●¦[ الــفـــارس ]¦●
Well-Known Member
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الرمد بالسكون
، والدعة ، وترك الحركة ، والحمية مما يهيج الرمد
وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم
حمى صهيباً من التمر ، وأنكر عليه أكله ، وهو أرمد ، وحمى علياً من الرطب
لما أصابه الرمد .
وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي :
أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها .
الرمد : ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين ، وهو بياضها الظاهر ،
وسببه انصباب أحد الأخلاط الأربعة ،
أو ريح حارة تكثر كميتها في الرأس والبدن ، فينبعث منها قسط إلى جوهر العين ،
أو ضربة تصيب العين ، فترسل الطبيعة إليها من الدم والروح مقداراً كثيراً تروم بذلك شفاءها مما عرض لها
، ولأجل ذلك يرم العضو المضروب ، والقياس يوجب ضده .
واعلم أنه كما يرتفع من الأرض إلى الجو بخاران ،
أحدهما : حار يابس ، والآخر : حار رطب ،
فينعقدان سحاباً متراكماً ، ويمنعان أبصارنا من إدراك السماء ،
فكذلك يرتفع من قعر المعدة إلى منتهاها مثل ذلك ، فيمنعان النظر ،
ويتولد عنهما علل شتى ، فإن قويت الطبيعة على ذلك ودفعته إلى الخياشيم ،
أحدث الزكام ، وإن دفعته إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخناق ،
وإن دفعته إلى الجنب ، أحدث الشوصة ، وإن دفعته إلى الصدر ،
أحدث النزلة ، وإن انحدر إلى القلب ، أحدث الخبطة
، وإن دفعته إلى العين أحدث
رمداً ، وإن انحدر إلى الجوف ، أحدث السيلان ، وإن دفعته إلى منازل الدماغ أحدث النسيان ، وإن ترطبت أوعية الدماغ منه
، وامتلأت به عروقه أحدث النوم الشديد ، ولذلك كان النوم رطباً ، والسهر يابساً . وإن طلب البخار النفوذ من الرأس ، فلم يقدر عليه ،
أعقبه الصداع والسهر ، وإن مال البخار إلى أحد شقي الرأس
، أعقبه الشقيقة ، وإن ملك قمة الرأس ووسط الهامة . أعقبه داء البيضة
، وإن برد منه حجاب الدماغ ، أو سخن ، أو ترطب وهاجت منه أرياح
، أحدث العطاس ، وإن أهاج الرطوبة البلغمية فيه حتى
غلب الحار الغريزي ، أحدث الإغماء والسكات ،
وإن أهاج المرة السوداء حتى أظلم هواء الدماغ ،
أحدث الوسواس ، وإن فاض ذلك إلى مجاري العصب
، أحدث الصرع الطبيعي ،
وإن ترطبت مجامع عصب الرأس وفاض ذلك في مجاريه ،
أعقبه الفالج ، وإن كان البخار من مرة صفراء ملتهبة محمية للدماغ
، أحدث البرسام ، فإن شركه الصدر في ذلك ، كان سرساماً ، فافهم هذا الفصل .
والمقصود : أن أخلاط البدن والرأس تكون متحركة هائجة في حال الرمد
، والجماع مما يزيد حركتها وثورانها ، فإنه حركة كلية للبدن والروح والطبيعة .
فأما البدن ، فيسخن بالحركة لا محالة
، والنفس تشتد حركتها طلباً للذة واستكمالها ،
والروح تتحرك تبعاً لحركة النفس والبدن ،
فإن أول تعلق الروح من البدن بالقلب ، ومنه ينشأ الروح ،
وتنبث في الأعضاء . وأما حركة الطبيعة ، فلأجل أن ترسل ما يجب
إرساله من المني على المقدار الذي يجب إرساله .
وبالجملة : فالجماع حركة كلية عامة يتحرك فيها البدن وقواه
، وطبيعته وأخلاطه ، والروح والنفس ،
فكل حركة فهى مثيرة للأخلاط مرققة لها توجب دفعها وسيلانها إلى الأعضاء الضعيفة ، والعين في حال رمدها أضعف ما تكون ، فأضر ما عليها حركة الجماع .
قال بقراط في كتاب الفصول : وقد يدل ركوب السفن أن الحركة تثور الأبدان .
هذا مع أن في الرمد منافع كثيرة ، منها ما يستدعيه من الحمية والإستفراغ ،
وتنقية الرأس والبدن من فضلاتهما وعفوناتهما ، والكف عما يؤذي النفس والبدن من الغضب ، والهم والحزن ، والحركات العنيفة ، والأعمال الشاقة . وفي أثر سلفي : لا تكرهوا الرمد ، فإنه يقطع عروق العمى .
ومن أسباب علاجه ملازمة السكون والراحة ، وترك مس العين والإشتغال بها ، فإن أضداد ذلك يوجب انصباب المواد إليها . وقد قال بعض السلف : مثل أصحاب محمد مثل العين ، ودواء العين ترك مسها . وقد روي في حديث مرفوع ، الله أعلم به : " علاج الرمد تقطير الماء البارد في العين " وهو من أنفع الأدوية للرمد الحار
، فإن الماء دواء بارد يستعان به على إطفاء حرارة الرمد إذا كان حاراً ،
ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لامرأته زينب وقد اشتكت عينها :
لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيراً لك وأجدر أن تشفي ، تنضحين في عينك الماء ، ثم تقولين : " أذهب البأس رب الناس ، واشف أنت الشافي ،
لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً " . وهذا مما تقدم مراراً أنه خاص ببعض البلاد ،
وبعض أوجاع العين ، فلا يجعل كلام النبوة الجزئي الخاص كلياً عاماً ،
ولا الكلي العام جزئياً خاصاً ، فيقع من الخطأ ، وخلاف الصواب ما يقع ، والله أعلم .