nanci taha
New Member
~اللهم صل ع محمد وآآل محمد وعجل فرجهم قريباا~
~الأخوة في الله~
كثيرا ما ناقش العلماء والمفكرون مسألة الأصل الذي يتقدم على غيره بحيث يسخر ذلك الغير إلى ما يصب في صالح الأصل ويبعد عنه كل ما يلحق الأذى والضرر
وبعبارة أخرى
هل أن الأصل هو الإنسان بلحاظ إنسانيته، أم الفكر والقيم والتشريعات والمبادئ مع لحاظ مصدرها؟
وبغض النظر عن الآراء والنظريات في هذه المسألة.. وبغض النظر أيضا عما يتبعها من انعكاسات على الواقع. فإن من يتأمل النصوص الدينية يصل إلى نتيجة أن الأصل هو الإنسان وما عداه إنما جاء لكي يحافظ عليه ويأخذه إلى الطريق القويم، ويبعد عنه شر نفسه وشرور الآخرين
فالمبادئ والقيم والقوانين والتشريعات السماوية كلها إنما جاءت لكي تركز إنسانية الإنسان وتحمله إلى كل ما ينسجم مع نفسه ومع محيطه، وتبعده عن الذل والخضوع والخنوع والعبودية إلا لله الواحد القهار
وما إرسال الرسل وبعث الأنبياء وتنزيل الكتب من الله إلا من أجل مصلحة الإنسان
قَالَ تَعَالَى
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
سورة البقرة آية 213
والخطابات في النصوص الدينية الموجهة إلى الإنسان كثيرة جدا، وهي تحمل تشريعات وقيم وتوجيه للإنسان بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي
وهنا ينبغي أن نتساءل عن الصيغة والنمط الذي ينبغي أن يسود في العلاقة بين الإنسان والإنسان؟
يجيب على هذا التساؤل الإمام علي عليه السلام في عهده إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه
وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ
وبهذه الكلمة الموجزة نخلص إلى مفهومين أساسيين تبتني عليها العلاقة بين الإنسان والإنسان، الأخوة والنظير وفي هذه الكلمة سنركز على الأمر الأول ما اتسع الوقت إن شاء الله
الأخوة
يطلق الأخ ويراد منه المشترك مع الآخر في الأبوين أو في أحدهما أبا أو أما، وربما أطلق على المشتركين في الرضاعة
وبذلك يظهر أن الأخوة في الأصل هي الأخوة النسبية أو الرضاعية، وقد فصل الدين الإسلامي الحنيف محددات وضوابط العلاقة في الأخوة النسبية وكذلك الرضاعية، وحق كل واحد على الآخر
وقد أضاف الإسلام لمفهوم الأخوة بعدا جديدا وواسعا أعني به الأخوة في العقيدة والمبدأ فكما أن المساهمين في التجارة يطلق كل واحد على الآخر لفظ الشريك، والمشتركين في التخصص كالطب والهندسة والتعليم وغيرها لفظ الزميل، كذلك من يشترك في العقيدة والمبدأ أطلق عليه الإسلام لفظ الأخ مما أضاف لهذا المفهوم اتساعا يشمل الملايين من بني البشر ومعنى يتجاوز النسب بل يتقدم عليه في بعض الأحيان
والتوسعة في المفهوم اقترنت بالحقوق والواجبات المتبادلة على غرار الأخوة النسبية والرضاعية وإن اختلفت في تفاصيلها
قَالَ تَعَالَى
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
سورة الحجرات أآية 10
ومحورية هذه الأخوة والأساس فيها هو حبل الله المتين قَالَ تَعَالَى
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
سورة آل عمران آية 103
وقد سيج هذا المفهوم بسياج الإيمان والتقوى كي لا تتسلل العصبيات والقوميات والأعراق فتهدد التآخي في العقيدة داخل المجتمع الإسلامي قَالَ تَعَالَى
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
سورة الحجرات آية 13
وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال
جَلَسَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) يَنْتَسِبُونَ وَيَفْتَخِرُونَ وَفِيهِمْ سَلْمَانُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ عُمَرُ مَا نَسَبُكَ أَنْتَ يَا سَلْمَانُ وَمَا أَصْلُكَ؟ فَقَالَ أَنَا سَلْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كُنْتُ ضَالاً فَهَدَانِيَ اللَّهُ( بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم) وَكُنْتُ عَائِلاً فَأَغْنَانِيَ اللَّهُ بِمُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) وَكُنْتُ مَمْلُوكاً فَأَعْتَقَنِيَ اللَّهُ بِمُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَهَذَا حَسَبِي وَنَسَبِي يَا عُمَرُ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم )فَذَكَرَ لَهُ سَلْمَانُ مَا قَالَ عُمَرُ وَمَا أَجَابَهُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه(صلى الله عليه وآله وسلم)
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ حَسَبَ الْمَرْءِ دِينُهُ وَمُرُوَّتَهُ خُلُقُهُ وَأَصْلَهُ عَقْلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى سَلْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ يَا سَلْمَانُ إِنَّهُ لَيْسَ لأَحَدٍ مِنْ هَؤُلاءِ عَلَيْكَ فَضْلٌ إِلا بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَنْ كُنْتَ أَتْقَى مِنْهُ فَأَنْتَ أَفْضَلُ مِنْهُ
العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص 290
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال، قال رسول الله{ صلى الله عليه وآله وسلم}
مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حَبَّةٌ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ عَصَبِيَّةٍ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَعْرَابِ الْجَاهِلِيَّة
الكليني، الكافي، ج2، ص 308
وقال الإمام الصادق {عليه السلام}
مَنْ تَعَصَّبَ عَصَبَهُ اللَّهُ بِعِصَابَة مِنْ نَار
الكليني، الكافي، ج2، ص 308
المؤاخاة
لم يكتفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتوجيه النظري نحو الأخوة الإيمانية بل جسدها عمليا من خلال ما اصطلح عليه بالمؤاخاة والتي تكررت مرارا كان آخرها في غدير خم حسب ما ورد عن بعض المحققين وقد تعامل المسلمون مع المهرجانات التي عقدت للمؤاخاة" باهتمام بالغ ونقلوه إلى من بعدهم بحيث لم يعد بالإمكان الإنكار أو التشكيك في أصل تحقّق المؤاخاة، حتى أن العلامة الأميني قال: حديث المؤاخاة الثابت بين المسلمين على بكرة أبيهم
الأمينيّ (ت: 1392 هـ): الغدير، منشورات: دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ لبنان، ط. الثالثة 1387هـ،ج 3، ص 174
ومن الواضح أن تكرار المؤاخاة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أكثر من محفل يراد منه الارتقاء بمستوى العلاقات الإنسانية من مستويات متدنية محاطة بالأنانية والأطماع والمصالح الدنيوية، إلى مستوى عال بعلو العقيدة وقيم الدين الإسلامي الحنيف ونظرا لارتباط الأخوة بالاعتصام بحبل الله المتين حيث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم المجسد له في حياته كان لا بد من اغتنام هذه المناسبة لتبيين الذي يلي الأمر من بعده فآخى بين أصحابه الأنصار والمهاجرين إلا عليا عليه السلام أخره لنفسه لمزيد من التبيان لفضله والإشهار لما ينبغي أن يكون فيه. وهذا مروي في كتب المسلمين جميعا
ما روي في كنز الفوائد مسندا إلى الإمام الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قَالَ
آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَتَرَكْتَنِي فَرْداً لاَ أَخَ لِي؟
فَقَالَ
إِنَّمَا اخْتَرْتُكَ لِنَفْسِي أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى. فَقُمْتُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْجَدَلِ وَالسُّرُورِ فَأَنْشَأْتُ أَقُولُ أَقِيكَ بِنَفْسِي إِلَى آخِرِ الأَبْيَاتِ
العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج38، ص 338
والأبيات هي
أَقِيكَ بِنَفْسِي أَيُّهَا الْمُصْطَفَى الَّذِي
هَدَانَا بِهِ الرَّحْمَنُ مِنْ عَمَهِ الْجَهْلِ
وَ أَفْدِيكَ حَوْبَائِي وَ مَا قَدْرُ مُهْجَتِي
لِمَنْ أَنْتَمِي مِنْهُ إِلَى الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ
وَ مَنْ ضَمَّنِي مُذْ كُنْتُ طِفْلًا وَ يَافِعاً
وَ أَنْعَشَنِي بِالْبِرِّ وَ الْعَلِّ وَ النَّهَلِ
وَ مَنْ جَدُّهُ جَدِّي وَ مَنْ عَمُّهُ عَمِّي
وَ مَنْ أَهْلُهُ أُمِّي وَ مَنْ بِنْتُهُ أَهْلِي
وَ مَنْ حِينَ آخَى بَيْنَ مَنْ كَانَ حَاضِراً
دَعَانِي وَ آخَانِي وَ بَيَّنَ مِنْ فَضْلِي
لَكَ الْفَضْلُ إِنِّي مَا حَيِيتُ لَشَاكِرٌ
لإِتْمَامِ مَا أَولَيْتَ يَا خَاتَمَ الرُّسُل
قراءة في المفهوم
التساوي بين الأخوة
الأخوّة هي اشتراك شخصين في أبٍ وأمّ أو في أحدهما وتساويهما في الأصل المشترك من حيث الارتباط وما يترتب عليه من حقوق وواجبات مشتركة تأخذ شكلا من أشكال المساواة في الجملة
فحق التعليم مثلا يتساوى فيه جميع أبناء الأسرة أخوة وأخوات، وكذلك المأكل والملبس وما إلى ذلك، وحينما يشاهد فردا من أبناء الأسرة جاهلا أو فقيرا أو منتقصا من جهة من الجهات دون أخوته فإن إحساسا ينتاب المشاهد بأن المحروم قد انتهك حقه ولحقه الظلم من قبل رب الأسرة، بينما إذا كان الجميع متساوون في الانتقاص فإن هذا الإحساس يقل بمراتب كثيرة وذلك لاحتمال انعدام القدرة لدى رب الأسرة
هذا في الأخوة النسبية أما الأخوة في العقيدة فهي الأخرى تستبطن
هذا المعنى، من حيث التراحم والتواد والتكافل، وقد حثت الشريعة الإسلامية على ذلك، بل شرعت مجموعة من النظم والأحكام التي تأخذ منحى الوجوب والإلزام كالزكاة، أو منحى الحرمة والمنع كالغيبة والنميمة والبهتان وقد حث الإسلام على اعتماد قاعدة "حب لأخيك كما تحب لنفسك" والتعامل معها كمعيار لما ينبغي وما لا ينبغي فعله تجاه الأخوان
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم
لاَ يَسْتَكْمِلُ الْمَرْءُ الإِيمَانَ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ
العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج69، ص 258
وَقَالَ الإمَامُ الْبَاقِر عليه السلام
أَحْبِبْ أَخَاكَ الْمُسْلِمَ وَأَحْبِبْ لَهُ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ إِذَا احْتَجْتَ فَسَلْهُ وَإِذَا سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ وَلاَ تَدَّخِرْ عَنْهُ خَيْراً فَإِنَّهُ لاَ يَدَّخِرُهُ عَنْكَ كُنْ لَهُ ظَهْراً فَإِنَّهُ لَكَ ظَهْرٌ إِنْ غَابَ فَاحْفَظْهُ فِي غَيْبَتِهِ وَإِنْ شَهِدَ فَزُرْهُ وَأَجِلَّهُ وَأَكْرِمْهُ فَإِنَّهُ مِنْكَ وَأَنْتَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْكَ عَاتِباً فَلاَ تُفَارِقْهُ حَتَّى تَسُلَّ سَخِيمَتَهُ وَمَا فِي نَفْسِهِ وَإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ فَاحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهِ وَإِنِ ابْتُلِيَ فَاعْضُدْهُ وَتَمَحَّلْ لَهُ
العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج71، ص222
ولك أخي المؤمن، وأختي المؤمنة أن تتأمل وتفكر في ما تحب لنفسك، وسعيك الحثيث لتحقيقه لكي يكون المعيار في العطاء للإخوان، وحينها لا حسد ولا غيبة ولا نميمة ولا خديعة ولا سرقة ولا... ولا...، بل على العكس تماما العطاء والحفظ والنصرة والنصيحة و... و....
ديمومة الأخوة
هل اخترت أخاك النسبي؟ وهل يمكن لك أن تنهي هذه العلاقة؟ كلا.. لست أنت من يختار وليس لك أنت تنهي العلاقة بينك وبين الأخ النسبي
والأخ في العقيدة يختف عن النسبي اختلافا طفيفا، فأنت من يختار الدخول في العقيدة ومن آثار ذلك الدخول روابط الأخوة بينك وبين المعتنقين لها ولا يمكن لك بحال إنهائها بأي صورة من الصور، فهي ليست شراكة ينتهي بانتهاء أسبابها أو بفسخ أطرافها، وليست رابطة عمل ينتج زمالة فيختار الإنسان التخلي عنها متى وكيف ما أراد
وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام
النَّاسُ إِخْوَانٌ فَمَنْ كَانَتْ إِخْوَتُهُ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ فَهِيَ عَدَاوَةٌ وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ
العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج71، ص 165
لذا يمكن القول أن رباط الأخوة في العقيدة والمبدأ من أقوى الروابط وأمتنها وأدومها، وهي لا تنقطع حتى بالموت قَالَ تَعَالَى
وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
سورة الحشر آية 10
التضامن الأخوي
يواجه أيا منا مصاعب ومتحديات شتى في الحياة لذا فإنه بحاجة دوما إلى من يقف إلى جانبه يعينه على تخطي الصعوبات وحل المشكلات
وهذا المعنى هو أحد المعاني السامية التي أرادها الدين الإسلامي الحنيف من الأخوة، فمثلا
أمر بالتناصح والتواصي بالحق والصبر والمرحمة
قَالَ تَعَالَى
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
سورة العصر آية 3
قَالَ تَعَالَى
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ
سورة البلد آية 17
وفي هذا الأمر جعل للمؤمن نوع سلطنة على أخيه المؤمن فيما يختص بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قَالَ تَعَالَى
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
سورة التوبة آية 71
أمر بالتعاون في عملية البناء والتنمية على مستوى الفرد والمجتمع والأمة وحل المشكلات، وجعل من عنوان "البر والتقوى" إطارا يندرج تحته كل خير لكافة مناحي الحياة قَالَ تَعَالَى
وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
سورة المائدة آية 2
أمر بالمناصرة بين الأخوان، وعد كل واحد منهم وليا للآخر أي ناصرا ومعينا له
قَالَ تَعَالَى
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
سورة الأنفال آية 72
ولكي يكون هذا المفهوم خاليا من شوائب الجاهلية وعصبيات بني البشر أوضح أن نصرة الأخ لأخيه إذا كان ظالما إنما يكون بمنعه عن الظلم والتعدي على حقوق الآخرين
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ
وروي عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال
لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ ثَلَاثُونَ حَقّاً لاَ بَرَاءَةَ لَهُ مِنْهَا إِلا بِالأَدَاءِ أَوِ الْعَفْوِ... وَيَنْصُرُهُ ظَالِماً وَمَظْلُوماً فَأَمَّا نُصْرَتُهُ ظَالِماً فَيَرُدُّهُ عَنْ ظُلْمِهِ وَأَمَّا نُصْرَتُهُ مَظْلُوماً فَيُعِينُهُ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ
العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج71، ص 236
وقد يتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك بكثير فحين يتقاتل الأخوة وينشب بينهما النزاع يتوجب على البقية الإصلاح بينهما فإن بغى أحدهما على الآخر فعلى البقية أن ينحازوا إلى المظلوم ضد الباغي قَالَ تَعَالَى
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
سورة الحجرات آية 9