اللوحة

اللوحة




عندما أخبره صاحب محل التحف والمرايا أن هناك من يرغب في لقاءه أولا قبل شراء اللوحة
, خطر في باله أن هذا المشتري ربما يكون معجبا بفنه وأنه يرغب في التعرف إليه والتحدث معه في شؤون الفن.

تذكر اللوحة التي رسمها تحت دافع الرغبة في بيعها لا أكثر ..قال له صاحب المحل :
- ارسم وجها لامرأة جميلة أو منظرا طبيعيا فهذا ما يبحث عنه الزبائن .
شعر وقتها بالحزن
..قال في نفسه لو أنه ولد في مجتمع يفهم الفن ويقدره
لكان الآن يعرض لوحاته في أكبر المعارض وأفخمها وليس في محل لبيع المرايا والتحف الرخيصة ..

يتذكر الآن أنه أقبل على رسم تلك اللوحة بلا حماس لكنه بعد ذلك شعر بأنه يرسم شيئا رائعا
..وعندما أتم اللوحة شعر تجاهها بالإعجاب الشديد
, بل أعتبر أنها أجمل لوحاته.
كان وجه السيدة الجميل ينبض بالحياة وفي عينيها سحر غريب أو حديث مبهم .

ذهب وهو يمني نفسه بمبلغ محترم يفك قليلا من أزمته المالية الخانقة وعندما ألقى السلام
رد صاحب المحل محدثا الشخص الآخر بجانبه :

- هذا هو صاحب اللوحة ..
كان الرجل الآخر أربعينيا ذا لحية خليجية شديدة السواد ويلبس نظارة شمسية تبدو غالية الثمن
,قام الرجل من مكانه وهو يحمل اللوحة وقال :

- أتمنى لو تحدثنا في السيارة
اتجها إلى سيارة لكزز بيضاء
, وضع الرجل اللوحة في المقعد الخلفي ثم أشعل محرك السيارة وأدار مكيف الهواء
..قال الرسام محاولا تخفيف توتره :

- ماشاء الله تبارك الله .
بادره الرجل وهو يلتفت باتجاه اللوحة :
- من أين عرفت هذه المرأة .
- أي امرأة
- الموجودة في اللوحة ..
- لا توجد امرأة صدقني
, رسمتها من الخيال فقط

- إنها زوجتي .
شعر الرسام بالمفاجأة
..وآخذ يتمعن في الرجل محاولا معرفة مدى جديته
..كما أن فكرة أن يكون الرجل مسطولا أو سكرانا خطرت في باله ..

- أقول لك إنها زوجتي
..يمكن لي أن أتصل بأخيها ليؤكد لك هذا
, لو أخبرتك أين يعمل فستصاب بالرعب , لكنني لا أريد تصعيد الأمر .

- هل لديك مصحف ..سأحلف لك عليه أنني رسمت اللوحة من الخيال
..الخيال فقط .

- وأنا سأحلف لك على نفس المصحف أن المرأة الموجودة في اللوحة هي زوجتي .
لم تخطر في بال الرسام يوما مثل هذه المعضلة
..وفكر فيما لو كانت الحكاية كلها مجرد مزحة ثقيلة أو مقلبا سمجا
..لكن أفكاره توقفت وهو يسمع الرجل يقول:

- الحل هو في إتلاف هذه اللوحة .
- إتلافها ..
تناول الرجل اللوحة من المقعد الخلفي
..سحبها من بروازها
..وطواها ثم مزقها
, مرة ومرتين وثلاث وأربع
..ثم قال للرسام ..

- الآن تفضل وأرجو أن لا يكون لديك صورا أخرى لزوجتي .
 
عودة
أعلى