زينب بنت خزيمة .. أم المساكين ..

nanci taha

New Member
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته






اليوم رحلتنا في رحاب أمهات المؤمنين، مع سيدتنا زينب بنت خزيمة، الزوجة الخامسة في حياة النبي، لنتعرف عليها قبل زواجها من النبي وبعد زواجها منه، وكيف كانت؟ وما هو لقبها؟ ولم سميت بذلك؟

هي زينب بنت خزيمة، أم المؤمنين, زوج النبي عليه أتمّ الصلاة والتسليم، وُلدت قبل البعثة في مكة بثلاث عشرة سنة، وكانت زوجة عبد الله بن جحش الذي استُشهد بأُحد، فخطبها النبي عليه الصلاة والسلام لنفسه بعد انقضاء عدّتها؛ فجعلت أمرها إليه، فتزوّجها في رمضان سنة ثلاث من الهجرة بعد حفصة.. أقامت عند النبي ثمانية أشهر، وتوفيت في شهر ربيع الآخر سنة أربع للهجرة.

أي أنها عاشت مع رسول الله ثمانية أشهر فقط ثم رحلت عن دنيانا، وما أعجب من قصُر عمرهم في حياة النبي وصلح عملهم، وهذا يُذكّرنا بقصة سيدنا زيد الخير، عندما جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ فرحب به, وقال:
"مَن الرجل؟ قال: أنا زيد الخيل.. قال النبي: بل أنت زيد الخير، والله يا زيد ما وُصف لي رجل, فرأيته؛ إلا رأيته دون ما وُصف إلا أنت يا زيد، لله درك!".

ثم أخذه إلى البيت، وقدّم له وسادة ليتكئ عليها -وكان عمر إيمانه ساعة- فقال: "والله يا رسول الله, لا أتكئ بحضرتك، ثم قال: يا رسول الله, أعطني ثلاثمائة فارس, لأغزو بهم الروم، قال له النبي: لله درّك يا زيد! أيّ رجل أنت؟" وغادر النبيَّ إلى بلده، وفي الطريق توفي.

وهكذا كانت أم المساكين، عمرها قصير في بيت النبي، وحياتها وذكراها في قلوب المسلمين إلى قيام الساعة.

عن قصة الزواج
لم يمضِ على زواجه صلى الله عليه وسلم من حفصة إلا أشهر معدودة, حتى أرسل النبي إلى زينب بنت خزيمة, يخطبها لنفسه، وما إن وصل الخبر الجليل إلى زينب المهاجرة الصابرة التي أفجعها موت زوجها؛ حتى قالت: "إني جعلت أمر نفسي إليه"؛ أي وهبتُ نفسي لك يا رسول الله.. وهذا زيادة في التعبير عن بالغ الرضا والامتنان، وعن عميق السرور الذي غمر قلبها الوديع؛ فتزوجها النبي عليه الصلاة والسلام.

كانت سيدتنا زينب بعيدة عن مظاهر الجمال الخارجي؛ فهي كما أسلفنا امرأة مترمّلة، زوجها قد استشهد في معركة أُحد؛ فجبر خاطرها رسول الله، ومَنَحَها شرف الانتساب إليه.

عن كتب السيرة
أَقَلَّتْ كتب السيرة والتاريخ من ذكر أخبار أم المؤمنين زينب بنت خزيمة، ويعود السبب إلى ذلك الزمن اليسير الذي أقامته عند النبي عليه الصلاة والسلام.

وفي رواية لم تمكث إلا شهرين فقط، وفي رواية أخرى أنها أقامت عنده ثمانية أشهر، ولعلها أمضت هذه الفترة في المرض، والله تعالى أعلم.

وبرغم أن الكتب فقيرة جداً بالحديث عن هذه الزوجة, لقِصَر مدة عيشها مع رسول الله؛ فهناك تعليق مهمّ يجب أن ننتبه إليه؛ فهذا سيدنا عُمَر رضي الله عنه, عملاق الإسلام, لمّا جاءه رسول أحد قواده في نهاوند, وقال له: مات خلق كثير أنت لا تعرفهم.

فما كان من سيدنا عمر؛ إلا أن قال: وما ضرّهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم.

والنبي عليه الصلاة والسلام وصف المؤمنين الصادقين, بأنهم أتقياء أخفياء, إذا حضروا لم يُعرفوا، وإذا غابوا لم يُفتقدوا.

وهذا رجل يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم, فوقف له النبي، ورحّب به أشدّ الترحيب، وقال له: "أهلاً بمن خبّرني جبريل بقدومه. قال: أوَمثلي؟ قال: نعم يا أخي، خامل في الأرض, عَلَم في السماء".. ويبدو أن هذا كان نصيب زينب من الحديث عنها والإخبار بشأنها؛ نقية خفيّة لكن كفاها أن اختارها الله لرسوله ليشرّفها بزواجه.

أُم المساكين.. رفيقة الحزن
لقد لُقّبت هذه الزوجة الطاهرة -كما ذكرت كتب السيرة- بـ"أم المساكين"، لكثرة معروفها، ورحمتها بالفقراء والضعفاء، وهكذا كان النبي يوجّه قلوبنا حين يقول: "لعلكم تُرزقون بضعفائكم، لعلكم تُنصرون بفقرائكم".. أو يدعو ربه: "اللهم أحيني مسكيناً، وأمِتني مسكيناً، واحشرني مع المساكين.."، والمسكين ليس هو فقير المال أو الذي لا يملك شيئاً؛ وإنما المسكين هو المفتقر إلى الله، العبد لله، المتواضع، المُحبّ لله ورسوله, هذا هو المسكين.

ومن هؤلاء من وجّه الله النبي بأن يكونوا تحت نظره، مُصَبّراً لهم ومتصبراً بهم فقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

وقد كانت سيدتنا زينب أُماً لهؤلاء المساكين، وكانت مع الحَزَانى الذين قيل عنهم: "الحزانى في كَنَف الله"، إن الله يحب كل قلب حزين، الحزانى مُعرّضون للرحمة.

فليس غريباً بعد ذلك لمن يصحب النبي عليه الصلاة والسلام أن ينشأ على حب المساكين، والتقرّب إليهم، والإحسان لهم.

فرضي الله تبارك وتعالى عن سيّدتنا زينب بنت خزيمة (أُمّ المساكين)، ونَفَعَنا بها إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



 


PIC-410-1303864022.gif
 
عودة
أعلى