سكان المدينة المنورة بعد الطوفان وما ذكر في سبب نزول اليهود بها وبيان منازلهم

mohamadamin

حكيم المنتدى
سكان المدينة المنورة بعد الطوفان وما ذكر في سبب نزول اليهود بها وبيان منازلهم



نزول عبيل بيثرب
أسند الكلبي عن ابن عباس أن مخرج الناس من السفينة نزلوا طرف بابل، وكانوا ثمانين نفسا، فسمى الموضع سوق الثمانين، قال: وطول بابل مسيرة عشرة أيام واثني عشر فرسخا، فمكثوا بها حتى كثروا، وصار ملكهم نمروذ بن كنعان بن حام، فلما كفروا بلبلوا، فتفرقت ألسنتهم على اثنين وسبعين لسانا، ففهّم الله العربية منهم عمليق وطسم ابني لوذا بن سام، وعادا وعبيل ابني عوص بن أرم بن سام، وثمود وجديس ابني جاثق بن أرم بن سام، وقنطور بن عابر بن شالخ بن أرفحشذ بن سام، فنزلت عبيل يثرب، ويثرب اسم ابن عبيل، ثم أخرجوا منها فنزلوا الجحفة، فجاءهم سيل أجحفهم فيه، فلهذا سميت جحفة، فرثاهم رجل منهم فقال:
عين جودي على عبيل وهل ير ... جع من فات بيضها بالسحام؟
عمروا يثربا وليس بها شف ... ر ولا صارخ ولا ذو سنام
غرسوا لينها بمجرى معين ... ثم حفوا النخيل بالآجام
أول من سكن يثرب
وقال أبو القاسم الزجاجي: أول من سكن المدينة عند التفرق يثرب بن قاينة ابن مهلائيل بن أرم بن عبيل بن عوص بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام، وبه سميت يثرب، وروي عن ابن عباس ما يدل له.

سكنى العماليق المدينة
وقال ياقوت: كان أول من زرع بالمدينة، واتخذ بها النخل، وعمر بها الدور والآطام، واتخذ بها الضياع، العماليق، وهم بنو عملاق بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وكانت العماليق ممن انبسط في البلاد، فأخذوا ما بين البحرين وعمان والحجاز كله إلى الشام ومصر، وجبابرة الشام وفراعنة مصر منهم، وكان منهم بالبحرين وعمان أمة يسمون جاسم، وكان ساكن المدينة منهم بنو هف وبنو مطرويل، وكان ملكهم بالحجاز الأرقم بن أبي الأرقم.
وأسند ابن زبالة عن زيد بن أسلم أن ضبعا رؤيت وأولادها رابضة في حجاج عين رجل من العماليق- والحجاج، بكسر أوله وفتحه: العظم الذي ينبت عليه الحاجب- قال زيد بن أسلم: وكان تمضي أربعمائة سنة وما يسمع بجنازة.

قوم من اليهود ينزلون المدينة
وأسند رزين عن أبي المنذر الشرقي قال: سمعت حديث تأسيس المدينة من سليمان بن عبيد الله بن حنظلة الغسيل، قال: وسمعت أيضا بعض ذلك من رجل من قريش عن أبي عبيدة بن عبد الله بن عمار بن ياسر، قال: فجمعت حديثهما لكثرة اتفاقه وقلة اختلافه، قالا: بلغنا أنه لما حج موسى صلوات الله عليه حج معه أناس من بني إسرائيل، فلما كان في انصرافهم أتوا على المدينة، فرأوا موضعها صفة بلد نبي يجدون وصفه في التوراة بأنه خاتم النبيّين، فاشتورت طائفة منهم على أن يتخلفوا به، فنزلوا في موضع بني قينقاع، ثم تألفت إليهم أناس من العرب فرجعوا على دينهم، فكانوا أول من سكن موضع المدينة.
وذكر بعض أهل التواريخ أن قوما من العمالقة سكنوه قبلهم، قلت: وهو الأرجح.

داود النبي يغزو سكان المدينة
وأسند ابن زبالة مصدّرا به كتابة في بدء من سكنها عن مشيخة من أهل المدينة قالوا:
كان ساكن المدينة في سالف الزمان صعل وفالج، فغزاهم داود النبي عليه الصلاة والسلام، وأخذ منهم مائة ألف عذراء، قالوا: وسلط الله عليهم الدود في أعناقهم فهلكوا، فقبورهم هذه التي في السهل والجبل، وهي التي بناحية الجرف، وبقيت امرأة منهم تعرف بزهرة، وكانت تسكن بها، فاكترت من رجل وأرادت الخروج إلى بعض تلك البلاد، فلما دنت لتركب غشيها الدود، فقيل لها: إنا لنرى دودا يغشاك، فقالت: بهذا هلك قومي، ثم قالت: ربّ جسد مصون، ومال مدفون، بين زهرة ورانون، قالوا: وقتلها قلت: وداود بعد موسى عليهما السلام، وكان يدعو إلى شريعته.
وقد عبّر ابن النجار عما سبق بقوله: فال أهل السير: أول من نزل المدينة بعد غرق قوم نوح قوم يقال لهم صعل وفالج، وذكر قصة داود ملخصة، ثم قال: قالوا: وكان قوم من الأمم يقال لهم: بنو هف وبنو مطر وبنو الأزرق فيما بين مخيض إلى غراب الضائلة إلى القصاصين إلى طرف أحد؛ فتلك آثارهم هنالك.
وروى ابن زبالة عند ذكر جماء أم خالد بوادي العقيق عن عثمان بن عبد الرحمن قال: وجد قبر في الجماء عليه حجر مكتوب فيه فهبط بالحجر فقرأه رجل من أهل اليمن، فإذا فيه: أنا عبد الله رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سليمان بن داود إلى أهل يثرب، وأنا يومئذ على الشمال.
وروى أيضا عن عمر بن سليم الزرقي قال: رقينا الجماء فوجدنا قبرا إرميا على رأسها عنده حجران مكتوبان لا تقرأ كتابتهما، فحملناهما، فثقل علينا أحدهما فرميناه في الجماء، وأخذت الآخر، فكان عندي، فعرضته على أهل التوراة من يهود فلم يعرفوه، ثم عرضته على أهل الإنجيل من النصارى فلم يعرفوه، فأقام عندي حتى دخل المدينة رجلان من أهل ماه، فسألتهما: هل كان لكم كتاب؟ قالا: نعم، فأخرجت إليهما الحجر، فقرآه فإذا فيه: أنا عبد الله الأسود رسول رسول الله عيسى بن مريم إلى أهل قرى عرينة، وقالا: نحن كنا أهل هذه القرية في أس «1» الدهر، وسيأتي بقية ما جاء في ذلك في رابع فصول الباب السابع.

مهلك العماليق بالحجاز
وأسند ابن زبالة أيضا عن عروة بن الزبير قال: كانت العماليق قد انتشروا في البلاد، فسكنوا مكة والمدينة والحجاز كله، وعتوا عتوّا كبيرا، فلما أظهر الله موسى عليه السلام على فرعون وطئ الشام وأهلك من بها، يعني من الكنعانيين وقيل: بعث إليهم بعثا، فأهلك من كان بها منهم، ثم بعث بعثا آخر إلى الحجاز للعماليق، وأمرهم ألايستبقوا أحدا منهم بلغ الحلم، فقدموا عليهم، فأظهرهم الله فقتلوهم، حتى انتهوا إلى ملكهم الأرقم بن أبي الأرقم فقتلوه، وأصابوا إبنا له- وكان شابا من أحسن الناس- فضنوا به عن القتل، وقالوا: نستحييه حتى نقدم به على نبي الله موسى عليه السلام فيرى فيه رأيه، فأقبلوا وهو معهم، فقبض الله موسى قبل قدوم الجيش، فلما سمع بهم الناس تلقوهم فسألوهم فأخبروهم بالفتح، وقالوا: لم نستبق منهم إلا هذا الفتى، فإنا لم نر شابا أحسن منه، فتركناه حتى نقدم به على نبي الله موسى عليه السلام فيرى فيه رأيه، فقالت لهم بنو إسرائيل: إن هذه لمعصية منكم لما خالفتم أمر نبيكم، لا والله لا تدخلون علينا بلادنا أبدا، فقال الجيش: ما بلد إذ منعتم بلادكم بخير من البلد الذي خرجتم منه، وكان الحجاز إذ ذاك أشجر بلاد الله وأظهره ماء، قال: وكان هذا أول سكنى اليهود الحجاز بعد العماليق.

سبب نزول اليهود المدينة
وفي الروض الأنف عن أبي الفرج الأصبهاني أن السبب في كون اليهود بالمدينة- وهي وسط أرض العرب- أن بني إسرائيل كانت تغير عليهم العماليق من أرض الحجاز، وكانت منازلهم يثرب والجحفة إلى مكة، فشكت بنو إسرائيل ذلك إلى موسى، فوجه إليهم جيشا، وذكر نحو ما تقدم، ثم قال: وأصح من هذا ما ذكره الطبري أن نزول بني إسرائيل بالحجاز كان حين وطئ بختنصر بلادهم بالشام وخرب بيت المقدس، انتهى.
وحكى ابن النجار عن بعض العلماء أن سببه أن علماءهم كانوا يجدون صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في التوراة، وأنه يهاجر إلى بلد فيه نخل بين حرتين، فأقبلوا من الشام يطلبون الصفة، فلما رأوا تيماء وفيها النخل نزلها طائفة منهم، وظن طائفة أنها خيبر فنزلوها، ومضى أشرفهم وأكثرهم فلما رأوا يثرب سبخة وحرة وفيها النخل قالوا: هذه البلد التي تكون مهاجر النبي العربي عليه الصلاة والسلام، فنزل النضير بطحان، ثم حكى ما سيأتي من نزول قريظة والنضير بمذينيب ومهزور.
وحكى ياقوت عن بعض علماء الحجاز من يهود أن سبب نزولهم الحجاز أن ملك الروم حين ظهر على بني إسرائيل وملك الشام خطب إلى بني هرون، وفي دينهم أن لا يزوجوا النصارى، فخافوه وأنعموا له، وسألوه أن يشرفهم بإتيانه إليهم، فأتاهم، ففتكوا به وبمن معه، ثم هربوا حتى لحقوا بالحجاز فأقاموا بها، وزعم بنو قريظة أن الروم لما غلبوا على الشام خرج قريظة والنضير وهدل هاربين من الشام يريدون من كان بالحجاز من بني إسرائيل، فوجه ملك الروم في طلبهم؛ فأعجزوا رسله، وانتهى الرسل إلى ثمد بين الحجاز والشام فماتوا عنده عطشا، فسمي الموضع «ثمد الروم» وهو معروف بذلك، والله أعلم أي ذلك كان.
وروى بعض أهل السير عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بلغني أن بني إسرائيل لما أصابهم ما أصابهم من ظهور بحنتصر عليهم وفرقتهم وذلتهم تفرقوا، وكانوا يجدون محمدا صلّى الله عليه وسلّم منعوتا في كتابهم، وأنه يظهر في بعض هذه القرى العربية في قرية ذات نخل، ولما خرجوا من أرض الشام كانوا يعبرون كل قرية من تلك القرى العربية بين الشام واليمن يجدون نعتها نعت يثرب، فينزل بها طائفة منهم، ويرجون أن يلقوا محمدا فيتبعونه، حتى نزل من بني هرون ممن حمل التوراة بيثرب منهم طائفة، فمات أولئك الآباء وهم يؤمنون بمحمد صلّى الله عليه وسلّم أنه جاء، ويحثون أبناءهم على اتباعه إذا جاء، فأدركه من أبنائهم فكفروا به وهم يعرفونه: أي حسدا للأنصار حيث سبقوهم إليه.
وقال ابن زبالة عقب ما قدمناه عنه من عود الجيش من بني إسرائيل إلى الحجاز وسكناهم المدينة: فركحوا منها حيث شاؤوا- أي: تفسحوا وتبوؤوا- فكان جميعهم بزهرة، وكانت لهم الأموال بالسافلة، وزهرة ثبرة- أي أرض سهلة بين الحرة والسافلة مما يلي القف- ونزل جمهورهم بمكان يقال له يثرب بمجتمع السيول مما يلي زغابة، قالوا:
وكانت يثرب سقيفة طويلة فيها بغايا يضرب إليهن من البلدان، وكانوا يروحون في قرية يثرب ثمانين جملا جونا «1» سوى سائر الألوان.
ثم أسند عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: وخرجت قريظة وإخوانهم بنو هدل وعمرو أبناء الخزرج بن الصريح بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاوى بن جبر بن النحام بن عازر بن عيرز بن هرون بن عمران عليه السلام والنضير بن النحام بن الخزرج بن الصريح بعد هؤلاء، فتبعوا آثارهم، فنزلوا بالعالية على واديين يقال لهما مذينيب ومهزور، فنزلت بنو النضير على مذينيب واتخذوا عليه الأموال فكانوا أول من احتفر بها- أي بالعالية- الآبار وغرس الأموال، قال: ونزل عليهم بعض قبائل العرب فكانوا معهم، فاتخذوا الأموال، وابتنوا الآطام والمنازل.
وأسند هو وابن شبة أيضا عن جابر مرفوعا: أقبل موسى وهارون حاجّين فمرا بالمدينة، فخافا من يهود، فخرجا مستخفيين، فنزلا أحدا، فغشى هارون الموت، فقام موسى فحفر له ولحد، ثم قال: يا أخي إنك تموت، فقام هارون فدخل في لحده، فقبض عليه موسى التراب.
قلت: وإسناد ابن شبة لا بأس به، غير أن فيه رجلا لم يسمّ، وسماه ابن زبالة، وذلك المسمى لا بأس به أيضا، لكن ابن زبالة لا يعتمد عليه في ذلك، وهو دال على أن اليهود نزلوا المدينة في زمن موسى عليه السلام، وطالت مدتهم بها في حياته، حتى وقع منهم ما يقتضي خوفه منهم عند مروره، وهو إنما يتأتى على ما قدمناه من أنه لما حج ومعه ناس من بني إسرائيل فرأوا موضع المدينة صفة بلد خاتم النبيين، فاشتورت طائفة منهم على أن يتخلفوا به، ويكون ما اتفق لموسى وهارون عليهما السلام في حجة أخرى بعد ذلك، وسيأتي في مسجد عرق الظبية بالروحاء حديث «ولقد مر به موسى بن عمران حاجّا ومعتمرا في سبعين ألفا من بني إسرائيل» ومن الغريب ما نقل الحافظ ابن حجر عن كتاب الأنواء لعبد الملك بن يوسف قال: إن قريظة كانوا يزعمون أنهم من ذرية شعيب نبي الله عليه السلام، وإن ذلك محتمل؛ فإن شعيبا كان من بني جذام القبيلة المشهورة- قال الحافظ ابن حجر: وهو بعيد جدّا- ونقل ابن زبالة ما حاصله: أن ممن كان من العرب مع يهود قبل الأنصار بنو أنيف حي من بلي، ويقال: إنهم بقية من العماليق، وبنو مريد حي من بلى، وبنو معاوية بن الحارث بن بهثة بن سليم، وبنو الجذماء حي من اليمن، وكانت الآطام عزّ أهل المدينة ومنعتهم التي كانوا يتحصنون فيها من عدوهم، وروى حديث النهي عن هدم آطام المدينة، قال: وكان لبني أنيف بقباء: الأجش عند البئر التي يقال لها لاوة، وأطمان فيما بين المال الذي يقال لها الماثة والمال الذي يقال له القائم، وآطام عند بئر عذق وغيرها، قال شاعرهم فيها:
ولو نطقت يوما قباء لخبرت ... بأنّا نزلنا قبل عاد وتبّع
وآطامنا عاديّة مشمخرّة ... تلوح فتنكى من نعادي وتمنع

بقايا اليهود بالمدينة
وكان ممن بقي من اليهود- حين نزلت عليهم الأوس والخزرج- جماعات منها بنو القصيص وبنو ناغصة كانوا مع بني أنيف بقباء، وكان بقباء رجل من اليهود يقال «إنه من بني النضير» كان له أطم يقال له «عاصم» كان في دار ثوبة بن حسين بن السائب بن أبي لبابة، وفيه البئر الذي يقال لها قباء، وقيل: إن بني ناغصة حي من اليمن كانت منازلهم في شعب بني حرام حتى نقلهم عمر بن الخطاب إلى مسجد الفتح، ومنها بنو قريظة في دارهم المعروفة بهم اليوم، وكان لهم بها آطام: من ذلك أطم الزبير بن باطا القرظي، كان موضعه في موضع مسجد بني قريظة، وأطم كعب بن أسد يقال له بلحان بالمال الذي يقال له الشجر، وله يقول الشاعر:
من سره رطب وماء بارد ... فليأت أهل المجد من بلحان
وكان مع قريظة في دارهم إخوتهم بنو هدل وبنو عمرو المقدم ذكرهم، وإنما سمي هدلا بهدل كان في شفته، ومن ولده ثعلبة وأسد ابنا سعيّة وأسد بن عبيد ورفاعة بن سموأل وسخيت ومنبه ابنا هدل، ومنها بنو النضير في النواعم، ومنهم كعب بن الأشرف، وكان لهم عامة أطم في المال الذي يقال له فاضجة، وأطم في زقاق الحارث دبر قصر ابن هشام دون بني أمية بن زيد كان لعمر بن جحاش، وأطم البويلة، وغير ذلك، هذا ما ذكره ابن زبالة.
ونقل ابن عساكر عن الواقدي أنه قال: كانت منازل بني النضير بناحية الغرس.
قلت: والظاهر أنهم كانوا بالنواعم، وتمتد منازلهم وأموالهم إلى ناحية الغرس وإلى ناحية الصافية وما معها من صدقات النبي صلّى الله عليه وسلّم وبعض منازلهم كانت بجفاف؛ لأن فاضجة به، ورأيت بالحرة في شرقي النواعم آثار حصون وقرية بقرب مذينيب يظهر أنها من جملة منازلهم، وأن ما في قبلة ذلك في شرقي العهن من منازل بني أمية بن زيد كما سيأتي، ومنها بنو مريد في بني خطمة وناعمة إبراهيم بن هشام، وكان لهم أطم يعرف بهم فيه بئر، ومنها بنو معاوية في بني أمية بن زيد، ومنها بنو ماسكة بقرب صدقة مروان بن الحكم مما يلي صدقة النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان لهم الأطمان اللذان في القف في القرية، ومنها بنو محمم في المكان الذي يقال له بنو محمم، وكان لهم المال الذي يقال له خناقة، معروف اليوم، وكان رجل منهم قطع يد رجل في الجاهلية فقال المقطوع: أعطني خناقة عقلا بيدي، فأبى، وحفر للذي قطعه كوة في خناقة، ثم أخرج يده منها من وراء الحائط وقال: اقطع، فقطع يده، فقال حين قطع يده:
الآن قد طابت ذرى خنافة ... طابت فلا جوع ولا مخافة
ومنها بنو زعورا عند مشربة أم إبراهيم بن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولهم الأطم الذي عندها، وكان الأطم الذي في مال جحاف لبعض من كان هناك من اليهود، ومنها بنو زيد اللات، قال ابن زبالة: وهم رهط عبد الله بن سلام، كانوا قريبا من بني غصينة، ومنها بنو قينقاع عند منتهى جسر بطحان مما يلي العالية، وكان هناك سوق من أسواق المدينة، وكان لهم الأطمان اللذان عند منقطع الجسر على يمينك وأنت ذاهب من المدينة إلى العالية إذا سلكت الجسر، وغير ذلك، وفي صحيح البخاري عن ابن عمر أن بني قينقاع هم رهط عبد الله بن سلام، خلاف ما تقدم عن ابن زبالة، قال الحافظ ابن حجر: وهم من ذرية يوسف الصديق عليه السلام، ومنها بنو حجر عند المشربة التي عند الجسر، ولهم أطم يعرف بهم، ومنها بنو ثعلبة وأهل زهرة بزهرة، وهم رهط الفطيون، وهو ملكهم الذي كان يفتض نساء أهل المدينة قبل أن يدخلن على أزواجهن، وكان لهم الأطمان اللذان على طريق العريض حين يهبط من الحرة، وكانت بزهرة جماع من اليهود وكانت من أعظم قرى المدينة، وقد بادوا، ومنها ناس كانوا بالجوانية- بفتح الجيم وتشديد الواو والياء المثناة من تحت: موضع بقرب أحد في شمالي المدينة كما سيأتي- ولهم أطمان صارا لبني حارثة بن الحارث وهما صرار والريان، ولذلك يقول نهيك بن سياف:
لعل صرارا أن تعيش بياره ... ويسمع بالريان تبنى مشاربه
وكانت بنو الحذماء المتقدم ذكرهم- وهم حي من اليمين- ما بين مقبرة بني عبد الأشهل وبين قصر ابن عراك، ثم انتقلوا إلى راتج، ومنها بنو عكوة في يماني بني حارثة، ومنها بنو مرابة في شامي بني حارثة، ولهم الأطم الذي يقال له الشبعان في ثمغ صدقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومنها ناس براتج، وهو أطم سميت به الناحية، وهو الذي يقول له قيس بن الخطيم:
ألا إن بين الشرعبيّ وراتج ... ضرابا كتخديم السبال المعضد
ومنها ناس بالشوط والعنابس والوالج وزبالة إلى عين فاطمة حيث كان يطبخ الآجر لمسجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وكان لأهل الشوط الأطم الذي يقال له الشرعبي، وهو الأطم الذي دون ذباب، وقد صار لبني جشم بن الحارث بن الخزرج أي الأصغر يعني إخوة بني عبد الأشهل، وكان لأهل الوالج أطم بطرفه مما يلي قناة، وكان لبعض من هناك من اليهود الأطمان اللذان يقال لهما الشيخان بمفضاهما المسجد الذي صلّى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين سار إلى أحد، وكان لأهل زبالة الأطمان عند كومة أبي الحمراء الرابض والذي دونهما، ومنها أهل يثرب، وكانوا جماعا من اليهود بها وقد بادوا فلم يبق منهم أحد.
قلت: ونقل رزين عن الشرقي أن يهود كانوا نيفا وعشرين قبيلة، وقال ابن النجار:
إن آطامهم كانت تسعة خمسين أطما، وللعرب النازلين عليهم قبل الأنصار ثلاثة عشر أطما، وقد ذكر ابن زبالة أسماء كثير منها حذفناه لعدم معرفته في زماننا.
فهذا علم من سكن المدينة بعد الطوفان إلى قدوم الأوس والخزرج.


المصدر
وفاء الوفاء بأخبار داي المصطفى
 
عودة
أعلى