المخدرات مصيدة الموت

المخدرات مصيدة الموت



-1-
أجمع العالم على أن المخدرات هي العدو المشترك الذي يجب إعلان الحرب عليه حتى الموت وتنسيق الجهود الدولية للقضاء على أوكار عصاباتها أينما وجدت حتى لو كانت في كوكب آخر وفي تصريح للأمين العام للأمم المتحدة تشخيص لمشكلة المخدرات التي تمثل في رأيه تهديدا لهذا الجيل والأجيال القادمة لا يقل في خطورته عما شكلته الأوبئة التي اجتاحت كثيرا من مناطق العالم في القرون الغابرة لأن أثارها سوف تكون أشد أذى وتدميرا مما سببته تلك الأوبئة ….. ودق ناقوس الخطر في عديد من البلدان التي لم تسلم من غرور هذا الوباء الخطير لحدودها وتسليله إلى عقول شبانها ودمائهم وما نتج عنه أثار مدمرة للمجتمع بأكمله

كانت بداية المواجهة الحقيقية بين الأمريكيتين حيث شهد المسرح العالمي سقوط أباطرة المخدرات في أعنف مواجهة عرفها العالم بين مكافحي المخدرات ومروجيها ففي كولومبيا وبيرو وبنما والمكسيك و بوليفيا إغتيل عدد من رجال الدولة الذين أعلنوا معارضتهم لتجارة المخدرات كان بينهم وزراء وموظفون كبار وتعرض بعض منهم إلى التهديد بالقتل وسقط مئات من أفراد العصابات في هذه المواجهة الدامية

وشهد العالم مؤخرا أول قمة لرؤساء الولايات المتحدة وكولومبيا وبيرو وبوليفيا ……. لمناقشة استراتيجية مشتركة لمكافحة التجارة بالمخدرات التي انتشرت بشكل يهدد أمن كثير من الدول وتزايدت في خلال السنوات العشرين الأخيرة وتحولت تجارتها من شحنات صغيرة يقوم بتهريبها أفراد إلى شبكة غير مشروعة ومن جنسيات متعددة في العالم تستطيع شل الحيلة في أية دولة

-2-
لن نتوقف عند الأرقام الإحصائية والبيانات العالمية عن عدد المدمنين أو قيمة ما ينفق على علاجهم وما ينفق على عمليات المكافحة ولن نتوقف عند الجرائم التي يتسبب فيها المدمنون في بحثهم المجنون عن المال لأشباع حاجتهم الملحة للمخدر لأن وسائل الإعلام قد غطت ذلك في أكثر من مجال سنطرح هنا قضية المخدرات من منظور علم النبات لأن النبات هو الأب الشرعي لهذه المخدرات غمنذ أن تعرف الإنسان في رحلته التاريخية الغابرة النبات مصدر غذاء وكساء ودواء اهتدى إلى اكتشاف أعشاب مسكنة أو مخدرة واستطاع مع تقدمه الحضاري التحكم في زراعة هذه النباتات التي كان يتناولها لتسكين الآلام أو لعلاقتها بالطقوس الدينية وقد عرف القدماء في الحضارات المختلفة بعض النباتات ذات التأثير المخدر ومنهم من تناولها علاجا أو لأغراض أخرى وبعد أن كانت صفة التخدير في النبات ميزة حميدة ومرغوبة للعلاج وتكين الألم أصبحت ميزة محظورة عندما أسيئ استخدامها وغدا خطر المخدرات وتداولها من المسائل التي تشغل العالم منذ المؤتمر الأول للمخدرات الذي عقد في شنغهاي عام تسعة وتسعمئة وألف .

والمخدرات اشبه بالنباتات المفترسة التي يعرفها علماء النبات في المملكة النباتية باسم النباتات اللاحمة ويعرفها كتاب الخيال العلمي بالنباتات المتوحشة التي نسجوا حولها كثيرا من القصص الخيالية فكلاهما له جاذبية خاصة في اقتناص فريسته والإيقاع بها في فخ الموت وإذا كانت المخدرات التي تمضغ أو تدخن أو تحقن تؤدي في معظم الأحيان إلى الذهول والغيبوبة والارتجاف ثم الموت فإن النباتات المفترسة لها التأثير نفسه على الحشرات والكائنات الحية الدقيقة التي تحوم حولها أو تقترب منها فهي تمتاز بميزات جاذبة لا تقاوم من ألوان زاهية وأزهار رائعة الجمال ورائحة تنبعث منها لها قدرة على الإيقاع بها في مصيدة الموت .

ويعرف علماء النبات حوال خمسمئة نوع من النباتات ترتد إلى فصائل نباتية لها هذه القدرة العجيبة على اصطياد الحشرات وإفراز أنزيمات مذيبة تساعد على تحليل مكونات الفريسة وامتصاصها فلا يبقى منها إلا أشلاؤها وهذا ما يحدث للمدمنين الذين يقعون في شرك إدمان المخدرات عندما يقتربون منها بحثا عن اللذة ثم ينتقلون تدريجيا إلى حالة الإدمان التي تنتج عن تكرار تناول هذه المخدرات النباتية ومشتقاتها وسرعان ما يتحول المدمن إلى أشلاء إنسان دمر تدميرا لا إرادة أو كرامة أو حياة له وينتهي معظم هؤلاء في المستشفيات او السجون فإذا كانت النباتات المفترسة بألوانها الزاهية ورائحتها المميزة تجذب الحشرا إليها فإن المخدرات أيضا تجذب الضحايا إليها عن طريق وهم يروجه المدمنون أنفسهم بين غير المدمنين لأن المدمن يظل يبحث عن رفيق يتكئ عليه للحصول على المخدر أو للمؤانسة أو لإشباع شعور جمعي يربطه بجماعة سقطت في هذه الهوة العميقة
-3-
حتى بدايات هذا القرن كانت المخدرات المعروفة للإنسان هي تلك المجموعة التي يحصل عليها مباشرة من النبات بعد أن يقوم بإجراء بعض العمليات الخاصة بتجهيزها ولكنه مع تقدم التقنية الكيميائية استطاع أن يخلق أنواعا جديدة يقع معظمها في طائفة يعرفها علماء الكيمياء بمجموعة المخدرات الصناعية التي ظهرت في البدء على شكل عقاقير طبية ثم استخدمها الإنسان مخدرا جديدا إلى جانب استخدام ذات الأصل النباتي مما حدا بالأمم المتحدة إلى حظر تداولها على الأحتياجات العلمية والطبية وقد أثرت التطورات الأخيرة تأثيرا عميقا في عمل الرقابة الدولية التابعة للأمم المتحدة على المخدرات والمواد المهدئة مما اقتضى اتخاذ لإجرارات قومية ودولية فعالة نادت بالتزام المعاهدات الدولية التي تحظر زراعة النباتات المخدرة وإنتاجها كالخشخاش والقنب الهندي والكوكا وهي أشهرها جميعا

تعد شجيرة الكوكا مصدر الكوكايين تنبت هذه الشجرة تلقائيا أو تزرع في مناطق متعددة من العالم ويعمل الكوكايين على تسكين النشاط العقلي وتثبيطه وإصابته بحالة من الغياب وله تأثير على الجهاز العصبي مما يؤدي إلى الاسترخاء الكلي للجسم بدأ استخدام نبات الكوكا في صناعة الدوية والمشروبات الغازية من أواخر القرن التاسع عشر وعندما تبين للناس أنه يقود إلى الأدمان حورب بشكل رسمي وحكومي ولكنه لنتشر في عقد السبعينات على نطاق واسع مع تفشي استخدام المخدرات في الولايات المتحدة الأمريكية وتحول النبات فجأة من عادة هندية مستهجنة إلى أسلوب حياة غير مشروع يخلف أثارا اجتماعية واقتصادية مدمرة .

أما الطريقة التي يقع فيها الإنسان بين فكي هذه الشجرة القاتلة فهي كما يحدث للحشرة الهائمة التي تسقط على أزهار النباتات المفترسة : الحديث العذب والدعوة الخبيثة في الحالة الأولى و جمال الألوان وعبق الرائحة في الثانية يعقب ذلك الهلاك والتدمير يصبح سلوك متعاطي الكوكايين انبساطيا فإذا أدمن قاد صاحبه إلى التشكك والهياج السريع والتخيلات المفزعة كأن يشعر بأن حشرات تسعى تحت جلده وقد يتحول إلى العدوان العنيف والقتل .

وهذه شجرة أخرى تفترس الإنسان بعصيرها المجفف الذي يسيل من ثمرتها المجروحة إنه الأفيون الذي يعد من أقدم المخدرات التي عرفها الإنسان يستخرج من الأفيون الخام ما لا يقل عن خمسة وعشرين مركبا من أشهرها المورفين . إن قيمة الأفيون الطبية ومشتقاته عالية لكن إساءة استخدامه نتج عنه كثير من المآسي التي تبدأ في كثير من الأحوال باستجرار الإنسان البريئ فإذا تورط أودت به في النهاية إلى الانتحار لأن الأفيون سرعان مايصبح ضروريا لحياة المدمن الذي يدفع غالبا حياته ثمنا لجرعة منه أو مشتقاته

إن الأفيون ومشتقاته مهبطات تنقص من حدة الجهاز العصبي المركزي وتحدث نقصا في الشعور بالخوف والألم و الجوع مع طول استخدامه ينخفض ما لدى الفرد من طموح وكفاءة عقلية ومعايير أخلاقية وقد ذكرت التقارير أنه يؤدي إلى خيالات انفعالية

وأما أعراض الانسحاب فإنها شديدة الإيلام : اشتهاء شديد للمخدر وعرق بارد وارتعاشات وتقلصات في البطن وقلق يعيد صاحبه عن الاستقرار وازدياد في اللعاب ورغبة في القيء وإصابة بالإسهال وأرق وتثاؤب لا يمكن السيطرة عليه ورعب ومحاولات انتحار

وتصل أعراض النسحاب إلى ذروتها بعد فترة تراوح ما بين ست وثلاثين وثمان وأربعين ساعة من موعد الجرعة الأخيرة وتدوم على هذا المستوى الشديد مدة تبلغ نحو ثمان وأربعين ساعة أخرى

ويعد الخشيش من أكثر أنواع المخدرات شهرة وانتشارا في العالم إذ تشير الإحصاءات إلى أنه أكثر المخدرات تداولا بسبب رخص ثمنه نسبيا وتوافره يستخرج من القمم الزهرية المؤنثة لنبات القنب الهندي مضغوطة في كتل متماسكة يتهافت عليها المرضى فيحصدون النتائج الوخيمة من ذهول وهلوسة وأحلام وضياع وانهيار ومن الأعراض التي تترتب على استعماله فقدان القابلية والقلق زفقدان التناسق واللجلجة في الحديث ويؤدي تناوله بصورة مزمنة إلى صعوبة النوم والتبلد الوجداني وفقدان الإنتاجية وتناقص الكفاءة الاجتماعية والعقلية

-4-
هذه النباتات بما تحويه من مادة مخدرة تعد من وجهة نظر طبية نعمة يستخدمها الإنسان في تسكين آلامه حين تكون الحاجة ماسة إليه لكن الإنسان الذي تمادى في الاعتداء على كل شيئ حتى على نفسه أساء استخدمها فتحولت من نعمة إلى نقمة فلتحذر الأجيال منها لأنها السم النافع والداء الوبيل ومصدر تحطم الفرد والمجتمع وليحذر الشبان من الوقوع في شركه وليتجنبوا محاولات الفاسدين لاستدراجهم إليها لأن طريق الهلاك يبدأ بخطوة .

شرح المفردات:

الأنزيمات : مفردها الأنزيم وهو : مادة عضوية معقدة التركيب يحصل عليها من الخلايا الحية بعضها يحلل المواد البروتينية وبعضها الآخر يحلل المواد الدهنية

التقنية الكيميائية : الاستخدام الأمثل للكيمياء

الخيالات الانفعالية : الحلام المفزعة الكوابيس

القمم الزهرية المؤنثة : التي تحوي أزهارا مؤنثة

للاستاذ محمد همام فكري ( ونعتذر له عن عدم ذكر المصدر من قبل )
 
بارك الله لك موضوع يعالج افة من آفات المجتمع و هي الاخطر مشكووور اخي تحياتي
 
مشكوووووووووووووور اخى الكريم​
 
مشكور يا أخي العزيز الموضوع حقا يعالج شيئا يهددنا و نحن لا نلقي له إهتماما
يقتل شبابنا و يدمر أسرنا و نمر عليه كأنه مجرد أفة إجتماعية صغيرة
إنه أشد فتكا من الإيدز وجميع الأفات
 
عودة
أعلى