وصية النبي يعقوب في القرآن الكريم

mohamadamin

حكيم المنتدى
وصية النبي يعقوب في القرآن الكريم

ذكر القرآن وصية النبي يعقوب لأولاده في سياق الحديث عن قصة إمامة إبراهيم وبناء البيت الحرام من قبل إبراهيم وإسماعيل ودعائهما ببعثة الرسول الأكرم كما في الآيات التالية :
(وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ *
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ*
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلـه مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللـه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ *
إِذْ قَالَ لـه رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللـه اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *
أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلـهكَ وَإِلـه آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلـها وَاحِدًا وَنَحْنُ لـه مُسْلِمُونَ * )
البقرة/124-133
تثير هذه الآيات عدة أمور هي :
1. أن اللـه تعالى رفع نبيه إبراهيم إلى مقام آخر غير النبوة والرسالة سماه ب(الإمامة) (1) وان إبراهيم طلب هذا المقام لذريته واجابه اللـه تعالى الى ذلك واخبره ان هذا المقام الذي يجعل بعهد من الله تعالى ووصية من إبراهيم لا ينالـه ظالم من ذريته يعني ذلك حصر هذا المقام بالطاهرين من ذرية إبراهيم .
2. ان ابراهيم واسماعيل دعوا اللـه تعالى ان يبعث نبيا في ذريتهما أي في ذرية اسماعيل (2) وقد
اجمع المفسرون ان المراد بهذا الرسول هو محمد (ص) (3) .
3.اقتران الدعوة ببعثة الرسول الاسماعيلي مع بناء البيت الحرام وابتلاء اللـه تعالى نبيه ابراهيم بذبح ولده اسماعيل كما تفصلـه ايات اخرى .
4. القرن بين وصية ابراهيم ووصية يعقوب لذريتهما وبيان محورها الاساس وهو : (إِنَّ اللـه اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وإذا عرفنا ان التدين على طريقة ابراهيم ويعقوب لم يكن منحصرا في ذريتهما آنذاك عرفنا ان المراد باصطفاء الدين لذرية ابراهيم ويعقوب هو اصطفاء الطاعة (4) لـهم ، أي اصطفاءهم بالامامة الإبراهيمية دون غيرهم من اتباع ابراهيم ، هذه الامامة التي تفرض على الناس ان يخضعوا لـهؤلاء الاصفياء ويتعبدوا بطريقتهم ، ولما كان هذا المقام لا ينالـه الا المنقاد حقا للـه تعالى اكد ابراهيم ويعقوب في وصيتهما للاصفياء من ذريتهما على ان يحافظوا على الانقياد التام للـه وان لا يموتوا الا وهم مسلمون أي منقادون بشكل كامل للـه تعالى (5) ، وفي ضوء ذلك تتضح الحكمة من القرن بين وصية ابراهيم للاصفياء من ذريته (6) ووصية يعقوب للاصفياء من ذريته (7).
ثم ذكر وصية اخرى ليعقوب ، ان وصية يعقوب الاولى لم تكن شاملة لكل اولاده بل هي خاصة للاصفياء منهم الذين اصطفاهم اللـه بالامامة الإبراهيمية ، .اما وصية يعقوب الثانية وهي وصيته عند الموت لكل اولاده وفيهم الصفي وغيره فهي وصية عامة اراد يعقوب فيها ان يحصل على اقرار من بقية ولده ان يحافظوا على العهود الالـهية وان لا يخونوها.
5. جاء في سورة الصافات قولـه تعالى (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) الصافات/113والضمير في قولـه تعالى (عليه) يعود الى اسماعيل وتفيد الآية الكريمة ان من ذرية اسماعيل واسحق يوجد مستحق للامامة الابراهيمية ووارث لـها ، ولما كان اللـه تعالى قد جعل الامامة لإبراهيم قبل البشرى بإسحاق وان ابراهيم واسماعيل كانا يدعوان عند رفع القواعد من البيت بان يبعث في ذريتهما في اخر الزمان رسولا (وهو محمد (ص)) نفهم ان الوراث النهائي والابدي للامامة الابراهيمية هو هذا الرسول الاسماعيلي المكي . ولما اقتضت الحكمة الالـهية ان تستمر الرسالات في ذرية اسحق بل في ذرية يعقوب على التحديد كان الوارث للامامة الالـهية هم هؤلاء الاصفياء من ذرية يعقوب غير ان الرسالات والنبوات في ذرية يعقوب غير مستمرة الى الابد بل هي لاشغال الفترة بين اسحق وتحقق الوعد الالـهي ببعثة الرسول الاسماعيلي المكي .ويتضح من ذلك ان وارث الامامة الابراهيمية من ذرية يعقوب انما هو وارث موقت ينتهي ارثه ببعثة الرسول الاسماعيلي ، وهذه الحقيقة بوجهيها هي التي اشار اليها سفر النص موضوع الدراسة في هذه الكراسة والذي تعرض للتحريف في مراحل عدة اشرنا اليها سابقا .
(1) مقام الامامة هذا يتضمن نوعين من السلطة الاولى : سلطة البيان الديني والتشريعي . السلطة الثانية : سلطة التنفيذ .
(2) وذلك لان ابراهيم (ع) في ظرف دعائه لم تكن لـه ذرية الا اسماعيل ومن ثم فان ذرية ابراهيم منحصرة بذرية اسماعيل .
(3) جاء في سفر التكوين من التوراة 17: 20 ان اللـه تعالى دعا لاسماعيل ان يبارك فيه وان اللـه تعالى فال لـه قد اجبت دعاءك في اسماعيل وقد درسنا هذه البشارة مفصلا ونشرت في مجلة ميقات الحج العدد الأول وسنعود لـها بحول اللـه في الاعداد القادمة من هذه النشرة .
(4) الدين من معانيه اللغوية الطاعة والخضوع .
(5) الاسلام في اللغة يعني الانقياد والخضوع التامين .
(6) وهم اسماعيل واسحق ويعقوب ، وقد ولد يعقوب في عهد جده ابراهيم وكان الملك قد بشر به عند البشارة بابيه اسحق كما يفهم من قولـه تعالى (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ )هود/71.
(7) وهم يوسف وولداه منسى وافراييم . جاء في سفر التكوين 48: ( 13وَأَخَذَ يُوسُفُ أَفْرَايِمَ بِيَمِينِهِ وَأَوْقَفَهُ إِلَى يَسَارِ إِسْرَائِيلَ، وَأَخَذَ مَنَسَّى بِيَسَارِهِ وَأَوْقَفَهُ إِلَى يَمِينِهِ، 14فَمَدَّ إِسْرَائِيلُ يَمِينَهُ، مُتَعَمِّداً، وَوَضَعَهَا عَلَى رَأْسِ أَفْرَايِمَ وَهُوَ الصَّغِيرُ، وَيَسَارَهُ عَلَى رَأْسِ مَنَسَّى مَعْ أَنَّهُ الْبِكْرُ. 15وَبَارَكَ يُوسُفَ قَائِلاً: «إِنَّ اللـه الَّذِي سَلَكَ أَمَامَهُ أَبَوَايَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحقُ، اللـه الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، 16الْمَلاَكَ الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ، يُبَارِكُ الْغُلاَمَيْنِ، وَلْيُدْعَ عَلَيْهِمَا اسْمِي وَاسْمَا أَبَوَيَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحقَ، وَلْيَكْثُرَا كَثِيراً فِي الأَرْضِ) .
… ثُمَّ قَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: «إِنَّنِي مُشْرِفٌ عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنَّ اللـه سَيَكُونُ مَعَكُمْ .
 
عودة
أعلى