nanci taha
New Member
ماءٌ ومِغطسٌ وجَسَد
للكَـاتِب اليمني حسين حسن السقاف
لعل من أسوا أيام حياته أن يستدعي الأمر سفره خارج مدينته، حتى انه يعتذر لكابتن فريقه عن ذلك إلا في المباريات الأكثر أهمية والمصيرية ، كان ذلك بعد أن تـزوج على سعاد ،فهو يقضي معظم ساعات فراغه معها حتى أن مدربه يَغيرُ عليه منها ، كانت السعادة تطفح من أعينهما لثمان سنوات من حياتهما الزوجية ، بيدَ أن سعيد في هذه السنة بدا يعاني من الكآبة، مما أثرَ بعض الشيء على لياقته ،رغم حفاظه على استمرار التميز في لعبة كرة السلة.
أقامت وزارة الشباب والرياضة حفلا تكريميا في العاصمة صنعاء لأبرز اللاعبين في جميع الألعاب، كان سعيد لا يرغب السفر لحضور الحفل غير أن مدير المؤسسة التي يعمل بها والذي يعشق الرياضة، شجعه على ذلك.
طلب سعيد من احد سائقي أجرة مطار صنعا الدولي إيصاله إلى احد فنادق الدرجة المتوسطة ذات النجوم الأربعة.
صعد به عامل الفندق بالمصعد إلى الدور الأخير في المبنى ليسلمه غرفته. سعيد لا تروقه الأدوار العليا بيدَ أن الطابق العلوي هنا هاديٍ خال من النـزلاء ،فوجد بان لاضير في سكن الغرفة رقم ( 705) خاصة بعد أن وجد الغرفة واسعة وجميلة وتُطل بلكونتها على حديقة جميلة ، هذه الغرفة ذات السريرين تحوي صالة صغيرة وحمام واسع.كانت أشعة الشمس المنعشة اليافعة تخترق البرداتها الصفراء المقلمة بخطوط زرقاء رفيعة لتجعل لون الغرفة مشرقا وباسماً .أغلق سعيد الباب خلف موظف الفندق وعمد إلى حل ملابسه كان يقذف بها قطعة قطعة إلى المشجب ذي الأذرع المتعددة الذي يُشبه (السَتي) وكأنه يسجل أهدافا في مرمى كرة السلة حتى صار المشجب وكأنه (فاترينة) لعرض الملابس ، لم يبقي على جسده الضخم غير منشفة حمراء اتـزر بها، اتجه إلى الحمَام فتح صنبور المغطس وعمد إلى معايرة الماء المتدفق من فوهة الصنبور بلونيها الأزرق والأحمر، حانت منه ابتسامة خفيفة عندما وصل الماء إلى الدرجة التي يبتغياها،عندها تجرد من إزاره ودخل المغطس بعد أن أدار صمام الصنبور إلى الأعلى لتندفع زخَّات الماء المتدفقة من الرشاش ولتنساب على جسده ذا العضلات المفتولة المتعطش إليها، فيما يشبه حالة عشق بين جسده والماء ، و ليصير الشعر الكثيف الأشعث بين عظيمتي صدره ،كسنابل قمحٍ ساجدة بعد ان غمرها السيلٌ ، كان سعيد سارحاً في (سعاد) التي فارقها من ساعتين ونصف.
تبادر إلى مسمعه طرقٌ على باب الغرفة غير انه لم يعره بالاً ،لا يريد سماع ما يعكر عليه استحمامه غير أن الطرق يزيد ويزداد عنفاً، أتزر بمنشفته وذهب ليفتح الباب بهدوء ، نظر من فتحة الباب إلى الخارج وجد فتاة تجلس وظهرها إلى أحد مصراعي الباب، لم تكن هناك جمهرة كما كان يعتقد ، عدا ولد يافع في الجهة الغربية من الرواق كان يقرءا كتاب بإسم (قصة إرهابي) ،بدت الفتاة تحادثه وهو لم يعرها بالاً .أعاد سعيد إغلاق الباب بهدوء موقناً بان الطرق لا يعنيه، عاد ليستمتع بحمَامَه..غير أن الطرق عاد من جديد أكثر عنفاً ، عاد ليتـزر بمنشفته ويفتح الباب، دفعت الفتاة الباب لتدخل الغرفة كالعاصفة.
_ إنها غرفتي.. ما ذا تصنع هنا؟ ..آلا تسمع كل ذلك الطرق ؟ اتجهت نحو دولاب الملابس وأخرجت حقيبة متوسطة الحجم وجعلت تتفحصها.وما هي إلا لحظات حتى انفرجت شفتاها عن ابتسامة، أخذت تنـزع عباءتها لترمي بها بعيدا لتبدو في قميصها الأصفر وبنطالها الجِِنـز الأزرق الذي يحمل اتهاماً للشمس بسرقة ألوانه رغم جِدة خامته ، كان سعيد يقف مذهولاً كتمثال إغريقي تسمر بين باب الغرفة والسرير الذي عمدت إليه الفتاة لتجلس عليه، كانت تحتفظ بالابتسامة نفسها.
_ معذرة على ما بدر مني…اسمي نرجس ..ما هو اسمك؟
_ اسمي سعيد…إذا فهي غلطة الفندق كيف لهم أن يسكنوني في غرفة مؤجرة لكِ؟
_ بل قل إنها صدفة وحسب.
****
كان سعيد يتجه إلي حقيبته ليحزمها وليلبس ملابسه . وهو يقول:
_ معذرة ..سأذهب إلى غرفة أخرى.
_ إن الغرفة تتسع لنا ..إن كان لديك نقود فائضة ، تستطيع أن تصنع بها شيئا آخر ..تستطيع أن تحضر لنا بها طعاماً وشراباً!.. كانت تقول ذلك وهي تطوق بيدها ساعده .لتُجلسه على السرير.
_ أتيت من يومين لأحضر صباح اليوم حفل تخرجنا في كلية الطب أريدك أن تشاركني فرحتي ، لا تكن بخيلا …هل أنت يافعي أم حضرمي ؟
_ قدمتُ لتًوي من حضرموت لحضور حفل التكريم للرياضيين الذي تقيمه وزارة الشباب اليوم.
_ هل تحكي لي أخر نكتة ؟.. أنا سأحكي لك أخر نكتة ..
عندما كُنا نُطبق في المستشفى الجمهوري ذهبت احد الزميلات إلى مريض صيني ،كان منفعلا يكرر عبارة ، فاعتقدت بأن المريض الذي بدا يحتضر يتلفظ بوصيته ، فعمدت إلى كتابة كلماته كما يلفظها تنغ ينغ بنغ .. وما إن مات حتى ذهبت هذه الطبيبة المتدربة بهذه الكلمات إلى السفارة الصينية ،فجعل موظف السفارة يترجم هذه العبارة قائلا ( ابعدي ياغبية قدمك من أنبوب الأكسجين ستقتليني !!
تمكنت نرجس من أخراج سعيد من دائرة الحيرة والارتباك إلى دائرة المرح والبهجة، ليجد نفسه يفتح قاموس نكاته على دفتيه ،ويلقي بنكاته واحدة تلو الآخر وكأنه يسجل بكرته أهدافا جزائية في السلة ، و(نرجس) تُخلل بين كل نكته وأخرى بفاصلٍ من ضحكاتها الكروانية.
فتحت نرجس حقيبتها اليدوية لتخرج منها (كتشينة ) طفقت تخلط أوراقها ببراعة لاعب ( بوكر) محترف ،أعطته حصة من أوراقها وأخذت لها حصة أخري ، في حين تركت البقية على السرير بينهما.
_ إن هزمتك سأصنع فيك ما بدا لي …وان هزمتني تستطيع أن تفعل ذلك ! كانت نتيجة اللعبة الأولى من حض سعيد غير أن نرجس تفوز في معظم الجولات.
كانت نرجس تُنقط وجه سعيد بماكياجها وأحمر شفائفها عقب كل هزيمة تُلحقها به ، وبعد ان نفذت أدوات تجميلها قالت:
_ تستطيع رؤية وجهك في المرآة لمعرفة عدد الهزائم .
دخل سعيد الحمّام ،الماء الأزرق في الحمّام يناديه نحو المغطس ،آما المرآة فقد فقدت قدرتها على الرؤيا بسبب بخار الماء الصاعدة من المغطس والمتكدسة قطراته عليها.
بدا الباب يُطرق ، قامت نرجس لفتحه كان عامل الفندق يقول:
_ أين السيد سعيد ؟
_ لقد كان الصباح في الغرفة ولكنه خرج منها .
_ لعلنا سببنا لكما إحراجا.. لقد نسي العامل أن الغرفة مؤجرة
_ قمت بتدبر الآمر ولكن احذروا تكرار ذلك.
_ خرج سعيد من الحمام فابتدرته نرجس :
_ هل ستصلي هنا أم في المسجد؟
_ كم الساعة الآن ؟
_ لا أطيق حمل الساعة.. أعطيتها لأختي بعد إن أنهيت الامتحانات.
_ افتحي التلفاز لتعرفي الوقت.
فتحت نرجس التلفاز كانت نشرة الأخبار المحلية تستعرض حفل التخرج بكلية الطب ثم تلته بعرض تكريم وزارة الشباب للاعبين .
****