قصي حمدان
New Member
بسم الله الرحمن الرحيم
فضائله :
ما حاز الفضائل رجل كما حازها أبو بكر رضيالله عنه
1- هو أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم :
قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نخيّر بين الناس في زمنالنبي صلى الله عليه وسلم ، فنخيّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفانرضي الله عنهم . رواه البخاري .
فقد سبق إلى الإيمان ، وصحب النبي صلى الله عليهوسلم وصدّقه ، واستمر معه في مكة طول إقامته رغم ما تعرّض له من الأذى ، ورافقه فيالهجرة .
2- وهو ثاني اثنين في الغار مع نبي الله صلى الله عليه وسلم :
قال سبحانه وتعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِيالْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)
قالالسهيلي : ألا ترى كيف قال : لا تحزن ولم يقل لا تخف ؟ لأن حزنه على رسول الله صلىالله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه .
ولما أراد النبيصلى الله عليه وسلم أن يدخل الغار دخل قبله لينظر في الغار لئلا يُصيب النبي صلىالله عليه وسلم شيء .
ولما سارا في طريق الهجرة كان يمشي حينا أمام النبي صلىالله عليه وسلم وحينا خلفه وحينا عن يمينه وحينا عن شماله .
3- وهو أول الخلفاء الراشدين:
وقد أُمِرنا أن نقتدي بهم ، كما في قولهعليه الصلاة والسلام : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضواعليها بالنواجذ ) . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه .
4- هو أشجع الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أخرج البزار في مسنده عن علي أنه قال : أخبروني من أشجع الناس ؟ فقالوا : أنت ، قال : أما إني ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه ، و لكن اخبروني بأشجع الناس ؟ قالوا : لا نعلم ، فمن ؟ قال : أبو بكر ، إنه لما كان يوم بدر ، فجعلنا لرسول الله صلى الله عليه و سلم عريشاً ، فقلنا : من يكون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين ؟ فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم ، لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه ، فهو أشجع الناس . قال علي رضي الله عنه : و لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخذته قريش ، فهذا يجبأه ، و هذا يتلتله ، و هم يقولون : أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً ؟ قال : فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ، و يجبأ هذا ، و يتلتل هذا ، و هو يقول : ويلكم ! أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ، ثم رفع علي بردة كانت عليه ، فبكى حتى اخضلت لحيته ، ثم قال : أنشدكم الله ، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر ؟ فسكت القوم ، فقال : ألا تجيبونني ؟ فو الله لساعة من أبي بكر خير من ألف ساعة من مثل مؤمن آل فرعون ، ذاك رجل يكتم إيمانه ، و هذا رجل أعلن إيمانه .
و أخرج البخاري عن عروة بن الزبير قال : سألت عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم و هو يصلي ، فوضع رداءه في عنقه ، فخنقه به خنقاً شديداً ، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه ، فقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله و قد جاءكم بالبينات من ربكم ؟
5- الحليم المتواضع :
أخرج ابن عساكر عن أنيسة قالت : نزل فينا أبو بكر ثلاث سنين قبل أن يستخلف و سنة بعدما استخلف ، فكان جواري الحي يأتينه بغنمهن فيحلبهن لهن .
و أخرج ابن عساكر عن أبي صالح الغفاري : أن عمر بن الخطاب [ كان يتعهد عجوزاً كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل فيسقي لها ، و يقوم بأمرها ، فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت ، فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها ، فرصده عمر ، فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها ـ و هو يومئذ خليفة ـ فقال عمر : أنت هو لعمري ] .
مرة مُدح هذا الصحابي الجليل فقال : اللهم أنت أعلم بي من نفسي ، وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلني خيراً مما يقولون واغفر لي مالا يعلمون و لا تؤاخذني لما يقولون .
6- هو أجود الصحابة :
قال الله تعالى : " وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى " إلى آخر السورة .
قال ابن الجوزي : أجمعوا على أنها نزلت في أبي بكر .
و أخرج أحمد " عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر " فبكى أبو بكر ، و قال : هل أنا و مالي إلا لك يا رسول الله ؟ .
و أخرج أبو يعلى من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً مثله .
قال ابن كثير : و روي أيضاً من حديث علي ، و ابن عباس ، و أنس ، و جابر بن عبد الله ، و أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنهم . و أخرجه الخطيب عن سعيد بن المسيب مرسلاً ، و زاد : [ و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه ] .
و أخرج ابن عساكر من طرق عن عائشة رضي الله عنها ، و عروة بن الزبير [ أن أبا بكر رضي الله عنه أسلم يوم أسلم و له أربعون ألف دينار ، و في لفظ : أربعون ألف درهم ، فأنفقها على رسول الله صلى الله عليه و سلم ] .
و أخرج أبو سعيد ابن الأعرابي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أسلم أبو بكر رضي الله عنه يوم أسلم و في منزله ألف درهم ، فخرج إلى المدينة في الهجرة و ما له غير خمسة آلاف ، كل ذلك ينفعه في الرقاب و العون على الإسلام .
و أخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر أعتق سبعة كلهم يعذب في الله .
و أخرج أبو داود و الترمذي ، " عن عمر بن الخطاب قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نتصدق ، فوافق ذلك مالاً عندي . قلت : اليوم أسبق أبا بكر ـ إن سبقته يوماً فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : و أتى أبو بكر بكل ما عنده ، فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم الله و رسوله ، فقلت : لا أسبقه في شيء أبداً " . قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح .
7- ومن فضائله رضي الله عنه أنه يُدعى منأبواب الجنة كلها :
عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب -يعني الجنة- : يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد ، دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان )...فقال أبو بكر ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله )...قال نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر )... رواه البخاري ومسلم .
8- ومن فضائله أنه جمع خصال الخير في يومواحد :
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح منكم اليوم صائما ؟
قال أبو بكررضي الله عنه : أنا .
قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟
قال أبو بكر رضيالله عنه : أنا .
قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟
قال أبو بكر رضي اللهعنه : أنا .
قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟
قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة .
9- لقد جمع بيت أبي بكر وآل أبي بكر من الفضائل الجمة الشيء الكثيرالذي لم يجمعه بيت في الإسلام :
فقد كان بيتأبي بكر رضي الله عنه في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في الاستعداد للهجرة، وما فعله عبد الله بن أبي بكر وأخته أسماء في نقل الطعام والأخبار لرسول الله صلىالله عليه وسلم وصاحبه في الغار ، ها وإن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هي بنت أبيبكر رضي الله عنه وعنها
10- أدبهوتواضعهفيالتعاملمعالصحابة :
- قصة أولى : ربيعة الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان بيني وبين أبي بكر كلام ، حوار ، فقال لي كلمة كرهتها ، يبدو أن سيدنا الصديق تكلم كلمة ، فرأى في وجه أخيه ربيعة جمودًا ، ثم ندم عليها ، وقال لي : يا ربيعة ردَّ عليَّ مثلها حتى تكون قصاصًا ، قلت : لا أفعل ، أعوذ بالله .
11- أدبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته :
ولما وقف سيدنا الصديق على منبر رسول الله لم يجرؤ على أن يقف في ذلك المكان ، لقد كان يقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصعد درجتين فقط ، ولعل منبر النبي كان له ثلاث درجات فقط ، لكنه صعد درجتين ، واكتفى بهما ، ثم إنّ سيدنا عمر ما جرؤ على أن يقف في مقام أبي بكر ، قال : ما كان اللهُ ليراني أن أضعَ نفسي في مقام أبي بكر .
12- رحمته :
لذلك وصف النبي هذا الصحابي الجليل بأوصاف ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ * (رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد)
13- علمه ، و ذكاؤه :
قال النووي في تهذيبه و من خطه نقلت : استبدل أصحابنا على عظم علمه بقوله رضي الله عنه في الحديث الثابت في الصحيحين : و الله لأقاتلن من فرق بين الصلاة و الزكاة ، و الله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم على منعه . و استدل الشيخ أبو إسحاق بهذا و غيره في طبقاته على أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعلم الصحابة ، لأنهم كلهم وقفوا عن فهم الحكم في المسألة إلا هو ، ثم ظهر لهم بمباحثته لهم أن قوله هو الصواب فرجعوا إليه .
و روينا عن ابن عمر أنه سئل : من كان يفتي الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أبو بكر و عمر رضي الله عنهما ، ما أعلم غيرهما .
و أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري قال : خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس و قال : إن الله تبارك و تعالى خير عبداً بين الدنيا و بين ما عنده ، فاختار ذلك العبد ما عند الله تعالى ، فبكى أبو بكر و قال : نفديك بآبائنا و أمهاتنا ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن عبد خير ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم هو المخير ، و كان أبو بكر أعلمنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن من أمن الناس علي في صحبته و ماله أبا بكر ، و لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ، و لكن أخوة الإسلام و مودته ، لا يبقين باب إلا سد إلا باب أبي بكر " هذا كلام النووي .
و قال ابن كثير : كان الصديق رضي الله عنه أقرأ الصحابة ـ أي أعلمهم بالقرآن ـ لأنه صلى الله عليه و سلم قدمه إماماً للصلاة بالصحابة رضي الله عنه مع قوله : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " . و كان مع ذلك أعلمهم بالسنة ، كما رجع إليه الصحابة في غير موضع ، يبرز عليهم بنقل سنن عن النبي صلى الله عليه و سلم ، يحفظها هو و يستحضرها عند الحاجة إليها ، ليست عندهم ، و كيف لا يكون ذلك و قد واظب على صحبة الرسول الله صلى الله عليه و سلم من أول البعثة إلى الوفاة ؟ و هو مع ذلك من أذكى عباد الله و أعقلهم ، و إنما لم يرو عنه من الأحاديث المسندة إلا القليل لقصر مدته و سرعة وفاته بعد النبي صلى الله عليه و سلم ، و إلا فلو طالت مدته لكثر ذلك عنه جداً ، و لم يترك الناقلون عنه حديثاً إلا نقلوه ، و لكن كان الذين في زمانه من الصحابة لا يحتاج أحد منهم أن ينقل عنه ما قد شاركه هو في روايته فكانوا ينقلون عنه ما ليس عندهم .
و أخرج أبو القاسم البغوي عن ميمون بن مهران قال : كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي به بينهم قضى به ، و إن لم يكن في الكتاب و علم من رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك الأمر سنة قضى بها ، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين و قال : أتاني كذا و كذا ، فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى في ذلك بقضاء ؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه قضاء ، فيقول أبو بكر : الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا ، فإن أعياه أن يجد فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع رؤوس الناس و خيارهم فاستشارهم ، فإن أجمع أمرهم على رأي قضى به ، و كان عمر رضي الله عنه يفعل ذلك ، فإن أعياه أن يجد في القرآن و السنة نظر هل كان لأبي بكر فيه قضاء ؟ فإن وجد أبا بكر قضى فيه بقضاء قضى به ، و إلا دعا رؤوس المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر قضى به .
و كان الصديق رضي الله عنه مع ذلك أعلم الناس بأنساب العرب ، لا سيما قريش ، أخرج ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن شيخ من الأنصار قال : كان جبير ابن مطعم من أنسب قريش لقريش و العرب قاطبة ، و كان يقول : إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق ، و كان أبو بكر الصديق من أنسب العرب .
و كان الصديق مع ذلك غاية في علم تعبير الرؤيا ، و قد كان يعبر الرؤيا في زمن النبي صلى الله عليه و سلم ، و قد قال محمد بن سيرين ـ و هو المقدم في هذا العلم بالاتفاق ـ : كان أبو بكر أعبر هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه و سلم ، أخرجه ابن سعد .
و أخرج الديلمي في مسند الفردوس و ابن عساكر " عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرت أن أؤول الرؤيا و أن أعلمها أبا بكر " .
قال ابن كثير : و كان من أفصح الناس و أخطبهم . قال الزبير بن بكار : سمعت بعض أهل العلم يقول : أفصح خطباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : أبو بكر الصديق ، و علي بن أبي طالب رضي الله عنهما . و سيأتي في حديث السقيفة قول عمر رضي الله عنه : و كان من أعلم الناس بالله و أخوفهم له ، و سيأتي من كلامه في ذلك و في تعبير الرؤيا و من خطبه جملة في فصل مستقل .
و من الدلائل على أنه أعلم الصحابة حديث صلح الحديبية حيث سأل عمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك الصلح ، و قال : علام نعطي الدنية في ديننا ؟ فأجابه النبي صلى الله عليه و سلم ، ثم ذهب إلى أبي بكر فسأله عما سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فأجابه كما أجابه النبي صلى الله عليه و سلم سواء بسواء أخرجه البخاري و غيره .
و كان مع ذلك أسد الصحابة رأياً و أكملهم عقلاً . أخرج تمام الرازي في فوائده و ابن عساكر " عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : أتني جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر " . و أخرج الطبراني و أبو نعيم و غيرهما عن معاذ بن جبل "أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أراد أن يسرح معاذاً إلى اليمين استشار ناساً من أصحابه فيهم أبو بكر ، و عمر ، و عثمان ، و علي ، و طلحة ، و الزبير ، و أسيد بن حضير ، فتكلم القوم كل إنسان برأيه ، فقال : ما ترى يا معاذ ؟ قلت : أرى ما قال أبو بكر " ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " إن الله يكره فوق سمائه أن يخطأ أبو بكر " و رواه ابن أبي أسامة في مسنده " إن الله يكره في السماء أن يخطأ أبو بكر الصديق في الأرض " و أخرج الطبراني في الأوسط عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن الله يكره أن يخطأ أبو بكر " رجاله ثقات .
قال النووي في تهذيبه : الصديق أحد الصحابة الذين حفظوا القرآن كله ، و ذكر هذا أيضاً جماعة منهم ابن كثير في تفسيره ، و أما حديث أنس [جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة ] فمراد من الأنصار كما أوضحته في كتاب الإتقان ، و أما ما أخرجه ابن أبي داود عن الشعبي قال : مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه و لم يجمع القرآن كله ، فهو مدفوع ، أو مؤول على أن المراد جمعه في المصحف على الترتيب الذي صنعه عثمان رضي الله عنه .
خلافته رضي الله عنه : ( 11-13 هـ / 632- 634م )
أشارات النبي صلى الله عليه وسلم لتولي أبي بكر الخلافة : لقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرضه أن يُصليبالناس و أصر على ذلك ، ففي الصحيحين عن عائشةَ رضي اللّهُ عنها قالت لما مَرِضَ النبيّ صلىالله عليه وسلم مرَضَهُ الذي ماتَ فيه أَتاهُ بلالٌ يُؤْذِنهُ بالصلاةِ فقال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصَلّ . قلتُ : إنّ أبا بكرٍ رجلٌ أَسِيفٌ [ وفي رواية : رجلرقيق ] إن يَقُمْ مَقامَكَ يبكي فلا يقدِرُ عَلَى القِراءَةِ . قال : مُروا أَبابكرٍ فلْيُصلّ . فقلتُ مثلَهُ : فقال في الثالثةِ - أَوِ الرابعةِ - : إِنّكنّصَواحبُ يوسفَ ! مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ ، فصلّى ) .
وروىالبخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلمفي مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى اكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقولقائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر .
وجاءت امرأة إلىالنبي صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء فأمرها بأمر ، فقالت : أرأيت يا رسول اللهإن لم أجدك ؟ قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر . رواه البخاري ومسلم .
قال عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . رواهالإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وهو حديث صحيح .
أليست هذه اشارات من النبي صلى الله عليه وسلم لتولي أبي بكر الخلافة ؟
مبايعته على الخلافة : أخرج النسائي و أبو يعلي و الحاكم و صححه عن ابن مسعود قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت الأنصار : منا أمير و منكم أمير ، فأتاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا معشر الأنصار ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس ؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ؟ فقالت الأنصار : نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر .
وتمت بيعته رضي الله عنه و أرضاه.
و أخرج ابن سعد عن إبراهيم التميمي قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى عمر أبا عبيدة بن الجراح فقال : أبسط يدك لأبايعك إنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال أبو عبيدة لعمر : ما رأيت لك فهة قبلها منذ أسلمت ! أتبايعني و فيكم الصديق و ثاني اثنين ؟
الفهة : ضعف الرأي .
و أخرج ابن سعد أيضاً عن محمد أن أبا بكر قال لعمر : ابسط يدك لأبايعك ، فقال له عمر : أنت أفضل مني ، فقال له أبو بكر : أنت أقوى مني ، ثم كرر ذلك ، فقال عمر : فإن قوتي لك مع فضلك ، فبايعه .
خطبة الخلافة : ثم تكلم أبو بكر فحمد الله و أثنى عليه ، ثم قال : أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم و لست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، و إن أسأت فقوموني ، الصدق أمانة ، و الكذب خيانة ، و الضعف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، و القوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، و لا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعت الله و رسوله ، فإذا عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم ، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله .
و أخرج موسى بن عقبة في مغازيه و الحاكم و صححه عن عبد الرحمن بن عوف قال : خطب أبو بكر ، فقال : و الله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً و لا ليلة قط ، و لا كنت راغباً فيها ، و لا سألتها الله في سر و لا علانية ، و لكني أشفقت من الفتنة ، و مالي في الإمارة من راحة ، لقد قلدت أمراً عظيماً مالي به من طاقة و لا يد إلا بتقوية الله ، فقال علي و الزبير : ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة ، و إنا نرى أبا بكر أحق الناس بها ، إنه لصاحب الغار ، و إنا لنعرف شرفه و خيره ، و لقد أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصلاة بالناس و هو حي .
ورعهوحكمتهفيالخلافة :
تروي كتب السيرة أن السيدة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والعباس عمُّ رسول الله ذهبا إليه ، إلى سيدنا الصديق ، يسألانه حقهما في قطعة أرض صغيرة ، كان النبي صلى الله عليه و سلم قد أصابها في بعض الفيء وكان عليه الصلاة و السلام يعطي السيدة فاطمة و بعض أهله جزءاً من نتاجها ثم يقسم الباقي بين فقراء الصحابة ، يعني النبي ماله من الفيء شيء ، قطعة أرض زراعية ، فكان يعطي بعض ريعها للسيدة فاطمة ولعمه العباس ، ويوزع الباقي على فقراء المسلمين ، فلما توفي النبي عليه الصلاة والسلام جاءت السيدة فاطمة وسيدنا العباس إلى سيدنا الصديق يسألانه هذه الأرض ، فقال لها وللعباس : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ مَا تَرَكْتُ بَعْدَ مَئُونَةِ عَامِلِي وَنَفَقَةِ نِسَائِي صَدَقَةٌ * (متفق عليه)
وإني والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام يصنعه إلا صنعته ، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ .
قالت : إنك تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهبها لي في حياته ، فهي إذاً لي بحق الهبة لا بحق الإرث ، فقال أبو بكر : أجل أعلم ، لكني رأيته يقسمها بين الفقراء والمساكين وابن السبيل بعد أن يعطيكم منها ما يكفيكم ، وإذاً فقد أراد أن يكون فيها حق دائم للفقراء ، فهي وقف ، فعلُهُ يؤكِّد أن هذه الأرض وقف لفقراء المسلمين والمساكين ، كان يعطيكم منها بعض حاجتكم ، ويعطي الباقي لفقراء المسلمين .
ثم قالت فاطمة رضي الله عنها : دعها إذاً في أيدينا ونحن نجري فيها على ما كانت تجري عليه وهي في يد رسول الله ، لا بأس ، هي وقف اجعلها في أيدينا ونحن نعطي الفقراء الذين كانوا يأخذون من ريعها ، قال أبو بكر : لست أرى ذلك فأنا أمير المؤمنين من بعد رسولهم وأنا أحق بذلك منكما أضعها في الموقع الذي كان رسول الله يضعها فيه .
- وهذا موقف ثانٍ : سيدنا الصديق تسلم منصب الخلافة و في أول يوم من خلافته يضع على كتفيه لفافة كبيرة من الثياب ليبيعها في السوق ، ما هذا؟ رآه عمر رضي الله عنه و أبو عبيدة فوقفا يسألانه : إلى أين يا خليفة رسول الله ؟ قال : إلى السوق ، قالا : لماذا و قد وليت أمر المسلمين ، قال : فمن أين أطعم أولادي ؟ نريد أن نأكل ، قال عمر : انطلق معنا نفرض لك شيئاً من بيت المال ، تعويض تفرغ ، صحبهما الخليفة إلى المسجد حيث نودي أصحاب رسول الله ، وعرض عليهم عمر رأيه في أن يفرض للخليفة بدل تفرغ ، أنت خليفة ومكلف برعاية شؤون المسلمين فهل من المعقول أن تبيع أقمشة بالطريق من أجل أن تأكل أنت و أولادك ؟ صدقوني ليس هذا تمثيلاً ، أحياناً يكون هناك تمثيلٌ ، هذه حقيقة .
- كان لهذا الصحابي الجليل غلام جاءه بطعام فأكل منه ، ولما فرغ من أكله قال له الغلام : أتدري ما هذا يا خليفة رسول الله ؟ قال أبو بكر : ما هذا ؟ قال إني كنت قد تكهنت لرجل في الجاهلية ، وما أحسُن الكهانة إلا أني خدعته ، وقد لقيني اليوم فأعطاني مالاً ، فهذا الذي أكلت منه من هذا المال ، قال : فأدخل الصديق يده في فمه حتى قاء كل شيء في جوفه ، ويضيف صاحب كتاب الصفوة أنه قيل لأبي بكر رضي الله عنه : يرحمك الله أكلُّ هذا من أجل لقمة واحدة ؟ فقال : و اللهِ لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها .
أعماله :
1- سبقه إلى الاسلام : من أعظم أعماله سبقه إلى الإسلام .
2- هجرته مع النبي صلى اللهعليه وسلم .
3- وثباته يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم : الموقف الذي لا ينسى ، والذي عصم الله به المسلمين من الشتات يوم توفي النبي عليه الصلاة و السلام ، سيدنا عمر حينما علِم بنبأ الوفاة قال كلاماً اختل توازنه ، قال : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله مات ، وإنه والله ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، والله ليرجعنَّ رسول الله فليقطعنّ أيدي رجال زعموا أنه مات ، ألا لا أسمع أحداً يقول : إنه مات إلا فلقت هامته بسيفي هذا .
سيدنا الصديق وهو في طريق العودة إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام سمع النبأ في الطريق ، فقال : لا حول و لا قوة إلا بالله ، أقبل أبو بكر يكلم الناس ، فلم يلتفت إلى شيء و دخل على النبي عليه السلام وهو مسجى في ناحية البيت عليه بردة حبرة ، فكشف عن وجهه ، ثم قَبَّله ، وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله طبتَ حياً وميتاً ، إن الموتة التي كتبها الله عليك قد مِتَّها ، ثم ردّ الثوب على وجه النبي ، ثم خرج وعمر يكلم الناس ، فدعاه للسكوت فأبى أن يسكت ، وتابع عمرُ كلامه ، فقال الصدِّيقُ : أيها الناس ، فلما رأى الناسُ الصدِّيق يتكلم أنصتوا ، وأقبل على الناس يكلمهم ، فلما سمعوه أقبلوا عليه منصتين ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، سيدنا الصديق وهو في أعلى درجات الحب ما غابت عنه حقائق التوحيد ، قال أيها الناس : لو لم يكن له إلا هذه الكلمة لكفته ، قال أيها الناس : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، فهو واقعيوعاقل ومتماسك القلب والنفس ، ومَن كان يعبد اللهَ فإن الله حي لا يموت ، والأصل هو الله ، الله حي لا يموت ، ثم تلا هذه الآية :
( سورة آل عمران )
قال : فو الله لكأن الناس يسمعون هذه الآية أول مرة في حياتهم ، (أفإن مات أو قتل) ، أما عمر فقد وقع على الأرض حين علم أن كلمات أبي بكر تؤكد أنه قد مات ، وما صدّق ذلك .
5- ومن أعماله قبل الهجرة : أنه أعتق سبعة كلهم يُعذّب في الله ، وهم : بلال بن أبي رباح ، وعامر بن فهيرة ،وزنيرة ، والنهدية وابنتها ، وجارية بني المؤمل ، وأم عُبيس .
6- حروب الردة ومحاربة مانعي الزكاة وقتل مسيلمة الكذاب : بعد وفـاة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب ومنعت الزكاة ، واختلـف رأي الصحابة في قتالهم مع تكلمهم بالتوحيـد ، قال عمر بن الخطاب كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله )؟!)...فقال أبو بكر الزكاة حقُّ المال )...وقال والله لأقاتلن من فرّق الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عَنَاقاً كانوا يُؤدّونها الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها )...ونصب أبو بكر الصديق وجهه وقام وحده حاسراً مشمِّراً حتى رجع الكل الى رأيه ، ولم يمت حتى استقام الدين ، وانتهى أمر المرتدين...
7- جيش أسامة : وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد في سبعمائة الى الشام ، فلمّا نزل بـذي خُشُـب -واد على مسيرة ليلة من المدينة- قُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وارتدّت العرب حول المدينة ، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا يا أبا بكر رُدَّ هؤلاء ، تُوجِّه هؤلاء الى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟!)...فقال والذي لا إله إلا هو لو جرّت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رَدَدْت جيشاً وجَّهه رسول الله ولا حللت عقدَهُ رسول الله )...فوجّه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا لولا أن لهؤلاء قوّة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم )...فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام...
8- فتوحات الشام والعراق : انتهت حروب الردة، وتمالقضاء على كل من ادعى النبوة كالأسود العنسى، ومسيلمة الكذاب، وسجاح. ورجع الهدوءوالاستقرار إلى الجزيرة العربية. ولمّا فرغ أبو بكر -رضي الله عنه- من قتال المرتدين بعث أبا عبيدة الى الشام وخالد بن الوليد الى العراق ، وكان لا يعتمد في حروب الفتوحات على أحد ممن ارتدَّ من العرب ، فلم يدخل في الفتوح إلا من كان ثابتا على الإسلام... وفي عهدهفُتِحت فتوحات الشام ، وفتوحات العراق
9- جمع القرآن : أخرج البخاري عن زيد بن ثابت قال : أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة و عنده عمر ، فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس ، و إني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن يجمعوه وإني لأرى أن يجمع القرآن ، قال أبو بكر : فقلت لعمر : كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال عمر : هو و الله خير ، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري ، فرأيت الذي أرى عمر ، قال زيد : ـ و عمر عنده جالس لا يتكلم ـ فقال أبو بكر : إنك شاب عاقل ، و لا نتهمك ، و قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فتتبع القرآن فاجمعه ، فو الله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن ، فقلت : كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر : هو و الله خير ، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر و عمر ، فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع و الأكتاف و العسب و صدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت لم أجدهما مع غيره [ لقد جاءكم رسول من أنفسكم ] إلى آخرها ، فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حتى توفاه الله ، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنها .
و أخرج أبو يعلي عن علي قال : أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر ، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين .
10- استخلاف عمر : لمّا أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بن الخطاب بعث إليه وقال إني أدعوك إلى أمر متعب لمن وليه ،فاتق الله يا عمر بطاعته ، وأطعه بتقواه ، فإن المتقي آمن محفوظ ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به ، فمن أمر بالحق وعمل بالباطل ، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيتُهُ ، وأن يحبط عمله ، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخفّ يدك من دمائهم ، وأن تصم بطنك من أموالهم ، وأن يخف لسانك عن أعراضهم ، فافعل ولا حول ولا قوة إلا بالله )...
وفاته :
توفي في المدينة في يوم الاثنين في جمادى الأولى سنةثلاث عشرة من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة . مات أبو بكر رضي الله عنه وما ترك درهما ولا دينارا
و أخرج الطبراني في مسنده عن الحسن بن علي بن أبي طالب قال : لما احتضر أبو بكر قال : يا عائشة ، انظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها ، و الجفنة التي كنا نصطبغ فيها ، و القطيفة التي كنا نلبسها ، فإنا كن ننتفع بذلك حين كنا نلي أمر المسلمين . فإذا مت فاردديه إلى عمر ، فلما مات أبو بكر أرسلت به إلى عمر ، فقال عمر : رحمك الله يا أبا بكر ! لقد أتعبت من جاء بعدك .
و أخرج ابن سعد و غيره عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما ثقل أبو بكر تمثلت بهذا البيت .
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ................. إذا حشرجت يوماً و ضاق بها الصدر
فكشف عن وجهه ، و قال : ليس كذلك ، و لكن قولي : " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد " ، انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما و كفنوني فيهما ، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت .
وكان آخر ما تكلم به تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِيبِالصَّالِحِين [يوسف: 101]. ولم يترك ثروة طائلة، وإنما ترك ذكرى طيبة. وحسبه أنهجمع المسلمين، ووحّد كلمتهم، وأمَّن حدود الدولة، ولقَّن الأعداء درسًا لايُنسى.
ولمّا كان اليوم الذي قُبض فيه أبو بكر رجّت المدينة بالبكاء ، ودهش الناس كيوم قُبض الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وجاء علي بن أبي طالب باكيا مسرعا وهو يقول اليوم انقطعت خلافة النبوة)...حتى وقف على البيت الذي فيه أبو بكر مسجّىً فقال رحمك الله يا أبا بكر ، كنت أول القوم إسلاما ، وأكملهم إيمانا ، وأخوفهم لله ، وأشدهم يقينا ، وأعظمهم عناءً ، وأحوطهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأحدبهم على الإسلام ، وآمنهم على أصحابه ، وأحسنهم صُحْبة ، وأفضلهم مناقب ، وأكثرهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأشبههم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- به هدياً وخُلُقاً وسمتاً وفعلاً...
بعد وفاة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه ذهب عمر يسأل زوجته أسماء بنت عميس كيف كان أبو بكر يعبد ربه عندما يخلو بنفسه ؟ فأجابته قائلةً : كان إذا جاء وقت السحر ، قبيل الفجر، قام فتوضأ ، وصلى ، ثم يستمر يصلي ، ويتلو القرآن ، ويبكي ويسجد ويبكي ويدعو ويبكي وكنت أنا أشم في البيت رائحة كبد تشوى ، فبكى عمر رضي الله عنه ، قال عمر : أنَّى لابن الخطاب مثلُ هذا ، وقال عمر : ما أنا إلا حسنة من حسنات أبي بكر .
و أخرج عن عروة ، و القاسم بن محمد أن أبا بكر أوصى عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما توفي حفر له ، و جعل رأسه عند كتف رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ألصق اللحد بقبر رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و أخرج عن ابن عمر قال : نزل في حفرة أبي بكر : عمر ، و طلحة ، و عثمان ، و عبد الرحمن بن أبي بكر .
و أخرج من طرق عدة : أنه دفن ليلاً .
رحمك الله يا صديق
مهما تكلمت فيك فلن أوفيك حقك ولكن حسبي أن أومض شمعة لمن أراد أن يستزيد من سيرتك العطرة
يعلم الله يا أبا بكر أنني ( قصي حمدان الفقير إلى الله ) أحبك في الله
تم والحمد لله الجزء الأول
و لمن أراد ج1 مع ج2 فهو في الملفات المرفقة