قصي حمدان
New Member
ثاني المبشرين بالجنة : سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( الفاروق )
نسبه و مولده
عمر بن الخطاب : بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أمير المؤمنين ، أبو حفص ، القريشي ، العدوي ، الفاروق . أسلم في السنة السادسة من النبوة ، و له سبع و عشرون سنة ، قاله الذهبي .
و قال النووي : ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة ، و كان من أشراف قريش ، و إليه كانت السفارة في الجاهلية ، فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم ، أو بينهم و بين غيرهم ، بعثوه سفيراً : أي رسولاً ، و إذا نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر بعثوه منافراً أو مفاخراً .
و أسلم قديماً بعد أربعين رجلاً و إحدى عشرة امرأة ، و قليل : بعد تسعة و ثلاثين رجلاً و ثلاث و عشرين امرأة . و قيل : بعد خمسة و أربعين رجلاً و إحدى عشرة امرأة ، فما هو إلا أن أسلم فظهر الإسلام بمكة و فرح به المسلمون .
قال : و هو أحد السابقين الأولين ، و أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، و أحد الخلفاء الراشدين ، و أحد أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أحد كبار علماء الصحابة و زهادهم .
روي له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسمائة حديث و تسعة و ثلاثون حديثاً .
روى عنه عثمان بن عفان ، و علي ، و طلحة ، و سعد ، و عبد الرحمن بن عوف ، و ابن مسعود ، و أبو ذر ، و عمر بن عبسة ، و ابنه عبد الله ، و ابن العباس ، و ابن الزبير ، و أنس ، و أبو هريرة ، و عمرو بن العاص ، و أبو موسى الأشعري ، و البراء بن عازب ، و أبو سعيد الخدري ، و خلائق آخرون من الصحابة و غيرهم ، رضي الله عنهم .
و في تاريخ ابن عساكر من طرق أن أم عمر بن الخطاب حنتمة بنت هشام بن المغيرة أخت أبي جهل بن هشام ، فكان أبو جهل خاله .
صفته
أخرج ابن سعد و الحاكم عن زر قال : خرجت مع أهل المدينة في يوم عيد ، فرأيت عمر يمشي حافياً شيخاً أصلع آدم أعسر طوالاً مشرفاً على الناس كأنه على دابة ، قال الواقدي : لا يعرف عندنا أن عمر كان آدم ، إلا أن يكون رآه عام الرمادة فإنه كان تغير لونه حين أكل الزيت .
و أخرج ابن سعد عن ابن عمر أنه وصف عمر فقال : رجل أبيض تعلوه حمرة طوال أصلع أشيب .
و أخرج عن عبيد بن عمير قال : كان عمر يفوق الناس طولاً .
و أخرج عن سلمة بن الأكوع قال : كان عمر رجلاً أعسر ، يعني يعتمد بيديه جميعاً .
و أخرج ابن عساكر عن أبي رجاء العطاردي قال : كان عمر رجلاً طويلاً جسيماً أصلع شديد الصلع أبيض شديد الحمرة في عارضيه خفة سبلته كبيرة و في أطرافها صهبة .
الأخبار الواردة في إسلامه
أخرج الترمذي " عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك : بعمر بن الخطاب ، و أو بأبي جهل بن هشام " و أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود و أنس رضي الله عنهم .
و أخرج ابن سعد و أبو يعلى و الحاكم و البيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال : خرج عمر متقلداً سيفه ، فلقيه رجل من بني زهرة ، فقال : أين تعمد يا عمر ؟ فقال : أريد أن أقتل محمداً ، قال : و كيف تأمن من بني هاشم و بني زهرة و قد قتلت محمداً ؟ فقال : ما أراك إلا قد صبأت ، قال : أفلا أدلك على العجب ، إن ختنك و أختك قد صبآ و تركا دينك ، فمشى عمر ، فأتاهما و عندهما خباب ، فلما سمع بحس عمر توارى في البيت ، فدخل ، فقال : ما هذه الهيمنة ؟ و كانوا يقرؤون طه ، قالا : ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا ، قال : فلعلكما قد صبأتما ، فقال له خنته : يا عمر ، إن كان الحق في غير دينك ، فوثب عليه عمر ، فوطئه وطأ شديداً ، فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها ، فنفحها نفحة بيده ، فدمى وجهها ، فقالت ـ و هي غضبى ـ : و إن كان الحق في غير دينك ، إني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله ، فقال عمر : أعطوني الكتاب الذي هو عندكم ، فأقرأه ـ و كان عمر يقرأ الكتاب ـ فقالت أخته : إنك نجس ، و إنه لا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ، ثم أخذ الكتاب ، فقرأ طه حتى انتهى إلى : " إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري " ، فقال عمر : دلوني على محمد ، فلما سمع خباب قول عمر خرج : فقال : أبشر يا عمر ، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم لك ليلة الخميس " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ، أو بعمرو بن هشام " و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصل الدار التي في أصل الصفا ، فانطلق عمر حتى أتى الدار و على بابها حمزة و طلحة و ناس ، فقال حمزة : هذا عمر ، إن يريد الله به خيراً يسلم ، و إن يريد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً ، قال : و النبي صلى الله عليه و سلم دخل يوحى إليه ، فخرج حتى أتى عمر ، فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل السيف : فقال : ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي و النكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ، فقال عمر : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك عبد الله و رسوله .
و أخرج ابن سعد عن ذكوان قال : قلت لعائشة : من سمي عمر الفاروق ؟ قالت : النبي صلى الله عليه و سلم .
و أخرج البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر . و أخرج ابن سعد و الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان إسلام عمر فتحاً ، و كانت هجرته نصراً ، و كانت إمامته رحمة ، و لقد رأيتنا و ما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا .
هجرته
أخرج ابن عساكر عن علي قال : ما علمت أحداً هاجر إلا مختفياً إلا عمر بن الخطاب ، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه ، و تنكب قوسه ، و انتضى في يده أسهماً ، و أتى الكعبة و أشراف قريش بفنائها ، فطاف سبعاً ، ثم صلى ركعتين عند المقام ، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة فقال : شاهت الوجوه ، من أراد أن تثكله أمه ، و ييتم و لده ، و ترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي ، فما تبعه منهم أحد .
و أخرج عن البراء رضي الله عنه قال : أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير ، ثم ابن مكتوم ، ثم عمر بن الخطاب في عشرين راكباً ، فقلنا : ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : هو على أثري ، ثم قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أبو بكر رضي الله عنه معه .
قال النووي : شهد عمر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم المشاهد كلها ، و كان ممن ثبت معه يوم أحد .
الأحاديث الواردة في فضله
و أخرج الشيخان " عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا ابن الخطاب ، و الذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك " .
أخرج الترمذي و الحاكم و صححه " عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب " . و أخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري ، و عصمة بن مالك ، و أخرجه ابن عساكر من حديث ابن عمر .
و أخرج ابن ماجة و الحاكم " عن أبي كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أول من يصافحه الحق عمر ، و أول من يسلم عليه ، و أول من يأخذ بيده فيدخل الجنة " .
و أخرج ابن ماجة و الحاكم " عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به " .
أقوال الصحابة و السلف فيه
و قيل لأبي بكر في مرضه : ماذا تقول لربك و قد وليت عمر ؟ قال : أقول له : وليت عليهم خيرهم ، أخرجه ابن سعد .
و قال علي رضي الله عنه : إذا ذكر الصالحون فحيهلاً بعمر ، ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ، أخرجه الطبراني في الأوسط .
و قال حذيفة رضي الله عنه : كأن علم الناس كان مدسوساً في حجر عمر .
السيدة عائشـة رضي الله عنها وصفته مرةً فقالت : " كان والله أحوزياً ( أي سريع الإدراك حاد الخاطر ) نسيج وحده ، قد أعدَّ للأمور أقرانها " .
و قال ابن مسعود رضي الله عنه : إذا ذكر الصالحون فحيهلاً بعمر ، إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله و أفقهنا في دين الله تعالى ، أخرجه الطبراني و الحاكم .
موافقات القرآن لآراء عمر :
كان سيدنا عمر يتمنى شيئًا فينزل به قرآن ، و أخرج الشيخان عن عمر قال : وافقت ربي في ثلاث : قلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " و قلت : يا رسول الله يدخل على نسائك البر و الفاجر فلوا أمرتهن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب ، و اجتمع نساء النبي صلى الله عليه و سلم في الغيرة ، فقلت : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن ، فنزلت كذلك .
و أخرج مسلم عن عمر قال : وافقت ربي في ثلاث في الحجاب ، و في أسارى بدر ، و في مقام إبراهيم .
و في التهذيب للنووي : نزل القرآن بمواقفه في أسرى بدر ، و في الحجاب ، و في مقام إبراهيم ، و في تحريم الخمر ، و حديثها في السنن و مستدرك الحاكم أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فأنزل الله تحريمها .
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن أنس ، قال : عمر : وافقت ربي في أربع ، نزلت هذه الآية : " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين " الآية ، فلما نزلت قلت أنا : فتبارك الله أحسن الخالقين ، فنزلت : " فتبارك الله أحسن الخالقين " و للحديث طريق آخر عن ابن عباس أوردته في التفسير المسند .
قصة عبد الملك بن أبي : حديثها في الصحيح عنه ، قال : لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه و سلم للصلاة عليه ، فقام إليه ، فقمت حتى وقفت حتى وقفت في صدره ، فقلت : يا رسول الله أو على عدو الله ابن أبي القائل يوم كذا كذا ؟ فو الله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا " الآية .
لما أكثر رسول الله صلى الله عليه و سلم من الاستغفار لقوم قال عمر : سواء عليهم ، فأنزل الله : " سواء عليهم أستغفرت لهم " الآية ، قلت : أخرجه الطبراني عن ابن عباس .
لما استشار صلى الله عليه و سلم الصحابة في الخروج إلى بدر أشار عمر بالخروج ، فنزلت : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " .
لما الصحابة في قصة الإفك قال عمر : من زوجكها يا رسول الله ؟ قال : الله ، قال : أفتظن أن ربك دلس عليك فيها ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت كذلك .
قصته في الصيام لما جامع زوجته بعد الانتباه ، و كان ذلك محرماً في أول الإسلام ، فنزل : " أحل لكم ليلة الصيام " الآية .
قلت أخرجه أحمد في مسنده .
قوله تعالى : " من كان عدوا لجبريل " الآية .
قلت : أخرجه ابن جرير و غيره من طريق عديدة ، و أقربها للموافقة ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى : أن يهودياً لقي عمر فقال : إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا ، فقال له عمر : من كان عدواً لله و ملائكته و رسله و جبريل و ميكال فإن الله عدو للكافرين ، فنزلت على لسان عمر .
قوله تعالى : " فلا وربك لا يؤمنون " الآية .
قلت : أخرج قصتها ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي الأسود ، قال : اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقضى بينهما ، فقال الذي قضى عليه : ردنا إلى عمر بن الخطاب ، فأتيا إليه ، فقال الرجل : قضى لي رسول الله صلى الله عليه و سلم على هذا فقال : ردنا إلى عمر ، فقال : أكذاك ؟ قال : نعم ، فقال عمر : مكانكما حتى أخرج إليكما ، فخرج إليهما مشتملاً على سيفه ، فضرب الذي قال [ ردنا إلى عمر ] فقتله ، و أدبر الآخر ، فقال : يا رسول الله ، قتل عمر ـ و الله ـ صاحبي : فقال ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن ، فأنزل الله : " فلا وربك لا يؤمنون " الآية ، فأهدر دم الرجل و برئ عمر من قتله ، و له شاهد موصول أوردته في التفسير المسند .
الاستئذان في الدخول ، و ذلك أنه عليه غلامه ، و كان نائماً ، فقال : اللهم حرم الدخول ، فنزلت آية الاستئذان .
قوله في اليهود : إنهم قوم بهت .
قوله تعالى : " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " .
قلت : أخرج قصتها ابن عساكر في تاريخه عن جابر بن عبد الله ، و هي في أسباب النزول .
رفع تلاوة : الشيخ و الشيخة إذا زنيا الآية .
قوله يوم أحد لما قال أبو سفيان : أفي القوم فلان ؟ لا نجيبنه ، فوافقه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قلت : أخرج قصته أحمد في مسنده .
قال : و يضم إلى هذا ما أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب [ الرد على الجهمية ] من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن كعب الأحبار قال : ويل لملك الأرض من ملك السماء ، فقال عمر : إلا من حاسب نفسه ، فقال كعب : و الذي نفسي بيده إنها في التوراة لتابعتها ، فخر عمر ساجداً .
ثم رأيت في الكامل لابن عدي من طريق عبد الله بن نافع ـ و هو ضعيف ـ عن أبيه عن عمر أن بلالاً كان يقول ـ إذا أذن ـ أشهد أن لا إله إلا الله ، حي على الصلاة ، فقال له عمر : قل في أثرها : أشهد أن محمداً رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " قل كما قال عمر " .
أوليات عمر ، رضي الله عنه
قال العسكري : هو أول من سمي أمير المؤمنين ، و أول من كتب التاريخ من الهجرة ، و أول من اتخذ بيت المال ، و أول من سن قيام شهر رمضان ، و أول من عس بالليل ، و أول من عاقب على الهجاء ، و أول من ضرب في الخمر ثمانين ، وأول من حرم المتعة ، و أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد ، و أول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات ، و أول من اتخذ الديوان ، و أول من فتح الفتوح و مسح السواد ، و أول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة إلى المدينة ، و أول من احتبس صدقة في الإسلام و أول من أعال الفرائض و أول من أخذ زكاة الخيل ، و أول من قال : أطال الله بقاءك ، قاله لعلي ، و أول من قال : أيدك الله ، قاله لعلي ، هذا آخر ما ذكر العسكري .
و قال النووي في تهذيبه : هو أول من اتخذ الدرة ، و كذا ذكره ابن سعد في الطبقات ، قال : و لقد قيل بعده : لدرة عمر أهيب من سيفكم ، قال : و هو أول من استقضى القضاء في الأمصار ، و أول من مصر الأمصار : الكوفة ، و البصرة ، و الجزيرة ، و الشام ، و مصر ، و الموصل .
و أخرج ابن عساكر عن إسماعيل بن زياد قال : مر علي بن أبي طالب على المساجد في رمضان و فيها القناديل فقال : نور الله على عمر في قبره كما نور علينا في مساجدنا .
قال ابن سعد : اتخذ عمر دار الدقيق فجعل فيها الدقيق ، و السويق ، و التمر ، و الزبيب ، و ما يحتاج إليه : يعين به المنقطع ، و وضع فيما بين مكة و المدينة بالطريق ما يصلح من ينقطع به ، و هدم المسجد النبوي ، و زاد فيه و وسعه و فرشه بالحصباء ، و هو الذي أخرج اليهود من الحجاز إلى الشام ، و أخرج أهل نجران إلى الكوفة ، و هو الذي أخر مقام إبراهيم إلى موضعه اليوم ، و كان ملصقاً بالبيت .
ورعه .
سيدنا عمر كان يقول : " لقد كنا ولسنا شيئاً مذكوراً حتى أعزَّنا الله بالإسلام ، فإذا ذهبنا نلتمس العزَّة في غيره أذلنا الله " .
لكن أدق شيء في حياة هذا الصحابي الجليل أن كلمةً كانت تتردد على لسانه كل أوقاته : " ما تقول يا عُمر لربِّك غداً " .
سمّاه علماء السيرة : جبَّار الجاهلية ، عملاق الإسلام ، كان يؤمّ الناس في الصلاة فَيَسمع بكاءَه ونشيجَه أصحابُ الصف الأخير .. .
مرة هرول وراء بعير أُفلت من حظيرته ، ويلقاه عليُّ بن أبي طالب فيسأله : " إلى أين يا أمير المؤمنين ؟ " فيجيبه : " بعيرٌ ندَّ من إبل الصدقة أطلبه " فيقول له عليٌ كرَّم الله وجهه : " لقد أتعبت الذين سيجيئون من بعدك " ، فيجيبه عمر بكلمات : " والذي بعث محمداً بالحق لو أن عنزةً ذهبت بشاطئ الفرات لأُخذ بها عمر يوم القيامة " ، أي أن إدراكه للمسؤولية كان بدرجة تفوق حد الخيال .
ودائماً نشيده : " كنت وضيعاً فرفعك الله ، كنت ضالاً فهداك الله ، كنت ذليلاً فأعزَّك الله ، فماذا تقول لربك غداً ؟ " ، أليس بينكم رجلٌ كان جاهلاً ، فنوَّر اللُه قلبَه ؟ كان فقيرًا فأغناه الله ، كان تائهًا شارد في الشهوات والموبقات فهداه الله للحق ، فصار نظيفًا ، وصار أخلاقيًّا متَّزنًا ، هذه نعمة الهدى التي لا تُقدَّر بثمن أيها الإخوة ، لو سجدتم لله كلَّ يوم على نعمة الهدى المرة تلو المرة لما وفّيتم حقّ هذه النعمة ، والعلماء قالوا : " تمام النعمة الهُدى " ، فالنعم المادية لا تتمُّ على صاحبها إلا بالهدى ، لأن النعم بلا هدى تنقطع بالموت ، لكن بالهدى تستمر إلى ما بعد الموت .
كان سيدنا عمر يقول : " ليت أم عمر لم تلد عمر ، ليتها كانت عقيما " من شدة خوفه من الله عزَّ وجل ومن شدة توقيره له يقول : " ليت أم عمر لم تلد عمر ، ليتها كانت عقيما ".
مرة سيدنا عمر رأى لحمًا معلَّقًا بيدي جابر بن عبد الله ، قال له : " ما هذا يا جابر ؟ " قال : " هو لحمٌ اشتهيته فاشتريته " ، ماذا فعلت ، فهو لحمٌ اشتهيته فاشتريته ، فقال : " أو كلما اشتهيت اشتريت ؟ أما تخاف أن يقال لك يوم القيامة : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) ( سورة الأحقاف : آية 20)
فهو يخاف من كلمة يُسأل يوم القيامة عنها .
عندما كان سيدنا عمر على فِراش الموت قال له المغيرة بن شُعبة ، وكان في حيرةٍ شديدةٍ لمن يسلِّم له هذه الأمانة ، أي الخلافة ، فقال له المغيرة بن شُعبة : " أنا أدلُّك عليه يا أمير المؤمنين "، أي على شخص مناسبٍ يخلفك ، قال : " من هو ؟ " ، قال : " عبد الله بن عُمر " ، ابنك ، فقال عمر : " لا أرَبَ لنا في أموركم ، إني ما حملتها ( أي الخلافة ) فأرغب فيها لأحدٍ من أهل بيتي، إن كانت خيراً فقد أصبنا منها ، وإن كانت شراً فبحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ، ويسأل عن أمر أمة محمد ، ألا إني قد جَهِدت نفسي ، وحرمت أهلي ، وإن نجوت كفافاً ، لا وزر ولا أجر ، فإني لسعيد " ، فسيدنا عمر رفض أن تكون الولاية من بعده لعبد الله بن عُمر ، وهو ابنه .
مرة قال لعبد الرحمن بن عوف : " يا عبد الرحمن لقد لِنتُ للناس ، حتى خشيت الله في اللين ، ثم اشتددتُ ، حتى خشيت الله في الشدة ، وايمُ الله لأنا أشد منهم فرقاً وخوفاً ، فأين المخرج ؟ " ، أي أنا خائف أكثر منهم ، خائف أنْ أحاسَب على الشدة ، وخائف أنْ أحاسَب على اللين ، ثم يبكي، فيقول عبد الرحمن بن عوف وهو يتملَّى هذا المشهد ملياً : " أُفٍ لهم من بعدك " ، أي أعان اللهُ مَن بعدك ، لقد أتعبَ مَن سيجيء من بعدِه .
كان سيدنا عمر إذا سمع القرآن يبكي بكاء غير معقول ، فكلما التقى بأبي موسى الأشعري يقول له : " يا أبا موسى اتلُ علينا آياتٍ من كتاب الله " ، ويقول : " ذكِّرنا ربنا با أبا موسى " ، فيقرأ أبو موسى ، ويبكي عمر.
وإذا لقي صبياً في الطريق يأخذه بيده ، ويقول له ، وعيناه تبكيان :"ادعُ لي يا بني فإنك لم تذنب بعد "،فالعظماء مع شدة عظمتهم تجدهم متواضعين حتى مع الصبيان .
وحينما كان يستقبل الموت قال لابنه عبد الله : " يا عبد الله خذ رأسي عن الوسادة وضعه فوق التراب لعلَّ الله ينظر إليَّ فيرحمني " .
أكثر آية كان يتأثر منها : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم إلنا لا ترجعون ) ( سورة المؤمنون - 115)
كان نومه قليلاً ، وكان أكله تقوّتًا ، أي قوتًا ، وكان لبسه خشنًا ، وكان يقظان دائماً ، وكان يقول : " إذا نمتُ الليل أضعتُ نفسي ، وإن نمتُ النهار ضيَّعتُ رعيَّتي " .
وكلما التقى برجل يقول له : " قل لي بربك ولا تكذبني كيف تجد عمر ؟ أتحسب أن الله راضٍ عنه ؟ أتُراني لم أخن الله ورسوله فيكم " ، فهو يرجو من الله السلامة ، ليس إلاّ .
وكلما شعر في نفسه بتقصير كان يقول : " يا ليت أم عمر لم تلد عمر ، ليتها كانت عقيما " .
يتبع لاحقا
نسبه و مولده
عمر بن الخطاب : بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أمير المؤمنين ، أبو حفص ، القريشي ، العدوي ، الفاروق . أسلم في السنة السادسة من النبوة ، و له سبع و عشرون سنة ، قاله الذهبي .
و قال النووي : ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة ، و كان من أشراف قريش ، و إليه كانت السفارة في الجاهلية ، فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم ، أو بينهم و بين غيرهم ، بعثوه سفيراً : أي رسولاً ، و إذا نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر بعثوه منافراً أو مفاخراً .
و أسلم قديماً بعد أربعين رجلاً و إحدى عشرة امرأة ، و قليل : بعد تسعة و ثلاثين رجلاً و ثلاث و عشرين امرأة . و قيل : بعد خمسة و أربعين رجلاً و إحدى عشرة امرأة ، فما هو إلا أن أسلم فظهر الإسلام بمكة و فرح به المسلمون .
قال : و هو أحد السابقين الأولين ، و أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، و أحد الخلفاء الراشدين ، و أحد أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أحد كبار علماء الصحابة و زهادهم .
روي له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسمائة حديث و تسعة و ثلاثون حديثاً .
روى عنه عثمان بن عفان ، و علي ، و طلحة ، و سعد ، و عبد الرحمن بن عوف ، و ابن مسعود ، و أبو ذر ، و عمر بن عبسة ، و ابنه عبد الله ، و ابن العباس ، و ابن الزبير ، و أنس ، و أبو هريرة ، و عمرو بن العاص ، و أبو موسى الأشعري ، و البراء بن عازب ، و أبو سعيد الخدري ، و خلائق آخرون من الصحابة و غيرهم ، رضي الله عنهم .
و في تاريخ ابن عساكر من طرق أن أم عمر بن الخطاب حنتمة بنت هشام بن المغيرة أخت أبي جهل بن هشام ، فكان أبو جهل خاله .
صفته
أخرج ابن سعد و الحاكم عن زر قال : خرجت مع أهل المدينة في يوم عيد ، فرأيت عمر يمشي حافياً شيخاً أصلع آدم أعسر طوالاً مشرفاً على الناس كأنه على دابة ، قال الواقدي : لا يعرف عندنا أن عمر كان آدم ، إلا أن يكون رآه عام الرمادة فإنه كان تغير لونه حين أكل الزيت .
و أخرج ابن سعد عن ابن عمر أنه وصف عمر فقال : رجل أبيض تعلوه حمرة طوال أصلع أشيب .
و أخرج عن عبيد بن عمير قال : كان عمر يفوق الناس طولاً .
و أخرج عن سلمة بن الأكوع قال : كان عمر رجلاً أعسر ، يعني يعتمد بيديه جميعاً .
و أخرج ابن عساكر عن أبي رجاء العطاردي قال : كان عمر رجلاً طويلاً جسيماً أصلع شديد الصلع أبيض شديد الحمرة في عارضيه خفة سبلته كبيرة و في أطرافها صهبة .
الأخبار الواردة في إسلامه
أخرج الترمذي " عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك : بعمر بن الخطاب ، و أو بأبي جهل بن هشام " و أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود و أنس رضي الله عنهم .
و أخرج ابن سعد و أبو يعلى و الحاكم و البيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال : خرج عمر متقلداً سيفه ، فلقيه رجل من بني زهرة ، فقال : أين تعمد يا عمر ؟ فقال : أريد أن أقتل محمداً ، قال : و كيف تأمن من بني هاشم و بني زهرة و قد قتلت محمداً ؟ فقال : ما أراك إلا قد صبأت ، قال : أفلا أدلك على العجب ، إن ختنك و أختك قد صبآ و تركا دينك ، فمشى عمر ، فأتاهما و عندهما خباب ، فلما سمع بحس عمر توارى في البيت ، فدخل ، فقال : ما هذه الهيمنة ؟ و كانوا يقرؤون طه ، قالا : ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا ، قال : فلعلكما قد صبأتما ، فقال له خنته : يا عمر ، إن كان الحق في غير دينك ، فوثب عليه عمر ، فوطئه وطأ شديداً ، فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها ، فنفحها نفحة بيده ، فدمى وجهها ، فقالت ـ و هي غضبى ـ : و إن كان الحق في غير دينك ، إني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله ، فقال عمر : أعطوني الكتاب الذي هو عندكم ، فأقرأه ـ و كان عمر يقرأ الكتاب ـ فقالت أخته : إنك نجس ، و إنه لا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ، ثم أخذ الكتاب ، فقرأ طه حتى انتهى إلى : " إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري " ، فقال عمر : دلوني على محمد ، فلما سمع خباب قول عمر خرج : فقال : أبشر يا عمر ، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم لك ليلة الخميس " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ، أو بعمرو بن هشام " و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصل الدار التي في أصل الصفا ، فانطلق عمر حتى أتى الدار و على بابها حمزة و طلحة و ناس ، فقال حمزة : هذا عمر ، إن يريد الله به خيراً يسلم ، و إن يريد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً ، قال : و النبي صلى الله عليه و سلم دخل يوحى إليه ، فخرج حتى أتى عمر ، فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل السيف : فقال : ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي و النكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ، فقال عمر : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك عبد الله و رسوله .
و أخرج ابن سعد عن ذكوان قال : قلت لعائشة : من سمي عمر الفاروق ؟ قالت : النبي صلى الله عليه و سلم .
و أخرج البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر . و أخرج ابن سعد و الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان إسلام عمر فتحاً ، و كانت هجرته نصراً ، و كانت إمامته رحمة ، و لقد رأيتنا و ما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا .
هجرته
أخرج ابن عساكر عن علي قال : ما علمت أحداً هاجر إلا مختفياً إلا عمر بن الخطاب ، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه ، و تنكب قوسه ، و انتضى في يده أسهماً ، و أتى الكعبة و أشراف قريش بفنائها ، فطاف سبعاً ، ثم صلى ركعتين عند المقام ، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة فقال : شاهت الوجوه ، من أراد أن تثكله أمه ، و ييتم و لده ، و ترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي ، فما تبعه منهم أحد .
و أخرج عن البراء رضي الله عنه قال : أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير ، ثم ابن مكتوم ، ثم عمر بن الخطاب في عشرين راكباً ، فقلنا : ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : هو على أثري ، ثم قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أبو بكر رضي الله عنه معه .
قال النووي : شهد عمر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم المشاهد كلها ، و كان ممن ثبت معه يوم أحد .
الأحاديث الواردة في فضله
و أخرج الشيخان " عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا ابن الخطاب ، و الذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك " .
أخرج الترمذي و الحاكم و صححه " عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب " . و أخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري ، و عصمة بن مالك ، و أخرجه ابن عساكر من حديث ابن عمر .
و أخرج ابن ماجة و الحاكم " عن أبي كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أول من يصافحه الحق عمر ، و أول من يسلم عليه ، و أول من يأخذ بيده فيدخل الجنة " .
و أخرج ابن ماجة و الحاكم " عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به " .
أقوال الصحابة و السلف فيه
و قيل لأبي بكر في مرضه : ماذا تقول لربك و قد وليت عمر ؟ قال : أقول له : وليت عليهم خيرهم ، أخرجه ابن سعد .
و قال علي رضي الله عنه : إذا ذكر الصالحون فحيهلاً بعمر ، ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ، أخرجه الطبراني في الأوسط .
و قال حذيفة رضي الله عنه : كأن علم الناس كان مدسوساً في حجر عمر .
السيدة عائشـة رضي الله عنها وصفته مرةً فقالت : " كان والله أحوزياً ( أي سريع الإدراك حاد الخاطر ) نسيج وحده ، قد أعدَّ للأمور أقرانها " .
و قال ابن مسعود رضي الله عنه : إذا ذكر الصالحون فحيهلاً بعمر ، إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله و أفقهنا في دين الله تعالى ، أخرجه الطبراني و الحاكم .
موافقات القرآن لآراء عمر :
كان سيدنا عمر يتمنى شيئًا فينزل به قرآن ، و أخرج الشيخان عن عمر قال : وافقت ربي في ثلاث : قلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " و قلت : يا رسول الله يدخل على نسائك البر و الفاجر فلوا أمرتهن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب ، و اجتمع نساء النبي صلى الله عليه و سلم في الغيرة ، فقلت : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن ، فنزلت كذلك .
و أخرج مسلم عن عمر قال : وافقت ربي في ثلاث في الحجاب ، و في أسارى بدر ، و في مقام إبراهيم .
و في التهذيب للنووي : نزل القرآن بمواقفه في أسرى بدر ، و في الحجاب ، و في مقام إبراهيم ، و في تحريم الخمر ، و حديثها في السنن و مستدرك الحاكم أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فأنزل الله تحريمها .
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن أنس ، قال : عمر : وافقت ربي في أربع ، نزلت هذه الآية : " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين " الآية ، فلما نزلت قلت أنا : فتبارك الله أحسن الخالقين ، فنزلت : " فتبارك الله أحسن الخالقين " و للحديث طريق آخر عن ابن عباس أوردته في التفسير المسند .
قصة عبد الملك بن أبي : حديثها في الصحيح عنه ، قال : لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه و سلم للصلاة عليه ، فقام إليه ، فقمت حتى وقفت حتى وقفت في صدره ، فقلت : يا رسول الله أو على عدو الله ابن أبي القائل يوم كذا كذا ؟ فو الله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا " الآية .
لما أكثر رسول الله صلى الله عليه و سلم من الاستغفار لقوم قال عمر : سواء عليهم ، فأنزل الله : " سواء عليهم أستغفرت لهم " الآية ، قلت : أخرجه الطبراني عن ابن عباس .
لما استشار صلى الله عليه و سلم الصحابة في الخروج إلى بدر أشار عمر بالخروج ، فنزلت : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " .
لما الصحابة في قصة الإفك قال عمر : من زوجكها يا رسول الله ؟ قال : الله ، قال : أفتظن أن ربك دلس عليك فيها ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت كذلك .
قصته في الصيام لما جامع زوجته بعد الانتباه ، و كان ذلك محرماً في أول الإسلام ، فنزل : " أحل لكم ليلة الصيام " الآية .
قلت أخرجه أحمد في مسنده .
قوله تعالى : " من كان عدوا لجبريل " الآية .
قلت : أخرجه ابن جرير و غيره من طريق عديدة ، و أقربها للموافقة ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى : أن يهودياً لقي عمر فقال : إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا ، فقال له عمر : من كان عدواً لله و ملائكته و رسله و جبريل و ميكال فإن الله عدو للكافرين ، فنزلت على لسان عمر .
قوله تعالى : " فلا وربك لا يؤمنون " الآية .
قلت : أخرج قصتها ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي الأسود ، قال : اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقضى بينهما ، فقال الذي قضى عليه : ردنا إلى عمر بن الخطاب ، فأتيا إليه ، فقال الرجل : قضى لي رسول الله صلى الله عليه و سلم على هذا فقال : ردنا إلى عمر ، فقال : أكذاك ؟ قال : نعم ، فقال عمر : مكانكما حتى أخرج إليكما ، فخرج إليهما مشتملاً على سيفه ، فضرب الذي قال [ ردنا إلى عمر ] فقتله ، و أدبر الآخر ، فقال : يا رسول الله ، قتل عمر ـ و الله ـ صاحبي : فقال ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن ، فأنزل الله : " فلا وربك لا يؤمنون " الآية ، فأهدر دم الرجل و برئ عمر من قتله ، و له شاهد موصول أوردته في التفسير المسند .
الاستئذان في الدخول ، و ذلك أنه عليه غلامه ، و كان نائماً ، فقال : اللهم حرم الدخول ، فنزلت آية الاستئذان .
قوله في اليهود : إنهم قوم بهت .
قوله تعالى : " ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين " .
قلت : أخرج قصتها ابن عساكر في تاريخه عن جابر بن عبد الله ، و هي في أسباب النزول .
رفع تلاوة : الشيخ و الشيخة إذا زنيا الآية .
قوله يوم أحد لما قال أبو سفيان : أفي القوم فلان ؟ لا نجيبنه ، فوافقه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قلت : أخرج قصته أحمد في مسنده .
قال : و يضم إلى هذا ما أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب [ الرد على الجهمية ] من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن كعب الأحبار قال : ويل لملك الأرض من ملك السماء ، فقال عمر : إلا من حاسب نفسه ، فقال كعب : و الذي نفسي بيده إنها في التوراة لتابعتها ، فخر عمر ساجداً .
ثم رأيت في الكامل لابن عدي من طريق عبد الله بن نافع ـ و هو ضعيف ـ عن أبيه عن عمر أن بلالاً كان يقول ـ إذا أذن ـ أشهد أن لا إله إلا الله ، حي على الصلاة ، فقال له عمر : قل في أثرها : أشهد أن محمداً رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " قل كما قال عمر " .
أوليات عمر ، رضي الله عنه
قال العسكري : هو أول من سمي أمير المؤمنين ، و أول من كتب التاريخ من الهجرة ، و أول من اتخذ بيت المال ، و أول من سن قيام شهر رمضان ، و أول من عس بالليل ، و أول من عاقب على الهجاء ، و أول من ضرب في الخمر ثمانين ، وأول من حرم المتعة ، و أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد ، و أول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات ، و أول من اتخذ الديوان ، و أول من فتح الفتوح و مسح السواد ، و أول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة إلى المدينة ، و أول من احتبس صدقة في الإسلام و أول من أعال الفرائض و أول من أخذ زكاة الخيل ، و أول من قال : أطال الله بقاءك ، قاله لعلي ، و أول من قال : أيدك الله ، قاله لعلي ، هذا آخر ما ذكر العسكري .
و قال النووي في تهذيبه : هو أول من اتخذ الدرة ، و كذا ذكره ابن سعد في الطبقات ، قال : و لقد قيل بعده : لدرة عمر أهيب من سيفكم ، قال : و هو أول من استقضى القضاء في الأمصار ، و أول من مصر الأمصار : الكوفة ، و البصرة ، و الجزيرة ، و الشام ، و مصر ، و الموصل .
و أخرج ابن عساكر عن إسماعيل بن زياد قال : مر علي بن أبي طالب على المساجد في رمضان و فيها القناديل فقال : نور الله على عمر في قبره كما نور علينا في مساجدنا .
قال ابن سعد : اتخذ عمر دار الدقيق فجعل فيها الدقيق ، و السويق ، و التمر ، و الزبيب ، و ما يحتاج إليه : يعين به المنقطع ، و وضع فيما بين مكة و المدينة بالطريق ما يصلح من ينقطع به ، و هدم المسجد النبوي ، و زاد فيه و وسعه و فرشه بالحصباء ، و هو الذي أخرج اليهود من الحجاز إلى الشام ، و أخرج أهل نجران إلى الكوفة ، و هو الذي أخر مقام إبراهيم إلى موضعه اليوم ، و كان ملصقاً بالبيت .
ورعه .
سيدنا عمر كان يقول : " لقد كنا ولسنا شيئاً مذكوراً حتى أعزَّنا الله بالإسلام ، فإذا ذهبنا نلتمس العزَّة في غيره أذلنا الله " .
لكن أدق شيء في حياة هذا الصحابي الجليل أن كلمةً كانت تتردد على لسانه كل أوقاته : " ما تقول يا عُمر لربِّك غداً " .
سمّاه علماء السيرة : جبَّار الجاهلية ، عملاق الإسلام ، كان يؤمّ الناس في الصلاة فَيَسمع بكاءَه ونشيجَه أصحابُ الصف الأخير .. .
مرة هرول وراء بعير أُفلت من حظيرته ، ويلقاه عليُّ بن أبي طالب فيسأله : " إلى أين يا أمير المؤمنين ؟ " فيجيبه : " بعيرٌ ندَّ من إبل الصدقة أطلبه " فيقول له عليٌ كرَّم الله وجهه : " لقد أتعبت الذين سيجيئون من بعدك " ، فيجيبه عمر بكلمات : " والذي بعث محمداً بالحق لو أن عنزةً ذهبت بشاطئ الفرات لأُخذ بها عمر يوم القيامة " ، أي أن إدراكه للمسؤولية كان بدرجة تفوق حد الخيال .
ودائماً نشيده : " كنت وضيعاً فرفعك الله ، كنت ضالاً فهداك الله ، كنت ذليلاً فأعزَّك الله ، فماذا تقول لربك غداً ؟ " ، أليس بينكم رجلٌ كان جاهلاً ، فنوَّر اللُه قلبَه ؟ كان فقيرًا فأغناه الله ، كان تائهًا شارد في الشهوات والموبقات فهداه الله للحق ، فصار نظيفًا ، وصار أخلاقيًّا متَّزنًا ، هذه نعمة الهدى التي لا تُقدَّر بثمن أيها الإخوة ، لو سجدتم لله كلَّ يوم على نعمة الهدى المرة تلو المرة لما وفّيتم حقّ هذه النعمة ، والعلماء قالوا : " تمام النعمة الهُدى " ، فالنعم المادية لا تتمُّ على صاحبها إلا بالهدى ، لأن النعم بلا هدى تنقطع بالموت ، لكن بالهدى تستمر إلى ما بعد الموت .
كان سيدنا عمر يقول : " ليت أم عمر لم تلد عمر ، ليتها كانت عقيما " من شدة خوفه من الله عزَّ وجل ومن شدة توقيره له يقول : " ليت أم عمر لم تلد عمر ، ليتها كانت عقيما ".
مرة سيدنا عمر رأى لحمًا معلَّقًا بيدي جابر بن عبد الله ، قال له : " ما هذا يا جابر ؟ " قال : " هو لحمٌ اشتهيته فاشتريته " ، ماذا فعلت ، فهو لحمٌ اشتهيته فاشتريته ، فقال : " أو كلما اشتهيت اشتريت ؟ أما تخاف أن يقال لك يوم القيامة : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) ( سورة الأحقاف : آية 20)
فهو يخاف من كلمة يُسأل يوم القيامة عنها .
عندما كان سيدنا عمر على فِراش الموت قال له المغيرة بن شُعبة ، وكان في حيرةٍ شديدةٍ لمن يسلِّم له هذه الأمانة ، أي الخلافة ، فقال له المغيرة بن شُعبة : " أنا أدلُّك عليه يا أمير المؤمنين "، أي على شخص مناسبٍ يخلفك ، قال : " من هو ؟ " ، قال : " عبد الله بن عُمر " ، ابنك ، فقال عمر : " لا أرَبَ لنا في أموركم ، إني ما حملتها ( أي الخلافة ) فأرغب فيها لأحدٍ من أهل بيتي، إن كانت خيراً فقد أصبنا منها ، وإن كانت شراً فبحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ، ويسأل عن أمر أمة محمد ، ألا إني قد جَهِدت نفسي ، وحرمت أهلي ، وإن نجوت كفافاً ، لا وزر ولا أجر ، فإني لسعيد " ، فسيدنا عمر رفض أن تكون الولاية من بعده لعبد الله بن عُمر ، وهو ابنه .
مرة قال لعبد الرحمن بن عوف : " يا عبد الرحمن لقد لِنتُ للناس ، حتى خشيت الله في اللين ، ثم اشتددتُ ، حتى خشيت الله في الشدة ، وايمُ الله لأنا أشد منهم فرقاً وخوفاً ، فأين المخرج ؟ " ، أي أنا خائف أكثر منهم ، خائف أنْ أحاسَب على الشدة ، وخائف أنْ أحاسَب على اللين ، ثم يبكي، فيقول عبد الرحمن بن عوف وهو يتملَّى هذا المشهد ملياً : " أُفٍ لهم من بعدك " ، أي أعان اللهُ مَن بعدك ، لقد أتعبَ مَن سيجيء من بعدِه .
كان سيدنا عمر إذا سمع القرآن يبكي بكاء غير معقول ، فكلما التقى بأبي موسى الأشعري يقول له : " يا أبا موسى اتلُ علينا آياتٍ من كتاب الله " ، ويقول : " ذكِّرنا ربنا با أبا موسى " ، فيقرأ أبو موسى ، ويبكي عمر.
وإذا لقي صبياً في الطريق يأخذه بيده ، ويقول له ، وعيناه تبكيان :"ادعُ لي يا بني فإنك لم تذنب بعد "،فالعظماء مع شدة عظمتهم تجدهم متواضعين حتى مع الصبيان .
وحينما كان يستقبل الموت قال لابنه عبد الله : " يا عبد الله خذ رأسي عن الوسادة وضعه فوق التراب لعلَّ الله ينظر إليَّ فيرحمني " .
أكثر آية كان يتأثر منها : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم إلنا لا ترجعون ) ( سورة المؤمنون - 115)
كان نومه قليلاً ، وكان أكله تقوّتًا ، أي قوتًا ، وكان لبسه خشنًا ، وكان يقظان دائماً ، وكان يقول : " إذا نمتُ الليل أضعتُ نفسي ، وإن نمتُ النهار ضيَّعتُ رعيَّتي " .
وكلما التقى برجل يقول له : " قل لي بربك ولا تكذبني كيف تجد عمر ؟ أتحسب أن الله راضٍ عنه ؟ أتُراني لم أخن الله ورسوله فيكم " ، فهو يرجو من الله السلامة ، ليس إلاّ .
وكلما شعر في نفسه بتقصير كان يقول : " يا ليت أم عمر لم تلد عمر ، ليتها كانت عقيما " .
يتبع لاحقا