قصة أحد التائبين

nanci taha

New Member
قصة أحد التائبين .ستجبرك حتما على البكاء


هل ستمتلك دموعك عند قراءة هذه القصة؟؟؟

كاد يجنُّ من الفرح ، و يطير من فرط السعادة ؛ ولم تسعه ثيابه كما يقال ؛عندما سمع نبأ قبوله في البعثة الخارجية إلى فرنسا . كان يشعر أنه سيمتلكالدنيا ويصبح حديث مجالس قومه ؛ وكلما اقترب موعد السفر، كلما شعر أنهأقبل على أبواب العصر الحديث التي ستفتح له آفاقاً يفوق بها أقرانهوأصحابه ..

شيءٌ واحدٌ كان يؤرقه .. ويقضُ مضجعه .. كيف أترك مكة ! سنين طوالاً وقدشغف بها فؤادي وترعرعت بين أوديتها ، وشربت من مائها الحبيب من زمزم العذب، ما أنشز عظامي وكساها لحماً ! ؛ وأمي ..أمي الغالية من سيرعاها في غيابي .. إخوتي يحبونها .. لكن ليس كحبي لها .. من سيوصلها من الحرم لتصلي فيهكل يوم كعادتها ؟! .. أسئلة كثيرة .. لا جواب عليها . أزف الرحيل .. وحزمالحقائبَ ؛ وحمل بيده التذاكرَ .. وودع أمَّه وقبلَّ رأسها ويديها .. وودع إخوته وأخواته .. واشتبكت الدموعُ في الخدود .. وودع مكة المكرمةوالمسجد الحرام .. وسافر والأسى يقطّع قلبه …


قدم إلى فرنسا بلادٍ لا عهد له بها .. صُعق عندما رأى النساء العارياتيملأن الشوارع بلا حياء .. وشعر بتفاهة المرأة لديهم .. وحقارتها وعاودهحنينٌ شديد إلى أرض الطهر والإيمان .. والستر والعفاف ..

انتظم في دراسته .. وكانت الطامة الأخرى !! يقعد معه على مقاعد الدراسة .. بناتٌ مراهقاتٌ قد سترن نصف أجسادهن .. وأبحن النصف الآخر للناظرين ! ؛كان يدخل قاعة الدرس ورأسه بين قدميه حياءً وخجلاً !! ولكنهم قديماً قالوا : كثرةُ الإمساس تُفقد الإحساس .. مرَّ زمنٌ عليه .. فإذا به يجد نفسهتألف تلك المناظر القذرة .. بل ويطلق لعينيه العنان ينظر إليهن .. فالتهبفؤاده .. وأصبح شغله الشاغل هو كيف سيحصل على ما يطفي نار شهوته .. وماأسرع ما كان ! .


أتقن اللغة الفرنسية في أشهر يسيرة !! وكان مما شجعه على إتقانها رغبته فيالتحدث إليهن .. مرت الأشهر ثقيلةً عليه .. وشيئاً فشيئاً ..وإذا به يقعفي أسر إحداهن من ذوات الأعين الزرقاء ! والعرب قالوا قديماً : زرقة العينقد تدل على الخبث[1].. ..

ملكت عليه مشاعره في بلد الغربة .. فانساق وراءها وعشقها عشقاً جعله لايعقل شيئاً .. ولا يشغله شيءٌ سواها .. فاستفاق ليلة على آخر قطرة نزلت منإيمانه على أعقاب تلك الفتاة .. فكاد يذهب عقله .. وتملكه البكاء حتى كاديحرق جوفه .. ترأى له في أفق غرفته .. مكةُ .. والكعبةُ .. وأمُّه .. وبلاده الطيبة ! احتقر نفسه وازدراها حتى همَّ بالانتحار ! لكن الشيطانةلم تدعه .. رغم اعترافه لها بأنه مسلمٌ وأن هذا أمرٌ حرمه الإسلام ؛ وهونادمٌ على مافعل .. إلاَّ أنها أوغلت في استدارجه إلى سهرة منتنةٍ أخرى .. فأخذته إلى منزلها .. وهناك رأى من هي أجمل منها من أخواتها أمام مرأىومسمع من أبيها وأمها ! لكنهم أناسٌ ليس في قاموسهم كلمة ( العِرض ) ولايوجد تعريف لها عندهم .. لم يعد همُّه همَّ واحدٍ .. بل تشعبت به الطرق .. وتاهت به المسالك .. فتردى في مهاوي الردى .. وانزلقت قدمه إلى أوعرالمهالك ! ما استغاث بالله فما صرف الله عنه كيدهن ؛ فصبا إليهن وكان منالجاهلين ؛ تشبثن به يوماً .. ورجونه أن يرى معهن عبادتهن في الكنيسة فييوم (الأحد) .. وليرى اعترافات المذنبين أمام القسيسين والرهبان !! وليسمعالغفران الذي يوزعه رهبانهم بالمجان ! فذهب معهن كالمسحور ..وقف على بابالكنيسة متردداً فجاءته إشارة ٌمن إحداهن .. أن افعل مثلما نفعل !! فنظرفإذا هن يُشرن إلى صدورهن بأيديهن في هيئة صليبٍ !.. فرفع يده وفعلالتصليب ! ثم دخل !! .رأى في الكنيسة ما يعلم الجاهل أنه باطل .. ولكنسبحان مقلب القلوب ! أغرته سخافاتُ الرهبان ، ومنحُهم لصكوك الغفران .. ولأنه فَقَدَ لذة الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم "إذا زنى العبد خرجمنه الإيمان فكان على رأسه كالظُّلّة ؛ فإذا أقلع رجع إليه*" .. فقدْ أطلقأيضاً لخياله العنان .. وصدق ما يعتاده من توهمِ ؛ فكانت القاضية .. جاءتهإحداهن تمشي على استعلاء ! تحمل بيدها علبة فاخرة من الكرستال ؛ مطرزةبالذهب أو هكذا يبدو له .. فابتسمت له ابتسامة الليث الهزبر ؛ الذي حذر منابتسامته المتنبي فيما مضى ..



إذا رأيت نيوب الليث بارزةً
فلا تظنن أن الليث يبتسم




فلم يفهم ! .. وأتبعتها بقُبلةٍ فاجرةٍ .. ثم قدّمت له تلك الهدية الفاخرةالتي لم تكون سوى صليبٍ من الذهب الخالص !! وقبل أن يتفوه بكلمة واحدة ؛أحاطت به بيدها فربطت الصليب في عنقه وأسدلته على صدره وأسدلت الستار علىآخر فصل من فصول التغيير الذي بدأ بشهوةٍ نتنة ؛ وانتهى بِردّةٍ وكفرٍ ؛نسأل الله السلامة والعافية !.


عاش سنين كئيبة .. حتى كلامه مع أهله في الهاتف فَقَدَ ..أدبَه وروحانيتهواحترامه الذي كانوا يعهدونه منه .. اقتربت الدراسة من نهايتها .. وحانموعد الرجوع .. الرجوع إلى مكة .. ويا لهول المصيبة .. أيخرج منها مسلماًويعود إليها نصرانياً ؟! وقد كان .. نزل في مطار جدة .. بلبس لم يعهدهأهله[2] .. وقلبٍ « أسود مرباداً كالكوز مجخياً .. لا يعرف معروفاً ولاينكر منكراً » [3] .. عانق أمَّه ببرودٍ عجيبٍ .. رغم دموعِها .. وفرحةِإخوته وأخواته .. إلاَّ أنه أصبح في وادٍ ؛ وهم في وادٍ آخر .. أصبح بعدعودته منزوياً كئيباً حزيناً .. إما أنه يحادثُ فتياته بالهاتف أو يخرجلوحده في سيارته إلى حيث لا يعلم به أحدٌ .. لاحظ أهله عليه أنه لم يذهبإلى الحرم أبداً طيلة أيامه التي مكثها بعد عودته ؛ ولفت أنظارهم عدمأدائه للصلاة .. فحدثوه برفق فثار في وجوههم وقال لهم :" كل واحد حر فيتصرفاته .. الصلاة ليست بالقوة " .. أما أمُّه فكانت تواري دموعها عنه وعنإخوته كثيراً وتعتزل في غرفتها تصلي وتدعو له بالهداية وتبكي حتى يُسمعنشيجُها من وراء الباب !! ؛ دخلت أخته الصغرى عليه يوماً في غرفته ..- وكان يحبها بشدة -.. وكانت تصغره بسنوات قليلة ؛ وبينما كان مستلقياً علىقفاه ؛ مغمضاً عينيه ؛ يسمع أغنيةً أعجميةً مزعجةً.. وقعت عيناها علىسلسالٍ من ذهبٍ على صدره .. فأرادت مداعبته .. فقبضت بيدها عليه .. فصعقتعندما رأت في نهاية هذا السلسال صليب النصارى !! فصاحت وانفجرت بالبكاء .. فقفز وأغلق الباب .. وجلس معها مهدداً أياها .. إن هي أخبرت أحداً .. أنهسيفعل ويفعل ! فأصبح في البيت كالبعير الأجرب .. كلٌ يتجنبه .


في يوم .. دخلت أمه عليه .. وقالت له:-

قم أوصلني بسيارتك ! وكان لا يرد لها طلباً ! فقام .. فلما ركبا في السيارة .. قال لها :- إلى أين !

قالت : إلى الحرم أصلي العشاء ! ؛ فيبست يداه على مقود السيارة .. وحاولالاعتذار وقد جف ريقُه في حلقه فألحّت عليه بشدة .. فذهب بها وكأنه يمشيعلى جمرٍ .. فلما وصل إلى الحرم .. قال لها بلهجة حادة .. انزلي أنت وصلّي .. وأنا سأنتظرك هنا ! ؛ فأخذت الأمُّ الحبيبة ترجوه وتتودد إليه ودموعهاتتساقط على خدها .. :-

"يا ولدي .. انزل معي .. واذكر الله .. عسى الله يهديك ويردك لدينك .. ياوليدي .. كلها دقائق تكسب فيها الأجر " .. دون جدوى .. أصر على موقفهبعنادٍ عجيب .

فنزلت الأم .. وهي تبكي .. وقبع هو في السيارة .. أغلق زجاج الأبواب .. وأدخل شريطاً غنائياً (فرنسياً) في جهاز التسجيل .. وخفض من صوته .. وألقىبرأسه إلى الخلف يستمع إليه .. قال:-

فما فجأني إلا صوتٌ عظيمٌ يشق سماءَ مكة وتردده جبالها .. إنه الأذانالعذب الجميل ؛ بصوت الشيخ / علي ملا .. الله أكبر .. الله أكبر .. أشهدألا إله إلا الله ...

… فدخلني الرعبُ.. فأطفأت (المسجل) وذهلت .. وأنا أستمع إلى نداءٍ ؛كانآخرُ عهدي بسماعة قبل سنوات طويلة جداً ؛ فوالله وبلا شعورٍ مني سالتدموعي على خديّ .. وامتدت يدي إلى صدري فقبضت على الصليب النتن ؛ فانتزعتهوقطعت سلساله بعنفٍ وحنق وتملكتني موجةٌ عارمة من البكاء لفتت أنظار كل منمر بجواري في طريقه إلى الحرم . فنزلت من السيارة .. وركضت مسرعاً إلى ( دورات المياه ) فنزعت ثيابي واغتسلت .. ودخلت الحرم بعد غياب سبع سنواتٍعنه وعن الإسلام ! . فلما رأيت الكعبة سقطت على ركبتيّ من هول المنظر ؛ومنإجلال هذه الجموع الغفيرة الخاشعة التي تؤم المسجد الحرام ؛ ومن ورعبالموقف .. وأدركت مع الإمام ما بقي من الصلاة وأزعجت ببكائي كل من حولي .. وبعد الصلاة .. أخذ شابٌ بجواري يذكرني بالله ويهدّأ من روعي .. وأن اللهيغفر الذنوب جميعاً ويتوب على من تاب ..شكرته ودعوت له بصوت مخنوق ؛ وخرجتمن الحرم ولا تكاد تحملني قدماي .. وصلت إلى سيارتي فوجدت أمي الحبيبةتنتظرني بجوارها وسجادتها بيدها .. فانهرت على أقدامها أقبلها وأبكي .. وهي تبكي وتمسح على رأسي بيدها الحنون برفق .. رفعت يديها إلى السماء .. وسمعتها تقول :_ "يا رب لك الحمد .. يا رب لك الحمد .. يا رب ما خيبت دعاي .. ورجاي .. الحمد لله .. الحمد لله " .. فتحت لها بابها وأدخلتها السيارةوانطلقنا إلى المنزل ولم أستطع أن أتحدث معها من كثرة البكاء .. إلاَّأنني سمعتها تقول لي:_ " يا وليدي .. والله ما جيت إلى الحرم إلاّ علشانأدعي لك .. يا وليدي .. والله ما نسيتك من دعاي ولا ليلة .. تكفى[4] ! وأنا أمك لا تترك الصلاة علشان الله يوفقك في حياتي ويرحمك"

نظرت إليها وحاولت الرد فخنقتني العبرة فأوقفت سيارتي على جانب الطريق .. ووضعت يديّ على وجهي ورفعت صوتي بالبكاء وهي تهدؤني .. وتطمئنني .. حتىشعرت أنني أخرجت كل ما في صدري من همًّ وضيقٍ وكفرٍ !.. بعد عودتي إلىالمنزل أحرقت كل ما لدي من كتب وأشرطة وهدايا وصورٍ للفاجرات .. ومزقت كلشيء يذكرني بتلك الأيام السوداء وهنا دخلت في صراعٍ مرير مع عذاب الضمير .. كيف رضيت لنفسك أن تزني ؟ كيف استسلمت للنصرانيات الفاجرات ؟ كيف دخلتالكنيسة ؟ كيف سمحت لنفسك أن تكذّب الله وتلبس الصليب ؟ والله يقول : { وَمَا قَتَلوه وما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } [النساء] منالآية157) كيف ؟ وكيف ؟! أسئلة كثيرة أزعجتني .. لولا أن الله تعالى قيّضلي من يأخذ بيدي .. شيخاً جليل القدر .. من الشباب المخلصين ؛ لازمني حتىأتممت حفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم في فترة قصيرة ولا يدعني ليلاًولا نهاراً .. وأكثر ما جذبني إليه حسن خلقه وأدبه العظيم .. جزاه اللهعني خيراً .. اللهم اقبلني فقد عدت إليك وقد قلت ياربنا في كتابك الكريم { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف } ..وأنا يا رب انتهيت فاغفر لي ما قد سلف .. وقلت : { قُلْ يَا عِبَادِيَالَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَالْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .. وأنا يا رب قد أسرفت على نفسي في الذنوبكثيراً كثيراً .. ولا يغفر الذنوب إلاَّ أنت فاغفر لي مغفرة من عندكوارحمني إنك أنت الغفور الرحيم .. ..


وبعد .. فالله تعالى يمهل عبده ولا يهمله ؛ وربما بلغ بالعبدِ البُعْدُ عنربه بُعداً لا يُرجى منه رجوعٌ ؛ ولكن الله جل وتعالى عليمٌ حكيم ٌ ؛ غافرالذنب وقابل التوب شديد العقاب ذو الطول ؛لا إله إلا هو إليه المصير ..

ما أجمل الرجوع إلى الله ؛ وما ألذّ التوبة الصادقة ؛ وما أحلم الله تعالى .. وما أحرانا معاشر الدعاة بتلمس أدواء الناس ؛ ومحاولة إخراجهم منالظلمات إلى النور بإذن ربهم .. وبالحكمة والموعظة الحسنة والصبر العظيموعدم ازدراء الناس ؛ أو الشماتة بهم ؛ أو استبعاد هدايتهم ؛ فالله سبحانهوتعالى هو مقلب القلوب ومصرفها كما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنهسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن قلوب بني آدم كلها بينأصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء » وكان من دعاء الرسولالله صلى الله عليه وسلم :

« اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك » رواه مسلم .. آمين ..

العائدون الى الله
 
عودة
أعلى