يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: أن الراسخين فـي العلـم يقولون: آمنا بـما تشابه من آي كتاب الله، وأنه والـمـحكم من آيه من تنزيـل ربنا ووحيه، ويقولون أيضا: { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } يعنـي أنهم يقولون رغبة منهم إلـى ربهم، فـي أن يصرف عنهم ما ابتلـى به الذين زاغت قلوبهم من اتبـاع متشابه آي القرآن ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويـله الذي لا يعلـمه غير الله، يا ربنا لا تـجعلنا مثل هؤلاء الذين زاغت قلوبهم عن الـحقّ فصدّوا عن سبـيـلك، { لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } لا تـملها فتصرفها عن هداك { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } له، فوفقتنا للإيـمان بـمـحكم كتابك ومتشابهه، { وَهَبْ لَنَا } يا ربنا { مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } يعنـي من عندك رحمة، يعنـي بذلك: هب لنا من عندك توفـيقاً وثبـاتاً للذي نـحن علـيه، من الإقرار بـمـحكم كتابك ومتشابهه؛ { إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ } يعنـي: إنك أنت الـمعطي عبـادك التوفـيق والسداد، للثبـات علـى دينك، وتصديق كتابك ورسلك.
* عن أم سلـمة: أن رسول الله
قال: " يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِـي علـى دِينِكَ " ثم قرأ: { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }...» إلـى آخر الآية.
* عن أم سلـمةأن رسول الله
كان يكثر فـي دعائه أن يقول: " اللَّهُمَّ مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِـي علـى دِينِك "! قال: قلت يا رسول الله، وإن القلب لـيقلَّب؟ قال: " نَعَمْ، مَا خَـلَقَ اللَّهُ مِنْ بَشَرٍ مِنْ بَنِـي آدَمَ إلاَّ وَقَلْبُهُ بَـيْنَ أصْبُعَيْنِ مِنْ أصابعه، فإنْ شاءَ أقامَهُ، وَإنْ شاءَ أزَاغَهُ، فَنَسألُ اللَّهُ رَبَّنَا أنْ لا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَانا، ونسألُهُ أنْ يَهَبَ لَنا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً إنَّهُ هُوَ الوَهَّابُ " قالت: قلت يا رسول الله، ألا تعلـمنـي دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: " بلـى، قولـي: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِـيِّ مُـحَمَّدٍ، اغْفِرْ لِـي ذَنْبِـي، وأذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِـي، وأجِرْنِـي مِنْ مُضِلاَّتِ الفِتَنِ "
*عن جابر، قال: كان رسول الله
يكثر أن يقول: " يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِـي عَلـى دِينِكَ " ! فقال له بعض أهله: يخاف علـينا وقد آمنا بك وبـما جئت به؟ قال: " إِنَّ القَلْبَ بَـيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرَّحْمَنِ تَبـارَكَ وَتَعَالَـى " يَقُولُ بِهِ هَكَذَا؛ وحرّك أبو أحمد أصبعيه. قال أبو جعفر: وإن الطوسي وسَقَ بـين أصبعيه.
* عن أنس قال: كان رسول الله
كثـيرا ما يقول: " يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِـي عَلَـى دِينِكَ " ! قلنا: يا رسول الله قد آمنا بك، وصدقنا بـما جئت به، فـيخافُ علـينا؟ قال: " نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَـيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُها تَبَـارَكَ وَتَعَالَـى "
* عن النواس بن سمعان الكلابـي، قال: سمعت رسول الله
يقول:
" مَا مِنْ قَلْبٍ إِلاَّ بَـيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أزَاغَهُ " وكان رسول الله
كان يكثر فـي دعائه أن يقول: " اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِـي علـى دِينِكَ " قالت: قلت يا رسول الله، وإن القلوب لتقلب؟ قال: " نَعَمْ، ما مِنْ خَـلْقِ اللَّهِ مِنْ بَنِـي آدَمَ بَشَرٌ إِلاَّ أنَّ قَلْبَهُ بَـيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ أقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أزَاغَهُ، فَنَسألُ اللَّهَ رَبَّنَا أنْ لا يَزِيغَ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَنسألُهُ أنْ يَهَبَ لَنا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً إِنَّهُ هُوَ الوَهَّابُ ".
************************************************** ****************** قال أبو جعفر رحمه الله"
وفـي مدح الله جل ثناؤه هؤلاء القوم بـما مدحهم به من رغبتهم إلـيه فـي أن لا يزيغ قلوبهم، وأن يعطيهم رحمة منه معونة لهم للثبـات علـى ما هم علـيه من حسن البصيرة بـالـحقّ الذي هم علـيه مقـيـمون، ما أبـان عن خطأ قول الـجهلة من القدرية، أن إزاغة الله قلب من أزاغ قلبه من عبـاده عن طاعته، وإمالته له عنها جَوْرٌ، لأن ذلك لو كان كما قالوا لكان الذين قالوا: { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } بـالذم أولـى منهم بـالـمدح، لأن القول لو كان كما قالوا، لكان القوم إنـما سألوا ربهم مسألتهم إياه أن لا يزيغ قلوبهم، أن لا يظلـمهم ولا يجور علـيهم، وذلك من السائل جهل؛ لأن الله جل ثناؤه لا يظلـم عبـاده ولا يجور علـيهم، وقد أعلـم عبـاده ذلك، ونفـاه عن نفسه بقوله: { وَمَا رَبُّكَ بِظلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ } ولا وجه لـمسألته أن يكون بـالصفة التـي قد أخبرهم أنه بها، وفـي فساد ما قالوا من ذلك الدلـيـل الواضح، علـى أن عدلاً من الله عزّ وجلّ إزاغة من أزاغ قلبه من عبـاده عن طاعته، فلذلك استـحقّ الـمدح من رغب إلـيه فـي أن لا يزيغه لتوجيهه الرغبة إلـى أهلها ووضعه مسألته موضعها، مع تظاهر الأخبـار عن رسول الله
برغبته إلـى ربه فـي ذلك مع مـحله منه، وكرامته علـيه.