تتمة سلسلة المبشرين بالجنة - سيدنا عمر

قصي حمدان

New Member
ثاني المبشرين بالجنة : سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( الفاروق )
نسبه و مولده
عمر بن الخطاب : بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أمير المؤمنين ، أبو حفص ، القريشي ، العدوي ، الفاروق . أسلم في السنة السادسة من النبوة ، و له سبع و عشرون سنة ، قاله الذهبي .
و قال النووي : ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة ، و كان من أشراف قريش ، و إليه كانت السفارة في الجاهلية ، فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم ، أو بينهم و بين غيرهم ، بعثوه سفيراً : أي رسولاً ، و إذا نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر بعثوه منافراً أو مفاخراً .
و أسلم قديماً بعد أربعين رجلاً و إحدى عشرة امرأة ، و قليل : بعد تسعة و ثلاثين رجلاً و ثلاث و عشرين امرأة . و قيل : بعد خمسة و أربعين رجلاً و إحدى عشرة امرأة ، فما هو إلا أن أسلم فظهر الإسلام بمكة و فرح به المسلمون .
قال : و هو أحد السابقين الأولين ، و أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، و أحد الخلفاء الراشدين ، و أحد أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أحد كبار علماء الصحابة و زهادهم .
روي له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسمائة حديث و تسعة و ثلاثون حديثاً .
روى عنه عثمان بن عفان ، و علي ، و طلحة ، و سعد ، و عبد الرحمن بن عوف ، و ابن مسعود ، و أبو ذر ، و عمر بن عبسة ، و ابنه عبد الله ، و ابن العباس ، و ابن الزبير ، و أنس ، و أبو هريرة ، و عمرو بن العاص ، و أبو موسى الأشعري ، و البراء بن عازب ، و أبو سعيد الخدري ، و خلائق آخرون من الصحابة و غيرهم ، رضي الله عنهم .
و في تاريخ ابن عساكر من طرق أن أم عمر بن الخطاب حنتمة بنت هشام بن المغيرة أخت أبي جهل بن هشام ، فكان أبو جهل خاله .
صفته
أخرج ابن سعد و الحاكم عن زر قال : خرجت مع أهل المدينة في يوم عيد ، فرأيت عمر يمشي حافياً شيخاً أصلع آدم أعسر طوالاً مشرفاً على الناس كأنه على دابة ، قال الواقدي : لا يعرف عندنا أن عمر كان آدم ، إلا أن يكون رآه عام الرمادة فإنه كان تغير لونه حين أكل الزيت .
و أخرج ابن سعد عن ابن عمر أنه وصف عمر فقال : رجل أبيض تعلوه حمرة طوال أصلع أشيب .
و أخرج عن عبيد بن عمير قال : كان عمر يفوق الناس طولاً .
و أخرج عن سلمة بن الأكوع قال : كان عمر رجلاً أعسر ، يعني يعتمد بيديه جميعاً .
و أخرج ابن عساكر عن أبي رجاء العطاردي قال : كان عمر رجلاً طويلاً جسيماً أصلع شديد الصلع أبيض شديد الحمرة في عارضيه خفة سبلته كبيرة و في أطرافها صهبة .

الأخبار الواردة في إسلامه
أخرج الترمذي " عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك : بعمر بن الخطاب ، و أو بأبي جهل بن هشام " و أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود و أنس رضي الله عنهم .
و أخرج ابن سعد و أبو يعلى و الحاكم و البيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال : خرج عمر متقلداً سيفه ، فلقيه رجل من بني زهرة ، فقال : أين تعمد يا عمر ؟ فقال : أريد أن أقتل محمداً ، قال : و كيف تأمن من بني هاشم و بني زهرة و قد قتلت محمداً ؟ فقال : ما أراك إلا قد صبأت ، قال : أفلا أدلك على العجب ، إن ختنك و أختك قد صبآ و تركا دينك ، فمشى عمر ، فأتاهما و عندهما خباب ، فلما سمع بحس عمر توارى في البيت ، فدخل ، فقال : ما هذه الهيمنة ؟ و كانوا يقرؤون طه ، قالا : ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا ، قال : فلعلكما قد صبأتما ، فقال له خنته : يا عمر ، إن كان الحق في غير دينك ، فوثب عليه عمر ، فوطئه وطأ شديداً ، فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها ، فنفحها نفحة بيده ، فدمى وجهها ، فقالت ـ و هي غضبى ـ : و إن كان الحق في غير دينك ، إني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله ، فقال عمر : أعطوني الكتاب الذي هو عندكم ، فأقرأه ـ و كان عمر يقرأ الكتاب ـ فقالت أخته : إنك نجس ، و إنه لا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ، ثم أخذ الكتاب ، فقرأ طه حتى انتهى إلى : " إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري " ، فقال عمر : دلوني على محمد ، فلما سمع خباب قول عمر خرج : فقال : أبشر يا عمر ، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم لك ليلة الخميس " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ، أو بعمرو بن هشام " و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصل الدار التي في أصل الصفا ، فانطلق عمر حتى أتى الدار و على بابها حمزة و طلحة و ناس ، فقال حمزة : هذا عمر ، إن يريد الله به خيراً يسلم ، و إن يريد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً ، قال : و النبي صلى الله عليه و سلم دخل يوحى إليه ، فخرج حتى أتى عمر ، فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل السيف : فقال : ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي و النكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ، فقال عمر : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك عبد الله و رسوله .
و أخرج ابن سعد عن ذكوان قال : قلت لعائشة : من سمي عمر الفاروق ؟ قالت : النبي صلى الله عليه و سلم .
و أخرج البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر . و أخرج ابن سعد و الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان إسلام عمر فتحاً ، و كانت هجرته نصراً ، و كانت إمامته رحمة ، و لقد رأيتنا و ما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا .
هجرته
أخرج ابن عساكر عن علي قال : ما علمت أحداً هاجر إلا مختفياً إلا عمر بن الخطاب ، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه ، و تنكب قوسه ، و انتضى في يده أسهماً ، و أتى الكعبة و أشراف قريش بفنائها ، فطاف سبعاً ، ثم صلى ركعتين عند المقام ، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة فقال : شاهت الوجوه ، من أراد أن تثكله أمه ، و ييتم و لده ، و ترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي ، فما تبعه منهم أحد .
و أخرج عن البراء رضي الله عنه قال : أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير ، ثم ابن مكتوم ، ثم عمر بن الخطاب في عشرين راكباً ، فقلنا : ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : هو على أثري ، ثم قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أبو بكر رضي الله عنه معه .
قال النووي : شهد عمر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم المشاهد كلها ، و كان ممن ثبت معه يوم أحد .
الأحاديث الواردة في فضله
و أخرج الشيخان " عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا ابن الخطاب ، و الذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك " .
أخرج الترمذي و الحاكم و صححه " عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب " . و أخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري ، و عصمة بن مالك ، و أخرجه ابن عساكر من حديث ابن عمر .
و أخرج ابن ماجة و الحاكم " عن أبي كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أول من يصافحه الحق عمر ، و أول من يسلم عليه ، و أول من يأخذ بيده فيدخل الجنة " .
و أخرج ابن ماجة و الحاكم " عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به " .

أقوال الصحابة و السلف فيه
و قيل لأبي بكر في مرضه : ماذا تقول لربك و قد وليت عمر ؟ قال : أقول له : وليت عليهم خيرهم ، أخرجه ابن سعد .
و قال علي رضي الله عنه : إذا ذكر الصالحون فحيهلاً بعمر ، ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ، أخرجه الطبراني في الأوسط .
و قال حذيفة رضي الله عنه : كأن علم الناس كان مدسوساً في حجر عمر .
السيدة عائشـة رضي الله عنها وصفته مرةً فقالت : " كان والله أحوزياً ( أي سريع الإدراك حاد الخاطر ) نسيج وحده ، قد أعدَّ للأمور أقرانها " .
و قال ابن مسعود رضي الله عنه : إذا ذكر الصالحون فحيهلاً بعمر ، إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله و أفقهنا في دين الله تعالى ، أخرجه الطبراني و الحاكم .
موافقات القرآن لآراء عمر :
كان سيدنا عمر يتمنى شيئًا فينزل به قرآن ، و أخرج الشيخان عن عمر قال : وافقت ربي في ثلاث : قلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " و قلت : يا رسول الله يدخل على نسائك البر و الفاجر فلوا أمرتهن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب ، و اجتمع نساء النبي صلى الله عليه و سلم في الغيرة ، فقلت : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن ، فنزلت كذلك .
و أخرج مسلم عن عمر قال : وافقت ربي في ثلاث في الحجاب ، و في أسارى بدر ، و في مقام إبراهيم .
و في التهذيب للنووي : نزل القرآن بمواقفه في أسرى بدر ، و في الحجاب ، و في مقام إبراهيم ، و في تحريم الخمر ، و حديثها في السنن و مستدرك الحاكم أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فأنزل الله تحريمها .
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن أنس ، قال : عمر : وافقت ربي في أربع ، نزلت هذه الآية : " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين " الآية ، فلما نزلت قلت أنا : فتبارك الله أحسن الخالقين ، فنزلت : " فتبارك الله أحسن الخالقين " و للحديث طريق آخر عن ابن عباس أوردته في التفسير المسند .
قصة عبد الملك بن أبي : حديثها في الصحيح عنه ، قال : لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه و سلم للصلاة عليه ، فقام إليه ، فقمت حتى وقفت حتى وقفت في صدره ، فقلت : يا رسول الله أو على عدو الله ابن أبي القائل يوم كذا كذا ؟ فو الله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا " الآية .
لما أكثر رسول الله صلى الله عليه و سلم من الاستغفار لقوم قال عمر : سواء عليهم ، فأنزل الله : " سواء عليهم أستغفرت لهم " الآية ، قلت : أخرجه الطبراني عن ابن عباس .
لما استشار صلى الله عليه و سلم الصحابة في الخروج إلى بدر أشار عمر بالخروج ، فنزلت : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " .
لما الصحابة في قصة الإفك قال عمر : من زوجكها يا رسول الله ؟ قال : الله ، قال : أفتظن أن ربك دلس عليك فيها ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت كذلك .
قصته في الصيام لما جامع زوجته بعد الانتباه ، و كان ذلك محرماً في أول الإسلام ، فنزل : " أحل لكم ليلة الصيام " الآية .
قلت أخرجه أحمد في مسنده .
قوله تعالى : " من كان عدوا لجبريل " الآية .
قلت : أخرجه ابن جرير و غيره من طريق عديدة ، و أقربها للموافقة ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى : أن يهودياً لقي عمر فقال : إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا ، فقال له عمر : من كان عدواً لله و ملائكته و رسله و جبريل و ميكال فإن الله عدو للكافرين ، فنزلت على لسان عمر .
قوله تعالى : " فلا وربك لا يؤمنون " الآية .
قلت : أخرج قصتها ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي الأسود ، قال : اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقضى بينهما ، فقال الذي قضى عليه : ردنا إلى عمر بن الخطاب ، فأتيا إليه ، فقال الرجل : قضى لي رسول الله صلى الله عليه و سلم على هذا فقال : ردنا إلى عمر ، فقال : أكذاك ؟ قال : نعم ، فقال عمر : مكانكما حتى أخرج إليكما ، فخرج إليهما مشتملاً على سيفه ، فضرب الذي قال [ ردنا إلى عمر ] فقتله ، و أدبر الآخر ، فقال : يا رسول الله ، قتل عمر ـ و الله ـ صاحبي : فقال ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن ، فأنزل الله : " فلا وربك لا يؤمنون " الآية ، فأهدر دم الرجل و برئ عمر من قتله ، و له شاهد موصول أوردته في التفسير المسند .
الاستئذان في الدخول ، و ذلك أنه عليه غلامه ، و كان نائماً ، فقال : اللهم حرم الدخول ، فنزلت آية الاستئذان .
قوله في اليهود : إنهم قوم بهت .
قوله تعالى : " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " .
قلت : أخرج قصتها ابن عساكر في تاريخه عن جابر بن عبد الله ، و هي في أسباب النزول .
رفع تلاوة : الشيخ و الشيخة إذا زنيا الآية .
قوله يوم أحد لما قال أبو سفيان : أفي القوم فلان ؟ لا نجيبنه ، فوافقه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قلت : أخرج قصته أحمد في مسنده .
قال : و يضم إلى هذا ما أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب [ الرد على الجهمية ] من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن كعب الأحبار قال : ويل لملك الأرض من ملك السماء ، فقال عمر : إلا من حاسب نفسه ، فقال كعب : و الذي نفسي بيده إنها في التوراة لتابعتها ، فخر عمر ساجداً .
ثم رأيت في الكامل لابن عدي من طريق عبد الله بن نافع ـ و هو ضعيف ـ عن أبيه عن عمر أن بلالاً كان يقول ـ إذا أذن ـ أشهد أن لا إله إلا الله ، حي على الصلاة ، فقال له عمر : قل في أثرها : أشهد أن محمداً رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " قل كما قال عمر " .
أوليات عمر ، رضي الله عنه
قال العسكري : هو أول من سمي أمير المؤمنين ، و أول من كتب التاريخ من الهجرة ، و أول من اتخذ بيت المال ، و أول من سن قيام شهر رمضان ، و أول من عس بالليل ، و أول من عاقب على الهجاء ، و أول من ضرب في الخمر ثمانين ، وأول من حرم المتعة ، و أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد ، و أول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات ، و أول من اتخذ الديوان ، و أول من فتح الفتوح و مسح السواد ، و أول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة إلى المدينة ، و أول من احتبس صدقة في الإسلام و أول من أعال الفرائض و أول من أخذ زكاة الخيل ، و أول من قال : أطال الله بقاءك ، قاله لعلي ، و أول من قال : أيدك الله ، قاله لعلي ، هذا آخر ما ذكر العسكري .
و قال النووي في تهذيبه : هو أول من اتخذ الدرة ، و كذا ذكره ابن سعد في الطبقات ، قال : و لقد قيل بعده : لدرة عمر أهيب من سيفكم ، قال : و هو أول من استقضى القضاء في الأمصار ، و أول من مصر الأمصار : الكوفة ، و البصرة ، و الجزيرة ، و الشام ، و مصر ، و الموصل .
و أخرج ابن عساكر عن إسماعيل بن زياد قال : مر علي بن أبي طالب على المساجد في رمضان و فيها القناديل فقال : نور الله على عمر في قبره كما نور علينا في مساجدنا .
قال ابن سعد : اتخذ عمر دار الدقيق فجعل فيها الدقيق ، و السويق ، و التمر ، و الزبيب ، و ما يحتاج إليه : يعين به المنقطع ، و وضع فيما بين مكة و المدينة بالطريق ما يصلح من ينقطع به ، و هدم المسجد النبوي ، و زاد فيه و وسعه و فرشه بالحصباء ، و هو الذي أخرج اليهود من الحجاز إلى الشام ، و أخرج أهل نجران إلى الكوفة ، و هو الذي أخر مقام إبراهيم إلى موضعه اليوم ، و كان ملصقاً بالبيت .

ورعه .
سيدنا عمر كان يقول : " لقد كنا ولسنا شيئاً مذكوراً حتى أعزَّنا الله بالإسلام ، فإذا ذهبنا نلتمس العزَّة في غيره أذلنا الله " .
لكن أدق شيء في حياة هذا الصحابي الجليل أن كلمةً كانت تتردد على لسانه كل أوقاته : " ما تقول يا عُمر لربِّك غداً " .
سمّاه علماء السيرة : جبَّار الجاهلية ، عملاق الإسلام ، كان يؤمّ الناس في الصلاة فَيَسمع بكاءَه ونشيجَه أصحابُ الصف الأخير .. .
مرة هرول وراء بعير أُفلت من حظيرته ، ويلقاه عليُّ بن أبي طالب فيسأله : " إلى أين يا أمير المؤمنين ؟ " فيجيبه : " بعيرٌ ندَّ من إبل الصدقة أطلبه " فيقول له عليٌ كرَّم الله وجهه : " لقد أتعبت الذين سيجيئون من بعدك " ، فيجيبه عمر بكلمات : " والذي بعث محمداً بالحق لو أن عنزةً ذهبت بشاطئ الفرات لأُخذ بها عمر يوم القيامة " ، أي أن إدراكه للمسؤولية كان بدرجة تفوق حد الخيال .
ودائماً نشيده : " كنت وضيعاً فرفعك الله ، كنت ضالاً فهداك الله ، كنت ذليلاً فأعزَّك الله ، فماذا تقول لربك غداً ؟ " ، أليس بينكم رجلٌ كان جاهلاً ، فنوَّر اللُه قلبَه ؟ كان فقيرًا فأغناه الله ، كان تائهًا شارد في الشهوات والموبقات فهداه الله للحق ، فصار نظيفًا ، وصار أخلاقيًّا متَّزنًا ، هذه نعمة الهدى التي لا تُقدَّر بثمن أيها الإخوة ، لو سجدتم لله كلَّ يوم على نعمة الهدى المرة تلو المرة لما وفّيتم حقّ هذه النعمة ، والعلماء قالوا : " تمام النعمة الهُدى " ، فالنعم المادية لا تتمُّ على صاحبها إلا بالهدى ، لأن النعم بلا هدى تنقطع بالموت ، لكن بالهدى تستمر إلى ما بعد الموت .
كان سيدنا عمر يقول : " ليت أم عمر لم تلد عمر ، ليتها كانت عقيما " من شدة خوفه من الله عزَّ وجل ومن شدة توقيره له يقول : " ليت أم عمر لم تلد عمر ، ليتها كانت عقيما ".
مرة سيدنا عمر رأى لحمًا معلَّقًا بيدي جابر بن عبد الله ، قال له : " ما هذا يا جابر ؟ " قال : " هو لحمٌ اشتهيته فاشتريته " ، ماذا فعلت ، فهو لحمٌ اشتهيته فاشتريته ، فقال : " أو كلما اشتهيت اشتريت ؟ أما تخاف أن يقال لك يوم القيامة : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) ( سورة الأحقاف : آية 20)
فهو يخاف من كلمة يُسأل يوم القيامة عنها .

عندما كان سيدنا عمر على فِراش الموت قال له المغيرة بن شُعبة ، وكان في حيرةٍ شديدةٍ لمن يسلِّم له هذه الأمانة ، أي الخلافة ، فقال له المغيرة بن شُعبة : " أنا أدلُّك عليه يا أمير المؤمنين "، أي على شخص مناسبٍ يخلفك ، قال : " من هو ؟ " ، قال : " عبد الله بن عُمر " ، ابنك ، فقال عمر : " لا أرَبَ لنا في أموركم ، إني ما حملتها ( أي الخلافة ) فأرغب فيها لأحدٍ من أهل بيتي، إن كانت خيراً فقد أصبنا منها ، وإن كانت شراً فبحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ، ويسأل عن أمر أمة محمد ، ألا إني قد جَهِدت نفسي ، وحرمت أهلي ، وإن نجوت كفافاً ، لا وزر ولا أجر ، فإني لسعيد " ، فسيدنا عمر رفض أن تكون الولاية من بعده لعبد الله بن عُمر ، وهو ابنه .
مرة قال لعبد الرحمن بن عوف : " يا عبد الرحمن لقد لِنتُ للناس ، حتى خشيت الله في اللين ، ثم اشتددتُ ، حتى خشيت الله في الشدة ، وايمُ الله لأنا أشد منهم فرقاً وخوفاً ، فأين المخرج ؟ " ، أي أنا خائف أكثر منهم ، خائف أنْ أحاسَب على الشدة ، وخائف أنْ أحاسَب على اللين ، ثم يبكي، فيقول عبد الرحمن بن عوف وهو يتملَّى هذا المشهد ملياً : " أُفٍ لهم من بعدك " ، أي أعان اللهُ مَن بعدك ، لقد أتعبَ مَن سيجيء من بعدِه .
كان سيدنا عمر إذا سمع القرآن يبكي بكاء غير معقول ، فكلما التقى بأبي موسى الأشعري يقول له : " يا أبا موسى اتلُ علينا آياتٍ من كتاب الله " ، ويقول : " ذكِّرنا ربنا با أبا موسى " ، فيقرأ أبو موسى ، ويبكي عمر.
وإذا لقي صبياً في الطريق يأخذه بيده ، ويقول له ، وعيناه تبكيان :"ادعُ لي يا بني فإنك لم تذنب بعد "،فالعظماء مع شدة عظمتهم تجدهم متواضعين حتى مع الصبيان .
وحينما كان يستقبل الموت قال لابنه عبد الله : " يا عبد الله خذ رأسي عن الوسادة وضعه فوق التراب لعلَّ الله ينظر إليَّ فيرحمني " .
أكثر آية كان يتأثر منها : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم إلنا لا ترجعون ) ( سورة المؤمنون - 115)
كان نومه قليلاً ، وكان أكله تقوّتًا ، أي قوتًا ، وكان لبسه خشنًا ، وكان يقظان دائماً ، وكان يقول : " إذا نمتُ الليل أضعتُ نفسي ، وإن نمتُ النهار ضيَّعتُ رعيَّتي " .
وكلما التقى برجل يقول له : " قل لي بربك ولا تكذبني كيف تجد عمر ؟ أتحسب أن الله راضٍ عنه ؟ أتُراني لم أخن الله ورسوله فيكم " ، فهو يرجو من الله السلامة ، ليس إلاّ .
وكلما شعر في نفسه بتقصير كان يقول : " يا ليت أم عمر لم تلد عمر ، ليتها كانت عقيما " .
يتبع لاحقا
 
بارك الله فيك اخى قصى على الموضوع الجميل
 
جزاك الله اخي قصي على الموضوع الراااائع:yes:
 
هلا حبيبي غانو
على فكرة هذه السلسلة من أكثر المواضيع التي أتعبتني رااجيا منك الدعاء

و كم تعجبني سيرت عمر رضي الله عنه............ دائمــــــــــا :crying: تبكيني

جزاك الله خيرا اخي قصي و جعل هذا العمل في ميزان حسناتك.........
 
جزاك الله خيرا اخي قصي
و الله كم نحن فى حاجة إلى الرجوع لقصص أسلافنا و أنت أخى ذكرت من قال فيه الرسول صلى الله عليه و سلم ..... لو كان بعدى نبيا لكان . عمــــــــــــــــر :)
 
الله يوفقك للخير دايما زي ما عوتنا
يا داعية الحق يا د قصي
بصراحة احنا ما رح نقدم خطوة لقدام الا ازا رجعنا الى ما كان عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم
واسلافنا
احترامي لطرحك الهادف
تقبل مروري
 
جزاك الله خيرا اخي قصي
و الله كم نحن فى حاجة إلى الرجوع لقصص أسلافنا و أنت أخى ذكرت من قال فيه الرسول صلى الله عليه و سلم ..... لو كان بعدى نبيا لكان . عمــــــــــــــــر :)

بارك الله فيك
وهذا هو قصدي من هذه السلسلة
 
الله يوفقك للخير دايما زي ما عوتنا
يا داعية الحق يا د قصي
بصراحة احنا ما رح نقدم خطوة لقدام الا ازا رجعنا الى ما كان عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم
واسلافنا
احترامي لطرحك الهادف
تقبل مروري

أحسنت و بارك الله فيك
اللهم أعد لنا قدسنا الشريف
 
عيوني لك دكتور قصي كما وعدتك الملف موجود بالمرفقات​

بارك الله فيك وجعل هذا العمل في ميزان حسناتك​
 

المرفقات

  • تتمة سلسلة المبشرين بالجنة - سيدنا عمر.pdf
    82 KB · المشاهدات: 4
عودة
أعلى