جمع القرآن الكريم



جمع القرآن الكريم

--------------------------------------------------------------------------------

جمع القرآن

قبل أن نحدد المراد من مصطلح ( جمع القرآن ) يحسن بنا أن نعرف معني الجمع لغة فنقول :

يقول الفيروز بادي : " الجمع : تأليف المتفرق "

ويقول الراغب الأصفهاني : " الجمع : ضم الشئ ، بتقريب بعضه إلي بعض .

يقال : جمعته فأجتمع "

وعلي ذلك فالجمع في لغة العرب يعني الضم ، والاستقصاء والإحاطة .

فإن قال قائل : جمع ثمرات النخيل ، فإنه يعني أنه استقصاها وضم بعضها إلي بعض .

وكذلك إن قال : جمعت علم كذا فإنما يعني أنه أستقصي أصوله وفروعه وأحاط بجميع جزئياته وجوانبه .

المراد بجمع القرآن :

فإن أردنا أن نطبق هذا المعني اللغوي علي القرآن الكريم فإننا نقول أن المراد بجمعه أياته وسوره وضم بعضها الي بعض بالترتيب المعروف .

وهذا الجمع يتحقق بإحدي وسيلتين .

الأولي : عن طريق حفظه في القلب ونقشه في الذاكرة


ويدل لهذه الوسيلة أيات وأحاديث منها قوله تعالي : " إن علينا جمعه وقرأنه "
قال الزمخشري وغيره في تفسير هذه الأية : " إن علينا جمعه في صدرك وإثبات قراءته في لسانك.

ومنها ما جاء عن عبد الله بن عمرو أنه قال : " جمعت القرآن فقرآته كله ليلة فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " إني أخشي أن يطول عليك الزمان وأن تمل فأقرأه في شهر فقلت : دعني أستمتع من قوتي وشبابي قال : فأقره في عشرة قلت دعني أستمتع من قوتي وشبابي قال : أقره في سبع قلت : دعني أستمتع من قوتي وشبابي فأبي " .

فقول عبد الله بن عمرو " جمعت القرآن " معناه حفظته عن ظهر قلب .


الوسيلة الثانية: لجمع القرآن ، جمعه عن طريق كتابته .


ويدل لهذه الوسيلة أكثر من عبارة وردت في حديث واحد ، علي لساني أول وثاني خليفتين لرسول الله صلي الله عليه وسلم وعلي لسان أحد كتاب الوحي حيث قال عمر لأبي بكر : ( وإني اري أن تأمر بجمع القرآن )
وحيث قال أبو بكر لزيد بن ثابت فتتبع القرآن فاجمعه .
وحيث قال زيد بن ثابت : " فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال "

وإذا نظرنا إلي أشهر أسماء القرآن الكريم فإننا سنجد فيها اسمين يتصدرانها جميعا .

1- أسم ( القرآن ) 2- وأسم ( الكتاب ) .


فالاسم الأول إشارة إلي جمعه عن طريق الوسيلة الأولي ، وهي الحفظ في الصدور
والأسم الثاني إشارة إلي جمعه عن طريق الوسيلة الثانية وهي الحفظ في السطور .

يقول الإمام السخاوي في جمال القراء .
" القرآن أسم من أسماء هذا الكتاب العزيز والقرآن معناه الجمع من قولهم قرأت الشئ أي جمعته ويدل علي ذلك قوله عز وجل : " فإذا قرأناه فأتبع قرآنه " أي فإذا جمعناه فاتبع جمعه .

إلي أن يقول : " ومن أسمائه : الكتاب وذلك : لأن الكتب – بفتح الكاف وسكون التاء – الجمع يقال كتب : إذا جمع الحروف بعضها إلي بعض وتكتب بنو فلان – بفتح أوله وثانيه وثالثه مع تشديده ، أي اجتمعوا ) .


وعلي ذلك يكون القرآن الكريم قد أجتمع له من وسائل الجمع أعلاه ومن طرق الحفظ أقواه وصيانة له من التبديل ورعاية له من نسيان إنسان أو من أفتراء عدو له حتي إذا حدث لفرد أو جماعة خلل في إحدى الناحيتين – أعني الحفظ والكتابة – وجدت الناحية الأخرى مذكرة ومنبهه.

وإذا كان قد توافر للنص القرآني تلك المنزلة السامية من الحفظ في صدور الرجال وسطور الكتب فإن ذلك ليس بكثير عليه بل فإن هذا هو اللائق به والواجب تجاهه حيث يمثل للمسلمين المصدر الأول في العقيدة والتشريع وحيث يعتبر خاتم الكتب السماوية فلا كتاب بعده إلي أن تقوم الساعة فكان من رحمة الله .
الجمع النبوى

حفاظ القرآن الكريم من الصحابة رضي الله عنهم

كان القرآن الكريم هو شغل الصحابة الشاغل لهم في سرهم وعلانيتهم في سفرهم وفي حضرهم فحفظوا كلامه و ائتمروا بأوامره في سفرهم وفي حضرهم فحفظوا كلامه وائتمروا بأوامره وانتهوا بنواهيه و اعتبروا بقصصه وتأدبوا بأدبه

وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو مرجع المسلمين في حفظهم للقرآن وفهمه والوقوف علي أسراره غير أنهم في الحفظ لم يكونوا علي درجة واحدة ولكنهم كانوا علي طبقات مختلفة ودرجات

فمنهم من كان يحفظ القرآن كله عن ظهر قلب ويدونه علي صفحات صدره

ومنهم من كان يحفظ بعضه حسب وقته وفراغه بعد متطلبات الحياة المعيشية وملازمة الحضرة النبوية

ومنهم من كان يدونه علي الصحف من الرقاع والعسب واللخاف وذلك خوف ضياعه ونسيانه ولذلك رأينا الذين حفظوا القرآن واكملوه كله في حياتهصلى الله عليه وسلم او بعد وفاته كانوا جما غفيرا من الرجال و النساء فمن الرجال :

أولا : الحفاظ من الرجال :

أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وابن مسعود وأبو هريرة وابن عمر وابن عباس وعمرو بن العاص وابنه عبد الله وابن الزبير وعقبة بن عامر وأبو موسي الأشعري وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وأنس بن مالك وعبادة بن الصامت وأبو أيوب الأنصاري وسعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري وفضالة بن عبيد الله وغيرهم خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الله .
وذلك تحقيقا لقوله تعالي : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9

ثانيا – الحافظات من النساء :

لم يكن القرآن قاصر علي الرجال بل تقاسموا النساء الحفظ مع الرجال تماما خاصة بعد أن خاطب القرآن النوعين سواء بسواء

فقال جل وعلا : {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }الأحزاب35.

فكما كان من الرجال من يحفظ القرآن كله ومنهم من يحفظ بعضه كذلك كانت النساء فمنهن من كانت تحفظ القرآن كله وذلك مثل :

عائشة وحفصة وأم سلمة وأم ورقة بنت عبد الله ابن الحارث الأنصارية وقد أشار إلي ذلك الحافظ السيوطي في إتقانه

وقد عدَّ بعض العلماء أكثر من سبعة عشر امرأة

الكتَّاب

تتوافر المراجع العلمية : علي إثبات أن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم كان يحظي بعدد وفير من الكتاب الذي يبتهلون فرصة نزول الوحي عليه لتسجيل آيات القرآن الكريم وألفاظه بالتدوين في صحائفهم وألواحهم بين يديه وباملائه .

كما أنها تذكر كذلك أعدادا كثيرة من الكتاب كانت تحرص أيضا علي تدوين ما كان ينزل من الوحي بالرغم من بعدها عن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ساعة نزول الوحي به .

وهؤلاء الكتاب : كثيرون بلغ إحصاؤهم أخيرا نيفا وأربعين كاتبا .


وملاحظاتنا على هذا التعداد الذي تحاوله المراجع


1- أنه ليس تعداد علي وجه الحصر والقطع بعدد معين كما صرح بذلك بعض الباحثين

ذلك :أنه لم يقم علي ما نعرف من وسائل الإحصاء وسبل الحصر العلمية التي تكشفت عنها علوم هذا الحصر .وأيضا فإنه لم يذكر إلا من ثبت علي كتابته واتصلت أيامه فيها وطالت مدته وصحت الرواية علي ذلك من أمره دون ن كتب الكتابه والكتابين والثلاثة إذ كان يستحق بذلك أن يسمي كاتبا ويصاف إلي جماعة كتابة "
ولذا فهناك غير هؤلاء كثيرون :

2- أنه إذا كان هذا هو الحال في المسلمين وهم بالنسبة إلي جميع العرب – وقتها لا يمثلون الغالبية

فما بالنا بأعداد الكتاب في غير هؤلاء المسلمين ...... ؟ لا بد وأنها علي هذا : كانوا أعداد كثيرة وكانوا كذلك مجيدين لأنواع الكتابة المختلفة .
مما يؤكد لنا : أن الذين كتبوا القرآن الكريم .. لم يكن يعتور كتابتهم الخطأ أو يشوب معرفتهم بها أي نقص أو خلل كما يدعم بعض الباحثين .


ونكتفي هنا ان نذكر أن ألزمهم له في كتابة القرآن وأخصهم بذلك من بين الكتاب كان :

زيد بن ثابت
ومعاوية بن أبي سفيان

كما كان أول من كتب له القرآن عليه الصلاة والسلام بمكه من قريش هو :
عبد الله بن أبي سرح

وأن أول من كتب له القرآن حين قدم المدينة كان :

زيد بن ثابت
وأبي بن كعب

وهؤلاء جميعا : كانوا ممن برعوا في الكتابة يومئذ وممن وضع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ثقته لأنهم مع حذقهم في الكتابة جمعوا فضائل الكتاب من :

الأمانة والضبط وإرهاف السمع ووعي القلب

وقد كتب هؤلاء الكتاب آيات القرآن الكريم : كما أملاها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وفي المكان الذى يحدده لهذه الآية أو تلك .
فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه شئ من القرآن دعا بعض من يكتب فيقول : ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ) .

بهذا الشكل كان النبي صلى الله عليه وسلم يملي عليهم مباشرة فيكتبون ما نزل بحضرته ويعرضون عليه مرة بعد أخري حتى يقرهم .

ولم تقتصر كتابة القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم علي ما كان يكتب بين يديه ومن إملائه فقط :

بل كان بعض الصحابة رضوان الله عليهم يكتب ما تعلمه من القرآن فيما تيسر له من الصحف وغيره بعيدا عنه نظرا لمشاغله وعدم فراغه أو نظرا لكونه في غزوة أو سرية منعته من كتابة ما نزل وقت نزوله وبين يديه .

ولعله لوجود فريق من الناس يكتبون القرآن بعيدا عنه صلى الله عليه وسلم: ورد عنه صلى الله عليه وسلم – حفظا للقرآن من التخليط قوله نهيا لا تكتبوا عني شيئا سوي القرآن فمن كتب عني شيئا سوي القرآن فليمحه ".

وبهذا النهي : أنصرفت همة الناس إلي كتابة القرآن الكريم وحده آنذاك وتسجيله حتي أنه فى زمن الإختفاء في أوائل الإسلام لم تمنعهم ظروفهم من ذلك فكانوا يكتبون ويتدارسون القرآن من هذه الصحائف في البيوت وكان المشركون يسمون هذه الدراسة إذ ذاك الهينمة .

ومن شواهد ذلك : حديث عمر بن الخطاب مع أخته قبل إسلامه وهي المشهورة بقصة إسلام عمر .

وقد حفلت السنة بالروايات التي تدل علي أن النبي صلي الله عليه وسلم إهتم بكتابة القرآن .

وأنه اتخذ كتابا – كما أشرنا – لهذا الغرض .

وأن القرآن كتب كله في عهده وحضرته بمكة والمدينة بكل إتقان وضبط من أوله إلي أخره في صحائف وقراطيس متفرقه .


وكانت هذه الصحائف والقراطيس أغلي من أنفسهم وأنفس لديهم من كل نفس وأحب إليهم من كل حبيب وجليس .

وذلك لتيقنهم أن القرآن هو السبب في عزهم وسعادتهم وأنه أساس دينهم وشريعتهم .

بهذا الشكل كتب القرآن جميعه في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم بإقرار منه وبمحضر من بجميع الصحابة الذين كانوا أهلا لمعرفة الكتابة وكيفية الرسم وهم عدد كثير لا يحصي يفيد نقلهم العلم الضروري .

قال معاذ بن جبل وهو من هؤلاء الكتاب :

عرضنا القرآن علي النبي صلي الله علي وسلم فلم يعب أحدا منا

وقد ظهر الإسلام في جميع أنحاء جزيرة العرب كاليمن والبحرين وعمان ونجد وبلاد مضر وربيعه وقضاعة والطائف ومكة ليس فيها مدينة ولا قرية ولا حلة إلا وقد قرئ فيها القرآن وعلمه الصبيان والنساء وكتب وحفظ في الصدور .
 
عودة
أعلى