشتهر الكتاب باسم "الفتاوى الهندية" أو "الفتاوى العالمكيرية" يعرفه كل طلبة العلم .
أى رجل كان !!! , وبنى مسجد "بادشاهى" فى لاهور بباكستان الآن , المسجد الذى ظل الى الآن شاهدا على عصر عز المسلمين وتمكينهم , وقضى على فتنة البرتغاليين فى المحيط , وكان رحمه الله يصوم رمضان كاملا ولا يفطر إلا على أرغفة من الشعير من كسب يمينه من كتابة المصاحف لا من بيت مال المسلمين !!
لم يستطع أن يحج الى بيت الله الحرام فاستعاض بذلك أن كتب مصحفين بخط يده وأرسل واحدا الى مكة والآخر للمدينة !!
وكان صاحب عبادة عظيمة , ويخضع للمشايخ ويقربهم ويستمع الى مشورتهم ويعظم قدرهم وأمر قواده أن يستمعوا الى مشورتهم بتواضع شديد , حتى أنه سمع أن نائبه بالبنغال اتخذ مثل العرش يجلس عليه فنهره وعنفه وأمره أن يجلس بين الناس كجلوس عامتهم !!
وكان يصوم الإثنين والخميس والجمعة من كل أسبوع لا يتركهم أبدا ويأبى إلا أن يصلى الفرائض كلها فى وقتها جماعة مع المسلمين , وكان يصلى التراوييح إماما بالمسلمين , ويعتكف العشر الأواخر فى المسجد , فكان أعظم ملوك الدنيا فى عصره .
وخصص موظفين يكتبون كل ما يقع من أحوال رعاياه ويرفعونها إليه، وأبطل عادة تقديم الهدايا إليه كما كان يفعل من قبل مع أسلافه، وكان يجلس للناس ثلاث مرات يوميًا دون حاجب يسمع شكاواهم.
ووفّق الى أمرين لم يسبقه اليهما احد من ملوك المسلمين : -
الأول : أنّه لم يكن يعطى عالما عطية أو راتبا إلا طالبه بعمل , بتأليف أو بتدريس , لئلا يأخذ المال ويتكاسل , فيكون قد جمع بين السيئتين , أخذ المال بلا حق وكتمان العلم !!
الثانى : أنّه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية فى كتاب واحد , يُتخذ قانونا فوضعت له وبأمره وبإشرافه وتحت ناظره كتاب "الفتاوى الهندية – العالمكيرية" على المذهب الحنفى.
دخل ملايين من المنبوذين فى الهند فى الإسلام ووقف حائلا مانع للمد الشيعى الصفوى على البلاد , وألّف كتابا شرح فيه أربعين حديثا شريفا – على غرار الأربعين النووية – وكان يكتب بخطه المصاحف ويبيعها ويعيش بثمنها لما زهد فى أموال المسلمين وترك الأخذ منها !!
قال عنه المرادي في ترجمته من كتابه: « سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر »:
( سلطان الهند في عصرنا، وأمير المؤمنين وإمامهم ،وركن المسلمين ونظامهم ، المجاهد في سبيل الله ، العالم العلامة الصوفي العارف بالله ، الملك القائم بنصرة الدين، الذي أباد الكفار في أرضه ، وقهرهم وهدم كنائسهم ، وأضعف شركهم ، وأيد الاسلام وأعلى في الهند مناره ، وجعل كلمة الله هي العليا ، وقام بنصرة الدين وأخذ الجزية من كفار الهند ،ولم يأخذها منهم ملك قبله لقوتهم وكثرتهم ! وفتح الفتوحات العظيمة ، ولم يزل يغزوهم ، وكلما قصد بلداً سلكها ، إلى أن نقله الله إلى دار كرامته وهو في الجهاد ، وصرف أوقاته للقيام بمصالح الدين وخدمة رب العالمين من الصيام والقيام والرياضة التي لا يتيسر بعضها لآحاد الناس فضلاً عنه ! وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ،وكان موزعاً لأوقاته : فوقت للعبادة ،ووقت للتدريس ، ووقت لمصالح العسكر ، ووقت للشكاة ، ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كل يوم وليلة من مملكته ، لا يخلط شيئاً بشيء ! والحاصل إنه كان حسنة من حسنات الزمان ، ليس له نظير في نظام سلطنته ولا مُدانِ ، وقد ألُِّفتْ في سلطنته وحسن سيرته : الكتب الطويلة بالفارسية غيرها فمن أرادها فليطلع عليها ..... )
ثم قال : ( واشتغل بالمملكة من سنة ثمان وستين وألف ، وأراد الله بأهل الهند خيراً ؛فإنه رفع المظالم والمكوس وطلع من الأفق الهندي فجره ، وظهر من البرج التيموري بدره ،وفلك مجده دائر ، ونجم سعده سائر ، وأسر غالب ملوك الهند المشهورين ، وصارت بلادهم تحت طاعته ، وجُبِيَتْت إليه الأموال ، وأطاعته البلاد والعباد ، ولم يزل في الاجتهاد في الجهاد ، ولم يرجع إلى مقر ملكه وسلطنته بعد أن خرج منه ، وكلما فتح بلاد أشرع في فتح أخرى ، وعساكره لا يحصون كثرة، وعظمة وقوته لا يمكن التعبير عنها بعبارة تؤديها حقها ! والملك لله وحده ، وأقام في الهند : دولة العلم وبالغ في تعظيم أهله حتى قصده الناس من كل البلاد ، والحاصل : أنه ليس له نظير في عصره في ملوك الاسلام في حسن السيرة والخوف من الله سبحانه والجد في العبادة ....) .
وقال عنه المحبي في : « خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر »
(وأورنك زيب : ممن يوصف :بـ الملك العادل الزاهد ،وبلغ من الزهد مبلغا أناف فيه على ابن أدهم [ يعني : إبراهيم بن أدهم الزاهد المشهور ]!
فإنه مع سعة سلطانه : يأكل فى شهر رمضان رغيفا من خبز الشعير من كسب يمينه !ويصلى بالناس التراويح ، وله نعم بارَّة ، وخيرات دارَّة جدا ، وأمر من حين ولى السلطنة : بـ : رفع المكوس والمظالم عن المسلمين ، ونصب الجزية بعد أن لم تكن على الكفار، وتم له ذلك مع أنه لم يتم لأحد من أسلافه : أخْذُ الجزية منهم؛ لكثرتهم وتغلبهم على إقليم الهند ، وأقام فيها : دولة العلم ، وبالغ فى تعظيم أهله وعظمت شوكته ،وفتح الفتوحات العظيمة ، وهو مع كثرة أعدائه وقوتهم غير مبال بهم ، مشتغل بالعبادات ، وليس له فى عصره من الملوك نظير فى حسن السيرة والخوف من الله تعالى والقيام بنصرة الدين رحمه الله تعالى .....)
وقال عنه العلامة الأديب الشيخ علي طنطاوي في كتابه : « رجال من التاريخ » :
( ووفِّق إلى أمرين لم يسبقه إليهما أحد من ملوك المسلمين : -
الأول : أنّه لم يكن يعطى عالما عطية أو راتبا إلا طالبه بعمل , بتأليف أو بتدريس , لئلا يأخذ المال ويتكاسل , فيكون قد جمع بين السيئتين , أخذ المال بلا حق وكتمان العلم !!
الثانى : أنّه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية فى كتاب واحد , يُتخذ قانونا فوضعت له وبأمره وبإشرافه وتحت ناظره كتاب "الفتاوى الهندية – العالمكيرية" على المذهب الحنفى .....)
قلتُ : وبلغ من زهده وورعه : أنه كان يكتب بخطه المصاحف ويبيعها ويعيش بثمنها لما زهد فى أموال المسلمين وترك الأخذ منها !!
وقد حرص شديدا : على بناء المساجد ، ودور العبادة ، وكذا بناء الأسوار والحصون العريقة المنيعة في مملكته .
وفاة السلطان أورنك زيب عالمكير رحمه الله...
توفي السلطان في (28 من ذي القعدة 1118 هـ= 20 من فبراير 1707م) بعد أن حكم 52 سنة، وكان قد بلغ من تقواه أنه حين حضرته الوفاة أوصى بأن يُدفن في أقرب مقابر للمسلمين وألا يعدو ثمن كفنه خمس روبيات !!
بذلك يكون عمر السلطان حين وفاته 90 سنة !! , ولم يمنعه سنه بقيادة الجيوش أو قراءة القرآن , هكذا كانوا أجدادنا , لم يركنوا الى الدعة والراحة بل كانت حياتهم كلها لله , وبوفاة السلطان ابو المظفر محى الدين محمد أورنك زيْب عالمكير , انتهت عظمة دولة المسلمين فى الهند فجاء من بعده حكاما ضعافا وظل الأمر كذلك حتى انتهت تماما بسقوط آخر سلطان "بهادر شاه الثانى " عام 1857 بواسطة الإنجليز , ولم تقم للإسلام قائمة منذ ذلك الزمن فى تلك البلاد الشاسعة .
وبموت هذا الأسد الكاشر : غربت شمس المجد عن شبه المملكة الهندية حتى الآن ! وخرج الأنذال من جحورهم يزأرون ويَعْوون ! ويعيثون في الأرض الفساد كما كانو يعيثون ! وخطب الزنادقة على المنابر ! ومرق المارقون ، ونهض إلى البدع أولئك الناهضون ! وهتكتْ الأعراض ، وسفكت الدماء ! واسْتُحِلَّتْ المحارم ! وضرب الإلحاد بأطنابه في ربوع البلاد ! وجُعِلتْ الذلة والصغار على مسلمي العباد ! وجرتْ دمائهم في تلك الديار ، واغتصبتْ نسائهم وبناتهم جهارا ! فيا للعار !
ويا سوء صباح : تشرق فيه شمسه على ذبح الأطفال والضعفاء من الموحدين !
ويا بؤس ليل : يُسْفِر فيه قمره على صرخات المغتصبات من فتيات ونساء المؤمنين !
وهنا : أكاد لا أستطيع الكتابة ! فقد جفَّ مداد قلمي ! كما جفّتْ مدامع عيني !
فقد ارتسمتْ أمامي الآن : تلك المذابح التي قام بها الهندوس في آلآف المستضعفين المسلمين !
مذابح المسلمين في الهند :
والتي منها :
مذبحـــة أحمد أباد عام 1970 م التي ذهب ضحيتها 15 ألف مسلم باعتراف انديرا غاندي نفسها ! وارتكب فيها الهنادكة[ وهم : عباد البقر] أفظع الجرائم في تاريخ البشرية ! منها إحراقهــــم 300 امرأة مسلمة بالنار وهن أحيــــاء ! فيا ويلي وويل أبي وأمي من تلك العظائم !
ومنها : مذبحة آســــام الشهيرة التي ذهب ضحيتهــــا أكثر من 50 ألف مسلم علي أيدي الهنادكة من أعضاء الحكومة المركزية .
ومنها : مجزرة ميروت ومليانة عام 1987 والتي سالت فيها الدماء بحورا !
مذابح المسلمين ومآسيهم في كشمير...
أما إقليم كشمير ؟ فما أدرك ما إقليم كشمير ! هو ذلك العِرْقِ النازف في جسد الأمة !
حيث قتل فيه : أكثر من 44000 مسلم وجرح أكثر من 67000 ,واعتقل أكثر من 000و40 مسلم, وبلغ عدد المنازل والمتاجر والمساجد والمدارس المهدمة 129000 منزل ومسجد
كل هذا : بالإضافة إلى آلاف النساء المغتصبـات ، ومنهن صغيرات قاصرات !
فبالله ماذا أقول ؟ وأيِّ كلام أستطيع أن أًعبِّر به عما يختلج في صدري من تلك النيران المتأججة من الحسرة على الإسلام والمسلمين ؟!
واليوم أقول : اللهم قد ضاق الصدر ! وعظم الخطب والأمر ، وما عاد القلب يصلح لاستقبال المزيد من نكبات الموحدين ، وأنّأتِ الباكين والمستضعفين من المسلمين !
حيث لا : ( أبو بكر الصديق ) و لا : ( عمر بن الخطاب ! ) ولا : ( صلاح الدين ) ولا : ( أورانك زيب ) ! ولا غيرهم من الذين يود المرء أن يطيل الله في عمره حتى يبصر أمجاد هذا الدين كما كان في عصور هؤلاء الأئمة الأبطال !
المصدر بتصرف / مقال للاستاذ / أبو المظفر سعيد بن محمد السناري القاهري/ ملتقي اهل الحديث
مقال للاستاذ / محمود حافظ / فرسان السنة
افتخروا بتاريخكم ايها المسلمون
عدنا مع اندلس المشرق الهند الاسلامية وهذه المرة مع سيرة
السلطان أُورَنكْ زيْب عالمْكِير ...... بقية الخلفاء الراشدين !!
إذا كان يعتصر القلب حزنا وألما على فقدان المسلمين للأندلس , فوالله ماكانت الأندلس بالنسبة للهند المسلمة إلا كمقاطعة صغيرة أو مدينة يحكمها أحد ولاة السلطان
وإن كان خلّف المسلمون فى الأندلس مسجد قرطبة , فهذا مسجد بادشاهى فى لاهور أو المسجد الجامع فى الهند يقف شامخا يدل على إبداع وروعة الحضارة الإسلامية فى الهند
وإن كان خلّف المسلمون فى الأندلس الحمراء والقصبة , فهذا حصن أجرا يقف اللسان عاجزا عن وصف حسنه وجماله
وإن خرج من الأندلس رجالا ملئوا الدنيا بعلمهم , فيكفى أن تسأل أحد طلبة العلم عن علماء الهند وتحلى وقتها بالصبر لطول المدة التى ستقضيها سامعا لأسماء العلماء التى سيعددها لك طالب العلم
وإن خرج من الأندلس حكاما عظاما وخلفاء عظماء , فيكفى ذكر محمود بن سبكتكين وذكر اسم صاحبنا وسلطاننا وعظيمنا "السلطان أورنك زيْب عالكمير".
السلطان العظيم الذي لا يعرفه أحد ؟!
هو الأسد الجسور ، والليث الهصور ، والإمام الهمام ، و أحد عمالقة الإسلام ، الذي أذل الكفر وزلزل الطغيان ، وقوَّض عروش أهل الإلحاد في ربوع مملكته والأوطان ، وحارب الفساد وأهله في كل مكان ، وأتى على بنيان الظلم والظلمة من القواعد حتى خرَّ عليهم السقف من فوقهم ! وأذاق المغرورين والمعاندين من كئوس المرار ما انشقّتْ له حلوقهم ! وأرغم الجبابرة على الانقياد لله والرسول ، و دقَّ حصون الزنادقة على رؤسهم بالعرض والطول ! وجعل المهانة والصغار على كل من أبى قبول الحق بعد أن أُقيمت عليه من الله الحجة ، وسلك بالمسلمين في أيامه سبيل الاستقامة وطريق المحجة ، فكان كالبدر المشرق فى سمائه ، والفيض المغدق بسلسبيل رُوَائه ، والناصح الأمين للخاص والعام ، والمجدد لهذا الدين أمره في سابق الأزمان وغابر الأيام ...
حتى لقَّبه الشيخ الأديب علي طنطاوي بـ : ( بقية الخلفاء الراشدين)
وكيف لا ؟ وهو العابد الساهر إذا أسبل الليل رداء ظلامه على الأنام ، والراكع الساجد في غسق الدجى والحارسون له نيام ! والبطل الكرار إذا طارت قلوب الشجعان في ساحة الوَغَى ، والفارس المغوار الذي تُجمُّ دونه الأُسُود إذا علمت أنه حلَّ بساحتهم وأتى !
وما أرى أحدا في القوم يشبهه *** وما أُحاشي من الأقوام من أحد ؟
هذا الرجل الذي أقام العدل في زمانه حتى عبقت بذكره الأرجاء ، وانقادت له الممالك وخضعت حتى صار النصر له رفيقا وكأنه رياح الله تجري بأمره رخاء حيث يشاء !
ذاكم : هو السلطان العظيم ، و المجاهد الزاهد : أبو المظفر محي الدين محمد أُورانك زيب عالم كير، سلطان مملكة شبه القارة الهندية وما حواليها في القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشرالهجري .
ولادته ونشأته...
ولد السلطان أورنكْ زيْب في بلدة "دوحد" في كجرات بالهند في (15 من ذي القعدة 1028هـ = 24 من أكتوبر 1619م).. نشأ فى بيت عز وترف وشرف , فأبوه هو "السلطان شاه جيهان" أحد أعظم سلاطين دولة المغول المسلمين فى الهند , وهو بانى مقبرة "تاج محل" الشهيرة التى تعد الآن من عجائب الدنيا السبع الحديثة , تم بنائها فى 20 عاما وعمل على إنشائها أكثر من 21.000 شخص , ولا حول ولا قوة إلا بالله , هكذا صرف أبوه فى آخر أيامه كل جهده فى إنشاء مقبرة لزوجته المحبوبة وظل مفتون بها فضعفت أمر السلطنة وظهرت بوادر الفتن والثورات مما اضطر أورنجزيب أن يقوم بإنتزاع السلطنة من أبيه كما سيأتى بيانه إن شاء الله .
ظهر من "أورنك زيْب " منذ صغره علامات الجد والإقبال على الدين والبعد عن الترف والملذات , وكان فارسا شجاعا لا يشق له غبار , ويروى فى ذلك قصة , كان مع إخوته فى يوم بحضور أبيه "السلطان شاه جيهان" فى إحتفال وكان فى الإحتفال فقرة لحلبة أفيال , فشرد فيل من الحلبة وجرى نحو "أورنك زيْب " وهو آنذاك ابن 14 عاما , فضرب الفيل الفرس الذى يمتطيه أورنجزيب بخرطومه وطرح أورنك زيْب أرضا وأقبل نحو أورنك زيْب , فثبت أورنك زيْب فى مكانه واستل سيفه وسط ذهول الناس وإكبارهم بهذا الأمير الصغير وظل يدافع عن نفسه أمام الفيل الضخم حتى جاء الحرس وطردوا الفيل الضخم ، ونشأ وترعرع محبا لمذهب أهل السنة واستقى الدين على مذهب الأمام ابو حنيفة , فهو نشأ وتربى تربية إسلامية خالصة لا تشوبها شائبة .
فقد كان أبو جده "جلال الدين أكبر" فى أواخر أيامه حمل الناس على دين جديد يحمع بين الديانة الهندوسية والإسلام – ولا حول ولا قوة إلا بالله - ومنع الجزية عن الهندوس وغير المسلمين فأتى بذلك أمر لم يسبقه إليه أحد من سلاطين المسلمين من قبل , ولم يقم فى وجه هذا السلطان احد وظل الأمر كذلك ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره فظهر هذا الرجل الضعيف الجسم الشيخ الجليل أحمد السرهندى وأخذ يدعو الأمراء وقواد الجيش وذكرهم بالله وأحيا فى نفوسهم حمية الدين ولما مات السلطان أكبر جاء من بعده السلطان "جهانكير" , تولى الشيخ محمد معصوم السرهندى ابن الشيخ أحمد السرهندى تربية طفل صغير وبذل له رعايته كلها فنشأ نشأة دينية وفرأ القرآن فجوده , والفقه الحنفى وبرع فيه , والخط فأتقنه وربى على الفروسية والقتال ...
فكان هذا الطفل هو "أورنك زيْب " ونشأ رحمه الله محبا للشعر فكان شاعرا , ونشأ محبا للخط فكان خطاطا بارعا , وتعلم اللغة العربية والفارسية والتركية.
هكذا جمع رحمه الله كل صفات الملوك العظماء فى سن صغير...
أورانك زيب أميرا...
كان أورنك زيْب الأخ الثالث بين ثلاثة أبناء هم "شجاع" و "مراد بخش" , فتولى "شجاع" إمارة البنغال وتولى "مراد بخش" إمارة الكجرات وتولى "أورنك زيْب " إمارة الدكن فى وسط الهند فتعلم "أورنك زيْب " الإدارة وأتقنها وسبر أغوارها فكان من ملوك المسلمين القلائل الذين برعوا فى إدارة الدولة , ومع ذلك قاد الجيوش بنفسه فى عهد أبيه , فقمع الثورات وطهر البلاد وأظهر فى الأرض العدل وكانت له هيبة وسمت الملوك , وظل الأمر كذلك حتى كان ماكان من وفاة أمه "ممتاز محل" التى بوفاتها انشغل السلطان "شاه جيهان " ببناء مقبرة يخلد فيها ذكراها وصرف لذلك الأموال وحمل الناس على العمل الشاق فأهملت السلطنة , وظهرت بوادر الفتن والثورات , ولم يكن للسطان يومها من همّ إلا النظر الى ضريح إمراته وكان قد أمر ببناء ضريح أسود اللون له مماثل لضريح زوجته , ولكن وثب الأخ الأكبر لأورنجزيب على أبيه فاستولى على كل شيىء إلا الإسم فظل يحكم باسم أبيه .
ولكن كان هذا الأخ الأكبر مائلا للدنيا يريد إرجاع الهند على ماكانت عليه فى عهد أبو جده "جلال الدين أكبر" , فرفض بذلك أورنك زيْب المسلم الورع التقى وقام معه أخيه الآخر فاستطاع أورنك زيْب أن يأخذ الحكم لنفسه وقمع الثورات التى شنها إخوته عليه وحبس أباه فى حصن أجرا وكانت له شرفة تطل على ضريح زوجته فكان دائم النظر اليه وظل كذلك حتى مات , وبذلك أعلن أورنجزيب نفسه سلطانا على البلاد وكان وقتها عنده من العمر 40 سنة , وابتدأ عهد العدل والحق فقد آن الأوان أن يرى المسلمين أبو بكر وعمر وعثمان فى شخص أورنك زيْب عالمكير .
أورانك زيب سلطانا على البلاد...
قد يتخيل البعض بمجرد جلوس أورنك زيْب على كرسى السلطنة ركن الى العبادة والراحة وخصوصا أنه كان متدينا , لا والله , ماهكذا فهم أجدادنا التدين إنما التدين يكون بإعلاء كلمة الله والجهاد فى سبيل الله حتى تكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا هى السفلى , فحكم البلاد بالحزم والعدل لم يركن أورنك زيْب الى الدعة والراحة بل لبس لأمة الحرب من أول يوم وظل فى جهاد دام 52 سنة حتى خضعت له شبه القارة الهندية كلها من مرتفعات الهيمالايا الى المحيط ومن بنجلادش اليوم الى حدود إيران .
شهدت إمبراطورية المغول الإسلامية فى الهند فى عهد أورنك زيْب (1658 : 1707) أقصى إمتداد لها وذلك بفضل الجهود العسكرية التى بذلها السلطان أورنك زيْب حيث لم يبق إقليم من أقاليم الهند إلا خضع تحت سيطرة السلطان , فاستطاع أورنك زيْب تحويل شبه القارة الهندية الى ولاية مغولية إسلامية ربط شرقها بغربها وشمالها بجنوبها تحت قيادة واحدة , خاض المسلمون فى عهده أكثر من 30 معركة قاد هو بنفسه منها 11 معركة وأسند الباقى لقواده.
أبطل أورنك زيْب 80 نوعا من الضرائب , وفرض الجزية على غير المسلمين بعدما أبطلها أجداده , وأقام المساجد والحمامات والخاناقات والمدارس والبيمارستانات , وأصلح الطرق وبنى الحدائق , أصبحت "دهلى " فى عهده حاضرة الدنيا , وعين القضاة وجعل له فى كل ولاية نائب عنه وأعلن في الناس أنه "من كان له حق على السلطان فليرفعه إلى النائب الذي يرفعه إليه" .
وأظهر أورنك زيْب تمسكه بالإسلام والتزامه بشرائعه، فأبطل الاحتفال بالأعياد الوثنية مثل عيد النيروز، ومنع عادة تقبيل الأرض بين يديه والانحناء له، ومنع الخطب الطويلة التى تقال لتحية السلطان واكتفى بتحية الإسلام, كما منع دخول الخمر إلى بلاده، وصرف أهل الموسيقى والغناء عن بلاطه، وروى فى ذلك قصة : أنه كان يوما خارج قصره فرأى الموسيقيين والقينات يلبسون السواد ويبكون ويحملون نعشا , فسأل ماهذا ؟ , قالوا : هذا الغناء والمعازف نذهب لدفنها , فقال رحمه الله : إذن أحسنوا دفنها لئلا تقوم مرة أخرى !!
وحفظ السلطان القرآن الكريم كله بعد ما أصبح سلطانا !!! , وعين للقضاة كتابا يفتون به على المذهب الحنفى , فأمر بتأليف الكتاب تحت نظره وإشرافه واشتهر الكتاب باسم "الفتاوى الهندية" أو "الفتاوى العالمكيرية" يعرفه كل طلبة العلم .
أى رجل كان !!! , وبنى مسجد "بادشاهى" فى لاهور بباكستان الآن , المسجد الذى ظل الى الآن شاهدا على عصر عز المسلمين وتمكينهم , وقضى على فتنة البرتغاليين فى المحيط , وكان رحمه الله يصوم رمضان كاملا ولا يفطر إلا على أرغفة من الشعير من كسب يمينه من كتابة المصاحف لا من بيت مال المسلمين !!
لم يستطع أن يحج الى بيت الله الحرام فاستعاض بذلك أن كتب مصحفين بخط يده وأرسل واحدا الى مكة والآخر للمدينة !!
وكان صاحب عبادة عظيمة , ويخضع للمشايخ ويقربهم ويستمع الى مشورتهم ويعظم قدرهم وأمر قواده أن يستمعوا الى مشورتهم بتواضع شديد , حتى أنه سمع أن نائبه بالبنغال اتخذ مثل العرش يجلس عليه فنهره وعنفه وأمره أن يجلس بين الناس كجلوس عامتهم !!
وكان يصوم الإثنين والخميس والجمعة من كل أسبوع لا يتركهم أبدا ويأبى إلا أن يصلى الفرائض كلها فى وقتها جماعة مع المسلمين , وكان يصلى التراوييح إماما بالمسلمين , ويعتكف العشر الأواخر فى المسجد , فكان أعظم ملوك الدنيا فى عصره .
وخصص موظفين يكتبون كل ما يقع من أحوال رعاياه ويرفعونها إليه، وأبطل عادة تقديم الهدايا إليه كما كان يفعل من قبل مع أسلافه، وكان يجلس للناس ثلاث مرات يوميًا دون حاجب يسمع شكاواهم.
ووفّق الى أمرين لم يسبقه اليهما احد من ملوك المسلمين : -
الأول : أنّه لم يكن يعطى عالما عطية أو راتبا إلا طالبه بعمل , بتأليف أو بتدريس , لئلا يأخذ المال ويتكاسل , فيكون قد جمع بين السيئتين , أخذ المال بلا حق وكتمان العلم !!
الثانى : أنّه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية فى كتاب واحد , يُتخذ قانونا فوضعت له وبأمره وبإشرافه وتحت ناظره كتاب "الفتاوى الهندية – العالمكيرية" على المذهب الحنفى.
دخل ملايين من المنبوذين فى الهند فى الإسلام ووقف حائلا مانع للمد الشيعى الصفوى على البلاد , وألّف كتابا شرح فيه أربعين حديثا شريفا – على غرار الأربعين النووية – وكان يكتب بخطه المصاحف ويبيعها ويعيش بثمنها لما زهد فى أموال المسلمين وترك الأخذ منها !!
قال عنه المرادي في ترجمته من كتابه: « سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر »:
( سلطان الهند في عصرنا، وأمير المؤمنين وإمامهم ،وركن المسلمين ونظامهم ، المجاهد في سبيل الله ، العالم العلامة الصوفي العارف بالله ، الملك القائم بنصرة الدين، الذي أباد الكفار في أرضه ، وقهرهم وهدم كنائسهم ، وأضعف شركهم ، وأيد الاسلام وأعلى في الهند مناره ، وجعل كلمة الله هي العليا ، وقام بنصرة الدين وأخذ الجزية من كفار الهند ،ولم يأخذها منهم ملك قبله لقوتهم وكثرتهم ! وفتح الفتوحات العظيمة ، ولم يزل يغزوهم ، وكلما قصد بلداً سلكها ، إلى أن نقله الله إلى دار كرامته وهو في الجهاد ، وصرف أوقاته للقيام بمصالح الدين وخدمة رب العالمين من الصيام والقيام والرياضة التي لا يتيسر بعضها لآحاد الناس فضلاً عنه ! وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ،وكان موزعاً لأوقاته : فوقت للعبادة ،ووقت للتدريس ، ووقت لمصالح العسكر ، ووقت للشكاة ، ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كل يوم وليلة من مملكته ، لا يخلط شيئاً بشيء ! والحاصل إنه كان حسنة من حسنات الزمان ، ليس له نظير في نظام سلطنته ولا مُدانِ ، وقد ألُِّفتْ في سلطنته وحسن سيرته : الكتب الطويلة بالفارسية غيرها فمن أرادها فليطلع عليها ..... )
ثم قال : ( واشتغل بالمملكة من سنة ثمان وستين وألف ، وأراد الله بأهل الهند خيراً ؛فإنه رفع المظالم والمكوس وطلع من الأفق الهندي فجره ، وظهر من البرج التيموري بدره ،وفلك مجده دائر ، ونجم سعده سائر ، وأسر غالب ملوك الهند المشهورين ، وصارت بلادهم تحت طاعته ، وجُبِيَتْت إليه الأموال ، وأطاعته البلاد والعباد ، ولم يزل في الاجتهاد في الجهاد ، ولم يرجع إلى مقر ملكه وسلطنته بعد أن خرج منه ، وكلما فتح بلاد أشرع في فتح أخرى ، وعساكره لا يحصون كثرة، وعظمة وقوته لا يمكن التعبير عنها بعبارة تؤديها حقها ! والملك لله وحده ، وأقام في الهند : دولة العلم وبالغ في تعظيم أهله حتى قصده الناس من كل البلاد ، والحاصل : أنه ليس له نظير في عصره في ملوك الاسلام في حسن السيرة والخوف من الله سبحانه والجد في العبادة ....) .
وقال عنه المحبي في : « خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر »
(وأورنك زيب : ممن يوصف :بـ الملك العادل الزاهد ،وبلغ من الزهد مبلغا أناف فيه على ابن أدهم [ يعني : إبراهيم بن أدهم الزاهد المشهور ]!
فإنه مع سعة سلطانه : يأكل فى شهر رمضان رغيفا من خبز الشعير من كسب يمينه !ويصلى بالناس التراويح ، وله نعم بارَّة ، وخيرات دارَّة جدا ، وأمر من حين ولى السلطنة : بـ : رفع المكوس والمظالم عن المسلمين ، ونصب الجزية بعد أن لم تكن على الكفار، وتم له ذلك مع أنه لم يتم لأحد من أسلافه : أخْذُ الجزية منهم؛ لكثرتهم وتغلبهم على إقليم الهند ، وأقام فيها : دولة العلم ، وبالغ فى تعظيم أهله وعظمت شوكته ،وفتح الفتوحات العظيمة ، وهو مع كثرة أعدائه وقوتهم غير مبال بهم ، مشتغل بالعبادات ، وليس له فى عصره من الملوك نظير فى حسن السيرة والخوف من الله تعالى والقيام بنصرة الدين رحمه الله تعالى .....)
وقال عنه العلامة الأديب الشيخ علي طنطاوي في كتابه : « رجال من التاريخ » :
( ووفِّق إلى أمرين لم يسبقه إليهما أحد من ملوك المسلمين : -
الأول : أنّه لم يكن يعطى عالما عطية أو راتبا إلا طالبه بعمل , بتأليف أو بتدريس , لئلا يأخذ المال ويتكاسل , فيكون قد جمع بين السيئتين , أخذ المال بلا حق وكتمان العلم !!
الثانى : أنّه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية فى كتاب واحد , يُتخذ قانونا فوضعت له وبأمره وبإشرافه وتحت ناظره كتاب "الفتاوى الهندية – العالمكيرية" على المذهب الحنفى .....)
قلتُ : وبلغ من زهده وورعه : أنه كان يكتب بخطه المصاحف ويبيعها ويعيش بثمنها لما زهد فى أموال المسلمين وترك الأخذ منها !!
وقد حرص شديدا : على بناء المساجد ، ودور العبادة ، وكذا بناء الأسوار والحصون العريقة المنيعة في مملكته .
وفاة السلطان أورنك زيب عالمكير رحمه الله...
توفي السلطان في (28 من ذي القعدة 1118 هـ= 20 من فبراير 1707م) بعد أن حكم 52 سنة، وكان قد بلغ من تقواه أنه حين حضرته الوفاة أوصى بأن يُدفن في أقرب مقابر للمسلمين وألا يعدو ثمن كفنه خمس روبيات !!
بذلك يكون عمر السلطان حين وفاته 90 سنة !! , ولم يمنعه سنه بقيادة الجيوش أو قراءة القرآن , هكذا كانوا أجدادنا , لم يركنوا الى الدعة والراحة بل كانت حياتهم كلها لله , وبوفاة السلطان ابو المظفر محى الدين محمد أورنك زيْب عالمكير , انتهت عظمة دولة المسلمين فى الهند فجاء من بعده حكاما ضعافا وظل الأمر كذلك حتى انتهت تماما بسقوط آخر سلطان "بهادر شاه الثانى " عام 1857 بواسطة الإنجليز , ولم تقم للإسلام قائمة منذ ذلك الزمن فى تلك البلاد الشاسعة .
وبموت هذا الأسد الكاشر : غربت شمس المجد عن شبه المملكة الهندية حتى الآن ! وخرج الأنذال من جحورهم يزأرون ويَعْوون ! ويعيثون في الأرض الفساد كما كانو يعيثون ! وخطب الزنادقة على المنابر ! ومرق المارقون ، ونهض إلى البدع أولئك الناهضون ! وهتكتْ الأعراض ، وسفكت الدماء ! واسْتُحِلَّتْ المحارم ! وضرب الإلحاد بأطنابه في ربوع البلاد ! وجُعِلتْ الذلة والصغار على مسلمي العباد ! وجرتْ دمائهم في تلك الديار ، واغتصبتْ نسائهم وبناتهم جهارا ! فيا للعار !
ويا سوء صباح : تشرق فيه شمسه على ذبح الأطفال والضعفاء من الموحدين !
ويا بؤس ليل : يُسْفِر فيه قمره على صرخات المغتصبات من فتيات ونساء المؤمنين !
وهنا : أكاد لا أستطيع الكتابة ! فقد جفَّ مداد قلمي ! كما جفّتْ مدامع عيني !
فقد ارتسمتْ أمامي الآن : تلك المذابح التي قام بها الهندوس في آلآف المستضعفين المسلمين !
مذابح المسلمين في الهند :
والتي منها :
مذبحـــة أحمد أباد عام 1970 م التي ذهب ضحيتها 15 ألف مسلم باعتراف انديرا غاندي نفسها ! وارتكب فيها الهنادكة[ وهم : عباد البقر] أفظع الجرائم في تاريخ البشرية ! منها إحراقهــــم 300 امرأة مسلمة بالنار وهن أحيــــاء ! فيا ويلي وويل أبي وأمي من تلك العظائم !
ومنها : مذبحة آســــام الشهيرة التي ذهب ضحيتهــــا أكثر من 50 ألف مسلم علي أيدي الهنادكة من أعضاء الحكومة المركزية .
ومنها : مجزرة ميروت ومليانة عام 1987 والتي سالت فيها الدماء بحورا !
مذابح المسلمين ومآسيهم في كشمير...
أما إقليم كشمير ؟ فما أدرك ما إقليم كشمير ! هو ذلك العِرْقِ النازف في جسد الأمة !
حيث قتل فيه : أكثر من 44000 مسلم وجرح أكثر من 67000 ,واعتقل أكثر من 000و40 مسلم, وبلغ عدد المنازل والمتاجر والمساجد والمدارس المهدمة 129000 منزل ومسجد
كل هذا : بالإضافة إلى آلاف النساء المغتصبـات ، ومنهن صغيرات قاصرات !
فبالله ماذا أقول ؟ وأيِّ كلام أستطيع أن أًعبِّر به عما يختلج في صدري من تلك النيران المتأججة من الحسرة على الإسلام والمسلمين ؟!
واليوم أقول : اللهم قد ضاق الصدر ! وعظم الخطب والأمر ، وما عاد القلب يصلح لاستقبال المزيد من نكبات الموحدين ، وأنّأتِ الباكين والمستضعفين من المسلمين !
حيث لا : ( أبو بكر الصديق ) و لا : ( عمر بن الخطاب ! ) ولا : ( صلاح الدين ) ولا : ( أورانك زيب ) ! ولا غيرهم من الذين يود المرء أن يطيل الله في عمره حتى يبصر أمجاد هذا الدين كما كان في عصور هؤلاء الأئمة الأبطال !
المصدر بتصرف / مقال للاستاذ / أبو المظفر سعيد بن محمد السناري القاهري/ ملتقي اهل الحديث
مقال للاستاذ / محمود حافظ / فرسان السنة