الجزء الأخير من كتاب عالم جورج بوش السري

قصي حمدان

New Member
الجزء الأخير من كتاب عالم جورج بوش السري
العراق بين خياري التقسيم والإلغاء
الاطاحة بنظام صدام وقعت، والآن ماذا ينتظر العراق او بالاحرى كيف يمكن لاسرائيل ان تستفيد من هذا الوضع الجديد؟ في عام 1996 كان افراد الفريق العامل في البنتاغون اليوم يفكرون في ضم العراق الى الاردن. لكن «مجموعة التحليل والتوقعات الاستراتيجية»
STRAFOR كشفت ان ديك تشيني يفكر في خيارين اثنين بخصوص العراق، فإما ضمه الى الاردن (كما جاء في تقرير «قطيعة شاملة») او تفكيكه الى ثلاث ولايات، تمنح واحدة حكما ذاتيا، وتلحق الثانية بالاردن، فيما تدمج الثالثة، والمتمثلة في المنطقة الشيعية في الكويت. انه من الصعب فهم المنطق الاميركي. فمن ذا الذي يمكنه ان يستفيد من ضم العراق الى البلد الوحيد «الصديق» للدولة العبرية في المنطقة اذا استثنينا اسرائيل؟
ومن المعروف ان الشيعة في العراق يمثلون اغلبية تبلغ نسبتها 60 في المائة من مجموع السكان. والعلاقات بين الشيعة والسنّة لا تتسم بالمودة الا في ما ندر. فكيف يعقل ان نتوقع النجاح لعملية الزرع هذه، اذا علمنا ان المذهب السني هو السائد في كل من الاردن والكويت؟
ثم ان الاميركيين تدخلوا في الخليج عام 1991 بعد غزو صدام للكويت بحجة انها كانت جزءا من العراق فيما سبق، وها هي واشنطن تريد اليوم ضم العراق الى بلدين مجاورين، وهي خطوة تفتقر الى الشرعية.
وقد أسرَّ أحد الخبراء بالقول: «يتردد الحديث عن هذه الخطط كثيرا في واشنطن، ولكن هناك شعورا عاما بان مشروع تفكيك العراق سيكون بمنزلة القشة التي تقصم ظهر البعير، وقلة فقط ترى ان الصقور يمكن ان يقدموا على ذلك..».
واشنطن لا تحسن اختيار الهدف
قال مسؤول بريطاني في حديث لمجلة نيوزويك نشر في اغسطس 2002: «الجميع يريد التوجه الى بغداد، لكن الرجال، الحقيقيين يريدون الذهاب الى طهران»، ومن جهتها، ذكرت صحيفة هآرتس في فبراير 2003 ان جون بولتون اسرّ لمسؤول اسرائيلي ان الولايات المتحدة ستهتم بأمر ايران وسوريا وكوريا الشمالية بعد ان تفرغ من العراق.
لكن الامور ستتعقد على نحو خطير بالنسبة إلى الدولة العبرية في حال التفت الاميركيون صوب دمشق، لان تبرير الهجوم على سوريا سيكون اصعب بكثير.
لقد وضع اسم سوريا على القائمة السوداء في اميركا لان الصقور قرروا ذلك. ولنا ان نتساءل هنا عن سبب التغاضي عن كثير من البلدان التي تؤوي عناصر القاعدة مثل الصومال التي تعتبر ملاذا آمنا لهذا التنظيم. وهذه حقيقة لا يجرؤ اي جهاز مخابرات في العالم على دحضها.
(...) حين يتعلق الامر بالفوائد المرجوة في اوساط اليمين الاسرائيلي من هذه النزاعات، يحرص الصقور على السرية والتكتم. وقد تحدثت نيويورك تايمز في نهاية العام الماضي (2002) عن وجود وثيقة لا تخلو من دلالة، وتنصح الاسرائيليين واليهود الاميركان باجتناب الخوض في موضوع الحملة العراقية. ويقول نص الوثيقة: «اذا كان هدفكم تغيير النظام (في العراق) فعليكم ان تنتبهوا اكثر لما تتلفظون به تحاشيا للعواقب المحتملة، حتى لا يعتقد الاميركيون ان حرب العراق شنت لحماية اسرائيل وليس اميركا (...) اتركوا السياسيين الاميركيين يدافعون عن الحرب في العراق في الكونغرس وفي وسائل الاعلام. واتركوا المجموعة الدولية تتشاجر في منظمة الامم المتحدة. فصمتكم سيصرف انظار العالم الى العراق وليس الى اسرائيل».

في نهاية عام 2001، «تطهر» البنتاغون من «آخر حمامة» مع خروج بروس ريدل المعروف باعتداله، وعَزْل كولن باول بفرض جون بولتون الموالي للصقور عليه في وزارة الخارجية. وحين بدأ يستتب الأمر للصقور جرى إعداد تقرير سري للغاية رفع إلى رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك بنيامين نتانياهو عام 1996. ويتمحور التقرير حول هدفين أساسيين يصبان في مصلحة اسرائيل وهما تفكيك العراق، وتصفية النظام السوري. وهذا ما يؤكد أن قرار الحرب في العراق كان تجسيدا لاستراتيجيات ترمي إلى إعادة تشكيل ميزان القوى السائد اليوم في الشرق الأوسط.
التقت مصالح الصقور وعمالقة النفط فوجب التغيير
تتعدى علامات الاستفهام حول ولاء بعض «الصقور» نطاق التعاطف مع اسرائيل. ففي مارس 2003 كشف الصحافي الاميركي في النيويوركر، سيمور هيرش، المتخصص في التحقيقات الصحفية ان «ريتشارد بيرل كان احد الشركاء في شركة
Trireme التي تستثمر في قطاع التكنولوجيا والخدمات وتولي اهتماما خاصا بقطاع الدفاع والامن الداخلي».
وبعد مرور عام، جمعت الشركة 45 مليون دولار، 20 مليونا منها قدمتها شركة بوينغ. لكن بيرل وشركاه ظلوا في سعي دائم لاستقطاب مزيد من المستثمرين فلجأوا الى الشخص الاكثر اثارة للجدل في العالم طلبا للمساعدة. ونعني بذلك عدنان خاشقجي، السعودي (67 عاما) الذي جمع ثروة طائلة من وراء دور الوساطة الذي لعبه في عقود الاسلحة المبرمة بين العائلة المالكة والشركات الاوروبية والاميركية. وكان يمثل بفضل علاقاته الواسعة وقدرته على التفاوض خير ضمان لنجاح شركة استثمارية تبحث عن استثمارات جديدة.
وقد التقى المسؤول عن الادارة المباشرة في الشركة
Trireme بمقرها في نيويورك، جيرالد هيلمان، خاشقجي لاول مرة في باريس وكان برفقته الصناعي السعودي البارز، والمستثمر المحتمل، الذي ولد بالعراق.
وبدأ كل شيء بسوء تفاهم تعمد الاميركيون تعميقه. فالرجل، ويدعى حرب زهير، كان يرى في هذه الصفقة فرصة سانحة للاتصال بصانعي القرار الاميركي من اجل طرح وجهة نظره عليهم، بل واكثر من ذلك، نقل ما يلتقطه من معلومات خلال اسفاره العديدة للعراق اليهم.
كان زهير يملك علاقات على مستوى القمة في النظام العراقي، وربما كان على صلة مع صدام حسين نفسه. وكان مؤمنا بامكان التوصل الى حل للمسألة العراقية عن طريق التفاوض. حدث هذا في ديسمبر، ولم يكن هم شركة
Trireme والمساهمين فيها سوى الحصول على استثمارات حتى لو كان مصدرها المملكة العربية السعودية. اما الفائدة من التفاوض السياسي مع زهير فلم يشغل بالهم لحظة، وان كان جيرالد هيلمان عضوا في مجلس السياسة الدفاعية، وهي هيئة ذات نفوذ كبير في البنتاغون يرأسها بيرل.
غير ان هؤلاء كانوا يعلمون انه لا بد من تطييب خاطر زهير، وان أي رفض قاطع لاقتراحه من شأنه ان يفوت عليهم فرصة الحصول على المائة مليون دولار التي وعد باستثمارها في شركته، فكان لا بد من ان يلعبوا اللعبة، وهو ما حدث فعلا.
وهكذا قام هيلمان في الايام التي تلت لقاء باريس، بتحرير مذكرة من 12 نقطة مؤرخة في 26 ديسمبر 2002 وتنص على نحو خاص، على ضرورة ان يقر صدام حسين «بتطويره لاسلحة الدمار الشامل وامتلاكه لها»، وهي الشروط التي رددتها ادارة بوش بعد ذلك بشهرين، وخلصت المذكرة الى القول: «اعتقد ان الولايات المتحدة ستتراجع عن فكرة ضرب العراق في حال تمت الموافقة على الشروط الاثني عشر المنصوص عليها، وسيسمح لصدام حسين بمغادرة البلاد مع ولديه وبعض وزرائه».
ولم يكن لهذه المذكرة ادنى شرعية رسمية، كما لم تنتج عن أي نقاش داخل الادارة. وهيلمان لم يكن يتوقع من ورائها شيئا على الصعيد الدبلوماسي، وكل ما كان يقصده هو خداع الصناعي العراقي - السعودي على امل الحصول على استثمارات منه.
وبعد مرور اسبوع واحد، بعث هيلمان بمذكرة ثانية جاء فيها: «عطفا على المحادثات التي اجريناها مؤخرا، فكرنا في القيام باختبار فوري يسمح بالتأكد من مدى صدق النظام العراقي»، وشملت المذكرة خمسة شروط جديدة، وجدها زهير مستحيلة، فيما اعتبرها خاشقجي طريفة وشبه سخيفة.
بدا مضمون المذكرة كنص كُتب بقلم احد الهواة وهو امر يسهل تفسيره اذا علمنا ان ابنة هيلمان، وهي طالبة في المرحلة الثانوية، هي من ساعده في كتابة هاتين «المذكرتين» اللتين اقل ما يمكن ان يقال فيهما انهما تتعلقان بمستقبل العالم وحرب تشنها اكبر قوة وحيدة في العالم في منطقة الشرق الاوسط، وقد اعترف هو نفسه بذلك وزاد ان بيرل لم يكن على علم بالرسالتين لدى توجيههما الى السعوديين، لكنه اطلع على الموضوع ولم يعلق عليه.
وغداة ارسال المذكرة الثانية، تم تنظيم مأدبة غداء في مارسيليا جمعت خاشقجي، وزهير وبيرل وهيلمان، وكان بيرل بمثابة «الطعم» حسب تعبير خاشقجي الذي اطلع الصحافي سيمور هيرش على ما دار في اللقاء، وكان زهير يريد التحدث عن رفع قيمة الاستثمار المزمع لمصلحة شركة
trireme مع الحرص على موضوع مستقبل العراق بشكل خاص، واستهل بيرل الحديث بلهجة مثيرة للدهشة قائلا انه يتسامى على المال وإن اهتمامه ينصب اكثر على السياسة وان «الصفقات تبرم عبر الشركة بالاحرى وليس عبر شخصي».
وبينما يقر بيرل انه لم يعلم ابدا بموضوع المذكرتين المرسلتين الى زهير، وانه لم يأبه كثيرا بالحلول التي اقترحها هذا الاخير، تبدو الاسباب التي كانت وراء لقاء مارسيليا غامضة، ويقول الامير بندر بن سلطان، سفير المملكة العربية السعودية الدائم لدى الولايات المتحدة وابن وزير الدفاع خالد بن سلطان معلقاً: «كان بحاجة الى فرصة لنفي القضية برمتها، وكان بحاجة الى تغطية للتمويه فتحجج بمبادرة السلام في العراق لكن (...) سبب اللقاء كان فعلا التفاوض بشأن صفقة تجارية».
ولا شك ان زهيراً ادرك ذلك مما يفسر الغاء مشروع الاستثمار.
لكن القضية اكتست لاحقاً ابعاداً لم تكن متوقعة ابدا اذ ترددت اصداء مذكرتي الطالبة الشابة بعد شهر من اللقاء الشهير بين بيرل وزهير، في صحيفة الحياة في مقالة حملت عنوان لا يخلو من دلالة: «واشنطن تعرض التراجع عن شن الحرب مقابل اتفاق دولي حول نفي صدام حسين» وذكرت «الحياة» في موقع آخر ان بيرل ومسؤولين آخرين قد قاموا باتصالات سرية من اجل تفادي الحرب.
وبعد مرور بضعة ايام، قامت «السفير» اللبنانية من جهتها بترجمة مذكرتي الانسة هيلمان وابيها ونسبتهما الى ريتشارد بيرل مباشرة.
وان دلت هذه القضية على شيء، فإنما تدل على ما يمكن ان يسفر عنه تداخل التجارة بالسياسة من نتائج مفاجئة تخرج عن نطاق السيطرة، حين تتداخل المصالح المالية بالسلطة فتنسج صلات شاذة، فبيرل الذي يكيل الانتقادات للسعودية من موقعه في الادارة الاميركية لا يتردد في التودد عبر الشركات التي يملك فيها حصة الى مستثمرين من هذا البلد، ويبدو التضارب في المصالح جليا في القضية، وان لم تنطوِ على اي خرق للقوانين. ولعل خير دليل على ذلك يتجسد في هيلمان، احد الشركاء في شركة
Trireme وعضو في مجلس السياسة الدفاعية الذي استغل دوره كمستشار في البنتاغون لخداع مستثمرين محتملين، فراح يعدد «الشروط» المزعومة التي يتعين على صدام حسين تلبيتها، لتفادي الحرب.
وقد جاء رد فعل ريتشارد بيرل على القضية التي كشفها الصحافي سيمور هيرش مثيرا للدهشة وذا دلالة، اذ وصف هيرش اثناء مقابلة اجراها معه المذيع وولف بليترز من قناة سي.إن.إن بـ«الارهابي» وحين طلب منه هذا الاخير توضيح كلامه استرسل قائلا: «انه لا يملك ذرة حس من المسؤولية (..) فهو فعل ذلك بغية الايذاء ويسعى له بأي طريقة وعبر اي تحريف ممكن..» ويبدو ان بيرل قد لجأ الى استراتيجية تجعل اخضاعه لاي تحقيق والتشكيك في مدى شرعية افعاله بمثابة مس بالامن العام.
متبنيا بذلك مقولة رئيسه «من ليس معنا فهو ضدنا» واستغلها لمصلحته. فحالة الحرب تعتبر من وجهة نظره مبررا كافيا لإسكات كل المنتقدين، حتى عندما يكشفون النقاب عن وجود تضارب فاضح في المصالح، وحالات التضارب هذه اكثر من ان تعد في نشاط ريتشارد بيرل. ففي فبراير 2000 عُيِّن هذا الاخير مديرا لشركة
Automnomy، وهي شركة بريطانية تعمل في قطاع التكنولوجيا المتطورة، وتحديدا في مجال اعتراض ما يدور على شبكة الانترنت من احاديث.
وفي اطار مكافحة الارهاب، حصلت الشركة أخيرا على عقد مجزٍ مع وزارة الامن القومي الاميركية، كما تعمل الشركة مع الجيش الاميركي وقوات البحرية بالاضافة الى القوات الجوية الملكية الاسترالية، وكعادته لم يخترق بيرل القانون بما ان مجلس السياسة الدفاعية الذي ظل يرأسه حتى عام 2003 (وما زال عضوا فيه) هو مجرد هيئة استشارية داخل البنتاغون. ومن موقعه هذا على هامش الادارة الاميركية لا يخضع بيرل للقيود نفسها المفروضة على الاعضاء المباشرين في الادارة، غير ان نفوذه الذي يمتد خارج اطار صلاحياته الرسمية دفع هيئة المراقبة المستقلة اي الجمعية الوطنية لصناديق التقاعد الى التساؤل عن وضع ريتشارد بيرل داخل الشركة، واعلنت هذه الهيئة عن نيتها في تقديم توصية بامتناع المساهمين في هذه الشركة اذا استمر «الصقر»، الذي تحول الى رجل اعمال، في منصبه بشركة
Autonomy البريطانية بعد انتهاء فترة رئاسته الحالية.
عقد بـ750 ألف دولار
بالاضافة الى ما تقدم حصل بيرل على عقد للعمل «كمستشار» لدى الشركة الاميركية غلوبال غروسينغ المفلسة، بهدف تسهيل عملية اعادة شرائها من قبل شركة
Hutchinson Whampoa، وذلك لسبب بسيط يتلخص في كونها تتوافر على شبكة هائلة من الألياف الضوئية التي تستخدمها على نحو خاص وزارة الدفاع الاميركية ومختلف الوكالات التابعة لها. والشركة مملوكة لأغنى رجل في «هونغ كونغ» وهو لي كاشينغ الذي تربطه علاقات قديمة مع النظام الشيوعي في بكين.
ولذلك لا يريد البيت الابيض ان تقع انظمة الاتصال الحساسة هذه في يد نظام طالما اعتبر معاديا. وهنا دخل ريتشارد بيرل في اللعبة بعقد قيمته 750 الف دولار كانت 600 الف منها تعتمد على موافقة السلطات الاميركية على عملية البيع. وجاء في مذكرة مؤرخة في 7 مارس، ان موقع بيرل كرئيس لمجلس السياسة الدفاعية يخوله «تكوين وجهة نظر فريدة» و«معرفة عميقة» بالقضايا الامنية والدفاعية التي قد تثيرها لجنة الاستثمارات الخارجية المخولة منع بيع شركة هاتشينسون وامبوا.
وقال بيرل لصحيفة نيويورك تايمز ان الوثيقة حررها محامون وانه لم يتنبه لهذه الجملة. ثم تدارك في وقت لاحق، زاعما انها وردت في نسخة سابقة، وانه قام بشطبها لكن شخصا ما تعمد ادراجها في الوثيقة النهائية دون ان يتنبه لذلك.
ومهما يكن من امر هذه الجملة الشهيرة، فمن الواضح ان منصبه كمستشار للبنتاغون وموقعه شبه الرسمي كمنظر المحافظين الجدد، قد لعبا دورا حاسما في اختيار بيرل لترؤس الفريق المفاوض.
وفي مطلع عام 1989 كانت صحيفة وول ستريت جورنال قد كشفت وجود شركة تمثل الحكومة التركية وتحمل اسم آي. ايه. آي
International Advisors Inc وتهدف الى تشجيع «المعونة الاميركية وبيع العتاد العسكري الاميركي لتركيا». وغني عن التذكير هنا بأن هذه الاخيرة تعتبر الحليف العسكري الأضمن لاسرائيل في المنطقة.
ومرة اخرى كذَّب بيرل وجود اي علاقة تربطه بهذه الشركة على نحو مباشر، زاعما انه «مستشار» لها. وهذا صحيح ما دامت الشركة مسجلة باسم «صقر» آخر هو دوغلاس فيث، المستشار الخاص السابق لبيرل. وقد جنى من ورائها مئات الآلاف من الدولارات مثلما جناها من مكتب المحاماة الذي كان يملكه
Feith & Zell واكتسب مكانة كبيرة بين زبائنه مثل شركة نورثروب غرونمان مصنعة القاذفات B2 والمقاتلات F18، والطائرات من دون طيار وكلها تستخدم بكثافة في العراق.
إذ كانت زوجة نائب الرئيس الاميركي لين تشيني، عضوا في مجلس إدارة هذه الشركة حتى فبراير 2001. ويمثل ديك تشيني مثالا صارخا على هذا التقارب بل الحميمية التي تجمع السلطات السياسية بقطاع الصناعة الحربية. غير ان هذا الأخير يختلف عن ريتشارد بيرل وبول وولفويتز، ودوغلاس فيث وايليوت أبرامز بعدم ارتباطه باسرائيل بأي علاقة خاصة، لكن مسيرته طبعتها صبغة التطرف الصريح وخصوصاً فيما يتعلق بالسياسة الداخلية الاميركية وماضيه يزخر بمواقف وقرارات محرجة إذ رفض المصادقة على البرامج الغذائية التي وضعت لمصلحة الاطفال المعدمين في اميركا (1986)، والموافقة على جمع المعلومات حول تنامي الجرائم العنصرية، ومنح مساعدة غذائية للاشخاص المسنين (1987).
والقول نفسه ينطبق على موقفه من البيئة اذ صوت ضد قوانين عدة وضعت لحماية المياه والهواء، وأنواع الحيوانات المهددة بالانقراض. وموقفه هذا لم يكن نابعا من قناعاته السياسية بالضرورة بقدر ما هو نابع من مجال اختصاصه «كرجل نفط».
والواقع ان التصريحات القوية التي أدلى بها خلال عام 2000 عن تشدده ازاء العراق لم تكن سوى تمويه انتخابي بالنسبة الى رجل «تزوج» النفط. وقد كشف تقرير سري أعدته منظمة الأمم المتحدة ونشرت صحيفة واشنطن بوست اسماء مختلف الشركات التي تعاملت مع نظام بغداد وتفاصيل الصفقات المبرمة. فاضطر تشيني الى الاعتراف بالحقيقة متذرعا بانه لم يكن على علم بعلاقة الشركتين الفرعيتين مع العراق لدى شرائهما.
غير ان رئيس
Ingersoll - Rand جيمس أ. بيريلا اكد لواشنطن بوست ان تشيني كان على علم بالصفقة.
والواقع ان شركات مثل هاليبرتون ساهمت عبر مجموعة فروع ووسطاء في تكدس الثروات التي اكتشفها الجنود الاميركيون في القصور الرئاسية. فقيمة الصادرات العراقية من النفط قفزت من 4 مليارات دولار في عام 1997 الى 10 مليارات بعد ذلك بثلاث سنوات. وما كان هذا الارتفاع ليتحقق لولا الحصول على التكنولوجيا الاجنبية وقطع الغيار وغير ذلك من اللوازم غير المتاحة داخل العراق.
غادر ديك تشيني هاليبرتون حاملا معه 45 مليون دولار، ومطوقا بامتنان على ايصالها الى ارفع مقام في اوساط السلطة في الداخل والخارج (وخاصة في العالم العربي). ولكن ماذا عن ولائه؟ هل هو لعالم الاعمال أم لعالم السياسة؟ ان من يراقب الحرب الدائرة والمجازفة العظيمة، التي اقدمت عليها واشنطن بمصداقيتها، يفترض ان دوافع تشيني كانت سياسية فعلا، لكن الامور تكتسي بعدا مغايرا حين يتأمل ما بعد الحرب.
فقد حصلت شركة هاليبرتون على أهم العقود واجزاها في مجال اعادة اعمار العراق. وذلك حتى قبل ان يهدأ هدير الآلة الحربية، وفي ظروف غير مألوفة البتة. فأميركا تعد من اكثر البلدان شفافية، وخاصة في مجال المناقصات ومع ذلك فلم تواجه هاليبرتون اي منافس على السوق العراقية المغرية.
وفي الوقت الذي كان جورج دبليو بوش يصرح بان «نفط العراق ملك للعراقيين»، تبين في يوم 12 مايو ان عقدا ابرم مع الجيش من دون اعلان مناقصة مرّة اخرى يقضي بمنح أحد فروعه، الذي يعرف اختصارا بـ
KBR، امتيازا في جزء من النفط العراقي، وهي شركة تحمل اسم Kellog Brown & Root تعمل في مجال الامدادات اللوجستية وتربطها شبكة علاقات وثيقة مع الجيش الاميركي يعود تاريخها الى زمن حرب فيتنام. وهي بمنزلة شقيق سيامي (مدني) للمؤسسة العسكرية. وقد استفادت كثيرا من علاقات ديك تشيني خلال السنوات التي قضاها على رأس هاليبرتون، وحتى قبل ان يخوض غمار الاعمال.
وأي مشروع في مجال الصيانة او سلاح الهندسة سواء في الداخل او الخارج يُعهد به الى هذه الشركة التي تولت في جملة مشاريع اخرى، بناء معتقل غوانتانامو بالاضافة الى عدة قواعد ومعسكرات اميركية في مختلف انحاء العالم. ومنذ بدء الحرب على الارهاب، ازدهر وضع الشركة، ويبدو ان مستقبلا مشرقا ينتظرها بفضل الجيش الاميركي من جهة وعملية اعادة اعمار العراق من جهة اخرى. ومن الصعب ان نتصور الا يكون لديك تشيني ايضا يد في ذلك. فهو طيلة فترة رئاسته لهاليبرتون كان يدير شؤون فرعها هذا بشكل مباشر تقريبا. حتى ان المجموعة كانت تعتبره بمنزلة قيمة ثمينة بفضل علاقاته الواسعة مع مختلف الحكومات في العالم. ويقول الرئيس السابق لهاليبرتون: «كانت كل الابواب تفتح في وجهه بينما قال رئيسها الحالي: «لو ذهبت الى مصر او الكويت او عمان وحدي فان الشخص الذي يمكنني لقاؤه هو وزير النفط. اما مع تشيني فقد كنا نذهب لرؤية السلطان في عمان والامير في الكويت دون ان تكتسي الزيارة طابع الرسمية اذ نذهب لتناول الشاي وتبادل اطراف الحديث..».
وكلما نمت علاقات ديك تشيني مع القادة العرب وغيرهم زادت معها ارباح الشركة (...)، ويبدو ان هذا الاخير قد نفخ روحا جديدة في هذه الشركة التكساسية الهرمة المعروفة بتعاطفها مع التيار المحافظ المتطرف والتي كانت لاتزال تفتقر الى الصيت الدولي، حسب تعبير المحلل النفطي فرد موتاليبوف، وهو ما حققه لها رئيسها الجديد وعزز حضورها في اسواق مختلف الحكومات.
وفي مطلع عام 2002 اعلنت شركة هاربيسون والكر للتأمين المتعاقدة مع هاليبرتون افلاسها فبدأت اوساط وول ستريت تتساءل عن مدى صمود العملاق النفطي في وجه هذه الازمة. ومنذ ذلك الحين، اثار خروج تشيني من هاليبرتون للمشاركة في الحملة الانتخابية لجورج بوش عام 2000 كثيرا من الجدل، اذ اعتبره منتقدوه وكثير من الاميركيين الذين هزتهم الازمة المالية، كفرصة سمحت لنائب الرئىس المقبل ببيع اسهمه وهو يعلم بما ينتظر اسعار اسهم الشركة من انهيار. وجنى تشيني من ذلك 30 مليون دولار، محتذيا حذو جورج دبليو بوش حين قام في نهاية الثمانينات ببيع اسهمه في شركة هاركن النفطية في ظروف مثيرة للجدل. وقد باع تشيني اسهمه بحوالي 52 دولارا للسهم الواحد وبعد عامين من ذلك انهار السعر الى 13 دولارا فقط.
علاقات تشيني بالخليج
اقام تشيني خلال تسلمه مختلف المناصب علاقات صداقة شخصية متينة في كل بلدان الخليج، وخاصة في الدول الصغيرة العزيزة على قلبه والتي تستقبله بمودة كبيرة.
جاءت احداث 11 سبتمبر والحرب على الارهاب ليمثلا معا بالنسبة إلى الصقور الموالين لاسرائيل «فرصة حقيقية» لتنفيذ السياسات التي طالما دعوا اليها بدون ادنى تعديل. وليست الحرب في العراق سوى خطوة اولى في سياسة المحافظين الجدد في الشرق الاوسط التي تنبع من ارادتهم الصلبة في المساهمة في ضمان امن اسرائيل الاقليمي عبر اضعاف اعدائها بالتدريج مثل العراق وسوريا لمصلحة حلفاء مثل الاردن.
ولئن كانت اهداف تشيني تختلف تماما عن اهداف هؤلاء الا انها تندرج بدورها في اطار مشروع اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط الذي يجري تنفيذه اليوم. فاسرائىل لا تشغل بال نائب الرئىس الاميركي او على الاقل ليست بحماسة بيرل ووولفويتز وفيث وابرامز نفسها، بينما تستهويه فكرة توطن الشركات النفطية الاميركية بشكل دائم وحصري في بلد قد يتحول الى ثاني منتج نفطي في المنطقة.
وخلاصة القول ان ايا من الفريقين لا يتسم بالنزاهة، فالصقور يمثلون مصالح اولئك الذين يعتقدون ان اسرائىل لن يتحقق لها النصر الا بالقوة، وتشيني يمثل عمالقة النفط بالاضافة الى اليمين المتطرف الاميركي هو وزوجته. وابرز ما يطبع الفترة الراهنة التي تمثل انعطافة مهمة في تاريخ العالم، هو ذلك التواطؤ بين مدرستين فكريتين فرق بينهما كل شيء ووحدتهما اخيرا ساحة المعركة في العراق.
مهما يكن من امر النظرة السائدة الى النظام الاميركي فإن المسؤولين السياسيين في هذا البلد يخضعون لضغوط، لا وجود لها في اي بلد آخر، تفرض شفافية تامة في مجال الانشطة التجارية الخاصة للشخصيات البارزة في السلطة، اذ تتولى الصحافة والهيئات المعنية بالرقابة التنقيب في ادق تفاصيل حياتهم، وماضيهم ومختلف نشاطاتهم. ولاشك ان ثمة شيئا قد تغير اليوم، فإدارة بوش غيرت امورا كثيرة في الخارج، كما في واشنطن، في اسلوب ادارة الشؤون السياسية للبلاد. فظاهرة اللاعقاب التي يبدو انها تسود اليوم تخفي وراءها تغيرا عميقا حيث الولاء لقائد بعينه يكتسي اهمية متنامية تتراجع معها القيم والاخلاق الى المرتبة الثانية.
فبوش في حالة حرب، والحرب نادرا ما تكون نظيفة، والاولوية على ساحة المعركة ليست لحسن التصرف ولا للتهذيب ولا للمبادئ بل لما يدين به كل من يعملون في خدمتك من ولاء. فما يريده بوش هو معاونون مخلصون. وما عدا ذلك لا يهم كثيرا.
ويبدو ان جل افراد الفريق الحالي في البيت الابيض يعيشون في عالم مغلق وفوق النقد. وحماية بوش لفريقه من الانتقادات والعقاب لا يمنحهم القوة بل يضعفهم ويجردهم من المصداقية في نظر المجتمع الدولي. ومهما بلغت الخصومات بين اعضاء الادارة يتجنب كل مسؤول فيها كشف الاخر خشية ان يأتي عليه الدور في يوم من الايام ويمثل قانون الصمت هذا ابرز سمة في الفترة الحالية.
هاليبرتون
حين غادر تشيني البنتاغون في يناير 1993 بأمر من الرئيس بوش الأب، ذهب ليترأس الشركة النفطية العملاقة هاليبرتون. وهي شركة متعددة النشاطات وتملك تاريخا زاخرا بالاضطرابات والدسائس. ولفهم مسيرة تشيني لا بد من فهم ماهية هاليبرتون، لأن الامر لا يتعلق بشركة واحدة بل بشركات عدة تعمل في ميادين مختلفة بينها مد انابيب النفط، وبناء السجون العسكرية وتزويد القواعد الاميركية في افغانستان، على سبيل المثال لا الحصر، بالامدادات اللوجستية، وتتولى التفاوض، عبر فروعها، مع حكومات الدول التي تصفها ادارة بوش بالارهاب، وكذلك أبرز الدكتاتوريات في العالم.
هاليبرتون اذا هي افعوان ليس برأسين فقط بل بخمسة او عشرة رؤوس. وتلقي كثير من فروعها الضوء على البون الشاسع بين ما يقال في الخطابات الرسمية وما يجري على ارض الواقع في مجال الاعمال.
عُيِّن تشيني عام 1995 على رأس هاليبرتون التي يتصدر قائمة نشاطاتها التنقيب عن النفط ونقله. وكان العراق يمثل زبونا محتملا رغم الحظر المفروض عليه، غير ان تشيني كان حاسما في تصريحه لقناة ايي.بي.سي عام 2000 إذ قال: «انا اعتمد سياسة حازمة تجاه العراق تنص على عدم التعامل بتاتا مع هذا البلد، ولو عبر ترتيبات قد تبدو قانونية». وفي عام 1998، كان تشيني رئيسا للشركة حين عمدت الى شراء شركة
Dresser Industries التي كانت قد شرعت في بيع معدات نفطية لبغداد عبر شبكة معقدة من الفروع الى جانب شركة Inger soll-Rand co لكنه رغم «حزمه» لم يمنع هذه التجارة. وهكذا باعت Dresser Industries و Inger soll-Rand، بصفتهما فرعين لهاليبرتون مضخات معالجة، وقطع غيار خاصة بمعدات نفطية، وتجهيزات انابيب نفطية للعراق عبر أفرع فرنسية بين عامي 1997 و2000 ويجدر التذكير هنا بأن فرنسا اتهمت من قبل الاميركيين بالوقوف ضد حرب الديموقراطية التي دعا اليها تشيني فقط من اجل مصالحها في العراق. ولعل قمة الوقاحة تتمثل في محاولة Inger soll Dresser Pump توقيع عقد (اوقفته الادارة الاميركية آنذاك) لاصلاح منصة نفطية دمرتها القوات الاميركية خلال حرب الخليج الأولى بقيادة ديك تشيني نفسه الذي كان انذاك وزيرا للدفاع.

انتهى
 
قصي لا تآخذني و الله كم جزء عامل هذا لاسمو بوش ؟
و الله انت مهتم بالامور السياسية ايضا المهم بارك الله فيك لانك نشرت لنا حقيقة بوش وما وراء الكواليس..............جزاك الله كل الخير
 
قصي لا تآخذني و الله كم جزء عامل هذا لاسمو بوش ؟
و الله انت مهتم بالامور السياسية ايضا المهم بارك الله فيك لانك نشرت لنا حقيقة بوش وما وراء الكواليس..............جزاك الله كل الخير
أخي هذا من منطلق تعرف على حقيقة عدوك لتعرف كيف تتعامل معه و ليس محبة مني به أو بديمقراطيته الهوجاء العرجاء .........................
 
عودة
أعلى