أهلا بك يا يوم عرفة

قصي حمدان

New Member
أهلا بك يا يوم عرفة :
هنيئا لكم أيها الحجيج ن لا تنسونا من دعائكم
أه ثم آه ثــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم ألف آه لو كنت معكم :crying:
هذا هو اليوم التاسع من ذي الحجة و الذي يقف فيه الحجيج بعرفة ولأصواتهم عجيج يسري في الآفاق ويملأ الفضاء وكلهم يقول مخاطباً صاحب العزة والجبروت مجيباً نداء ذي الملك والملكوت وقد ناداهم ليتفضل عليهم ويسبغ عليهم من إحسانه فيلبُّون النداء بقولهم: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» رواه أبو داود في سننه عن جابر بن عبد الله، والمحلّى لابن حزم (ج5 / ص81).
إنه يوم يشبه الحشر والنشر لا فضل فيه لأبيض على أسود ولا لعربي على أعجمي، ولا لأمير على مأمور.. اليوم يتفاضل الناس بأعمالهم لا بأنسابهم ولا بألوانهم. هذا اليوم هو نيل الشهادة "شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأن محمداً رسول الله" شهوداً قلبياً، وفي هذا اليوم يرى حقائق ما كان ليراها من قبل، ويرى الخير كل الخير فيما كان يأمره الله به، والشر كل الشر فيما كان ينهاه عنه. وفي هذا اليوم يرى حقائق أسماء الله الحسنى متجلية على العرش بالإحسان والفضل، بالرحمة والكرم والحنان والبهاء.
هذا هو اليوم التاسع من ذي الحجة إنه يوم عرفة إنه يوم الحج يوم يجني الحاج ثمرة عمله، وإلى ذلك أشار e بقوله الكريم: «الحج عرفه» ابن ماجه ج2/كتاب المناسك باب (57/ 3015).
الملايين من بني الإنسان أتوا من سائر الأصقاع أو البلدان ومن مختلف الشعوب والأقوام لقد جاؤوا من مشارق الأرض ومغاربها وهم الآن جميعهم على جبل عرفات.
لقد اغتسلوا الغسل المسنون الذي علَّمهم إياه رسول الله e ووقفوا جميعهم مع إمامهم وقد حان وقت الظهيرة يستمعون إلى الخطبة التي يعلِّمهم فيها مناسك الحج من الوقوف بعرفة والإفاضة منها والوقوف بمزدلفة، إنهم يصغون إليه لئلا يفوتهم منسك من المناسك فيُحرموا من الحج وما فيه من خيرات والمحروم كل المحروم من فاته الحج وأضاع هذه الفرصة. إنها لفرصة ثمينة إن فاتت صاحبها فما أبعد ما تعود.
ويؤذن المؤذن بين يدي الخطيب وترهف له مسامع الناس حتى إذا ما انتهت الخطبة وأقام المؤذن الصلاة وقف الناس جميعاً مع إمامهم يصلي بهم الظهر والعصر معاً يجمعهما جمع تقديم فيؤدي فريضة الظهر أولاً ثم يتبعها بفريضة العصر دون أن يقصر الرباعية أو أن يصلي قبل الفريضتين أو بعدهما أو يفصل بينهما بشيء من النوافل فإذا ما انقضت الصلاة وراح إلى الموقف راح الناس معه وقبلتهم جميعاً البيت الحرام ووجهتهم كافة إلى فاطر السموات والأرض وإمامهم الحق رسول الله e. إنهم جميعاً يلبون على اختلاف ألسنتهم وألوانهم بقولهم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" لا يقطع تلبيتهم إلاَّ تهليل وتكبير وصلاة على النبي e وتراهم عند الدعاء يرفعون أيديهم ضارعين إلى الله في افتقار وانكسار يبسطون أكفهم في نحورهم كمن يطلب العطاء والإحسان. ويمتد بهم الوقوف ويواصلون التلبية والذكر لا يفترون ولا يسكت لسانهم ولا تنقطع نفوسهم لحظة عن الإقبال على الله. وتتسامى هذه الأنفس عارجة إلى ذلك العالم المعنوي عالم الطُّهر والقدس وشهود الكمال وتتصعَّد ميول النفس وتسمع ويلذّ كثيراً الإقبال على ذي العزة والجلال وما تزال تسمو وتتسامى حتى تبلغ الأوج وتصل إلى الذروة وتصبح أهلاً للرؤية. وهنالك تميط الحضرة الإلهية اللثام لهذه الأنفس المقبلة بمعية رسول الله e والتي أضحت بإقبالها العالي أهلاً لرؤية الكمال والجمال الإلهي فترى كل نفس من هذا الجمال والكمال طرفاً متناسباً مع حالها وإقبالها ونصيبها من العطاء والإحسان الإلهي نفحةٌ من النفحات وهنالك وفيما هي في هذا الحال العالي من الإقبال والاستغراق في رؤية الكمال ينطبع على صفحات هذه النفس وعلى غير شعور منها الحق وتصطبغ من الله تعالى بصبغة الكمال. ينطبع على صفحاتها الحق من الحق جل جلاله فتغدو محبة الحق، معاينةً الحق، مصطبغة بصبغة الحق، عليمة به، مدركة الحق من كل أمر من الأمور، وفي كل عمل من الأعمال.
وتؤذن شمس هذا اليوم بالمغيب وينصرم النهار ويفيض الناس من عرفات وقد أفاض عليهم المولى الكريم من عميم فضله وإحسانه وأغدق عليهم من برّه وإنعامه وسقاهم شراباً طهوراً من تجلِّيه ونوره فإذا بهذا الحاج قد أضحى إنساناً لا كغيره من بني الإنسان. لقد أضحى هذا الإنسان عالماً حكيماً، وأصبح بالخلق رؤوفاً رحيماً ونزل من الموقف وللحكمة ينابيع تتفجَّر بلا انقطاع في قلبه وفي الحديث الشريف: «مَن أخلصَ للهِ أربعينَ يوماً ظَهرتْ ينابيع الحكمة من قلبه عَلى لِسَانِه» الجامع الصغير/8361/ (حل) عن أبي أيوب.
وعند الغروب يدفع الحجيج إلى المزدلفة وعليهم السكينة والوقار من هذا الحال العالي الذي غمر نفوسهم وتلك الزلفى التي فازوا بها من خالقهم ويذهبون إلى المزدلفة وقد غمرت أنفسهم موجة عظيمة من الشكر لله على ما منَّ به عليهم من الهداية وإلى ذلك أشارت الآية الكريمة في قوله تعالى: {..فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوه كَمَا هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالّينَ، ثُمَّ أفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ واسْتغْفِرُوا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَحيمٌ} سورة البقرة: الآية (198ـ199).
وفي هذه العشر المباركة يومُ عرفة الذي هو أفضلُ الأيام، فعن جابر عن النبي قال:((أفضلُ الأيام يومُ عرفة)) رواه ابن حبان. وورد أن صومه يكفر الله به السنة الماضية والباقية، والمراد بذلك تكفير صغائر الذنوب، فقد روى أبو قتادة قال: سُئِلَ رسول الله عن صوم يوم عرفة فقال: ((صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)) رواه مسلم. فيستحب صيامه لغير الحاج، أما الحاج فلا ينبغي أن يصومه حتى يتقوى على الوقوف وذكر الله تعالى. وهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء)). وروى ابن حبان من حديث جابر عن النبي قال: ((ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء))، وفي رواية: ((إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته, فيقول: يا ملائكتي, انظروا إلى عبادي قد أتوني شعثا غبرا ضاحين)). وروى مالك في الموطأ أن النبي قال: ((ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة))؛ وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام. وروى الترمذي: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)).
 
اللهم اجعل هذا اليوم بركة علينا يارب العالمين و اجعلنا من المؤمنين
أخي قصي بارك الله فيك و جزاك كل الخير و موعدنا الجنة ان شاء الله
 
عودة
أعلى