nanci taha
New Member
الصافرة الأخيرة
ها هو القطار يطلق صافرته الأخيرة
ويعلن عن بداية رحلة جديدة .. نحو المجهول
صعد الركاب
أمرهم المسؤول عن القطار باتخاذ أماكنهم حسب التريب الرقمي
أسرع المهاجرون يحملون حقائبهم الخفيفة .. يتنهدون بحرقة ، يودعون الأهل ..
يبكون .. يلوحون بمناديلهم .. والدموع تتطاير ، وعيونهم تأبى أن تعيش الوداع ، ترفض الغربة .
وبالقرب من المحطة يربض بيت صغير جميل ..
على أعتابه وقفت شابة
ها هي تخطو نحو امرأة في العقد الخامس :
ضميني يا أمي لتعانق روحك روحي
لا تحرميني من حضنك الدافىء
لا أرغب بالسفر نحو المجهول .. خائفة ..
سأكون في غربتي إمرأة ضعيفة .. تغتالني الوحدة ..
بكت الأم وعانقتها بشدة :
هذا قدرك يا ابنتي.,.وقسمتك ..
لا اعتراض على حكم القدر ..
وأدارت وجهها نحو أباها :
أبي ضمني إلى صدرك الحنون
أرجوك يا أبي لا أحب أن أرى دموعك
فأنت بسمتي وفرحتي المسلوبة ..
سأقول لك كلمة قبل الرحيل :
وحدك يا أبي ثقتي ،
وفي حضنك وحدك شعرت بالأمان .
فغدوت في كنفك أجمل من صورتي الحقيقية ..
ضمها بقوة وما كان ليسلخها عن صدره لولا علمه أن سفرها أمر محتوم وقال :
إذهبي في أمان الله يا ابنتي فعين الله سترعاكِ ودعائي سيرافقكِ في كل لحظة ..
توجهت نحو أختها الصغرى ..
يا حبيبتي
تعالي لأضمكِ وأشبع منكِ ولن أشبع
تعالي لأحمل منكِ بعضاً من طفولتكِ التي كانت تؤنسني
دعيني أكون طفلة للحظات قصار ..
فأنا اليوم صرت إمرأة كبيرة ..
قالت الطفلة : ومتى ستعودين يا أختي ؟
انهمرت دموعها .. عانقتها .. وقالت قريباً يا حبيبتي ..
نظرت إلى بيتها الجميل :
يا بيتي العزيز .. يا صندوق الذكريات .. أغلق بابك ورائي بلطف
حتى إذا لبيت نداء الحنين ورجعت .. وجدت أقفالك تنتظر مفتاحي ..
فتعانقني جدرانك.
لقد بناك أبي وأمي من عرقهم وجهدهم :
شيدوك بالحب وزينوا جدرانك بالإخلاص
وفرشوا أرضك بالتضحية .
بنوك حجراً حجراً.
كنت دوماً أحس أني أميرة زماني حين أجول في أرجاءك ...
لو نطق البيت لقال سيعم الفراغ أرجائي ..
إلتفتت نحو الأزقة لطالما كانت ساحة لعبها المفضلة ..
وأنتِ أيتها الأزقة وداعاً لا تنسي لعبي وركضي على أرضك ..
لكم هي غالية تلك الذكريات ..
كلمت جارتها :
وداعاً أيتها الجارة الطيبة ..
ونادت بصوت يمزقه الألم
يا أبناء بلدتي
أيها الأحبة
أيها الجيران
وداعاً .. أُحمّلُها ضحكتي ودمعتي وصرخاتي
وداعاً ..
ومضت تحث الخطى نحو باب القطار ..
في رحلتها نحو المجهول ..